الاثنين، 30 مايو 2011

سر المسيح القائم
الاب بوريس بوبرينسكوى – ترجمة د . جورج عوض
إن جوهر المسيحية وكل رسالتها تتلخص فى الصرخة الانتصارية للكنيسة ليلة الفصح المقدس : المسيح قام... بالحقيقة قام . بالضبط أعلن يسوع الناصرى ذاته ، فى نور الفصح ، وقدم نفسه للعالم . إن المسيحيين يشهدون بالحرى بموت المسيح وقيامته ، كذلك بالضبط خبرة حضورة فى العبادة والاسرار أثناء إشتراكه معهم وفى منح إحتياجاتهم .
كل التعليم اللاهوتى ، كنز التقليد المقدس الممتد لنحو ألفين عام ، ليس هو شىء إلا القناعة الدائمة ل " الحاجة إلى واحد " ( لو42:10 ) . هذا يسرى على كل مناحى حياة الكنيسة ، سواء ما يخص التعليم اللاهوتى للآباء والمجامع ، او التفسير الكتابى والتعليم الليتورجى والتسبيح المسيحى أو الخبرة الروحية للقديسيين التى هى خبرة رجال الله فى مجملها . سر المسيح هو دائماً وفى كل مكان أساس الواقع المسيحى ، حيث كل رمز للايمان هو مملوء بغنى تقليد الكنيسة .
كل شيىء داخل الكنيسة يشير إلى المسيح وله أهمية : اللغة اللاهوتية ، الأيقونات وأشكال العبادة المختلفة تنظم كل التعليم الخريستولوجى . لأن كلمة الله أخذ ملء الطبيعة البشرية لكى يجددها بذاته ، واللغة البشرية أمكنها منذ ذلك الوقت ان تعبر عن الله وما يخصه . الأشخاص الذين تجددوا بقوة الروح القدس يمكنهم الآن ان يتحدثوا إلى الآب وبالتالى يستطيعون ان يتحدثوا إلى المسيح بواسطة روح الحق والحياة .
يوجد السر الفصحى بفرادته فى قلب سر المسيح وعمله التاريخى للخلاص . هذا هو السر الفريد لذبيحة محبة الثالوث القدوس الذى يعلن ذاتة فى ألم ومجد المسيح ، فى تواضع إبن الله ورفعته ، فى العبور الفصحى من الموت إلى الحياة . الغريب والمدهش هو التباين الحاد لجانبى حياة يسوع – الجانب المتواضع والجانب الممجد ، الموت والحياة – تجدون الحل فى الصليب الظافر ، والقبر المحىّ ، ونزول المسيح الانتصارى إلى الجحيم ، وجروح القائم .
علاوة على اللغة الليتورجية واللاهوتية ، الحياة المسيحية هى ذاتها تتميز بشكل لا يوصف بالأتحاد الأساسى بين الصليب وقيامة المسيح ، وبالأعمال المقدسة للمعمودية وكل الحياة السرائرية التى تُعبر بشكل واضح فى الشركة الافخارستية . الرسالة الفصحية تضمنا لسر فصح الرب ، لموته وقيامته وصعودة وجلوسة عن يمين الآب ، هذة االرسالة تغذينا وتحفظنا فى شركة عميقة مع المسيح مانحة ايانا مواهب الروح القدس الدائمة . بهذة الطريقة الابن والروح القدس يقودونا إلى حركة الشركة ( التأله ) ، إلى المأدبة السماوية التى بالفعل دُشنت لأجلنا بواسطة شركتنا فى المسيح، تعطينا الحياة جسد المسيح ودمه . فى النهاية، سر الموت – الذى هو سر البصخة النهائية يدخلنا مرةً وإلى الأبد فى شركة مع الرب القائم عندما يأخذ جسدنا المائت لباس النور وعدم الفساد . إنتظار هذا العبور بشوق ،يعطى معنى لكل حياتنا كذلك إتباع الباب الضيق الذى يقود إلى ملكوت السموات ، هناك حيث تمجيد القائم يتردد أصداءة إلى الأبد .
الاب بوريس بوبرينسكوى هو استاذ وعميد شرفى لمعهد سرجيوس – باريس ، المقالة منشورة على
موقع الكنيسة الارثوذكسية بأمريكا فى مايو 2008OCA

الجمعة، 27 مايو 2011



19ـ ما هي خبرة الشركة والاتحاد ومعاينة الله ؟
الاب رومانيدس – ترجمة د جورج عوض
لدينا في التقليد الغربي اللاهوت المدرسي للعصور الوسطي الذي يخلط بين المخلوق وغير المخلوق، المتغير وغير المتغير. بالنسبة لهؤلاء صار تطابق بين الأثنين ، فتعاليمهم هي تعاليم أرسطو وأفلاطون.
أرسطو يتحدث عن وجود 49 جزء لا يتحرك وهي طاقة تمامًا ولا تتحرك بمفردها بل يسببون حركة لآخرين. ويُحَرِكون الآخرين بواسطة الجذب، مثل المغناطيس. الحيوية هي تلك التي تحقق الحركة في كل مكان يوجد بواسطة هذه البداية الحية (المجال الحيوي). مثلاً بذرة الشجرة التي هي إمكانية ان تكون شجرة، عندما تقع في الأرض وتجد ظروف مناسبة للنمو، تنبت وتصير طاقة (فعل) شجرة. هكذا البذرة هي قدرة او امكانية ان تكون شجرة، لكن لم تكتمل بعد، لأن نمو مجالها الحيوي في داخلها لم يكتمل (أي تصير كاملة)، اى يتحقق عندما تصير شجرة.
لكن توجد بحسب أرسطو غير المتحركات ακίνητα تتحرك، ولا لديها في داخلها هذه الإمكانية بل هي من طبيعتها طاقة (فعل) تمامًا. وينادي بأنه دائمًا كانت توجد وسوف توجد وتُحَرِك الكل بواسطة الجذب. كل شيء يتغير من الإمكانية إلي الفعل يسير تجاه كماله وقوة الجذب التي تقود هذا الكمال كبداية لها ،فغير المتحركات تُحرَّك τά ἀκίνητα κινοῡντα. هذا ما يقوله أرسطو.
الآن نري عند الأفلاطونيين الحُداث نفس الأفكار بخصوص هذه المواضيع، أقصد أفكار أرسطو. لم ينشغل أفلاطون بهذا الموضوع مما نعرفه. لكن عند آباء الكنيسة نري القديس ديونسيوس الأريوباغي، الذي أُتهم أنه متأثر بأفلاطون والأفلاطونية المحدثة، الذي يقول لنا بوضوح أن الله ليس فقط غير متحرك يُحَرِك، بل هو أيضًا متحرك. أي الله ليس فقط يُحَرِك الكل بل هو ذاته يُحرَّك، أي لدي الله أيضًا عنصر سلبي في داخلة. هذا بالتأكيد قد كتبه ضد أتباع أرسطو والأفلاطونية المحدثة. لكن هذا هو برهان واضح بأن القديس ديونسيوس الأريوباغي ليس لديه أي علاقة مع الأفلاطونية المحدثة بالرغم من أنه إستخدم لغة أتباع الأفلاطونية المحدثة. إذن هذه الفكرة بأن الله ليس فقط غير متحرك يُحَرِك بل أيضًا متحرك والتي هي هرطقة بالنسبة لأتباع الأفلاطونية المحدثة وأرسطو، يعني أن الآباء لم يتفلسفوا، طالما يتخطون مبدأ عدم التناقض. بالنسبة للآباء تعبير أن الله هو غير متحرك يُحَرِك وأيضًا متحرك، يعني أنه لا توجد ترتيبات (مستويات) بشرية تُنسب إلي الله، كذلك لو أن هذا حدث فعندئذٍ نقع في تناقضات منطقية. لكن هذه هي الحقيقة عن الله لا تأتي من الفلسفة بل من خبرة الاتحاد. لماذا؟ لأنه ما الذى يعرفونه الآباء من خبرتهم ؟ يعرفون أن المفاهيم التي نستخدمها عن الله، تبطل عندما نكون أمام الله ذاته، أي تلك الحقيقة التي هي الله ذاته.
بالتالي المفاهيم عن الله، التي نستخدمها هي فقط رسائل لكي تساعد شخص أن يري الله. عندئذٍ، عندما يري أحد الله، الإيمان والرجاء يُبطلا وتبقي فقط المحبة. هذا ما يقوله بوضوح بولس الرسول (أنظر 1كو13:13). أي الإيمان بالله مع مفاهيم هذا الإيمان وكذلك الرجاء بالله مع كل مفاهيم هذا الرجاء، تبطل عندما يري أحد الله، الذي هو محبة . المفاهيم تُستبدل عندئذٍ من منظر المحبوب ذاته. عندئذٍ الإنسان يُمجَّد، أي يري المسيح في المجد ويشترك في مجد المسيح والإتحاد بالله.
الناس عادةً يواجهون أخوتهم في الإنسانية علي أساس الثقافات التي يدركها هؤلاء. علي النقيض، ذاك الذي يتقابل (يتجاوب مع) المسيح، بحسب خبرة الاتحاد، هو ما يعلنه المسيح بطبيعته الإلهية الإنسانية الممجدة، ولا يستطيع هذا الشخص أن يتمسك في ذهنة بأي مفهوم بشري أو معرفة سابقة قد شكلها عن المسيح، لأنه لا يوجد شيئًا مطلقًا في الخليقة المادية وغير المادية،شيء مخلوق مع مجد المسيح غير المخلوق، والذي يراه. فهو يقبل المسيح كما يراه.
ولا يمكن أن يصفه ولا يتحدث عنه بموضوعية. لأنه لا توجد كلمات بشرية تستطيع أن تصف حقيقة المسيح غير المخلوقة، حقيقة طبيعة المسيح الإلهية. وذلك لأنه لا يوجد أي تشابه بين المخلوق وغير المخلوق.
هنا يجب أن نشدد علي الآتي:
خبرة الاتحاد في التقليد المسيحي ليست لها أي علاقة مع أي نوع من الدهش والانخطاف العقلى . ليست هي دهش ولا تعمل بذهنية الإنسان فقط، لأنه وفق خبرة الاتحاد يشترك كل الإنسان وجسده بكل حياته في وظيفتها التامة. الإنسان، عندما يري المسيح في مجده، يُوجد في حالة يقظة تامة. بالتالي عقل أو فكر الإنسان لا يري هذا المجد فقط بل جسد الإنسان يري أيضًا.
لو قرأتم سفر أيوب، سوف ترون هناك أن جسد أيوب رأي الله: "بسمع الأُذن قد سمعت عنك والآن رأتك عيني" (أيوب5:42). بمعني يشترك أيضًا جسد أيوب في رؤية مجد الله. هذه الجزئية هي تقليد عبراني جميل جدًا. أثناء فترة تمجيد الإنسان، أقصد الإنسان أثناء خبرة معاينة الله لا يفقد جسده تواصله مع الوسط المحيط. لكن هذا علي أساس أن الإنسان ـ من خبراته السابقة المثيلة ـ قد إعتاد علي رؤية مجد الله. فقط في البداية أثناء الخبرات الأولي يخرج الإنسان عن إتجاهة ويمكن أن يفقد الرؤية مؤقتًا من شدة بهاء النور غير المخلوق بدون أن يفقد أحاسيسه الذهنية. الجانب العقلى يفكر بشكل عادي، مثلما يفكر أي أحد. لكن أحاسيسة الجسدية يمكن أن تعاني تغير، لأن الإنسان ليس مازال معتاد علي النور غير المخلوق، وعماه المؤقت، كما حدث مع بولس الرسول، عندما رأي للمرة الأولي المسيح الممجد في طريقة إلي دمشق وقتذاك لم يصاب بالعمي بمفهوم أن عيناه دُمرِت، بل أصابه العمي مؤقت من شدة بهاء النور، أقصد نور مجد المسيح. وعندما إستعاد أحاسيسة، عندئذٍ رأي ثانية كالعادة. أي لم يحدث له أي معجزة ورأي مرة أخري. ببساطة لم يري لفترة لأن عيناه قد فقدت مؤقتًا القدرة علي الرؤية من النور المبُهِر.
النور غير المخلوق، عندما يُريَّ، هو أقوي من نور الشمس وله طبيعة أخري. نور التجلي كان نفس الشي. لكن هذا النور ليس هو نور مثل أي نور نعرفه. لماذا؟ لأنه يسمو علي النور!
الإنسان الذي يُوجد في حالة المجد هذه، عندما تعبر رؤية النور، يستمر في صُحبة الناس المحيطون به للفترة التي فيها فعل معاينته للنور مستمر فيه.
هذا ما نراه بوضوح في حياة القديسيين. بمعني نري، عندما يُوجدالإنسان في حالة فوق طبيعة، يستمر في مصاحبة الآخرين حوله بإختلاف وحيد أنه لا يأكل، لا يشرب، لا ينام، لا يذهب لأي إحتياج طبيعي أثناء فترة الحالة هذه، لأنه يُوجد في حالة فوق طبيعيه وتحفظه نعمة الروح القدس في الحياة فقط. بالتالي، لو أن هذه الحالة إستمرت لـ 40 يوم و40 ليلة، كما حدث مع موسي علي جبل سيناء (أنظر خر28:34ـ31)، هذا الإنسان لأيام كثيرة لا ينام، ولا يتعب ولا يأكل ولا يشرب...الخ. أي إنه حُر من كل الرغبات غير الشريرة ἀδιάβλητα πάθη ، رغبات الجسد الطبيعية. وهذا يحدث، لأنه يصير وقتذاك توقف لوظيفة النظام الساقط وكذلك للنوم والإنسان يصير ملاك أرضي ἐπίγειος ἄγγελος. لكن فيما عدا ذلك فهو يتصرف مثل الآخرين.
في التقليد الشعبي وبالحري في القري أثناء فترة الإحتلال التركي لأجزاء من آسيا الصغري، لدينا أوصاف لهذة الحالة حيث كاهن القرية كان يُوجد في مثل هذه الحالة أثناء الليتورجية الإلهية. لكن كان يستمر في القراءة والتسبيح والصلوات وإتمام الليتورجية. لماذا؟ لأنه، في حين أنه أثناء خبرة المعاينة تتوقف الصلاة الذهنية، أي الصلاة القلبية الدائمة، لكن هذا لا يعني أن العبادة العقلية تتوقف إجباريًا، أقصد الصلاة العقلية، الصلاة التي تصير بالعقل، بالفكر، طالما انها تصير لوعظ الآخرين. بالتأكيد بالنسبة لنفس الكاهن الذي يحيا خبرة الاتحاد أثناء الليتورجيا الإلهية لا يحتاج للصلاة العقلية، لكن الآخرين يحتاجونها، الآخرين الذين يتابعون الليتورجيا. هكذا الكاهن يستمر في إتمام الليتورجيا الإلهية ويتممها.
أوصاف التقليد الشعبي هذه يستهزء بها بعض أساتذة اللاهوت في الجامعة، بدون أن يعرفوا أن التقليد الشعبي في هذه المواضيع هو داخل إطار خبرات الإستنارة والمعاينة، ويوجد خلفها تقليد آبائي كامل، يفسر لنا لاهوتيًا هذه الظواهر.
إذن نري في هذه الظواهر انه ليس لدينا أي تطابق بالدهش الذي كان لدي أتباع الأفلاطونية المحدثة، لو وضعنا في حسابنا ما يقوله يوستينوس الشهيد والفيلسوف كمفتاح لتفسير تعليم المدرسة الأفلاطونية الوسيطة. لأنه يوجد الرأي، بين مؤرخي الفلسفة أن الأفلاطونية ليست ديانة ، فالأفلاطونية تدينت بالأفلاطونية المحدثة.
لو قرأنا يوستينوس الشهيد، هناك في "الحوار مع تريفون"، في البداية وصف القديس يوستينوس كيف صار هو نفسه من أتباع الفلسفة الأفلاطونية، كيف وَجِد فيلسوف أفلاطوني كان يعلمه وإنتظر من لحظة للحظة أن يري الله! هذا يعني أن يوستينوس الشهيد، الذي عاش فترة قبل ظهور الأفلاطونية المحدثة، ينشغل بالرياضة الروحية وآمن أن بواسطتها من لحظة للحظة سوف ينتابه الدهش وأنه هكذا سوف يري الله!
هذا يعني أن معلمه لم يكن فيلسوف عادي بل بالحري نوع من الأب الروحي ـ والذي كان يقودة لخبرات دينية والتي بالنسبة لنا ما هي إلا خبرات شيطانية. عند اللاهوتيين الهدوئيين صارت مناقشة كبيرة عن هذه المواضيع. هكذا نري غريغوريوس بالاماس يتهم خبرات الأفلاطونيين الدهشة كخبرات شيطانية. اليوم، لأن هذه المصطلحات، كلمة "شيطانية" لا تعني شيء إيجابي عند البعض، يمكن أن نستبدلها بكلمة ظواهر نفسية وفق مصطلح علم النفس الطبي اليوم، لأنه حقًا هذه الأمور هي أوهام تنتاب الذين يطلبون الدهش العقلى. لكن بالنسبة لآباء الكنيسة كل هذه الأمور هي ظواهر شيطانية تمامًا.

