الجمعة، 19 ديسمبر 2014

هدايا المجوس


                             

هدايا المجوس

                                                                                                                           د. جورج عوض إبراهيم
لقد ذكر الإنجيلي متى الآتي: " وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ، إِذَا مَجُوسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ  قَائِلِينَ:«أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ». فَلَمَّا سَمِعَ هِيرُودُسُ الْمَلِكُ اضْطَرَبَ وَجَمِيعُ أُورُشَلِيمَ مَعَهُ. فَجَمَعَ كُلَّ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَكَتَبَةِ الشَّعْب، وَسَأَلَهُمْ:«أَيْنَ يُولَدُ الْمَسِيحُ؟» فَقَالُوا لَهُ:«فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ. لأَنَّهُ هكَذَا مَكْتُوبٌ بِالنَّبِيِّ: وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ، أَرْضَ يَهُوذَا لَسْتِ الصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا، لأَنْ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ».حِينَئِذٍ دَعَا هِيرُودُسُ الْمَجُوسَ سِرًّا، وَتَحَقَّقَ مِنْهُمْ زَمَانَ النَّجْمِ الَّذِي ظَهَرَ. ثُمَّ أَرْسَلَهُمْ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ، وَقَالَ:«اذْهَبُوا وَافْحَصُوا بِالتَّدْقِيقِ عَنِ الصَّبِيِّ. وَمَتَى وَجَدْتُمُوهُ فَأَخْبِرُونِي، لِكَيْ آتِيَ أَنَا أَيْضًا وَأَسْجُدَ لَهُ». فَلَمَّا سَمِعُوا مِنَ الْمَلِكِ ذَهَبُوا. وَإِذَا النَّجْمُ الَّذِي رَأَوْهُ فِي الْمَشْرِقِ يَتَقَدَّمُهُمْ حَتَّى جَاءَ وَوَقَفَ فَوْقُ، حَيْثُ كَانَ الصَّبِيُّ. فَلَمَّا رَأَوْا النَّجْمَ فَرِحُوا فَرَحًا عَظِيمًا جِدًّا. وَأَتَوْا إِلَى الْبَيْتِ، وَرَأَوْا الصَّبِيَّ مَعَ مَرْيَمَ أُمِّهِ. فَخَرُّوا وَسَجَدُوا لَهُ. ثُمَّ فَتَحُوا كُنُوزَهُمْ وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: ذَهَبًا وَلُبَانًا وَمُرًّا. ثُمَّ إِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِمْ فِي حُلْمٍ أَنْ لاَ يَرْجِعُوا إِلَى هِيرُودُسَ، انْصَرَفُوا فِي طَرِيق أُخْرَى إِلَى كُورَتِهِمْ" (مت1:2ـ12).
 هل ما ذكره القديس متى للهدايا التي قدمها المجوس للمسيح له أهمية خاصة؟
الإنجيلي متى هو الإنجيلي الوحيد الذي ذكر لنا رواية سجود المجوس وذكر أيضًا أن المجوس قدموا للمسيح ثلاثة هدايا ذهب، ولبان، ومُر.
أول هذه الهدايا، الذهب، كان المعدن الأكثر ثمناً خصوصاً في منطقة فلسطين. من إشارات العهد الجديد إلى الذهب نستنتج بأنه كان يُستخدم فقط بواسطة الأغنياء جدًا الذين قال عنهم يعقوب أخو الرب أنهم لابسون " خواتم من ذهب" (يع2:2). على النقيض، بالنسبة للإنسان ذات الدخل المتوسط في ذلك العصر، امتلاك الذهب كان أمرًا غير مفهوم.
العهد الجديد يتجاوب في بعض الحدود مع المسافة أو الفجوة التي كانت تفصل الكنيسة الأولى عن الذهب حيث أنها كانت تعتبره مثال للازدهار المادي الكبير وأداة للترويج الذاتي:
(مت9:10): " لاَ تَقْتَنُوا ذَهَبًا وَلاَ فِضَّةً وَلاَ نُحَاسًا فِي مَنَاطِقِكُمْ".
