الخميس، 24 أبريل 2014

تفسير آية: ”إلهي إلهي لماذا تركتني” (مت 27: 46)


من كتاب الكنوز في الثالوث للقديس كيرلس الإسكندري ترجمة د.جورج عوض إبراهيم مراجعة د.جوزيف موريس فلتس – إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية

11- تفسير آية: ”إلهي إلهي لماذا تركتني” (مت 27: 46)

نحن نفتخر بصليب مخلِّصنا المسيح، ونؤمن أننا خَلُصنا؛ لأن كلمة الله صار إنساناً لأجلنا وصُلِب لأجلنا، لكي يُبطِل الموت الذي يسري علينا([1])، ولكي يُقيمنا أيضاً بذاته محوِّلاً إيانا من حالة الفساد إلى حالة عدم الفساد([2]).

لذلك كان ينبغي عليه أيضاً أن يبرهن - وقت الألم - على أنه صار حقاً إنساناً، وليس بحسب الخيال، ولأجل هذا السبب بالضبط، صرخ وتحدث بما يتناسب مع إنسان، وقال: "إلهي إلهي لماذا تركتني" (مت 27: 46)، "فلتعبر عني هذا الكأس" (مت 26: 39). بينما بأعماله برهن على أنه هو الله، هذا الذي لأجلنا صار إنساناً، واحتمل هذه الأمور البشرية على الصليب لأجل خلاصنا جميعاً. لأن الشمس أخفت شعاعها ولفَّ الظلامُ السماءَ، وانشقت الصخور وحجاب الهيكل. وصنع أموراً أخرى عظيمة مثل هذه لكي يبرهن أنه هو الله الذي صار إنساناً. لذلك أيضاً، فإن صالبيه، الذين كانوا يستهزئون به من قبل، وهم يرون كل ما صار بطريقة إلهية، قالوا: "حقاً كان هذا هو ابن الله" (مت 26: 24).

12- ردٌ آخر

كلمة الله صار إنساناً، لا لكي يتصرَّف ويتحدَّث مثلما كان قبل تأنُّسه كإله، لكن لكي يقول ويتصرَّف كإنسان بالشكل الذي يتناسب مع احتياجات خطة التدبير الإلهي. فإذا كان هذا هو مفهوم سرَّ التأنُّس، فكيف يُعقل أن يَعثُر فيه كل الذين يسمعونه يتحدَّث بشرَّياً؟ لأنه يتحدَّث كإنسان، بل ويتحدَّث أيضاً كإله آخذاً سلطة الاثنين معاً. فكإنسان قال: "الآن نفسي قد اضطربت"، بينما كإله: "ليس أحد يأخذها مني، بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن أخذها أيضاً" (يو 10: 18).

الاضطراب إذن هو من ضمن أوجاع الجسد الخاصة، بينما السلطان الذي له ليقدَّم حياته ذبيحةً، وأيضاً ليأخذها، هو من عمل قوة الكلمة. فإذا كنا لا نعثر عندما يقول شيئاً بكونه إلهاً، بالرغم من أنه يبدو كإنسان، بل أيضاً نقصد الكلمة الذي اتخذ جسداً. هكذا الأمر عندما يقول شيئاً كإنسان، علينا أن لا نعثر متفكرين في أنه لأجلنا صار إنساناً، ولذلك يقول هذه الأقوال التي تتناسب مع الطبيعة البشرية([3]).

13- ردٌ آخر

بسبب محبته العظيمة والفائقة أتحَدَ كلمة الله ذاته بنا، لا لكي يصير مثلنا؛ لأنه هو غير المتحول ولا يعرف التغيير، لكنه اتَّحد بنا بذاته لكي يغيِّرنا نحن([4]) إلى ما هو عليه. لأنه مثلما أصبح لدينا - نحن الذين قبلناه - كل ما يخصه؛ لأنه سكن في داخل الجسد (إذ قد دُعينا "أبناء" (1 يو 3: 1)، و"آلهة" (مز 82: 6، يو 10: 34)، ليس بحسب الطبيعة مثله، بل بحسب النعمة)، هكذا أيضاً عندما اتحد بنا وصار إنساناً، لَبِسَ ضعفاتنا. هكذا تألم لأنه جعل الجسد الذي أخذه واحداً معه، لكي تُمَات أوجاع الجسد بالنسبة لنا، نحن الذين نُسرع لكي نصير متشبِّهين بالمسيح الذي أخذ لأجلنا كل أوجاعنا في ذاته.

14- ردٌ آخر

يدين الله الإسرائيليين بسبب خطاياهم بواسطة الأنبياء، فيقول: "وَبَنَوْا مُرْتَفَعَاتٍ لِلْبَعْلِ لِيُحْرِقُوا أَوْلاَدَهُمْ بِالنَّارِ مُحْرَقَاتٍ لِلْبَعْلِ، الَّذِي لَمْ أُوْصِ وَلاَ تَكَلَّمْتُ بِهِ وَلاَ صَعِدَ عَلَى قَلْبِي" (أر 19: 5). أيضاً يقول لأورشليم: "سببت لي حزناً بكل ما فعلتِ" (أر 16: 43 س). وأيضاً لأجل شرور أخرى: "أَفَمَا أُعَاقِبُهُمْ عَلَى هذِهِ، يَقُولُ الرَّبُّ؟ أَمْ لاَ تَنْتَقِمُ نَفْسِي مِنْ أُمَّةٍ كَهذِهِ؟" (أر 9: 9). إذن، لأنه من الواضح للجميع، أن كلمة الله كان هو من قال هذه الأقوال للأنبياء، فما الذي يمكن أن يصنعه محاربو المسيح؟ هل يعتقدون أن كلمة الله - مثل البشر - له نفساً وقلباً، ويقولون إن ألَمَ الحزن والغضب قد استحوذا عليه، فيظهر وكأن لا شيء لديه أكثر من أنه إنسان، في حين أنه هو مثل الآب فوق أي طبيعة مخلوقة؟

