الأربعاء، 30 أكتوبر 2013

المحبة هي الفضيلة التي يجب أن يتحلى بها المعلم

 تعاليم آبائية للقديس يوحنا ذهبي الفم

د. جورج عوض إبراهيم

المحبة هي الفضيلة التي يجب أن يتحلى بها المعلم [1]

 مَنْ يُحِب المسيح يُحِب رعيته، فالمحبة هي بالحقيقة ما ينبغي أن يتصف بها المعلّم، قبل كل شيء. لذلك قال المسيح له المجد لبطرس: " أتحبني...أرع غنمي"[2].وكذلك عين الله موسى قائدًا للشعب اليهودي، عندما أظهر محبته لأهل وطنه ، وداود أيضًا ارتقى المُلك، بعدما أظهر أولاً حنوه عليهم .فقد تألم كثيرًا من أجل الشعب، بينما كان لا يزال صغيرًا، حتى إنه فضّل أن يُضحي بنفسه، عندما قتل جليات. وبالرغم أنه قال: " ماذا يُفعل للرجل الذي يقتل ذلك الفلسطيني"[3]،إلا أنه لم يقل ذلك بهدف طلب مكافأة، بل لأنه أراد أن يَثقوا فيه ويعهدوا له بالمعركة ضد جليات الفلسطيني. والدليل على ذلك عندما وقف أمام الملك شاول بعد الانتصار، لم يذكر شيئًا من هذه المكافآت. كذلك صموئيل النبي كان حنونًا إلى أقصى حد، ولهذا قال: " وأما أنا فحاشا لي أن أخطئ إلى الرب فأكف عن الصلاة لأجلكم"[4]. هكذا كان بولس أيضًا، مُشتعلاً بالمحبة نحو تلاميذه، أكثر بكثير من الجميع . ومن أجل هذا فقد جعلهم يسلكوا هكذا بالمحبة نحوه، حتى إنه يقول: " أشهد لكم أنه لو أمكن لقلعتم عيونكم وأعطيتموني"[5].
ومن هذا المنطلق،  أدان الله معلّمي اليهود من أجل عدم محبتهم للرعية، قائلاً: " ويل لرعاة إسرائيل الذين كانوا يرعون أنفسهم. ألا يرعى الرعاة الغنم"[6]. لقد تصرفوا تصرفات خالية من المحبة الحقيقية نحو الرعية، لأنه يقول: " تأكلون الشحم وتلبسون الصوف وتذبحون السمين ولا ترعون الغنم"[7].
لقد حدّد المسيح قانون الراعي الصالح، فقال: " الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف"[8]. إن داود النبي قد سبق وطبق هذا المبدأ صنعه حين نزل الغضب المخيف من السماء على الشعب، لأنه عندما كان الجميع يُذبحون، قال: " ها أنا أخطأت وأنا أذنبت وأما هؤلاء الخراف فماذا فعلوا"[9]. لقد فضّل الموت من قِبل الله من أجل خلاص الآخرين. وناح لأنه لم يحدث هذا الاختيار ثم قال: " فلتكن يدك عليَّ" وإن لم يكن هذا كافيًا، فلتكن "على بيت أبي" لأني "أنا الراعي قد أخطأت"  كأنه يقول: أنا الذي لم أسلك في الطريق الصحيح، أنا المسئول عن الخطية، وما دامت هي خطيئتي، فإنه من العدل أن أُعاقَب أنا . كذلك إذ كان يريد أن يُزيد من الإدانة، فقد أورد إسم الراعي. هكذا توقف الغضب، وهكذا أُلغى الحكم . إن الاعتراف يُعَد أمرًا عظيمًا جدًا فإن: " البار يدين نفسه أولاً"[10].
إذن فهؤلاء جميعًا اهتموا برعاية الذين تعهدوهم، أما المطوب إبراهيم فقد أظهر محبته لأولئك الذين لم يُكرموه، إلى حد أنه أحاط نفسه بأخطار مُخيفة. فقد صار واضحًا أن ما فعله لم يكن فقط من أجل إبن أخيه لوط، بل ومن أجل أهل سدوم أيضًا، حتى حررَّهم جميعًا[11].
