أصحاب المرجعيات الدينية ( 3 ) هل ينصلح الحال بمليونية الشريعة ؟ د . جورج عوض ابراهيم
3- التحرر من الصراع الحادث بين السماوي والأرضي
مازلنا أمام السؤال الذي طرحناه من قبل : متى أو كيف تصير الرسالة الدينية قاطرة للتقدم والرقي للشعوب والمجتمعات ؟ وتحدثنا عن عنصرين هما : 1- أن تُحدِث الرسالة الدينية التغيير الجذري الداخلي في الانسان ليصبح إنسان جديد يتمتع بسلوكيات جديدة تبني ولا تهدم ، تصنع سلاما ولا تتبنى العنف مسلكاً ، ترى في العلم والابداع البشري تجليات الخالق في الانسان . سلوكيات تظهر في الحياة اليومية ، ومن ثم فإن الدعوة الدينية ليست دعوة نظرية جدلية بل هي دعوة عملية تظهر بكل تجلياتها في سلوك الانسان اليومية أي في الواقع المعاش . 2- التحرر من السُكنى في كهوف الماضي ، ومن ثم علينا ان نميز بين ثوابت الرسالة الدينية والمتغيرات التي هي رهن تغير الظروف والبيئة والثقافة . والرسالة الدينية ليست هي دعوة للرجوع إلى الماضي والبقاء هناك حيث الثقافة التي عفى عليها الزمن والمفاهيم التي طرأ عليها تغير ونمو واتساع عبر مسيرة البشرية .
أما العنصر الثالث الذي يجعل الرسالة الدينية قاطرة التقدم والرقي هو : التحرر من الصراع الحادث بين السماوي والأرضي :
التدين الزائف يجد صراعاً بين كل ما ينتمي للدين من كتب مقدسة بها تعاليم سماوية وبين كل ما ينتمي للإنسان من علم وقيم وأفكار ومواثيق وبنود حقوقية وغيرها من نتاج الإنسان ، اي ما ينتمي للأرضي . إنها ثنائية ظهرت في الغرب في العصور الوسطى بين ( الطبيعي – غير الطبيعي ) . لقد أقامت هذة الثنائية عداوة بين ما هو " فوق " وما هو "تحت" ، ولذا انفصلت الحياة الدنيوية عن الإيمان الذي ينتمي إلى ما هو " فوق " . وأصبحت هناك مكابرة دينية ، فالرسالة الدينية وحدها عند المتدين تحتوي على سر تقدم الشعوب والامم ، وأي شيىء ينتمي إلى ما هو " تحت " مثل القيم الاخلاقية الانسانية والفلسفة والتقدم العلمي وغيره هو لا شيىء أمام التعاليم السماوية التي تنتمي إلى ما هو " فوق " . وهذا يفسر الانحياز التام للمتدين تجاه الشريعة الدينية – لاحظ مليونية الشريعة فى ميدان التحرير - لأن لديه قناعة بأن الشريعة الالهية تختلف تماماً وتضاد تماماً القوانين التي من صُنع البشر والمواثيق الدولية ودساتير حقوق الانسان والحق في الحياة وحقوق الطفل والمعاق والمريض وحقوق المرأة والمعاهدات الدولية التي تنظم علاقات الدول وخصوصياتها الحدودية وغيرها من قضايا الكفاح من اجل العدل والمساواة والحرية ، تلك القضايا التي جاهد الانسان لاجل تحقيقها .
المشكلة تكمن في قناعة المتدين بأن التقدم والرقي منحصر فقط في التعاليم الالهية وليس في كل ما ينتمي لمجهودات الانسان الأرضي الذي ينتمي إلى ما هو " تحت " . وهنا نتذكر فلسفة قديمة كانت قبل المسيحية واستمرت بعد ذلك تُدعى الفلسفة الغنوسية التي كانت ترى ان الله متعالٍ جداً ولا يمكن ان يصنع تواصل مع الكون ولا سيما المخلوقات المادية ، وهكذا افترضت الغنوسية وجود " هوة " ساحقة لا يمكن عبورها بين الله والكون .
لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو : من أين أتت هذة القناعة بالصراع الحادث بين السماوي والارضي ؟ أتت هذة القناعة من الاعتقاد بأن الانسان الذي خلقة الله لا يوجد فيه – بلغة الكمبيوتر – اي برنامج بواسطتة يتعرف على خالقه ، وكأن الله خلق الانسان مثله مثل الكائنات غير العاقلة . وكأن الانسان ليس هو المخلوق الالهي الوحيد الذي يستطيع ان يتواصل مع الله ويتحدث اليه حتى لو كان ملحدا . الانسان منتج الهي عاقل وواعي به ميل طبيعي تجاه الله خالقه . والرسالة الدينية المسيحية تنادي بأن الانسان – بغض النظر عن إنتمائه الديني او الفكري والجغرافي والعرقي ولون البشرة ....الخ – مخلوق بحسب صورة الله ومثاله ، وبعيدا عن المصطلحات الدينية ، الانسان مخلوق وبه جهاز اسقبال وارسال الهي . صحيح حين ابتعد الانسان عن الله حدث تشويش لهذا الجهاز حتى ان الانسان في معظم فترات حياته تصرف تصرفات غير انسانية تفتقر للتواصل الالهي ، الا انه لم يحدث تدمير لهذا الجهاز تماماً في الانسان فمازال الانسان اى انسان يحمل البصمات الالهية حتى لو كانت هذة البصمات مطموسة وغير واضحة . والتحدي الحقيقي للرسالة الدينية هي اعادة جهاز التواصل ليعمل بكفاءة عالية ليظهر في تعاملات ورؤى الانسان اليومية.
هكذا الانسان في تكوينه ليس ارضي محض ولا سماوي محض بل هو مخلوق ارضي سماوي ، وهذا ما يميز الانسان عن بقية خليقة الله . ولا يُستثنى في هذا الانسان الملحد او المعتنق لأي مذهب ديني او فلسفي . الانسان خُلِقَ وفي داخله منظومة القيم والاخلاق التي انطمست وتشوهت جراء ابتعاده عن خالقه وانغماسه في شهواته واطماعه . لذلك مهمة الرسالة الدينية ان توقظه وتنيره على الكنز الداخلي المدفون في داخله . وليست الرسالة الدينية فقط هي التي اخذت على عاتقها القيام بهذة المهمة بل والرسالة الادبية والفلسفية والفنية وكل ابداعات الانسان الصادقة والاصيلة والتي هي من نتاج تشغيل البرنامج او الجهاز المغروس في داخل الانسان حتى ولو بكفاءة منخفضة ، وإلا ما تفسير وجود قيم التذوق الفني والجمالي للحضارات الانسانية قبل الرسالة الدينية مثل الآثار القديمة المصرية او تماثيل بوذا التي دمرتها الاصولية الدينية .
الخلاصة ان اي إبداع انساني أصيل – حتى لو كان بلا مرجعية دينية – حظى بقبول المجتمع البشري ليس هو نتاج بشري بحت بل هو نتاج بشري الهي ، لان هذا الابداع صادر من بشر هم في الاساس مخلوقات إلهية اي خلقهم الله الخالق وأودع فيهم امكانيات الابداع وقيم الجمال والصلاح والرقي ومحبة الخير....الخ. بالتالي لا نجد صراع بين القوانين والقيم الوضعية التي هي من نتاج البشر والشرائع الالهية ، إلا اذا كانت هذة القوانين والقيم تضاد ما هو انساني او لا تضع مصالح البشر وكرامتهم في المرتبة الاولى . وأظن انه لا يوجد قانون وضعي إتفق عليه المجتمع البشري ينادي بإبادة الانسان او بالتمييز بين البشر وفقاَ للدين او العرق او المذهب او اللون ، وحتى لو هذا موجود علينا ان نجاهد لتعديله بالحوار وبالاقناع وبكافة الطرق السلمية لان المجتمع البشري لن يتحول في الحاضر إلى مجتمع ملائكة وإلا ما فائدة كل الرسالات التي تهدف للرقي والتقدم . لذا لن ينصلح الحال بمليونية الشريعة الالهية بمفردها ولا بمليونية العلمانية بمفردها .