لكن ربما يتجنبون هذا ويقولون إن هذه الأقوال قيلت من الكلمة بطريقة رمزية وبشرية. وأنا أقول لكم إذا كنتم تحفظون لابن الله مكانته التي تليق به - عندما يقول هذه الأقوال - مؤكدين على أنه فوق الحزن والغضب والهوى، بالرغم من أنه ظهر محتملاً كل هذا لأجل شيء مفيد، فكيف يُعقل ألاَّ نسمح له - وقد صار إنساناً واتخذ جسداً - بأن يقول مثل هذه الأقوال لكي يظل غير متألم، بالرغم من أن هذه الأمور تُعد من خصائص الجسد بحسب طبيعته، أي ذلك الجسد الذي أخذه لأجلنا مع كل صفاته الطبيعية؟ أي أن يبكي، ويضطرب، ويصارع، ويتجنب الموت، ويتألم بكل ما هو شبيهٌ بتلك الأمور؛ لأن هذه الأمور كلها مِن صفات الطبيعة الإنسانية.

 



([1]) يؤكد دائماً القديس كيرلس – أثناء حديثة عن معجزة تحويل ماء النهر إلى دم بيد موسى - على ما سبق وأكده الرسول بولس بأن موت المسيح هو ربح، إذ يقول: "يقول: "وَيَكُونُ إِذَا لَمْ يُصَدِّقُوا هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ، وَلَمْ يَسْمَعُوا لِقَوْلِكَ، أَنَّكَ تَأْخُذُ مِنْ مَاءِ النَّهْرِ وَتَسْكُبُ عَلَى الْيَابِسَةِ، فَيَصِيرُ الْمَاءُ الَّذِي تَأْخُذُهُ مِنَ النَّهْرِ دَماً عَلَى الْيَابِسَةِ" (خر 9:4). الماء هو رمزٌ للحياة, لأنه هو عملياً ضروري ومفيد جداً للبشر. إذن, الابن حقاً هو ذاته الحياة, أتى عملياً كأنه مِن نهر, أي مِن الآب. لأنه كما هو نور أتى من نور , هكذا هو أيضاً حياة من حياة. كون أنه لم يأخذ وجوده من الخارج, بل أتى بحسب الطبيعة من الله الآب, هذا تعلّمه موسى وليس أقل أبداً مما نعمله نحن. لأنه يقول: "إنك تأخذ من ماء النهر" ثم أمره أن يسكب على الأرض. هذا رمزياً يعني سر التأنس. أي حقاً وحيد الجنس هو الحياة, ومولود من الله الآب الذي هو الحياة اتحد بطريقة ما بالبشرية التي أتت من التراب بالضبط مثل إتحاد الماء بالتراب: "فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً" (كو 9:2), وصار مثل الطبيعة البشرية, هكذا لا يستطيع أحد أن يدرك هذا الأمر بذهنه أو يعبر عنه. لكن الماء تحول إلى دم. بمعني أن الحياة بحسب الطبيعة, كلمة الله الآب بالإتحاد الذي تم بحسب التدبير, أقصد إتحاده بالجسد أي بكل البشرية وبكل طبيعتنا, تحمّل الموت بالجسد. بمعني أننا نقول إنه مات لأجلنا بدون أن تعاني طبيعته (الإلهية) لأنه لم يكن من الممكن أن يموت طالما أنه الحياة ذاتها بل مات بجسده". جيلافيرا، ترجمة د. جورج عوض إبراهيم, مراجعة د. نصحي عبد الشهيد, الكتاب الشهري، عدد أغسطس 2010.
([2]) أثناء حديثة عن التابوت يؤكد القديس كيرلس على أن جسد المسيح بسكنى الكلمة فيه ارتفع فوق الفساد، إذ يقول: [التابوت، يا بلاديوس، يمكن أن يكون مثالاً وأيقونةً للمسيح. لأنه في تفسيرنا لطريقة تأنس الوحيد الجنس روحياً، سوف نرى أن اللوغوس ساكن في هيكل العذراء كما لو كان داخل التابوت. لأنه وفق الكتب المقدسة "فإنه يحل فيه كل ملء اللاهوت جسدياً" (كو 9:2). إذن، اللوغوس - بالتأكيد - هو ما يشير إليه لوحا الشهادة بالتابوت. والخشب أيضا كان من النوع الذي لا يصاب بالفساد، وكان مغطىً بذهب نقي وخالص من الداخل والخارج. لأن جسد المسيح غير فاسد محفوظٌ في عدم الفساد بقوة وبهاء اللوغوس الذي يسكن داخله بطبيعته والفعل المحيي للروح القدس. لأجل هذا بالتأكيد يُقال أن المسيح يُحيي. فلأن اللوغوس - باعتباره كلمة الله الآب - حي بحسب طبيعته، فإنه بقوة الروح يُعيد إحياء هيكله جاعلا إياه أسمى من الفساد. لأن "جسده لم يرَ فساداً" وفقاً لكلام بطرس القديس (أع 31:2)]. السجود والعبادة بالروح والحق، ج: 5, المقالة التاسعة ص 65.
([3]) لقد أراد الابن أن يحرر الطبيعة البشرية من أوجاعها لذلك اجتاز - بكونه إنساناً - كل الآلام التي تجتازها هذه الطبيعة، وهذا ما سبق إن ذكره القديس كيرلس في نفس السياق، إذ يقول: "كما أن إبادة الموت لم تتم بطريقة أخرى غير موت المخلّص، هكذا أيضاً من جهة كل ألم من آلام الجسد: فلو لم يشعر بالخوف، لما أمكن للطبيعة البشرية أن تتحرر من الخوف، ولو لم يكن قد اختبر الحزن، لما كان هناك تحرر من الحزن على الإطلاق؛ ولو لم يكن قد اضطرب وانزعج، لما وُجِدَ أي مهرب من هذه المشاعر. ومن جهة كل انفعال من الانفعالات التي تتعرض لها الطبيعة البشرية، فإنك ستجد المقابل لها بالضبط في المسيح. فانفعالات الجسد كانت تتحرك، لا لكي تكون لها السيطرة كما يحدث في حالتنا نحن، بل لكي حينما تتحرك، فإنها يتم إخضاعها كلية بقوة الكلمة الساكن في الجسد، وهكذا فإن طبيعة الإنسان تجتاز تغيّراً نحو الأفضل". شرح إنجيل يوحنا، المرجع السابق، الجزء السابع, الإصحاح الثاني عشر ص 38.
([4]) أكد هذه الحقيقة القديس كيرلس في موضع آخر، قائلاً: "فإن كلمة الله وحَّد الطبيعة البشرية بكليتها مع نفسه، لكي، بذلك يخلّص الإنسان بكليته. فما لم يتخذه للإتحاد بطبيعته (الإلهية)، لا يحصل له خلاص". شرح إنجيل يوحنا، المرجع السابق، الجزء السابع, الإصحاح الثاني عشر، ص 35.

