الخميس، 28 أبريل 2011





عبيد......أحرار
د. جورج عوض إبراهيم
(رو18:6ـ23): ” وَإِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ صِرْتُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ. أَتَكَلَّمُ إِنْسَانِيًّا مِنْ أَجْلِ ضَعْفِ جَسَدِكُمْ. لأَنَّهُ كَمَا قَدَّمْتُمْ أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلنَّجَاسَةِ وَالإِثْمِ لِلإِثْمِ، هكَذَا الآنَ قَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ لِلْقَدَاسَةِ. لأَنَّكُمْ لَمَّا كُنْتُمْ عَبِيدَ الْخَطِيَّةِ، كُنْتُمْ أَحْرَارًا مِنَ الْبِرِّ. فَأَيُّ ثَمَرٍ كَانَ لَكُمْ حِينَئِذٍ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي تَسْتَحُونَ بِهَا الآنَ؟ لأَنَّ نِهَايَةَ تِلْكَ الأُمُورِ هِيَ الْمَوْتُ. 22وَأَمَّا الآنَ إِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ، وَصِرْتُمْ عَبِيدًا ِللهِ، فَلَكُمْ ثَمَرُكُمْ لِلْقَدَاسَةِ، وَالنِّهَايَةُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ. 23لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.
عبودية طوعية:
” وَإِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ صِرْتُمْ عَبِيدًا لِلْبِرّ ِ” (رو18:6).
عبيد نحن وسنكون عبيد. المشكلة هي, نحن عبيد لمن؟ توجد عبودية تتساوي مع الحرية الجميلة جدًا, وتوجد عبودية حيث تتساوي مع الطغيان والموت. دعونا لا نتعثر من إستخدام بولس الرسول لمصطلح "عبودية" لخضوعنا للخطية وكذلك لخضوعنا للمسيح. بمصطلح "عبودية" يريد بالحري أن يُظهِر المحبة الخاصة, والطاعة. يستخدم مصطلح "عبودية" لكي يُظهِر أيضًا وجود قوات أعظم منا, الرب والشيطان الرب والله. لا يمكن أن يخدم سيدين:
" «لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ" (مت24:6).
من
اللحظة التي يتحرر فيها المرء من الخطية يصير عبد ليسوع المسيح. "عبد يسوع المسيح" ليس فقط هو مُهان بل هو له مكانة ثمينة وإلهية. طالما أن المسيح ذاته, بكونه إله, قَبِل أن يصير لأجلنا "عبد". " أخذ شكل العبد" (فيلبي7:2). بما أن ملك ورب الكل صار لأجلنا عبد كم لأجلنا شرف وكرامة أن نقبل محبته ونصير نحن أيضًا عبيد له. وبما أن ذاك لكي يطبق إرادة الآب السماوي, خدمنا كعبد, كم هو شرف لنا أن نخدمه مطبقين وصاياه ! وبما أن ذاك, الحُر حرية مطلقة, أراد أن يستند فقط ليس علي الطبيعة البشرية بل علي الصليب, لكي يحررنا من الإعتماد علي الخطية, كم شرف لنا أن نعتمد علي محبته وفعل فقط كل ما يسر في محبتنا.
العبودية كخضوع للخطية هي الطغيان والعذاب، كخضوع للمسيح هي عشق إلهي.
ثم بعد ذلك يستعرض بولس الرسول الحرية والعبودية الشريرة والحرية والعبودية المقدسة. هل تحررنا من الخطية؟ خضعنا للبر: " وَإِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ صِرْتُمْ عَبِيدًا لِلْبِرّ ِ" (رو18:6). الخطية كانت نيرًا قاسيًا. قبل المسيح كانت نيرًا بدون أي إلتقاط للأنفاس. تعب بدون راحة عذاب بدون توقف. سياط بدون رأفة. لقد حررنا المسيح من نير الخطية، واليوم لأن كل المؤمنين يشعرون مرات كثيرة بالضغط وإجبار الخطية لكن يسمعون صوت المسيح المحرر الذي يدعوهم أن يريحهم ويحررهم:
" اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ" (مت29:11).
المسيح حررنا من النير القاسي ليس لكي نتورط مع نير آخر مثل الحياة بدون المسيح, بدون المحبة، بدون الوفاء للمسيح,هى ليست شيئًا آخرًا إلا تغيير طغاة। هذا الذي ندعوه حرية, بدون المسيح, تعني مرات كثيرة تغيير الأسياد। هذا يحدث أيضًا في الحياة الدينية, عندما لا تُطعم هذه الحياة في شجرة الصليب ونستقي من نبع القيامة। الديانة هي واحدة من الضغط الشكلي للعبادة, عندما لا تكون لها علاقة مع الكنيسة,مع ملكوت المحبة। لقد جاهد بولس الرسول في سنواته الأولي للرسالة الإنجيلية حتى لا تصير مرة أخرى الحياة الدينية نير قاسي:
" فَاثْبُتُوا إِذًا فِي الْحُرِّيَّةِ الَّتِي قَدْ حَرَّرَنَا الْمَسِيحُ بِهَا، وَلاَ تَرْتَبِكُوا أَيْضًا بِنِيرِ عُبُودِيَّةٍ" (غلا1:5).
إرتباطنا مع المسيح لن يكون مثل هذا الإرتباط. إنه بالطبع نير لكن نير صالح, نير مفرح. مثل الزواج حين يكون بالنسبة للعريس والعروس زواج حلو وجميل ورائع وبالتالي شيق جدًا. والإرتباط مقدس يربطنا بالمسيح العريس. نحن عبيده: "عبيدًا للنير"। لا يخدع المسيح أتباعه مثل زعماء العالم الذين يوعدون زيفًا بالحريات والديمقراطيات بل يعد بالصليب لأتباعه: "وَابْتَدَأَ يُعَلِّمُهُمْ أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيرًا، وَيُرْفَضَ مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقُومُ" (مر31:8)। يدعو إرتباطنا معه نيرًا, لكن نيره يصفه بأنه "هين"। هين نير المسيح: "اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ" (مت29:11)।

إذن, طوعًا صرنا عبيد للمسيح الذي هو البر ثلاثة أعالي للعبودية, في مقارنة بعبودية الخطية:
*
بمفردنا طوعًا إنضمينا لحمل صليب المسيح. طالما أن الصليب هو وسيلة حريتنا, نحمل طوعًا صليب الحياة المسيحية, ونتبع المسيح. الحِمل الطوعي يُحول الجهاد القاسي إلي حلو.
*
العبودية للمسيح ليس هو خوفًا. لا يخفي أي خطر بأن نفقد شخصيتنا, وحريتنا. العبودية للمسيح تعني قبول محبته, نتجاوب لدعوة محبته. المحبة هي ذبيحة طوعية لحرية صغيرة ما لتحقيق حرية أخري أعظم.
العبودية للمسيح هي تسليم لمحبته, لوصايته, لإرشاده. الطفل الذي يمسك بيد أمه بالطبع ليس هو حُر أن يذهب حيث يريد. لكن قيادة أمه تحفظه من أي أذي أو مكروه. يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: "هنا يُظهِر بولس الرسول عطيتين لله, التحرر من الخطية والعبودية للفضيلة, شئ هو الحرية الفضلي... ليس فقط تحررنا من الشرور القديمة بل أيضًا للحياة الملائكية قادتنا وفتحت لنا طريق التربية الأصلية طالما سلمنا إلي حياة الفضيلة الآمِن, أمات الشرور القديمة, أمات إنساننا العتيق وأرشدنا للحياة الأبدية" (ΕΠΕ17,69).
ما يبدو أنه عبودية هو قداسة
” أَتَكَلَّمُ إِنْسَانِيًّا مِنْ أَجْلِ ضَعْفِ جَسَدِكُمْ. لأَنَّهُ كَمَا قَدَّمْتُمْ أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلنَّجَاسَةِ وَالإِثْمِ لِلإِثْمِ، هكَذَا الآنَ قَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ لِلْقَدَاسَةِ” (رو19:6).
كيف قدم بولس الرسول محبة المسيح لنا ومحبتنا للمسيح؟ الكلام هنا عن سر. إتحادنا بالمسيح الذي ينبع من تأنسه, من اتخاذه لنا بالجسد, إنه إتحاد سري ولا ينفصل ولكنه لا يُوصف فالعالم لا يدركه. المؤمنون يحيونه. لكي يقدم, إذن, علاقة الإنسان الجديدة بالكلمة المتجسد يستخدم بولس صور رمزية. هكذا يتحدث عن "العبودية" للمسيح, عن التحرر من الخطية. يستخدم طريقة بشرية للتعبير عن مفاهيم روحية. ويشرح هذا الأمر في (رو19:6):
" أَتَكَلَّمُ إِنْسَانِيًّا مِنْ أَجْلِ ضَعْفِ جَسَدِكُمْ. لأَنَّهُ كَمَا قَدَّمْتُمْ أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلنَّجَاسَةِ وَالإِثْمِ لِلإِثْمِ، هكَذَا الآنَ قَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ لِلْقَدَاسَةِ".
نزل بولس إلي طريقة تصوير الخبرات الإلهية مثل الرب حين تنازل إلي الضعف البشري وتحدث بأمثلة ليتنا لا ندرك بحسب الحرف كلمة "عبيد" للمسيح, مثل شخصي متأثر من التيارات السياسية والإجتماعية, يصر علي إزالة مصطلح "عبد الله" من الكتاب المقدس وكتب الكنيسة.
أراد الله أن يكرمنا نحن الذين لا نستحق ويدعونا "أبناء" له (أنظر 2كو18:6), وورثة له. نحن نشعر بعدم إستحقاقنا ونعتبر ذواتنا عبيد لله. وهذا لكي نبرهن ليس علي إلغاء حريتنا بل البرهنة علي خضوعنا الطوعي لإرادته.
حسنًا, يستمر بولس في إستعراض علاقتنا بالله. ويشير بالتحديد إلي أعضاء جسدنا: " أَتَكَلَّمُ إِنْسَانِيًّا مِنْ أَجْلِ ضَعْفِ جَسَدِكُمْ. لأَنَّهُ كَمَا قَدَّمْتُمْ أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلنَّجَاسَةِ وَالإِثْمِ لِلإِثْمِ، هكَذَا الآنَ قَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ لِلْقَدَاسَةِ" (رو19:6).
مثلما في الحالة السابقة, في عبودتنا تحت الخطية, كل أعضائنا أُستخدمت كالآت للخطية والنجاسة والقذارة والعصيان والإثم, هكذا في الحالة الجديدة. الحالة الجديدة هي محبتنا للمسيح, إتحادنا به وبنفس الطريقة أعضاء جسدنا يجب أن تخدم البر والفضيلة حتى نحقق الهدف الذي هو القداسة.
لدينا سيدين, الخطية والفضيلة, الشيطان والمسيح هل هناك مقارنة بينهما؟ بالطبع لا. إذن علينا أن نبرهن علي محبتنا الشديدة تجاه المسيح. وأن نتمم اعمال الفضيلة والمحبة بتأهب وإستعداد أفضل من أعمال الخطية. هل لا نستطيع أن يكون لدينا في خدمة الصلاح غيرة أعظم من تلك التي لدي كل الذين يرتكبون الخطية؟ علي الأقل علينا ان يكون لدينا نفس الغيرة:
" أَتَكَلَّمُ إِنْسَانِيًّا مِنْ أَجْلِ ضَعْفِ جَسَدِكُمْ. لأَنَّهُ كَمَا قَدَّمْتُمْ أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلنَّجَاسَةِ وَالإِثْمِ لِلإِثْمِ، هكَذَا الآنَ قَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ لِلْقَدَاسَةِ" (رو19:6). يقول القديس يوحنا ذهبي الفم:
" بالرغم من أنه يوجد إختلاف عظيم بين السيدين لكن أطلب قياس معادل للعبودية. لأنه كان يجب بالطبع وأكثر جدًا أن تقدموا للفضيلة وبالأكثر جدًا علي قدر السمو الذي لسيادتها. لكن لا أطلب شيئًا أكثر بسبب ضعفكم" (ΕΠΕ17,84).
الشر هو أننا نُستعبد للخطية ولم نُستعبد للمسيح ولم نقدم له ولو شيئًا صغيرًا:
*
الأعين: كم من الساعات التي أُستعبدت فيها الأعين لمناظر وقحه ونافلة ؟ الآن دعونا نقدم أعضائنا عبيدًا للبر والقداسة. ليت أعيننا تستمتع بالمناظر الإلهية. ليت أعيننا تحدق في عظمة الله ولا تنظر بعد المشاهِد الشريرة.
* الأرجل: كم أسرعنا الخُطي تجاه الأشياء المادية والخاطئة؟ ليتنا نقدم أعضائنا عبيدًا للبر والقداسة. ليتنا نسرع الخطي ونحن ننقل رسالة الخلاص ونعلنها للفقراء وللتعساء ونقدم المحبة.
* اللسان: كم أقوال غير لائقة ومعيبة ونافلة تفوهنا بها؟ الآن ليتنا نقدم أعضائنا عبيدًا للبر والقداسة. ليتوقف اللسان عن أن يكون عضو للشر وليصير نبع الصالحات, لسان الإعتراف, لسان الترنيم, لسان العزاء.
كل أعضائنا وقدراتنا النفسية والجسدية والذهنية يجب أن يُوظفوا للهدف الأعظم الذي هو القداسة.
للأسف عمليًا نظهر كم ننحني للسيد القاسي الذي يُدعَّي الخطية, وكم نستهين بإله المحبة الذي هو المسيح. خُدام الخطية متأهبون وناصحون وناشطون أما خُدام المسيح علي الأرض فهم خاملون ونائمون وغامضون. سوف يري دائمًا الرب يهوذا الذي يعمل لأجل الخيانة, لأجل الشر وتلاميذ المسيح نائمون: " ثُمَّ جَاءَ إِلَى تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ لَهُمْ :«نَامُوا الآنَ وَاسْتَرِيحُوا! هُوَذَا السَّاعَةُ قَدِ اقْتَرَبَتْ، وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْخُطَاةِ. قُومُوا نَنْطَلِقْ! هُوَذَا الَّذِي يُسَلِّمُني قَدِ اقْتَرَبَ!» (مت45:26ـ46).
الثمر والنهاية
” لأَنَّكُمْ لَمَّا كُنْتُمْ عَبِيدَ الْخَطِيَّةِ، كُنْتُمْ أَحْرَارًا مِنَ الْبِرِّ. فَأَيُّ ثَمَرٍ كَانَ لَكُمْ حِينَئِذٍ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي تَسْتَحُونَ بِهَا الآنَ؟ لأَنَّ نِهَايَةَ تِلْكَ الأُمُورِ هِيَ الْمَوْتُ” (رو20:6ـ21).
حلم الحرية, واقع العبودية هذه هي حياة الخطية. يعتقد الإنسان أنه حُر عندما يحطم قيود الأخلاق, عندما يقفز من سور المبادئ النبيلة عندما يهجر كإنسان ضال بيت الآب, عندما يفعل ويعمل بلا قوانين. يعتقد أنه حر عندما لا يخضع لشئ إلا فقط لسخافات الخطية. يتحدث عن الحرية بينما في الواقع هو عبد للفساد. لمثل هؤلاء يتحدث القديس بطرس, قائلاً: " وَاعِدِينَ إِيَّاهُمْ بِالْحُرِّيَّةِ، وَهُمْ أَنْفُسُهُمْ عَبِيدُ الْفَسَادِ. لأَنَّ مَا انْغَلَبَ مِنْهُ أَحَدٌ، فَهُوَ لَهُ مُسْتَعْبَدٌ أَيْضًا! " (2بط2:19)
. وبينما هم يحيون ويتحركون كأعضاء عمياء ومربطون بسلسلة الطاغي, يفتخرون بأنهم أحرار. وفي الحقيقة هم أحرار, أحرار بالنسبة للفضيلة والقداسة. أي غير مقيدين بقيد الفضيلة والقداسة. لكن بأي مفهوم؟ بمفهوم أن ليس لديهم أي قيد بالله. فالله هو قيدنا المقدس. عندما لا يكون لدينا علاقة مع الله, علاقة مع حياة الله, عندئذٍ نحن أحرار من جهة الله لكن عبيد للخطية. هذه الحقيقة يشدد عليها بولس الرسول, قائلاً: "لأَنَّكُمْ لَمَّا كُنْتُمْ عَبِيدَ الْخَطِيَّةِ، كُنْتُمْ أَحْرَارًا مِنَ الْبِرِّ " (رو20:6).
هكذا توجد حالتين:
الأولي:
عبيد للخطية
المحبة للخطية هي كل شئ. العقل في الخطية. القلب في الخطية. الأعضاء في الخطية. وزمن الحياة ذبيحة للخطية. لا يوجد في الخطية عنصر الحرية إلا فقط كطُعم. فشعار "أفعل ما يروق لي" تعني العكس أي "أفعل في الحقيقة ما لا أريده", "أفعل ما يأمرني به الآخرين, الشيطان, العالم,....