شركة القديسين
العظة الخامسة
المطران إيروثيوس فلاخوس – ترجمة د. جورج عوض
1ـ عبيد الله
2ـ رُسل المسيح
3ـ الإكليروس
4ـ الكنيسة المنتصره (الأنبياء, الرُسل, القديسين)
صدرالاب أمراً, بعد رجوع الابن الضال وإحتضانه من أبيه, بأن يلبسوه ويجهزوا إحتفال لكي يفرحوا ويحتفلوا برجوعه. في المثل يُقال أن الأب أعطي الأمر لعبيده: " فَقَالَ الأَبُ لِعَبِيدِهِ: أَخْرِجُوا الْحُلَّةَ الأُولَى وَأَلْبِسُوهُ، وَاجْعَلُوا خَاتَمًا فِي يَدِهِ، وَحِذَاءً فِي رِجْلَيْهِ" (لو22:15). مَنْ هم هؤلاء العبيد الذين يتممون مشيئة الآب؟ بحسب آباء الكنيسة, طالما البيت هو الكنيسة, العبيد هم الإكليروس هؤلاء أخذوا أمرًا من الله أن يُلبسوا الإبن الضال الذي عاد إلى حضن ابيه.
أخذ المسح إثني عشر رسل, قدسهم وأعطاهم الروح القدس وأرسلهم إلي كل العالم ليعمدوا ويكرزوا للناس. لقد قال لتلاميذه: "اَلَّذِي يَسْمَعُ مِنْكُمْ يَسْمَعُ مِنِّي، وَالَّذِي يُرْذِلُكُمْ يُرْذِلُنِي، وَالَّذِي يُرْذِلُنِي يُرْذِلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي" (لو16:10). هكذا, الرسل ليسوا هم ممثلون ونائبون عن المسيح, لكن سر حضور المسيح المحسوس بينهم. هذا يعني أن الإكليروس ليسوا مثل سفير دولة في دولة أخري, ليسوا مثل ممثلين لرئيس,بل بواسطة الرسل يعمل المسيح ذاته عندما يغفر الرسل, يغفر ويُصدِّق أيضًا الله.
الأساقفة ينتمون إلي الإكليروس وكذلك الكهنة والشمامسة. الأساقفة هم الرأس المنظور لكنيسة محددة, في مكان رأس الكنيسة وكنموذج له. نقبل في شخص الأساقفة المسيح. يوجد تعاقب رسولي. أي, مثلما من لمبة نُشعل الثانية, والثالثة...الخ, وننقل النور إلي كل المكان, هكذا يحدث أيضًا بالتعاقب الرسولي. برسامة ومعايشة التقليد الأرثوذكسي تُنقل من جيل إلي جيل الرسل والبركة التي نالها أولئك من المسيح. إنقطاع التقليد الأرثوذكسي ينشئ الهراطقة. لأجل هذا, له أهمية عظمي أن ندقق مَنْ الذي نذكره من الأساقفة في ساعة الليتورجيا ؟ الأسقف الذي له شركة مع كنائس أرثوذكسية أخري, يعني أنه قانوني وأرثوذكسي, أما لو كان ليس له, عندئذٍ يجب أن نُبعِده.
الأساقفة يرسمون كهنة وشمامسة لخلاص البشر. إنهم قادة شعب الله الذين يخدمون الشعب لكي يصلوا إلي الفردوس, إلي أرض الموعد. مثلما موسي العظيم قد قاد ببركة الله الشعب إلي أرض الموعد, نفس الأمر يفعل أيضًا الإكليروس. يقودون الشعب إلي الفردوس.
لأجل هذا يتطلب التوقير والأحترم للإكليريكيين. لا نستطيع أن نقول أُحِب الكنيسة لكن لا أريد أن تكون لدي علاقة مع الإكليروس. هذا يمثل شيزوفرينا روحية. الإكليروس يعمدوننا, يمسحوننا, ويُطعموننا بسر الشركة الإلهية, نعترف عندهم ويتوجوننا وعامةً يعملون كل الأسرار. بالتأكيد, يجب أن نقول أن الإكليريكيين يعملون هذا العمل بنعمة وبركة الله وليس بقدراتهم الخاصة. أثناء تسبحة الشاروبيم يصلي الأسقف أو الكاهن للمسيح: "أنت هو المُقدِّم والمُقدَّم, العَاطي والمُعطَّي أيها المسيح...". يصلي الإكليروس للآب أن يقدس التقدمات الكريمة, يرسل الآب الروح القدس ويحول الخبز والخمر إلي جسد ودم المسيح وبواسطة الكاهن تُقدَّم هذة الاسرار إلي الشعب.
أيضًا, الكنيسة هي شركة القديسين, مجمع الملائكة والبشر, السمائيين والأرضيين. هكذا, الكنيسة تٌميز إلي كنيسة مجاهدة وكنيسة منتصره ( اعضاء الكنيسةالمنظورة وغير المنظورة – المترجم ). ينتمي كل المعمدين والمؤمنين إلي المنتصره, أي كل الذين تعمدوا ويحفظون نعمة المعمودية المقدسة مشتعلة والقديسون ينتمون إلي المنتصره.
لا يُسمِي الناس الطيبين بأنهم قديسيون بل أولئك الذين يشتركون في معاينة وقداسة عمل الله. الله بفعله الخلاَّق خَلق العالم, بعمله المُحَّي وفعله القيادي يقدسه. بالفعل الإحيائي والقيادي لا يخلص, أي ليس كل الذين خُلقوا سوف يخلصون. لكن يخلصون الذين يشتركون في فعل الله الإلهي. ولكي يشتركوا في هذا الفعل يجب أن يطهروا أولاً القلب من الشهوات, أي الحاجة إلي تهيئة وإستعداد.
والدة الإله θεοτόκος تحتل مكانة مركزية في الكنيسة, التي أعطت جسدها للمسيح. تُدعَّي والدة الإله لأنها ولدت من الروح القدس الله بحسب الجسد, الأقنوم الثاني للثالوث القدوس. أي لم تَلِد إنسان صالح وفيما بعد صار نبي عظيم نال نعمة الله وصار إبن الله. كلمة الله كان الله وقبل الحمل أيضًا وبعد الولادة من كلية القداسة. كُلية القداسة وصُفت بأنها دائمة البتولية كانت عذراء قبل الولادة وأثناء الولادة وظلَّت عذراء بعد الولادة. واحد هو الوسيط بين الله والإنسان وهذا هو المسيح. كُلية القداسة هي وسيطة بيننا وبين المسيح. نحن نحب كلية القداسة لسببين. الأول, لأننا نحب المسيح والثاني, لكي نصل إلي محبة المسيح. هكذا, محبتنا تجاه كُلية القداسة إما نتيجة أو هي طريق للمحبة تجاه المسيح.
يوجد في الكنيسة المنتصره قديسون. وهؤلاء هم الأنبياء وأبرار العهد القديم والرسل والقديسون عبر كل الأزمنة. ثم بعد ذلك ينضم الشهداء الذين أعطوا شهادتهم ونالوا الشهادة لأجل المسيح, الذين تنسكوا في الأديرة والبرية من أجل المسيح, والمتزوجون الذين حفظوا إرادة المسيح في العائلة. يوجد قديسون من كل فئات الشعب الإجتماعية, من كل الأعمار, من كل الأمم ومن كل العصور. وهذا يُظهِر إنه لا نستطيع أن نتعلل بأن اليوم الخلاص والقداسة هي مستحيلة. الهدف الأعمق للإنسان هو أن يصير قديس.
عند هذا الحد نستطيع أن نشير إلي سيرة الحياة, حياة وتعليم بعض القديسين الذين لهم علاقة بالبلد التي أتي منها الموعوظ, بالعمر الذي فيه, بالوظيفة التي يمارسها. الشرح الموسع يجب أن يكون للقديس الذي أحب بالحري وسوف يأخذ إسمه ويُلقَّب بعد المعمودية. هذا هو الأهم, لأنه سوف يُظهر أن الخلاص هو ممكن في كل عصر.
أسئلة العظة الخامسة
1ـ هل الإكليروس هم ممثلون عن المسيح؟
لا, ليسوا ممثلين أو نواب, بل سر حضور المسيح الحسي, هم مثال ومكان للمسيح.
2ـ ما هي درجات الكهنوت؟
ثلاثة, الأسقف والكاهن والشماس.
3ـ بماذا يتآلف التعاقب الرسولي؟
يتآلف في إستمرارية نعمة الكهنوت من الرسل حتى اليوم وفي حفظ الحق.
4ـ ما هو عمل الإكليروس؟
أن يشفوا الناس وأن يتمموا أسرار الكنيسة.
