الخميس، 15 أغسطس 2013

ليتورجية المكان


 

ليتورجية المكان ( الكنائس )
د. جورج عوض إبراهيم

أ ـ تاريخيًا

 كان المكان المخصص للعبادة له أهمية عظيمة فى العهد القديم، فمثلاً نجد فى (تك16:28ـ17)     " فاستيقظ يعقوب من نومه وقال حقا إن الرب في هذا المكان وأنا لم أعلم. وخاف وقال ما أرهب هذا المكان ما هذا إلاّ بيت الله وهذا باب السماء". الكنيسة المسيحية، لم يكن لها ـ فى العصر الرسولى الأول ـ إمكانية تخصيص أماكن خاصة للعبادة، أى لم يتيسر لها إقامة كنائس. وهذا ليس معناه أنهم لم يخصصوا مكانًا فى أورشليم لاجتماع " كنيسة الله " .

       إن ظهور المسيحية داخل البيئة اليهودية، وانحدار المؤمنين الأولين من الجذور اليهودية، يشرحان لنا علاقة الكنيسة الأولى بهيكل سليمان والمجمع اليهودى بعد قيامة المسيح. أما العشاء السرى أو الإفخارستيا فكان يُتمم فى بيت أو أكثر. إذ يشهد سفر أعمال الرسل قائلاً: " وكانوا كل يوم يواظبون فى الهيكل بنفس واحدة. وإذ هم يكسرون الخبز فى البيوت كانوا يتناولون الطعام بابتهاج وبساطة قلب" (أع46:2). كانت العلية إحدى الأماكن المستقلة عن الهيكل والمجمع، التى فيها تُمم العشاء السرى، وأيضًا فى العلية نفسها حدث انسكاب الروح القدس يوم الخمسين. لقد كانت العلية هى بيت أم مرقس الإنجيلى (أع12:2). وتعبير " الكنيسة التى فى بيتك " يشير إلى أماكن العبادة فى الكنيسة الأولى. أما الكنيسة المبنية خصيصًا كمكان لتجمع المؤمنين فقد عُرف فى وقت متأخر.

       كانت الكنيسة هى المكان الذى يتحقق فيه اجتماع الجسد الكنسى. ومصطلح "كنيسة" ـ "إكليسيا" يونانى الأصل ويعنى الدعوة لاجتماع المدعوين معًا فى مكان واحد، وهكذا فقد كان التركيز هو على شركة المؤمنين واجتماعهم فى مكان واحد. وهذا ما أراد أن يوضحه اسطفانوس أمام المجمع: " لكن العلى لا يسكن فى هياكل مصنوعات الأيادى. كما يقول النبى السماء كرسى لى والأرض موطئ لقدمي. أى بيت تبنون لى يقول الرب وأى هو مكان راحتى" (أع48:7ـ49)، لقد رددّ اسطفانوس كلامًا مشابهًا لكلام المسيح فى (يو21:4): " إنه تأتى ساعة لا فى هذا الجبل ولا فى أورشليم تسجدون للآب". أما منذ القرن الرابع، عندما صار بناء الكنائس مسموحًا به بحرية تامة، صار التركيز هو على الكنيسة كمبنى. وهذا أمر طبيعى.

       الهيكل المسيحى أو الكنيسة صارت الآن مكانًا دائمًا وثابتًا للعبادة المسيحية، واكتسبت أهمية خاصة ليست فقط كمكان اجتماع لكن كبناء. هذا التحوّل قاد إلى صياغة لاهوت يتناسب مع الاهتمام بالمبنى الكنسى.

ب ـ لاهوت ليتورجية المكان

       كما رأينا، فإن تشكيل الهيكل المسيحى نتج فى البداية من خبرة الاجتماع الإفخارستى، لذا فإن فكرة الهيكل ارتبطت بفكرة "السماء على الأرض": ".. إذا وقفنا فى هيكلك المقدس نُحسب كالقيام فى السماء"، لأن الإفخارستيا هى "صعود" المؤمنين إلى المذبح السماوى.

