الجمعة، 22 أغسطس 2014

العبادة ( الصلاة الليتورجية )

العبادة ( الصلاة الليتورجية )     د.جورج عوض إبراهيم                                                                                                                                               

         

       هدف الكنيسة هو خلاص وتقديس الإنسان وكل الخليقة

 " يالله تحنن على خليقتك ونجها من كل سوء " ( الطلبة المسائية – أسبوع الآلام ) ، فالخلاص في المسيح هو إعادة الإنسان إلى طريق الكمال والخلود بقوة الروح القدس:  " يا من بقدرته دبر حياة الإنسان قبل خلقته ، وصنع له الموجودات بحكمته وزين السماء بالنجوم والأرض بالنباتات والأشجار والكروم والأودية بالعشب والزهر ..... يا الله العظيم القدوس الذى خلق الإنسان على صورته ومثاله  وجعل فيه نفساً حية عاقلة ناطقة ارحم يا رب جبلتك التي خلقتها" ( الطلبة المسائية – أسبوع الآلام ). هذه المسيرة تتحقق بانضمام كل الوجود الإنساني إلى جسد المسيح أي يصير الوجود الإنساني كنيسة في المسيح، ويصير الحق في داخل الإنسان. وعندئذٍ يمكن له أن يعرف الله ويتحد معه ويتقدس: " وتحنن عليها وأرسل علينا رحمتك من علو قدسك ومسكنك المستعد ".
       إن عبادة الكنيسة تكشف لنا عن الإعلان الثلاثي لسر الحياة:  سر الله وسر الإنسان وسر الخليقة. والعبادة في نفس الوقت هي إعلان لسر الإنسان ككائن اجتماعي يدخل في شركة مع الله: " أين هي قلوبكم؟"، " هي عند الرب "، وشركة مع أخيه الإنسان: " قبلوا بعضكم بعضًا".
 يدخل المؤمن في العبادة الأرثوذكسية في سر "الزمن" الجديد، والذى بدأ بتأنس ابن الله وانتصاره على الفساد والخطية والموت. إنه سر " السماء الجديدة والأرض الجديدة " (رؤ1:21)، حيث " لا موت ولا حزن ولا صراخ ولا ألم لأن الأمور الأولى قد مضت" (رؤ4:21). نخضع بكل كياننا، في العبادة الكنسية، تحت سلطان المسيح ونمجد الله الثالوث كما تمجده قوات الملائكة غير المنظورة بلا انقطاع في السماء (أنظر إش1:6).
       تتحقق في العبادة حركة مزدوجة
+ حركة الإنسان نحو الله أي لتمجيد الله.
+ وحركة الله نحو الإنسان لتقديس الإنسان.
       ولا مجال هنا للسؤال الجدلي: مَنْ يبدأ ؟ لأن المحبة الإلهية هي في حالة حركة دائمة نحو الإنسان (أنظر1يو10:4). إن العبادة هي حوار ليتورجي بين الخالق والمخلوق، إنها شركة إلهية إنسانية. إنها لقاء الله والإنسان " في الحق" (1يو20:5)، فيها يقدم الإنسان ذبيحة هي " ثمر شفاه معترفة باسمه" (عب15:13). فالعبادة ليست دعوة إلى الله لكى يمنح الخلاص بل هي تقديم الشكر لله الذى أعطانا أن نحيا هذا الخلاص. إنها عبادة " المؤمنين" الذين هم أولاد الله، والله هو الذى يقبل الشكر من الكنيسة، إذ قدم كل ما هو ضروري لأجل خلاص البشر وجعله موجودًا في العبادة. الإنسان في العبادة يتشوق أكثر للخلاص المقدم من الله ويجاهد لأجل تكميله. إنه يتشوق لأن يكون " في المسيح " (فى23:1). يشعر المؤمن في العبادة مثلما يشعر الرضيع نحو الحضن الأمومي، فهو يحن إلى مكانه الطبيعي، لذلك هو يسبح قائلاً: " فرحت بالقائلين لي إلى بيت الرب نذهب" (مز1:122).
       العبادة المسيحية تختلف عن العبادات الأخرى، إذ أن العبادة الكنسية هي عبادة الإله الواحد الحقيقي " بالروح والحق" (يو24:4). إنها تختلف عن عبادة الأصنام والعبادة اليهودية، إذ أن الأولى لا يمكن أن تُوصف بأنها "روحية" ولا "حقيقية"، والثانية اليهودية هى "عبادة حرف وليست عبادة روح" (2كو6:3). العبادة المسيحية غير خاضعة " لأركان هذا العالم" (غل3:4). العبادة المسيحية تقود إلى تحرر الإنسان، إلى معرفة الله: " إلى أن ننتهى جميعًا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله إلى إنسان كامل. إلى قياس قامة ملء المسيح" (أف13:4).
       العبادة الكنسية هي انعكاس للعبادة الروحية التي وصفها يوحنا الحبيب في سفر الرؤيا (10:4، 6:5، 1:22،...). إن هدف العبادة ليس إنزال السماء إلى الأرض، بل هو تغيير الأرض وتجليها إلى سماء. فالعبادة تتبع نفس الطريق الذى انتهجه المخلص ابن الله الذى صار إنسانًا لكى يقدس الإنسان، ويقدس الكون داخليًا وديناميكًا ليتجلى وينضم إلى الملكوت الإلهي. إن العبادة الكنسية تجعل ملكوت الله حاضرًا في العالم، وتحوّل الأرضي وتغيره إلى سماوي، والمادي إلى روحي، والإنساني إلى إلهى وذلك بقوة الروح القدس المحيي.