5ـ ما هي الكنيسة المجاهدة والكنيسة المنتصرة؟
الكنيسة المجاهدة تتكون من المسيحيين الذين يحيون ويجتهدون لكي يتحدوا بالمسيح والمنتصره تتكون من القديسيين الذين رقدوا ويحيون في ملكوت الله.
6ـ مَنْ هم الذين يُدعون قديسون؟
الذين يشتركون في شركة فعل الله الذي يقدسهم ويجعلهم شركاء الطبيعة الالهية.
25ـ من هو "النبي" في العهد الجديد
الاب رومانيدس – ترجمة د جورج عوض
يقول بولس الرسول: "فوضع الله أُناسًا في الكنيسة أولاً رُسلاً ثانيًا أنبياء ثالثًا معلمين ثم قوات وبعد ذلك مواهب شفاء أعوانًا تدابير وأنواع ألسنة" (1كو28:12). متأخرًا ساد الرأي بأن النبي عند بولس الرسول كان أسقف الكنيسة للمسيحين الأوُل. إذن لدينا: الأول: الرسل، بعد ذلك، الأساقفة ثم الكهنة الذين بحسب هذا الرأي هم معلمي الكنيسة.
لو قرأنا الآن الإصحاح الرابع للرسالة الأولي لأهل كورنثوس للرسول بولس، نري أنه كان يوجد في كنيسة كورنثوس أنبياء كثيرون مسيحيون لديهم موهبة الرؤية والنبوة. لأنه يقول: إنه يتحدث الأنبياء في مجموعات أثنين وثلاثة (أنظر 1كو29:14). إذن كان يوجد علي الأقل ثلاثة أنبياء وربما أكثر من سبعة. هنا أنبياء كورنثوس لم يكونوا كلهم أساقفة.
لكن ماذا تعني كلمة أنبياء عند بولس الرسول؟ ماذا يعني، تظهر من حقيقة أن في مرحلة أخري يكتب بولس الرسول أنه لم يُعلَّن بعد سر الله في أجيال سابقة، كما أُعَلِن له، أي كما قد أُعلِن: " الآن لرسُله القديسين وأنبيائه بالروح" (أفسس5:3).
هذا يعني أن المسيح لم يكن قد أُعلِن في العهد القديم مثلما أُعلِن الآن في الرسل وفي الأنبياء. أي هنا لا يتحدث عن أنبياء العهد القديم، بل عن أنبياء الكنيسة. وهذا يعني الآتي:
1ـ الرسول هو ذاك الذي قد أُعلِن له المسيح في مجدٍ. لأجل هذا في إصحاح 15 من الرسالة الأولي لأهل كورنثوس يحصي بولس الرسول كل أولئك الذين ظهر لهم المسيح بعد قيامته، وأيضًا في يوم الخميسين، لأنه لا يجد إختلافًا بين ظهورات المسيح قبل الخمسين وبعد الخمسين.
إذن الملمح الأول للرسول لم يكن فقط أنه كان تلميذ للمسيح قبل صلبه، بل حقيقة أن المسيح قد أعلن ذاته له في مجد بعد قيامته. لأجل هذا يقول الرسول بولس: "وإن كنُا عرفنا المسيح حسب الجسد لكن الآن لا نعرفه بعد" (2كو16:5). لأنه لكي يعرف المسيح بحسب الجسد، يعني أنه كان ينبغي أن يكون لديه تعامل معه قبل صلبه، الأمر الذي لم يحدث مع بولس الرسول. إذن لا نعرف المسيح بعد صلبه وقبره وقيامته بحسب الجسد بل بحسب الروح. أي نري المسيح ذهنيًا (قلبيًا) بعيون النفس وكذلك في مجد بحسب خبرة الإتحاد والشركة.
2ـ النبي هو أيضاً الذي قد أُعلِن له المسيح. إذن يظهر المسيح بعد قيامته، ويظهر في مجدٍ ، وهذه هي الخبرة التي يكتسبها المرء عندما يري المسيح في مجدٍ، يجعله أوتوماتيكيًا رسول أو نبي. هذا يعني أن النبي الذي يتحدث عنه بولس الرسول هو ذاك الذي وصل إلي مرحلة الاتحاد والشركة. وهذا يبدو واضًحا من ذاك الذي قاله الرسول بولس قبل أن يقول ".... فوضع الله أناسًا في الكنيسة أولاً رسلاً ثانيًا أنبياء ثالثًا معلمين ثم قوات..."، إذ قال: "وإن كان عضو واحد يُكرَّم (يُمجَّد) فجميع الأعضاء تفرح معه" (1كو26:12).
علي الجانب الآخر، قد صار مقبولاً أن ما كتبه القديس ديونسيوس الأريوباغي عن الأساقفة، لم يبتعد عن الحقيقة. أي، كما أن النبي عند بولس الرسول هو ذاك الذي قد وصل إلي مرحلة تذوق الشركة. أيضًا من هؤلاء الأنبياء الذي تحدث عنهم بولس الرسول يأتي أساقفة الكنيسة.
القديس نيكيتاس ستيثاتوس Νικήτας Στηθᾶτος يخبرنا بأنه يوجد أناس قد رُسمِوا مباشرةً أساقفة من الله ذاته، بالرغم من أنهم غير معرفون كأساقفة من الناس. لكن هم أساقفة ولديهم سلطة الأسقف الروحية.
يبدو وقتذاك أنه كان يوجد إضطراب في كنيسة كورنثوس ، لأن بعض من الذين كانوا يتكلمون بألسنة التي هي أنواع مختلفة من صلاة القلب الذهنية إعتقدوا انهم كانوا في إستطاعتهم أن يتساووا مع الآخرين. لذلك قال بولس الرسول حاسمًا هذا الأمر، الرسل هم أولاً ثم الأنبياء وبعد ذلك المعلمون وينهي بمَنْ يتكلمون بألسنة.
في إصحاحات 13، 14، 15 من الرسالة الأولي لأهل كورنثوس يفسر بولس الرسول تفسيرًا كاملاً للإكليسيولوجيا الارثوذكسية أي لمفهوم الكنيسة . من هذا يبدو بوضوح أن في كنائس بولس الرسول، كل أعضاء جسد المسيح كانوا مدعوين من الله θεόκλητα
وهذا، لأن الكل قد قبِلوا حلول الروح القدس في قلوبهم. إذن كانوا مدعوين من الله، أعضاء جسد المسيح طالما قد رُسموا من الروح القدس ذاته. ومثلما الرسل وصلوا إلي التمجيد، أي إلي الشركة ، بنفس الطريقة، الأنبياء كانوا أولئك الذين أيضًا قد وصلوا إلي الإستنارة فقط.
أصحاب المرجعيات الدينية ( 2 )
د. جورج عوض ابراهيم
2- التحرر من السُكنى فى كهوف الماضي
طرحنا فى المقالة السابقة سؤالاً فى غاية من الاهمية : متى تصبح الديانة قاطرة للتقدم والرقي ؟
لقد استعرضنا العامل الاول الذي يجعل الدين وسيلة فعَّالة للتقدم والرقي : التغيير الداخلي والجذري للإنسان بحيث يتطهر هذا الانسان من الأطماع والشهوات والسلوكيات المنحرفة ، الأمر الذي يجعلنا نؤكد على ان التحدي الحقيقي لإثبات صحة مذهب أي أحد هو الواقع العملي والممارسة اليومية والتعامل مع الآخرين وليست المجادلات النظرية التي تغذي الفرقة والتباعد والكُره والمقت والخصام والعداوة .....الخ.