(أع6:3): " فَقَالَ بُطْرُسُ:«لَيْسَ لِي فِضَّةٌ وَلاَ ذَهَبٌ، وَلكِنِ الَّذِي لِي فَإِيَّاهُ أُعْطِيكَ: بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ قُمْ وَامْشِ!».
(1تيمو9:2): " وَكَذلِكَ أَنَّ النِّسَاءَ يُزَيِّنَّ ذَوَاتِهِنَّ بِلِبَاسِ الْحِشْمَةِ، مَعَ وَرَعٍ وَتَعَقُّل، لاَ بِضَفَائِرَ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ لآلِئَ أَوْ مَلاَبِسَ كَثِيرَةِ الثَّمَنِ".
(يع3:5): " ذَهَبُكُمْ وَفِضَّتُكُمْ قَدْ صَدِئَا، وَصَدَأُهُمَا يَكُونُ شَهَادَةً عَلَيْكُمْ، وَيَأْكُلُ لُحُومَكُمْ كَنَارٍ! قَدْ كَنَزْتُمْ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ".
(1بط3:3): " وَلاَ تَكُنْ زِينَتُكُنَّ الزِّينَةَ الْخَارِجِيَّةَ، مِنْ ضَفْرِ الشَّعْرِ وَالتَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَلِبْسِ الثِّيَابِ".
على الجانب الآخر، يخبرنا العهد الجديد بأن الذهب والأشياء المصنوعة من الذهب تحتل مكانة سواء إيجابية أو سلبية في كل من العبادة اليهودية والأممية.
(أع29:17): " فَإِذْ نَحْنُ ذُرِّيَّةُ اللهِ، لاَ يَنْبَغِي أَنْ نَظُنَّ أَنَّ اللاَّهُوتَ شَبِيهٌ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حَجَرِ نَقْشِ صِنَاعَةِ وَاخْتِرَاعِ إِنْسَانٍ".
(عب4:9): " فِيهِ مِبْخَرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَتَابُوتُ الْعَهْدِ مُغَشًّى مِنْ كُلِّ جِهَةٍ بِالذَّهَبِ، الَّذِي فِيهِ قِسْطٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ الْمَنُّ، وَعَصَا هَارُونَ الَّتِي أَفْرَخَتْ، وَلَوْحَا الْعَهْدِ".
(1بط18:1): " عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ الآبَاءِ".
(رؤ20:9): " وَأَمَّا بَقِيَّةُ النَّاسِ الَّذِينَ لَمْ يُقْتَلُوا بِهذِهِ الضَّرَبَاتِ، فَلَمْ يَتُوبُوا عَنْ أَعْمَالِ أَيْدِيهِمْ، حَتَّى لاَ يَسْجُدُوا لِلشَّيَاطِينِ وَأَصْنَامِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَجَرِ وَالْخَشَبِ الَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُبْصِرَ وَلاَ تَسْمَعَ وَلاَ تَمْشِيَ".
هكذا هيكل أورشليم الذهبي يحتل مكانة هامة في ضمير أو وعي الكتبة والفريسيين لدرجة أنهم يعتبرون أن القسم أي الحلفان على ذهب الهيكل هو أكثر إلزامًا من القسم على الهيكل ذاته: (مت16:23ـ17):       " وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ! الْقَائِلُونَ: مَنْ حَلَفَ بِالْهَيْكَلِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلكِنْ مَنْ حَلَفَ بِذَهَب الْهَيْكَلِ يَلْتَزِمُ. أَيُّهَا الْجُهَّالُ وَالْعُمْيَانُ! أَيُّمَا أَعْظَمُ: أَلذَّهَبُ أَمِ الْهَيْكَلُ الَّذِي يُقَدِّسُ الذَّهَبَ؟". أخيرًا يخبرنا سفر الرؤيا بأيقونات العبادة السماوية ومدينة الله الأخروية والتي فيها يضع بالأحرى مادة الذهب كرمز للقوة الإلهية بنقاءها وبهاءها:
(رؤ12:1ـ13): " فَالْتَفَتُّ لأَنْظُرَ الصَّوْتَ الَّذِي تَكَلَّمَ مَعِي. وَلَمَّا الْتَفَتُّ رَأَيْتُ سَبْعَ مَنَايِرَ مِنْ ذَهَبٍ، وَفِي وَسْطِ السَّبْعِ الْمَنَايِرِ شِبْهُ ابْنِ إِنْسَانٍ، مُتَسَرْبِلاً بِثَوْبٍ إِلَى الرِّجْلَيْنِ، وَمُتَمَنْطِقًا عِنْدَ ثَدْيَيْهِ بِمِنْطَقَةٍ مِنْ ذَهَبٍ".