إن أنفس القديسين – كما يؤكد القديس يوحنا ذهبي الفم -  هي حقًا وديعة جدًا ومحبة للبشر، وتمتد وداعتهم لتشمل حتى الحيوانات غير العاقلة. ولهذا قال أحد الحكماء " الصديق يُراعي نفس بهيمته"[12]. فإن كان يهتم بأنفس البهائم، فكم يكون بالحري إهتمامه بأنفس البشر؟ ويذكر القديس يوحنا ذهبي الفم رعاة الخراف في عصره الذين هم في كبادوكية، كيف يُعانون من أجل حماية الحيوانات. لقد كانت تغطيهم الثلوج مرات عديدة وظلوا هكذا على مدى ثلاثة أيام متتالية. وكذلك ذكرهم برعاة كانوا في ليبيا قد عانوا مصاعب ليست بأقل من أولئك الرعاة، مُشرَدين لشهور كاملة في تلك الصحراء المخيفة والمليئة بالوحوش المفترسة. ويتسائل القديس يوحنا ذهبي الفم ، قائلاً :إن كانت رعاية الحيوانات غير العاقلة هامة بهذا القدر، فأي دفاع سنُقدم نحن الذين أستُؤمَنا على نفوس عاقلة، ونَغِط في هذا النوم العميق؟ ألم يكن من الواجب علينا أن نركض في كل مكان، وأن نُسلّم أنفسنا لمخاطر الموت من أجل هذه الخراف؟
لعلنا لا ندرك قيمة هذا القطيع الذي إستئمنا عليه الله في خدمتنا ، فيقول القديس ذهبي الفم :
 ألم يتألم سيدك مرات عديدة لأجل هذه الخراف، وسفك دمه من أجلها في النهاية؟
ألم تُفكر في أن هناك ذئاب تُحيط بهذه الخراف أكثر إيذاءً وشرًا وأكثر وحشية؟
 ألم تفكر في ماهية النفس التي ينبغي أن تكون لمَنْ يمارس عمل الراعي؟
 للأسف إن قادة الشعوب عندما يتشاورون لكي يقرروا شيئًا يختص بأمور مؤقتة وزائلة، يسهرون مواصلين النهار بالليل، بينما نحن الذين نجاهد من أجل من أجل ملكوت السموات ننام حتى أثناء النهار؟
 إن السهر والرعاية، لا تقتصر على الرعاة فقط، بل هي عمل الخراف أيضًا، لكي يجعلوا الرعاة أكثر رغبة في الرعاية، ولكي يسعوا بالأكثر نحو مزيد من العمل، مُقدمين كل ثقة وطاعة، وليس شيئًا أقل من ذلك. هكذا فإن الرسول بولس أيضًا أمر قائلاً: " أطيعوا مُرشديكم وأخضعوا لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم كأنهم سوف يعطون حسابًا"[13]. وعندما يقول "يسهرون"، كما يشرح ق. ذهبي الفم ، فهو يقصد أتعابًا لا حصر لها، ورعاية مستمرة، وأخطارًا.
إذن فالراعي الصالح، يجاهد ويموت مرات عديدة من أجل الرعية، إن كان راعيًا حقيقيًا كما يجب أن يكون. لأن مثل هذا الراعي يمكن أن يموت كل يوم. ومن أجل هذا فإن هامة الرسل أي بطرس والذي أحبه المسيح أكثر من الآخرين، سأله المسيح أولاً، إن كان يحبه، وبعد هذا استأمنه على مسئولية الرعاية. ويقصد بالراعي هنا -كما يقول ق.ذهبي الفم - بالمفهوم العام ، هو راعي البيت، والزوجة، والأولاد ، والموظفين والعمال.