العامل الثاني : هو التحرر من السُكنى فى كهوف الماضي والإقامة في الأطر الفكرية القديمة. إن الخطاب الديني الأصولي بعد ثورة 25 يناير مملوء بكلمات ومصطلحات وأفكار تنتمى إلى الماضي السحيق : غزوات – جواري – أهل ذمة – أسيرات - ....الخ لدرجة ان أحد الشيوخ دعا المجتمع إلى الرق والجواري والجهاد لحل أزمة الفقر ، ويقترح أن نغزو مرتين او ثلاثة فى السنة لنحل أزمتنا من الفقر . الغريب كل الغرابة انه توَّحد مع الماضي ونسى انه توجد مواثيق دولية وحدود رسمية للبلاد وتخيل أن الدول ( الكافرة ) التى سوف يغزوها ما زالت تستخدم فى حروبها الجياد والسيوف والرماح وتناسى مدى تقدمهم في كل المجالات ومنها الاسلحة والعتاد والطيران والتخطيط وأننا نقترض ونشترى منهم الاسلحة وهم يدربوننا عليها. هكذا عجز هذا الخطاب الديني على التواصل مع العالم المحيط الذى يتبنى بنية فكرية حديثة مثل : المواطنة ، قبول الآخر ، الحرية والعدالة بمفهومهما المتقدم والحديث ، والمواثيق الدولية ، والتعاون المشترك في كل المجالات ، على سبيل المثال : مجال الطب ‘ فهذة البلاد متقدمة فى هذا المجال وهذا واضح من الأجهزة الطبية التي تكتظ بها مستشفياتنا والواردة من هذة البلاد التي يطالبنا هذا الشيخ بغزوها ناهيك عن الأدوية وطرق العلاج والابحاث المستمرة للقضاء على الأمراض ونحن نكتفي بالأنتظار والمشاهدة والعودة إلى كهوفنا القابعة في هوة الماضي السحيق .
المجتمع المتقدم لا يُبنى بالعودة إلى الماضي . طبعاً هناك فرق بين ثوابت الخطاب الديني التى يجب ان يحترمها كل إنسان والمتغيرات التي تحدث بفعل الزمن والتطور وتغير الظروف والأفكار والمفاهيم ، فالزمن ليس ساكن بل متحرك ويحمل معه المتغيرات والرؤى ومفاهيم مغايره . الأمر الهام هو ان لا نجعل كل ما في الماضي الديني ثوابت ونحاول ان نجمد الزمن ونوقف حركة التاريخ . هذا انتحار للمجتمع الذي يُلقي نفسه في هوة الماضي السحيق، مثل أهل الكهف الذين ناموا ازمنة عديدة ثم استيقظوا لكى يتعاملوا مع الناس بنفس العملات القديمة التي دُفنت معهم ونفس الأفكار القديمة البالية ثم يتسائلون متحيرين لماذا لا يفهمهم الناس؟
التسلح بالأطر الفكرية القديمة هى أحد الأسباب القوية لعودة المجتمع إلى الخلف وإنغماسه في مآزق لا يستطيع فيها ان يواجه المجتمع الدولي بكل تقدمه وحداثته ورُقيه ، مما يجعله ينحاز للأقصاء والقتل والتهديد والمقاطعات وغيره. الواقع يُثبت فشل المجتمع المقيم فى كهوف الماضي فى مسايرة التقدم العلمي والتكنولوجي وحركة التغير الثقافي والإجتماعي التي نشاهدها فى العالم المتقدم. إذن لكي تتقدم شعوبنا لا بُد من التدين المستنير الذي يدفع أفراد المجتمع الذين نالوا تغيراً جذرياً وتطهيراً داخلياً إلى المحبة وقبول الآخر وتفعيل قدرات أفراد المجتمع للبناء والبحث والعمل والابتكار والابداع . هذا هو التحدي الحقيقي لكل مذهب لكي يُثبت مدى أصالته وفاعليته وجدارته بعيداً عن الثرثرة الكلامية . ( يتبع )
العظة الرابعة
الكنيسة ودورها
المطران ايروثيوس فلاخوس – ترجمة د جورج عوض
1ـ الكنيسة هى الفردوس الجديد
2ـ خارج الكنيسة يوجد ضلال
3ـ الرجوع إلي الفردوس
4ـ الأسرار الثلاثة المحورية
5ـ الكنيسة هي الجسد الحقيقي للمسيح
لأن حياة الإنسان الحقيقية تُوجد بالقرب من الله, لأجل هذا كان يجب على الابن الضال أن يرجع إلي بيته. لقد قلنا حتى الآن إن البيت هو الفردوس وشركة البشر مع الله. بعد السقوط, هذه الشركة صارت في الكنيسة التي هي الفردوس الحقيقي. بالتالي الإنسان الساقط يجب أن يرجع ثانيةً إلي بيته, الذي هو الكنيسة. ثم بعد ذلك, سوف نري البُعد الإكليسيولوجي والإفخارستي لمَثَل الإبن الضال, كما حلله القديس يوحنا ذهبي الفم.
هذا التحليل هو للمسيحيين وللموعظين, وبالتحديد تجاه هؤلاء الذين يتهيئون لأن يتعمدوا, والمدعوين المستنيرين. لأجل هذا السبب لدي هذا التحليل محتوي إفخارستي. إنه من المعروف أن فترة الصوم الاربعينى تهيئ الكنيسة بتركيز الموعظين لكي يقبلوا المعمودية. يقول القديس يوحنا ذهبي الفم أنه يجب أن نري محبة الله للإنسان خاصةً في هذه الفترة وللفائدة العامة ولأجل النجوم المستقبلية التي سوف تشرق من جرن المعمودية المقدس. المعمدون القادمون من جرن المعمودية يُدعوَّن نجوم لأنهم يُنيرون بواسطة نعمة الروح القدس. الشمس المنيرة هي الله والمعمدون يقبلون النور الذهني لشمس البر.
هناك حيث لا يُزرع قمح التعقل وكرمة الإنضباط يسود الفقر المدقع, والقحط الشديد. هذا لأن خارج البيت الروحي الذي هو الكنيسة يوجد جوع وحرمان روحي. مَنْ يشعر بهذه الحقيقة يقرر أن يرجع مرة أخري إلي بيته الذي هرب منه. الأب محب البشر ينتظره, والذي هو مستعد أن يظهر محبته ورأفته. ليست قضية تبادل تجاري, لكن إنسكاب المحبة للبشر. بالطبع, هذه المحبة والشركة تصير بأسرار الكنيسة. وكل الأوامر التي أصدرها الأب بعد رجوع إبنه تُظهر هذه الحقيقة: "فَقَالَ الأَبُ لِعَبِيدِهِ: أَخْرِجُوا الْحُلَّةَ الأُولَى وَأَلْبِسُوهُ، وَاجْعَلُوا خَاتَمًا فِي يَدِهِ، وَحِذَاءً فِي رِجْلَيْهِ، وَقَدِّمُوا الْعِجْلَ الْمُسَمَّنَ وَاذْبَحُوهُ فَنَأْكُلَ وَنَفْرَحَ، لأَنَّ ابْنِي هذَا كَانَ مَيِّتًا فَعَاشَ، وَكَانَ ضَالاًّ فَوُجِدَ. فَابْتَدَأُوا يَفْرَحُونَ" (لو22:15ـ24). الحُلة التي أمر الأب أن يلبسوه إياها هي الحُلة الروحية التي صُنعت من نار الروح القدس. هذه الحُلة نُسجت في ماء المعمودية وتُظهِر أن الإنسان البعيد عن الله قد عُرَّي وفقد جماله. نعمة الله ألبسته وزينته بالمعمودية، يلبس المرء نعمة الله : "أنتم الذين إعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح". أيضًا بالمعمودية تتنقي صورة الله فى الانسان والتي أسودت وإظلمت بالسقوط.
الخاتم الذي لبسَّه في يده يُظهِر العربون الروحي وأنه يُلبَّس بواسطة الروح القدس. إنه مثال للتبني.إن كل أعداء الله يُخافون اللابس لهذا الخاتم. الخاتم يدل على الشركه مع الله, ويدل على ان لابسه هو إبن لله بحسب النعمة.
الحذاء الذي ألبسوه إياه في رجليه هو قوة الله, حتى لا يجد الشرير عقبه عاري ويضربه ثانيةً, فهذا المعمد يدوس علي التنين ويسحقه.
العجل المسمن هو المسيح ذاته الذي ذُبِحَ لأجل الجنس البشري, إنه "حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يو29:1). هذا يرمز للإفخارستيا حيث الإنسان يبتهج روحيًا ويحصل من جديد علي الحياة ، لأن خارج الكنيسة والإفخارستيا يُوجَد عالم السقوط والفساد.
بحسب نيقولا كاباسيلاس, ثلاثة هي الأسرار الأساسية التي تُكوَّن الحياة الروحية. الواحد هو المعمودية, الآخر هو المسحة والثالث هو الإفخارستيا. بالمعمودية يصير الإنسان روحيًا طالما جرن المعمودية هو الرحم الروحية للكنيسة. ومثلما في رحم الأم نحصل علي الحياة البيولوجية, هكذا أيضًا في رحم الكنيسة, الجرن المقدس, نحصل علي الحياة الروحية. المسحة هي الحركة التي تفعَّل النعمة التي نأخذها بواسطة المعمودية المقدسة. لا يحتاج فقط أن يُولَّد المرء بل أيضًا أن يحيا بعد الولادة. هذا يصير بواسطة المسحة المقدسة. والإفخارستيا هي الحياة, طالما نتناول جسد ودم المسيح.