(رؤ20:1): " سِرَّ السَّبْعَةِ الْكَوَاكِبِ الَّتِي رَأَيْتَ عَلَى يَمِينِي، وَالسَّبْعِ الْمَنَايِرِ الذَّهَبِيَّةِ: السَّبْعَةُ الْكَوَاكِبُ هِيَ مَلاَئِكَةُ السَّبْعِ الْكَنَائِسِ، وَالْمَنَايِرُ السَّبْعُ الَّتِي رَأَيْتَهَا هِيَ السَّبْعُ الْكَنَائِسِ".
(رؤ1:2): " اُكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ كَنِيسَةِ أَفَسُسَ: «هذَا يَقُولُهُ الْمُمْسِكُ السَّبْعَةَ الْكَوَاكِبَ فِي يَمِينِهِ، الْمَاشِي فِي وَسَطِ السَّبْعِ الْمَنَايِرِ الذَّهَبِيَّةِ".
(رؤ18:3): " أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي ذَهَبًا مُصَفًّى بِالنَّارِ لِكَيْ تَسْتَغْنِيَ، وَثِيَابًا بِيضًا لِكَيْ تَلْبَسَ، فَلاَ يَظْهَرُ خِزْيُ عُرْيَتِكَ. وَكَحِّلْ عَيْنَيْكَ بِكُحْل لِكَيْ تُبْصِرَ".
(رؤ4:4): " وَحَوْلَ الْعَرْشِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ عَرْشًا. وَرَأَيْتُ عَلَى الْعُرُوشِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ شَيْخًا جَالِسِينَ مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ أَكَالِيلُ مِنْ ذَهَبٍ".
(رؤ8:5): " وَلَمَّا أَخَذَ السِّفْرَ خَرَّتِ الأَرْبَعَةُ الْحَيَوَانَاتُ وَالأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا أَمَامَ الْخَروفِ، وَلَهُمْ كُلِّ وَاحِدٍ قِيثَارَاتٌ وَجَامَاتٌ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوَّةٌ بَخُورًا هِيَ صَلَوَاتُ الْقِدِّيسِينَ".
(رؤ3:8): " وَجَاءَ مَلاَكٌ آخَرُ وَوَقَفَ عِنْدَ الْمَذْبَحِ، وَمَعَهُ مِبْخَرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَأُعْطِيَ بَخُورًا كَثِيرًا لِكَيْ يُقَدِّمَهُ مَعَ صَلَوَاتِ الْقِدِّيسِينَ جَمِيعِهِمْ عَلَى مَذْبَحِ الذَّهَبِ الَّذِي أَمَامَ الْعَرْشِ".
(رؤ7:9): " وَشَكْلُ الْجَرَادِ شِبْهُ خَيْل مُهَيَّأَةٍ لِلْحَرْبِ، وَعَلَى رُؤُوسِهَا كَأَكَالِيلَ شِبْهِ الذَّهَبِ، وَوُجُوهُهَا كَوُجُوهِ النَّاسِ".
(رؤ13:9): " مَّ بَوَّقَ الْمَلاَكُ السَّادِسُ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا وَاحِدًا مِنْ أَرْبَعَةِ قُرُونِ مَذْبَحِ الذَّهَبِ الَّذِي أَمَامَ اللهِ".