       تُوجد عدة ملامح للعبادة الكنسية


أولاً: الملمح الثالوثى 

       إن العبادة الكنسية تُفهم كلقاء المؤمنين مع الله الثالوث. ومن جهة أخرى فإن وجود الكنيسة نفسها مؤسس على الثالوث. وبالمثل فإن طريقة حياتها أيضًا مبينة على الثالوث. فقوتها ورجاؤها مؤسسان على الله الثالوث. والعلاقة السرائرية بين الكنيسة وأقانيم الثالوث هي مصدر صفات الكنيسة الأساسية وهى: مقدسة، وواحدة، وجامعة، ورسولية. فالكنيسة تحيا وتتحرك في العالم بفعل قوة الثالوث القدوس ونعمته :

1 ـ التمركز حول الثالوث

       العبادة الكنسية هي ثالوثية تتمركز حول الثالوث في هدفها وفى بنيتها، وهى تُقدم إلى الله الآب (رو15:8، غل6:4)، بواسطة ابنه الوحيد الجنس يسوع المسيح وفى الروح القدس (أف18:2). يحقق المؤمن، في العبادة الكنسية، شركته مع الثالوث عن طريق شركته في جسد المسيح ابن الله، الذى هو متحد بلا انفصال مع الآب والروح القدس. يقدم الله، في العبادة، عطية النعمة إلى الإنسان، والإنسان بدوره يصلى إلى الله مجيبًا على العطية المقدسة. وكل عمل تعبدي له هذا الملمح الإلهي. فالعبادة تؤسس على إعلان محبة الثالوث القدوس لنا أثناء حركته نحو الإنسان والعالم. الله "ينزل" لكى يتقابل مع الإنسان، والإنسان "يصعد" لكى يتقابل مع الله. لذا فالعبادة الكنسية تضع الإنسان على جبل طابور الروحي لكى تدخله إلى المجد الإلهي. العبادة الكنسية تتركز في الصعيدة التمجيدية للأقانيم الثلاثة، لذا فإن افتتاحية الإفخارستية تبدأ دائمًا بتمجيد الثالوث: " مجدًا وإكرامًا، إكرامًا ومجدًا للثالوث الأقدس الآب والابن والروح القدس، سلامًا وبنيانًا لكنيسة الله الواحدة الوحيدة الجامعة الرسولية" (تقدمة الحمل ـ الخولاجي المقدس). لذا فإن صعيدة الإفخارستيا هي في بنيتها ثالوثية وتتمركز حول الثالوث، وصلاة الكنيسة هي استدعاء دائم للثالوث القدوس.

التمركز حول المسيح

          الإنسان خُلق بدعوة أن يجمع العالم ويُوحده بالخالق، ولكى يُنجز هذه المهمة ، لابد أن يجتاز الانقسام الأول الذى فيه (ذكر ـ وأنثى)، ثم بعد ذلك يوحد الفردوس بالأرض، أي يغير الأرض ويجعلها تتجلى لتصير فردوسًا، وأن يلغى المسافات بين الأرض والسماء، ولابد أن يتجاوز الحسى لكى يصل إلى العالم الملائكي، وأن يتحد بالله الخالق فى شركة وعلاقة حية معه، عندئذ يمارس الإنسان دوره الكهنوتي إذ يقدم العالم والخليقة كلها ذبيحة شكر لله ويحقق دوره الإفخارستي. والمسيح قد حقق كل هذه الوحدة، فقد جُمع كل شيء في المسيح كما أخبرنا القديس بولس في أفسس(10:1) "صائرًا رأس كل شيء وملك على كل شيء". بعمل المسيح، قد تم استعادة الوحدة بين الله والعالم المخلوق، مثلما حدث فى التجسد عندما اتحد الخالق بالمخلوقات، فقد اتحدت الطبيعة الإلهية بالناسوتية بغير اختلاط وغير امتزاج أو تغيير وقدستها . لقد تقدس العنصر المخلوق باتحاده بالخالق، والإنسان هكذا أخذ دور الوسيط، فهو يقدم الخليقة المادية إلى الله أي يقودها للاتحاد بالله ، للاتحاد بمنبع كمال كل الخلائق الذى هو الله ، وبكلام آخر ، الإنسان مدعو أن يصير كاهنًا للعالم، إذ يقود ويقدم الخليقة المادية إلى خالقها. إن الهدف النهائي للإنسان هو الاتحاد بالله ، مسيرته من " بحسب الصورة " إلى "الصورة " ، أي الصعود المستمر بالإنسان نحو النموذج أو الموديل . إن حركة الإنسان من " بحسب الصورة " إلى " المثال " تعنى أن الهدف النهائي للإنسان هو الاتحاد بالله
       إن الصعيدة الإفخارستية موجهة إلى الله ـ الآب، والآب غير منفصل عن الابن والروح القدس. والابن يعمل في العبادة كـ" وسيط بين الله والناس" (1تى5:2). إن المسيح إذ هو " واحد مع الآب في الجوهر" ومجده هو مجد الابن الوحيد من الآب (يو1:14)، فإنه يظهر " في ذاته " الآب، " من رآنى فقد رأى الآب " (يو8:14ـ9). وهكذا "في المسيح" يكون الآب "معنا" ويُنظر بمجد طبيعته الإلهية.
       إن الكلمة المتجسد ربنا يسوع المسيح رأس الكنيسة هو المحور المركزي للعبادة، فهو رئيس الكهنة الحقيقي (عب14:4)، والخادم بالليتورجيا (عب2:8)، إذ أنه " المُقدِّم والمُقدَّم". لذا فالعبادة الكنسية تُفهم على أنها استمرار للعمل الخلاصي للمسيح في صوره الثلاث " الكهنوتي، النبوي، الملوكي" (1بط9:2). وصلوات القداس الإلهي تعلن عن هذه الحقيقة بكل وضوح:
       [ أنت الكائن في كل زمان. أتيت إلينا على الأرض. أتيت إلى بطن العذراء. أيها الغير المحوى. إذ أنت الإله لم تضمر اختطافًا أن تكون مساويًا لله. لكن وضعت ذاتك وأخذت شكل العبد. وباركت طبيعتي فيك. وأكملت ناموسك عنى، وأريتني القيام من سقطتي. أعطيت إطلاقًا لمن قُبض عليهم في الجحيم. أزلت لعنة الناموس. أبطلت الخطية بالجسد.. ] (القداس الغريغورى).
       المسيح كخادم الليتورجيا الإلهية يقدم ذاته كذبيحة غير دموية وبلا لوم "لله الآب"، لكى يرفع خطية العالم (يو29:1).  [ أتيت إلى الذبح مثل حمل حتى إلى الصليب أظهرت عظم اهتمامك بي، قتلت خطيتي بقبرك أصعدت باكورتي إلى السماء، أظهرت لي إعلان مجيئك هذا الذى تأتى فيه لتدين الأحياء والأموات وتعطى كل واحد كأعماله] (القداس الغريغورى).
       المؤمنون يشتركون في سر التدبير الإلهي أثناء العبادة في الإفخارستيا:
[ إذن يا سيدنا، فيما نحن نصنع ذكرى نزولك على الأرض وموتك المُحيي وقبرك ثلاث أيام وقيامتك من الأموات. وصعودك إلى السموات وجلوسك عن يمين أبيك. وظهورك الثاني الآتي من السموات. المخوف المملوء مجدًا. نقرّب لك قرابينك.. ] (القداس الغريغوريوى).
هنا نجد كل التدبير الإلهي للخلاص الذى " في المسيح". وبواسطة المسيح يصير تاريخ الخلاص حاضرًا في العبادة لكى يحياه المؤمن في كل مراحله.
       إن حضور المسيح في العبادة الكنسية هو حضور محسوس [ هوذا كائن معنا على هذه المائدة اليوم عمانوئيل إلهنا حمل الله الذى يحمل خطية العالم كله] (صلوات القسمة ـ أعياد الملائكة والسمائيين). فالمسيح هو الذى ضمنا إلى جسده، وهو فصحنا الذى قد ذُبح لأجلنا، وفى كل إفخارستية يصير حاضرًا معنا. فصح خلاصنا " الذى صُلب على يد بيلاطس البنطي " قدم نفسه ذبيحة لأجلنا (راجع 1كو7:5). هكذا تنطلق العبادة " من المسيح" وإليه تنتهى. وعلى الجانب الآخر، فإن هدف العبادة هو تقديس المؤمن لكى يصير هيكلاً لله.