إعتمدنا ومُسحنا حتى نستطيع كأعضاء الكنيسة أن نشترك في الأسرار المقدسة ونحيا. لأنه بعد المعمودية المقدسة يجب أن يتبعها الإفخارستيا والتناول أو الشركة الإلهية. الإفخارستيا هي مركز لكل الأسرار وكل الحياة الكنسية. إنها تُظهِر أن الكنيسة هي جسد المسيح. قال أحد الفلاسفة الماديين إن الإنسان هو ما يأكله. بهذا أراد أن يرفض الميتافيزيقية وكل نظرياتها ويشدد علي أن الحقيقة الوحيدة هي المادة. نستطيع أن نقبل هذا التعبير بمفهوم أنه عندما يأكل الإنسان فقط الغذاء المادي فهو إنسان جسدي ومادي.أما عندما يأكل الطعام الروحي, أى جسد إبن الإنسان فهو يصير إنسان روحي, أي ناضج وكامل.
القديس يوحنا ذهبي الفم وهو يحلل البعد الإفخارستي لمثل الإبن الضال, في النهاية يوجه نصائح للمعمدين وللمستنيرين الموجودين علي أعتاب المعمودية. ينصحهم أن يرفضوا أي فكر غريب ويوجهون نفوسهم تجاه العريس السماوي لكي يستمتعوا بنعمة الروح القدس, ويصف المسيح الذي ينتظر هؤلاء بأنه الفادي والطبيب الذي يعطي دواء الخلود حيث الحُلة الروحية تنتظرهم من الآب والإبن والروح القدس, طوبي للمستحقين أن يلبسوا هذه الحُلة.
هنا نجد الفرصة لكي نشدد علي أن الكنيسة ليست منظومة بشرية, ولا هي منظومة إجتماعية أو جمعية خيرية بل الجسد الإلهي الإنساني للمسيح. توجد في الغرب نظرية مفادها هي أن جسد المسيح السري والذي أعضاءه هم المعمدون يختلف عن جسد المسيح الحقيقي الذي هو الخبز الإفخارستي الذي يُوجد علي المائدة المقدسة. لكن في الكنيسة الأرثوذكسية لا يوجد مثل هذا التمييز. نشدد علي أن الكنيسة هي جسد المسيح الذي هو في نفس الوقت الجسد الذي أخذه من كلية القداسة, ألهة وأقامة, الخبز الإفخارسيتي الذي يُوجد علي المائدة المقدسة والقديسون الذين يمثلون أعضاء جسد المسيح. هكذا ندرك جيدًا القيمة العظمي لأن يكون أحد مسيحي, عضو لجسد المسيح. بهذه الرؤية نشعر بالعطية العظمي والمعموديةوللإفخارستيا.
بالمعمودية تصير أعضائنا أعضاء جسد المسيح. هذا يعني أن كل خطية شخصية لها ثقل خطير . بولس الرسول يقول عندما نخطئ, نخطئ للمسيح حيث أننا أعضاءه. نحن لا ننتمي إلي ذواتنا بل للمسيح, الذي قدسنا وضمنا إلي ذاته. مثلما هي خطية أن ندوس جسد المسيح الذي يُوجد في الكأس المقدس, مثلما خطية هي أن ندوس ونحتقر خبز القربان (بيت القربان), نفس الأمر خطية هي أن نخطئ بأعضائنا التى هم أعضاء جسد المسيح.
يجب أن نشعر بأن الكنيسة كبيت للإحتفال حيث يُذبحَّ العجل المسمن والإبتهاج الروحي لكل البشرية "إجتماع السماء والأرض".
الأسئلة والأجوبة
1ـ ما هو الفردوس الجديد؟
الكنيسة الأرثوذكسية بواسطتها نصل إلي حياة الشركة مع الله.
2ـ كيف يُفسَّر مثل الإبن الضال من القديس يوحنا ذهبي الفم فيما يتعلق بمعمودية الموعظين؟
البيت هو الكنيسة. الحُلة هي نعمة الروح القدس. الخاتم يُظهِر العربون الروحي وأنه يُلبَّس بواسطة الروح القدس. والخاتم يعلن البنوة. الحذاء هو قوة الله حتى لا يُضرَّب الإنسان من الشيطان في عُقبه. العجل المسمن يشير إلي الإفخارستيا. والإحتفال هو فرح الكنيسة لرجوع الإنسان إلي الفردوس.
3ـ ما هي الأسرار المركزية للكنيسة؟
المعمودية والميرون والإفخارستيا.
4ـ أين تبدو قيمة الإفخارستيا؟
هي مركز كل الأسرار, نحن نأكل جسد المسيح ونشرب دمه.
5ـ ما هي الأسرار الأخري؟
الإعتراف والكهنوت والزواج وسر مسحة المرضي.
6ـ ما هي الكنيسة بحسب التعليم الأرثوذكسي؟
هي جسد المسيح ( الذي أخذه من كلية القداسة ) وشركة القديسين.
أصحاب المرجعيات الدينية (1)
د. جورج عوض إبراهيم
يتباري عدد ليس بقليل من الأحزاب المؤسسة حديثًا علي التأكيد التكتيكي والمزايدة علي المرجعية الدينية لكي يقتربوا من الناس علي أساس الدين ويستخدموا نفس السلاح المستخدم في الأحزاب المنبثقة من الحركات الدينية. وبالطبع بينما كل هذه الأحزاب تدَّعي الليبرالية إلا أنها تؤكد علي مرجعيتها الدينية, بل إن المرشحين للرياسة يؤكدون علي مرجعيتهم الدينية, وآخر سلفي يؤكد علي أنه ليبرالي جدًا. وطالما أن الكلام لا يكلف شيئًا فكل واحد يتحدث بغض النظر عن معقولية كلامه,فالقانون السائد الآن هو: ألعب بأي ورقة أو بكل الأوراق. المهم أن تعتلي كرسي الرياسة, والبرنامج الحقيقي سوف يأتي فيما بعد, حتي أن رئيس قناة فضائية رشح نفسه للرياسة ولمِا لا مش يمكن تمشي معاه ويكون رئيسًا لمصر. الكل يحلم والكل يطمع في الرياسة دون أن تكون له فكرة صحيحة وصورة واضحة عن العالم المعاصر, بأنظمته وقيمَّة ومواثيقة الدولية وعلومه المتطورة ومصطلحاته الحالية. فأوروبا كانت منذ سنوات قليلة في نظر النظام العالمي الجديد أوروبا العجوز أي التي لا تستطيع أن تتكيف مع تطور الأحداث فكم وكم نحن أمام العالم الحديث, والذي يجعلنا نقلق أكثر أن التيار الديني يري النجاه في التمسك بتشريع النصوص, والرقُي والتقدم - فى رأيهم - يأتي من هذا المنطلق الديني. والسؤال الذي يفرض نفسه بعيدًا عن توصيف الدولة المدنية أو الدينية, أي بغض النظر عن التسميات, هل يمكن للدين أن يكون قاطرة التقدم والرُقي للمجتمع أم لا؟ والإجابة لو كانت نعم, فالسؤال: كيف؟ كيف للرسالة الدينية تدفع الإنسان لكي يصنع حضارة ويتقدم ويتحقق مجتمع حديث فيه تُصان كرامة الإنسان ويتحقق العدل والتقدم والحياة الكريمة؟ الإجابة علي السؤال يأتي من محتوي الرسالة الدينية فمن المعروف أن الرسالة الدينية تنظم علاقة الإنسان بالله وبأخية في الإنسانية وبالكون فالمثلث الذي أمام الرسالة الدينية هو: الله ـ الإنسان ـ الكون، حين تدعو الرسالة الدينية الإنسان ليتصالح مع الله أي تكون له علاقة مع الله وتواصل أو شركة طبعًا بحسب تسمية الدين الذي ينتمي إليه الإنسان, فنحن أمام الرسالة الروحية التي يتميز بها أي مذهب وهذا يتطلب أن يتطهر الإنسان داخليًا من كل الأمور الدنسة, قد تنادي رسالة دينية بأن هذا يحدث بالتوبة والإستغفار وممارسة أركان العبادة, وقد تنادي رسالة أخري بولادة ثانية - بواسطة المسيح - يتم فيها تغيير الإنسان جذريًا. أيًا كانت الوسيلة, وبغض النظر عن تمسك كل دين بحلوله والمناداة بأنها الوسيلة الوحيدة لصُنع علاقة حيَّة مع الله, إلا أن التحدي الحقيقي لإثبات صحة الرسالة هو المجال العملي التطبيقي وليس التنظير والمجادلات النظرية في إثبات صحة الرسالة كما يحدث عبر النت والفضائيات . نقصد هنا المعاملة الحسنة والأعمال الصالحة التي تُعلن ـ بدون ثرثرة كلامية ـ عن النور الموجود بداخل كل إنسان الممارسة العملية للدين لأبد أن يكون لها مردود عملي في الحياة اليومية. فعندما تكتظ شوارعنا بالزبالة والأوساخ وترتاح عيوننا بالنظر إليها دون فعل أي شيء, عندما نخالف كل ما يميله علينا ضميرنا وبصيرتنا وإيماننا الديني ونسعى للكسب ببناء عمارات شاهقة دون عمل حساب للشوارع ولا لراحة البشر ولا للصرف الصحي ولا مكان لجراج للسيارات, عندما لا نتعامل بلطف مع بعضنا البعض, عندما نعطل في مصالحنا الإدارية شغل الناس ونطلب رشاوي ولا نؤدي عملنا كما يجب, عندما لا نراعي حق الطريق والجار , عندما تحدث مثل هذه الأمور وأكثر من ذلك من غش وخداع ومنتجات بنوعية رديئة لا يحترمها الناس داخليًا وخارجيًا, ثم بعد كل هذا نتشدق بإيماننا ونفتخر به ونموت لأجله ، فنحن نخدع انفسنا ، إذ تحوَّل الايمان علي أيدينا لبنود نظرية نرددها. ونريد من الآخرين إحترام إيماننا ورموزنا وعقيدتنا ونحن أول منْ يهين إيماننا. هل الإيمان هو الذي دفعنا لكي نخنق أنفسنا ونتزاحم في مساحة صغيرة من الأرض ولدينا مُدن جديدة تحولت إلي منتجعات وأماكن لقضاء فترات ترفهية ثم الرجوع إلي الزحام مرة أخري. هل الإيمان هو الذي يدفعنا للجشع والكسب غير المشروع وإكتناز الأموال. هل الإيمان هو الذي دفعنا كى يكون حال الأغلبية من شعبنا في المناطق العشوائية لا يحصلون علي الحد الأدني من الحياة: مسكن ـ وماء ـ وطعام ـ ولبُاس. هل الإيمان هو الذي يدفعنا لكي نغش كل شيء: أدوية, أطعمة, ملابس, أجهزة,...الخ. هل الإيمان هو الذي دفعنا لأن نطبق النظام الرأسمالي والإقتصاد بهذه القسوة دون مراعاة حقوق شعوبنا الفقيرة. إذن الخطوة الأولي ليكون الدين أو الرسالة الدينية هي قاطرة التقدم والرُقي هي تحقيق الرسالة الروحية التي تغير الإنسان داخليًا بطريقة عملية يراها الجميع في الحياة اليومية وليصبح رموز هذه الرسالة قدوة عملية في حياتنا ليكونوا أول الناس الذين نري فيهم تجسيد لهذه الرسالة الروحية والتغير الداخلي. هنا المنافسة الحقيقية في الميدان العملي, أنت تنادي بصحة مذهبك, دعني أراك في حياتك وتصرفاتك, دع هذا هو الدليل وليس النقاش النظري والجدلي.
(يتبع)
24ـ ما هو العمود الفِقرَي للتقليد الأرثوذكسي؟
الاب رومانيدس – ترجمة د جورج عوض
لدينا في أيدينا كنز هو تعليم التقليد الأرثوذكسي الذي هو بهاء ونتيجة للخبرات الأبدية التي تتكرر وتتجدد وتُسجل بواسطة القديسين شركاء الطبيعة الالهية فى كل عصر. لدينا خبرات البطاركة والأنبياء وبعد ذلك خبرات الرسل والتي ندعوها كلها تمجيد. ويُمجَّد النبي يعني أنه يري مجد الله ، يُمجَّد الرسول يعني أن الرسول يري مجد المسيح والرسول حين يري مجد المسيح يتحقق من خبرته الذاتية بأن مجد المسيح في العهد الجديد هو مجد الله في العهد القديم. إذن المسيح هو يهوة العهد القديم، المسيح هو إلوهيم العهد القديم.
بالنسبة للروح القدس، ماذا يكون ـ لأنه ليس واضح في العهد القديم ـ يتحقق من خبرة الرسل. لأنه بالنسبة لهؤلاء يصير تكرار لخبرة الأنبياء بإختلاف أن الرسل مُجدَّوا بعد التجسد، والتلاميذ الثلاثة في التجلي علي جبل طابور، بل الكل إمتليء يوم الخمسين حيث وصلوا إلي أعلي قمة للتمجيد، الذي يمكن أن يصل الإنسان في هذه الحياة.
لدينا بعد الرسل خبرات القديسيين شركاء الطبيعة الالهية الذين هم آباء الكنيسة. هذا التعاقب لخبرة الشركة يستمر حتى اليوم. إذن هذه الخبرة هي العمود الفقري للتقليد الأرثوذكسي، كذلك أيضًا أساس المجامع المحلية والمسكونية، وقوانين الكنيسة والحياة الليتورجية للكنيسة حتى اليوم.
بالتالي، لو عُضِدَ المعلم الأرثوذكسي اليوم، بمعني لو صار دارس للتقليد الآبائي، ولو هو ذاته مَرَّ في مرحلتي التطهير والإستنارة ثم وصل إلي الشركة ، وتيقن هو ذاته بواسطة الروح القدس من حقيقة هذا التقليد، عندئذٍ فقط نستطيع أن نقول أنه إكتسب الموضوعية في منهجة اللاهوتي.
23ـ عن الموضوعية περί ἀντικειμενικότητοςفي البحث وفي التعليم اللاهوتي
الاب رومانيدس – ترجمة د جورج عوض
ماذا نقصد حين نقول، الموضوعية في البحث؟ الموضوعية في العلوم الوضعية، تُكتسب بالملاحظة والتحليل. علي سبيل المثال، كيف تعلمنا أنه توجد مائة ألف كروموسوم في الخلية الواحدة؟ لاحظناها بميكروسكوب إليكتروني، صورناها وتم معرفة عددها (حديث الأب رومانيدس كان عام 1983 والآن حدث تطور هائل في هذا الموضوع).
نفس الأمر يصير بالنسبة لعِلم النجوم، أي مع العالم الكبير. قبل عام 1936م كل علماء النجوم إعتقدوا أنه كان يوجد مجرة واحدة فقط. لكن اليوم (1983م) علماء النجوم يعرفون بالتلسكوب الراداري أنه توجد علي الأقل 100 مليون مجرة في الكون! أي يري المرء ويتحقق بواسطة خبرة الملاحظة هذه الموضوعية التي توجد في العلوم الوضعية والتي تأتي من الملاحظة، الإختبار والقياس، هي العمود الفقري للعلوم الوضعية. ملمح موضوعية العلوم الوضعية هذه هو التكرار وإعادة المحاولة للتأكد من النتيجة. أي علماء كثيرون في أماكن مختلفة من العالم يستطيعوا في نفس الوقت أن يتحققوا من ذاك الذي سبق وإكتشفه أحد زملائهم. أي المعرفة العلمية تقبل التأكد وإعادة التحديد من علماء آخرين في مكان وزمن مختلف. إذن شهادة الكثيرين والوثائق العلمية هي تلك التي تُنشيء وتحدد الموضوعية في العلوم الوضعية.