       هذه الخبرة ظلت بلا تغيير وكموقف لاهوتى أساسى لمكان العبادة لدى الكنيسة، بالرغم من أن المعنى اللاهوتى للهيكل المسيحى تأثر بالطريقة الليتورجية للقرن الرابع، إذ اكتسب مفهومًا مستقلاً. لقد اُعتبر الهيكل "مكان مقدس" يحل فيه الله وسط "الجماعة المقدسة". وبدأت فكرة إقامة الكنائس فوق عظام الشهداء ، فعندما استشهد الأسقف القديس بوليكاربوس أسقف أزمير بآسيا الصغرى سنة 156م، إذ بدأ أولاده المؤمنون بأزمير بإقامة مائدة الإفخارستيا والصلاة فوق عظامه بعد استشهاده، على أساس أن ذبيحة الإفخارستيا تُقدم على مذبح عظام الشهيد القديس الذى قدم حياته بسفك الدم باسم المسيح. وفى القرن الرابع ـ فى عصر الأباطرة المسيحيين ـ صار هناك اهتمام ببناء كنائس فخمة فى بعض العواصم. وانتقلت الصلاة كما يقول الأب ألكسندر شيميمان[1] من "العظمة الداخلية"  إلى العظمة "الخارجية" خصوصًا بسبب ضعف الحرارة للمؤمنين بانتهاء فترة الاضطهادات. لكن صلوات الكنيسة القبطية والتى تتميز بالوعى اللاهوتى العميق نتنسم فيها بكل وضوح روح الشماس اسطفانوس. وعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد فى أوشية السلام المعنى العميق لمفهوم الكنيسة كما أوضحه اسطفانوس أمام المجمع عندما قال " لكن العلى لا يسكن فى هياكل مصنوعات الأيادى. كما يقول النبى السماء كرسى لى والأرض موطئ لقدمي. أى بيت تبنون لى يقول الرب وأى هو مكان راحتى" (أع48:7ـ49). إذ يصلى الكاهن: " أذكر يارب سلام كنيستك الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية الأرثوذكسية "، فيرد الشماس: "صلوا من أجل سلام كنيسة الله الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية الأرثوذكسية"، فيكمل الكاهن قائلاً: "هذه الكائنة من أقاصى المسكونة إلى أقاصيها. كل الشعوب وكل القطعان باركهم ..".

       هنا نجد إشارة واضحة بعدم انحصار كنيسة الله فى مكان محدد" فللرب الأرض وملؤها"، ومن جانب آخر فإن هدف الكنيسة هى تحويل كل العالم "من أقاصى المسكونة إلى أقاصيها" إلى كنيسة، إلى بيت للرب لكى تتحقق فكرة "السماء على الأرض". وفى هذا الإطار ترى الكنيسة إمكانية تقديس كل العالم والخليقة ولا يوجد مكان مقدس ومكان دنس، فما زال روح الله يرف على وجه الكون ليمنحه القداسة.

       إن "الهيكل" أو "الكنيسة" أيًا كان شكل المبنى، فهو يخلق فينا الشعور والوعى والإدراك بدخول الله فى التاريخ وحضوره فيه، " فالكلمة صار جسدًا وحل بيننا" (يو14:1). يُفهم الهيكل المسيحى، عند ذهبى الفم، على أنه " مسكن الجميع المشترك" [2]، وفى نفس الوقت هو مكان ورمز للكنيسة شعب الله، والذين بينهم " يسكن ويسير الله " (2كو16:6).

وطريقة بناء الكنيسة حيث غربًا مكان المؤمنين وتنتصب المائدة المقدسة شرقًا لأجل المؤمنين بلا حواجز تفصل  بين المقدس والنجس. وحامل الأيقونات لا يفصل ولا يحجز ما هو مقدس عن ما هو نجس، بل يشير إلى شركة القديسين، أى العالم السماوى. ويذكرنا دائمًا بأن " ملكوت الله قد اقترب" (لو9:10)، فهو لا يُعتبر حاجزًا يفصل بل يوّحد.