الثانية:
أحرار من البر
أي لا علاقة مع الله ومع حياة القداسة يقول القديس يوحنا ذهبي الفم
" "هذا الذي يقوله بولس يعني: عندما كنتم تعيشون في الخطية, في الفجور وفي الشرور السيئة, عشتم بطاعة عمياء حتى أنكم لم تفعلوا أي شئ صالح. هذا ما يعنيه بقوله "أحرار من البر" أي لم تكونوا خاضعين للبر, كنتم غرباء عن حياة الله" (ΕΠΕ17,84).
خُلِق الإنسان حُرًا كان يتنفس الحرية في الفردوس, بالقرب من الله, في علاقته مع الله. لكن الخطية قد غرّبته. وحينذاك غيَّر سيدة. صارت حرية العبودية. حرية غير عاقلة.
السرعة المجنونة للإنسان في حريته المزعومة تشبه قفزات المعزة الراقصة. مقيدة بحبل في رقبتها وتقفز مسرعة حول شجرة لا تستطيع أن تفهم أن الحبل يلتف حول جذر الشجرة.بعد قليل رقصة الحرية المجنونة تصير مشنقة للحيّوان المعذب. المشنقة في شجرة الحرية تُدعي الإعتماد علي . أوالتوقف علي.

يتحدث بعد ذلك القديس بولس عن ثمرة ونهاية الخطية: "فَأَيُّ ثَمَرٍ كَانَ لَكُمْ حِينَئِذٍ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي تَسْتَحُونَ بِهَا الآنَ؟ لأَنَّ نِهَايَةَ تِلْكَ الأُمُورِ هِيَ الْمَوْتُ" (رو21:6).
لقد سُلمنا بالكامل للشر ،لكن الآن المسيح حرَّرنا من العبودية وليس فقط بل دعانا مرة أخرى إلي فردوس شركته। علي الأقل نفس الفردوس, نفس الإخلاص الذي كان لدينا في علاقتنا السابقة, مديونون لعلاقتنا الجديدة لعبوديتنا الجديدة। وقتذاك (قبلاً) لم تكن لنا علاقة بالفضيلة। الآن ليس لدينا أي علاقة مع الخطية.

الثلاثاء، 26 أبريل 2011







الدكتور يوسف القرضاوى وفهمى هويدى وحلول بعيدة عن المواطنة



د। جورج عوض
أحسن الأستاذ فهمى هويدى بتفكيره الدائم من اجل مصر ورفعتها وتقدمها كما عودنا دائما فى كتاباته ولا ينسى احد كتابة المعروف عن الاقباط: مواطنون لا ذميون والتى شدد فيها على مواطنة كل المصريين بلا استثناء. وفى مقالة الثلاثاء 26 ابريل فى جريدة الشروق تحت عنوان: " فى فن التقشف" ناقش فيه مسألة أزمة مصر الاقتصادية وكيفية الخروج من هذة الازمة. وقد سبق وتناقش مع خبراء ومتخصصين واتفق معهم على ثلاثة منطلقات هى : ضرورة مصارحة الرأى العام بحقائق الوضع الاقتصادى ــ أهمية إجراء حوار مع أهل الاختصاص للاتفاق على حلول للأزمة ووضع جدول ترتب فيه الآجال والأولويات ــ عدم التردد فى إعلان سياسة للتقشف تبدأ فيها الحكومة بنفسها بحيث تراجع باب المصروفات لاستبعاد كل ما لا لزوم له، خصوصا ما تعلق بالوجاهات والبذخ والسفرات والحفلات والإسراف فى مكاتب التمثيل غير الدبلوماسى بالخارج.
أثار أولئك الخبراء نقطتين أخريين، الأولى تتعلق بضرورة الحد من سفه الواردات التى أصبحت قوائمها تضم سلعا استفزازية لا حصر لها، لا يعقل أن يكون لها مكان فى مجتمع يواجه أزمة. الثانية تتصل بإيرادات الصناديق الخاصة التى أنشأتها بعض الوزارات والمؤسسات العامة، وقدرت حصيلتها فى السنة المالية الأخيرة بنحو 21 مليار جنيه. وقد رأوا أنها تمثل رصيدا مهولا ينبغى أن يستثمر لصالح التنمية، ولا يترك نهبا للعابثين وأصحاب الأهواء فى كل قطاع. حيث لا رقيب ولا حسيب
فيما يخص هذة الاجراءات التى ينبغى على الحكومة ان تتخذها ، لانستطيع إلا ان نوافق عليها ونطلبها بإلحاح من الحكومة। فنحن نريد كشعب ان تصارحنا الحكومة بحقيقة وضع مصر الاقتصادى لأننا نرفض ان يتستر احد على حقائق بحجة عدم ازعاج الناس وتخويفهم، إذ أن بإسم هذا المبدأ أرتكب النظام السابق جرائم كثيرة خلف الستار। إننا لسنا قاصرون ولا نريد أوصياء علينا لأن الأيام علمتنا – وأظن ان هذا حدث بعد ثورة 25يناير-بأن ليس خفى إلا ويُعلن। أيضا مسألة التقشف أمر صحيح يجب أن نمارسة فى حياتنا لأن التبذير أصبح سمة من سمات حياتنا ، فينبغى علينا ان ننضبط فى كل شيىء ونقوى نفوسنا الداخلية لتفعل سلوكيات التقشف عن قناعة بأن هذا الوقت الذى تمر فيه مصر لا يتحمل سلوكيات استفزازية من البعض منا.
أما ما استنكرة الكاتب فهمى هويدى بخصوص زيارات رئيس الوزراء لبعض دول الخليج لعرض موقف مصر الاقتصادى طلبا للمساعدة وكذلك طلب مساعدة الدول الاوروبية وامريكا ، فإننا نراة استنكار فى غير محلة ، لأن جزء من العولمة والمناداة بأن العالم قرية صغيرة يفترض مبدأ التعاون والتآزر بين الدول وبعضها। فالأقتصاد العالمى لن يكون قويا ومتعافيا الا بالتعاون والتآزر بين الدول وبعضها البعض। وما المنظمات العالمية والمؤتمرات الاقتصادية مثل : دافوس وغيرها إلا لتعميق التعاون فيما بين الدول وبعضها। ولا يقلل من مصر قبول مساعدات او اسقاط ديون او طلب تقسيطها بل هو نوع من تفعيل التعاون والتواصل بين الدول وبعضها وإلا ما معنى مساعدات الولايات المتحدة العسكرية للجيش المصرى والتعاون بينهما فى مجال التدريب وغيرة। لكن نفهم هذا الاستنكار إن كان الغرض من ان نسعى نحن بحل مشاكلنا بأنفسنا ، وحتى لو كان هذا صحيحا إلا ان هذا لا يمنع طلب المساعدات من دول أخرى بحكم وجودنا كلنا فى نظام عالمى نلتزم به ، فالتعاون المشترك مطلوب وبالحرى فى وسط الازمات।
كشف أيضا الكاتب الكبير فهمى هويدى من خلال مقاله "فى فن التقشف"، عن فتوى حصل عليها من الشيخ يوسف القرضاوى، رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، يمكن بمقتضاها أن توفر مصر حوالى 2 مليار دولار، عن طريق دعوة الراغبين فى أداء العمرة أو الحج إلى توجيه المبالغ التى خصصوها لهذا الغرض لصالح صندوق يدعم اقتصاد البلد فى الظروف الراهنة

وأشار هويدى إلى أنه توجه بالسؤال التالى إلى الدكتور يوسف القرضاوى: هل يجوز دعوة الراغبين فى أداء العمرة أو الحج إلى توجيه المبالغ التى خصصوها لهذا الغرض لصالح صندوق يدعم اقتصاد البلد فى الظروف الراهنة؟ وما مصير العمرة أو الحجة فى هذه الحالة؟ وهل يدخل دعم اقتصاد البلد ضمن مصارف الزكاة التى يتعين على المسلمين الوفاء بها؟
وأكد هويدى، أن إجابة الدكتور القرضاوى كانت كالتالى: إذا حل ظرف طارئ ببلاد المسلمين
عانت فيه من الشح فى الموارد المالية، فلولى الأمر أن يقيد العمرة، لأنها نافلة وليست فرضاً، ويسرى ذلك أيضاً على حج التطوع، الذى يعد نافلة بدوره (المسلم مكلف بحجة واحدة وما زاد على ذلك تعد نافلة)، والقيد هنا ينصب على الحالة التى يدفع فيها الراغب مالاً للحج أو العمرة، ولا يشمل ما كان منها بالمجان.
.
والسؤال الذى يفرض نفسه : هل هذا الطرح الذى يصتبغ بالصبغة الدينية هو فى إطار المواطنة؟ ماذا عن مشاركة غير المسلم فى حل أزمة بلدة؟ أليس اللجوء إلى الشيخ القرضاوى فى أمر مثل هذا هو ترسيخ لدولة دينية تبعد عن المواطنة؟ هل مشكلة اقتصادية مثل هذة نلقيها للشيخ القرضاوى ليحلها وأساتذة الاقتصاد يكتفون بأخذ أفتاء لحلها ؟ ماذا عن المشاكل الاخرى التى قد تكون علمية او إجتماعية او بشأن علاقاتنا مع المجتمع الدولى هل سنلجأ للشيخ القرضاوى وأمثاله؟ ما معنى الدولة ونظامها وقوانينها إذا كُنا سنلجأ للمشايخ فى كل كبيرة وصغيرة؟؟؟ قد يبدو ان هذا الحل الذى طرحه كاتبنا الكبير هو حلا عبقريا لكن لماذا لا يكون الحل وطنى ويشارك فية كل المصريين بشتى انتمائاتهم كان ينبغى ان يخرج علينا كاتبنا بأن الدولة سوف تطرح سندات لتعضيد اقتصاد مصر تبدأ بخمسون جنيها وتتصاعد وعلى كل المصريين ان يشتروا هذة السندات وخصوصا رجال الاعمال الذين كسبوا وعملوا واستفادوا من النظام السابق وكل فئات الشعب: المهندسون والمقاولون والاطباء والمحاسبون الذى استفادوا من النظام السابق، إنها أشبة برد الجميل لمصر والوقوف معها فى ازمتها التى هى ازمة الكل بلا استثناء. أما توجية خطاب الى فئة دون غيرها وكأن هذة الفئة يعنيها أمر هذا البلد والباقون لا يعنيهم هذا الامر ، فهذا خطأ كبير فكما إجتزنا كلنا مسيرات الحروب والسلام ، هكذا أيضا نريد ان نفعل نفس الشىء معا من منطلق المواطنة. هل يعقل ان يقول الشيخ قرضاوى: إذا أودع المسلم حصته من المال فى هذه الحالة بعد أن عقد نيته على السفر، فإن العمرة أو الحجة تحسب له، أما توجيه الزكاة لصالح إنقاذ اقتصاد البلد المسلم أو حتى تنميته والوفاء بحقوق أهله، فذلك مما يعد فى سبيل الله، الأمر الذى يدخل ضمن المصارف الشرعية المعتبرة . كلام فضيلة الشيخ يمرر لنا رسالة مفادها ان هذا البلد هو بلد مسلم مقصياً بذلك الآخرين من المواطنة . أرجوا من كُتابنا الافاضل تفعيل قيم المواطنة التى تتطلب ان يتحمل الجميع مسئولية هذا الوطن ويسير الكل معا فى السراء والضراء ويكون شعارنا العملى هو كلنا يد واحدة وفكر واحد وهدف واحد لأجل عزة وكرامة وتقدم ورُقى مصر التى فيها الدين هوعلاقة شخصية بين الانسان والله والوطن هو للجميع .



.
.