[1]  أنظر القديس يوحنا ذهبي الفم ، شرح رسالة رومية ، ترجمة د. سعيد حكيم يعقوب، مراجعة د.جوزيف موريس فلتس، د.جورج عوض إبراهيم ، المركز الأرثوذوكسي للدراسات الآبائية ، طبعة أولى 2013م،  ص609-613
[2] يو16:21.
[3] 1صم26:17.
[4] 1صم23:12.
[5] غل15:4.
[6] حز2:34.
[7] حز3:34.
[8] يو11:10.
[9] 2صم17:24.
[10] أم17:18(س).
[11] أنظر تك14:14ـ46.
[12] أم10:12.
[13] عب17:13.

المحبة هي الفضيلة التي يجب أن يتحلى بها المعلم

 تعاليم آبائية للقديس يوحنا ذهبي الفم

د. جورج عوض إبراهيم

المحبة هي الفضيلة التي يجب أن يتحلى بها المعلم [1]

 مَنْ يُحِب المسيح يُحِب رعيته، فالمحبة هي بالحقيقة ما ينبغي أن يتصف بها المعلّم، قبل كل شيء. لذلك قال المسيح له المجد لبطرس: " أتحبني...أرع غنمي"[2].وكذلك عين الله موسى قائدًا للشعب اليهودي، عندما أظهر محبته لأهل وطنه ، وداود أيضًا ارتقى المُلك، بعدما أظهر أولاً حنوه عليهم .فقد تألم كثيرًا من أجل الشعب، بينما كان لا يزال صغيرًا، حتى إنه فضّل أن يُضحي بنفسه، عندما قتل جليات. وبالرغم أنه قال: " ماذا يُفعل للرجل الذي يقتل ذلك الفلسطيني"[3]،إلا أنه لم يقل ذلك بهدف طلب مكافأة، بل لأنه أراد أن يَثقوا فيه ويعهدوا له بالمعركة ضد جليات الفلسطيني. والدليل على ذلك عندما وقف أمام الملك شاول بعد الانتصار، لم يذكر شيئًا من هذه المكافآت. كذلك صموئيل النبي كان حنونًا إلى أقصى حد، ولهذا قال: " وأما أنا فحاشا لي أن أخطئ إلى الرب فأكف عن الصلاة لأجلكم"[4]. هكذا كان بولس أيضًا، مُشتعلاً بالمحبة نحو تلاميذه، أكثر بكثير من الجميع . ومن أجل هذا فقد جعلهم يسلكوا هكذا بالمحبة نحوه، حتى إنه يقول: " أشهد لكم أنه لو أمكن لقلعتم عيونكم وأعطيتموني"[5].
ومن هذا المنطلق،  أدان الله معلّمي اليهود من أجل عدم محبتهم للرعية، قائلاً: " ويل لرعاة إسرائيل الذين كانوا يرعون أنفسهم. ألا يرعى الرعاة الغنم"[6]. لقد تصرفوا تصرفات خالية من المحبة الحقيقية نحو الرعية، لأنه يقول: " تأكلون الشحم وتلبسون الصوف وتذبحون السمين ولا ترعون الغنم"[7].
لقد حدّد المسيح قانون الراعي الصالح، فقال: " الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف"[8]. إن داود النبي قد سبق وطبق هذا المبدأ صنعه حين نزل الغضب المخيف من السماء على الشعب، لأنه عندما كان الجميع يُذبحون، قال: " ها أنا أخطأت وأنا أذنبت وأما هؤلاء الخراف فماذا فعلوا"[9]. لقد فضّل الموت من قِبل الله من أجل خلاص الآخرين. وناح لأنه لم يحدث هذا الاختيار ثم قال: " فلتكن يدك عليَّ" وإن لم يكن هذا كافيًا، فلتكن "على بيت أبي" لأني "أنا الراعي قد أخطأت"  كأنه يقول: أنا الذي لم أسلك في الطريق الصحيح، أنا المسئول عن الخطية، وما دامت هي خطيئتي، فإنه من العدل أن أُعاقَب أنا . كذلك إذ كان يريد أن يُزيد من الإدانة، فقد أورد إسم الراعي. هكذا توقف الغضب، وهكذا أُلغى الحكم . إن الاعتراف يُعَد أمرًا عظيمًا جدًا فإن: " البار يدين نفسه أولاً"[10].