       إن وجود المائدة المقدسة فى مركز الهيكل متجهة ناحية الشرق نحو " شمس البر " الذى سوف يأتى من الشرق فى مجيئه المُمجد (مت27:24) يشير إلى التفات الكنيسة الدائم نحو " الرب الذى سيأتى " لكى يتقابل مع مؤمنيه (يو3:14).

 



[1]  ألكسندر شيميمان، النهضة الليتورجية، ص138، 139 (باليونانية).
[2]  تفسير إنجيل متى: P.G.57, 384.

الاثنين، 12 أغسطس 2013

الآلقاب المريمية في لحن مونوجينيس


الألقاب المريمية  في لحن مونوجينيس


                                          د. جورج عوض إبراهيم

["أيها الابن الوحيد كلمة الآب الغير المائت

          والقابل كل شيء لأجل خلاصنا.

          المتجسد من القديسة والدة الإله الدائمة البتولية مريم.

          بغير استحالةٍ، المتأنس المصلوب الإله بالموت داس الموت.

          أحد الثالوث المقدس الممجد مع الآب والروح القدس خَلِّصنا.

          قدوس الله الذي صار إنسانًا من أجلنا بغير استحالة وهو الإله.

          قدوس القوي الذي أظهر بالضعف ما هو أعظم من القوة.

          قدوس الغير المائت الذي صُلب من أجلنا،

          وصبر على موت الصليب،

          وقبله في جسده وهو أزلي غير مائت،

          أيها الثالوث أرحمنا ].

 

          إن أمُ يسوع تُوصف بصفتين: "والدة الإله θεοτόκος" و "الدائمة البتولية": ἀεπαρθένος. إن الميلاد البتولي لربنا يُعلَن عنه في (مت 1، لو 1) ويقر القديس بولس بوجود هذا التقليد في (غلا 4:4)، "في ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة". هنا نجد التوافق بين "ابن الله" و"مولودًا من امرأة" يؤكد بشدة على ألوهية الابن الأزلي (أنظر رو 3:1 وما بعده، 3:8، 32:29، 1 كو 6:8، 2 كو 9:8، في 6:2، كو 13:1 - 16) الذي يدخل التاريخ ليُبيد "قوات هذا العالم" (غلا 2:4، أنظر كو 2: 8). ولأنه ينبذ العنف؛ فإنه يحقق رسالته من خلال الاتضاع والوداعة. ولأنه ابن الله الأزلي فقد أخذ جسدًا "وصار إنسانًا بين الناس، وقَبِلَ بالكامل حالة وظروف الوجود البشري الساقط. وتجسده هو حقيقي وكامل. إن ابن الله الذي هو بالمثل ابن مريم. إذ صار "مولودًا من امرأة" [ليس "في εν"، بل "من امرأة εκ γυναίκας" يمكنه وبدون شروط أن يدخل الحياة البشرية. وهكذا فقط يمكن أن "يجمع" "البشرية كلها" ويمنح أولئك الذين هم مخلوقون على صورة الله، عطية وموهبة النبوة الإلهية (غلا 5:4).

          دعونا نرى برهان القديس كيرلس على لقب والدة الإله للعذراء مريم ضد الذين ينكرون هذا اللقب، إذ يقول: "أمَّا إذا صمَّمُوا قائلين أين دُعيت العذراء في الكتاب المقدس والدة الإله، ليتهم يسمعون الملاك الذي بشَّر الرعاة بوضوح وقال: "أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ" (لو 2: 11). فهو لم يقل: "الذي سوف يصير ربًّا" أو "سوف يسكن فيه الرب"، لكن "هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ".

