الجمعة، 24 مايو 2013

آبائيات - مقالات مجلة أغصان أسقفية الشباب


آبائيات ( 1 )

 د.جورج عوض إبراهيم


                

لقد تعودنا في مدارس الأحد أن نُسمي أستاذ سامي بأنه سامي آبائيات ، وكلما نادناه بهذا الإسم ترتسم ابتسامة ضاحكة على وجهه السمح البريء وكأنه يفتخر بهذا اللقب. أما سبب تسميته بهذا الإسم فهذا لأنه حين يتكلم في أي موضوع نجده يذكر شواهد كثيرة من الكتاب المقدس وتفسيرات الآباء عليها ، وهو يعرف كل أب من آباء الكنيسة وكأنه تعامل معه شخصياً وعرّفه عن قُرب . ولا أُخفي عليكم القول بأن كثيرين يُعجبون بكلامه وشرحه لدروس مدارس الأحد والمواضيع الشبابية حيث يعرضها بطريقته المعهوده والتي هي أقرب إلى طريقة شرح المدرس التربوي ولِما لا فهو مدرس أعدادي متخصص في الدراسات الإجتماعية، إلا ان البعض يُظهِر ضجرأً منه لكثرة استخدامه لنصوص من الآباء متعللين بأن الآباء ينتمون إلى الماضي السحيق ولم يواجهوا مشاكل مثلما نواجهها اليوم ، فما الداعي أن يحشر الأستاذ سامي آبائيات نصوص الآباء في مواضيع معاصرة ظهرت بعد الآباء بأكثر من ألف عام . وأنا أرى أن وجهة نظرهم تستحق أن ننقلها إلى الأستاذ سامي آبائيات .

قابلت - يوم أحد بعد القداس - الأستاذ سامي وطلبت منه ان أجلس معه في الكافيتريا لنحتسي الشاي ونتحدث معاً ، رحب كثيراً والأبتسامة على وجهه قائلاً : شاي وسندوتشات وأنا اللي ها أدفع الفلوس . وحين جلسنا بادر بالحديث قائلاً : عايزنا نتكلم في إيه ، جاوبته : في موضوع الآبائيات ، عايز أنقل رأي البعض بصراحة في موضوع الآبائيات . قاطعني قائلاً : يسعدني ان تتكلم بكل صراحة .

قلت له : البعض يرى أنه لا ضرورة من نصوص الآباء لأنها كُتبت منذ زمن سحيق في الماضي ولم تُعالج مشاكل ظهرت بعد ألفين عام ، لماذا دائماً تحشر الآباء – آسف – في موضوعاتنا الشبابية؟

الأستاذ سامي : لكي أُجيب على هذا السؤال لازم نعرف ما هو عِلم الباترولوجي .

قُلت : يا أستاذ سامي مش عايز مصطلحات معقده إرحمني

الأستاذ سامي ضاحكاً : ما تخافش ها أوضح كل الأمور.

قُلت : وضحلي أرجوك

الأستاذ سامي :  ببساطة عِلم الباترولجي هو الكلام عن آباء الكنيسة .

قُلت : وما أهمية كتاباتهم أليس لدينا الكتاب المقدس الذي كتبه أناس الله القديسيين مسوقين من الروح القدس ؟ .

الأستاذ سامي : لا تستعجل . أي حد لما يحب يدرس موضوع ويروح لأستاذه يسأله عن هذا الأمر ، سوف يقول له ، ما هو الموضوع بالضبط ؟ هل هناك أحد كتب في هذا الموضوع ؟ ما المراجع التي تستند علها ؟ أي طريقة سوف تنتهجها في بحثك ؟ ما هي الإضافة التي سوف تضيفها على ما قام به الآخرون قبلك ؟

قُلت له مقاطعاً : كل ده مفهوم يا أستاذ سامي

الأستاذ سامي : ماشي طالما انت موافق على كل هذا ، أقول لك : لو أنا بحضر موضوع عن الفداء في المسيحية ، هل يعقل ان أفتح الكتاب المقدس وأحضر الموضوع وكأني أول واحد في الكون يكتب في هذا الموضوع ؟

أجبته بملل : للأ طبعاً

الأستاذ سامي : إذن يجب أن أعرف ماذا كتب السابقون ، ومش أي أحد بل الأولى ان أرى ماذا كتب معلمي الكنيسة مثل : القديس أثناسيوس الرسولي ، القديس كيرلس الأسكندري وغيرهم من الآباء.