الاثنين، 14 أبريل 2014

موت الموت



موت الموت
د. جورج عوض إبراهيم
(رو7:6ـ11):  لأَنَّ الَّذِي مَاتَ قَدْ تَبَرَّأَ مِنَ الْخَطِيَّةِ. فَإِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَ الْمَسِيحِ، نُؤْمِنُ أَنَّنَا سَنَحْيَا أَيْضًا مَعَهُ. عَالِمِينَ أَنَّ الْمَسِيحَ بَعْدَمَا أُقِيمَ مِنَ الأَمْوَاتِ لاَ يَمُوتُ أَيْضًا. لاَ يَسُودُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ بَعْدُ. لأَنَّ الْمَوْتَ الَّذِي مَاتَهُ قَدْ مَاتَهُ لِلْخَطِيَّةِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَالْحَيَاةُ الَّتِي يَحْيَاهَا فَيَحْيَاهَا ِللهِ. كَذلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا احْسِبُوا أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتًا عَنِ الْخَطِيَّةِ، وَلكِنْ أَحْيَاءً ِللهِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَاِ”.
بعد الموت:  ” لأَنَّ الَّذِي مَاتَ قَدْ تَبَرَّأَ مِنَ الْخَطِيَّةِ”(رو7:6).
الموت والقيامة. صليب المسيح ومعموديتنا يفحص بولس الرسول العلاقة بينهما في الإصحاح السادس من رسالته لأهل رومية. هدفه هو البرهنة علي كم هي الخطية مرعبة ومخيفة وغير طبيعية وبأي قوة يحيا المؤمن الحياة الجديدة. بالنسبة للقديس بولس تعبير : مع المسيح «σὺν Χριστῷ» وتعبير في المسيح «ἐν χριστῶ». لهما أهمية خلاصية.
فنحن نوجد كلنا في المسيح.
نحن ننتمي إلي المسيح.
المسيح إشترانا.
لقد مجدنا المسيح.
بالطبع الخطية مازالت توجد في حياتنا. لكن نراها ونواجهها تمامًا بطريقة مختلفة. فإن كل ما يتعلق بإماتة الخطية هو أمر سلوكي في الحياة اليومية. الإماتة هو حدث واقعي من جهة قدرة الله ونعمة المسيح. لكن هو أمر غير محقق بالنسبة لضعف الإنسان. لأجل هذا الكنيسة لا تبقي عند غفران الخطايا بالمعمودية. إنها تقبل أيضًا معمودية الدموع, سر التوبة والإعتراف الذي هو لأجل الخطايا التي تُرتكب بعد المعمودية.
سوف يأتي الوقت الذي فيه الإنسان سيكون من الصعب عليه فعل الخطية. إنها الحالة التي سيكون عليها الإنسان بعد الموت الجسدي. لذا يقول القديس بولس: " لأن الذي مات قد تبرأ من الخطية" (رو7:6).
التفسير الصحيح لهذه الآية يأتي في السياق الذي هو موجود في الرسالة إلي رومية حيث يوجد موتين للإنسان, الموت الروحي الذي يأتي بالمعمودية والموت الجسدي الذي يأتي بتوقف القلب.
الذي يموت, لا يمكن أن يفعل الخطية. الخطية هي فعل. هذا الفعل له علاقة بالحياة الحاضرة. هنا لديه الإنسان إمكانيتين, إمكانية فعل الخطية وإمكانية إكتساب الفضيلة. هنا يتحرك الإنسان إما تجاه فوق أو تجاه أسفل. هنا المعمل لفعل الشر ولفعل القداسة. هذه الحياة هي للفعل, والحياة الأخرى لمكافأة الفعل. هنا العمل, وهناك الملء. لدينا هنا أيضًا ملء ما لأعمالنا لكن هناك سيكون البر المطلق وإكتمال الملء: " لأَنَّهُ لاَبُدَّ أَنَّنَا جَمِيعًا نُظْهَرُ أَمَامَ كُرْسِيِّ الْمَسِيحِ، لِيَنَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا كَانَ بِالْجَسَدِ بِحَسَبِ مَا صَنَعَ، خَيْرًا كَانَ أَمْ شَرًّا" (2كو10:5).
إذن الحياة الحاضرة هي للفعل. الحياة الأخرى ليست للفعل ولا لإرتكاب أعمال سرًا. ولا لتُتمم خطايا جديدة ولا الذين في الجحيم يستطيعون أن يفعلوا شيئًا.
ما سوف يحدث بعد الموت الجسدي يجب أن يصير أيضًا بعد الموت الروحي الذي هو المعمودية. نموت عن الخطية. ليتنا نتوقف عن فعل الخطية. لمن يتحدث الرسول بولس؟ يجيب القديس يوحنا ذهبي الفم, قائلاً: "لكل إنسان يتحدث إليه الرسول مثلما الميت هو حُر من فعل الخطية, طالما هو ميت, هكذا ذاك الذي إعتمد. أي لأن مرة واحدة مات في المعمودية علية أن يظل ميت, طالما أي ميت لا يستطيع أيضًا أن يفعل الخطية. لكن لو مازالت تُفعَّل الخطية عندئذٍ تدمر عطية الله" (ΕΠΕ17,48).