التمركز حول الروح القدس 

       إن كل شيء في حياة الكنيسة لا يتمركز فقط حول المسيح بل وأيضًا حول الروح القدس. إن تعبير "في المسيح" يعنى في عبادة الكنيسة " في الروح القدس" :
       [ وأرسل إلى أسفل من علوك المقدس ومن مسكنك المستعد ومن حضنك غير المحصور ومن عرش مملكة مجدك البارقليط روحك القدوس الأقنوم، غير المستحيل ولا متغير. الرب المحي الناطق في الناموس والأنبياء والرسل، الحال في كل مكان، المالئ كل مكان ولا يحويه مكان، واهب القداسة بسلطة بمسرتك للذين أحبهم وليس كالخادم، البسيط في طبيعته الكثير الأنواع في فعله. ينبوع النعم الإلهية، المساوي لك. المنبثق منك، شريك عرش مملكة مجدك، وابنك الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا وملكنا كلنا يسوع المسيح. أرسله علينا نحن عبيدك وعلى هذه القرابين التي لك... ] (صلاة استدعاء الروح القدس في القداس الكيرلسى).
إن كل صعيدة تقدم إلى الآب والابن لا تكون تقدمة حقًا بدون قوة الروح القدس، فالروح القدس يعمل في العبادة كالسحابة المنيرة في التجلي(مت15:17) التي خيمت على التلاميذ وكل الجبل.
       يعيش المؤمن " بالروح القدس " في سر العبادة، لأن الروح يعطى الحياة للكنيسة ويظلل على اجتماعها. إنه "روح التبني " الذى يصرخ فينا " يا أبا الآب " (رو15:8) والذى يقود إلى " التبني الروحي " .