قُلت : وهل ما كتبوه يختلف عن ما ذكره الكتاب المقدس

إعتدل الأستاذ سامي في جلسته وقال : طبعاً لا ، لكن ما قالوه الآباء يفسر ما هو موجود في الكتاب المقدس ، فما هو مكتوب في الكتاب يحتاج إلى فِهم صحيح ، ومهمة كنيستنا التي هي كنيسة الآباء ان تفسر لنا الكتاب بواسطة معلميها .

قلت بنبرة المنتقد : معنى هذا أنني لا أستطيع قراءة الكتاب بمفردي ، أليس فينا الروح القدس وهو يرشدنا لنفهم الكتاب ؟

الأستاذ سامي : نعم نتمتع بسكنى الروح القدس ، وعلينا ان نتعرف على عمل الروح القدس في نفوس معلمي الكنيسة ، أليس في مجمع أورشليم المذكور في أعمال الرسل تقرأ عبارة : " قال الروح القدس ونحن " . ينبغي علينا ان نتعرف على عمل الروح القدس هذا .

قُلت : هذا ما نسميه التقليد المقدس

الأستاذ سامي : نعم . التقليد المقدس هو الإيمان المسلم مرةً للقديسيين من خلال ما سلمه الرب نفسة للرسل وما سلموه هم لخلافائهم وما أتفقوا عليه في المجامع المسكونية وما هم محفوظ في صلواتنا الليتورجية .

قُلت : وما دخل كل هذا في قراءة الكتاب المقدس

الأستاذ سامي : يجب أن نفهم الكتاب في إطار الإيمان الذي تسلمته الكنيسة ، فمن غير المعقول أن نفسر الكتاب بتفسيرات تضاد إيمان الكنيسة . ومن هنا تأتي أهمية تعاليم الآباء المعلمين .

قُلت بأرتياح : كده بدأت أفهم ، لكن ما زال سؤال يفرض نفسه

الأستاذ سامي : ما هو ؟

قُلت بثقة زائده : أنت لم تجيب على سؤال الهوة الزمنية بيننا وبين الآباء فمشاكلنا تختلف عن مشاكلهم .

الأستاذ سامي : معك حق . لكن ألا ترى معي ترتيب جلسة أخرى لنتحدث في هذا الموضوع لأنني لا بُد ان أنصرف الآن

قُلت بكل إرتياح : يكفي اليوم ، على ان نلتقي الأحد القادم . وأستأذن الأستاذ سامي وأنصرف

(يتبع)

آبائيات (2)


              د. جورج عوض إبراهيم

تقابلت مع الأستاذ سامي آبائيات كما يطلقون عليه في كنيستنا ، وجاء في الميعاد كما أتفقنا ومدحني لأنه جاء ووجدني أنتظره في الميعاد بالضبط وبأبتسامته المعهوده عبر عن سعادته قائلاً : إلتزامك بالميعاد يجعلني أُغير رائي في الشباب أمثالك ، فأنتم دائماً تُفاجئوننا بأنكم غير ما يدعي الكبار بأنكم غير ملتزمون وغير مسئولون .

قلت له : شكراً أستاذ سامي ، بس أنا مش ملتزم للدرجة دي ، أنا بس معاك إلتزمت لكن أوعدك بأن أكون دائماً ملتزم

أستاذ سامي : فاكر إحنا وقفنا عند أي سؤال حين كُنا نتحدث في المره السابقه ؟

قلت : طبعاً ، إحنا كُنا تحدثنا عن أهميه دراسة الآباء ، وحضرتك وضحت ليه إحنا لازم نعرف تعليم الآباء .