إذن فهؤلاء جميعًا اهتموا برعاية الذين تعهدوهم، أما المطوب إبراهيم فقد أظهر محبته لأولئك الذين لم يُكرموه، إلى حد أنه أحاط نفسه بأخطار مُخيفة. فقد صار واضحًا أن ما فعله لم يكن فقط من أجل إبن أخيه لوط، بل ومن أجل أهل سدوم أيضًا، حتى حررَّهم جميعًا[11].
إن أنفس القديسين – كما يؤكد القديس يوحنا ذهبي الفم -  هي حقًا وديعة جدًا ومحبة للبشر، وتمتد وداعتهم لتشمل حتى الحيوانات غير العاقلة. ولهذا قال أحد الحكماء " الصديق يُراعي نفس بهيمته"[12]. فإن كان يهتم بأنفس البهائم، فكم يكون بالحري إهتمامه بأنفس البشر؟ ويذكر القديس يوحنا ذهبي الفم رعاة الخراف في عصره الذين هم في كبادوكية، كيف يُعانون من أجل حماية الحيوانات. لقد كانت تغطيهم الثلوج مرات عديدة وظلوا هكذا على مدى ثلاثة أيام متتالية. وكذلك ذكرهم برعاة كانوا في ليبيا قد عانوا مصاعب ليست بأقل من أولئك الرعاة، مُشرَدين لشهور كاملة في تلك الصحراء المخيفة والمليئة بالوحوش المفترسة. ويتسائل القديس يوحنا ذهبي الفم ، قائلاً :إن كانت رعاية الحيوانات غير العاقلة هامة بهذا القدر، فأي دفاع سنُقدم نحن الذين أستُؤمَنا على نفوس عاقلة، ونَغِط في هذا النوم العميق؟ ألم يكن من الواجب علينا أن نركض في كل مكان، وأن نُسلّم أنفسنا لمخاطر الموت من أجل هذه الخراف؟
لعلنا لا ندرك قيمة هذا القطيع الذي إستئمنا عليه الله في خدمتنا ، فيقول القديس ذهبي الفم :
 ألم يتألم سيدك مرات عديدة لأجل هذه الخراف، وسفك دمه من أجلها في النهاية؟
ألم تُفكر في أن هناك ذئاب تُحيط بهذه الخراف أكثر إيذاءً وشرًا وأكثر وحشية؟
 ألم تفكر في ماهية النفس التي ينبغي أن تكون لمَنْ يمارس عمل الراعي؟
 للأسف إن قادة الشعوب عندما يتشاورون لكي يقرروا شيئًا يختص بأمور مؤقتة وزائلة، يسهرون مواصلين النهار بالليل، بينما نحن الذين نجاهد من أجل من أجل ملكوت السموات ننام حتى أثناء النهار؟
 إن السهر والرعاية، لا تقتصر على الرعاة فقط، بل هي عمل الخراف أيضًا، لكي يجعلوا الرعاة أكثر رغبة في الرعاية، ولكي يسعوا بالأكثر نحو مزيد من العمل، مُقدمين كل ثقة وطاعة، وليس شيئًا أقل من ذلك. هكذا فإن الرسول بولس أيضًا أمر قائلاً: " أطيعوا مُرشديكم وأخضعوا لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم كأنهم سوف يعطون حسابًا"[13]. وعندما يقول "يسهرون"، كما يشرح ق. ذهبي الفم ، فهو يقصد أتعابًا لا حصر لها، ورعاية مستمرة، وأخطارًا.
إذن فالراعي الصالح، يجاهد ويموت مرات عديدة من أجل الرعية، إن كان راعيًا حقيقيًا كما يجب أن يكون. لأن مثل هذا الراعي يمكن أن يموت كل يوم. ومن أجل هذا فإن هامة الرسل أي بطرس والذي أحبه المسيح أكثر من الآخرين، سأله المسيح أولاً، إن كان يحبه، وبعد هذا استأمنه على مسئولية الرعاية. ويقصد بالراعي هنا -كما يقول ق.ذهبي الفم - بالمفهوم العام ، هو راعي البيت، والزوجة، والأولاد ، والموظفين والعمال.