الموضوع هو, هل حقًا قد متنا عن الخطية, هل نعي أننا نحيا حدث المعمودية, هل نجاهد حتى لا نخطئ. الكمال هو الذي قاله الرسول: "الذي مات قد تبرأ من الخطية". إنها قمة القداسة والكمال, إلا أننا دائمًا نوجد في حالة هابطة جدًا إذ نندهش فقط ونُعجب بهذه القمة. نحن نريد أن نحياها لكن للأسف نسقط وتهزمنا الخطية. علي الأقل علينا أن نتوب وأن لا ننسي أن كل خطية لنا هي إنحراف عن طريق المعمودية.
علينا أن نتوب الآن طالما مازالنا علي قيد الحياة. كما أن زمن فعل الخطية هو الآن, هكذا أيضًا التوبة, الآن هو وقتها: "لأَنَّهُ يَقُولُ:«فِي وَقْتٍ مَقْبُول سَمِعْتُكَ، وَفِي يَوْمِ خَلاَصٍ أَعَنْتُكَ». هُوَذَا الآنَ وَقْتٌ مَقْبُولٌ. هُوَذَا الآنَ يَوْمُ خَلاَصٍ" (2كو2:6). الآن هو وقت العمل: "يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ أَعْمَالَ الَّذِي أَرْسَلَنِي مَا دَامَ نَهَارٌ. يَأْتِي لَيْلٌ حِينَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ" (يو4:9). العمل السيئ هو الخطية. والعمل الأقدس هو التوبة: "الذي مات قد تبرأ من الخطية". للأسف في الحياة الأخرى لا توجد توبة لغفران الخطايا.
يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: "عندما تنتقل إلي الحياة الأخرى, أي عمل من الأعمال التي كنت تفعلها لا تستطيع أن تفعلها. لأنك أخذت فرصة كبيرة. لكن لن تستطيع إفادة ذاتك ولا الآخرين. كيف حينذاك وأنت بين يدي الديان ستستطيع أن تنعم بهذه النعمة؟ (ΕΠΕ17,382-384).
الموت والحياة الأبدية
(رو8:6): ” فَإِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَ الْمَسِيحِ، نُؤْمِنُ أَنَّنَا سَنَحْيَا أَيْضًا مَعَهُ”.
إنه من الصعب أن يظل أحد ميتًا من جهة الخطية. الحاجة إلي جهاد قاسي لإماتة الجسد, والتصرف الجسدي والخضوع لشهوات الإنسان العتيق. لأجل هذا تعتبر الكنيسة أن جهاد النسك هو نوع من الشهادة. لكن يوجد أمرين هامين, بهما لا نيأس:
أولاً: لن نحقق هذه الإماتة بمفردنا بل فقط مع المسيح,بنعمة المسيح «Σὺν χριστῷ» هو نفسه قال هذا الأمر بكل وضوح: " أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ، لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا" (يو5:15).
ثانيًا: الجهاد ضد الخطية يستمر في هذه الحياة في زمن قليل جدًا لو قارناه بالحياة الأبدية. فزمن الجهاد قليل جدًا أما زمن المكافأة لا ينتهي. الحزن قليل أما المجد فكثير. لا يستحق أن نفقد النعمة غير المحدودة من أجل ألم وتعب في زمن قليل جدًا. إننا بعد زمن قليل سوف نموت, بينما أبديًا سوف نحيا. ليس مجرد أننا سوف نحيا بل سوف نحيا مع المسيح.
هذين الأمرين يشدد عليهما القديس بولس حين يقول:  "فَإِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَ الْمَسِيحِ، نُؤْمِنُ أَنَّنَا سَنَحْيَا أَيْضًا مَعَهُ" (رو8:6). متنا "مع المسيح". مع المسيح وأداة الربط «σὺν»: "مع" تعني سرائريًا وإنسانيًا.
سرائريًا: الجسد الذي أخذه المسيح نحن أيضًا فيه. مات المسيح مقدمًا لأجلنا جميعًا مات المسيح. بالإيمان سوف نحيا عطية الله هذه.
إنسانيًا: كل جهاد نفعله نفعله بالمسيح وبقوة ذاك. نحن مجرد ننوي ونبذل أقل محاولات. وذاك يضع يديه وقدرته.
هكذا يُشرَّح كيف يظهر الناس الضعفاء أقوياء. داخل إناءهم الضعيف توجد قوة المسيح. هكذا تُدرك إماتة بولس, وتطابق بولس مع حياة المسيح,وقوة بولس غير المحدودة تُدرك من قوله:      " أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي" (فيلبي13:4).