قاطعني قائلاً : وياترى فاكر فعلاً ليه بندرس الآبائيات

قلت : طبعاً يأستاذ سامي ، لازم نعرف عمل الروح القدس مع آبائنا وخصوصاً ما يتعلق بأساسيات الإيمان . وتوقفنا عند سؤال : ماذا عن الهوه الزمنية بيننا وبين الآباء ؟ لأن البعض يقول اننا نواجه مشاكل تختلف عن المشاكل التي واجهها الآباء

أستاذ سامي : ماشي إحنا توقفنا عند هذا السؤال . أرى أننا يجب ان نعرف ان ما كتبه الآباء ينقسم إلى قسمين على الأقل ، أولاً : نصوص تعليميه خاصه بأساسيات الإيمان

قاطعته قائلاً : تقصد التعليم العقيدي

أستاذ سامي : برافو . وهذا التعليم العقيدي من التعاليم التي لا تقبل تغيير أو تزييف

قُلت :  أعطني مثال

أستاذ سامي :  أقول لك مثلاً تعليم القديس أثناسيوس عن التجسد وألوهية الإبن وصلب المسيح وموته على عود الصليب وقيامته ، كلها تعاليم عقيديه لا تقبل التغيير

قاطعته قائلاً : وما هو القسم الثاني من النصوص الآبائية ؟

أستاذ سامي : القسم الثاني هو تعليم الآباء في قضايا تقبل التغيير والتأمل والأجتهاد .

قلت : زي إيه

أستاذ سامي : مثل قضايا إجتماعية تتغير بتغير الأزمنة والظروف والحضارات ، آيات عن الفضائل تتطلب تأملات متنوعة ، لدينا تفاسير متنوعه للمزامير وأسفار الكتاب المقدس ، ليس لأننا نتبع الآباء يعني أننا نردد عبارات وتفاسير معينه لا نحيد عنها ، وإلا ما كُنا نجد كل هذا التنوع من الشروحات والتفاسير . أما التعليم العقيدي فإننا نلتزم بتعبيرات الآباء كما جائت في قانون الإيمان وكُتب الكنيسة الليتورجية .

قلت : هل هذه التعاليم العقيدية تقبل الشرح أم نكتفي بها ؟

أستاذ سامي : أكيد تقبل الشرح والإيضاح وأستخدام أمثله من الحياه اليوميه ، الآباء نفسهم شرحوا لنا العقائد بإستخدام أمثله من الحياه اليوميه .

قُلت بلهفة : يا ريت تقولنا أي مثال ؟

أستاذ سامي :  أبسط شيء عن التجسد مثلاً ، إتحاد الحديد بالنار يجعل الحديد يكتسب صفات النار الحارقه مع انه يظل حديد ، هكذا جسد المسيح كان مانح للحياه ، فاكر عندما كان يلمس المرضى بيديه فيشفيهم . وأمثله ثانيه كثيرة مثل الشمس يصدر منها شعاع النور وحرارة والتي هي صوره ترمز للثالوث ، فالشمس ترمز للآب والشعاع يرمز للإبن والحرارة ترمز للروح القدس . وأجمل شيء في هذا المثل انك لا تستطيع ان تفصل الشعاع عن المصدر الذي هو الشمس ولا أيضاً الحرارة ولا يستطيع أحد ان يدّعي أن الشمس هي قبل الشعاع ولا هي قبل الحرارة ،  مثل الإبن الذي هو منذ الأزل مع الآب وكذلك الروح القدس . رأيت كيف أن الأمثله تشرح لنا ما هو صعب في إدراكه  ؟

قُلت بإرتياح : طبعاً يا أستاذ سامي دا إحنا نحب دائماً الأمثله في الشرح علشان نستوعب ما نسمعه من تعاليم