الأحد، 24 أبريل 2011








ظهورات القائم




ج।باترونس-استاذ العهد الجديد-جامعة اثينا-ترجمة د جورج عوض
الإيمان المسيحي بخصوص القيامة لا يتعلق فقط بالقبر الفارغ, يُوجد في علاقة مباشرة أيضًا مع ظهورات المسيح القائم.
وهذان
الحدثان هما يعتمد الواحد علي الآخر في الأناجيل المقدسة (أنظر لو22:24,...الخ). إنه شهادة أن قائمة الظهورات الأكثر قِدمًا حُفظت عن طريق بولس الرسول لكن هذه القائمة, كذلك أيضًا الإشارات الأقدم للظهورات أتت بدون أي شك من التقليد والإعتراف قبل بولس الرسول, كما ذكر الرسول ذاته في (1كو3:15,...الخ), ومن المحتمل أن لها علاقة بالجماعة المسيحية في أنطاكيا.
وفق الإعتراف الذي هو قبل بولس وقائمة بولس ذاتها, يسوع القائم ظهر أولاً لبطرس, ثم "الأثني عشر" وبعد ذلك ظهورات للسبعين أخ, وليعقوب أخو الرب, ثم لكل الرسل, وفي النهاية لبولس ذاته. وبطرس وُضِع هنا كالأول في قائمة الظهورات.
هذا التقليد الخاص بالظهورات والذي حُفِظَ وألقي بظلالهعلي كل جوانب النصوص المقدسة (أنظر لو34:24. يو15:21,... الخ, 1كو5:15), لديه كهدف أن يشكل علي الأرجح "نموذج" للدعوة الرسولية بمعيار دائمًا خبرة القائم. الأهمية التاريخية واللاهوتية لحالة معينة لظهور القائم إسميًا تجاه بطرس هي عظيمة جدًا ولها مفهوم إستعادة التلميذ للرسولية بعد حدث إنكاره. بالتالي, كل دعوة للرسولية تظل موثقة ليس فقط وجود شروط أساسية, بل بالحري بسبب معيار الشركة مع المسيح القائم (أنظر 1كو8:15).
إشارة ثانية إسمية لقائمة الظهورات هي تلك التي نحو يعقوب أخو الرب الذي ذكرها بولس الرسول (1كو7:15) والتي هي مؤثرة لأنها الظهور المميز هذا لم يُذكرَّ من جانب أي أحد من الكُتَّاب المقدسين। لقد زعَم مفسرون كثيرون أن هذا التقليد عن ظهور القائم ليعقوب يمكن أن يُعبَّر أيضًاعن الأقدم من كل الظهورات, لأنه ينتمي تمامًا إلي تقليد أورشليمي। بالتالي, النص المتعلق بيعقوب عند بولس الرسول (1كو7:15) يُحتمل أنه يُعبَّر عن تقليد أكثر قدِمًا من ذلك النص عن بطرس (1كو5:15) ومن الممكن يُوضع قبل 55ب م, زمن كتابة رسالته। يبدو أن له هدف إلقاء الضوء علي أن يعقوب هو "أول" أسقف لأورشليم। بعد ذلك متأخرًا فقط ظهر بطرس في رأس قائمة الظهورات وله هدف أيضًا هو عرض من جماعات أخري كـ "الأول" في رتبته الرُسل. بالضبط لأجل هذا أيضًا الجماعية المسيحية في أنطاكيا, والتي بها يرتبط إرتباطًا شديدًا بالتقليد الأكثر حداثة لبولس (1كو5:15), يصمت عن يعقوب ويضع بطرس مثلما يفعل كل الكُتاب القديسين (أنظر لو34:24. يو15:21,...الخ).
أيضًا شهادة دلالية هي أن إسم يوحنا لم يُوضع في أي قائمة لظهورات الرب, بالرغم من أن الإنجيل الرابع يشدد علي أن التلميذ المحبوب كان الأول الذي عَرِفَ القائم في واحدة من ظهوراته في بحر طبرية (يو7:21). بالتأكيد, نستطيع أن نقول, أن الإنجيل الرابع يُظهِر بالحري إهتمامًا أساسيًا بالقبر الفارغ أكثر من الظهورات الشخصية (يو2:20,...الخ). التلميذ المحبوب رأي القبر الفارغ وآمن (يو8:20). لم يحتاج هو نفسه لأي ظهور شخصي, ولا أن يؤمن ولا يستعيد ذاته لأي شك في رسوليته بسبب أي زعزعة إيمان. بالنسبة للإنجيل الرابع, تلك الأشخاص التي رأت وعرفوا أولاً القائم, لم يكن لا بطرس ولا يعقوب ولا يوحنا نفسه بل النساء حاملات الطيب وخاصةً الأولي منهن مريم المجدلية (يو11:20,... الخ).
من جملة الظهورات, تذكر الأناجيل أيضًا وتستعرض بالأخص ظهور المسيح لسمعان بطرس (لو34:24), وذلك الظهور للأحد عشر (مت16:28ـ20. مر14:16ـ8. يو19:20ـ20), كذلك أيضًا لبعض التلاميذ غير معوفين لنا اليوم, لكن كانوا (مع الرسل) (لو34:24). ذكرت الأناجيل آخرين أيضًا, مثل تلك الظهورات لمريم المجدلية وللنساء التي كُن برفقتهما (يو11:20ـ18. مت9:23ـ10. مر9:16ـ11), مثلما أيضًا ظهور المسيح لتلميذي عمواس (لو13:24ـ55. مر12:16,...الخ). لدينا أيضًا ظهورات لسبعة تلاميذ من بينهم سمعان بطرس وتوما وناثنائيل ويعقوب ويوحنا وإبني زبدي وأثنين آخرين لم تذكر أسمائهما (يو1:21ـ23).
كل النصوص الإنجلية الخاصة بالقائم, يجب أن تشدد علي أنها لا تخضع لأي نوع من "الأدب الرؤيوي" لأنه جوهريًا هي خبرات ووقائع تاريخية ولأجل هذا لا نري أنها تعلن أي شيء سري ولا تلقي موضوعًا علي المجد الأخروي. أنها تشدد علي مؤانسة القائم مع هذه الشخصيات وتركز علي أهداف إرسالية التلاميذ والرسل لكي يستمروا في عمل معلمهم.
أيضًا النصوص الإنجيلية بخصوص ظهورات الرب لديها هدف مزدوج آخر: الأول, القائم هو حياة شخصية تعمل في التاريخ ويُظهر ذاته تجاه ما يريد. الثاني: القائم هو حاضر ويظهر في وجود بشكل جديد وواقعي الذي هو "منور" و"ملموس" حتى لو لم يقع من ضمن مستويات الإنسان والحاضر الطبيعة والفكرية. القائم ليس هو واحد من إنسان قام من جديد مثل لعازر, من قبره. ليس أيضًا ظهور خيالي لشخص ميت يترك فينا إنطباعًا وتأثرًا لكن الرب القائم لديه "جسد" وتناول طعامًا, وصنع شركة مع تلاميذه, حتى بالرغم من انه دخل والأبواب مغلقة ولم يقبل حدود الزمن والمكان. الإنجليون لم يشرعوا أبدًا في أن يشرحوا لنا هذه الأحداث ولا حاولوا أن يفسروا لنا ماذا يعني أنه "ظهر بهيئة أخري" (مر12:16). لقد كانوا يعرضون الأحداث, ويؤكدوا لنا حقيقتها ولا يدخلون في تحليل جدلي لظهورات وإنطباعات.

3ـ المفهوم الكنسي للظهورات:
يجب أيضًا أن نشدد هنا علي أن نصوص ظهورات الرب القائم لا تعبر عن خبرات الرسل أو الكُتَّاب القديسيين الداخلية والروحية, بل هي تسجيلات كتابية لأحداث تاريخية قد تحققت وتأكدت أمام جماعة من البشر, جماعة الأثني عشر وأيضًا جماعة الكنيسة الأولي. وفي تلك الحمالات التي لدينا ظهورات شخصية لأفراد, مثل سمعان بطرس ويعقوب أو توما وأيضًا هذه الظهورات توجد في علاقة مباشرة مع جماعة الأثني عشر والكنيسة.
هذا العنصر الكنسي هو واضح وضوحًا شديدًا في النصوص المقدسة الخاصة بالظهورات. وعبارة "أُظهر أيضًا يسوع نفسه للتلاميذ" (يو1:21), تظهر بالضبط البُعد الكنسي لهذه الظهورات. وتعلن لنا المفهوم الأساسي للظهورات لصفا وتوما وتلميذي عمواس, للأحد عشر تلميذًا والخمسمائة أخ ودائمًا في علاقة مباشرة تجاه الأثني عشر وكل الكنيسة التي يُرمز لها برقم "الأثني عشر". ظهورات المسيح, بالتالي, يجب أن تُدرك في علاقة مباشرة تجاه كل الرسل والكنيسة الجامعة (أنظر غلا15:1).
يُدرك البُعد الكنسي للظهورات أيضًا من حقيقة "شركة" التلاميذ مع القائم والتي عيشت كنتيجة مقابلات بعضهم لبعض. هذه المقابلات تحققت في كل مرة بمبادرة الرب, سواء في أورشليم واليهودية أو في مناطق الجليل وكُتبت كخبرات حقيقية للتلاميذ (أنظر مت9:28ـ10. مر9:16ـ20. يو1:21,..الخ). أثناء فترة هذه الظهورات أعلن التلاميذ هوية القائم ومعلمهم يسوع الناصري, الذي ساروا معه مسيرة ثلاثة سنوات كاملة وكانوا شهودًا لصلبه وموته. هؤلاء الذين رأوه وهو يموت ويُدفن, يروه الآن أيضًا حيًا أمامهم وتعرفوا علي هوية هيئته الأولي الأرضية والتاريخية مع هيئة تلك القائمة والأخري الأخروية. "جسد" القائم, بالرغم من أنه الآن هو "جسد روحي" (1كو44:15ـ49), لم يتوقف أن يكون جسد حقيقي وروحي من الروح ذاته (أنظر رو4:1) وقائم بواسطة الله الآب ذاته (أنظر أع36:2). هذا "الجسد" لا يخضع الآن لمحدوديات الحياة الحاضرة (يو19:20,...الخ), لكن خضع للتأكيدات وأيضًا للمس.
خبرات الظهورات هذه وتفسيراتها المستقيمة تستلزم إدراك حدث القيامة, كحدث أُخروي يُفعَّل في التاريخ. في حالة يسوع المسيح, القيامة لا تعني رجوع إلي الحياة الأرضية الأولي من عالم الأموات, بل تعني دخول لهيئة جديدة للحياة التي لا تقبل بعد الموت (رو9:6). أيضًا علي التوازي أيضًا الخبرات التي تتمم في الزمن لها ملمح تاريخي, حتى بالرغم من أنها تتخطي تعبيرات قدراتنا الحاضرة. لأجل هذا أيضًا الحاجة إلي يقظة شديدة في محاولة تفسير وإدراك هذه الظهورات.
اللغة الكتابية أيضًا في حالة الظهورات لا تقبل أي عملية نزع للخرافة لأن قيامة المسيح ليست خرافة أو أسطورة وتقع من ضمن نطاق النصوص الأدبية الأسطورية. لكن لماذا خبرات الظهورات هذه ليس لديها ملمح ذاتي ما, ولا موضوعتيهم كانت حصريًا قضية مشاعر للواقع الحاضر. علي النقيض, هذه الخبرات تكررت مرات كثيرة, تحت ظروف مختلفة, في علاقة شخصية وعامة, وأُكِدت وسُجلت بمعونة اللغة الأدبية واللاهوتية وكذلك إيمانهم الذي إنطلق من علاقتهم بشخص وعمل يسوع المسيح. ولأنه, كما قلنا, مبادرة الظهورات تنتمي حصريًا للقائم, لا نستطيع أن نقول كيف كان خيال ديني ومريض أُطلق له العنان.
علم النفس يقول, أن خيال الإنسان يعمل طبقًا للقدرات التي لدي الموجود البشري. في حالة الإنسان المحدود في هذا العالم, الخيال لا يمكن أن يبتدع أشياء وحقائق أسمي جدًا من القدرات البشرية مثل قيامة المسيح.
ظهورات القائم كانت ضرورية وكان لديها ملمح فريد في ثبات الإيمان. بعد خبرة موت الصليب الرهيبة والمشهد البائس لميت محبوب يُدفن بكل الإجراءات النمطية التي تفرضها التقاليد (أنظر مر14:16. لو21:24ـ24. يو19:20)و بالتأكيد فقط علي ظهورات القائم كان يمكن أن يقود التلاميذ إلي إيماني ديناميكي مستقيم. منظر القبر الفارغ الذي يمكن أن يُفسَّر بطرق متنوعة, أيضًا كسرقة وإختفاء الجثة, مثلما علي الجانب الآخر أيضًا حدث في حالة يسوع (أنظر لو11:24,..الخ. يو2:20), لم يكن كافي أن يقنع ويدعم الإيمان لمسيرة رسولية شاهدة. ظهر يسوع المسيح "أربعين يومًا" (أع3:1) أو "أيامًا كثيرة" (أع31:13) ويتقن التلاميذ بهذه الظهورات, أنه هو ذاته الذي عرفوه من قبل, أي المسيح الذي من الناصرة الذي رافقوة في مسيرته التاريخية حتى القبر. والآن هو أمامهم ويحيا ثانية منظورًا وملموسًا (أنظر لو9:21,..الخ. أع41:10).
الشعب, بالتأكيد, لم يصر شاهدًا لهذه الظهورات, مثلما كان قد صار مشاهد من قبل لآلامه وموته علي الصليب. ظهر يسوع فقط لتلاميذه ورسله ولجماعة المؤمنين به "وليس للعالم" (يو22:14), لأن العالم ليس قابل لمثل هذه الخبرات ولا يقبل عمل الإيمان. القيامة يمكن أن تُوصف بأنها الموضوع الأساسي والجوهري للإيمان الذي يحرك الرجاء لقبول أيضًا قيامتنا كلنا (أنظر 1كو20:15). لأجل هذا لا يكون "الطوباويون" فقط هؤلاء الذين رأوا القيامة بأعينهم الجسدية وكان لديهم خبرة الظهورات في حياتهم الشخصية, لكن سيكونوا "طوباويون" وكل أولئك في المستقبل الذين بالرغم من أنهم لم "يروا" سيكونوا الـ "مؤمنين" (يو29:20). عدم لإيمان توما في البداية وبعد ذلك إيمانه المؤكد هو صورة لكل مؤمني المستقبل. الإيمان بالنسبة للتلاميذ والرسل كان ثمرة خبرات ظهورات القائم ـ لكن بالنسبة لمؤمني المستقبل الذين ليس لديهم ميزة أن يكونوا شهود لهذه الأحداث العجيبة, الثقة في ذلك التأكيد (اليقين) هو له أهمية سامية. يسوع المسيح هو أيضًا حاضر اليوم في التاريخ وفي الكنيسة وحضوره الإفخارستي يُعرَّف "في كسر الخبز" (لو35:24). لأجل هذا أيضًا كل "مَنْ آمن بي ولو مات فسيحيا" (يو25:11).
4ـ إدراك قيامة يسوع المسيح كحدث محدد وتاريخي
الإيمان الكتابي في القيامة هو مختلف تمامًا عن الفكرة (الإعتقاد) اليوناني عن الخلود ولأجل هذا لا ينبغي أن يصير إختلاط ولخبطة بينهما, مثلما يحدث عادةً مع وعاظ كثيرين ولاهوتيين مفسرين في محاولاتهم أن يصيروا مفهمون من العامة. وفق الفلسفة اليونانية, نفس الإنسان لأنها غير فاسدة من طبيعتها, بعدما تتحرَّر من قيد الجسد بالموت, يأتي إلي حالة الخلود. لكن بالنسبة للكتاب المقدس, كل أقنوم الإنسان النفسي الجسدي إما يموت أو يحي. هكذا, الأعتقاد والإيمان بالقيامة بالنسبة للعالم اليهودي كان من الإعتقادات والتعاليم الأساسية. كل اليهود قبلوا قيامة الأبرار والأشرار لكي يُدانوا في الأيام الأخيرة. مجموعة هرطوقية فقط للصدوقيين ينادون بأنه لا توجد قيامة (أنظر أع8:23). وهذا إستثناء هامشي يُظهِر ملمح هذا الإيمان الأساسي والشامل في كل العالم اليهودي.