[1]  أنظر القديس يوحنا ذهبي الفم ، شرح رسالة رومية ، ترجمة د. سعيد حكيم يعقوب، مراجعة د.جوزيف موريس فلتس، د.جورج عوض إبراهيم ، المركز الأرثوذوكسي للدراسات الآبائية ، طبعة أولى 2013م،  ص609-613
[2] يو16:21.
[3] 1صم26:17.
[4] 1صم23:12.
[5] غل15:4.
[6] حز2:34.
[7] حز3:34.
[8] يو11:10.
[9] 2صم17:24.
[10] أم17:18(س).
[11] أنظر تك14:14ـ46.
[12] أم10:12.
[13] عب17:13.

المحبة هي الفضيلة التي يجب أن يتحلى بها المعلم

 تعاليم آبائية للقديس يوحنا ذهبي الفم

د. جورج عوض إبراهيم

المحبة هي الفضيلة التي يجب أن يتحلى بها المعلم [1]

 مَنْ يُحِب المسيح يُحِب رعيته، فالمحبة هي بالحقيقة ما ينبغي أن يتصف بها المعلّم، قبل كل شيء. لذلك قال المسيح له المجد لبطرس: " أتحبني...أرع غنمي"[2].وكذلك عين الله موسى قائدًا للشعب اليهودي، عندما أظهر محبته لأهل وطنه ، وداود أيضًا ارتقى المُلك، بعدما أظهر أولاً حنوه عليهم .فقد تألم كثيرًا من أجل الشعب، بينما كان لا يزال صغيرًا، حتى إنه فضّل أن يُضحي بنفسه، عندما قتل جليات. وبالرغم أنه قال: " ماذا يُفعل للرجل الذي يقتل ذلك الفلسطيني"[3]،إلا أنه لم يقل ذلك بهدف طلب مكافأة، بل لأنه أراد أن يَثقوا فيه ويعهدوا له بالمعركة ضد جليات الفلسطيني. والدليل على ذلك عندما وقف أمام الملك شاول بعد الانتصار، لم يذكر شيئًا من هذه المكافآت. كذلك صموئيل النبي كان حنونًا إلى أقصى حد، ولهذا قال: " وأما أنا فحاشا لي أن أخطئ إلى الرب فأكف عن الصلاة لأجلكم"[4]. هكذا كان بولس أيضًا، مُشتعلاً بالمحبة نحو تلاميذه، أكثر بكثير من الجميع . ومن أجل هذا فقد جعلهم يسلكوا هكذا بالمحبة نحوه، حتى إنه يقول: " أشهد لكم أنه لو أمكن لقلعتم عيونكم وأعطيتموني"[5].
ومن هذا المنطلق،  أدان الله معلّمي اليهود من أجل عدم محبتهم للرعية، قائلاً: " ويل لرعاة إسرائيل الذين كانوا يرعون أنفسهم. ألا يرعى الرعاة الغنم"[6]. لقد تصرفوا تصرفات خالية من المحبة الحقيقية نحو الرعية، لأنه يقول: " تأكلون الشحم وتلبسون الصوف وتذبحون السمين ولا ترعون الغنم"[7].
لقد حدّد المسيح قانون الراعي الصالح، فقال: " الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف"[8]. إن داود النبي قد سبق وطبق هذا المبدأ صنعه حين نزل الغضب المخيف من السماء على الشعب، لأنه عندما كان الجميع يُذبحون، قال: " ها أنا أخطأت وأنا أذنبت وأما هؤلاء الخراف فماذا فعلوا"[9]. لقد فضّل الموت من قِبل الله من أجل خلاص الآخرين. وناح لأنه لم يحدث هذا الاختيار ثم قال: " فلتكن يدك عليَّ" وإن لم يكن هذا كافيًا، فلتكن "على بيت أبي" لأني "أنا الراعي قد أخطأت"  كأنه يقول: أنا الذي لم أسلك في الطريق الصحيح، أنا المسئول عن الخطية، وما دامت هي خطيئتي، فإنه من العدل أن أُعاقَب أنا . كذلك إذ كان يريد أن يُزيد من الإدانة، فقد أورد إسم الراعي. هكذا توقف الغضب، وهكذا أُلغى الحكم . إن الاعتراف يُعَد أمرًا عظيمًا جدًا فإن: " البار يدين نفسه أولاً"[10].
إذن فهؤلاء جميعًا اهتموا برعاية الذين تعهدوهم، أما المطوب إبراهيم فقد أظهر محبته لأولئك الذين لم يُكرموه، إلى حد أنه أحاط نفسه بأخطار مُخيفة. فقد صار واضحًا أن ما فعله لم يكن فقط من أجل إبن أخيه لوط، بل ومن أجل أهل سدوم أيضًا، حتى حررَّهم جميعًا[11].