ثانياً : الملمح التقليدي

       أحد ملامح العبادة الكنسية هو علاقة العبادة المباشرة بتقليد الكنيسة، أي حياتها المستمرة والمستمدة من المسيح يسوع، والتي لا تعبّر فقط عن استمرارية الخبرة الروحية ، لكن أيضًا عن تمسك الكنيسة بعناصر التقليد التي تحدد عناصر العبادة الكنسية مما يضمن مصداقية الحياة المسيحية.
       ظلت العبادة الكنسية " قديمة " في روحها و" جامعة "، إذ تعبر بصدق عن وحدة الإيمان المسيحي الأول، وبواسطتها يصير في إمكان المؤمن الآن أن يحيا الإيمان المُسلّم مرة للقديسين. إن تقليد العبادة لا يُختزل في طرق وأشكال وترتيبات ممارسة العبادة، لأن هذه الترتيبات حصل لها تجديد عبر الزمن مع الاحتفاظ بجوهر العبادة وروحها. وجوهر العبادة هو الإفخارستية والصلوات الأساسية التي تختص بخلاص الإنسان وإعطائه الإمكانية لتحقيق هذا الخلاص. إن تقليد العبادة الكنسية يمثل جزءً لا ينفصل عن التقليد الكنسي، ووعى الكنيسة هو الذى يضمن استمرار هذه العبادة دون تغيير في جوهرها ، كما كانت في القرون الأولى للمسيحية، بالرغم من أنها قابلة للنمو والتطور.
       إن العبادة الكنسية تعطى مصداقية للاختبار الحي المستمر لوحدة الكنيسة وإيمانها، فقد صارت العبادة الكنسية هي الرباط الوثيق الثابت الذى يربط كل الكنائس المحلية معًا.
       تُحفظ الوحدة في العمل الليتورجي بواسطة اعتراف الإيمان " رب واحد إيمان واحد معمودية واحدة " (أف5:4)، لذا نظل مجتهدين كما يقل بولس الرسول أن نحفظ " وحدانية الروح " (أف3:4)، أي بشركة حضور الروح القدس في قلوب العابدين. إن إيمان الكنيسة كتدبير مقدس روحي " الفكر الذى في المسيح يسوع " (فى5:2)، والسلوك الروحي كحياة في المسيح    " الذى يحيا فىَّ " (غل20:3) يتحققان في العبادة الكنسية، لذلك فإن العبادة لها أهمية عُظمى في صياغة إيمان الكنيسة وعقيدتها.
       نتعرف في العبادة على وسائل التعبير عن الإيمان الكنسي مثل الطلبات والتسابيح والصلوات، وهكذا تصير العبادة الكنسية مصدرًا هامًا لإيمان الكنيسة. أيضًا يتقاطع العنصر التاريخي ـ في العبادة ـ مع العنصر اللاهوتي والعقيدي، فالتسابيح تربط التاريخ الكتابي بالعنصر اللاهوتي والعقيدي أثناء تمجيد الله والاحتفال بالأعياد أو فى تكريم القديسين. الكنيسة عندما وضعت النصوص الليتورجية تحركت على هذين المستويين، إذ وهي ترى العنصر التاريخي تربطه بالمعنى اللاهوتي. فمثلاً في تسبحة الهوس الأول تصلي الكنيسة: [ فلنسبح الرب لأنه بالمجد قد تمجد . الفرس وراكب الفرس طرحهما في البحر (العنصر التاريخي). معين وساتر علىّ وصار لي خلاصًا. هذا هو إلهى فأمجده. إله أبي فأرفعه (المعنى اللاهوتي)]. هكذا كانت نظرة آباء الكنيسة لحوادث الخلاص التاريخية التي تقود إلى المفهوم اللاهوتي، لذا فنصوص الآباء صارت هي نصوص العبادة، إذ تمثل ـ عند الكنيسة ـ مصدرًا للاهوت الليتورجي. فالليتورجيات التي صيغت بواسطة الآباء نُصلي بها أثناء العبادة في الكنيسة (مثل ليتورجية القديس باسيليوس والقديس غريغوريوس والقديس كيرلس). التعاليم الآبائية هي البنية الأساسية للعبادة الأرثوذكسية من خلال نصوص الصلوات الليتورجية والعظات التي تقدمها الكنيسة للمؤمنين. العبادة الكنسية هي الأم التي تُشكل، داخل وحدة الجسد الكنسي، السلوك الأرثوذكسي وتغير حياة الإنسان ليصبح بالفعل "خليقة جديدة". هكذا فالعبادة الكنسية تصبح خدمة ليتورجية الإيمان الكنسي بدرجة تجعلنا نتحدث عن عبادة أرثوذكسية وأخرى غير أرثوذكسية.
       من جهة أخرى، ما يُخَلِّص ليس هو العبادة بل المسيح بواسطة الإيمان الذى وُجدت العبادة من أجله. إن وحدة الكنيسة تُؤسس على المحتوى الليتورجي: الإيمان والسلوك الروحي. إن مركز حياة الكنيسة هو الاعتراف بحدث الخلاص في المسيح والدعوة المستمرة لهذا الخلاص: "تعال وأنظر" (أنظر يو39:1ـ46). العبادة الكنسية تخدم هذا الحدث وتقود إليه إذ تعترف بيقين الخلاص ونعمته.
       العبادة الكنسية تؤَّكد على أساس حياة الكنيسة، الذى هو تطابق قانون الصلاة مع قانون الإيمان، لذا فإن اعتراف الإيمان (كما في دساتير المعمودية) يصير داخل اجتماع الكنيسة للعبادة. فالإيمان قبل أن يصير عقيدة يُعترف به ويُعاش في العبادة. لذا يقول القديس ايرينيوس أسقف ليون: [ تعاليمنا هي وفق الإفخارستيا والإفخارستيا تؤَّمِن تعاليمنا][1].




[1]  أنظر ألكسندر شميمن، الإفخارستيا، أثينا 1987 (باللغة اليونانية).

الخميس، 21 أغسطس 2014

الإنسانية تتجلى في فعل المحبة والرحمة وليست في الشعارات النظرية المجردة


الإنسانية تتجلى في فعل المحبة والرحمة وليست في الشعارات النظرية المجردة

                                                                                       د.جورج عوض إبراهيم
             في الشهر الماضي ببريطانيا، عندما أصيبت الطالبة المسلمة (علياء أحمد علي) (13 عام) بالفشل الكُلوي . أصر أستاذها البريطاني المسيحي (راي كو) (53 عام)، أن يتبرع لها بكليته؛ رغم علمه مسبقا بما قد يصيبه من مضاعفات مستقبلاً، ، لكنّه أصر على فعل المحبة .. تمّت العملية بنجاح ويتماثل الإثنان الآن للشفاء، قبل العودة للدراسة والعمل مرة أخرى مطلع الشهر القادم.