بالتالي, كان لا يوجد أي صعوبة في قبول فكرة أيضًا الإيمان بقيامة شخص محدد. عندما ظهر الرسل مباشرةً بعد الصلب يكرزون ليس بفكرة عامة عن قيامة عامة بل الإيمان بقيامة يسوع الذي من الناصرة, أي شخص معاصر ومعروف للجميع, والذي قد رفضوه وحكموا عليه بالموت بسبب عصيانه وتجديفه, هذه الكرازة أُعتبرت مستفزة وجاهلة. الإيمان بالقيامة لمجدف عاصي ونبي كاذب وهرطوقي بحسب معرفتهم وتقديرهم حيث زعمائهم الدينيين والشيوخ والرؤساء قد حكموا عليه بموت مهين علي الصليب, كان حجر بدون عثرة دينية سابقة.
نفس الأمر حدث أيضًا مع الحكماء اليونانيين والأدباء, عندما ذهب بولس الرسول وتحدث في أثينا عن الإيمان بالقيامة في البداية الجميع ظنوا أن الكلام عن فكرة جديرة والتي يقدمها معلم الشرق هذا, مختلفة عن فكرة الخلود التي يكرز بها هؤلاء, وإهتموا فلسفيًا بأن تتكرر هذه النظرية أمام منصة أريوس باغوس: "سنسمع منك عن هذا أيضًا" (أع32:17). لكن عندما اكد أنه لا يتحدث عن فكرة جديدة وتعليم ما جديد, بل عن حدث معين, شخص تاريخي معاصر والذي أقامة الله من الأموات, عندئذٍ فلاسفة أثينا الأبقوريون والرواقيون كان رد فعلهم قاسيًا وسموه حامل "لآلهة غريبة" (أع18:17) "لأنه كان يبشرهم بيسوع والقيامة" (أع18:17).
الأمر الذي له الدلالة أيضًا أن اللاهوت الغربي المعاصر صوب نيرانه تجاه الإيمان بقيامة المسيح وشرع في خلق إنطباع بأن مسألة القيامة كلها كانت نتيجة للميول الحماسية لتلاميذ يسوع وأتباعه في ذلك العصر فاتحين هكذا الطريق لنظرية "نزع الخرافة απομυθευση" عن النصوص الإنجيلية والتي أشرنا عليها من قبل. لكن لو لم يكن قد حدث "شيء" مؤثر فيما يتعلق بيسوع المصلوب والذي دُفِن, كان سيكون من المستحيل, أن يفكروا في مثل هذه النظرية ويربطونها بشخص تاريخي معين من جيلهم ويدافعون عن ما إبتدعوه أمام الرؤساء والمحاكمويخاطرون بحياتهم. ليس فقط من الميول الحماسية قد كانوا هؤلاء مأخوذين بل من سيطر عليهم خوف ورعب شديد من المعروف, أن موت يسوع قادهم إلي الفزع وكانوا مرتعبينمثلما كانوا بعد الصلب إذ تفرقوا وإختبئوا من الخوف من اليهود.
علي الجانب الآخر, إنسان مقتدر وبتكوين نظري ولاهوتي تام, مثل بولس الرسول, لو لم يكن مقتنع بقيامة يسوع وخبرته الشخصية عند باب دمشق, هل كان سيشدد تشديدًا كبيرًا علي "إن لم يكن المسيح قد قام فباطل إيمانكم" (1كو17:15). هذا اليقين والخبرة الشخصية للجميع قاد الرسل أن يصيروا شهود روحيين ومدافعين حاريت لقيامة القائم ويختمون شهادتهم هذه بموتهم الشخصي. بالنسبة للرسل وللكنيسة الأولي لم يكن موجود أي شك بخصوص حقيقة القيامة وبالتأكيد لم يكن الموضوع عن عصيان ديني جماعي.
في نصوص الأناجيل بالتوازي مع التأكيدات عن ظهورات القائم, لدينا بإستمرار شكوك مماثلة ومعارضات عقلية, والتي تُظهِر غياب تام لميول حماسية وإعتمادات أُخروية. لا نستطيع أن نقول كيف أن القيامة قفزت كفكرة لاهوتية من إيمان ديني ما. بالحري حدث تمامًا العكس. الإيمان خرج من حقيقة القيامة. وفي نطاق التقديرات اللاهوتية, القيامة لم تكن البداية أو العِلة الأصلية بل التأكيد علي ماسيانية يسوع. القيامة هي واحد من عناصر خريستولوجية العهد الجديد, لكن ليست هي الوحيدة. قيامة المسيح بالنسبة لكُتَّاب العهد الجديد وبالنسبة للرسل والوعاظ الأُول للإيمان المسيحي كانت حدث تاريخي غير مشكوك فيه. عند هذه المرحلة من التشديد علي تاريخية قيامة يسوع, يجب أن يصير أيضًا تفسير واضح بشكل تاريخي للقيامات التي تممها يسوع أثناء حياته علي الأرض, مثل إقامة إبنة يايروس وإبن أرملة نايين ولعازر. في تلك الحالات لدينا جوهريًا عودة للإنسان إلي العالم الطبيعي الحاضر وبالتالي تكرار حتمية الموت ثانية "في حالة يسوع لدينا تغيير تام. قيامة يسوع هي فريدة, لدينا قيامة في مرحلتها النهائية والشاملة. قيامة تاريخية لكن بإمتدادات أُخروية واضحة. في قيامة لعازر, علي سبيل المثال, لدينا مع موته أيضًا حالات طبيعية جسدية. هو ذاته "أنتن وله أربعة أيام" (يو39:11), بينما في حالة يسوع ليس لدينا "جثة" ولا "تحلل" للجسد بل "هيئة" جسد "في هيئة أخري" حيث قام من القبر.
5ـ الأبعاد الخلاصية والأُخروية لقيامة المسيح:
هكذا, بالإضافة إلي الملمح التاريخي لقيامة يسوع المسيح الذي أُظهر من الأحداث ذاتها وشهادات التلاميذ الرسل وبالإضافة إلي الرؤية اللاهوتية العامة, فإن الحاجة إلي أيضًا تناول الأهمية الخلاصية المحددة لهذا الحدث. لأن, قيامة يسوع هي الشرط الأساسي وكذلك أيضًا ضمان لقيامتنا نحن. تجاه هذا الإتجاه نثبت نظرنا بالحري إلي كرازة بولس الرسول فيما يتعلق بالقيامة التي هي أساسًا للرجاء والتفاؤل للإنسان والتاريخ لو لم توجد قامة يسوع ورجاء قيامتنا, عندئذٍ سنكون نحن "أشقي جميع الناس" (1كو 19:15), طالما سنبني إيماننا وحياتنا علي واقع مستحيل.
الإيمان بإله حي والإيمان بقيامة المسيح والإنسان هي حدث عظيم للتاريخ. نحن لا نتحدث عن نوع من خلود للنفس, النموذج اليوناني, بل عن قيامة حقيقية وجامعة للكل وحسنًا قيامة للجسد والنفس, خلق طبيعي وروحي. لأجل هذا أيضًا الكنيسة الأولي لا يعنيها أبدًا أي مفهوم للقيامة له ملمح نظري ولاهوتي, بل يعنيها الحدث التاريخي المحدد لقيامة يسوع المسيح, ذات ملمح خلاصي تام بإمتدادات تجاه قيامة كل البشر النهائية.
تحققنا إلي الآن من الأهمية التاريخية واللاهوتية لحدث قيامة المسيح في علاقة مباشرة وله علاقة بالنتائج الخلاصية والأخروية لحياة وتاريخ الإنسان. كل هذا سوف يُدرك بالتوازي تجاه الإطار الكنسي والإفخارستي لحضور الرب في حياة الكنيسة. الائم هو اليوم حاضرًا في إيمان وحياة الكنيسة, ليس فقط بواسطة الحدث التاريخي وشهادة شهود العيان الأولون بل بالحري الآن بواسطة أسرار الكنيسة وبالأخص سر الإفخارستيا حيث هناك وبالتحديد "كسر الخبز" يُعرَّف أيضًا ليسوع من مؤمنيه كرب الحياة والتاريخ (لو35:24).
نحن نؤمن, أن هذه الحقيقة السرائرية والكنسية هي ممكنة فقط اليوم للإنسان أن يقبلها ويدرك بالصواب حدث قيامة وحضور المسيح في الكنيسة والتاريخ. لأنه, حقًا من الصعب اليوم أن تُدرك القيامة من الإنسان المعاصر وأن تُعاش من المؤمن المعاصر, لو أن التعليم اللاهوتي والكرازة يحاولان أن يشرحوا هذا الحدث تاريخيًا ولاهوتيًا, خارج روح ومناخ الحياة الليتورجية والسرائرية للكنيسة.
كرازة ورسالة قيامة المسيح وبأكثر شمولاً قيامة الإنسان تحصل علي مفهوم حقيقي وجوهري بالأخص لو إنضمت وأُدركت في كل سر التدبير الخلاص غير ذلك لن تكون لها مفهوم ولا يمكن أن تصير مقبولة.
تحت هذه الأساسيات, الإيمان والتعليم المسيحي جوهريًا يصيرا إيمان وتعليم هما قوة القيامة ونوعية إختلافنا تقود إلي خصوصية التعليم الأرثوذكسي والروحانية الأرثوذكسية اللذين يُبنا بالأخص علي روح القيامة هي قمة تاريخ يسوع المسيح بل أيضًا تاريخ الإيمان المسيحي والكنيسة كل إنتقال من هذا المركز. هو ممكن أساسًا أن يحول الإيمان والروحانية إلي أمور دنيوية. أيضًا في كتابنا "الكرازة الرسولية في الكنيسة الأولي": [ بالنسبة للمؤمنين والرسل الأُول, القيامة كانت بلا شك لها أهمية أولية. كانت بلا شك لها أهمية أولية. كانت أساس الإيمان بل أيضًا قاعدة لأي عمل وتطور لاهوتي مستقبلي. كانت مصدر للإلهام لتشكيل وصياغة الحياة المسيحية. وفيما بعد متأخرصا صارت مصدر للإلهام لكل شكل للفن المسيحي وللعبادة المسيحية. القيامة كانت محتوي الشهادة المسيحية لكل العالم. التشكيك حول كرازة الكنيسة الأولي بالقيامة وخاصةً رفض حقيقة قيامة المسيح, يعني ليس فقط أن كرازة الرسل بل أيضًا إيمان المسيحيين هذا هو قول فارغ" [ص129]. القول المسيحي يصير حياة مسيحية وجوهرية وحقيقي فقط في إيمان له قوة القيامة وفقط في موقف فصحي للحياة في التاريخ.



لا تلمسيني
د. جورج عوض إبراهيم
نقرأ بحسب إنجيل يوحنا أن المسيح القائم لم يسمح لمريم المجدلية أن تقترب منه ” لا تلمسيني” (يو17:20). لكن بعد أسبوع, دعيَّ المسيح نفسه توما لكي يضع إصبعه مكان الجرِاح (يو24:20ـ29). كيف يتوافقا هذان الحدثان؟
إن تعبير القائم "لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلي أبي" (يو17:20), يمثل تعبير من التعبيرات عسرة التفسير.
قد يبدو أنه يوجد تناقض في أن المسيح, من جهةٍ, لا يسمح لمريم المجدلية أن تلمسه لأنه لم يصعد بعد إلي أبيه, من جهةٍ أخرى, في نهاية الإصحاح نفسه, وأيضًا قبل أن يصعد إلي أبيه يقول لتوما: "هات إصبعك إلي هنا وأبصر يدي وهات يدك وضعها في جنبي ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنًا" (يو27:20).
في وجهة النظر الأولي, حالة مريم المجدلية يبدو أنها لا تتوافق مع الأحداث الأخري المذكورة في العهد الجديد والتي تؤكد علي البُعد المادي والجسدي في شركة وتواصل القائم مع تلاميذه. هكذا, في نفس الإنجيل الرب القائم يكسر ويوزع الخبز والسمك بيديه علي التلاميذ. وعلي الجانب الآخر, بحسب إنجيل متى فإن حاملات الطيب أثناء تقابلهم مع القائم: "فتقدمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له" (مت9:28). وبحسب إنجيل لوقا الرب القائم يمسك الخبز ويباركه ويقطعه ويوزعه علي تلميذي عمواس (أنظر لو30:24), بينما في موضع آخر في نفس الإنجيل يأكل قطعة من السمك المشوي (أنظر لو 43:24). وفي النهاية, تعبير "وفيما هو مجتمع معهم" الواردة في سفر الأعمال (أع4:1), تعليق بوضوح أن الرب بعد القيامة وحتى الصعود أكل مع التلاميذ وكانت له شركة وتواصل معهم عن قُرب.
بحسب بعض المفسرين, قول المسيح لتوما بأن يلمس آثار الجروح لا يعني أنه لمسَّ جسده. حقًا دعي المسيح توما بأن يلمسه (أنظر يو27:20) لكن توما مضى مباشرةً في إعترافه "ربي وإلهي" (أنظر يو28:20) بدون أن يُذكَّر أنه حقًا لمسَّ الرب. هؤلاء المفسرون نادوا بأن توما قد آمن بالفعل ولم يتجرأ علي لمس ربه وإلهه وإنحصر في إعترافه الذي ذكره. وفق هذا الرأي لا يوجد بالضرورة تناقض بين "لا تلمسيني" و"هات يديك وضعها في جنبي", طالما أن توما لم يتجاوب مع هذا الأمر الأخير.

مفسرون آخرون
يعتبرون أنه لا يوجد بالضرورة تناقض بين "لا تلمسيني" وحقيقة أن المسيح ظهر مرات معينة وهو يأكل مع تلاميذه ويوزع لهم خبز وسمك, لأن هذا لا يستلزم, علي أي حال, أيضًا إتصال جسدي معهم. وبالرغم من ذلك يظل بلا تفسير لماذا المسيح يستطيع أن يأتي في علاقة مع أشياء مادية, لكن ليس مع الناس.
أيضًا المقارنة بين "لا تلمسيني" والصورة التي ذكرها متى في (مت9:28) والتي بمقتضاها حاملات الطيب يمسكون أرجل القائم هي صعبة جدًا. فالذي رفضه المسيح في إنجيل يوحنا مع مريم المجدلية يُقدمه بحسب إنجيل متى لكل حاملات الطيب بما فيهم مريم.
بالطبع صيغ الرأي بأن الروايتين يكمل الواحدة الآخر كالآتي: لم يُسمح لمريم المجدلية أن تمسك الرب بمفردها (أنظر يو17:20) لكن عندما إبتعدت مع حاملات الطيب عن القبر سُمِح للجميع معًا أن يسجدوا له ويلمسوا أرجله (أنظر مت9:28).
لكن ليس هناك إنسجام للروايتين
خاصةً أنه وفق الشهادة الواضحة لنصوص القيامة الواردة في الإناجيل أن الرب القائم كان لديه جسد مادي. كان يستطيع أن يظهر في أماكن مغلقة بدون أن يحتاج لفتح الأبواب (أنظر يو19:20 ،26) ويظهر بنفس الطريقة (أنظر لو31:24) لكن الطبيعة البشرية المقامة لم تُحرم من البُعد الجسدي. يمكن لجسده أن يكون لديه خواص المادة التي هي مماثلة لخواص أجسادنا التي وُلدِت وتحيا في عالم السقوط وتخضع للفساد والموت, لكن جسده القائم لديه نوعية المادة التي سوف تكون لدي أجسادنا بعد قيامة الأموات. لن يكون جسد خيالي بل جسد "في عدم فساد" (1كو42:15), "في مجد", "في قوة" (1كو43:15), إنه "جسد روحاني" (1كو44:15).
لو أن المسيح لم يهتم بجسده المادي, عندئذٍ القبر لن يوجد فارغًا, هو نفسه لن يأكل مع تلاميذه متقاسمًا معهم الخبز والسمك, وبالتأكيد لا أحد يستطيع أن يلمسه.
إذن لماذا قال "لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلي أبي" (يو17:20)؟
توجد آراء تفسيريه كثيرة لهذا النص, نذكر منها الآتي:
1ـ المسيح لم يسمح لمريم المجدلية أن تمسكه لأنها إمرأة. هذا الرأي لا يتمشي مع حقيقة أن المسيح القائم يقدر بالأخص النساء معلنًا ذاته أولاً لحاملات الطيب (أنظر مت9:28, مر9:16, يو14:20) وبعد ذلك لتلاميذه (أنظر مت 17:28, مر12:16, 14, يو19:20). هكذا كما ذُكِر بالفعل في إنجيل متى, سمح المسيح لحاملات الطيب أن يعبروا عن إحترامهم له ماسكين أرجله وإعترافهم بإلوهيته وتعبيرًا عن محبتهم لشخصه.
2ـ المسيح لا يريد أن يأتي في إتصال جسدي مع البشر حتى لا يتدنس جسده القائم الذي سوف يصعد إلي السموات.
هذا الرأي أيضًا لا يمكن أن يكون صحيحًا لأن الله هو فوق أي دنس يأتي من الطبيعة البشرية. لأن غير ذلك كان بالأولي أن لا يتجسد.
3ـ مريم تعلن عن نيتها بلمسها للمسيح أن تأخذ عطية روحية علي أساس ما قاله لهم المسيح أنه سوف يرسل لهم المعزي (أنظر يو26:15), المسيح لم يتركها تقترب منه وشرح لها انه مازال لم يصعد لأبيه مذكرًا بأنه طالما الشرط للعطية الروحية هي صعوده وجلوسه عن يمين الآب, ولا يمكن مادام هو موجود علي الأرض, أن يمنح عطية الروح القدس. هذا الرأي يفترض مسبقًا أن مريم, للتو تعرف يسوع, أول ما فكرت هو أن تستغل حضوره لفائدتها, لكن في الواقع مريم تظهر بأنها تتصرف من منطلق محبتها غير المغرضة تجاه الرب.
5ـ رأي مماثل للسابق ينادي بأن مسألة "لا تلمسيني" ليس لديها مفهوم "لا تتكيئ عليّ" بل "لا تمسكيني" بكلام آخر دُعيت مريم من المسيح أن لا تعتمد علي شخصه ولا تتقيد بصورته الأرضية. فقط طالما المسيح سيصعد إلي أبيه ويرسل الروح القدس, سيمكن لمريم ومعها كل الجماعة الكنسية أن تمسكه صانعين شركة معه ليست بعد علي مستوي الأشخاص التاريخيين بل علي مستوي الإيمان والخبرة, هذا لأن الباراقليط سيكون بعد الشخص الذي سوف يجعل الرب القائم قريبًا للمؤمنين. هذا الرأي به صعوبة أن فعل «απτομαι»: ألمس يمكن أن يُدرك بنفس معني κρατω: أي أمسك.
5ـ أخيرًا, يوجد رأي يشرح الحدث, بأن المسيح صعد إلي الآب في الفترة ما بين ظهوره لمريم المجدلية (أنظر يو11:20ـ17) وظهوره للتلاميذ (أنظر يو19:20ـ23). هكذا, بينما تجنب الإتصال بمريم, لأنه مازال لم يصعد وبالتالي لم يأت الروح " لكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي، وَلكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ " (يو7:16), بعد ذلك قد صعد إلي الآب, يمنح الروح (يو19:20, 21ـ23) معطيًا أيضًا الإمكانية لتوما أن يلمسه (يو27:20). هذه الفرضية تبدو منذ البداية أنها تعطي حل للتضاد الموجود بين الحدثين, لكن لا تستند علي معطيات الرواية الإنجيلية طالما لا يوجد أي برهان في النص أن الصعود صار بين الحدثين. نعم أعطي الروح للتلاميذ ( " وَلَمَّا قَالَ هذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ:«اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ» (يو22:20ـ23). لكن هذه العطية لا تتطابق مع حلول الروح القدس في يوم الخمسين.
هذه الآراء التي إستعرضناها لا تجيب إجابة كافية علي الصعوبة التفسيرية لآية (يو17:20), إلا أن هناك إمكانية أخري لنفهم هذا النص.
يبدو من سياق النص أن مريم المجدلية وُجِدت في حالة إضطراب وإختلطت الأمور في ذهنها. فهي أول مَنْ رأت الحجر مرفوعًا عند مدخل قبر المسيح (يو1:20). ثم بعد ذلك أسرعت واعلنت لبطرس وليوحنا بأنهم أخذوا الرب وأنه غير معروف أين وضعوه والتلميذين اسرعوا تجاه القبر والتلميذ المحبوب آمن وهو يري القبر فارغ (يو3:20ـ8). لكن مريم كانت مازالت في حالة إرتباك لأن جسد معلمها المحبوب قد إختفي. فالإرتباك وثقل الإجهاد العاطفي بدأ من أنها ظلت أبعد من أي منطق خارج القبر الفارغ وهي تبكي (يو11:20). في تلك الساعة ترى أمامها ملاكين لكن لم تكن في حالة أن تدرك هويتهما (يو13:12). هكذا أجابت علي سؤالها لماذا تبكي قائلة للمرة الثانية أنهما أخذوا سيدها وهي لا تعرف أين وضعوه (يو13:20). بمفردها بعد ذلك إلتفتت للخلف ورأت يسوع لكن لم تعرفه أيضًا (يو14:20).
لقد سألها المسيح نفس السؤال وظنت أنه البستاني وتوسلت إليه أن يقول لها إن كان أخذه وأين وضع جسد سيدها حتى تستطيع أن تأخذه (يو15:20), فقط, عندما القائم نطق بإسمها, تلك رجعت من إرتباكها, وعرفته وهمت بأن تلمسه داعية إياه كما إعتاد التلاميذ, يا معلم (يو16:20). لكن المسيح بعبارة "لا تلمسيني" إتخذ مسافة ولم يسمح لها أن تعبر عن فرحتها. ولم يفعل ذلك لأنه يشك في نيتها الصالحة أو محبتها العميقة. فعل هذا لكي يبلغها بكل وضوح أن الذي أمامها ليس مجرد معلم, بل الإبن وكلمة الله المتجسد والقائم.
أيضًا في حياته الأرضية إتخذ مسافة بينه وبين أشخاص محبوبون له حتى يصير مدركًا بكونه الله وأنه لا يمكن أن ينقاد من إحتياجات ورغبات بشرية, بل لديه تحكم كامل لكل الحالات ويعمل عندما هو يريد. والمثل الواضح لهذا الأمر ما قاله لأمه "ما لي ولك يا إمرأة" (يو4:2), عندما طلبت منه مباشرةً أن يتدخل ويعطي حلاً لمشكلة نقص الخمر في عرس قانا الجليل.
إذن المسيح برَّر قوله "لا تلمسيني" حين أضاف قائلاً :"لأني لم أصعد بعد إلي أبي". هنا نشأت مشكلة جديدة لو الآن هو لا يُقتَّرب منه حيث لم يصعد بعد إلي أبيه, كم بالحري سيسري هذا الأمر, عندما إبتعد أصلاً من العالم؟ لكن هذه المشكلة يمكن أن تُحَّل لو دخلنا إلي عمق التعليم اللاهوتي المختفي في هذا التعبير.
مريم المجدلية,
مثل معظم من تبعوا بثقة المسيح, لم تكن قد إستطاعت أن تدخل بعمق في سر لاهوته. لأن غير ذلك ما كانت تحزن وهي تري القبر فارغ بل كان عليها أن تفرح مدركة أن المسيح قام كما سبق وقال لهم. الآن, إذن,حيث تري أمامها القائم تقترب منه من جديد كمعلم لها, حيث بالنسبة لها لم يتوقف عن أن يكون إنسان عادي. سبب سوء فهمها لا يوجد فيها هي ذاتها بل في حقيقة أنها مازالت لم تأخذ الروح القدس الذي سيجعلها قادرة علي إدراك شخص الرب وعمله وتعليمه, وفق ما أعلنه: " بِهذَا كَلَّمْتُكُمْ وَأَنَا عِنْدَكُمْ. وَأَمَّا الْمُعَزِّي، الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ " (يو25:14ـ26).
بالتالي, مريم المجدلية لا ينبغي أن تنتظر بأنها سوف تستطيع أن تقترب من المسيح لأن أبيه مازال لم يرسل الروح القدس الذي سوف يفتح ذهنها ويُعطيها القدرة أن تدركه حقًا. محبة مريم للمسيح لم تكن كافية. كانت تحتاج إلي المعرفة المستقيمة عنه, والتي سوف يمنحها لها الروح القدس معطيًا إياها المقدرة أن تقترب لشخص سيدها المحبوب.
هذا الروح القدس منحه القائم خاصةً لتلاميذه, بالفعل قبل الصعود وقبل يوم الخمسين. هذه العطية قد أخذها أيضًا توما بالرغم من أنه كان غائبًا عن إجتماع التلاميذ في اللحظة التي منح فيها الرب القائم الروح القدس للتلاميذ. إن عطية الروح القدس منحت للتلاميذ المقدرة أن يدركوا ويعترفوا بهوية يسوع الحقيقية. وتوما نائبًا عن باقي التلاميذ يعترف ويقر بأن يسوع هو "الرب والإله" وعلي أساس هذا الإعتراف يمكن أن يقترب من المسيح القائم ليس علي أساس أنه معلم محبوب بل بكونه كلمة الله المتجسد.