(رؤ4:14): " هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ لَمْ يَتَنَجَّسُوا مَعَ النِّسَاءِ لأَنَّهُمْ أَطْهَارٌ. هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ يَتْبَعُونَ الْخَرُوفَ حَيْثُمَا ذَهَبَ. هؤُلاَءِ اشْتُرُوا مِنْ بَيْنِ النَّاسِ بَاكُورَةً ِللهِ وَلِلْخَرُوفِ".
(رؤ6:15ـ7): " وَخَرَجَتِ السَّبْعَةُ الْمَلاَئِكَةُ وَمَعَهُمُ السَّبْعُ الضَّرَبَاتِ مِنَ الْهَيْكَلِ، وَهُمْ مُتَسَرْبِلُونَ بِكَتَّانٍ نَقِيٍّ وَبَهِيٍّ، وَمُتَمَنْطِقُونَ عِنْدَ صُدُورِهِمْ بِمَنَاطِقَ مِنْ ذَهَبٍ. وَوَاحِدٌ مِنَ الأَرْبَعَةِ الْحَيَوَانَاتِ أَعْطَى السَّبْعَةَ الْمَلاَئِكَةِ سَبْعَةَ جَامَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ، مَمْلُوَّةٍ مِنْ غَضَبِ اللهِ الْحَيِّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ".
(رؤ12:18): " بَضَائِعَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَجَرِ الْكَرِيمِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْبَزِّ وَالأُرْجُوانِ وَالْحَرِيرِ وَالْقِرْمِزِ، وَكُلَّ عُودٍ ثِينِيٍّ، وَكُلَّ إِنَاءٍ مِنَ الْعَاجِ، وَكُلَّ إِنَاءٍ مِنْ أَثْمَنِ الْخَشَبِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَالْمَرْمَرِ".
(رؤ16:18): " وَيَقُولُونَ: وَيْلٌ! وَيْلٌ! الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ الْمُتَسَرْبِلَةُ بِبَزّ وَأُرْجُوانٍ وَقِرْمِزٍ، وَالْمُتَحَلِّيَةُ بِذَهَبٍ وَحَجَرٍ كَرِيمٍ وَلُؤْلُؤٍ!".
(رؤ15:21): " وَالَّذِي كَانَ يَتَكَلَّمُ مَعِي كَانَ مَعَهُ قَصَبَةٌ مِنْ ذَهَبٍ لِكَيْ يَقِيسَ الْمَدِينَةَ وَأَبْوَابَهَا وَسُورَهَا".
(رؤ20:18ـ21): " اِفْرَحِي لَهَا أَيَّتُهَا السَّمَاءُ وَالرُّسُلُ الْقِدِّيسُونَ وَالأَنْبِيَاءُ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ دَانَهَا دَيْنُونَتَكُمْ، وَرَفَعَ مَلاَكٌ وَاحِدٌ قَوِيٌّ حَجَرًا كَرَحىً عَظِيمَةٍ، وَرَمَاهُ فِي الْبَحْرِ قَائِلاً: «هكَذَا بِدَفْعٍ سَتُرْمَى بَابِلُ الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ، وَلَنْ تُوجَدَ فِي مَا بَعْدُ".
نستطيع أن نقول على أساس كل هذه الشواهد أننا ندرك الأهمية التي لدى الذهب الذي قد قدموه المجوس للمولود المسيح. طالما أن المجوس طلبوا " قَائِلِينَ:«أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ» (مت2:2).
ما الذي كان مناسب أكثر من أثمن المعادن وأكثرها رغبة " الذهب" كهدية لملك كانت ولادته مصاحبة بظهور نجم لامع؟ عن حق إذن التفسير الذي يعتبر ذهب المجوس إشارة للهوية الملوكية للرب.
الهدية الثانية للمجوس، اللبان كان مصدره شجرة تحمل الإسم نفسه تنبت بالأحرى في العربية، وفي ساحل الصومال وفي الهند الشرقية. واللبان كان يُستخدم في كل من العبادة اليهودية والوثنية. لقد فُسرت هذه الهدية على أنها تقدمة البخور التعبدية للأقنوم الثاني للثالوث القدوس.