الموت يظل لفترة قصيرة. إنه عمل قد صار بالفعل "متنا" (رو8:6) يستخدم بولس فعل الماضي. لقليل يظل ألم التدخل الجراحي لكن المريض يفرح لزمن كبير بعد أن يتعافي. لا يستحق الأمر أن يفقد المرء صحته وحياته لكي يهرب من حُزن وضيق ما. الضيقة هي الحياة المصلوبة, إنها إماتة الإنسان العتيق. لكن الحياة التي تنتظرنا هي أبدية. يستخدم بولس زمن المستقبل: ""فَإِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَ الْمَسِيحِ، نُؤْمِنُ أَنَّنَا سَنَحْيَا أَيْضًا مَعَهُ" (رو8:6). نؤمن أننا سوف نحيا حياة أبدية. سنحيا في ملكوته. سنحيا معه. يا له من مجد ! أي حضن سوف أنعم به؟ هل يوجد شئ يساوي طوباوية وسعادة هذه الحياة الأبدية لكي أضحي بها؟ لأجل هذا يقول بولس الرسول:     " فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا" (رو18:8).
الوحيد الذي له عدم الموت
(رو9:6): ”عَالِمِينَ أَنَّ الْمَسِيحَ بَعْدَمَا أُقِيمَ مِنَ الأَمْوَاتِ لاَ يَمُوتُ أَيْضًا. لاَ يَسُودُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ بَعْدُ”.
حياتنا مع المسيح هي أبدية. المسيح هو الوحيد الذي لا يموت بالمفهوم المطلق لهذه الكلمة.
·        لا يموت, طالما بكونه الله هو مصدر الحياة
·        لا يموت, طالما أيضًا بكونه إنسان كان الوحيد الذي غير ملزم بأن يمر في إجراء الموت.
·        لا يموت, طالما هو بلا خطية.
·        لا يموت, طالما أيضًا عندما طوعًا سُلِم للموت, موته كان بمثابة جرح مميت للموت وكمصدر عدم الموت.
·        لا يموت, طالما بعد قيامته ظل الإله الحي إلي أبد الأبدين.
الإختلاف بين قيامة وعدم موت المسيح عن أي قيامة وعدم موت آخر يقدمه بولس الرسول, قائلاً: "عَالِمِينَ أَنَّ الْمَسِيحَ بَعْدَمَا أُقِيمَ مِنَ الأَمْوَاتِ لاَ يَمُوتُ أَيْضًا. لاَ يَسُودُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ بَعْد" (رو9:6).
قيامة المسيح هي مصدر كل قيامة. المسيح يقوم قيامة عادية بل قام وقمنا نحن معه (أنظر أفسس6:2). إنها الثمرة الأولي للقيامة, لقد قام لكي نقوم نحن. قام لكي يفتح طريق القيامة للجميع:     " وَلكِنِ الآنَ قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِين َ" (1كو20:15). بقيامته إنفتح نبع القيامة الذي لن ينضب حتى نهاية الدهور. طالما أن كل الأموات سوف يشربون من ماء القيامة بلا إستثناء.
المسيح, بتجسده صار إبن العذراء بكرًا, لكن وحيد الجنس بقيامته صار إبن القيامة البكر. القيامة هي الأم كثيرة الأولاد, طالما كل البشر يصيرون أولاد القيامة مثل الجميع هم أولاد من الولادة. لا يوجد إنسان يمر من هذه الحياة بدون أن يكون قد أتي من قبر العدم . هكذا لا يوجد إنسان سوف يمر من الموت والقبر ولا يخرج إلي الحياة الأخرى بالقيامة. قيامة الأجساد هي ناموس إلزامي للطبيعة البشرية, طالما أن يسوع المسيح قام وصار "بكرًا" للقيامة لأجلنا. هو السابق للطريق الجديد: "وَهُوَ رَأْسُ الْجَسَدِ: الْكَنِيسَةِ. الَّذِي هُوَ الْبَدَاءَةُ، بِكْرٌ مِنَ الأَمْوَاتِ، لِكَيْ يَكُونَ هُوَ مُتَقَدِّمًا فِي كُلِّ شَيْءٍ" (كو18:1).  
قيامة الرب ليست حدث فردي كما يحدث مع قيامات مختلفة ذُكِرت في الكتاب أو كما ستكون قيامتنا في المجئ الثاني, لأن قيامة الرب هي شاملة (جامعة) أي هي حدث شامل ولكل البشر وهذا ما تمثله الأيقونة الأرثوذكسية للقيامة حيث لا تُظهِر المسيح بمفردة قائم. بل تُظهِره صاعدًا من الهاوية. يسحق مملكة الموت. وتوجد أبواب مهشمة وسلاسل وإقفال مكسره. وبيديه الأثنتين يقيم آدم وحواء اللذين يرمزان لكل الجنس البشري.
كل الذين قاموا قبل المجئ الثاني رجعوا إلي الحياة قليلاً ثم بعد ذلك ماتوا, علي سبيل المثال لعازر قام لكن لم يظل قائمًا إلي الأبد علي الأرض بل أتت اللحظة التي دخل ثانيةً فيها إلي القبر, لكي ينتظر القيامة العامة. يختلف المسيح عنه في هذا الأمر, لذا قال بولس الرسول:  "عَالِمِينَ أَنَّ الْمَسِيحَ بَعْدَمَا أُقِيمَ مِنَ الأَمْوَاتِ لاَ يَمُوتُ أَيْضًا. لاَ يَسُودُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ بَعْد" (رو9:6). لن يموت أبدًا المسيح, إنه لا يموت. يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: "لا تعتقد إذن, لأنه مات مرة واحدة بأنه سوف يموت لأنه حقًا لأجل هذا السبب هو لا يموت. موته صار موت للموت. ولأنه مات, لأجل هذا لا يموت طالما هو قَبِل موت الصليب لكي يمحو الخطية"  (ΕΠΕ17,50).