الجمعة، 22 أبريل 2011




قبر يسوع الفارغ وقيامة المسيح
ج. باترونس- استاذ العهد الجديد-جامعة اثينا-ترجمة د جورج عوض
1ـ قبر يسوع المصلوب الفارغ
القبر هو شهادة لا تُكذَّب عن موت إنسان, مثلما بالتأكيد كان أيضًا "القبر" الذي أُعِد لأجل موت يسوع. الموت لديه تأكيد صارم لا رجعة فيه لنهاية المسيرة التاريخية وحياة كل البشر. أسمي من القبر يبدأ الرجاء فقط في فتح مستقبل لكل إنسان وهذا الرجاء في الأبدية يصير مؤكد بحدث قيامة يسوع المسيح. لأجل هذا أيضًا تري الأناجيل في حالة يسوع تخطي أيضًا لهذا الرجاء والإنتظار بشوق، وتمضي في تسجيل واقع جديد في تاريخ الرب أبعد من القبر, في تلك القيامة, أي الإنتصار علي الموت. بالتالي, القيامة وليس الموت, هي حديث الأناجيل الأخير عن يسوع. تناول كامل وتسجيل لمسيرة يسوع التاريخية لا يمكن أن تتوقف في القبر, حيث يرتاح الجسد الميت, بل يجب أن يتحرك أيضًا أبعد من القبر الفارغ, تجاه ظهورات محددة للقائم وتجاه هذا الحدث ذاته لقيامة المسيح وقيامة البشر العتيدة.
بالإضافة إلي كل هذا, بينما كل الإنجليين ينهون نصوصهم المقدسة المخصصة لحياة وتاريخ يسوع المسيح, بالإشارة إلي القيامة, إلا أنه لا أحد تجرأ أن يصف هذا الحدث في حد ذاته, أقصد حدث القيامة بل ذُكِرت بتوسع فقط الشهادات المتعلقة بالقبر الفارغ وظهورات القائم وهذا علي الأرجح يعني أن لا أحد قادر علي رؤية ووصف هذا الحدث الذي هو حقًا يتخطي قدرات المعرفة البشرية وخبرات عالمنا المحسوس. الإنسان جدير فقط علي تأكيد هذا الحدث بواسطة الإيمان ومشاركته لشركة الكنيسة الإفخارستية وفي أسراراها الخلاصية. لم يُشاهَّد المسيح لحظة قيامته من أي إنسان. لأجل هذا لم يذكر لنا أي إنجيلي كيف بالضبط صارت القيامة وبأي طريقة محددة "قام المسيح" و"إنتصب" من قبره. فقط الإنجيلي متى يذكر أن القيامة صاحبتها أحداث مؤثرة, مثل الزلزلة العظيمة وإنشقاق حجاب الهيكل. لدينا أيضًا " لأَنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَجَاءَ وَدَحْرَجَ الْحَجَرَ عَنِ الْبَابِ، وَجَلَسَ عَلَيْهِ" (مت2:28). الإنجيلي متى يستخدم هنا لغة بشرية تستدعي في الذاكرة صور وردت في الكتب المقدسة بسبب ضعفة في أن يشرح الحدث ذاته. "دحرج" الحجر الملاك ليُظهر أن القبر كان فارغًا وأن يسوع "الناصري والمصلوب" لا يجب أن يُطلَّب هناك (مر6:16). إذن, يسوع أولاً, قبل أن يُدحَّرج الحجر كان قد قام بالفعل وخرج من قبره.
الإنجيليون جميعًا يضعون وجود فراغ قبر يسوع من النساء حاملات الطيب, زمنيًا, في الساعات الأولي بعد يوم السبت, أي الساعات الصباحية الأولي ليوم الأحد, الجنود الذين كانوا بالقرب من القبر بأوامر مجمع السنهدريم لحراسة القبر, بعد حدوث الزلزلة والتحقق من أن القبر كان بالفعل فارغ, إنتابهم الفزع والرعب أن ينقلوا هذا الخبر لرؤساء الكهنة. أكدوا لهم, أنهم هم أنفسهم تمموا قانونيًا واجبات عملهم لكن الآن وُجدوا في ضعف تام أن يفسروا, ما حدث بالضبط وكيف فجأةً وُجِد القبر أمامهم فارغًا, وبدون جسد المصلوب. مخاوف رؤساء الكهنة الذين تحققوا مباشرةً بعد الدفن, أن مجمع السنهدريم لن يتجرأ بعد هذا الجزر أن يشكك في مسألة القبر الفارغ حاولوا فقط إعطاء تفسير مغاير لمِا حدث.
لكن بغض النظر عن أي تفسير, هذا الذي كانوا في حاجة إليه في تلك اللحظة الحرجة كان عِلة "منطقية" كهذا الحدث تجاه الشعب. والعلِة الأكثر منطقية بالنسبة لهم أن يبتدعوا ويُشيعوا بأن التلاميذ جاءوا ليلاً وسرقوا جسد يسوع, بينما الحُراس كانوا نيامًا (مت11:28ـ15). حقًا تفسيرهم هذا في النهاية ينطق بجهلٍ صارخ "وضلال عظيم" وخوف (مت64:27).
لكن بهذة الطريقة والمحاربات ضد يسوع صارت شهادات للقبر الفارغ اللا إرادية وشهادتهم مثل هذه تصير بالأكثر جديرة طالما أنها تأتي من خصوم وأعلاء الإيمان المسيحي.
وُجِد قبر يسوع بالقرب من أورشليم وكان أي أحد بسهولة يستطيع أن يذهب إليه ويتأكد بنفسه, أنه حقًا كان فارغًا. ولم يشكك أحد في شهادة الرسل بخصوص القبر الفارغ. لكن الإرتباط بين القبر الفارغ وقيامة يسوع المسيح وجد قمة المقاومة عند اليهود الذين حاولوا أن يفكوا الإرتباط بين القبر الفارغ ورسالة التلاميذ المتعلقة بقيامة معلمهم. ولم يكن فقط هذا التفسير عن السرقة. يبدو, أنه كان يوجد أيضًا إشاعة حفظها لنا الإنجيلي يوحنا, أن جسد يسوع قد حُمل من القبر لأسباب غير معروفة (أنظر يو15:20). إن هذين التفسيرين من جانب خصوم الإيمان المسيحيظهرا بأشكال مختلفة في التقليد اليهودي المضاد للمسيحية فيما بعد.
لقد بحث اليهود جيدًا مسألة القبر الفارغ وبدون أن يتشككوا في عدم وجود جسد يسوع في القبر, وفضّلوا أن يتحدثوا عن وجود تضليل ما। بينما متى الإنجيلي يذكر دائمًا أن هذا التفسير اليهودي عن سرقة الجسد من التلاميذ قد سري بطريقة مناسبة عند رؤساء الرومان (مت14:28)। ويوسابيوس المؤرخ, فيما بعد, قد حفظ معلومة أنه في فترة وجيزة جدًا بعد أحداث تلك البصخة, كل فلسطين إمتلئت بهذه الإشاعات التي قد إنتشرت بطريقة منظمة في العالم بواسطة رؤساء اليهود الدينيين (تاريخ كنيسة, الجزء الثاني1:2)।
الأنجيليون سجلوا هذه الأحداث مع التشديد علي مسألة القبر الفارغ,
وأخبروا بالحري علي هذا الأمر. أيضًا الأناجيل ليست هي المصدر الأول والفريد لمعلومة القبر الفارغ. كل التقاليد المسيحية التي تتحدث عن المسيح ينتهون إلي حدث القيامة السامي, تذكر مسألة القبرالفارغ مثل هذه التقاليد حُفظت في الكرازة الرسولية الأولي, وكذلك في رسائل العهد الجديد حيث خبر القيامة لا يُدرَّك بدون أي ذكر للقبر الفارغ. هذا يبرهن علي أنه من إستخدام نفس شكل الكلمات والتعبيرات في كل العصر الرسولي, لكي يستعرضون حوادث البصخة كرسالة تبشرية لكل العالم. أفعال "أُقيم" و"قام" من القبر ليست فقط كلمات للمحتوي الأساسي بل أيضًا مصطلحات تكّون التعبيرات الرسوليةالهامة لكي تستعرض بطريقة مناسبة حدث القيامة (رو4:6. 1كو4:15,.... 1تس14:4). ومن المعروف, أنه من الجوانب اللاهوتية تمامًا, هذه المصطلحات هي الأقدم من إستخدامها الأولي في الكرازة المسيحية بخصوص قيامة يسوع المسيح (أنظر دانيال2:12,....). وكون أن أبرار الله أثناء موتهم سوف يقيمهه الله في اليوم الآخير, أو أن الأموات سوف يقيمون ويهجرون قبورهم, كان تقليد لاهوتي للكتابات الرؤيوية (أنظر أخنوخ 1:51, 10:91, 3:92. رؤيا موسي 4:41. عزرا 29:7,...الخ. باروخ2:50,...الخ).
لأجل هذا أيضًا التقليد الكتابي عن القبر الفارغ له أهمية عظيمة للإيمان المسيحي (مر8:16. يو2:20), حتى لو كان بالنسبة للمفسرين الحُداث أن هذا الحدث كعلامة تخص كل الإيمان والتعليم, قد يقبل كل التفسيرات دائمًا, كل تفسير لهذه العلامة يجب أن تتعلق بطريقة مباشرة بحدث القيامة ذاته وبظهورات الرب القائم (أنظر لو24:24,...الخ). سواء نتحدث عن القبر الفارغ أو عن الظهورات نقصد حدث القيامة ذاته ورسالة القيامة التي حفظها لنا التلاميذ والرسل وسلموها لنا من يوم الأحد الأول للفصح. قيامة الأموات وخاصةً الأبرار, والتي تحدث عنها التقليد اليهودي القديم كانت جزء من وعود الله وأيضًا جزء من التعاليم الأخروية, ظهر أمامهم كحدث تاريخي معين في شخص يسوع المسيح الذي كان "باكورة" الواقع الجديد. الله لم يترك إبنه في القبر بل أقامة من الأموات. يسوع الرب قام. هكذا هذه المصطلحات, في أي تقليد مسيحي تُوجَّد في علاقة مباشرةً مع الرسالة الفصحية وتُذكَّر دائمًا لقبر يسوع الفارغ.
نجد في الشكل الأول، هذه المصطلحات في سفر أعمال الرسل وتخص مباشرةً حدث قيامة الرب من القبر الفارغ (أع24:2. 15:3. 10:4. 30:5. 40:10), وذلك أيضًا قبل بولس في الإعتراف بالمسيح القائم (1كو4:15) الذي إستمر بنفس التشديد في رسائل بولس (رو4:6. 1تس14:4,...الخ). كل هذا التقليد القديم للكنيسة, الإرتباط بين القبر الفارغ وقيامة يسوع ليس فقطيشمل في نفس الوقت كل التقاليد الإنجيلية بل إستمر أيضًا في عصر ما بعد الرسل ووصل مع مرور الزمن إلي اليوم حاملاً الرسالة الفصحية تجاه العالم والناس, رسالة الحياة الأبدية.
هكذا, أهمية القبر الفارغ لتشكيل كل التعليم المسيحي يمكن أن تُعتبر حاسمة. عندما يذكر بولس الرسول يسوع المسيح كحمل الله الذي قُدِم في يوم الفصح "لأجلنا" يفتح عصر جديد لتعليم لاهوتي (أنظر 1كو7:5,...الخ). الرب القائم هو "باكورة" هذا الواقع الجديد والثمرة الجديدة للبذرة الأخروية (1كو15:20,...الخ). ومثلما المسيح قام في صباح أحد الفصح وصار "البكر بين الأموات" تاركًا خلفه قبر فارغ, بالمثل أيضًا الأموات سوف يقومون ويتركون قبورهم (كو18:1. 12:2).