الهدية الثالثة للمجوس كانت المُر. الكلام أيضًا عن سائل من شجرة تحمل نفس الإسم تنبت في جنوب العربية. المُر قريب الشبه من الميرون الذي نعرفه وبالحري من رائحته ويُستخدم في المشروبات الروحية (أنظر مر23:15): " وَأَعْطَوْهُ خَمْرًا مَمْزُوجَةً بِمُرّ لِيَشْرَبَ، فَلَمْ يَقْبَلْ"، لكن أيضًا في تصنيع الروائح لإستخدامات مختلفة من بينهما دهن الأموات بحسب إنجيل يوحنا، يخلط المر والصبار كان يهدف حاملات الطيب أن يدهنوا جسد الرب بعد موته (يو39:19). على أساس هذه المعلومة اعتبر مفسري الكتاب أن تقدمة المُر تشير إلى أن الرب صار إنسانًا لكي يموت لأجل خلاصنا.
توجد أيضًا إمكانية لتفسير لاهوتي لهدايا المجوس. الجدير بالذكر أن كلمة "مجوس μάγος" ليس لديها هنا مفهوم سلبي قد يكون موجود في نصوص أخرى في العهد الجديد علي سبيل المثال:
(أع9:8، 11): " وَكَانَ قَبْلاً فِي الْمَدِينَةِ رَجُلٌ اسْمُهُ سِيمُونُ، يَسْتَعْمِلُ السِّحْرَ وَيُدْهِشُ شَعْبَ السَّامِرَةِ، قِائِلاً إِنَّهُ شَيْءٌ عَظِيمٌ!. وَكَانُوا يَتْبَعُونَهُ لِكَوْنِهِمْ قَدِ انْدَهَشُوا زَمَانًا طَوِيلاً بِسِحْرِهِ".
(أع6:13): " وَلَمَّا اجْتَازَا الْجَزِيرَةَ إِلَى بَافُوسَ، وَجَدَا رَجُلاً سَاحِرًا نَبِيًّا كَذَّابًا يَهُودِيًّا اسْمُهُ بَارْيَشُوعُ".
هؤلاء المجوس هم حكماء لديهم إمكانية أن يفسروا شروق نجم لامع كـ إعلان عن ولادة ملك لليهود. على الجانب الآخر، في ذلك العصر كان من المُسلمات أن ولادات شخصيات مميزة تُصاحب ظواهر سماوية أو حوادث غير معتادة، وبذلك سيكون من الخطأ أن نقبل شرعية علم النجوم على أساس نص متى هذا. بحسب متى الإنجيلي وجد المجوس المسيح بمساعدة عِلم النجوم «ἀστρολογὶα» لكن في النهاية يتخطى التفاصيل الفنية للقاء المسيح مع المجوس.
المجوس كحكماء وثنيين يمثلون كل العالم الأممي في ذلك العصر والنجم الذي أشرق ليس هو مجرد ظاهرة سماوية بل رمز لملك إسرائيل الماسياني بحسب نبوة العهد القديم: " أَرَاهُ وَلكِنْ لَيْسَ الآنَ. أُبْصِرُهُ وَلكِنْ لَيْسَ قَرِيبًا. يَبْرُزُ كَوْكَبٌ مِنْ يَعْقُوبَ، وَيَقُومُ قَضِيبٌ مِنْ إِسْرَائِيلَ، فَيُحَطِّمُ طَرَفَيْ مُوآبَ، وَيُهْلِكُ كُلَّ بَنِي الْوَغَى" (عدد17:24). هكذا تبع المجوس نجم مادي ومحسوس لينقادوا إلى نجم روحي، ليس هو إلا المسيح ذاته، ملك إسرائيل الحقيقي، الذي وُلِدَ في بيت لحم وفق نبوة ميخا الماسيانية:  «أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطاً عَلَى إِسْرَائِيلَ وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ». ( ميخا2:5 )