          ها هو الملاك حين يقدِّم لهم خبر الرب المُفْرِح، يعطيهم علامة ألوهية الرب، فيقول: "تَجِدُونَ طِفْلاً مُقَمَّطًا مُضْجَعًا فِي مِذْوَدٍ" (لو 2: 12). كذلك كرز بطرس بمثلما كرز به الملاك حين ذهب إلى كَرْنيليوس، إذ قال: "الْكَلِمَةُ الَّتِي أَرْسَلَهَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ يُبَشِّرُ بِالسَّلاَمِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ. هذَا هُوَ رَبُّ الْكُلِّ" (أع 10: 36). أرأيت كيف بدلاً من الكرازة الخلاصية، يقول إن الكلمة التي أرسلها، الذى هو يسوع المسيح؟ ولكي يبرهن لهؤلاء مَنْ هو يسوع المسيح، قال: "هذَا هُوَ رَبُّ الْكُلِّ". أرأيت الطفل الذي دعاه كلاً من الملاك وبطرس ربًّا؟

          إذن بدون شك إن والدة الإله هي التي ولدت الرب. هكذا نادتْها أيضًا أم المعمدان الطوباوي مُلْهَمَةً بالروح القدس. لأنه مكتوب "وَامْتَلأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: «مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُ رَبِّي إِلَيَّ؟" (لو 1: 42 - 44). مَنْ هو ذا الذي استولى عليه الجنون لدرجة أنه لا يريد - مع الأناجيل - أن يدعو العذراء مريم والدة الإله؟ إذن ليْتَّهم لا يصُكُّون آذان المؤمنين الأنقياء بثرثراتهم بسبب أنه دُعيَّ ولدٌ وطفلٌ حتى لا يرفضون تدريجيًّا مجيئه كله. لأنه دُعيَّ من الملاك الطفلُ وأيضاً الربُّ"([1]).

          هكذا اللقب ثيوطوكوس θεοτόκος والمستخدم على الأقل منذ زمن أوريجينيوس([2])، هو بالأساس تأكيد خريستولوجي. فالله - في أقنوم الابن - أخذ "جسدًا" بالحقيقة (أنظر يو 14:1) والذي يدل على الطبيعة الإنسانية بكاملها([3]). هكذا لفظ الإخلاء εκένωσεν (فيلبي7:2) نجد مكانًا له في نص (يو 14:1): "الكلمة صار جسدًا وحل بيننًا" وعبارة "بيننا εν ημίν" تعني أيضًا "معنا" وبمفهوم الشركة الكاملة في الحياة البشرية.

          إن لقب "ثيوطوكوس"، تم اعتماده رسميًا بواسطة مجمع أفسس في 431م، ودافع عن استخدامه القديس كيرلس وأكد ذلك "بأن الكلمة قد اتحد أقنوميًا καθ ὺπόστασιν بالجسد"([4]). هكذا المسيح كان ولايزال أبديًا: إله تام وإنسان تام. وبذلك صار إتحاد بين الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية في شخص المسيح الواحد. أي إتحاد بين الوجود الإلهي والإنساني الذي يمكنه أن يحقق فداء أولاد الله. وبتعبير القديس غريغوريوس النزينزي "ما لم يُؤخذ لا يُشفى بل ما اتحد مع الله يخلص"([5]).

          الشهادة الكتابية عن المسيح بكونه ابن الله الأزلي الذي تجسد من مريم يبرر حقًا استخدام لقب ثيؤطوكوس أي والدة الإله: θεοτόκος. هذا ما جعل الآباء يشددون على أن رفض كرامة مريم وتوقيرها بكونها "أُم الله " هي في آنٍ نفس المحاولة لإنكار حقيقة وواقع التجسد الإلهي وخلاصنا.

          بنفس القدر نؤكد على بتولية مريم الدائمة، إذ يعلن العهد الجديد أن مريم حبلت بيسوع "بدون زرع بشر" وأن هناك علاقة فائقة للطبيعة بين بتولية العذراء و"منطق التجسد". وأول من ربط بين اللقبين: "والدة الإله θεοτόκος" و"دائمة البتولية αειπαρθένος"([6]). وفي كتاب تجسد الكلمة يقول القديس أثناسيوس: "أخذ (يسوع المسيح) جسدًا من جنسنا، وليس ذلك فحسب، بل أخذه من عذراء طاهرة نقية لم تعرف رجلاً، جسدًا طاهرًا وبدون زرع بشر"([7]). ليس معني ذلك أن العلاقات الجسدية في الزواج هي في الأساس خطية، بل لأن حالة البتولية تعكس كمال الإنسان بعد القيامة الأخيرة.