الأربعاء، 25 مايو 2011

المحبة والدينونة
الاب فلاديمير بيرزونسكى عميد معهد سرجيوس باريس ، ترجمة د جورج عوض

" لدينونة أتيت أنا إلى العالم" يو39:9
" لأنى لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم " يو47:12
يبدو ان هناك تناقض ، فالمسيح يقول لنا ، بأنه أتى إلى العالم لكى يدين العالم ، وبعد قليل فى نفس الانجيل يقول ، انه لم يأت لكى يدين العالم بل لكى يخلص العالم . كيف يمكن ان يدين بدون ان يدين أو ان الديان لا يدين ؟ ايضا قبل قوله هدا نقرأ : " الآب لا يدين أحد بل قد أعطى كل الدينونة للإبن " يو22:4 وأربط هدا بالفرز المشهور للخراف فى (مت31:25ـ46) "«وَمَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. 32وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ، فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الْخِرَافَ مِنَ الْجِدَاءِ، 33فَيُقِيمُ الْخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ وَالْجِدَاءَ عَنِ الْيَسَارِ. 34ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. 35لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي. 36عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ. 37فَيُجِيبُهُ الأَبْرَارُ حِينَئِذٍ قَائِلِينَ: يَارَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا فَأَطْعَمْنَاكَ، أَوْ عَطْشَانًا فَسَقَيْنَاكَ؟ 38وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيبًا فَآوَيْنَاكَ، أَوْ عُرْيَانًا فَكَسَوْنَاكَ؟ 39وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟ 40فَيُجِيبُ الْمَلِكُ وَيَقوُل لَهُمْ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ.
41«ثُمَّ يَقُولُ أَيْضًا لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ، 42لأَنِّي جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمُونِي. عَطِشْتُ فَلَمْ تَسْقُونِي. 43كُنْتُ غَرِيبًا فَلَمْ تَأْوُونِي. عُرْيَانًا فَلَمْ تَكْسُونِي. مَرِيضًا وَمَحْبُوسًا فَلَمْ تَزُورُونِي. 44حِينَئِذٍ يُجِيبُونَهُ هُمْ أَيْضًا قَائِلِينَ: يَارَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا أَوْ عَطْشَانًا أَوْ غَرِيبًا أَوْ عُرْيَانًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا وَلَمْ نَخْدِمْكَ؟ 45فَيُجِيبُهُمْ قِائِلاً: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوهُ بِأَحَدِ هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي لَمْ تَفْعَلُوا. 46فَيَمْضِي هؤُلاَءِ إِلَى عَذَابE أَبَدِيٍّ وَالأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ».
عندما يأتى ابن الانسان ، الملك ، فى مجده ويفرز الشعب، بطريقة الراعى، الخراف عن الجداء ، فمن الواضح أنه سوف توجد دينونة وفرز لأولئك الدين هم مدعون لكى يكون لهم نصيب من مجد ملكوت السموات عن هؤلاء الذين سوف يظلوا خارجاً . لكن مَن سوف يقوم بالإدانه ؟ ليس هو الآب بل هو هدف رسالة إبنه . إلا ان إبن الله يسوع المسيح يقول حقاً انه أتى لكى يخلص العالم ، وليس لكى يدين العالم . ولا يوجد تناقض .
تخيل انك مولع بالموسيقى الكلاسكية وفى حياتك تعشق روعة هدة الموسيقى وتسمع دائماً موسيقى الاوبرا العظيمة . ثم بعد دلك قابلت فتاة ووقعت فى حبها ، وأردت ان تعمل لها مفاجأة رائعة بأن تُسمعها أوركسترا فائقة الروعة ومغنيين أوبرا . وحصلت على التداكر بصعوبة وان كلفك هدا ان تدفع اكثر. هكدا اردت ان تشاركك مَن تحبها فى ما تستمتع به فى حياتك . لكن ، للتو حين بدأت الاوبرا ، تململت محبوبتك بعصبية وشعرت بالملل . وانت لم تستطيع ان تستمتع بالحفلة وانت تراها فى ملل وضجر. ليس ما حدث هو خطأ الاوبرا ولا الأوركسترا او المؤديين للغناء . ولم تكن هناك حاجة لسؤالها عن تدوق الموسيقى ولا انطباعها ... أنت لم تدينها ، هى ذاتها قد ادانت نفسها .
قياس المثل على موضوعنا قد يكون ضعيف ، فأنت يمكن ان تُعيد النظر فى اختيار الرفيق غير المنسجم مع اهتماماتك وميولك . انت تستطيع ان تمحو اسمها من قائمة تليفوناتك او تزيل اسمها من تليفونك المحمول وان لا تدعوها لميعاد معها لمرة ثانية . لكن الآب السماوى لا يتوقف ابدا عن حبه لنا بغض النظر عن ضعفنا او غياب الرغبة فى التجاوب مع حُبه لنا . لقد ارسل الآب ابنه الوحيد لكى يقبل الناس دعوتة او يرفضوها . وكل المسيحيين يعرفون التعبير المشهور : " لانه هكدا أحب الله العالم حتى بدل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل مَن يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية " يو16:3 ثم ايضا : " لانه لم يرسل الله ابنه الى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم " يو 17:3 . أتى المسيح كنور لكى يقودنا إلى النور السماوى ؟ لكن يوجد أولئك الذين يفضلون الظلمة عن النور ، لأنهم يصنعون أعمالا شريرة ولا يريدون لأعمالهم ان تظهر فى النور . لقد أختاروا وأختياراتهم ذاتها تدينهم . عندما أقرأ هدة النصوص فى انجيل يوحنا ، تخيفنىلانها مكتوبة ببساطة . فالكاتب يستخدم بوضوح كلمات قصيرة وتعبيرات بحيث ان القارىء يجد صعوبة فى التظاهر بأنه لا يفهمها . وهدا التظاهر الدى يبديه هو ايضاَ الدينونه .
OCAالمقالة منشورة على موقع الكنيسة الارثوذكسية فى امريكا بتاريخ 22 فبراير 2009

الاثنين، 23 مايو 2011



17ـ عن أفكار ومفاهيم الإنسان
18- ما هي العقيدة الأساسية للتقليد الآبائي؟
الاب رومانيدس – ترجمة د جورج عوض