هكذا وصل المجوس أمام الرب وسجدوا وقدموا الهدايا. إن السجود للرب من الأمم في أورشليم وتقديم الهدايا وبالأحرى الذهب واللبان نتقابل معه في العهد القديم: " فَتَسِيرُ الأُمَمُ فِي نُورِكِ، وَالْمُلُوكُ فِي ضِيَاءِ إِشْرَاقِكِ. اِرْفَعِي عَيْنَيْكِ حَوَالَيْكِ وَانْظُرِي. قَدِ اجْتَمَعُوا كُلُّهُمْ. جَاءُوا إِلَيْكِ. يَأْتِي بَنُوكِ مِنْ بَعِيدٍ وَتُحْمَلُ بَنَاتُكِ عَلَى الأَيْدِي. حِينَئِذٍ تَنْظُرِينَ وَتُنِيرِينَ وَيَخْفُقُ قَلْبُكِ وَيَتَّسِعُ، لأَنَّهُ تَتَحَوَّلُ إِلَيْكِ ثَرْوَةُ الْبَحْرِ، وَيَأْتِي إِلَيْكِ غِنَى الأُمَمِ. تُغَطِّيكِ كَثْرَةُ الْجِمَالِ، بُكْرَانُ مِدْيَانَ وَعِيفَةَ كُلُّهَا تَأْتِي مِنْ شَبَا. تَحْمِلُ ذَهَبًا وَلُبَانًا، وَتُبَشِّرُ بِتَسَابِيحِ الرَّبِّ" (إش3:60ـ6).
أيضًا نتقابل مع إشارة لها علاقة بمجد سليمان أيضًا في الهدايا التي قدمتها شعوب الأرض، التي تمثل في نفس الوقت أيضًا النص النبوي عن نسل سليمان، الماسيا: " مُلُوكُ تَرْشِيشَ وَالْجَزَائِرِ يُرْسِلُونَ تَقْدِمَةً. مُلُوكُ شَبَا وَسَبَأٍ يُقَدِّمُونَ هَدِيَّةً. وَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ الْمُلُوكِ. كُلُّ الأُمَمِ تَتَعَبَّدُ لَهُ" (مز10:72ـ11). بالتالي، في سجود وتقديم هدايا المجوس تحققت إعلانات العهد القديم وفي نفس الوقت إعلان مسبق لرجوع الأمم إلى الله الحقيقي، وإيمانهم بالمسيح ودخولهم إلى الكنيسة.
من المعروف أن الإنجيل بحسب متى في محصلته يمثل إجابة الكنيسة اللاهوتية على اليهود غير المؤمنين. بالتالي الإشارة في بداية الإنجيل بواسطة هدايا المجوس وسجود وتقديم الهدايا إلى الأمم تجاه المسيح يكتسب أهمية خاصة كبيرة، يُعطي رسالة بأن الأمم كانوا مباشرةً منذ البداية إيجابيون تجاه الماسيا، الذي في اللحظة الأولى كان الشعب المختار رافضًا له. هذا يبدو، لو قارن أحد موقف المجوس بموقف اليهود في أورشليم، الذين إنزعجوا، مثل هيرودوس، عندما علموا بخبر الملك المولود (أنظر مت3:2): " فَلَمَّا سَمِعَ هِيرُودُسُ الْمَلِكُ اضْطَرَبَ وَجَمِيعُ أُورُشَلِيمَ مَعَهُ" خاصةً رئيس الكهنة والكتبة هم في موضع أن يمدوا هيرودس بمعلومات من الكتاب المقدس عن مكان ولادة المسيح على أساس النبوات لكن جهلوا حدث الولادة ذاته، الحدث الذي عرفوه المجوس الغرباء بطريقة معجزيه  (أنظر مت4:2ـ6): " فَجَمَعَ كُلَّ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَكَتَبَةِ الشَّعْب، وَسَأَلَهُمْ:«أَيْنَ يُولَدُ الْمَسِيحُ؟» فَقَالُوا لَهُ: «فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ. لأَنَّهُ هكَذَا مَكْتُوبٌ بِالنَّبِيِّ: وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ، أَرْضَ يَهُوذَا لَسْتِ الصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا، لأَنْ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ». لقد اضطر المسيح ذاته بعد ذلك في (مت13:2ـ23) للذهاب إلى مصر ويترك موطنه لكي يكون بين الأمم.  