الخميس، 21 أبريل 2011




لماذا آمن قائد المائة حين كان المسيح على الصليب؟؟؟

د। جورج عوض إبراهيم



يُذكر ـ في إنجيل مرقس ـ أن قائد المائة الواقف أمام يسوع المصلوب، حين رأى أن الرب يصرخ " هكذا وأسلم الروح "، قال " حقًا كان هذا الإنسان ابن الله " (مر39:15). كيف يؤمن أحد بألوهية الرب لمجرد أنه سمعه يصرخ بصوت عظيم قبل أن يسلم الروح؟

الإنجيليون الثلاثة متى ومرقس ولوقا سجلوا اعتراف قائد المائة مباشرةً بعد موت المسيح. لكن كل واحد سجل اعترافه من زاوية معينة. إذًا قبل أن نجيب على السؤال المطروح على ما ذُكِر في إنجيل مرقس، سوف نستعرض أقوال الثلاثة أناجيل الأخرى لكي نتحقق إن كان حقًا اعتراف قائد المائة يحمل نفس الصعوبة التفسيرية حتى تكون لدينا صورة شاملة عن هذه المسألة.

1ـ بحسب إنجيل متى
يظهر يسوع بأنه " صرخ بصوت عظيم " (مت5:27) حين أسلم الروح. مباشرةً بعد انشقاق حجاب الهيكل إلى اثنين من فوق إلى تحت، صار زلزال وتشققت الصخور (مت51:27). والمثير حقًا هو انفتاح القبور وكثيرون من الأبرار الذين ماتوا قاموا ودخلوا مدينة أورشليم وظهروا لكثيرين (مت52:27ـ53). إذًا قائد المائة مع مجموعة الجنود الذين كانوا يحرسون يسوع " لما رأوا الزلزلة وما كان خافوا جدًا وقالوا " حقًا كان هذا ابن الله " (مت54:27). هكذا سرد الحدث بحسب إنجيل متى لا يُنشئ حيرة للقارئ فيما يخص اعتراف قائد المائة. فقائد المائة وهو يشاهد، هو والحُراس، هذه الأحداث فوق الطبيعية تتزامن مع موت يسوع، كان بالتالي ما حدث لأجل شخص إلهي.

2ـ بحسب إنجيل لوقا، يصرخ المسيح بصوتٍ عظيم قبل أن يسلم الروح. حسنًا يعطي لوقا الإنجيلي محتوى دقيق لهذا الصوت العظيم: " ونادى يسوع بصوت عظيم وقال يا أبتاه في يديك أستودع روحي. ولما قال هذا أسلم الروح " (لو46:23). مباشرةً بعد موت الرب " فلما رأى قائد المائة ما كان مجّد الله قائلاً بالحقيقة كان هذا الإنسان بارًا " (لو47:23). لم يسجل لوقا، مثل متى، حوادث فوق طبيعية صاحبت موت يسوع، فيما عدا بالطبع الظُلمة (انظر لو44:23). إن رد فعل قائد المائة الإيجابي من جهة شخص المسيح لم تكن بسبب الظلمة بل نتيجة طريقة موته. الإختلاف عند لوقا عن الإنجيليين الأولين، في أن قائد المائة لم يعترف بأن يسوع كان حقًا "ابن الله" بل إنسان بار، أى كان بريئًا من جهة الإتهامات التي وُجهت إليه. ونتيجة لذلك لا يستحق أن يموت بهذه الطريقة المهينة.

أيضًا يذكر لوقا أن كل الموجودين يتفقون على هذه النتيجة حيث كانوا يقرعون على صدورهم ـ وهم راجعون إلى بيوتهم ـ نادمين من أجل موت يسوع (نظر لو28:23). هكذا ما سجله لوقا كان واضحًا وسهل التفسير. فالمسيح مات بطريقة تُظهِر أنه كان إنسانًا بارًا، وهذا صار مدركًا جدًا من جانب قائد المائة، ومن جانب الجمع الذين ندموا على صلبه، ولا أحد أظهر هنا استنتاج بأن يسوع كان شخص إلهي.

على النقيض، ما سجله مرقس به صعوبة تفسيرية. وهنا، مثلما جاء في متى ولوقا، يرى قائد المائة يسوع " يصرخ بصوت عظيم وأسلم الروح " (مر37:15). الإختلاف يرجع إلى أن قائد المائة يستنتج من شدة صوت يسوع أنه " حقًا كان هذا الإنسان ابن الله " (مر39:15). لم يذكر مرقس ـ مثل لوقا ـ حوادث فوق طبيعية مثل الزلزال أو قيامة أشخاص أموات. لقد ذكر فقط أن حجاب الهيكل انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل (انظر مر38:15). لكن هذا الحدث لا يمكن أن يساهم في تشكيل فكر قائد المائة بأن يسوع هو ابن الله لأنه بالطبع كإنسان وثني لا يُدرك حدث إنشقاق حجاب الهيكل .

هكذا صراخ الرب الشديد يقود قائد المائة إلى هذا الاعتراف العظيم، في اللحظة التي فيها اليهود العارفون بوعود العهد القديم وشهود للقدرات الإلهية التي حققها أثناء نشاطه العلني، يستهزئون به ويستفزونه بأن ينزل من على الصليب (انظر مر29:15ـ32، 36).

لكي نفهم أهمية صراخ المسيح المقبل على الموت يجب أن نضع في حُسباننا الآتي: إنهاك المصلوبين خاصةً بعد مرور بضعة ساعات فوق الصليب كان إنهاكًا شديدًا. هذا يرجع إلى فقدان كمية كبيرة من الدم أثناء النزيف والألم المستمر وخاصةً في وضع فرد الأيدي المعلقة بواسطة المسامير، ومن جراء ثقل الجسد تُبذل محاولات كبيرة لتستند الأرجل والجسد مُعلّق هكذا. هذا الوضع لا يسمح للمصلوب أن يتنفس بسهولة: الشهيق والزفير. وعندما يُستنزف المصلوب ولا يستطيع أن يسند جسمه على أرجله يأتي الموت من الاختناق. لأجل هذا، في إنجيل يوحنا نقرأ أن الرومان كسروا أرجل اللصين اللذين قد صُلبا مع يسوع لكي يُسرعوا بموتهما حتى يتسنى لهم إنزالهم بأمان من على الصليب (انظر يو32:19)، هكذا حرصوا على أن لا تبقى الأجساد معلّقة حتى لا يهينوا قداسة اليوم التالي، الذي تصادف أن يكون يوم السبت وعيد البصخة (انظر يو31:19).
فإذا كان التنفس للمصلوب في غاية الصعوبة فكم بالحري التحدث الذي كان صعب جدًا، إذًا نستطيع أن نقول إن قائد المائة شاهد أُناس كثيرين صُلِبوا، إذ كان الموت بالصلب، في هذا الوقت، الجزاء المعتاد الذي يفرضه الرؤساء الرومان على مرتكبي الجرائم الذين لم تكن هويتهم رومانية، وبالتأكيد تنفيذ هذا الجزاء كان من نصيب الجنود الرومان. إذًا للمرة الأولى يرى قائد المائة مصلوبًا وإنسان أُستنزف تمامًا وبالكاد يتنفس بصعوبة قبل أن يسلم الروح، يصرخ بصوتٍ عالٍ هكذا. كما لو أنه لا يخضع للنواميس الطبيعية. إذًا صراخ الرب في هذه اللحظة يشهد على قوته وسلطانه. هكذا موت الرب لم يكن بمثابة هزيمة بل نُصرة، إنه تكميل لرسالته الماسيانية لتحقيق خلاص الجنس البشري.

إن الكرازة بأن المسيح هو ابن الله خاصةً في إنجيل مرقس لم يُسمع قبل اعتراف قائد المائة إلاّ فقط في بداية الإنجيل من مرقس نفسه (مر1:1) ومن الشياطين (مر11:3، 7:5). والرب نفسه قِبِل لقب "ابن الله " أثناء التحقيق معه من قِبَل رئيس الكهنة (مر61:14ـ62)، الأمر الذي يمثل أيضًا دافع لإدانته بالموت على هذا التجديف.

ليست صدفة إذًا أن يكون قائد المائة هو الأول والإنسان الوحيد في إنجيل مرقس الذي يعترف بألوهية المسيح. لم يقل بالطبع أن يسوع هو "ابن الله" بل "ابن إله". وهذا يتجاوب مع فِكر الأمم عن تعدد الآلهة في ذلك العصر، على أساسها كل إنسان يُظهِر قدرات خاصة يستطيع أن يُدعى "إلهي" ويُعترف به أن أصله إلهي. إذًا كاتب الإنجيل يرى أن القائد الروماني بدون أن يُدرك تمامًا يصيب الهدف بحق معترفًا بألوهية المسيح. هذا الاعتراف هو بمثابة انفتاح الإنجيل على الأمم الذين كانوا على استعداد لقبول كرازة الكنيسة، بينما على النقيض ـ فيما عدا استثناءات ـ اليهود ظلوا في ضلالهم رافضين تمامًا المسيح.






صلب وموت المسيح



ج।باترونس - استاذ العهد جامعة اثينا-ترجمة د جورج عوض



بالنسبة للإنجيلي يوحنا, قرار إدانة يسوع فوق الصليب له أهمية كبيرة ليس فقط أهمية تاريخية بل ولاهوتية. مرات كثيرة يذكر الإنجيلي في إنجيله الرابع أقوال يسوع ذاته عن إرتفاعة مع التشديد علي أنه "وَأَنَا إِنِ ارْتَفَعْتُ عَنِ الأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ الْجَمِيعَ». قَالَ هذَا مُشِيرًا إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يَمُوتَ" (يو32:12ـ33). إذن, طالما جاء قرار الموت, كان ينبغي أن يُصلب. رَفع إبن الإنسان علي الصليب كان جزء من خطة التدبير الإلهي (أنظر يو14:3, 28:8). جتى ذلك الوقت, تجنب يسوع الموت بالرجم. لكن الموت علي الصليب قد قبله.
كثيرون قد عبروا عن رأي مفاده أن كل إشارات الأناجيل في محاولة بيلاطس أن يقنع اليهود فيما يتعلق ببراءة يسوع, هي ملمح دفاعي وليست لها جدارة تاريخية. يستندون علي أن هذه الأناجيل قد كُتيبتِ تحت ظروف جديدة في نهاية القرن الأول, حين تأسست الكنيسة ونمت في عالم أممي وروماني تمامًا. إننا نعرف أن اليهود في ذلك العصر لم يكن لديهم حق فرض جزاء الموت ولأجل هذا تجسيد قراراهم ضد يسوع كان قضية ليست تصديق بل أيضًا تنفيذ من الرؤساء السياسيين والعسكريين. الفحص الموضوعي للأحداث هو قادر علي أن يقنعنا أن أولئك الذين ملقاه عليهم جوهريًا مسئولية موت يسوع زعماء الأمة اليهودية مع مجمع السنهدريم برؤساءه وشيوخه والكتبة والفريسيين, أي جمع الزعامة الدينية والفكرية لشعب الله "المختار" هم المحركين الأساسيين للفعل الإجرامي الكبير لأجل موت إنسان برئ المجرمون الحقيقيون هم الزعماء الدينيين اليهود الذين إستخدموا خوف بيلاطس, وتعصب الشعب وخيانة يهوذا. الملمح الدفاعي للنصوص أتي هنا في المرتبة الثانية.
كل إجراءات المحاكمة السياسية إنتهت في منتصف نهار الجمعة يسوع أُقتيد بأمر بيلاطس خارج أسوار أورشليم, إلي وادي الجلجثة الصغير لكي يُصلب من القسم العسكري المختص بالتنفيذ والذي يرأسه قائد مائة وأُجبر أن يحمل علي كتفيه الصليب الخشبي الثقيل, هكذا كانت العادة للمحكوم عليهم, وفقط متأخرًا, عندما صار مستنزفًا من الجلدات والتعب كان من المستحيل أن تستمر مسيرته الصاعدة فرضوا مسألة نقل الصليب لفلاح تصادف أنه كان يمر إسمه سمعان القيرواني (مر21:15). بالتأكيد, هذا الموكب المؤلم كان يضم نساء "كُن يلطمن وينُحن عليه" (لو27:23). تحمل المسيح كل أشكال الألم بتنازل إلهي. لم يقبل النحيب كما لم يقبل بعد ذلك كأس الخمر الممزوج بالمُر الذي قدموه إليه لكي يخفف آلامه (مر23:15). وقال للنساء, "بنات أورشليم" : "لا تبكين عليَّ بل إبكين علي أنفسكن وعلي أولادكن" (لو28:23). ليتنا نتذكر هنا, عندما برأ بيلاطس منذ قليل: يسوع " فَلَمَّا رَأَى بِيلاَطُسُ أَنَّهُ لاَ يَنْفَعُ شَيْئًا، بَلْ بِالْحَرِيِّ يَحْدُثُ شَغَبٌ، أَخَذَ مَاءً وَغَسَلَ يَدَيْهِ قُدَّامَ الْجَمْعِ قَائِلاً:«إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَمِ هذَا الْبَارِّ! أَبْصِرُوا أَنْتُمْ!». فَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْب وَقَالُوا:«دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا»" (مت24:27ـ25).
لقد إستمرت التصرفات الوضيعة والمؤلمة ليسوع كلحظة أخروية. جرّدوه من الثياب في الموضع المحدد للصليب وتركوه عاريًا وهم يستهزئون به. أمام الموت لدي الإنسان علي الأقل حق الكرامة, لكن يسوع لم يكن لديه ولا هذا الحق. عُرِض عاريًا أمام الأنظار الفضوليه والشرسه وأُستهزء به بينما إقترع الجنود علي ملابسه (مت35:27). الإنجليون ببساطة شديدة وبدون أي حَرفية ذكروا في النهاية بإيجاز صلب يسوع, أما الحوادث العظيمة والمؤثرة لم تُوّصف.