          هكذا بحبل مريم الإلهي تصبح مريم لها دوراً فعالاً  في تدبير  الله لخلاص الإنسان  ، وفي شخصيتها ومن جسدها صار اتحاداً بين اللاهوت والناسوت. فالعذراء لم تلد مجرد إنسان بل الله مكسوًا بالجسد - كما يقول الأب يوحنا الدمشقي، (عن الإيمان الأرثوذكسي:12) - وليس كجسد نزل من السماء ودخل فيها كما إلى معبر أو ممر ما، بل أخذ منها جسدًا من نفس الطبيعة مثل جسدنا. فالتجسد هو  الأساس لفدائنا. إن المصالحة بين الله والإنسان ليست مجرد عمل قضائي. إن "بر الله" δικαιοσὺνη لا يعني أن الله ببساطة ينطق ببراءة الإنسان. إن التبرير يحمل بُعدًا كيانيًا: "لأنه جعل الذي لم يعرف خطيةً خطيةً لأجلنا لنصير بر الله فيه" (2 كو 21:5). لقد دخل الكلمة إلى العالم الساقط لكي يشفي الطبيعة البشرية الخاطئة ويجعلها متحدة بلاهوته الذي لا يعرف خطية. وقد صار ذلك بأن أخذ الكلمة جسدًا بشريًا من رحم العذراء. ولم يكن إنسانًا عاديًا الذي حبلت به القديسة مريم بل كان الله نفسه، ملء الحياة الإلهية الذي فيه يسكن" كل ملء اللاهوت جسديًا" (كو 9:2).

          الكنيسة - إذن - تكرم مريم بكونها عذراء دائمة البتولية بسبب معجزة التجسد الإلهي التي تمت فيها وبها خلال شخصيتها. لقد دل قبول مريم للبشارة "هوذا أنا أمة الرب" -كما يقول الآباء- على اختيار حر وطوعي بأن تكرس نفسها بالكامل وعلى الإطلاق وبشكل فريد لربها وإلهها. والبتولية ليست حالة جسدية فقط بل كما يقول الأب جورج فلورفسكي "إن البتولية ليست مجرد حالة جسدانية أو ملمحًا ماديًا أو بدنيًا في حد ذاته. إنها وقبل كل شيء موقف روحي باطني يكتسبه الإنسان باللاهوى απάθεια أي التحرر من الأهواء والشهوات الدنيئة"([8]).

          اللاهوى ليس نقصًا في المشاعر والعواطف، بل يعني بالحري محبة خالصة نقية وتوقًا ملتهبًا لله ولله وحده. لذلك ظلت مريم دائمة البتولية في الفكر وفي النفس وفي الجسد.

 




([1]) القديس كيرلس الأسكندري، ضد الذين لا يعترفون أن العذراء والدة الإله، ترجمة د. جورج عوض إبراهيم، مراجعة د. نصحي عبد الشهيد، المركز الأرثوذوكسي للدراسات الآبائية، يونيو 2011، ص 31-32.
([2]) سقراط، تاريخ الكنيسة 32:7.
([3]) أنظر ج. مايندروف ـ المسيح في الفكر المسيحي الشرقي SVP نيويورك 1975، ص 21-22.
([4]) أنظر الحرم الثاني من الحرومات الأثني عشر ضد نسطور. وأنظر أيضًا د. كيلي، العقائد المسيحية الأولي، لندن 1960، ص 324. ج. مايندروف، المرجع السابق، ص 18 - 22.
([5]) المرجع السابق، ص 15  181c – 184A PG 37.
([6]) انظر شرح مزمور 11:84، PG27، 373M  .
([7]) تجسد الكلمة 3:8، ترجمة د. جوزيف موريس فلتس، إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ص 21.
([8]) جورج فلورفسكي: "الأم الدائمة البتولية في أم الله، لندن، 1959، ص54. أنظر مرجع جون بريك المذكور سابقاً.