ما هو أصل الأفكار والمفاهيم في الإنسان؟ صار هذا السؤال محل جدل في الفلسفة اليونانية القديمة وحتى اليوم، ما إذا كانت المفاهيم والكلمات في الإنسان محددة مسبقة في الإنسان أم هي شيء يكتسبه كل واحد علي حدة، هذه المشكلة نراها بوضوح عند أتباع أرسطو.
بعد ذلك، في العصور الوسطي، أُعِيد فحص الموضوع. هكذا وصلنا إلي عصر التنوير وهكذا نمضي حتى العصر الحديث.
اليوم العلوم الوضعية قد أخذت علي عاتقها هذا الموضوع. نري علماء النفس وعلماء الطب النفسي وعلماء البيولوجي والأطباء،..الخ. يبحثون موضوع أصل ونشأت الأفكار في الإنسان مطبقين مناهج إختبارية. أي هذا الموضوع ليس هو اليوم موضوعالإختباري.
في هذه اللحظة (نهاية 1983) يُناقش الموضوع ما إذا أن اللغة البشرية هي محددة مسبقًا وتوجد من طبيعة الإنسان أم هي مكتسبة من عِلم اللغة. إننا نري أن كل لغة لديها تطور مذهل مع مرور الزمن، حتى أنه من دهر إلي الاخر تحققت إختلافات هامة في لغة واحدة . إذن لا يستطيع المرء أن يكون متأكدًا بأنه، عندما يقرأ نص أقدم، يدرك تمامًا النصوص، كذلك أيضًا قاموس ذلك العصر. أي بأي مفهوم أُستخدمت كلمات محددة.  بحث عقلي من جانب الإنسان (فى مجال الفلسفة والميتافيزيقية) أو المفكر الفلسفي بل هي أيضًا موضوع البحث
هكذا يري المرء أنه، عندما يقارن اليونانية القديمة بالحديثة، توجد كلمات كثيرة جدًا حُفظت في اللغة الحديثة، لكن قد تغير مفهومها وليس لها نفس الأهمية التي لدي اللغة القديمة. ذاك الذي هو هام، أن المصطلحات هي عند آباء الكنيسة كحاملة لمفاهيم محددة. هكذا، لكي نفهم فهمًا صحيحًا الآباء، يجب ليس فقط أن نعرف المصطلحات التي يستخدمها الآباء بل ما يناظرها من مفاهيم وعندما نقول آباء، لا نقصد فقط آباء العهد الجديد بل ايضا والقديم. آباء العهد الجديد يشيرون إلي أنبياء العهد القديم، إلي آباء آبائنا ولأجل هذا نُعيد فى أحد آبائنا القديسين.. إذن الهدف ليس هو أن نعرف فقط تعبيرات الآباء بل أيضًا المفاهيم التي تحتويها هذه التعبيرات.
نري، من كل التقليد الآبائي، أن الآباء يشددون علي أن إذا طابق أحد التعابير أي المفاهيم عن الله بالله ذاته، فهذا العمل هو بداية عبادة الأوثان. وهذا، لأن الله لا يتطابق مع أي مفهوم بشري، غير مخلوقية الله τό ἄκτιστον τοῡ θεοῡ لا يُعبَّر عنها تعبيرًا جوهريًا أو أساسيًا بالمفاهيم البشرية بل فقط مجازيًا نعطي أسماء لله (علي سبيل المثال، إنه صالح، خيَّر، رحوم،... الخ). وهذا، لأننا نعرف من خبرة الأنبياء والآباء، من خبرة التمجيد أي شركة تألههم. في هذه الخبرة دُقق هذا الحدث أي لا يتجاوب أي مفهوم بشري محدود مع حقيقة الله غير المخلوقة. لا يوجد إطلاقًا أي تطابق ولا تشابه للمفاهيم أو الأسماء التي لدينا عن الله مع حقيقة ما هو الله ذاته.
لأجل هذا السبب بحسب خبرة الشركة تحقق أن الله لا هو واحدية ولا واحد ولا ثالوث. علي هذا الموضوع لدينا نصوص رائعة من ديونيسيوس الأريوباعي، وكذلك من القديس غريغوريوس النيصي، ويوافق معهما بقية آباء الكنيسة لأن لديهم نفس خبرتهم.
18ـ ما هي العقيدة الأساسية للتقليد الآبائي؟
يوجد رأي يقول إن التعليم اللاهوتي الذي يُدعَّي السلبي ἀποφατική هو فلسفة متأثرة بالأفلاطونيين الحُداث. لا يوجد أي شك بأنه يوجد تشابه في المصطلحات بين الأفلاطونيين الحُداث وآباء الكنيسة، فلدي الأفلاطونيون الحُداث تعليم لاهوتي سلبي. لكن هنا يوجد إختلاف جوهري. الصفة الغالبة علي الأفلاطونية الحديثة هي الدهشة εκστασιςالتي هي خبرة بالنسبة لآباء الكنيسة  شيطانية. أثناء الدهشة (الإنخطاف والذهول) يخرج عقل الإنسان من المكان والزمان، كذلك أيضًا يخرج من تتابع الفكر وينضم أو يتحد (هذا يُفترض منهم) بغير المتغير،أي يقولون أن الأفلاطونية الحديثة تتخطي الزمن والأمور غير المتغيرة. داخل هذة الحالة، الجسد بالنسبة لهؤلاء هو شيء شرير أو مرفوض. دائمًا الجسد – بحسب الافلاطونية الحديثة- لا يشترك في خبرة الدهش. التخلص من أخطاء الفكر البشري هو مصدر تعليم الأفلاطونية الحديثة السلبي. إنهم يحاولون التخلص ليس من كل ما هو مخلوق بل كل ما هو متغير. وهذا لأن في الأساس الميتافيزيقي، الأفلاطونية الحديثة لا تؤمن بمفاهيم مثل الخلق من العدم، والوجود غير المخلوق، أي لا يوجد تمييز بين المخلوق وغير المخلوق. بينما العقيدة الأساسية للتعليم اللاهوتي المسيحي هوالتمييز الواضح بين المخلوق وغير المخلوق، كذلك أيضًا بين المخلوق وغير المخلوق لا يوجد أي تشابه. هذه هي العقيدة الأساسية ليس فقط للتقليد الآبائي بل للتقليد العبري حتى اليوم.

السبت، 21 مايو 2011

16ـ موقفنا من الفهم الأفلاطوني للنفس:
الاب رومانيدس- ترجمة د جورج عوض
الأرثوذكسي ليس هو مجبر أن يفضل مفهوم النفس عند أفلاطون. لأن الآباء لم يتبعوا أفلاطون في هذا الموضوع. طبعًا اليونانيون الحُداث لا يعرفون هذا الأمر جيدًا، لأن بإعجابهم الشديد بأفلاطون وأرسطو اللذين يُدرّسا في المدارس اليونانية، صار الآباء بالنسبة لهم مثل الراقصين علي المسرح، كما لو كان هؤلاء يرقصون رقصة أفلاطون وأرسطو! لأن في نظرهم كيف يكون الآباء عِظام غير ذلك، إن لم يكونوا من أتباع اليونانيين القدامي؟ هنا في اليونان فقط معيار العظمة هو أن هذا الشيء هو من اليونان القديم! لأجل هذا أيضًا عيد الأقمار الثلاثة هنا في اليونان قد أخذ هذا الشكل الذي عليه، بمعني أن الثلاثة أقمار هم بمثابة إستمرارية الروح اليونانية العظيمة لليونان القديم! لكن إن قرأ أحد كتابات الأقمار الثلاثة وبالحري القديس يوحنا ذهبي الفم، سوف يري أن هذا القديس دائمًا ينتقد اليونانيين القدامي. ذهبي الفم هو ناقد لاذع لفكر اليونانيين القدامي. بالنسبة للقديس يوحنا ذهبي الفم :إسم يوناني يعني وثني أي عابد للوثن، وهذا المعني هو أكثر من نقد لاذع. وأيضًا باسيليوس الكبير وكذلك غريغوريوس النيصي نفس الأمر. هؤلاء الكبادوك كان لديهم تقليد آخر.
من منظور العِلم الحديث، الأرثوذكسي ليس هو مجبر أن يدافع علي سبيل المثال عن خلود النفس، ووجود النفس الروحية وكذلك عن المعرفة الميتافيزيقية. كما فعل اللاتين. أبدًا ليس هو مجبرًا. لكنني أقول الآتي: هو مجبر أن يفعل النقيض، أي أن يحاول أن لا يدافع وبدلاً من هذا أن يعرض فقط مواقف الآباء تجاه هذه المواضيع.
لقد ظهرت المسيحية في عصر كانت تحكمة الوثنية ومن بين المتكلمين اليونانية واللاتينية سيطر علي هذه المواضيع المتعلقة بالنفس مجموعة متنوعة من الفلاسفة الأفلاطونيون، وأتباع أرسطو وفيثاغورس...الخ. أغلبية الفلاسفة كان لديهم أتباع، كانت أيضًا ديانات مثل الأفلاطونية المحدثة التي كانت تمامًا ديانة. بالطبع، الذين يريدون أن ينقذوا أفلاطون، لكي لا يُوصف بأنه مؤسس ديانة، يقولون أنه ليس لديه نظام ديني. وأنا أظن أن النظام الأفلاطوني القديم كان بمثابة ديانة لكن لم تكن الأفلاطونية فقط ديانة، بل أيضًا أفلاطون ذاته أسس ديانة، طالما إنضمت قناعاته الدينية في النظام الفلسفي. أفلاطون لم يكن يفصل ديانته عن الفلسفة.
بالنسبة لأرسطو، من الصعوبة أن يزعم أحد بمثل هذا الشيء، طالما هو لم يقبل خلود الإنسان الفردي. بالنسبة لأرسطو، الإنسان كفرد ليس هو نفس، إذن علي الأقل من هذا المنظور فكر أرسطو ليس ديانة. لكن من منظور آخر، هو ديانة، لأنه هو ذاته يؤمن بالآلهة، كذلك أيضًا لأنه هو ذاته كان إنسان متدين، كما كان الآخرون في عصره.
15- نوعين من الإيمان
الاب رومانيدس- ترجمة د جورج عوض
يوجد نوعين من الإيمان. إيمان عقلي للقبول. هنا الإنسان يقبل شيء منطقي ويؤمن بهذا الذي قبله. لكن هذا ليس هو الإيمان الذي يبرر الإنسان. عندما يقول الكتاب المقدس إن الإنسان بواسطة الإيمان فقط يخلُص (أفسس8:2), لا يقصد مجرد إيمان القبول العقلى . الإيمان الآخر هو إيمان قلبي, إيمان القلب, لأن هذا الإيمان لا يوجد في المنطق, أي في العقل لكن في القلب. هذا الإيمان هو عطية الله, أي لن يناله الإنسان, لو لم يرد الله أن يمنحه له, ويُدعيَّ إيمان مغروس في الداخلἐν διάθετος πίστις. هذا الإيمان ترجاه الأب الذي كان له إبن به روح أخرس- في الإنجيل - من المسيح أن يمنحه إياه, قائلاً: "أومن يا سيد فأعِن عدم إيماني" (مر24:9). هو آمن عقليًا, لكن ليس لديه الإيمان القلبي المغروز في الداخل الذي هو عطية الله.
لكن الإيمان القلبي يأتي من خبرة النعمة. وطالما هو نتاج خبرة النعمة, ماذا يمكن أن يكون إيمان القلب بالنسبة للإرثوذكس؟ إنها الصلاة الذهنية (القلبية). إذن, عندما يكون لدي الإنسان الطلبة الذهنية في قلبه والتي هي صلاة الروح القدس, عندئذٍ أيضًا لديه الإيمان القلبي الداخلي وبواسطة الإيمان من خلال الصلاة يري أمور غير منظورة. لأجل هذا أيضًا, عندما يحدث مثل هذه الأنواع من الروئ, يُقال ثيوريا أي معاينة الله θεωπία. والثيوريا θεωπία تعني رؤية όρασις والرؤية تصير عمومًا بطريقتين: بطلبة الروح القدس في القلب, عندما لا يصل الإنسان بعد إلي الشركة والاتحاد بالله , عندئذٍ يمكن أيضًا أن يري الكل بواسطة الصلاة, أو بالاتحاد, تلك الحالة التي فيها يبطل هذا الإيمان الداخلي وكذلك أيضًا الرجاء وتبقي فقط المحبة تجاه الله كعطية الله. هذا ما يقصده بولس حين يقول: "فحينئذٍ يُبطل ما هو بعض" (1كو10:13). عندما يأتي الكامل, يُبطل الإيمان والرجاء وتبقي المحبة. وهذه المحبة هي حالة الشركة التامة ( التأله ). في هذة الحالة تبطُل المعرفة, وتُبطل النبوة ويتوقف اللسان وتبقي فقط المحبة. بولس الرسول يقول هذه الأمور بكل وضوح وآباء الكنيسة يفسرون تفسيرًا صحيحًا هذه الأمور (كل الفلوكاليا تتحدث عن هذه الأمور).