                إن المحبة التى نادى بها المسيح لا تُفهم إلا بارتباطها الشديد بالعمل أو بتفعيلها، فالمسيح لا يُعلم ولا يكرز بمحبة عاطفية ولكن بالمحبة العاملة، لذلك يشدد على ذلك فى الموعظة على الجبل : "ليس كل من يقول لى يارب يارب يدخل ملكوت السموات بل الذى يفعل إرادة أبى الذى فى السموات.كثيرون يقولون فى ذلك اليوم يارب يا رب ألي باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة. فحينئذ أصرخ لهم أنى لم أعرفكم قط فاذهبوا عنى يا فاعلى الإثم. فكل من يسمع أقوالى هذه ويعمل بها أشبه برجل عاقل بنى بيته على الصخر ..... وكل من يسمع أقوالى هذه ولا يعمل بها يشبه رجل جاهل بنى بيته على الرمل ..." (مت21:7ـ27).
              واضح من هذا النص أن المسيح يُعطى أولوية ليس لاعتراف الإيمان النظرى المستقيم لكن للعمل والفعل وإتيان الثمار . ذلك الذى له أهمية حاسمة هو ليس قبول حقائق إيمانية نظرية لكن بالمحبة العاملة. المسيح لا يطلب فقط تغيير داخلى لكن ترجمة هذا التغيير إلى عمل وفعل. وهذا يظهر جلياً فى مثل التينة غير المثمرة : "كانت لواحد شجرة تين مغروسة فى كرمه. فأتى يطلب فيها ثمراً ولم يجد. فقال للكرام هوذا ثلاث سنين آتى أطلب ثمراً فى هذه التينة ولم أجد. اقطعها. لماذا تبطل الأرض أيضاً. فأجاب وقال له يا سيد اتركها هذه السنة أيضاً حتى أنقب حولها وأضع ذبلاً. فإن صنعت ثمراً وإلا ففيما بعد تقطعها". (لو6:13ـ9).
لقد كرز أيضاً يعقوب أخو الرب بالضرورة المطلقة للعمل: "ولكن كونوا عاملين بالكلمة لا سامعين فقط خادعين نفوسكم" (يع22:1).
الإيمان وحده لا يكفى "لأنه كما أن الجسد بدون روح ميت هكذا الإيمان أيضاً بدون أعمال ميت" (يع26:2). الرسول يعقوب لا يشكك فى قيمة الإيمان، لكنه يرفض الفكر الذى يكتفى فقط بالإيمان، كذلك الفكر الذى ينادى بأنه يستطيع أحد أن ينتظر كل شئ من النعمة الإلهية.
لا يوجد مجال للشك فى أن المسيح أعطى أفضلية أو أولوية مباشرة للعمل، لكن أى عمل يطلب؟ المسيح يطلب العمل الذى تسمح به الوصية الجديدة التى هى المحبة، وهذه الوصية ليست موقف عاطفى عام وحسب، بل محبة عاملة محددة، لشخص محدد، وهذا يعنى مساندته والوقوف بجانبه فى احتياجاته ومشاكله التى يواجهها "هنا والآن" (راجع رو9:12ـ21 )
"
لا تنظروا كل واحد إلى ما هو لنفسه بل كل واحد إلى ما هو لآخرين أيضاً" (فيلبى4:2 )
هذا ما فعله المسيح إذ صار إنسان لأجل الإنسان، وواضح جداً فى مثل السامرى الصالح (لو30:10ـ37) والإصحاح ال25 لإنجيل متى.
علينا أن نتشبه بالسامرى الصالح الذى فعل كل ما عنده لكى يداوى جراحات إنسان وينقذه، على العكس، أدان المثل السلوك القاسى للكهنة واللاويين الذين رأوا كم كان الإنسان جريح بين حى وميت ولكن عبروا عليه دون أن يفعلوا شيئاً. لقد أراد المسيح بهذا المثل أن يعلمنا بأن المحبة نحو أخينا فى الإنسانية تعنى الدفاع والوقوف بجانبه حتى يستطيع أن يواجه مشاكله التى تؤرقه.
أيضاً إصحاح متى25 خصوصاً المقطع الذى يتكلم عن "الدينونة العتيدة" (مت31:25ـ46) فى هذا المقطع نجد أن المعيار الذى سوف يدين به المسيح الإنسان هو موقفه إزاء مشاكل واحتياجات الأخ فى الإنسانية ، فالمحبة نحو الله والقريب تعنى صراعاً لا يهدأ حتى يتخلص الأخ فى الإنسانية من سياط الحرمان والضعف، من المرض، من الأمية، ومن كل أشكال القهر. المحبة تعنى عند المسيح صراع حتى تزال المعطلات فى طريق سعادة الإنسان.
وهنا سؤال يفرض نفسه: هل هذه المحبة العملية التى يطلبها المسيح، يجب أن تمارس على مستوى الفرد أم المجتمع؟
         إن الوصية الجديدة للمحبة تتطلب ليس فقط إنسان جديد بل ومجتمع جديد، فأخلاق المحبة وثقافة "قبول الآخر" و "ثقافة التسامح" التى علمها المسيح لها نتائج اجتماعية شاملة تطلب من الإنسان أن يغير الروابط الاجتماعية ويؤسس عالم يسوده العدل، عالم أكثر إنسانية. ومن جهة أخرى، فإن المحبة لا يمكن أن تتصالح مع عادات وروابط وبرامج اجتماعية تعتبر الإنسان شئ أو أداة لكى ترضى أهدافها أو أيدلوجياتها أو محبة المجد الباطل، لقد قاوم المسيح بشدة الظلم "تباعدوا عنى يا جميع فاعلى الظلم" (لو27:13)، وطالب بعالم جديد خالى من أناس مقهورين. لذلك لم يُعطى المسيح لتلاميذه بنود تعليمية ولكن أن يكرزوا بملكوت الله وهذا له أهمية خاصة، أن يحرروا الناس من كل أشكال الضعف والمرض والقهر : "وفيما أنتم ذاهبون اكرزوا قائلين أنه قد اقترب ملكوت السموات اشفوا مرضى. طهروا برصاً. أقيموا موتى. اخرجوا شياطين. مجاناً أخذتم مجاناً أعطوا". (مت7:10ـ8)