الموت يسود علي كل البشر. إنه المرعب العظيم. أمامه تنحني الشعوب والأمم, العظماء والملوك, الطغاة والحكماء, الديكتاتوريون  والأغنياء, إذ يسلمون أنفسهم له بلا شروط. المسيحي بالطبع يري الموت برؤية مختلفة إنه "القاطع" الذي يقطع هذه الحياة الحاضرة لكن مباشرةً يمنح نور الحياة الأبدية. أما بالنسبة للبشر الذين إنحصر رجائهم وسعادتهم في هذه الحياة المحدودة, فالموت هو الزائر غير المرغوب فيه الذي يُبطل كل شئ.
واحدُ لا يستطيع الموت أن يسود عليه: هو المسيح. لقد إستخدم المسيح سلاح الشيطان الذي هو الموت لكي يسحق مملكته. المسيح قام لكي لا يموت مرة أخرى, "أبدًا لا يموت". آلهة الأرض يموتون. المسيح هو الإله الحي إلي أبد الآبدين. لقد حاربوه ويحاربونه. جدفوا عليه ويجدفون عليه. أرادوا أن يجهلونة ويخفونه لكن أولئك ذهبوا والمسيح ظلَّ وبقي: "وَ «أَنْتَ يَارَبُّ فِي الْبَدْءِ أَسَّسْتَ الأَرْضَ، وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ. هِيَ تَبِيدُ وَلكِنْ أَنْتَ تَبْقَى، وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى" (عب10:1ـ11).
"لا يسود عليه الموت بعد".  كونك تدخل معسكر العدو لفترة قليلة لكي تقوم بعمل ما وتسلم نفسك فقط لكي تحتل أرضه, هذا أمر والأمر الآخر المختلف هو أن يخطفك العدو ويجعلك ضحيته وأسيرًا عنده. الموت لم يستطع أن يسود علي المسيح, أراد المسيح أن يدخل قليلاً في معسكره. أراد أن يُسلم نفسه للموت لكي يسحق مملكة الموت ويحرر كل المقيدين. طوعًا "أسلم ذاته لأجلنا" (أفسس2:5).
"لا يسود عليه الموت بعد"
مع المسيح لا يخاف المؤمن الموت.
تعال أيها الموت لن أخاف منك.
لا تسود عليَّ بعد.
علي الأقل قوتك لا ترعبني.
لقد إنتصر عليك ذاك الذي حقًا يسود علي الأحياء والأموات.
مرة واحدة وللأبد:
  لأَنَّ الْمَوْتَ الَّذِي مَاتَهُ قَدْ مَاتَهُ لِلْخَطِيَّةِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَالْحَيَاةُ الَّتِي يَحْيَاهَا فَيَحْيَاهَا ِللهِ” (رو10:6).
واحد هو الرب القوي والقادر علي كل شئ يحيا إلي الأبد. مرة واحدة مات المسيح. وبذبيحته التي قدمها مرة واحدة منح الحياة الأبدية لكل البشر. هذه الحقيقة العظيمة يشدد عليها بولس الرسول قائلاً: " لأَنَّ الْمَوْتَ الَّذِي مَاتَهُ قَدْ مَاتَهُ لِلْخَطِيَّةِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَالْحَيَاةُ الَّتِي يَحْيَاهَا فَيَحْيَاهَا ِلله" (رو10:6). لماذا يقول مرة واحدة «εφάπαξ»؟
لكي يُظهِر القوة التي لدي محبة الله.
فإن مرة واحدة أنار الله كلي القدرة الشمس الطبيعية. ليست الحاجة يوميًا إلي إنارة الشمس بفعله الخلاق لكي تنير لكوكب الأرض. يكفي مرة واحدة. هذا الفعل الخلاق والإستناري يكفي أثناء مسيرة هذا الكوكب. هكذا أيضًا صليب المسيح الذي أشرق.
مرة واحدة رُفِع.
مرة واحدة صُلِب المسيح.
ليست الحاجة لأن يموت كل يوم لكل إنسان يُوَّلَد, لكل خطية جديدة, تنبت علي الأرض.
تكفي ذبيحته الواحدة لتنير بنوره الفدائي علي الأرض.
هكذا تعبير "مرة واحدة" يظهر حضور المسيح, الحضور الإلهي الإنساني وشمول نتائج ذبيحته علي الصليب. مَنْ صُلِب؟ المسيح, أي الجسد الإلهي الإنساني, الذي فيه يوجد كل البشر. إذن الذبيحة الواحدة تسري علي الكل. لماذا صُلِب؟ لأجل الخطية, لأجل كل الخطايا. " لأَنَّ الْمَوْتَ الَّذِي مَاتَهُ قَدْ مَاتَهُ لِلْخَطِيَّةِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَالْحَيَاةُ الَّتِي يَحْيَاهَا فَيَحْيَاهَا ِلله" (رو10:6). هذا الذي مات, أي جسد المسيح, مرة واحدة مات ومات لأجل الخطية. واحدة هي الذبيحة, "مرة واحدة" لكن تسري علي الكل. هذه الحقيقة يؤكدها مرارًا بولس الرسول في الرسالة إلي العبرانيين:  " فَإِذْ ذَاكَ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَتَأَلَّمَ مِرَارًا كَثِيرَةً مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، وَلكِنَّهُ الآنَ قَدْ أُظْهِرَ مَرَّةً عِنْدَ انْقِضَاءِ الدُّهُورِ لِيُبْطِلَ الْخَطِيَّةَ بِذَبِيحَةِ نَفْسِهِ. وَكَمَا وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ الدَّيْنُونَةُ، هكَذَا الْمَسِيحُ أَيْضًا، بَعْدَمَا قُدِّمَ مَرَّةً لِكَيْ يَحْمِلَ خَطَايَا كَثِيرِينَ، سَيَظْهَرُ ثَانِيَةً بِلاَ خَطِيَّةٍ لِلْخَلاَصِ لِلَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُ" (عب26:9ـ28).
يشدد علي "مرة واحدة" لكي يؤكد علي مسئوليتنا إذ بالمعمودية إكتسبنا خلاصنا. تخيلوا شخص يأخذ جوهرة ثمينة "مرة واحدة" ومباشرةً يبددها هباءًا, بلا هدف يفقدها. فرصة أخرى لا توجد بالنسبة له.
إكتسبنا الخلاص مجانًا بالمعمودية. أخذنا نصيبًا, طالما نحن ننتمي إلي المسيح ونحن ورثة ملكوته. مرة واحدة صُلِب المسيح لأجلنا. مرة واحدة إعتمدنا نحن أيضًا: "نؤمن بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا". ليتنا لا نفقد الفرصة, فإن مرة واحدة نعبر من هذه الحياة. وسوف لا نعبر إليها مرة أخري.
يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: "رأيت كيف يجذب إنتباهنا؟ طالما المسيح لا يموت مرة ثانية, لا توجد معمودية ثانية. وأيضًا طالما لا توجد معمودية ثانية فعليك أن لا تميل تجاه الخطية"  (ΕΠΕ17,50).
يشدد بولس الرسول بتعبير "مرة واحدة" علي محبة الله غير المحدودة وأيضًا علي قدرة الخطية. بما أن الخطية لديها مثل هذه القوة حتى أن الذي لم يفعل الخطية قد صعد فوق الصليب, كم بالحري لديها قوة أن تقود إلي الجحيم هؤلاء المذنبين الذين لا يريدون أن يؤمنوا بذبيحة المحبة التي قدمت مرة واحدة ويتوبون طالبين الرحمة؟ يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: "بولس الرسول يُظهِر أيضًا بأقواله قوة الحياة التي هي وفق مشيئته الله, كذلك أيضًا قوة الخطية. قوة الحياة, طالما أن المسيح لا يموت بعد, وقوة الخطية طالما الذي لم يفعل الخطية جعلته يموت. إذن كيف سوف لا تدمر الخطية أولئك الذين هم مسئولون عنها لو بالطبع لم يتوبوا؟"  (ΕΠΕ17,52).
تعبير "مرة واحدة" هو في غاية الخطورة لكن بمفهوم آخر: "مرة واحدة" صُلِب المسيح لكي نحيا حياة أبدية. لو إحتقرنا هذه الذبيحة, هل توجد ذبيحة أخرى تستطيع أن تخلصنا؟ مَنْ الذي سوف يُصلَب مرة أخرى لأجلنا؟ هل سوف يصلب آخر لأجلنا؟ من المستحيل. إذن دعونا لا نتجاهل "خلاصًا هذا مقداره" (عب3:2). يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: "يذكر بولس الرسول أيضًا مكافئتين البر والموت. موت ليس مثل هذا, لكن مرعب جدًا لأنه, لو لم يمت المسيح, لكنا في الجحيم علي الدوام وننال عقابًا دائمًا. حينذاك لن يحدث الموت الجسدي الذي يريح الجسد ويفصله عن النفس. بل كان سيحدث موت مرعب وأبدي" (ΕΠΕ17,62).
يشدد بولس علي تعبيره "مرة واحدة" بالمقارنة بينها وبين الأبدية: " لأَنَّ الْمَوْتَ الَّذِي مَاتَهُ قَدْ مَاتَهُ لِلْخَطِيَّةِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَالْحَيَاةُ الَّتِي يَحْيَاهَا فَيَحْيَاهَا ِلله" (رو10:6).
مات المسيح مرة واحدة لأجل خطايانا. لكن الآن يحيا "لله", فموته هو حياتنا الأبدية. وأيضًا زمننا القصير في الجهاد لإماتة الخطية تعني حياة "لله". مع الله أبديًا سوف نحيا. إذن جدير بـ "مرة واحدة", واحدة وأفضل من محاولات البشر الكثيرة, ننتهي من مشكلة الخطية. ها نحن نميت  الشهوات. علي الأقل لكي نأخذ مباشرةً قرار للتوبة والتغيير, حتى لو لم نفلح بعد. دعونا لا نفقد "مرة واحدة" الفرصة التي هي الحياة الحاضرة.