الخميس، 19 مايو 2011

14ـ عن الديانة περί θρησκείας
                                                                                           رومانيدس - ترجمة د جورج عوض                                                                السؤال الآن هو : هل الديانة تتطابق مع التعليم عن خلود النفس, وكذلك مع التعليم عن وجود الله للحياة العتيدة؟ أيضًا هل تتطابق مع سيادة العدل التام؟ بمعني يجب أن يكون لدينا ديانة, لأنه يجب أن يوجد إله عادل, الذي سوف يدين كل البشر حتى يعاقب الأشرار في الجحيم ويكافئ الأبرار (الأولاد الطيبين) في الفردوس؟ لو الإجابة هي نعم, إذن يجب أن توجد الديانة حتى تسود العدالة المطلقة, ومن جهة أخري, حتى لا يظل إشتياق الإنسان للسعادة غير محقق. أي هل من الممكن للولد الطيب أن لا يحيا بعد الموت حياة سعيدة؟ مستحيل! ولو كان مظلوم في هذه الحياة. هل كل المظلومين أو الأولاد الطيبين هم من الممكن أن لا يبرروا في الحياة العتيدة؟ مستحيل! هل هناك لا ينبغي عليهم  أن يحيوا حياة سعيدة, حياة مفرحة؟ بالتأكيد ينبغي !
لكي يصير هذا, يجب أن توجد حياة بعد الموت, وكذلك يوجد إله صالح وعادل  سوف يوزع نصيبًا صالحًا وعادلاً! أليست الأمور هكذا؟ وفق إعتقاد العصور الوسطي, أقصد اللاهوت الغربي بأنه يجب أن يوجد هذا الإله.
لكل, فيما يتعلق بكل هذا, يأتي علم النفس الحديث ليلقي كل هذا في الهواء. تقول لنا إن هذه الإعتقادات هي نفسية, لأن الإنسان لديه في داخلة شعور بالعدالة, الذي فهو  الذي يطلب أن يُعاَّقب الأولاد الأشرار وُيكاَّفي الأولاد الطيبين! وطالما المكافأة لا تُنجز هنا في هذه الحياة, يستعرض الخيال البشري فكرة أن هذه الأمور يجب أن تتمم في حياة أخري ولأجل هذا, الإنسان الضعيف وكذلك ذاك الذي يحب العدالة وله مشاعر عميقة وجادة للعدالة, يصير متدين ويؤمن بعقائد الديانة التي يتبعها. لأجل هذه الأسباب يؤمن, لأن العقيدة التي يؤمن بها تخدم إحتياجه النفسي للعدالة. هذه الأسباب ليس لها أساسيات فلسفية بل أساسيات نفسية.
لكن الصواب في التفكير السابق هو, لو أن العدالة والسعادة يسودان علي الناس الصالحين, سيجب أن يسودا في هذه الحياة. لأن في الحياة الأخري هؤلاء البشر لا يعرفون ما إذا كان سيكون لديهم, طالما المبررات التي ذكرناها لوجود الحياة الأخري هي مبرارات نفسية تمامًا وليست مبرارات علمية, أي مبرارات تتأسس فوق منهجية إختبارية وعلمية. هكذا هؤلاء البشر يؤمنون بحياة بعد الموت لأنهم يريدون أن يؤمنوا. ولأجل هذا, جوهر الديانة بالنسبة لهم هو وجود حياة أخري حيث يُعاَّقب الاشرار ويُكافئ الاخيار.
هكذا, لأجل هذه الأسباب, يري المرء أن اليوم الناس الجادين في أوربا وأمريكا لا يقبلون هذه الأمور كأساس للديانة وعلماء كثيرون رفضوا الديانة وإنقادوا إلي تجاهل الديانات, بينما مثلهم في أوربا الشرقية إنقادوا إلي الألحاد (يتحدث الآب رومانيدس عام 1983). لكن السنوات الأخيرة يجد البعض شيوعيين كثيرين هجروا إلحاد الماضي القاسي وصاروا متجاهلين للديانة. ومن هذا المنظور يشبهون متجاهلي أوربا وأمريكا. من الجانب الآخر يوجد متدينون في حكومات شيوعية وأمريكا,  مازالوا يؤمنون بالحياة بعد الموت, لانهم ـ كما شرحنا ـ يريدون أن يؤمنوا, بدون أن يكون لديهم مبررات علمية لتعضيد قناعاتهم هذه. هذه هي الحالة بشكل عام.
الآن ما هو موقف الأرثوذكسية بالنسبة لكل هذا؟  أو هل الأرثوذكسية هي ديانة تهتم فقط بنهاية الإنسان بعد الموت؟ أم, هل هي ديانة تهتم بهذه الحياة هنا علي أساس أنها نموذج مسبق للحياة الأخري؟ طبعًا الثانية بالتأكيد. الآباء يشرحون السبب بتعبير صغير: "في الجحيم لا تكون توبة". أي بعد الموت لا توجد إمكانية للتوبة. لكن اللاهوتيون اليونانيون الحُداث يتبعون معلمهم Αδαμάπιο κοραῆ لديهم فكر ميتافيزيقي عن هذا الموضوع. لقد نسخوا منهج اللاتين والبروتستانت وقد إنحرفوا تمامًا عن التقليد الأرثوذكسي الآبائي.

الأربعاء، 18 مايو 2011

13ـ المنهج العلمي للتعليم اللاهوتي ومَنْ هو الملهم بالله؟ ὁ θεόπνευστος
               الاب رومانيدس - ترجمة د جورج عوض 
الآن, كما يهتم التلميذ بعلم النجوم, فيقرأ كُتبه عن النجوم وبعد ذلك يلاحظ النجوم في السماء, وبعد ذلك, عندما يكبر ويرغب في دراسة أفضل ويعرف النجوم عن قرب, يذهب إلي الجامعة, ووقتذاك يدرسها بواسطة التليسكوب, ويري كل ما لم يرأه بالعين المجردة, هكذا يحدث في الحياة الروحية. المسيحي, الذي يريد أن يري مجد الله, ينبغي أن يمر في مراحل إختبارية محددة ومعايشات روحية محددة. هذه المراحل, كما قلنا, تتميز إلي التطهير والإستنارة والشركة(التأله). تأتى حالة الإستنارة الكاملة, عندما يكتسب الإنسان الصلاة الذهنية غير المنقطعة, التي تعمل في قلبه, ويصير بمعني الكلمة هيكل للروح القدس. 
لكل في العلم, علي أي حال في العلم الوضعي, لا يوجد أي حالة مناظرة للإستنارة, أي مثل خبرة واضحة ومجددة وخاصة . فقط الحالة المناظرة للتأله توجد في العلوم الوضعية, مع الفارق طبعًا. بمعني, مثلما المتأله الذي يوجد في حالة الشركة يري مجد الله, هكذا أيضًا العالم يري الموضوع الذي يرغب في البحث عنه بواسطة أدواته العلمية المناسبة (علي سبيل المثال: التلسكوب, والميكروسكوب,...الخ). أي, للتو عندما يضع يديه علي عِلم طبيعي, يصل مباشرة إلي رؤية موضوع معرفته ويأتي في إتصال مباشر معه. 
العُلماء يُلهموا بواسطة ما يلاحظونه. عالم البيولوجيا يُلهم بواسطة الحيوانات والنباتات التي يلاحظها, عِالم الميكروبيولوجي من الميكروبات التي يراها في الميكروسكوب...الخ. هكذا عِالم الميكروبيولوجي هو مُلهَم من الميكروبات, وعِالم النجوم مُلهم من النجوم...الخ. أي كل واحد يستمد إلهامه من موضوع دراسته. 
بالتالي, اللاهوتي ـ ليس ذاك الذي أخذ شهادة من كلية اللاهوت بل ذاك الذي إستحق أن يري الله ـ ماذا ينبغي أن يكون ؟ بالتأكيد مُلهم بروح الله θεόπνευστος. ومَنْ هو المُلهَّم بالله؟ هو ذاك الذي رأي الله. 
ذاك الذي وصل إلي الإستنارة, لماذا يُدعَّي مستنير؟ لأن لديه الروح القدس في داخله, الذي يعلمه. كيف يعلمه؟ بالصلاة الذهنية. أي يصلي الروح القدس في قلبه وهكذا يعلمه, ويخبره كل ما يحتاج أن يفعله أو يقوله. مثل هذا الإنسان يُخبَّر كل لحظة, ما هي إرادة الله لأي شيء. إذن معلمه الروح القدس ذاته. أي في اللاهوت, الله ذاته هو موضوع محاولة الإنسان المعرفية, لكن أيضا الله هومعلم الإنسان الذي يقوده تجاه هذه المعرفة, أي معرفة الله التي هي لا شيء إلا مشاهدة النور غير المخلوق.
أيضًا في العلوم الطبيعية لكي يصل طالب هناك حيث سيصل, هل سوف لا يجب أن يُعلَّم من أحد عِلمه؟ هل فقط بواسطة الكتب سوف يستمد عِلمه أم من العلماء الأحياء والحقيقيين؟ بالتأكيد سوف يجب أن يتعلم من العلماء الحقيقيين. سوف يجب أن يدخل الجامعة ويلتصق بأستاذ يعرف موضوع المعرفة الذي يهتم الطالب بها, كما أيضًا يحصل علي قناعة بأن حقًا أستاذه يعرف أمور كافية عن هذا الموضوع الذي يريد أن يتعلمه. بالتأكيد الطالب يعرف أن أستاذه لا يعرف كل شيء هذا الذي تعلمه من أستاذه, الذي لو هو أستاذ فاضل, سيجيب أن يعلن لطالبه بوضوح ماذا يعرف وماذا لا يعرف. هكذا الطالب يتعلم من أستاذه ما الذي هو غير معروف أيضًا, يتعلم المنهج أو طُرق إكتساب المعرفة, أي أسلوب البحث, كذلك أيضًا يميز بين المعارف المعروفة وغير المعروفة ومن جهة أيضًا المعروفة المفيدة وغير المفيدة, وكيف يوسع موضوع دراسته ومعرفته بالبحث. إذن عندما يكون أستاذه صريح ويخبره بما يعرفه وبما لا يعرفه ويعلمه أسلوب البحث, عندئذٍ يستطيع الطالب أن ينمو تدريجيًا وهو ذاته ـ مثل أستاذه ـ في موضوعه العملي. 
يري المرء من كل هذا أن الأسلوب الإختباري للتعليم, فيما يخص المواضيع المنهجية, تتجاوب تمامًا مع المنهج الآبائي لمعرفة الله أي معاينة الله. أيضًا الإستنارة هي حالة خبرة, مثل التأله هو أيضًا حالة إختبارية, حيث ليسا لهما علاقة بالميتافيزيقية أي التأمل الفلسفي. الدخول في حالة الإستنارة, فيما يخص المنهج, لا يختلف عن دخول الطلاب في العلوم الطبيعية. لكي يصل المرء إلي حالة الإستنارة, يجب أن يدخل ليلتصق بأب روحي قد وصل بالفعل إلي هذه الحالة والذي سوف يكون قادر علي تعليم منهج معرفة الله ويساعده في تقدمه الروحي.