الأربعاء، 13 أغسطس 2014

موت روبين ويليامز ورسالة الحياة


موت روبين ويليامز ورسالة الحياة

د.جورج عوض إبراهيم
       روبين ويليامز هو ممثل أمريكي من مواليد 21 يوليو 1951، عثرت عليه الشرطة الأمريكية صباح الثلاثاء 12 أغسطس متوفياً في منزله في ولاية كاليفورنيا وأعلنت الشرطة الاشتباه في وفاته منتحراً. بمناسبة هذا الخبر نريد أن نتحدث عن الحياة التي أنعم بها الله على البشر.
     يجب أن نتخذ موقفًا صحيحًا تجاه الكائن البشري بل وتجاه خليقة الله بشكل عام. عندئذٍ نستطيع أن نتصرف تجاه أنفسنا نحن خلائق الله بطريقة تليق بمكانتنا في هذه الحياة، فالإنسان، إن جاز التعبير، هو منتج إلهي.
أساسيات موقفنا من الحياة تتضمن بعض المبادئ التي يجب أن نؤمن بها، وهي:
+ إن حياة الإنسان والكون هما عطية من الله وليسا من نتاج الإنسان. إن وجود الإنسان وكينونته ليست من ذاته بل من الله.
+ الإنسان ليس هو خالق بل هو مشارك في خلق الحياة البشرية.
+ الإنسان ليس هو مالك لحياته بل بالحري مدبر لحياته. هذا يعني أن حياة الإنسان ليست عشوائية بل الإنسان مسئول عن تدبير حياته.
+ الإنسان مكوَّن من نفس وجسد ولا يمكن الأثنان أن ينفصلا. فحياة الإنسان هي حياة واحدة لها بُعدين، بُعد نفسي وبُعد جسدي، أي روحي ومادي.
+  صحة الإنسان الروحية تقود للصحة الجسدية والصحة الروحية تفترض علاقة صحيحة وحية مع الخالق ومع الأخوة في الإنسانية ومع البيئة المحيطة. الحياة البشرية لها قيمة، وتستمد قيمتها من خالقها. وهذه الحياة هي مقدسة منذ الحمل حتى الموت. والملمح المقدس للحياة البشرية يعني الكرامة البشرية والتي يجب أن نقف أمامها بكل تقدير واحترام.
الإنسان ليس هو مسئول فقط عن حياته لكن أيضًا عن حياة الآخرين.  لذلك الإنسان ـ بالنسبة لسر الحياة ـ لا يمكن أن يأخذ دور الله وينتزع حياته بنفسه أو حياة الآخرين. نحن نحتاج إلى الانضباط والوقار والتواضع أمام المنظومة البشرية الحية.
الحياة البيولوجية في ذاتها ليست لها قيمة. فالإبقاء على الحياة ليس هو هدف في حد ذاته. فالإنسان ليس مثل الحيوان. هناك بُعد روحي ـ كما سبق أن أوضحنا ـ مَنْ يحيا حياة تليق به كمخلوق إلهي لا يخاف الموت الجسدي، وفي نفس الوقت لا يسعى إليه لكي يتخلص من حياته لأنه يستمتع بهذه الحياة في بُعدها الروحي والجسدي معاً إلى أن يجتاز الموت الجسدي بشكل طبيعي لأنه طريق الأرض كلها.
  أما إصابة الإنسان بمرض الاكتئاب أياً كانت الأسباب حتى لو هو مسئول عنها بشكل ما، لأن الرجاء الثابت في عناية الله لنا يدعم حياتنا من القلق والاضطراب، يؤدي إلى استعجال الموت واستحضاره بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
      السؤال الذي دائما ننشغل به هو: لماذا لا تصلي الكنيسة على المنتحر؟ الإجابة: هذا إجراء كنسي من خلاله تعطي الكنيسة رسالة للبشر أن لا يسعى أحد لإنهاء حياته التي هي عطية من الله يجب صونها والحفاظ عليها. على الجانب الآخر، هذا الإجراء يكرز برسالة الرجاء والتفاؤل بأنه مهما كانت الضغوط والمشاكل التي يمر بها الإنسان يجب أن نتمسك بالحياة أي بالرجاء لأننا نستطيع بالمعونة الإلهية أن نتخطى أي إحباط أو فشل في حياتنا. الكنيسة تنحاز للحياة وليس للموت، رسالتها رسالة حياة. بالتالي هذ الإجراء هو تربوي أكثر منه حكم إدانة للإنسان المنتحر: " مَنْ أنت يا مَنْ تدين عبد غيرك هو لمولاه ....". والكنيسة لا تنفذ هذا الإجراء بطريقة انتقامية بدليل أنه لو كانت هناك فرصة للإنسان المنتحر بعد إجراء عملية انتحاره تفترض الكنيسة بدافع محبتها أنه ربما قد تاب حتى لو كانت هذه الفرصة قصيرة وذلك حتى تجيز الصلاة لأجله. التوجه الكنيسي ليس به أي ملمح إقصائي أو انتقامي، لذا للأسف مشكلتنا نحن هي أننا لا نرى  أمومة الكنيسة لنا ونتعامل معها مرات كثيرة على أنها مجرد مؤسسة عقابية في يد الله.