إن أنفس القديسين – كما يؤكد القديس يوحنا ذهبي الفم -  هي حقًا وديعة جدًا ومحبة للبشر، وتمتد وداعتهم لتشمل حتى الحيوانات غير العاقلة. ولهذا قال أحد الحكماء " الصديق يُراعي نفس بهيمته"[12]. فإن كان يهتم بأنفس البهائم، فكم يكون بالحري إهتمامه بأنفس البشر؟ ويذكر القديس يوحنا ذهبي الفم رعاة الخراف في عصره الذين هم في كبادوكية، كيف يُعانون من أجل حماية الحيوانات. لقد كانت تغطيهم الثلوج مرات عديدة وظلوا هكذا على مدى ثلاثة أيام متتالية. وكذلك ذكرهم برعاة كانوا في ليبيا قد عانوا مصاعب ليست بأقل من أولئك الرعاة، مُشرَدين لشهور كاملة في تلك الصحراء المخيفة والمليئة بالوحوش المفترسة. ويتسائل القديس يوحنا ذهبي الفم ، قائلاً :إن كانت رعاية الحيوانات غير العاقلة هامة بهذا القدر، فأي دفاع سنُقدم نحن الذين أستُؤمَنا على نفوس عاقلة، ونَغِط في هذا النوم العميق؟ ألم يكن من الواجب علينا أن نركض في كل مكان، وأن نُسلّم أنفسنا لمخاطر الموت من أجل هذه الخراف؟
لعلنا لا ندرك قيمة هذا القطيع الذي إستئمنا عليه الله في خدمتنا ، فيقول القديس ذهبي الفم :
 ألم يتألم سيدك مرات عديدة لأجل هذه الخراف، وسفك دمه من أجلها في النهاية؟
ألم تُفكر في أن هناك ذئاب تُحيط بهذه الخراف أكثر إيذاءً وشرًا وأكثر وحشية؟
 ألم تفكر في ماهية النفس التي ينبغي أن تكون لمَنْ يمارس عمل الراعي؟
 للأسف إن قادة الشعوب عندما يتشاورون لكي يقرروا شيئًا يختص بأمور مؤقتة وزائلة، يسهرون مواصلين النهار بالليل، بينما نحن الذين نجاهد من أجل من أجل ملكوت السموات ننام حتى أثناء النهار؟
 إن السهر والرعاية، لا تقتصر على الرعاة فقط، بل هي عمل الخراف أيضًا، لكي يجعلوا الرعاة أكثر رغبة في الرعاية، ولكي يسعوا بالأكثر نحو مزيد من العمل، مُقدمين كل ثقة وطاعة، وليس شيئًا أقل من ذلك. هكذا فإن الرسول بولس أيضًا أمر قائلاً: " أطيعوا مُرشديكم وأخضعوا لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم كأنهم سوف يعطون حسابًا"[13]. وعندما يقول "يسهرون"، كما يشرح ق. ذهبي الفم ، فهو يقصد أتعابًا لا حصر لها، ورعاية مستمرة، وأخطارًا.
إذن فالراعي الصالح، يجاهد ويموت مرات عديدة من أجل الرعية، إن كان راعيًا حقيقيًا كما يجب أن يكون. لأن مثل هذا الراعي يمكن أن يموت كل يوم. ومن أجل هذا فإن هامة الرسل أي بطرس والذي أحبه المسيح أكثر من الآخرين، سأله المسيح أولاً، إن كان يحبه، وبعد هذا استأمنه على مسئولية الرعاية. ويقصد بالراعي هنا -كما يقول ق.ذهبي الفم - بالمفهوم العام ، هو راعي البيت، والزوجة، والأولاد ، والموظفين والعمال.




[1]  أنظر القديس يوحنا ذهبي الفم ، شرح رسالة رومية ، ترجمة د. سعيد حكيم يعقوب، مراجعة د.جوزيف موريس فلتس، د.جورج عوض إبراهيم ، المركز الأرثوذوكسي للدراسات الآبائية ، طبعة أولى 2013م،  ص609-613
[2] يو16:21.
[3] 1صم26:17.
[4] 1صم23:12.
[5] غل15:4.
[6] حز2:34.
[7] حز3:34.
[8] يو11:10.
[9] 2صم17:24.
[10] أم17:18(س).
[11] أنظر تك14:14ـ46.
[12] أم10:12.
[13] عب17:13.