الاثنين، 16 مايو 2011

12ـ الصلاة الذهنية ( القلبية )περί νοερᾶ
προσευχῆς
الاب رومانيدس – ترجمة د جورج عوض الآن موضوع الصلاة الذهنية هو شيق. الصلاة الذهنية هي حالة إختبارية تمامًا. لا يستطيع أي طبيب نفسي أن ينكر أن الصلاة الذهنية هي تمامًا خبرة. إختلافنا مع الطبيب النفسي ليس في حقيقة هذا الحدث في حد ذاته, بل في العِلة التي تنشئ الصلاة الذهنية. بمعني, لو أن هذا الموضوع عُرِض من منظور علماء العلوم الوضعية, علي سبيل المثال, علماء النفس, الأطباء النفسيون, علماء البيولوجي,...الخ كظاهرة تستحق الملاحظة والدراسة, سيكون هؤلاء الناس مجبرين أن يطبقوا منهج البحث العلمي ويستعرضوا إفتراضات.
بالطبع الكنيسة لديها خبرة هذه الظاهرة. الشخص الذي لديه صلاة ذهنية في داخله, "يسمع" هو ذاته هذه الصلاة تُقال في قلبه ويوجد تقليد مئات السنين لهذه الحالة الروحية. لقد أُعطَّي لنا من القديسين تفسير محدد لهذا التقليد الخاص بالصلاة الذهنية وأساس هذا التفسير. الكنيسة تعرف أن الصلاة الذهنية هي خبرة روحية وأنها نتيجة فعل نعمة الروح القدس في قلب الإنسان إنها تقليد طويل حيث لا أحد يستطيع أن ينكر وجوده, لأنه توجد كتابات كثيرة جدًا من الآباء علي هذا الموضوع, بالإضافة إلي ما ورد بشأنها في الكتاب المقدس. ويوجد أناس اليوم الذين يحيون بيننا, يعرفون الصلاة الذهنية من خبرتهم الشخصية, لأنهم يعيشونها ومفعَّله في داخلهم.
إذن, طالما هؤلاء العلماء يقبلون هذا الواقع, يستعرضون إفتراضاتهم لكي يشرحوا ظاهرة الصلاة الذهنية هذه. بالطبع فيما بينهم سوف يجدون أيضًا البعض, الذين سوف يقولون أن هذه هي إختراع من إختراعات الكهنة. سوف يقولون أن هذه الأمور يقولونها الكهنة وأنها نتاج خيالاتهم. لكن يا ليت الكهنة ينشغلون بمثل هذا الأمر في اليونان.
آخرون, الآن, من هؤلاء العلماء ربما يقولون أن هذا الأمر هو نوع من التنويم المغناطيسي. إنها مناقشة جدلية بين الأطباء, مع أساتذة يقولون أن هذه الصلاة هي نوع من التنويم المغناطيسي! لكن, حتى لو كان هذا الأمر هكذا بالنسبة لهؤلاء. لكن الطبيب النفسي هو ملزم أن ينشغل نظاميًا بهذا الموضوع.
فيما يتعلق بالتنويم المغناطيسي الذي هو حقًا خبرة. ينبغى على الطبيب النفسي أن يكون دقيقًا, ما إذا كانت الصلاة الذهنية هي نوع من التنويم المغناطيسي أم لا. التنويم المغناطيسي يمكن أن يقود إلي الوهم أي إلي تشويش التكوين الصحيح للإنطباعات الإختبارية التي لدي الإنسان في ذاكرته لكن كل العناصر التي تُكوَّن الوهم, هي بقايا من المحسوسات. لأن الإنسان الذي يصل إلي الوهم يصل إليه ليس لأنه فقد إتصاله بالمحسوسات بل لأن ذاكرته قد خرجت عن مسارها وتكوين الإنطباعات الذي يحدث في عقله, ليس شيء آخر إلا فوضي في تصنيف الإطباعات.
هكذا لدينا عدم إتزان, كذلك أيضًا لدينا هؤلاء الذين يحلمون في يقظتهم. أي عناصر الأحاسيس التي تُكوَّن الوهم هي موجودة.
فيما يخص التنويم المغناطيسي, ذاك الذي يحدث له التنويم يدخل في حالة غيبوبة ويتذكر أشياء من الماضي ويجيب علي أسئلة ذاك الذي يقوم بتنويمة. بالتالي, كشخص نائم ليس لديه إتصال مع الواقع.
أما الآن فيما يخص الصلاة الذهنية (القلبية) فهى ليست شيء موجود بالفعل في الذاكرة ونستدعيه من الذاكرة لان هكذا يحلم الإنسان. لا يحدث نفس الأمر, مثل الوهم, الذي يري أحد شيء لكن بدون أن يوجد حقًا حوله ذاك يراه في تلك اللحظة ولا لجؤ للأحاسس في تلك اللحظة. اما في حالة الصلاة الذهنية ما يحدث في قلب الإنسان وما يشعر به الإنسان يأخذ مكانًا في تلك اللحظة التي يشعر به. ليس شيء من ماضيه. إنه خبرة الحاضر. لكي يكون أحد أيضًا في يقظة روحية, الأمر الذي يحدث في الصلاة الذهنية, أي لا هو منوم مغناطيسيًا ولا هو موجود في وهم, وفي نفس الوقت يحيا شيء واضح جدًا في داخله, في قلبه, شخص آخر يصلي في داخلة لحسابة "يشفع فينا بآنات لا يُنطق بها" (رو26:8), مثل هذا الأمر لا يحدث أثناء التنويم المغناطيسي. أثناء الصلاة القلبية يكون لدي الإنسان وعي تام بأن شيء أليف لطبيعته يعمل في داخلة ويلاحظه ويشاركه طوعًا.
ثقل برهان حقيقة هذه الخبرة لا ينتمي إلي الأرثوذكس, الذين يملكونها بل للعلماء الذين يشككون فيها أو يريدون أن يبحثونها. لو أيضًا أعطي العلماء تفسيرهم لهذه الظاهرة, أقصد ظاهرة الصلاة الذهنية, هؤلاء هم أنفسهم سوف يجب أن يبرهنوا أن تفسيرهم هو التفسير الصحيح لأن الأرثوذكسية لديهم تقليد لتفسير الصلاة الذهنية هو بلاشك بالنسبة للأرثوذكس. وأن التفسير غير مشكوك فيه لأنه ليس تفسير خبرة سابقة والذي لا يمكن تحديده أو تكراره, بل هو تفسير لواقع ولخبرة معاشة وحقيقية ويومية والتي دائمًا تتكرر وتُسلّم من جيل إلي جيل في الكنيسة الأرثوذكسية.
الكنيسة في لغتها, التي هي اللغة الكنسية, تقول بواسطة فم بولس الرسول "وكلامي وكرازاتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المُقنع بل ببرهان الروح والقوة" (1كو4:2). ماذا يقصد بهذا؟ لماذا يعتبر بولس الرسول قوة الروح القدس مضادة لحكمة هذا العالم؟ لأن الإنسان الذي قد صار هيكل الروح القدس, الذي يتحدث في داخلة الروح القدس وقد سكن في قلبه, هذا الإنسان يشعر في قلبه بحيوية القوة أي فعل الروح القدس وهكذا لم يقتنع أنه قد صار هيكل للروح القدس بكلام آخرين ولا بمبررات الأخرين الفلسفية واللاهوتية, بل يعرف أنه هو هيكل للروح القدس من خبرته الشخصية والمباشرة, لأنه يشعر ويسمع الروح القدس في داخله الذي يعمل كأنه الأب الراعي والمرنم في قلبه. ذاك الأمر هو بمثابة شهادة مشتركة للروح القدس في روح الإنسان, الذي يعطي للإنسان هذا التأكيد المطلق بأن جسدة قد صار هيكل الله, طالما أن الروح القدس أتي وخيَّم في قلبه. هذه الحالة يصفها بولس الرسول عندما يقول: "ثم بما أنكم أبناء أرسل الله روح إبنه إلي قلوبكم صارخًا يا أبا الآب" (غلا6:4). أي يصرخ الروح القدس داخلنا, الروح المرسل من الآب ويقول: "يا أبا الآب" !
هذا الذي يصفه بولس الرسول, هل هو واقع أم خيال؟ هل طار علي السُحب, عندما قال هذا الأمر؟ لو لاحظتم جيدًا كل ما يقوله بولس الرسول في الإصحاح الثامن لرسالة رومية, سوف ترون أنه يتحدث عن الصلاة الحقيقية في قلب الإنسان. لكن ليس فقط بولس الرسول الذي يتحدث هكذا. وداود في مزاميره يتحدث هكذا والعهد القديم يتحدث هكذا. لأجل هذا نري هنا ما هو السبب الذي جعل المسيحيون الأولون الذي كانوا يهيئون أنفسهم للصلاة الذهنية, أن يحفظوا علي ظهر قلب سفر المزامير. المزامير لها أهمية عظمي بالنسبة لهم, فهي تساعدهم في أن يمارسوا الصلاة الذهنية.
لا أعرف كم عدد المسيحيين اليوم الذين قرأوا سفر المزامير كله. في الماضي كانوا يقرأونه علي الأموات قبل الجنازة. وربما كانت هي المرة الوحيدة الذي كان يُقرأ فيه هذا السفر. كان يقرأه الكاهن وربما بجواره المرتل. وكذلك في الماضي لكي يُرسَّم أحد أسقف كان لابد أن يبرهن بأنه يحفظ سفر المزامير كله. لماذا؟ لماذا سفر المزامير له أهمية عظيمة في الكنيسة؟ لأن سفر المزامير يحتوي علي طلبات تتعلق بالصلاة الذهنية. لأن الصلاة الذهنية في التقليد العبري, في التقليد النبوي وأيضًا في التقليد المسيحي الأول, كانت تصير أيضًا بالمزامير. لأجل هذا السبب, يقول بولس الرسول: "أُصلي بالروح وأُصلي بالذهن أيضًا. أُرتل بالروح وأُرتل بالذهن أيضًا" (1كو15:14). هكذا الصلاة الذهنية ليست فقط مجرد صلاة بكلام, بل هو أيضًا إبصلمودية, أي ترتيل مزمور. لأجل هذا, لدينا أيضًا أمثلة من التقليد أن الطلبة الذهنية تصير أيضًا بالمزامير. واحد من هذه الأمثلة هي مثال القديس يوحنا كاسيان الذي كان يعلم الصلاة الذهنية بالمزامير، وتوجد شهادات كافية لهذا الأمر.
إذن, هل الحاجة إلي أي برهان فلسفي عن هذه المواضيع, طالما أولئك الذين يؤمنون قد وصلوا إلي حالة الصلاة الذهنية هذه لديهم في داخلهم هذه الخبرة؟ طالما توجد هذه الخبرة, فما الحاجة إلي الميتافيزيقية؟ وما الحاجة إلي الفلسفة؟ في ماذا تساعد الفلسفة؟ هل يحدث وساعدت الفلسفة أحد جوهريًا في حياته لكي يكتسب حالة الصلاة الذهنية هذه, التي تعمل بلا إنقطاع في القلب حتى يصير هيكل للروح القدس؟
عندما لا يكون لدي أحد هذه الخبرة, ويريد أن يكتسبها, عندئذٍ يذهب ويتعلم من الذين لديهم هذه الخبرة. خبرة الصلاة الذهنية هذه هي عادةً ـ بالرغم من أنه يوجد إستثناء ـ شرط ضروري لكي يصل أحد إلي خبرة الشركة اى التأله, التي بمقتضاها يكتسب خبرة مجد الله غير المخلوق. خبرة الشركه هذه هي حصريًا عطية الله, فالله يمنح لمَنْ يريد, عندما يريد ولا تتوقف علي المحاولة البشرية. لكن الشرط هو أن يكون لدي هذا المرء الصلاة الذهنية.



11ـ مَنْ هم معلمى ( لاهوتي ) الكنيسة؟
الاب رومانيدس – ترجمة د جورج عوض
الجدير بالذكر ان الاب رومانيدس فى كل مقالاتة عندما يتكلم عن التأله لا يقصد تحول الانسان الى اله بل يشدد على الهوة الشاسعة بحسب الجوهر بين الله غير المخلوق والمخلوقات ، والتأله عندة يتطابق مع ما قالة القديس بطرس بأننا صرنا " شركاء الطبيعة الالهية " 2بط4:1 . ولا يقصد ايضا التأله المرفوض الذى يصاحبة الافتخار والتكبر كما اخبرت الحية ادم وحواء " تصيران مثل الله " . والملاحظ ان ما يتحدث عنه الاب رومانيدس قد اختبرة النساك والرهبان الاقباط وسُجل فى سير القديسيين للكنيسة القبطية ، نقصد مرحلة التطهير ثم الاستنارة وبعد ذلك شركاء الطبيعة الالهية ( المترجم - أنظر د.نصحى عبد الشهيد ، الروحانية الارثوذكسية  2008 ، ص199-206)                                             مَنْ هم الآن لاهوتي الكنيسة؟ إنهم فقط أولئك الذين وصلوا إلي الرؤية θεωρία أو المعاينة. الرؤية أو المعاينة تمثل الإستنارة والتأله. الإستنارة هي حالة دائمة حيث توجد في حالة فعل ἐν ἐνεργείᾳ كل النهار والليل, وأيضًا أثناء النوم (أنظر نش2:5). بينما الشركة هى حالة فيها يري الشخص مجد الله والتى تمتد لفترة كما يريد الله.
المستنير يمكن أن لا يصل أبدًا إلي هذة الحالة. فالله, الذي يمنح هذه النعمة, يحكم هل من الضروري أن يقود هذا المستنير إلي التأله وفي حالة أنه لا يقود شخص لهذة الحالة يمكن أن يكون هكذا من الأفضل لنفس هذا المستنير, لأن  كان يمكن لهذة الحالة أن تسبب ضررًا له, علي سبيل المثال يقوده إلي التفاخر والتكبر. إذن الله يقود الشخص إلي هذة الحالة, عندما لا يكون في خطر روحيًا وعندما تكون ضرورية له سواء لتعضيده أو لتقويته أو لكي يُعِدَّه لإرسالية ما.
 هكذا الخبرة  ليست هي إتوماتيكية. أي لا يمكن للمستنير أن يكتسبها, لمجرد انه يريد أن يكتسبها. المستنير بالحري يتجنب طلبها من الله. لكن عندما تكون هناك ضرورة لإكتسابها, فإن الله يعطيها ويُظهِر له مجده, نوره غير المخلوق, علي سبيل المثال ناسك يحيا في الصحراء, في عزلة عن البشر ولا يملك أشياء كثيرة, وهذا لأجل محبة الله. عندئذٍ, طالما تطّهّر يأتي الروح القدس ويعزية ويمنحه خبرات ( الشركة)التأله.
 الناسك الحقيقي ليس هو إطلاقًا بمفرده, بل علي الأقل لديه في قلبه الروح القدس الذي يصلي بلا إنقطاع في داخله ويصنع معه رفقة في عزلته الظاهرية. هذه هي حالة الإستنارة لكن عندما يحكم الروح القدس بأنه يجب ان يذوق حالة الشركة, حينذاك يمنح له لفترات  هذة الخبرة , عندما يحتاج وطالما هي لصالحه, علي سبيل المثال لتقويتة بعد هجوم شيطاني عليه. وهذه الأمور تظهر واضحة في حياة القديسين. إذن في هذين المرحلتين, أي في الإستنارة والشركة, معرفة الله هي إختبارية تمامًا. ليست معرفة ميتافيزيقية, أي نتيجة تأمل فلسفي.