الثلاثاء، 12 أغسطس 2014

 فيلم "الحرب العالمية الثالثة" والرسالة الفنية


 فيلم "الحرب العالمية الثالثة" والرسالة الفنية

                                                               د. جورج عوض
   بشهادة الناقدة الكبيرة ماجدة خير الله ، حقق فيلم " الحرب العالمية الثالثة " أعلى إيرادات افلام عيد الفطر 2014م، وشهدت دور السينما التي تعرضه ازدحاما منقطع النظير. الفيلم يلعب بطولته الثلاثي احمد فهمى، شيكو، هشام ماجد، وأخرجه أحمد الجندي، فكرة الفيلم مأخوذة من الفيلم الأمريكي “ليله فى المتحف” الذى لعب بطولته” بن ستيلر” وقدم منه جزئيين. فكرة الفيلم الاصلي هي إن متحف للشمع في أمريكا يضم تماثيل لبعض الشخصيات السياسية الفنية والادبية، بالإضافة لنماذج هياكل حيوانات منقرضة مثل الديناصور، يكتشف حارسه ”بن ستيلر”  بأن الحياه فجأة تدب في التماثيل عندما تدق الساعة الثانية عشر مساءا ، منتصف الليل، وتبدأ الشخصيات في الصراع والشجار، ويتورط الحارس في هذا الصراع، ولا ينقذه إلا دقات الساعة التي تعلن موعد افتتاح المتحف للجمهور!
 أما فيلم "الحرب العالمية الثالثة" الذي شارك في كتابته وبطولته كل من احمد فهمى وشيكو، وهشام ماجد مع كاتبي السيناريو مصطفى صقر، ومحمد عز، يطغي عليه روح الفكاهة المصرية، اما شخصيات المتحف فأغلبها شخصيات تاريخيه من ازمنه مختلفة: محمد على باشا، احمد عرابي، توت عنخ أمون، أم كلثوم، ابو الهول، رأفت الهجان، صلاح الدين الايوبى ”عمرو يوسف”، والمهاتما غاندي الزعيم الهندي  بالإضافة لشخصيه قادمه من حواديت ألف ليله وهى علاء الدين والمصباح السحري ”هشام ماجد”، والجن خادم المصباح، وبالإضافة لهؤلاء هناك شخصيات  مثل المطرب الامريكي ذائع الصيت ألفيس بريسلي ”نجم الخمسينيات”، والمغنى الاسمر مايكل جاكسون” التسعينيات” بالإضافة لمارلين مونرو!
              تشعر أن الفيلم ليس له أي هدف إلا الإضحاك، وهذا الهدف في حد ذاته مشروع، إنها الكوميديا.   لكن الكوميديا حين تأتي عارية من البناء الدرامي تتحول إلى عدد من الاسكتشات الضاحكة والإفيهات  التي تُقال على المصاطب والمقاهي والشوارع، لدرجة أنهم وضعوا يوتيوب موضوع منذ زمن على شبكة الإنترنت للكابتن أحمد شوبير لحظة انفعاله أثناء مذبحة بور سعيد ، كل هذا خارج سياق درامي محكم. الأمر الأخطر هو أن الشخصيات التاريخية المحترمة قد طالها القبح والسخرية كل ذلك لمجرد الضحك، على سبيل المثال: تقديم صورة مشوهة للزعيم العظيم غاندي لمجرد الاستخفاف والضحك وكذلك محمد علي وأحمد عرابي وأم كلثوم التي أرادوا استبدالها بأي مغني لأن لا أحد يريد الاستماع إليها بحسب وجهة نظرهم، ناهيك عن أجدادنا الفراعنة التي تم الإطاحة بهم بموجة من السخرية واستخدام التعويذات السحرية للانتصار على أشرار التاريخ في حرب وُصفت بأنها عالمية. صحيح أن الفيلم ليس به الكوكتيل المعروف في أفلام آل السُبكي مثل الرقص والعُري والبلطجة وسفك الدماء ، إلا أن به الإسفاف الغنائي والإدمان وتعاطي الحشيش والبانجو من جانب شخصيات عظيمة مثل غاندي الذي لا تفارق الشيشة فمه والمناظر السخيفة.
        إن فكرة الفيلم عظيمة وتفجر المواقف الكوميدية الكثيرة لكن لم يتم استغلالها- كما تقول الناقدة ماجدة خير الله- بشكل جيد بل على النقيض تم تدمير شخصيات تاريخية عظيمة أظن أنها ما عاد لها أن تؤثر على شبابنا الصاعد بعد هذا القبح الذي طالها. وهنا نتذكر شخصية اللمبي التي دمرت اللغة والنطق الصحيح للكلمات ومدى تأثيرها إلى الآن على النشء. مثل هذه الأفلام قامت بتدمير حاضرنا ثم جاء فيلم الحرب العالمية الثالثة ليدمر ماضينا وماضي الانسانية في أذهاننا لأن الصور المشوهة سوف تنطبع في الأذهان ليتم تخزينها في اللاوعي لتلقي بظلالها على توجهاتنا وشخصياتنا. الرسالة الفنية يجب ان يكون لها أهداف تتسق مع المناخ الفكري والاجتماعي والسياسي والاقتصادي للمرحلة التاريخية التي نمر بها، إلا أننا نرى أن الفن يحلق بعيدا خارج سياق المرحلة التي نمر بها.
 أين الدقة وسرعة إنجاز الأعمال؟ أين قيم الأمانة والمثابرة والقدرة على التحمل؟ أين الأمل والحلم والتغيير؟ لا نريد أن تتحول الدراما إلى سلسلة من المواعظ والتعاليم الأخلاقية لكن نريد على الأقل أن تحتوي الدراما على رسالة واضحة محملة بالقيم والأخلاق وقبول الآخر وتنقية خطابنا من التعصب والتمييز. هل وجدنا هذه الرسالة على سبيل المثال في مسلسلات رمضان هذا العام الذي شهد نتائج ثورتين تنشدا التغيير للأفضل. المشكلة أن هناك فروق في السرعات والتفكير والآمال والطموح بين مانريده وما نفعله على أرض الواقع.
 نعم على نقابة الممثلين السعي لتأمين حياة أعضائها بمعاش محترم وغطاء صحي يكفي لعلاج المرضى من أعضائها لكن لم نسمع أن النقابة عقدت مؤتمر تستعرض فيه متطلبات المرحلة دون فرض أي قيود على الإبداع والحرية. مهمة النقابة ليست اجتماعية فقط بل هي أيضا مهمة تنويرية وثقافية. لماذا لا يُناقش موضوع كتابة السيناريو ليكون للمتخصصين فقط ولعمل درامي قد سبق ونُشر على يد روائي بدلا من الاستسهال ليكون المخرج هو في نفس الوقت المؤلف والسيناريست، وأصبح أيضا ممثل أو أكثر يقومون بدور المؤلف والسيناريست في نفس الوقت. من هنا تأتي مشكلة النصوص والبناء الدرامي. لست متخصص ولا من هواة الذهاب إلى السينما لكن الظروف قادتني لمشاهدة هذا الفيلم الذي أضحك تقريبا أغلب المشاهدين إلا أنني كنت حزين لأننا لم نرحم حتى رموزنا التاريخية الرائعة وسكبنا عليها قبحنا وهبلنا وعبطنا لمجرد ان نضحك. لقد دونت ما شعرت به بعد مشاهدتي لهذا الفيلم، وأهلا بالضحكة والابتسامة المغلفة بثوب من الجمال والروعة  اللذان للرسالة الفنية المملؤة بالتقدير والاحترام وليس بالتكلف والاسفاف.

الجمعة، 8 أغسطس 2014

ماذا يعني التجديد داخل الكنيسة؟


ماذا يعني التجديد داخل الكنيسة؟

الاب ميتالينوس عميد كلية اللاهوت – جامعة اثينا ترجمة د. جورج عوض

    جوهر التجديد

1-      مطلب هذة الايام
الحديث عن التجديد " داخل الكنيسة " وصل إلى قمته هذة الايام الاخيرة . يرى المرء فى التطورات العاصفة لعصرنا ان الكنيسة كجماعة اجتماعية يجب أيضاً ان تقبل كل مناهج التحسين والتقدم . من زمن المجمع الفاتيكانى الثاني ( 1962-1965) صار مصطلح العصرنه او الحداثة Aggiornamento شعار معتاد في الحياة المسيحية .
حقاً ، تبدو مناهجنا التقليدية فى مجال الكرازة والتبشير غير قادرة على إعطاء الثمار المرجوة . هكذا نشأ إنطباع أننا نحتاج تجديد أساسي " للكنيسة " ، لكى نحقق نجاح ما فى عملنا . اذن يجب ان نجيب على الأسئلة الآتية :
ا- ما الذي يمكن ان يتغير داخل الكنيسة؟
ب- كيف يُدرّك مصطلح تجديد فى الاطار اللاهوتي؟
ج- ما هو الأجراء التجديدى الحقيقي؟