علي الجانب الآخر, إهتمام الإنجيليين لا يُوجد في مستوي حالات المشاعر والتحليلات النفسية, بل في التناول التاريخي للواقع وأصالة آلام يسوع فقط, المسيح صُلِب "ومعه لصين واحدًا عن يمينه وآخر عن يساره" (مر27:15), لكي يظهر حجم الشر تجاه إحتقار يسوع. المسيح صُلِب مع الأشرار واللصوص (لو32:23) وهذه وضاعة زائدة وإحتقار مبالغ فيه حتى لو كان لدينا هنا تتميم لنبوة "وأحصي مع أثمة" (أش12:53, مر28:15), لكي يظهر في النهاية أن موت يسوع بالإضافة لكل هذا صار وفق الكتب المقدسة.
تتابعت الإهانات والسخرية والشتائم من جانب خُدَام رؤساء الكهنة والكتبة الذين كانوا موجودون كشهود لتطبيق الحكم بالموت علي يسوع, كذلك من اللصين اللذين صُلِبا معه. صمت يسوع أمام هذه الإستفزازات مثلما أيضًا أثناء فترة الحكم, وفقط عندما صرخ واحد من اللصين "أذكرني يارب متى جئت في ملكوتك" أجاب مؤكدًا له أنه "اليوم تكون معي في الفردوس" (لو42:23ـ43). لم يطلب يسوع في اللحظات الحرجة للضعف البشري أي معونة بل منح الرحمة والمغفرة, ليس فقط تجاه اللص المصلوب بل أيضًا تجاه مضطهدية وصالبيه: "فَقَالَ يَسُوعُ: «يَاأَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ». وَإِذِ اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ اقْتَرَعُوا عَلَيْهَا" (لو34:23).

5ـ أقوال يسوع الآخيرة علي الصليب:
تعبيرات وكلمات كل الرجال العظماء قد ظلت تاريخية هكذا أيضًا الأناجيل حفظت لنا أقوال يسوع الآخيرة علي الصليب بقداسة عظيمة. واحدة من هذه الأقوال موجودة في إنجيلي متى ومرقس قيلت كنوع من الصلاة: "إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟" (مت46:27. مر34:15) لوقا الإنجيلي حفظ لنا ثلاثة أقوال. لقد سبق وذكرنا أثنين من هذه الأقوال والتي تقدم غفران تجاه اللص وصالبيه (لو34:23, 43:23), والقول الثالث يعبر عن التسليم النهائي لروح يسوع "في يدي" الله: "وَنَادَى يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَ: «يَا أَبَتَاهُ، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي». وَلَمَّا قَالَ هذَا أَسْلَمَ الرُّوحَ" (لو46:23). أخيرًا, سَّلم لنا يوحنا تعبير يسوع فيما يتعلق بذاته, كتلميذ "محبوب" : "فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أُمَّهُ، وَالتِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفًا، قَالَ لأُمِّهِ:«يَا امْرَأَةُ، هُوَذَا ابْنُكِ»" (يو26:19). والكلمات الآخيرة المؤثرة: "أنا عطشان" (يو28:19) و"وقد أكمل" (يو30:19).
وُضِع من كثيرين من المفسرين سؤالاً, هل هذه التعبيرات والكلمات لديها أصل تاريخي؟ وهل هذه الأشياء قد أتت من فم يسوع؟ ما يسبب مشكلة هي أن هذه الأقوال والتعبيرات مذكورة في الكتب المقدس, كما في مزامير 21و30 أو لها صدي نبوي حيث أخذت فيما بعد صبغة ليتورجية (أنظر أش53). لدينا معلومات من مصادر مختلفة لذاك العصر, أن أحد المحكوم عليهم رافقه فيما عدا الذين ينتمون إلي السلطة المدنية, جمع من الناس وأصدقاء وأقارب كمشهد إنساني. بين المحكوم عليه والأصدقاء تبادلت فيه كلمات وتعابير تعزية وتعضيد وأيضًا الواجبات الأخيرة للأقارب وقد صارت علي مسمع الجميع.
هكذا, لم يكن من غير المحتمل أن يسوع قال هذه التعّبيرات الأخيرة, طالما كان بجوار الصليب تلميذه المحبوب يوحنا مع أمه مريم (مر40:15, يو25:19). الأكثر إحتمالاً هو أنه قال أكثر من هذه الأقوال, لكن الإنجليون حفظوا لنا الأكثر أهمية وتأثرًا بدون شك, كان علي يسوع أن يستخدم الحق الذي يعطيه القانون بأن يكلف أحد بالإهتمام بأمه, وفي هذه الحالة إلي تلميذه المحبوب يوحنا (يو26:19, ....الخ).
هذا بالطبع لا يعني أن هذه التعبيرات حفُظت من جانب الإنجليين علي شكل أو اللغة التي قيلت بها. لكن ملمحهم الأول ومفهومهم الأساسي ظلَّوا بلا تغيير ولا سوف ننحاز للرأي الذي يقولوه كثير من المفسرين بأن يسوع قد إستخدم بأهداف رعوية, الصليب كـ "مِنبر" للكرازة لأعداءه ومحاربية بالغفران والتوبة. أو أن الرب وَجَد "فرصة" أن يعظ ويعلم الأمم. هذا قد فعله يسوع مرات كثيرة من قبل. الآن كانت لحظة إنسانية حرجة حيث يعبر عن قلقه ومشاعره ويذكر كل تاريخه وحياته إلي الله الآب, إليه يسلم روحه ويذكر "نهاية" عمله.
6ـ نزول جسد المسيح ودفنه:
يختم الإنجليون سرد الآلام بالفقرة الموجزة والمصغره لدفن جسد المسيح وموت المسيح هو واقع تاريخي بلا شك. وُضِع جسد المسيح في قبر معين, بعد طلب يوسف الذي من الرامة وبعد التأكيد الدقيق من الجنود المسئولين عن تنفيذ حكم الموت, بأن يسوع كان بالفعل ميت. بعد إجراءات الدفن, من المحتمل بواسطة نساء الصليب, ويوسف بمساعدة نيقوديموس الصديق "السري" ليسوع وأيضًا عضو مجمع السنهدريم وضعوا جسد يسوع في قبر جديد لم يُستخدم من قبل وختموا القبر بحجر كبير لحمايته من أي أعمال إنتهاك حُرمات وناقبي القبور (مت57:27ـ61, يو38:19ـ42).
كانت مسيرة يسوع التاريخية علي الأرض لها هذه النهاية التراجيدية. كمثل أي إنسان وُضع جسده المادي في الأرض. القبر هو واقع حقيقي بلا شك. وموته لا يقبل أي أدني شك. بعد الدفن,رحل الأصدقاء والأقارب حزاني. رؤساء الكهنة والفريسيين دخلوا علي بيلاطس, لكي يضع حُراس علي القبر "إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ، لِئَلاَّ يَأْتِيَ تَلاَمِيذُهُ لَيْلاً وَيَسْرِقُوهُ، وَيَقُولُوا لِلشَّعْبِ: إِنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ، فَتَكُونَ الضَّلاَلَةُ الأَخِيرَةُ أَشَرَّ مِنَ الأُولَى!" (لو64:27). حقًا, لأي شيء وارد, القبر "خُتم" و"أُمِن" جيدًا وفرقة من الحُراس عُينت لكي تقوم بأعمال حراسة جسد يسوع (مت66:27).
لقد تحقق غير المتوقع وغير المحتمل. الكلمة المتجسد, يسوع المسيح, إبن الإنسان والله الذي في مسيرته وحياته التاريخية الذي كرز بإنجيل ملكوت الله " جَمِيعُ الَّذِينَ كَانَ عِنْدَهُمْ سُقَمَاءُ بِأَمْرَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ قَدَّمُوهُمْ إِلَيْهِ، فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَشَفَاهُمْ " (لو40:4), الذي أقام إبنه يايروس,وإبن أرملة نايين وصديقة المحبوب لعازر, الذي تحدث عن ذاته بأنه "ماء الحياة" و"خبز الحياة الأزلي" "الذي حمل أوجاعنا وأمراضنا" والذي أتي "لكي يخلص العالم", الآن وضِع ميتًا في قبر بشري!
7ـ التناول اللاهوتي لحدث الصلب:
هذه الأحداث التاريخية الأخيرة تحتاج أيضًا إلي تناول لاهوتي لأن غير ذلك موت يسوع علي الصليب كان سيكون عبارة عن نهاية إخفاقية وقدرية لحياة إنسان, إنسان كان شاهدًا للحق والبر. موت المسيح كان واحد من الأحداث الأساسية للكرازة المسيحة الأولي وللتعليم اللاهوتي للكنيسة الأولي. من البداية موت يسوع له علاقة بالتعليم اللاهوتي لموت الماسيا في سفر أشعياء وُفسِر كتحقيق مباشر للنبوة القديمة أن المسيح مات "لأجل خطايانا" وأيضًا "بحسب الكتب" (1كو3:15), إنه جزء من التقليد المسلم للكنيسة قبل بولس الرسول. التأكيد علي أن "المسيح المصلوب" كان "عثرة لليهود وجهل لليونانيين" (1كو25:1), يساعدنا أن نتحقق من أن هذا "التقليد" عن موت المسيح الفدائي والخلاصي كان قناعة متسعة للشعب وليس مجرد فكر لاهوتي لمجموعة الرسل.
بالتأكيد, بالنسبة لليهود كان عمومًا من الصعب جدًا وتقريبًا غير مفهوم أن يقبلوا بسهولة موت إبن الله وإبن الإنسان, أي الماسيا الذي إنتظروه في مجده وقوة ملك بيت داود, وأيضًا مثل هذا الموت علي الصليب وبطريقة مخزية تحسب لعنة. النبوة عن العبد المتألم الواردة في سفر أشعياء كانت هامة جدًا من جانب صياغة وتعبير لموضوع موت الماسيا الغامض. لكن غير مفهوم بالنسبة للشعب وللذين يعرفون الكتب المقدسة نظريًا كان مدركًا. عمومًا كان بالنسبة لكثير من الشعب قضية صعبة. لم يستطيع الكثيرون أن يعتقدوا بأن الماسيا يتألم مثله مثل الناس العاديين.
لأجل ذلك, تفسير موت يسوع فوق الصليب أُعتبر أمرًا هامًا وضروري وسوف يلعب دورًا أساسيًا في صياغة الإيمان المسيحي, وفي تشكيل عبادة الكنيسة فيما بعد. الإنجيل المسيحي والكرازة الرسولية هما لا يُدركا بدون حدث صلب وموت المسيح. بالنسبة لزمن العهد الجديد "أسلمه رؤساء الكهنة وحكامنا لقضاء الموت وصلبوه" كانت هذه القناعة تقليد عام (لو18:24ـ20). الأمر الذي هو ضروري كان التفسير الصحيح لإدراك حدث الصليب هذا, في مسيرة يسوع التاريخية, يمكن أن يُعتبر بلا شك كحدث تاريخي, وأيضًا حدث حاسم وفعّال للتدبير الإلهي وذلك لخلاص العالم.
موت المسيح كان, بالتالي, ضروريًا في خطة التدبير الإلهي. لأجل هذا أيضًا موت يسوع فوق الصليب, بالرغم من شكله المهين وملابساته في تحقيقه لا يمكن أن يُعَتبر كنتيجة طبيعية لإرتكاب جرائم شخصية ما أو نتيجة أفعال مخالفة للقوانين, لكن كتعبير لمحبة الله الفائقة للعالم. البرهان هو, أن الله أقام المسيح المصلوب والمدفون من الأموات "في اليوم الثالث". هكذا, صارت القيامة مفتاح لتفسير موت يسوع الخلاصي, طالما بكونه المسيح "مات لأجل خطايانا" (1كو3:15).
لقد كتبت في كتابي الصادر حديثًا بعنون: مواضيع لاهوتية في العهد الجديد, المجلد الأول "الكرازة الرسولية في الكنيسة الأولي" مشددًا علي الآتي: "موت يسوع لم يكن مجرد نهاية لمصير بشري عادي. كان إختيار شخصي لخلاص الإنسان. سُلِم هو نفسه إراديًا لكي يُظهِر بصوته إفلاس الإنسانية ومحبة الله الخلاصية غير المتناهية. وهذا الحدث هو ظاهر وواضح بشدة ليس فقط في النصوص الإنجلية بل أيضًا في الكرازة الرسولية. وهذا يرجع بالتأكيد للأهداف العقيدية الأساسية العامة التي لدي الكرازة الأولي, وأيضًا إلي الأهداف الدفاعية والوعظية لها. وهذه الأقوال كانت هي أساسية لحياة وتاريخ الكنيسة الأولي " (ص117).
نلخص بعض العناصر التعليمية عن موت يسوع علي الصليب, ونشدد علي أنه من جانب البحث التاريخي والتعليمي اللاهوتي لم يكن موجود أي شكوك جوهرية فيما يتعلق بأحداث الحكم بالموت علي يسوع وصلبه, ولا من الجهة الليبرالية تدعيم هذه الحوادث من جانب هؤلاء لكي يُعطَّي تشديد علي العنصر البشري علي حساب الإلهي. الصليب والموت يستلزمان بالتأكيد ولادة يسوع ووجودة التاريخي, لكن لا يحجمان التعاليم اللاهوتية للتجسد الإلهي.
لأجل هذا, بالضبط, هناك حيث ظهرت مشكلة تتعلق بالأحداث الأخيرة لحياة وتاريخ يسوع, كان جوهريًا في تفسير موت المسيح علي الصليب, خاصةً كما قُدِمت من جانب الرسول بولس كذبيحة "لأجل خطايانا". إن بولس, حقًا أعطي تشديد خاص علي الكرازة بذبيحة يسوع المسيح الفدائية, لكن لم يكن بولس الأول الذي أعطي مثل هذا التفسير. هذا التعليم هو كان قبل بولس وفي كل تعاليم العهد الجديد. خاصةً, أيضًا في تلك التعاليم الموجودة في سفر أعمال الرسل, تعاليم بطرس الذي قام بدور رئيسي وإسطفانوس أول الشهداء. وهذا حدث, لأن الكنيسة من مبكرًا جدًا تربط موت يسوع بالعبد المتألم الوارد في سفر أشعياء, كما بالفعل شددنا علي ذلك, أي بالشكل النبوي للملمح الماسياني والأخروي.
حقًا, بالنسبة لليهود كانت صعوبة رهيبة أن يقبلوا ويدركوا موت الماسيا التراجيدي والمهين, الذي توقعوة أن يكون قويًا, شديدًا وممجدًا. فكرة موت الماسيا تحت اللعنة كان بالنسبة لهم عثرة حقيقية. لكن بالنسبة للمسيحين, الإيمان بيسوع بكونه مسيح ورب, بدون أي إشارة للموت علي الصليب, كان غير مُدّرك تمامًا. لأجل هذا, كرازة بطرس وبولس وإسطفانوس وكل عظة رسولية تنتهي دائمًا بنوع من التكرار الهام: "نكرز بيسوع المسيح وإياه مصلوبًا" (1كو23:1, 2:2). هذه الذبيحة تعبر أيضًا عن محبة الله الفائقة للعالم. لأجل هذا السبب أيضًا كانت الكنيسة تربط كل أسرارها الخلاصية بذبيحة إبن الله. إنه معروف, أن الأسرار الأساسية وبالحري المعمودية والإفخارستيا يرتبطان بموت المسيح (رو3:6...الخ). لقد إعتمدنا في موت المسيح (نأكل ونشرب جسد ودم المسيح).
بالتأكيد, كل إنسان يُنهِي حياته بالموت. لكن موت يسوع لم يأت كنهاية تراجيدية لمصير وحياة إنسان. علي النقيض, موت يسوع هو إختيار شخصي حُر وقرار لتقديم ذاته ذبيحة لأجل خلاص العالم. يجب أن نشدد علي أنه من جهة النصوص المقدسة, كل الإنجليون ذكروا وأيضًا بتوسع مقارنةً بالأحداث الأخري, القبض والحكم وموت يسوع علي الصليب. في الأناجيل الثلاثة الأولي, يبدو أن النصوص كُتبت منذ البداية لكي تنتهي إلي ذبيحة الصليب. وهذا يظهر مدي محورية الموضوع وأهميته, أقصد موضوع الصليب وموت يسوع بالنسبة للمسيحية الأولي, وكم هي الأهمية العظمي التي لدي هذه الأحداث بالنسبة لتعليم وحياة الكنيسة.