الثلاثاء، 10 مايو 2011


9ـ ما هو جوهر تقليدنا الأرثوذكسي؟
الاب رومانيدس - ترجمة د جورج عوض


الموضوع الآن هو ما هو جوهر التقليد الأرثوذكسي؟
التقليد الأرثوذكسي يقدم منهج شفاء ذهن الإنسان, وهذا الشفاء, كما قلنا, لديه مرحلتين, الإستنارة والتأله التأله أي معاينة الله, إنه ضمان للشفاء, لرؤية الله التامة هذا المنهج الذى هو الشفاء, اى التربية الشفائية التي يقدمها التقليد الأرثوذكسي سُلِمَ من جيل إلي جيل بأناس قد وصلوا إلي الإستنارة والتأله وصاروا معالجين لآخرين بمعني ليس مجرد نقل معرفة من الكتب, بل نقل وقبول خبرة, خبرة الإستنارة وخبرة التأله
أيضًا يُلاحَّظ أنه في العهد القديم, حالة الإستنارة والتأله هما لدي البطاركة فقط وأنبياء بني إسرائيل هذه هي ظاهرة تاريخية قبل الأنبياء لدينا البطاركة قبل موسي لدينا إبرآم لكن نقرأ في العهد القديم أنه حتى زمن إبرآم كان يوجد وعي بحالة الإستنارة والتأله إبرآم ذاته كان معاين لله, أي وصل إلي التأله وهذا ظاهر بوضوح بالنسبة لعصر ما قبل إبرآم أيضًا لدينا عناصر من التقليد العبري بأن الإستنارة والتأله كانا موجودين في أجداد إبرآم, علي سبيل المثال نوح هذا التقليد, تقليد الإستنارة والتأله نُقِل لم يظهر هكذامن العدم لم يظهر فجأة في القرن الحادي عشر أو الثاني عشر قبل المسيح
يوجد عهد جديد, ,ويوجد أيضًا عهد قديم. في العهد الجديد لهو من السهل, الفحص, لأن فترته الزمنية محددة. لكن العهد القديم يحتوي علي 1500سنة تاريخ في هذه الفترة لدينا عمود فقِري. هذا العمود الفِقَري, الذي هو تقليد الإستنارة والتأله الذي نُقِل من نبي إلي نبي, هو جوهر التقليد الأرثوذكسي. نقل خبرة الإستنارة والتأله من جيل إلي جيل. هذا التقليد إمتد في العهد القديم من إبرآم حتى يوحنا المعمدان. هذا هو التقليد النبوي, تقليد البطاركة والأنبياء.
أيضًا قبل هذه الفترة لدينا الفترة الأولي التي إمتدت من آدم من خلال نوح إلي آدم. اليوم قد تحقق أرخيلوجيًا حقيقة الحوادث التاريخية المذكورة في العهد القديم, علي الأقل حتى عصر موسي. اليوم لا يوجد أحد يشكك في العهد القديم كنص عظيم له قيمة تاريخية. وأيضًا قبل موسي حتى عصر إبرآم علماء الآثار قد وجدوا عناصر تؤكد حقيقة ما ورد في العهد القديم عن شخص إبرآم.

إذن نري أن جوهر التقليد الأرثوذكسي ليس هو الكتاب المقدس بل هو نقل الخبرة, خبرة الإستنارة والتأله تعاقبيًا من آدم حتى أيامنا
سوف يحدثنا الاب رومانيدس المرة القادمة عن : الارثوذكسية ليست ديانه

الاثنين، 9 مايو 2011







7ـ مفهوم العقيدة - سقوط آدم



الاب رومانيدس - ترجمة د جورج عوض
يشدد الآباء علي أن الخلاص لا يأتي بواسطة العقيدة الأرثوذكسية بمفردها. ليست العقيدة التي تخلص الإنسان. العقيدة مجرد أنها تفتح الطريق للإنسان لكي يصل إلي التطهير والإستنارة. لكن بدون العقيدة الأرثوذكسية لن يصل أحد إلي التطهير والإستنارة. بدون الوعي العقيدي المستقيم وبدون العمل الأرثوذكسي, بدون الحياة الليتورجية الأرثوذكسية لن يصل أحد إلي التطهير والإستنارة. العقيدة والحياة الليتورجية ليست وسائل لكي يصل المرء إلي تطهير النفس والإستنارة. لكن هي الأساسيات الضرورية لكي ينقاد المرء إلي التطهير والإستنارة. بمعني العقيدة ليست هي وسيلة إتوماتيكية تقودنا بمفردها إلي هاتين الحالتين: التطهير والإستنارة.
8ـ سقوط آدم
يقول الآباء أنه أثناء سقوط الإنسان إظلَّم عقل الإنسان. إظلَّم عقل آدم. لم ينشغل الآباء بآدم كآدم, بل بعقل آدم, الذي مَرَضَ, لأن عقله إظلَّم.
يتحدث الآباء عن عقل قليل التبصر. دائمًا في الكتابات الآبائية, موضوع السقوط هو إظلام عقل الإنسان.
لكن كيف نحن نعرف أن الإنسان سقط؟ هل من وصف السقوط التاريخي الذي يذكره الكتاب المقدس؟ وماذا يعني السقوط, ماذا يعني الفردوس؟ ماذا كان الفردوس؟ يوجد تقليدين على هذا الموضوع, والتي يلخصها القديس يوحنا الدمشقي الذي يعطي أيضًا رأيين آبائيين, بدون أن يأخذ هو ذاته موقف في هذا الموضوع.
تقليد يقول إنه في الفردوس, وعقل آدم كان مستنيرًا والتقليد الآخر يقول إن عقل آدم كان في رؤية الله في الفردوس. وهذا كان فردوسة, أي يري مجد الله. التقليد الأسكندري كما أيضًا تقليد الكبادوك (باسليوس الكبير) يقول إن عقل آدم قبل السقوط كان في حالة رؤية الله. تقليد أنطاكية (يوحنا ذهبي الفم) يقول إن عقل آدم كان مستنير.
يعرف الآباء من خبرتهم في ماذا تتآلف إستنارة العقل في الفردوس, إستنارة الإنسان هي سُكني الروح القدس في قلب الإنسان, حيث الإنسان يصير هيكل للروح القدس والروح القدس ذاته يعمل في عقل الإنسان ويُنيره. وهذا الإنسان هو مستنير. مثل هذا كان عقل آدم بحسب التقليد الأنطاكي.
لو كان عقل آدم مستنير قبل السقوط أو كان في حالة رؤية دائمة لله (أي حالة التأله الدائم), في هذا يوحنا الدمشقي لم يأخذ أي موقف. لماذا؟ لأن ذاك الذي كان يهتم به القديس يوحنا الدمشقي كان أن يعطي الشرحين, عن كيف كان عقل آدم وكيف إظلَّم؟ لكن نحن كيف نعرف أن عقل آدم إظلَّم؟ ببساطة, لأننا نعرف نحن أنفسنا الآن أننا قد إظلَّمت عقولنا. وهذا إظلام العقل يحتاج إلي شفاء. الشفاء يتآلف في الإستنارة والتآله. أي تَوِجد مرحلتين. التأله هو الشفاء التام.
لكن ماذا يعني العقل المظلم؟ يعني أن فعل قلب الإنسان الذهني لا يعمل بشكل صحيح. الفعل الذهني يبدأ يعمل بشكل صحيح فقط عندما يمر الإنسان من التطهير ويصل إلي الإستنارة. بعد السقوط, العقل هو مِظلم. لماذا؟ لانه مملوء من الإنشغالات العقلية والفكرية وقد إظلم من هذه الأفكار। متى يحدث هذا, أن يظلم العقل من الأفكار؟ يحدث, عندما تهبط إلي القلب وتصير أفكار للذهن. عندما يصير إختلاط ولخبطة بين أفكار العقل وأفكار الذهن. أي توجد أفكار في الذهن الذي لا يجب أن توجد هناك, لأنها تنتمي للعقل (للفكر). الذهن يجب أن يكون فارغًا تمامًا من الأفكار والإنشغالات العقلية, حتى يستطيع أن يأتي الروح القدس في الإنسان ويسكن ويظَّل فيه.


سوف يتحدث الاب رومانيدس فى المرة القادمة عن : ما هو جوهر تقليدنا الارثوذكسى؟


الأحد، 8 مايو 2011





عندما يتزعزع الايمان
الاب بائيسيوس – ترجمة د جورج عوض

يا أبى، لماذا يفقد أُناس كثيرون ايمانهم؟
- إن لم ينتبه المرء لمواضيع الإيمان والعبادة فإنه تدريجياً ينسى ويمكن ان يصير عديم الاحساس ويصل لمرحلة ان لا يؤمن بشىء
- لكن يا أبى ، البعض يقولون ان ايمانهم تزعزع حين رأوا أُناس صالحين يتألمون
- حتى لو حرق الله كل الصالحين ، لا يجب ان يفكر المرء بأفكار شريرة ، بل علية ان يضع فى فكره ان اللة كل ما يصنعه يصنعه عن محبة . عليه ان يعرف كيف يعمل الله؟ فالله حين يسمح بحدوث شىء شرير ، ذلك لأن شىء صالح سيخرج من هذا الحدث
- يا أبى ، الاطفال أيضاً الصغار يتشككون اليوم لأن فى مدارسهم اساتذة يعلمونهم الالحاد
- لماذا يتشككون! القديسة كاترينا كان عمرها خمسة عشر عاما وبمعرفتها وحكمتها كانت تفحم الفلاسفة ، ياابنى يجب ان يكون المرء ثابت ولا يتغير ولا يقبل اى تنازلات تجاة مواضيع الايمان والوطن
- يا أبى ، قديماً كنت أصلى بإيمان وكان الله يستجيب لِما اطلبه ، لكن الآن ليس لدى هذا الايمان ، ما هو السبب؟
- السبب يا ابنى يكمن فى حساباتك العقلية ، فالمنطقية البشرية تزعزع الايمان ، قال الرب : كل ما تطلبونه فى الصلاة مؤمنين تنالونه . فى الحياة الروحية نحن نتحرك بمعجزات ، واحد+ اثنين لا يساوى دائماً ثلاثة بل ممكن خمس آلاف أو مليون . الحاجة الى استعداد وتهيئة وقصد حسن وثقة . ها، بالنسبه لصلب المسيح توجد تفاصيل كثيرة كانت لدى الانبياء – حتى ماذا سوف يصنعون برداءة ، وماذا سيصنعون بثمن الخيانة ، بأنهم سوف يشترون به حقل ليدفنوا فيه الغرباء ، لكن اليهود لم يدركوا حدث الصلب .

- عن كتاب: الآلام والفضائل

السبت، 7 مايو 2011






6ـ ما هي حالة المصالحة مع الله؟



الاب رومانيدس- ترجمة د جورج عوض
حالة المصالحة مع الله, التي تجعل المؤمن مُحِب لله, ما هي من المنظور الأرثوذكسي؟ أنظروا إلي صلوات الكنيسة। المعمودية تتطابق مع التطهير। الإستقسمات ( صلوات كنسية لاخراج الارواح الشريرة من المقبل على العماد) تسبق المعمودية التي هي تحرر الإنسان من تأثير وهيمنة الأرواح الشريرة عليه। أثناء المعمودية بالتغطيس الثلاثي والصعود من المياه يُعطي الغفران من الخطايا وتُدمَّر أفعال الشيطان في الإنسان। بعد سر المعمودية, سر الميرون الذي هو حالة إستنارة الإنسان بواسطة نعمة الله, أي بواسطة فعل الروح القدس।
عند
المسيحيين الأولين المستنيرين حديثًا أي المقدمين علي المعمودية يعتمدون في السبت العظيم ويأخذوا نعمة المعمودية المقدسة وبالميرون المقدس تكتمل إستنارتهم الأولي, أي بعد خمسون يومًا من معموديتهم.
لكن ماذا تكون إستنارة الإنسان الكاملة؟
هي زيارة الروح القدس للعقل (الذهن), أي لقلب الإنسان. أي, كما صارت إستنارة الرسل الكاملة يوم الخمسين بعد نزول الروح القدس, نفس الأمر تريد الكنيسة أن تكرر في لحظة ما المسيرة الروحية لكل مؤمن عضو لها. بمعني كل مسيرة وعظ المستنيرين حديثًا (المقبلين علي العماد) في الكنيسة الأولي كانت تكتمل بيوم خمسينهم الشخصي, أي بإستدعاء الروح القدس الذي يأتي ويسكن في قلب الإنسان. ويُصلي من أجله. بالطبع هذه الإستنارة الكاملة لا تحدث للكل في فترة زمنية سريعة, لأن الكل ليس لديهم نفس الشروط (الإستلزامات ـ الأساسيات).
بالتأكيد الرسل في يوم الخمسين لم يحصلوا فقط علي الإستنارة الكاملة, بل وصلوا أيضًا إلي نعمة التأله। وعندئذٍ, طالما أن يوم الخمسين هو نموذج أصلي لكمال الإنسان الروحي, إذن التعيين المسبق لكل مسيحي هو أن يصل إلي التأله। أن يري الله, خالقة, أي المسيح, في مجدٍ। هذا يحدث لجميع القديسين। لأجل هذا، من عيد الخمسين نذهب مباشرةً إلي عيد جميع القديسين الذي فيه نحتفل بتذكار كل قديسي الكنيسة المؤلهين, الذين دُعينا أن نتمثل بهم। وهذا هو العمود الفقري لبنية الكنيسة الوعظية।