أستاذ سامي : نرجع لموضوع النصوص الآبائيه ومشاكلنا اليوم

قُلت مبتسماً : هو أنت لسه فاكر يا أستاذ سامي

أستاذ سامي : طبعاً ، نحن نأخذ من النصوص الآبائية أساسيات تساعدنا على مواجهة مشاكلنا ، لأن مشاكل الإنسان واحده ، مثلاً : الفقر والبطاله والكراهيه والأنانيه وعدم تحمل المسئولية وغيرها من المشاكل ، والآباء تناولوا كل هذه المشاكل حتى مشاكل المتزوجين والأُسر والشباب . إذن علينا ان نعرف كل ما عالجوه الآباء ونأخذ هذه الأساسيات ثم نواجه ما يستجد من مشاكل ونثق ان الروح القدس يرشد دائماً الكنيسة التي تفتح لنا أذهاننا لكي نواجه مشاكلنا كما فعل الآباء . وأظن أننا نكتفي النهارده على ان نلتقي الأسبوع القادم

قُلت : موافق يا أستاذ سامي ، بس يا ريت نتحدث المره القادمه عن علاقة التقليد الآبائي بالكتاب المقدس .

أستاذ سامي : وأنا موافق . وأنصرف بعدما حياني بحرارته المعهوده ممسكا بكتفي قائلاً : بس تيجي في الميعاد.

آبائيات ( 3 )


               د. جورج عوض إبراهيم

ذهبت إلى كافتيريا الكنيسة قبل ميعادي مع الأستاذ سامي لأنتظره ، ولا أُخفي عليكم منذ أن تواعدنا معاً تعلمت ان أكون ملتزماً في الميعاد معه حتى لا يتضايق مني لو تأخرت ، وأيضاً لأن شخصية الأستاذ سامي تجبرك على إحترامه لأنه شخصية جادة ومنظمة وليس لديه وقت للأنتظار ، تشعر أمامه أنك أمام جدول إمتحان ، فهو يحدد متى يبدأ ومتى ينتهي وليس لديه العشوائية التي لدينا ، فنحن نسهر ليلاً إما على النت أو التلفزيون أو على البلاي إستشن ونستيقظ بصعوبة أيام الدراسة وأيام الأجازات نستيقظ كما نشاء حتى أن وجبة الإفطار قد أُلغيت تماماً  وتحولت بالكاد إلى وجبة غذاء ، وحضور القداسات أصبح من المستحيل في ظل السهر وعدم الإلتزام ويدوبك بنواظب على حضور الإجتماعات التي تنعقد بعد القداسات . وبينما انا أُفكر في حالنا الذي لا يسر عدو ولا حبيب جائني الأستاذ سامي وحياني ومدحني ووصفني بأنني ملتزم وتمنى ان يكون بقية الشباب مثلي ، وهو لا يعرف أنني مثلهم بالضبط وكل الحكاية انني إلتزمت معه فقط لأنني أنا الذي طلبت منه هذه المقابلات معه لأعرف حكاية الآبائيات دي .

بعدما جلس الأستاذ سامي طلب لنا مشروب الشاي المفضل له ثم قال لي : هل تتذكر السؤال الذي توقفنا عنده في المرة السابقة . قلت : طبعاً فاكر

أستاذ سامي : برافو . ما هو ؟

قُلت : توقفنا عند سؤال : ما هو علاقة التقليد بالكتاب المقدس ؟

أستاذ سامي : أول شيء لازم نعرف ماذا نقصد بكلمة التقليد

قُلت : ياريت

أستاذ سامي : التقليد هو ببساطه الإيمان الذي تسلمه تلاميذ المسيح والرسل من المسيح نفسه ، الإيمان الذي عاشوه وسبق أن رأُوه في المسيح . علشان كده القديس يوحنا البشير يقول : " الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة " 1يو1:1