بالتأكيد يُشدد في الإنجيل بحسب متى على أن المسيح أتى أولاً لليهود "فَأَجَابَ وَقَالَ:«لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ» (مت24:15). للتو في نهاية فصل الإنجيل يبدو أنه تحققت الدعوة المسكونية للكرازة تجاه الأمم، عندما أعطى الرب القائم لتلاميذه وصية " فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ" (مت19:28)، الوصية التي حلت محل الوصية السابقة أثناء حياته الأرضية: "هؤُلاَءِ الاثْنَا عَشَرَ أَرْسَلَهُمْ يَسُوعُ وَأَوْصَاهُمْ قَائِلاً:«إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لاَ تَمْضُوا، وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لاَ تَدْخُلُوا. بَلِ اذْهَبُوا بِالْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ" (مت5:10ـ6). لذلك حين يطرح القديس يوحنا ذهبي الفم سؤال لماذا ظهر النجم؟ يجيب، قائلاً: " لقد ظهر لكي يبرز عدم إحساس اليهود وينزع أي عذر يبرر عصيانهم وعدم إيمانهم. لأنه كان لابد لهذا الذي أتى من السموات ان يعطي نهاية لطريقة الحياة القديمة ويدعو المسكونة لكي تسجد له وتعبده في كل البر والبحر, لقد فتح من البداية الباب لكل البشر, لأنه أراد أن يعطي مثالاً لخاصته من خلال المجوس الغرباء, لأنه بالرغم من أنهم سمعوا باستمرار الأنبياء الذي تحدثوا عن تأنسه, فإنهم لم يعطوا الأهمية المطلوبة, وجعل البرابرة يأتون من أماكن بعيدة ويطلبون الملك الذي كان يوجد بالقرب منهم وأُخبروا عنه عن طريق المجوس الآتين من بلاد فارس, وهم الذين لم يريدوا أن يعرفوه من الأنبياء, لدرجة أنهم لو تبعوه لكان لديهم برهان بأنهم آمنوا بحضوره".
 ثم يستمر القديس يوحنا ذهبي الفم، قائلاً: "ولو حدث العكس وقاوموه بشدة لكان ليس لديهم أي عذر لأن أي عذر سوف يقدمونه لو لم يؤمنوا بالمسيح بعد هذا الكم من النبوات, عندما رأوا أن المجوس آمنوا لمجرد أنهم رأوا نجم وأتوا لكي يسجدوا للطفل؟ وهكذا فعل أيضًا في حالة المجوس كما في حالة أهل نينوي الذي أرسل لهم يونان, وكما في حالة السامرة. لأجل هذا قال: " رِجَالُ نِينَوَى سَيَقُومُونَ فِي الدِّينِ مَعَ هذَا الْجِيلِ وَيَدِينُونَهُ، لأَنَّهُمْ تَابُوا بِمُنَادَاةِ يُونَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَانَ ههُنَا! مَلِكَةُ التَّيْمَنِ سَتَقُومُ فِي الدِّينِ مَعَ هذَا الْجِيلِ وَتَدِينُهُ، لأَنَّهَا أَتَتْ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ لِتَسْمَعَ حِكْمَةَ سُلَيْمَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ سُلَيْمَانَ ههُنَا! "(مت41:12ـ42). لأن أولئك آمنوا بالأمور الصغيرة بينما هؤلاء لم يؤمنوا ولا بالأمور العظيمة"[1].
هكذا في الحقيقة انفتاح الإنجيل تجاه الأمم لا يُطرح كموضوع للمرة الأولى في نهاية الإنجيل بحسب متى، لكن قد سبق وأعلنه الإنجيلي في بدايته، وفق رواية سجود المجوس وتقديم هداياهم إلى" ملك اليهود"، إلى الله مخلص كل الأمم. 






[1]  القديس يوحنا ذهبي الفم، مولود المذود، ترجمة د.جورج عوض و د.سعيد حكيم مراجعة د.نصحي عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ص11