سوف يحدثنا الاب رومانيدس المرة القادمة عن : مفهوم العقيدة وسقوط آدم

الجمعة، 6 مايو 2011






5ـ الهدف الإجتماعي للارثوذكسى



الاب رومانيدس- ترجمة د جورج عوض
الإنسان يحيا في المجتمع وينبغي عليه أن يعمل كوحدة إجتماعية معافية। عندما يُتمّم الشفاء الذي تكلمنا عنه سابقًا, الشفاء للفعل الذهني لنفس الإنسان, هذا الشفاء في حد ذاته, يُنشيء أوتوماتيكيًا إنسان إجتماعي, أي إنسان سوّى جاهز لأن يعمل إجتماعيًا في كل القطاعات। وذاك الذي هو قد شُفَّي أوتوماتيكيًا, يُرسَّم طبيب للجميع, للذين لم ينالوا الشفاء بعد। لأن العلم الطبي الذي يُدعَّي الأرثوذكسية يختلف عن العلوم الأخري في أن ذاك الذي شُفَّي يصير أوتوماتيكيًا طبيباً معالجًا। تطبق التربية الشفائية ذاتها في نفسه, وتصير الوسيلة لشفاء الآخرين। لأجل هذا لا يُفهم أن الإنسان الذي قد نال الشفاء, ليس لديه أولاد روحيين, أي آخرين في إعتماد روحي عليه يقودهم إلي الشفاء।
في الكنيسة الأولي كأن لا يوجد رسميًا مُعاِلج محدد, لأن كل مسيحي كان طبيب مُعاِلج। هذه هي إرسالية الكنيسة الأولي। إرسالية الكنيسة الأولي لم تكن مثلما هي إرسالية الكنيسة الأرثوذكسية الآن, التي تكتفى بالإعلان عن عقائدنا الجميلة أو تقليدنا التعبدي, كما لو هي شيء للبيع... نقول علي سبيل المثال أنظروا, أيها الأولاد, نحن لدينا العقائد الجميلة جدًا, العبادة الحسنة جدًا, الأبصلمودية الرائعة جدًا, الملابس الجميلة جدًا ـ كم هو جميل رداء الأسقف!... الخ ونحاول أن ندهشهم بعصايانا وبردائنا وأغطيتنا المغشاه بالذهب لكي نقوم بإرسالية। بالطبع مثل هذه الإرسالية لها معني, لكن ليست هي الإرسالية الحقيقية مثل تلك التي كانت للكنيسة الأولي।
تتآلف الإرسالية اليوم من الآتي: نُعمِد أُناس هم مؤمنون بخرافات ونجعلهم مسيحيين أرثوذكس بدون أن نحاول أن نشفيهم هكذا نستبدل معتقداتهم السابقة بعقيدة جديدة। نستبدل في داخلهم عقيدة خرافية بأخري। وهذا لأن الأرثوذكسية, عندما تُقدَّم هكذا, في ماذا تختلف عن الخرافة؟ لأنه, عندما تُقدَّم الأرثوذكسية كمثل مسيحية لا تشفي, بالرغم من أن عملها الأساسي هو الشفاء, عندئذٍ ماذا تختلف عن الخرافة؟
يوجد مسيحيون في الغرب, لديهم أيضًا تلك العقائد, التي تقبل مجامع معينة, أي الهراطقة, في عقائدهم لا يوجد ظاهريًا إختلاف عظيم في علاقتها بالعقائد الأرثوذكسية. بالتالى, طالما العقائد الأرثوذكسية ليست لديها إختلافات جوهرية مع العقائد المسيحية الآخري, وطالما التعاليم العقيدية الأرثوذكسية, كما تُعلَّم اليوم هي ليست لها علاقة مع التربية الأرثوذكسية الشفائية, في ماذا يختلف التقليد الأرثوذكسي عن تقليد غير الأرثوذكس من هذا المنطلق؟ ولماذا يؤمن شخص غير أرثوذكس في الأرثوذكسية وليس في عقيدة مسيحية آخري, طالما أيضًا الأثنين بالطريقة التي تُقدَّم له, لا تُقدَّم بكونهما طرق للشفاء, لكن مثل خرافات؟
اليوم نتحدث عن تغيير طريقة تفكير الإنسان, عن تغيير العقيدة, عن تغيير رؤية الحياة, وهكذا نعتبرها توبة , التوبة تتطابق فقط مع القبول النظرى للمسيح। بمعني نقبل المسيح ولأننا قبلناه, نذهب أيضًا إلي الكنيسة, ونُشعل شمعة ونصير أولاد طيبين, نذهب لو كنتم أطفال إلي مدارس الأحد, وإن كنا كِبار, إلي حضور الشعائر الدينية ـ ويُفترَّض ـ أننا نحيا في توبة, أي نحن تائبون. وإن فعلنا شيء سيء في حياتنا نُظهِر ندم ونطلب غفرانًا, وهذا الذي نعمله, نُسميه توبة. لكن هذا ليس هو توبة. هذا هو مجرد ندم. الندم هو بداية التوبة. نفس الإنسان لا تتطهر بمجرد الندم, لكي تتطهر نفس الإنسان من الشهوات يسبقها خوف الله والتوبة, التي تستمر أثناء مرحلة التطهير وتكتمل بالإستنارة الإلهية, أي إستنارة عقل الإنسان بواسطة نعمة الروح القدس.

إذن طالما أن الأرثوذكس لا ينشغلوا بهذه التربية الشفائية, في ماذا يختلف عن الأرثوذكس؟ في العقيدة؟ وماذا يصنعوا بالعقيدة الأرثوذكسية, عندما لا يستخدمونها لشفاء نفوسهم؟ العقيدة هكذا لا تفيدهم في شيء.
سوف يحدثنا الاب رومانيدس المرة القادمة عن : ما هى حالة المصالحة مع الله؟

الخميس، 5 مايو 2011

ما هي الأرثوذكسية؟







4ـ ما هي الأرثوذكسية؟



الاب رومانيدس - ترجمة د جورج عوض
توجد  معارضة للأرثوذكس-على وصف توينبى للارثوذكسية-, أي الحضارة الأرثوذكسية। لكننا نتسائل ما هي الحضارة الأرثوذكسية؟ هل هي حضارة بمفهوم الحضارة الغربية؟ لا। ليست الأرثوذكسية هي حضارة حتى لو سماها توينبي حضارة أرثوذكسية। لماذا؟ لأن الأرثوذكسية هي عِلم وأيضًا علم طبي وفق المعايير اليومية। ليست حضارة। الأرثوذكسية ليست هي نظام سياسي أو إجتماعي। لأنها تهتم بخلاص الإنسان الشخصي, أي في خلاص نفسه। تتأسس الأرثوذكسية علي هذين الأثنين في "الكلمة صار جسدًا" (يو14:1) و"في الجحيم ليست هناك توبة"। بالتأكيد في داخل الأرثوذكسية توجد أساسيات لكي تُنشئ حضارة لكن الأرثوذكسية ليست هي حضارة, والأرثوذكسية ليست هي ديانة مثل كل الديانات الأخري। الأرثوذكسية تتميز بظاهرة فريدة لا توجد في الديانات الأخري। هذا التمييز هو أنثربولوجي وشفائي। في هذا الأمر هي تختلف। الأرثوذكسية هي تربية شفائية حيث تشفي الشخصية البشرية।
الطبيب الماهر يهتم بشفاء كل المرضي بلا إستثناء بدون أي تمييزات لا يفضل البعض ويميزهم لكي يشفيهم. لا يعنيه مستواهم الإجتماعي أو الثقافي أو حالتهم الإقتصادية أو ديانتهم أو تصرفهم الأخلاقي. الطبيب الماهر يري فقط  الإنسان الذي يلجأ إليه بانه مريض. وبما أنه  مريض فإنه يحرص علي شفاءه. إنه من الواجب عليه أن يشفيه. في التقليد الأرثوذكسي, لدينا شيء أكثر من ذلك. وفي هذا بالضبط يتآلف موقفنا.
الله يحب ليس فقط القديسين بل كل البشر بلا إستثناء، يحب كل الخطاه, كل الفُجار। ويريد أن يخلص وأن يشفي الكل, لأنه ليس الكل يريد أن يُشفى. وكون الله هو محبة ويريد أن يشفي الكل وأنه يحب الكل بالتساوي, حُقِقَ من خبرة المتألهين, أي كل الذين وصلوا إلي التأله, أي إلي معاينة الله ورؤيته।(هنا التأله ليس ان يصير الانسان مثل الله بحسب الجوهر حاشا)
لكن لا يستطيع الله أن يشفي الجميع, لأنه لا يغتصب إرادة الإنسان ،فالله يحترم الإنسان ويحبه. أيضًا لا يستطيع أن يشفي أحد عنوةً. يشفي فقط الذين يريدون أن يُشفوا ويطلبوا منه الشفاء. بالطبع, إذ كان أحد لديه مرض جسدي أو نفسي علية أن يذهب بإرادته وليس بالإجبار إلي الطبيب, لكي يتعافي, لو طبعًا في حالة عقلية سليمة. هكذا أيضًا في التربية الأرثوذكسية الشفائية. يجب للشخص بمفرده, بدون أي إجبار, بدون أي ضغط وبحرية أن يأتي إلي الكنيسة, إلي الناس المناسبين, الذين هم مستنيرون ولديهم خبرة ويملكون الوسيلة الشفائية للتقليد الأرثوذكسي, وأولئك عليهم أن يطيعوا لكي يجدوا الشفاء.

الأربعاء، 4 مايو 2011

إبتعاد المسيحية الغربية عن الأخلاق الأرثوذكسية







3ـ إبتعاد المسيحية الغربية عن الأخلاق الأرثوذكسية



الاب رومانيدس- ترجمة د جورج عوض
أيضًا بخصوص هذه المواضيع، يستطيع الأرثوذكس اليوم الإجابة لأن المسيحية الغربية قد ابتعدت اليوم كثيرًا جدًا عن التربية المسيحية الأرثوذكسية من منظور المرض والشفاء. إنهم لا يعتبرون الأرثوذكسية كأنها تربية شفائية, بالرغم من ان محتوى كل طلبات الكنيسة هي تمامًا علي هذا الموضوع. لأن المسيح, مَنْ يكون بالنسبة للمسيحية الأرثوذكسية؟ ألا يُدعيَّ مرارًا في الطِلبات ومدائح الكنيسة :
"طبيب نفوسنا وأجسادنا".
لو بحثتم في التقليد الكاثوليكي أو البروتستانتي, عن هذا اللقب للمسيح كطبيب سوف لا تجدونه أبدًا ! لماذا هذا التقليد أنطفئ من الغرب, وعندما نتحدث إليهم عن التربية الشفائية, يتفاجئون؟
لأن الإحتياج للتطهير والإستنارة, والإحتياج للتغيير الداخلي قد إختفيا من تعليمهم اللاهوتي. بالنسبة لهؤلاء, ذاك الذي يتغير ليس الإنسان بل الله ! الإنسان بالنسبة لهؤلاء لا يتغير. الشيء الوحيد الذي يفعله الإنسان بالنسبة لهؤلاء هو أن يصير إنسان كويس وعندما يصير الإنسان الشرير إنسان حسن وكويس, عندئذٍ الله يحبه. غير ذلك يشيح وجهة عنه ! لو ظل أو صار ولد سيىء, عندئذٍ الله لا يحبه ! أي لو أن الإنسان صار وُلد حسن, عندئذٍ يتغير أيضًا الله ويصير صالح (حسن). وفى الماضى لم يكن الله يحبه, والآن يحبه ! عندما يصير الإنسان ولد شرير, الله يغضب, وعندما يصير الإنسان ولد حسن, الله يفرح ! هذا للأسف يحدث في أوربا. بل يحدث أيضًا في بلادنا، ويسيطر هذا الفكرعلي كثيرين داخل الكنيسة . لقد تأسس فى تفكير كثيرين أن الأرثوذكسية هي ديانة μία θρησκεία, حيث الله يغير مقاصده وأهدافه ! عندما يصير الإنسان حسن, الله يحبه. وعندما يصير شرير, الله لا يحبه. بمعني إن الله يعاقب ويكافئ ! هكذا جوهر الأرثوذكسية اليوم هو عِلم الأخلاق. أليست هذه التعاليم تُوجَّه للأولاد في مدارس الأحد؟
لو إفترضنا أن باحث ليس له أي علاقة بالأديان, باحث مُلحِد, يبحث التقاليد الدينية وتناول التقليد الأرثوذكسي ونقب وإكتشف ووصف هذا التقليد. سوف يقول: أنظروا هنا! هذا التقليد يتحدث عن النفس, عن الفعل الذهني للنفس وعن تربية شفائية محددة بعد ذلك يستمر هذا الباحث لكي يعرف هل هذه التربية الشفائية قد طُبقت حينذاك في مجتمعات الناس, سوف يستخرج نتيجة مفيدة عن العافية الفردية والمجتمعة وبعد ذلك أيضًا, يبدأ ليعرف بالضبط متى ظهر هذا التقليد, وما هي مصادرة, وكم من الدهور (الأزمنة) قد طُبق عمليًا, وأين طُبق ولماذا لا يوجد اليوم عند الأرثوذكس, عند الأغلبية منهم, ولماذا خضعت الأرثوذكسية لغير هذا التقليد. وهذا الباحث يستمر ويجد أن هذا يحدث لأن الهدوئية Ησυχασμός والرهبنة التقليدية التي هي حاملة لهذا التقليد قد إختفت .
لماذا إختفت؟
لأن البلاد بدأت تتبني الحضارة الغربية كما حدث في روسيا بعد إصلاح بطرس الكبير, وفي اليونان بعد ثورة 1821 والمؤرخ المعاصر توينبي يقول أن الحضارة الأرثوذكسية تشاكلت تدريجيًا بالحضارة الغربية. لقد كتب كتاب كامل يميز فيه اليوم الحضارات الموجودة إلي خمس حضارات فقط, من عشرين حضارة كانت موجودة في الماضي. هذه الحضارات الخمس هي الحضارة الهندية وحضارة الشرق الأعلي (الصين واليابان), والحضارة الأوربية, الحضارة الأرثوذكسية والحضارة البدائية التي توجد اليوم في مناطق إستراليا وأفريقيا. ولدي توينبي نظرية أن كل الحضارات اليوم صارت مثل الحضارة الغربية.
في الماضي بدأت عملية التغريب بواسطة إرسالية التبشير الغربية. الأوربيون في الماضي وكذلك اليوم يرسلون جنود للإرساليات التبشرية لكي يجعلوا ليس الأمم الأخري مسيحيين, لكن أيضًا لكي يصيروهم غربيين. لأجل هذا يوجد في اليونان كل هؤلاء الهراطقة ومازالوا يعملون. لكن هذا التبشير يقول توينبي
Toynbee
أخفق في بلاد إفريقية وثنية وأماكن أخري, ان المرسلون قسموا وفصلوا الناس, علي سبيل المثال في أسرة وثنية حدث أن الواحد صار لوثري وأخ آخر صار أنجيليكاني, وآخر معمداني, وإبن عمه صار موديستي, وآخر خمسيني, وآخر إنجيلي...الخ, ليس فقط قسموا البلد إلي قطع من جهة الدين بل أيضًا العائلات ذاتها أنقسمت علي نفسها. بالتالي لقد ثبُت أن هذا النوع من التبشير قد أخفق إخفاقًا كبيرًا في جعل شعوب العالم الثالث مثل الشعوب الغربية.
هكذا فضَّل توينبي سنة 1948 حل جديد هو تحويل الشعوب إلي شعوب غربية عن طريق التكنولوجيا وكذلك أيضًا الإقتصاد।