قُلت : يعني عاوز تقول إيه يا أستاذ سامي

أستاذ سامي : عاوز   أقول ان التقليد هو الإيمان الإختباري الذي عاشه المؤمنين منذ البداية واستلموه من الرب نفسه ، وهذا التقليد ما هو إلا حقيقة شخص المسيح والإيمان به بكونه إبن الله ، الذي هو واحد مع الله في الجوهر. علشان كده يقول القديس يوحنا  : الذي سمعناه الذي رأيناه  الذي لمسته أيدينا

قُلت : وفين موضوع أنه ابن الله

أستاذ سامي : لو أكملنا الآيات اللي قالها القديس يوحنا سوف يتضح مَنْ هو المسيح

قُلت : تفضل وأكملها

أستاذ سامي : " فإن الحياة أُظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب واُظهرت لنا . الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا . واما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح " 1يو2:1-3

هنا المسيح هو الحياة التي أُظهرت ، وهذه الحياة هي الحياة الأبدية التي كانت عند الآب أي أزلية الإبن لأنه مع الآب منذ الأزل ، علشان كده الشركة هي مع الآب وابنه كما قال القديس يوحنا

قُلت : وما الذي جعل القديس يوحنا واثق من حقيقة شخص المسيح بأنه الإبن الأزلي

أستاذ سامي : لا شيء غير الأختبار العملي ومعايشة الإيمان

قُلت : علشان كده قال : الذي سمعناه ورأينا ولمسناه

أستاذ سامي : نعم نحن أمام إختبار عملي وليس مجرد براهين نظرية

قُلت : وأين نجد محتوى هذا التقليد ، هل هو تقليد شفاهي فقط أم أنه مدون في كتب

أستاذ سامي : هذا سيكون موضوعنا الأحد القادم

قُلت : بنعمة المسيح سوف أنتظرك لأن الموضوع شيق

حياني بأبتسامته المعهودة وأطلق ساقيه للريح لكي يلحق ميعاده ، على ان نلتقي

آبائيات ( 4 )

           د. جورج عوض إبراهيم

ذهبت كعادتي يوم الأحد مبكراً عن ميعادي إلى كافتيريا الكنيسة لأنتظر الأستاذ سامي آبائيات كما يلقبونه شباب الكنيسة . وأعترف أنني أدمنت مواعيده وحواراته معي عن الآبائيات وأهميتها في التعليم المسيحي . فأنا أستمتع بالحديث معه خصوصاً ان حواراته وأحاديثه معي تتسم ببساطة الحديث بعيداً عن المراجع والأستشهاد الدائم بأقوال مطوله ومكثفة مثلما يفعل في الإجتماعات حين تكون الخدمة عليه ، ولا أنسى خروج معظم الشباب من الإجتماع عندما يعرفون ان الكلمة على الأستاذ سامي متعللين أنهم ما بيفهموش منه حاجه . لكن أعترف أنا هذه حُجة واهية لأن معظمنا تعود على الكلام البسيط والمختصر وليس لدينا طول بال لسماع موضوع به تعاليم آبائية ، والنتيجة أن معظمنا يخدم بدون مضمون تعليمي متكامل من تعاليم كنسية تعبر عن إيمان كنيستنا . وبينما أفكر في هذه الأمور جائني الأستاذ سامي بطلعته البشوشة وحياني وطلب كعادته معي المشروب المفضل الشاي وهذه المرة طلبه بنعناع من باب التغيير . سألني الأستاذ سامي عن موضوع حديثنا اليوم ، فأجبته أنا فاكر من المرة السابقة أننا توقفنا عند موضوع التقليد الشفاهي ، أين نجده وهل هو مكتوب أم لا .