الآن في اللاهوت الآبائي ماذا يمكن أن تكون الموضوعية وكم يمكن أن تختلف عن الذاتية؟ التعاليم اللاهوتية المختلفة التي تُستخدم اليوم في الأرثوذكسية، هي ببساطة تقديرات لما هو التقليد الآبائي. التقديرات الذاتية. لكن كيف يمكن للمعلم اللاهوتي الأرثوذكسي اليوم أن يكتسب الموضوعية في تعليمه؟ لأن المشكلة هي الآتي:
لأن اللاهوتي الأرثوذكسي لديه إيمان أرثوذكسي منذ الصغر، عادةً يقبل كأمر مسلم به حقيقة إيمانية. أي لأن المسيحي الأرثوذكسي، مسبقًا يؤمن، يقبل المسيح، يقبل تعليم المسيح كتعليم حقيقي، يقبل تعليم آباء الكنيسة، يقبل قرارات المجامع المحلية والمسكونية، يقبل قوانيين الكنيسة...الخ. إذن اللاهوتي الأرثوذكسي اليوم كيف تحت مثل هذه الأسس يمكن أن يكتسب الموضوعية في المنهج اللاهوتي؟
هذه هي المشكلة الأساسية اليوم. (يتبع)
العظة الثالثة
الإنسان والسقوط
المطران إيروثيوس فلاخوس- ترجمة د جورج عوض
1ـ الكلمة بحسب الطبيعة هو إبن الله, بينما البشر بحسب النعمة هم أبناء الله.
2ـ خلق العالم
3ـ الإنسان بحسب صورة الله ومثاله .
4ـ الفردوس القديم (الأول)
5ـ سقوط الإنسان
6ـ نتائج السقوط
بعد التحليل اللاهوتي لمثل الإبن الضال, أي بعد كل ما قلناه عن الله, من الضروري أن نمضي أيضًا للتحليل الإنثروبولوجي لهذا المثل. سوف يُظهِر لنا قيمة الإنسان وما هي الحياة الحقيقية.
أب المثل لديه إبنان. هذا يستلزم الولادة وقرابتهما والأثنان ظلَّوا في البيت وتمتعا بخيرات أبيهما.
الله يُدعَّي آب في علاقته مع إبنه الوحيد, لكن أيضًا آب في علاقته مع الإنسان. لكن توجد أربعة إختلافات بين الأثنين. الآب وَلَدَ الإبن قبل كل الدهور, بينما خَلَقَ الإنسان في الزمن. والإنسان هو إبن الله لكن بحسب النعمة, بينما الأقنوم الثاني للثالوث القدوس هو الإبن بحسب الطبيعة.
نستطيع أن نستخدم مثال لكي يصير هذا الأمر أكثر إدراكًا. رسام رسم لوحة فنية والتي هي إبداعة الفكري, عمله الخاص, وبطريقة ما هذه اللوحة هي بمثابة إبنه, لأنها تعبر عن أفكاره ومواهبة. لكن في نفس الوقت يلد أيضًا إبن. هكذا, أبدع لوحة بينما وَلدَ إبن. نفس الأمر, بقياسات موازية, يحدث أيضًا مع الله الآب في علاقة مع الكلمة إبنه ومع البشر.
الله خلق كل العالم. في البداية خَلَقَ الملائكة, المدعون العالم الذهني, ثم خلق في خمس أيام كل العالم الحسي, الكون, والطيور, والأسماك والحيوانات والنباتات...الخ. وبعد ذلك في اليوم السادس خَلَقَ الإنسان الذي يمثل مخلوق ذهني وحسي, أي النفس والجسد. كما يقول آباء الكنيسة, خلق أولاً المملكة, والقصور ثم بعد ذلك خَلَقَ الملك, الإنسان. الإنسان منذ بداية خلقته دُعَّي أن يكون ملك الخليقة.
يُقال في الكتاب المقدس أن الإنسان خُلِقَ بحسب صورة الله ومثالة. بحسب الصورة تخص الذهن والحرية, أي بأن لديه عقل وحرية, بينما بحسب المثال بأنه خُلِقَ لكي يصير بحسب النعمة ما عليه الله . بحسب الآباء, بحسب الصورة تشير إلي طبيعة النفس الثالوثية. كما أن الله هو عقل: اللوغوس وروح هكذا الإنسان لديه عقل والذي هو مركز الشخصية, النطق الذي هو القول الشفاهي واللفظي والذي يُصاغ بالمنطق, والروح التي هي العشق الذهني للإنسان, والقوة التي لديه في داخلة لكي يصل إلي التأليه (تحقيق الشركة مع الله).
هذا يعني أنه نموذج خِلقته, ونستطيع أن تقول أصل خلق الإنسان هو الله وبالحري كلمة الله, الإقنوم الثاني للثالوث. الإنسان لم يصر بمفرده بل لديه نموذج أصلي (أوليَّ) πρωτότυπο.
كأن لدينا فيلم ومنه صورنا صور كثيرة, هكذا نستطيع أن نقول أيضًا عن الإنسان. الفيلم هذا هوالكلمة المسيح والإنسان هو بحسب صورة الكلمة, نُسخ من الكلمة. لأجل هذا يجب أن يتشابه مع أصله ونموذجه, يجب أن يحافظ علي النسخة نقية, لأن غير ذلك لن يتجاوب مع خلقة, وبالتالي يفقد تمامًا قيمته.
بحسب الصورة يُظهر كينونته, أي حقيقة طبيعته, بينما بحسب المثال يُظهِر أين يجب أن يسير ومَنْ هو هدفه. هذا يعني أن الإنسان دائمًا ـ يجب أن يضع في حسابه عظمة أصلة بأنه أمير وشريف الأصل, يأتي من عائلة عظيمة وسامية, كذلك أيضًا يجب أن يجاهد ليتجاوب مع رسالته العظيمة. هدف الإنسان لا يُستنزف في ذاته. بمعني, لا ينبغي أن يهدف فقط إلي الأكل, والشرب والملبس وتهذيب النفس بل يجب أن يكون لديه أهداف سامية. ولا بالطبع هدف الإنسان هو أن يدرس, وأن يعمل لكي يتزوج....الخ. هذه الأمور سوف يفعلها لكي يرضي عن ذاته ويُخدَّم في الحياة هنا, لكن في النهاية هدفه العميق هو أن يصير إله بحسب النعمة. القديس غريغوريوس اللاهوتي حدد هدف الإنسان بطريقة رائعة: الإنسان لديه حياة ويتدبر في معيشته, لكن يسير تجاه الحياة الأخري. هذه المسيرة من الحياة البيولوجية إلي الحياة الروحية يُقال عنها سر. وبالطبع, نهاية السر هو أن يصير بنعمة الله على مِثال الله.
يبدو في المثل الذي درسناه أن الإبنين كانا يعيشان في بيت أبيهما. هذا, بحسب تفسير الآباء القديسين يُظهِر أنه مباشرةً بعد خلق الانسان كان يحيا في بيت الله, أي في الفردوس, ولديه شركة حقيقية مع الله. هذا الفردوس كان حسيًا وذهنيًا, أي مكان خاص, لكن أيضًا علاقة شخصية مع الله. نري في العهد القديم وبالحري في سفر التكوين أن آدم مباشرةً بعد خلقة كان لدية نعمة من الله, لأجل هذا كان يعيش وكذلك حواء مثل الملائكة في السماء.
طلب الإبن الأصغر في المثل نصيبه من الميراث: " فَقَالَ أَصْغَرُهُمَا لأَبِيهِ: يَا أَبِي أَعْطِنِي الْقِسْمَ الَّذِي يُصِيبُنِي مِنَ الْمَالِ. فَقَسَمَ لَهُمَا مَعِيشَتَهُ. وَبَعْدَ أَيَّامٍ لَيْسَتْ بِكَثِيرَةٍ جَمَعَ الابْنُ الأَصْغَرُ كُلَّ شَيْءٍ وَسَافَرَ إِلَى كُورَةٍ بَعِيدَةٍ، وَهُنَاكَ بَذَّرَ مَالَهُ بِعَيْشٍ مُسْرِفٍ. فَلَمَّا أَنْفَقَ كُلَّ شَيْءٍ، حَدَثَ جُوعٌ شَدِيدٌ فِي تِلْكَ الْكُورَةِ، فَابْتَدَأَ يَحْتَاجُ. فَمَضَى وَالْتَصَقَ بِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْكُورَةِ، فَأَرْسَلَهُ إِلَى حُقُولِهِ لِيَرْعَى خَنَازِيرَ. وَكَانَ يَشْتَهِي أَنْ يَمْلأَ بَطْنَهُ مِنَ الْخُرْنُوبِ الَّذِي كَانَتِ الْخَنَازِيرُ تَأْكُلُهُ، فَلَمْ يُعْطِهِ أَحَدٌ " (لو12:15ـ16).
المثل في هذه المرحلة يُشبه تمامًا سقوط الإنسان وإبتعادة عن الله. سوف نري النقاط المحورية.