سوف يتحدث الاب رومانيدس فى المرة القادمة عن : ما هى الارثوذكسية؟

الثلاثاء، 3 مايو 2011










اللاهوت الآبائى
2ـ مَنْ هو مريض النفس ψυχοπαθής بحسب آباء الكنيسة؟






الاب رومانيدس- ترجمة د جورج عوض
بالمفهوم الآبائي, كل واحد هو مريض النفس. ليس من الضروري أن يكون الشخص مريض بمرض إنفصام في الشخصية لكي يكون مريض نفسيًا. تعريف المريض النفسي من المنظور الآبائي هو ان المرض النفسي يوجد في الإنسان الذي فعلة الذهني في داخله لا يعمل بشكل صحيح. أي عندما يكون ذهن νοῠς الإنسان مملوء من الأفكار λογισμούς, ليس فقط الأفكار الشريرة بل الأفكار الصالحة.
مَنْ لديه أفكار, صالحة أم شريرة في قلبه, هذا الإنسان من المنظور الآبائي هو مريض نفسيًا أي بحسب آباء الكنيسة مَنْ لم يصل إلي حالة الإستنارة بنعمة الروح القدس هو مريض نفسيًا ψυχοπαθής.
لكن ليس بمفهوم الطب النفسي. المريض نفسيا بالنسبة للطب النفسي هو شيء آخر، إنه ذاك الذي يعاني من إنفصام في الشخصية. لكن بالنسبة للأرثوذكسية ، الذي لم يمر علي تطهير النفس من الشهوات ولم يصل إلي الإستنارة φωτισμό هو إما عادي normal أو غير عادي هذا هو الموضوع.
مَنْ هو المسيحي الأرثوذكسي العادي في التقليد الآبائي؟ لو أردتم أن تروه بوضوح تام, إقرأوا نص سر المعمودية, إقرأوا نص الميرون المقدس, الذي يُتمم بواسطة بطريرك القسطنطينية في يوم الخميس العظيم, إقرأوا نص تدشين الكنائس. هناك سوف ترون ماذا يعني هيكل الروح القدس, هناك سوف ترون مَنْ هو المستنير
φωτισμὲνος.
كل الطقوس وكذلك تقليد الكنيسة النسكي يشيرون إلي ثلاث مراحل روحية:

في التطهير من شهوات النفس والجسد, في إستنارة عقل أو ذهن الإنسان من نعمة الروح القدس, وفي تأله النفس وجسد الإنسان لكن بالأخص يتحدثون عن التطهير والإستنارة, لأن صلوات أسرار الكنيسة هي تعبيرات للعبادة العقلية. إذن مَنْ هو الإنسان العادي الأرثوذكسي؟ هل الإنسان المعمد ولكن غير الطاهر؟ هل هو الإنسان غير المستنير؟ أم الإنسان الطاهر والمستنير؟ طبعًا الآخير. هذا هو الإنسان النورمال normal الأرثوذكسي.
بناء علي ذلك فيما يختلف الإنسان العادي الأرثوذكسي عن الآخرين غير الأرثوذكس؟ هل الإختلاف في العقيدة؟ بالتأكيد, لا خذوا الأرثوذكس عمومًا. الكل منهم لديهم نفس العقيدة, ونفس التقليد ونفس العبادة. يمكن أن يوجد في نفس الكنيسة 300 ثلثمائة شخص أرثوذكسي لكن من كل هؤلاء فقط يوجد خمسة هم في حالة الإستنارة, بينما الآخرون لا يكونوا في هذه الحالة. وأيضًا الآخرون هؤلاء ليس لديهم فكرة عن ما هو التطهير. وهنا سؤال يفرض نفسه كم هم المسيحيون العاديون الأرثوذكس في الثلثمائة الموجودين؟ للأسف خمسة فقط.
التطهير والإستنارة هما حالتين محددتين للشفاء, واللذان تحدثا عنهما الآباء الروحيون والمستنيرون بدقة. إذن هل لدينا هنا معايير طبية واضحة جدًا, أم ليست معايير طبية تمامًا؟ طالما أن الذهن هو عضو طبيعي للإنسان, لكل إنسان ـ لأنه ليس فقط اليونانيون أو الأرثوذكس لديهم ذهن بل أيضًا المسلمون والبوذيون وكل العالم ـ بالتالي كل البشر لديهم نفس الإحتياج للتطهير والإستنارة أليس الأجراء الشفائي هو واحد أم توجد وسائل شفائية لهذا المرض؟ وهو حقًا مرض أم لا؟
يحدثنا الاب رومانيدس المرة القادمة عن: إبتعاد المسيحية الغربية عن الاخلاق الارثوذكسية

الاثنين، 2 مايو 2011



اللاهوت الآبائي
للأب رومانيدس - ترجمة د جورج عوض
1ـ "ذهن" أو”عقل” الإنسان ὀ νοῠς τοῡ ἀνθρὼπου
شفاء نفس الإنسان هو الإهتمام الأساسي للكنيسة الأرثوذكسية. الكنيسة دائمًا تحرص على شفاء النفس وقد تحقق من التقليد العبري من المسيح ذاته والرسل أن في القلب الطبيعي يعمل شيء, حيث الآباء يسمونه "ذهن" νοῠν.
أي أخذوا "العقل" التقليدي الذي يعني الفكر διάνοια والمنطق λόγος
وعملوا تمييزًا فسّمَوا العقل هذا بالذهن الذي يعمل في قلب الإنسان الصحيح نفسيًا. لا نعرف متى صار هذا التمييز, لأنه يحدث أيضًا أن بعض الآباء يسمونه بنفس الكلمة, ذهن νοῠν وعقل λογικη ، والذهن, ينزل ويعمل في نطاق القلب.
عندئذٍ من هذا المنطق الفعل الذهني هو فعل العقل الموجود فى الدماغ إذ هو ذاته يعمل في نفس الوقت أيضًا في القلب كـ ذهن
νοῠς. أي العضو ذاته, الذهن (العقل) ὀ νοῠς يصلي بلا إنقطاع في القلب في كل الذين يصلون الصلاة القلبية الدائمة وفي نفس الوقت يفكر علي سبيل المثال في المسائل الحسابية وأي أمر آخر في الدماغ.
ينبغي أن نقول أن هذا الذي يسميه بولس الرسول ذهن يتطابق مع هذا الذي يسميه الآباء فكر أو إدراك διάνοια. هو إختلاف في المصطلح عندما يقول بولس الرسول "أُصلي بالروح" (1كو15:14), يقصد ما يقولوه الآباء "أصلي بالذهن", وعندما يقول "أصلي بالذهن" يقصد "أصلي بالفكر". تسمية «νοῠς»
اى الذهن عند الآباء ليست هى ذاتها عند بولس الرسول, بل هو الروح عند بولس الرسول. عندما يقول أُصلي بالذهن, يعنى: أصلي بالروح أو أسبح بالذهن, تعنى: أسبح بالروح, وعندما يقول روح الله تشهد لأروحنا, بكلمة روح يقصد هذا الذي يقولوه الآباء νοῠν. وبكلمة νοῠν يقصد الذهن والفكر والعقل.
في تعبيره "روح الله (الروح نفسه) يشهد لأرواحنا"
(رو16:8),
يتحدث عن روحين: روح الله وعن الروح البشري. هذا الروح البشري إبتدأ في زمن القديس مقاريوس المصري يُسمَّي الذهن: νοῠς, وفقط أسماء مثل: قول وفكر ظلاَّ يخصان عقلية الإنسان هكذا تطابق «νοῠς» مع «πνεῡμα» أي تطابق الذهن مع الروح, أي بالقلب «καρδιά». لأن نطاق روح الإنسان هو القلب بحسب بولس الرسول. فروح الله يتحدث إلي أرواحنا, أي الله, يتحدث في قلوبنا بواسطة نعمة الروح القدس.
هكذا العبادة العقلية تصير عند بولس الرسول بالعقل (أي بالفكر والعقل), بينما الطِلبة الذهنية νοερά ευχή تصير بالروح وهي الطِلبة الروحية, أي الصلاة القلبية। الإنسان لديه مركزين معروفين। الواحد هو الذهن νοῠς الذي هو العضو المناسب لقبول إعلان الله, والآخر هو العقل والمنطقλογική الذي يعرف العالم المحسوس المحيط بنا. هكذا ذاك الذي يقول عنه بولس الرسول "ولكن في كنيسة أُريد أن أتكلم خمس كلمات بذهني لكي أعلم آخرين أيضًا أكثر من عشرة آلاف كلمة بلسان" (1كو19:14), يعني أنه كان يفضل أن يقول خمس كلمات بواسطة العقل لكي أكرز للآخرين عن أن أصلي ذهنيًا νοερῶς. هذا الذي يقوله هنا بولس الرسول فُسِر من بعض الرهبان بأنه يتحدث عن صلاة يسوع: "ياربي يسوع المسيح إرحمني" التي تتكون من خمس كلمات. لكن هنا بولس الرسول يتحدث عن كلمات كان يكرز بها للآخرين. لأنه كيف يمكن أن تصير الكرازة بصلاة ذهنية طالما أن الصلاة الذهنية هي صلاة الإنسان الداخلية والآخرون حوله لم يسمعوا شيئًا؟ لكن الكرازة تصير بتعليم عقلي وبعبادة عقلية. نُعَلِم ونتحدث بواسطة العقل الذي هو التواصل المعتاد بين البشر.
أيضًا التواصل والشركة توجد بين الذين يصلون بالذهن في قلوبهم. أي يستطيعون أن يجلسوا معًا والواحد يتواصل ويصنع شركة مع الآخر ذهنيًا بدون أن يتحدثا. أقصد توجد بينهما شركة روحية. هذا بالطبع يحدث لهؤلاء أيضًا من بعيد وهؤلاء أيضًا لديهم موهبة البصيرة والتبصر. بالبصيرة يقتفون أثر خطايا كل إنسان وكذلك أفكاره, بينما بالتبصر يرون ويتحدثون عن أمور وأعمال وحوادث مستقبلية حقًا ، يوجد مثل هؤلاء الناس المواهبيين, ولو ذهبتم لكي تعترفوا لهؤلاء, فإنهم يعرفون كل ما لديكم في حياتكم قبل أن تفتحوا أفواهكم وتتحدثوا إليهم.
يتحدث الاب رومانيدس فى الحلقة القادمة عن :مَنْ هو مريض النفس بحسب آباء الكنيسة؟