أموات أحياء
 ” كَذلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا احْسِبُوا أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتًا عَنِ الْخَطِيَّةِ، وَلكِنْ أَحْيَاءً ِللهِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَاِ” (رو11:6).
ينبغي أن نموت لكي نحيا. طالما أيضًا ذاك مات لكي نحيا نحن, فالحياة تمر من الموت. الطفل لكي يُولَّد يمر من قبر البطن الأمومي. الشمس لكي تشرق تمر من الغرب. الماء لكي يتدفق يمر من قبر في أحشاء الأرض. الورد لكي تزدهر تمر من موت البذرة. هكذا أيضًا المسيحي. لكي يحيا مع المسيح يجب أن يموت أولاً مع المسيح: «σὺν Χριστῷ».
الإماتة والحياة في المستوي الروحي يشدد عليه بولس الرسول في (رو11:6): "كَذلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا احْسِبُوا أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتًا عَنِ الْخَطِيَّةِ، وَلكِنْ أَحْيَاءً ِللهِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَاِ".
يوجد أناس يُعتبروا أحياء ولكن هم أموات, يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: "كثيرون من هؤلاء الذين يعتقدون أنهم يتنفسون ويسيرون هم في حالة أتعس جدًا من الأموات"  (ΕΠΕ17,64).
يذكر القديس يوحنا ذهبي الفم أربع أنواع من الأموات:
1.      أموات جسديًا: أموات لأن الجسد مات بينما النفس تحيا.
2.     أموات نفسيًا: لا يحسون ولا يشعرون ولا يتحركون لفعل الصلاح. أموات ولم يدفنوا.
3.     أموات من جهة الخطية: الذين يجاهدون لكي يُميتوا الشهوات.
4.     أموات من جهة الإنسان العتيق: الذين بالمعمودية ومواهب الله يحيون إماتة المسيح (أنظر (ΕΠΕ17,64-66.
الذين يستحقون الرثاء هم الأموات روحيًا. يحيون لكن هم أموات. هم ظلال متحركة. كثيرون اليوم هم أموات غير مدفونون. إنهم أولئك الذين يحيون حياة الضعف والإستسلام حيث لا يملكون قوة المقاومة ويعتمدون دائمًا علي الآخرين. هم موجودات ميته. وهم أيضًا يحيون كحيوانات بطريقة مادية. نفوسهم لا تحيا. بدون مشاعر بدون محبة بدون أهداف سامية بدون نهوض وصعود.
الجدير بالإعجاب هم الذين حققوا ما قاله بولس الرسول: "كَذلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا احْسِبُوا أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتًا عَنِ الْخَطِيَّةِ، وَلكِنْ أَحْيَاءً ِللهِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَاِ "(رو11:6). ماذا يعني أن أحسب ذاتي ميت من جهة الخطية؟ يعني ذاك الذي كما يقول بولس الرسول في رسالة غلاطية: " وَلكِنَّ الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ " (غلا24:5).  
لا يوثر فيه عالم الخطية. ميت لا يتأثر بشئ. لا يمد يديه لكي يسرق أموالاً, مهما كانت هذه الأموال أمامه ولا يفتح أعينه لينظر ويشتهي. لا يتأثر من أي شهوة. عدم التأثر هذا ἀπάθεια هو هدف المسيحي في جهاده الروحي. فالميت من جهة الخطية يحيا مع الله. كل مَنْ هو ميت عن العالم, هو حي لله: ""كَذلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا احْسِبُوا أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتًا عَنِ الْخَطِيَّةِ، وَلكِنْ أَحْيَاءً ِللهِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَاِ "(رو11:6).
الشركة في حياة الله ليست هي فقط إنجاز بشري. إنها عمل مشترك بين الإرادة البشرية ونعمة المسيح: "في يسوع المسيح ربنا". هذه الحياة مع الله تهدف للسمو بواسطة ممارسة الفضيلة والنعمة مع المسيح معيننا.