بحسب القديس غريغوريوس بالاماس, الإبن الأصغر طلب نصيبة من أبيه, الذي يعني أن الخطية هي الأحدث بينما الفضيلة هي الأصل الأول. الإنسان خُلِق من الله طاهر (نقي) بإمكانية أن يصل إلي التأله. لكن الخطية هي الدخيل الأحدث, نتيجة عصيان الإنسان لله والإبتعاد عنه. خطية الإنسان كانت أنه أراد أن يسلب أعمال الله وكان يهدف أن تستمر حياته بحسب إراداته وليس بحسب مشيئة الله. كما يبدو في العهد القديم أراد أن يطيع ذاته وعقله وليس مشيئة الله. بالنسبة له كان مركز كل شيء هو ذاته وشهواته وليس الله. هذا هو جوهر مأساة الخطية الجدية, بل وأيضًا كل خطية أخري.
ونحن نقرأ مَثَل الإبن الضال نلاحظ درجات السقوط, بل وأيضًا مأساة الإبن الأصغر نستطيع أن نسجلها كالآتي: إغتصاب أو سلب أموال, إغتراب, تبذير الثروة, حرمان, عبودية. . يجب في هذا الإطار نري مأساة الخطية علي الأبوين الأولين, وكذلك مأساة كل خطية يرتكبها الإنسان.
عندما يحاول المرء أن يستنزف كل معيشته في حدود حياته البيولوجية ويفسرها عقليًا, يألَفَ الإبتعاد عن الله. تغرَّب الإنسان في كورة بعيدة, وفقد الشركة والإتحاد بالله. منذ خلقته الإنسان لديه نفس وجسد, مرتبطين برباط لا ينفصل فيما بينهما. النفس هي حياة الجسد, بل حياة النفس هي الروح القدس هكذا, الإنسان بدون الروح القدس هو ميت روحيًا. إنه من الواضح جدًا أن أب المثل قال بعد رجوع إبنه: "إبني هذا كان ميتًا فعاش" (لو24:15). هذا يعني أن الإبتعاد عن الله يُنشيء الموت. حقًا, بدون الله الإنسان هو ميت روحيًا يستطيع أن يتحرك ويعمل ولديه مكانة عالية في المجتمع لكن بدون الله كل الأشياء هي ميته والحياة تافة .
القديس يوحنا الدمشقي, وهو يتحدث عن سقوط آدم وحواء, يقول إن الإنسان بالخطية فَقَدَ النعمة الإلهية إظلمَّت صورة الله فى الانسان , عُرَّي من النعمة الإلهية والنتيجه أنه شعر بُعريه أيضًا في جسده ، لقد كانت النتائج رهيبة. ولأنه فَقَدَ النعمة الإلهية أتي الموت, أولاً أتى الموت الروحي, أي إبتعاده عن الله, وبعد ذلك أتى الموت الجسدي, اي الأمراض وفي النهاية الإنفصال بين النفس والجسد.
حياة الإنسان بدون الله, الذي خلقه, هو الحرمان الحقيقي عندئذٍ, لا شيء لديه معني في حياته. لا يُسعده إطلاقًا أي شيء, طالما فَقَدَ نموذجه الأصلي, الله. فقد الانسان المحبة الحقيقية, وأيضًا حُرِم من الحرية الحقيقية. هذا ما يعنيه المثل حين قال أن الابن الاصغر أُستعبد لأُناس تلك القرية التي كانت بعيدة عن منزل أبيه, وهؤلاء يرمزون للشيطان. هذا هو الحرمان الحقيقي للإنسان وعبوديتة. لقد خُلِق لكي يكون أمير, لكى يحيا في القصور الملكية، وللاسف فضَّل أن يبقي عاريًا, رث الثياب, راعي خنازير, أي أُستنزف حياته فقط في قدراته البيولوجية وفي إرضاء أحاسيسه. قُلنا من قبل إن الإنسان بدون الروح القدس هو ميت روحيًا.
القديس مقاريوس المصري يستخدم صورتين لكي يجعل هذه الحقيقية مدركة. الصورة الأولي هي صورة اللحمة بدون ملح. في هذه الحالة تفسد سريعًا وينبعث منها رائح كريهة مرعبة. الصورة الثانية هي صورة العملة التي ليس لديها صورة الملك عليها. مثل هذه العملة هي مزيفة وليس لها مطلقًا أي قيمة. نفس الأمر يحدث أيضًا مع الإنسان الذي ليس لديه في داخله فعل الروح كلي القداسة. ليس هو إنسان طبيعي وليس لديه الحياة الحقيقية.
القديس غريغوريوس النيصي يقول, إن الله هو حياة البشر. لقد قال المسيح ذاته "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو6:14). مَنْ يحيا بعيدًا عن الله لن تكون لديه حياة حقيقية. لأجل هذا حياة الخطأه تُدعي إنها مجرد حياة, لكن في الواقع ليست الحياة الحقيقية هذا يعني أنها حياة مأسوية. يُوجد محبوسًا في سجن الحواس, الفناء والفساد. لا يستطيع أن يُحدق في سماء الحُرية الصافية. يُعذَّب من كل مشاكل الحياة المأسوية. لا يجد أي مهرب. إنه منفي في أرض جرداء ولا يوجد أمل للخلاص, إن لم يرجع بإراداته إلي الله.
الإنسان بعيدًا عن الله هو ضال, يفقد قيمته وجماله. ليس لديه أب, ليس لديه مسكن, ليس لديه محبة, ليس لديه أصدقاء. الكُل يستغله. لأجل هذا, وهو في مرارته ومأساته يطلب الله. رغبة المعمودية تُوجد بالضبط في هذه الرؤية المسبقة προοπτική. إكتساب الحياة التي هي الله ويكون لديه علاقات شخصية مع الله الذي هو نموذجه الأصلي. طلب المعمودية ليس لديه ملمح إجتماعي, لا يجب أن تكون المتطلبات الخارجية والبشرية هى الدافع لطلب المعمودية, لكن يجب أن تكون للمعمودية هذه الرؤية. يريد أحد أن يعتمد لكي يأتي من الموت إلي الحياة, من الهلاك إلي الوجود, من المأسوية إلي السلام, من الكورة البعيدة إلي المسكن الأبوي, من الحرمان إلي الوفرة, من اليُتم إلي الحياة فى كنف الأب.
الأسئلة والأجوبة
1ـ ما هو الإختلاف بين الكلمة بكونه إبن الله ، والإنسان بكونه إبن الله؟
الأقنوم الثاني للثالوث هو إبن بحسب الطبيعة (إبن طبيعي), والإنسان هو إبن بحسب النعمة (إبن بالتبني), علي الجانب الآخر الكلمة هو غير مخلوق (ليس لديه بداية), والإنسان هو مخلوق (لديه بداية).
2ـ ما الذي سبق خلق الإنسان؟
خلق العالم الذهني (الملائكة) والعالم الحسي (كل الخليقة).
3ـ كيف يُدرَّك الإنسان بأنه مخلوق بحسب صورة ومثال الله؟
بحسب الصورة تشير إلي طبيعته, بأن لديه عقل وحرية أو لديه عقل ونطق وروح. بحسب المثال تشير إلي تحقيق الشركة , عندما يتحد بالله.
4ـ مَن هو النموذج الأصلي للإنسان؟
الأقنوم الثاني للثالوث القدوس, كلمة الله, المسيح.
5ـ ما هو هدف الإنسان؟
أن يصل إلي الاتحاد, إلي الشركة مع الله.
6ـ ماذا كان الفردوس؟
كان حسن , أي مكان مبارك وذهني, بمثابة شركة الإنسان مع الله.
7ـ ما هو جوهر سقوط الإنسان؟
عصيان الله, الإبتعاد عنه, والإعتماد علي القدرات البشرية وليس الخضوع لله.
8ـ ما هي نتائج السقوط؟
إظلام الذهن, العُري من النعمة الإلهية, الفساد والفناء, الحرمان, العبودية.
9ـ ماذا يعني أن الإنسان هو ميت روحيًا؟
أنه يحيا بيولوجيًا, وأيضًا ليس لديه الروح القدس, نعمة الله.
10ـ لماذا نعتمد؟
لأننا نرغب في أن نأتي مرة ثانية إلي الفردوس, ونكتسب مرة ثانية الإتحاد بالله ونتخلص من الحرمان والأغتراب.