أستاذ سامي : طبعاً لازم نوضح معنى شفاهي

قُلت : مش عايزه توضيح ، شفاهي يعني الإيمان كما نُقل عن طريق التحدث شفاهياً وليس عن طريق الكتابة

أستاذ سامي : هذا هو المعنى اللغوي للكلمة ، ولازم نضيف أيضا المعنى المقصود في المجال الكنسي

قُلت بتسرع : أول مرة أسمع عن المعنى المقصود

قاطعني الأستاذ سامي ، قائلاً : ياريت نتحلى بطولة البال علشان نسمع ونفهم ، أي كلمة في التعليم المسيحي لها المعنى اللغوي المباشر بالإضافة إلى المحتوى الإيماني كما تسلمته الكنيسة وحافظت عليه . عندما نقول تقليد شفاهي نقصد المعنى اللغوي الأول الذي قُلته بأن هذا التقليد كان يتناقل ويُسلم عن طريق التحدث ، والمحتوى الآخر الكنسي هو أن هذا التقليد كان يُعاش ويُمارس في الكنيسة كما تسلمته من المسيح عن طريق الرسل والذين أتوا من بعضهم ، من جيل وإلى جيل

قُلت : كده أنا فهمت ، المعنى اللغوي والكنسي يكمل الواحد الآخر

أستاذ سامي : بالضبط كده

قُلت : سؤالي الآن ، هل ظل هذا التقليد شفاهي أم هو مكتوب الآن ؟

أستاذ سامي : سؤال مهم ، الآن أغلب هذا التقليد هو الآن مكتوب ، فالإيمان المعاش نجده مكتوب في تعاليم المجامع المسكونية ، وكُتب الليتورجيات : صلوات القداس الإلهي ، نصوص تسابيح الكنيسة ، نصوص صلوات الأسرار المقدسة ، كتابات آباء الكنيسة ومعلميها ، لكن يجب ان نعلم انه بالرغم من ذلك لا بُد من ممارسة هذا التقليد الإيماني في الكنيسة ، قراءة النصوص وحدها لا يكفي ، لا بُد من معايشة الإيمان في الكنيسة مع جماعة المؤمنين

قُلت : شكراً يا أستاذ سامي على التوضيح ، لكن لاحظت أنك تقول آباء الكنيسة ومعلميها ، مش كل أب هو معلم ، هل هناك آباء معلمين وآباء غير معلمين ، أرجوا التوضيح

إبتسم الأستاذ سامي ، قائلاً : هذا سؤال مهم وأري أنه يمكننا التحدث عن هذا الموضوع في المرة القادمة

قُلت : وأنا موافق ، وأنصرف الأستاذ سامي على أمل اللقاء في المرة القادمة

 


 

آبائيات ( 5 )

د.جورج عوض إبراهيم

إنتظرت كعادتي يوم الأحد أستاذ الآبائيات ، أستاذ سامي وأخذت أُذّكر نفسي بالسؤال الذي وعدني أن نتكلم فيه : الفرق بين الآباء المعلمين والآباء غير المعلمين . وبينما أنا أفكر أتى الأستاذ سامي وهو حامل كوبين من الشاي الساخن لكي نحتسي معا المشروب ونحن نتحدث سوياً . بادرني بسؤال قائلاً : يا ترى فاكر ها نتكلم عن إيه هذه المرة ؟

قلت : سوف نتحدث عن الآباء المعلمين ، وهل هناك فرق بينهم وبين بقية الآباء.

أستاذ سامي : برافو هذا موضوع هام جداً

قلت : الذي أعرفه أن كل الآباء متساوون في الكرامة

أستاذ سامي : الموضوع مش موضوع كرامة متساوية ، نحن نتحدث عن تصنيف مهم يساعدنا على التمييز بين التعليم العقيدي والإيماني الذي تسلمته الكنيسة وحافظ عليه الآباء المعلمين والتعليم أيضاً الروحي الذي لا يقل أهمية عن التعليم الأول

قلت بلهفة : ما كله تعليم يا أستاذ سامي

أستاذ سامي : نعم كله تعليم ، لكن التعليم العقيدي والإيماني هو التعليم الأساسي الذي لا يقبل أي تغيير في محتواه