2-الكنيسة والتجديد

من المعروف ، ان الكنيسة لا يمكن ان تُحدد بدقة مطلقة .لكننا نعرف انها ليست منظومة من هذا العالم بل هى حقيقة الهية انسانية ، حيث تصير معروفة للإنسان فقط اختبارياً وكيانياً بنعمة الله وبالاشتراك في حياتها . الكنيسة هى سر ، هى حياة ثالوثية مقدسة – مجتمع شركة – فى العالم . أصلها وبدايتها تُوجد " قبل كل الأزمنة " فى الارادة الازلية للثالوث . لقد نبتت الكنيسة فى العالم لكى يمكن ان يخلُّص العالم فيها .
اذن تحيا الكنيسة فى العالم كحقيقة إلهية إنسانية محددة ، حيث تتحقق هنا والآن فى المكان والزمان . الكنيسة تُخَلِص العالم ولكن ليست بوسائل بشرية بحتة ، بل بنعمة الله التى لديها . الطريقة الوحيدة التى بها يُمكن للكنيسة ان تساعد العالم ، هى ان تأخذ ما للعالم وتجددة فى المسيح ،الذى هو رأسها . لأننا نستطيع ان نخلص فقط ونتحرر من الموت بالاشتراك فى حياة المسيح . الخلاص هو الإنضمام إلى الكنيسة ، إى جعل العالم كنيسة أو مسحنة العالم .
إذن فى الكنيسة يوجد عنصرين مشتركين معاً : غير المخلوق والمخلوق ، غير الزمنى والزمنى ، الإلهى والإنسانى . الاول هو الذى يُخَلِص ويُقَدِس أما الثانى هو الذى يَخلُص ويُقَدَس . العنصر الإلهى هو بالطبع غير متغير . لو كان العنصر الإلهى قابل للتغير ما كانت توجد إمكانية خلاص للعالم فى كل عصر . لكن لأن العنصر البشرى فى الكنيسة لا يَخلُص سحرياً بل عن وعى وادراك بتآزرة ( السنرجية ) مع العنصر الإلهى ، يمكن لنا ان نتحدث عن تجديد للعنصر البشرى في الكنيسة ، اي حياة المؤمنين .
هذا يحدث لأن الكنيسة لها وجهين . إنها " كنيسة الله " التى تتكون من البشر وأيضاً البشر المخترقين من الخطية . إنها تحيا فى المكان والزمان ، وتمثل ليس فقط واقع إلهى بل ايضاً لها بُعد تاريخى بشرى ، وهكذا كل ما للعالم لم يصل أبداً إلى كمال " ملكوت السموات " ، بل يبقى " عربون الميراث العتيد ، باكورة الخيرات الابدية "
الارثوذكسية لا تتحدث عن تجديد الكنيسة ذاتها اى حياة الكنيسة ، لأن الكنيسة تظل دائماً جديدة " فى المسيح " ، وحياة الكنيسة ذاتها هى حياة المسيح . ما يوجد بمصداقية فى الكنيسة ، يحيا فى المسيح ، وبالتالى يكون " خليقة جديدة " لا تحتاج لأى تجديد ( انظر أف27:5) . الخطية هى التى تجعلنا نعود إلى القديم ، لأنها تقودنا إلى فساد الموت . اذن فى المفهوم المسيحي ، التجديد يعني تحررنا المستمر من طغيان الخطية . لأن في الكنيسة هذة الامكانية تُقَّدم باستمرار بالجهاد الروحى وبالأسرار المقدسة إذ بواستطها تعمل النعمة الإلهية غير المخلوقة ، الخطية هي مصدر الفساد لكن – بالنسبة للمسيحي – ليست إلا حادث عارض قابل للشفاء ، حيث كل لحظة فى حياتنا يمكن ان تتفوق عليها وتتخطاها . هذا ما كان يعنية بولس الرسول حين قال : " وتتجددوا بروح ذهنكم . وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله فى البر وقداسة الحق " ( أفس 23:4-24) .
فى هذا الاطار ، كلما كان المرء " فى المسيح " فهو " إنسان جديد " ، ولا يحتاج لأي تجديد . بالتالي الوحيد بالنسبة لجميعنا كعنصر بشري لجسد المسيح ، نحتاجة فى حياتنا هو رجوع مستمر إلى الحق فى المسيح ، الحق الذى إبتعدنا عنه بخطايانا . وهنا يجب ان نتذكر أن الهرطقة هى خطية ! هذا الرجوع هو إجراء يحدث دائماً داخل الكنيسة ونستطيع ان نُسميه " الإجراء التجديدي" . بالتالى التجديد يتمثل فى تجديدنا المستمر بالمسيح ، مصدر حياتنا الجديدة . الجديد هو الذى يظل ثابتاً فى المسيح ( انظر 2كو17:5) . ليكن المرء " خليقة جديدة " وهذا يعني ان يوجد في المسيح ويحيا فيه .بالتالي يوجد اختلاف جوهري في الطريقة ، التى بها العالم والكنيسة يدركان مصطلح " تجديد " . بالنسبة للعالم " الجديد" فهو من فصيلة زمنية اما الكنيسة فهي تنتمى لفصيلة روحية ، والجديد بالنسبة للعالم له اهمية وقتية ونسبية ، فهو ينسحب مع مرور الزمن ليحتل جديد آخر مكانه ، لأن لا شيىء فى العالم يستطيع ان يتجنب الشيخوخة والقِدَم . لكن فى الكنيسة نتحدث عن " الجديد الأزلي " ، وهذا هو المسيح ، دائماً " الانسان الجديد " ، آدم الجديد . المسيح لا يشيخ أبداً ، لأنه " جديد" في حد ذاته . العالم هو الذى يحتاج للفداء ، يحتاج للجديد المطلق لأنه متحرر كليةً من الخطية ولا يعرف خطيةً . اذن مَنْ يحيا فى المسيح هو الجديد . والتجديد الحقيقي ، كما تدركه الكنيسة ليس إحلال القديم بشيىء جديد ، لكن البقاء فى المسيح ، والتواجد المستمر فى الحق الذى هو المسيح ، الاله المتأنس .
عن كتاب " الكنيسة فى العالم " الناشر ، الدياكونية الرسولية باليونان