الأربعاء، 20 أبريل 2011







المحاكمة السياسية ليسوع



ج باترونس - استاذ العهد الجديد-جامعة اثينا ترجمة د جورج عوض



صباح الجمعة وبعد قرار مجلس المحكمة العُليا بالإجماع, ظهر في الكادر قيافا وأعضاء مجمع السنهدريم وجميع الشعب. وَوُضع أمام الرؤساء السياسيين وبالحري علي الوالي الروماني بيلاطس البنطي الإتهامات التي لدي رؤساء اليهود الدينيين ضد يسوع مشددين علي التوابع السياسية لهذه الإتهامات وصمتوا تمامًا عن الحديث بخصوص المحاكمة الدينية التي تمت مِن قبل. خبر القبض علي يسوع إنتشر إنتشار البرق في ذلك المساء من فم إلي فم في كل المدينة. وفي الصباح الباكر الكل خرج إلي الطرق طالبين أي معلومات تتعلق بمصير النبي الغريب ومعلم الناصرة الذي ترك أثرًا علي الشعب. الجو المحيط كان عدائي. وبينما الشعب إجتمع ليتابعوا الأحداث, بدأ في ساحة المحكمة تحقيق جديد ومحاكمة.
في أي ساعة بالضبط أُقتيد يسوع إلي الرؤساء السياسيين؟ لا نعرف, وفق الإنجيل الرابع كان يجب أن يكون في الصباح الباكر, بينما في إنجيل مرقس مباشرةً بعد إجتماع مجلس اليهود في الصباح (يو28:18. مر1:15). إنقياد يسوع في الصباح الباكر بشكل مستعجل أعطي إنطباع لبيلاطس أن الأمر هو خطير. لقد أُتهم يسوع أمام الرؤساء السياسيين بكونه ثائر بسبب نشاطه المتمرد ضد الرؤساء وإعتبار ذاته الملك الماسيا: " وَابْتَدَأُوا يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ قَائِلِينَ: «إِنَّنَا وَجَدْنَا هذَا يُفْسِدُ الأُمَّةَ، وَيَمْنَعُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ، قَائِلاً: إِنَّهُ هُوَ مَسِيحٌ مَلِكٌ»" (لو2:23). إن تسيس قضية يسوع من جانب الزعامة الدينية كان معتمدًا لكي يثير حصانة الرئاسة السياسية ولكي يتم تنفيذ جزاء الموت بدون أي تأخير.
لقد مرَّ علي بيلاطس كثيرون حتى ذلك الوقت بإتهام العصيان هذا وقد حُكِم عليهم بجزاءات مختلفة عن تمردهم ضد الرئاسة السياسية. كثيرون من هؤلاء, في الحقيقة نادوا بأنهم ملوك ماسيانيين لكي يخلقوا تضليل للمحكمة وكأنها نوع من التغطية الدينية. لأجل هذا أيضًا وجَّه مباشرةً بيلاطس سؤالاً كلاسكيًا (روتينيًا): "أأنت ملك اليهود؟" (مت11:27). أجاب يسوع إيجابيًا, لكن أعطي مفهومًا آُخرويًا واضحًا لماسيانيته: " أَجَابَ يَسُوعُ: «مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا»" (يو36:18). بيلاطس من هذه الإجابة إستخرج نتيجة مفادها أن الأمر يتعلق بمعلم شعبي غريب ومهووس دينيًا.
الإشارة من جانب المشرف العسكري والتي أُعطيت مباشرةً بأن يسوع أثناء القبض عليه لم يصدر أي إعتراض, كانت إضافة تؤكد أي نوع من الملوك كان المتهم يسوع, عندما سُئل وأيضًا فيما يتعلق بالمسئوليات السياسية "أفأنت إذن ملك؟" بدأ يُظهِر لمرة أخري أنه "أتيت إلي العالم لأشهد للحق" (يو37:18) ولا شيء أكثر من ذلك.
من هذه الإشارة يُدرَّك سؤال بيلاطس: "ما هو الحق؟". وفي النهاية لدينا أيضًا الإقتراح المستنتج من بيلاطس: "انا لست أجد فيه عِلة واحدة" (يو38:18), وبالتالي محضر الإتهام إنقلب والمُتهم أُعتبر برئ.
لكن اليهود المشتكون, هم حاسمون ومصرون علي قرارهم مضيفين علي ذلك أن يسوع قد خلق مشاكل إجتماعية شديدة في الجليل والآن يأتي لكي يجعل المشاكل والإضرابات الإجتماعية تمتد إلي اليهودية (لو5:23). عندما سمع بيلاطس أن يسوع كان جليلاً, إنتهز الفرصة ليرسل كل القضية إلي هيرودس أنتيباس الذي كان رئيس الربع في الجليل ومسئول عن المناطق الشمالية, وهكذا تخلص هو ذاته من ضغط اليهود لإصدار قرار الحكم.
وُجِد هيرودس, بسبب أعياد البصخة تلك الأيام في أورشليم كان بالفعل طاغيًا حقيقيًا ودعاة يسوع بـ "الثعلب". علي الجانب الآخر, قد سمع هيرودس الكثير عن نشاط يسوع وعن معجزاته وكان يرغب منذ زمن أن يراه من قريب, ربما أيضًا أمامه يصنع أي معجزة من المعجزات التي كان يرغب في رؤيتها. كان هيرودس هو الذي أمر بقطع رأس يوحنا المعمدان, ميزه عن يسوع أيضًا لأجل حقيقة ضعفة أن "يصنع معجزة" (أنظر لو9:9, يو41:10). إذن هيرودس هذا, وفق تقدير بيلاطس, سوف يقبل بسعادة إمتداد الإرادة السيادية هذه اللحظة علي يسوع لأنه كان جليليًا وأيضًا بسبب إهتمامه الشخصي المتعلق بالمعجزات (لو8:13).
فُرِض سؤال من جانب مفسرين كثيرين عن الأسباب الحقيقية التي جعلت بيلاطس يرسل يسوع إلي هيرودس. بالتأكيد لم يكن بيلاطس ملزمًا أن يرسل المتهم لكي يُحاكم من رئيس الربع, طالما قُبض عليه علي أرض تحت سيادته وسلطانه. إن مشاكل تفسيرية قد نشأت من حقيقة ذكر إرسال يسوع إلي هيرودس فقط من جانب إنجيل لوقا (4:23ـ12). لأجل هذا يوجد أيضًا مفسرون يشككون في الملمح التاريخي لهذا الحدث. لكن حدث أو واقعة يمكن أن تُذكر فقط من إنجيلي أو آخر, لا يُعتقد أن هناك سبب جاد للشك في جدارتها التاريخية. لو تتبعنا مثل هذا الأسلوب, حينئذٍ كان يجب أن نرفض معظم حوادث ووقائع العهد الجديد بأنها غير جديرة. علي الجانب الآخر, كل الصفات المتعلقة بأشخاص الواقعة والتفاصيل والأوصاف للحوادث تتجاوب تمامًا مع الواقع. إنه من الأمر الواقع, أن لوقا, حقًا كان لديه "تفضيل خاص" تجاه رئيس ربع الجليل ودائمًا يذكر إسمه, علي النقيض مع بقية الإنجليين الآخرين متى ومرقس اللذين صمتا عن الحديث عنه (أنظر لو3:8, 19:9, 31:13).
يسوع أيضًا الآن, في مقابلته معهم مثلما أيضًا قديمًا (لو32:13), يواجه بهدوء عظيم هيرودس, لم يعطي أي إجابة علي تساؤلاته ولا يُرضي فضوله بخصوص معجزة ما مؤثرة. هيرودس بدوره يستدعي قوته ويؤكد ليسوع سلطانه عليه وبعد ذلك يحاول أن يحتقره بأمور وضيعة متنوعة (لو11:23) وعندما فشل في محاولاته أن يثني يسوع, أرسله مرة أخري إلي بيلاطس لكي يُحاكم من مسئول المنطقة التي تم القبض فيها علي يسوع. وقد سجل الإنجيلي لوقا جزئية تفصيلية بأن الأثنين هيرودس وبيلاطس, كانا متخاصمان ويعادي الواحد الآخر والآن صارا "أصدقاء" بسبب قضية يسوع. الملاحقات بالإستهزاءات والسخرية ضد هذا الغريب والثائر بدون أتباع, وحدَّ في النهاية, الأثنين السياسيين المتخاصمين.
عندما رأي بيلاطس, أن يسوع يأتي ثانيةً, أُجبر هذه المرة أن يتوجه رسميًا لرؤساء الكهنة والشيوخ والشعب ويعلن نتائج تحقيقاته وقناعاته الشخصية المتعلقة بالمتهم ذاكرًا في نفس الوقت تقدير هيرودس للقضية برمتها: "فَدَعَا بِيلاَطُسُ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ وَالْعُظَمَاءَ وَالشَّعْبَ، وَقَالَ لَهُمْ:«قَدْ قَدَّمْتُمْ إِلَيَّ هذَا الإِنْسَانَ كَمَنْ يُفْسِدُ الشَّعْبَ. وَهَا أَنَا قَدْ فَحَصْتُ قُدَّامَكُمْ وَلَمْ أَجِدْ فِي هذَا الإِنْسَانِ عِلَّةً مِمَّا تَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ. وَلاَ هِيرُودُسُ أَيْضًا، لأَنِّي أَرْسَلْتُكُمْ إِلَيْهِ. وَهَا لاَ شَيْءَ يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ صُنِعَ مِنْهُ" (لو13:23ـ15). بعد هذا الإعتراف الرسمي ببراءة يسوع والإعلان الجهاري بنتائج التحقيق, كُنا نتوقع منه هذا الذي كان يمارس سلطة سياسية عالية أن يحرَّر مباشرة المقبوض عليه.
لكن خاف بيلاطس من الرؤساء الدينيين وإعتراضاتهم ورد فعلهم بخصوص براءة يسوع ولأجل هذا بدأ يتفنن في عمل أفعال إضافية متنوعة لكي يرضي غضب وحنق اليهود, حتى في النهاية يحرر المتهم. الفعل الأول إتجه ناحية عقاب يسوع جهارًا بالتأديب والجلد ثم إطلاقه (لو16:23). ثم بعد ذلك, إقترح وفق العُرف المتبع أن يُطلق شخص محكوم عليه حرًا أثناء أعياد البصخة, آملاً في أن الشعب يطلب إطلاق يسوع. يخبرنا مرقس الإنجيلي أن الشعب لديه هذا الحق في الإختيار أو تفضيل الإفراج عن شخص معين (مر6:15). طرح بيلاطس أسمين للإختيار إما يسوع أو باراباس, معلم إسرائيل أو متمرد معروف لأورشليم, وإرتكب سرقات وجرائم متنوعة (يو40:18) وحُكم عليه بالقتل وكان هذا معروفًا للجميع (مر7:15). كانت رغبة بيلاطس أن يستعفي من هذه القضية ويعطي الحق للشعب في الطلب المباشر لإطلاق يسوع
.
لكن الشعب وهو متأثر بأعضاء السنهدريم فضَّل باراباس بدا أن يسوع في نظرهم ليس له أي فائدة قياسًا بأفكاره الماسيانية التي لم ترض أحد, أما باراباس الغيور بالنسبة لهؤلاء يمكنه أن يقدم شيئًا بالأكثر في المستقبل للأمة, بحركة جديدة يكونها, بينما يسوع قد إقتنعوا أنه لن يضيف شيئًا في إتجاه التمرد علي السلطة السياسية. منتهي السخرية التراجيدية, الشعب يفضل باراباس, لص وقاتل, علي إنسان بارئ, يسوع الذي أتي لكي يخلص العالم.
أيضًا إخبار بيلاطس من جانب زوجته أن لا يأخذ قرار الإدانه ضد يسوع, لأن طوال الليل عُذبت من أحلام مفزعة (مت19:27), لم يستطيع أن يغير القرار. وأُجبر بيلاطس بعد كل هذا أن يقرر مباشرة موت يسوع. لكن وفق بعض التفصيلات التي وردت عند لوقا ويوحنا, بذل بيلاطس محاولات أخري لكي يقنع الشعب ويطلب براءة يسوع (يو16:23, 1:9,... الخ). الإعتراف العلني ببراءته التي فعلها من قبل كان إضافة صعبة للجنة الدينية أن تمضي في قرار الإدانة ولذلك أصّر بمحاولاته أن يثير هذه المرة بالأكثر عطف الجمع. حسنًا, أعطي أمرًا أن يجلدوا مجددًا يسوع, أن يضعوا تاجًا علي رأسه من الشوك وأن يقودوه في موكب أمام بصر الكل, كملك مأسوي لليهود لكن هذا الجمع المتعصب لم يتأثر.
الجلد كان في العصر الروماني نوع من العقاب الثقيل للمذنبين (راجع 1كو24:11). ومن المعروف, أن كثيرين أثناء الجلد إنتابهم الموت. دائمًا, صورة إنسان مجلود بجراحات مفزعة علي جسده, المخضب بالدماء وعلي وشك الإنهيار, يثير الشفقة والرأفة. لكن رؤساء الكهنة لا يتفقون مع الرئيس السياسي الذي أظهر مشاعر إنسانية تجاه مجرم والشعب ظل غير متأثر وحرَّض بيلاطس صارخًا "أصلبه أصلبه" (لو21:23).
هنا يُقصَّد بالجمع علي الأرجح خُدَام رؤساء الكهنة, الغيوريون والحُراس وليس الشعب الذي دائمًا كان من السامعين والمعضدين ليسوع. أيضًا الصلب كان شكل معتاد لجزاء الموت علي اليهودي في هذا العصر, بالحري لمجرم لم يكن مواطن روماني, فالصلب كان عقابًا للعبيد وغير الأحرار والجزاء الكبير للمتمردين, ويسوع علي إعتبار أنه "مجدف" و"نبي كاذب" و"ملك مسياني كاذب" و"متمرد", بحسب محضر التحقيق الخاص برؤساء اليهود, كان يجب أن يموت كعبد علي الصليب (مر14:15, يو6:19,....الخ). هكذا في النهاية الحكم السياسي مثل أيضًا الديني إنتهي إلي موت يسوع بواسطة الصليب. رئيس الكهنة قيافا رتب الأمور وإستغل خوف وضعف بيلاطس ونجح في الفوز بحكم الموت ليسوع علي حساب مصالح قيصر: "إن أطلقت هذا فلست مُحبًا لقيصر كل مَنْ يجعل نفسه مَلِكًا يقاوم قيصر" (يو12:19). كان بيلاطس يخاف دائمًا من المقارنة أو التوازي بينه وبين قيصر حيث كان دائمًا يطمع في رضي الإمبراطور. كان قيافا شريرًا وإنسانًا خطيرًا وكان في إمكانة أن يخلف مشاكل كثيرة. إن مفسرين كثيرين حاولوا أن يعطوا إجابات مختلفة في هذا الموضوع: من جانب وصف بيلاطس يسوع بأنه برئ ولم يرغب التورط في قرار الإدانة ومن جانب آخر أسلم البرئ إلي الموت.
بالنسبة لبيلاطس, فيما عدا الإنجليون, فيلون اليهودي ويوسابيوس تحدثا عنه بدون إستخدام أقوال نفاق ومداهنة. كان من المعروف, أن هذا الرئيس السياسي لليهود قد أتي في عدم رضي للبلاط الإمبراطوري, بسبب فوضي إدارية. عمومًا كانت نهاية كل المهزلة أن يُسلم يسوع لأيدي أثمة, بينما اليهود مع رئيس كهنتهم والزعامة الدينية يدخلون في نوع من الطاعة وعبادة للأمبراطور وأيضًا في هذه المدينة المقدسة أورشليم قاد الكُرة ضد يسوع هذا الشعب الذي كان يرغب في إطلاقه من الرومان أن يعلنوا بواسطة فم رئيس الكهنة "ليس لنا ملك إلا قيصر" (يو15:19). لقد حقق بيلاطس نصرًا سياسيًا غير متوقع, فالزعامة الدينية التي إتهمت يسوع بأنه عاصي, أُقتيدت هي ذاتها إلي أسوء أشكال العصيان, ليس فقط من الجهة الدينية بل أيضًا من الجهة القومية. وهؤلاء الناس بالتأكيد كان لديهم الإدراك والوعي التام بخطورة فعلهم هذا. لكل البغضة والحقد تجاه يسوع قادهما إلي هذا التعضيد غير المقبول للسلطة السياسية. بعد كل هذا, سُلِم يسوع من الرئيس السياسي لأيدي اليهود لكي يُصلب (يو16:19).