قلت متسرعاً : أرجوا ان تعطيني أمثلة لكي أفهم

أستاذ سامي : مهلاً يا أخي ، هذا ما سوف أفعله : على سبيل المثال ، تجسد إبن الله ، هل يستطيع أحد ان ينكر هذا التجسد زاعماً أن يسوع المسيح ليس هو الكلمة المتجسد . هذه عقيدة لا تقبل التغيير أو أضافة تؤدي إلى تزييف حقيقة التجسد . كذلك أيضاً عقيدة الفداء والصلب وموت المسيح وقيامته وصعوده وجلوسه عن يمين الآب ....الخ

قلت : لكن كل الآباء يؤمنون بهذه العقائد الإيمانية ، من أين أتى التمييز بين آباء معلمين وآباء كنسيين ؟

أستاذ سامي : سؤالك رائع . هذا هو موضوعنا ، الآباء كلهم يؤمنون بهذه التعاليم العقيدية والأساسية لكن ليس كل الآباء تصدوا لمحاولات الهراطقة في تزييف إيماننا ، أقصد الرد التعليمي على الهراطقة للحفاظ على التعليم العقيدي الذي تسلمته الكنيسة من الرب يسوع نفسة والرسل القديسيين .

قلت مبرهناً : إذن الآباء المعلمين هم الآباء الذين تصدوا للهراطقة ودافعوا عن إيمان الكنيسة

أستاذ سامي مسرعاً كأنه يقاطعني : ليس هذا فقط

قلت : هل هناك أموراً أخرى ؟

أستاذ سامي : طبعاً ، يجب أن يكون تعليم هذا الأب قد وافقت عليه  كل الكنائس

قاطعته قائلاً : يعني يلف على كل الكنائس في العالم ويعرض تعليمه

أستاذ سامي ضاحكاً : لأ طبعاً ، كانت هناك كما تعرف مجامع مسكونية تجتمع فيها ممثلي كل الكنائس . وكون أن المجمع كله يوافق على تعليم هذا الأب يعني أنه أب معلم وتعليمه الخاص بالحفاظ على الإيمان العقيدي هو مقبول من الجميع .

قلت : لأجل ذلك القديس أثناسيوس على سبيل المثال معلم المسكونه لأنه واجه آريوس والآريوسيين في مجمع مسكوني في نيقيه سنة 325م

أستاذ سامي بوجه باسم وبشوش : تقصد المجمع المسكوني الأول

قلت متسرعاً : هل هناك شروط أخرى للأب المعلم

أستاذ سامي : طبعاً أن يكون هذا الأب بالإضافة أنه مشهود له بأرثوذكسية تعليمه ، مشهود له بسيرة حياة مقدسة ، وكذلك أيضاً بالقدمية .

قلت : أستاذ سامي ، ما معنى القدمية ؟

أستاذ سامي وهو ينظر في ساعة يده : سوف أجيب على هذا السؤال في المرة القادمة لأنني مرتبط بميعاد

قلت : ماشي يا أستاذ سامي سوف أنتظرك بشغف

 

آبائيات ( 6 )
د. جورج عوض

جلست أنتظر أستاذ سامي واضعاً في ذهني السؤال الذي سوف يجيب عليه ، السؤال حول صفة القِدمية التي يجب ان تتوفر في الأب المعلم . وبينما أنا جالس جاء أستاذ سامي كعادته في ميعاده ومعه هذه المرة علبتين من العصير لزوم القعده كما يقولون.

حياني بأبتسامته المعهوده ثم سألني عن الموضوع الذي سوف نتحدث إليه ، فأجبته بثقةٍ : موضوعنا اليوم عن القِدمية التي يجب أن تتوفر في الأب المعلم .

أستاذ سامي : أحب أن أذكرك بالصفات التي يجب أن تتوفر في الأب المعلم

أجبته : يا ريت تذكرني بهذه الصفات التي سبق أن تحدثنا عنها

أستاذ سامي : لقد تحدثنا عن أن الأب المعلم يجب أن يكون قد ساهم في الرد على تعليم الهراطقة وساهم بأعماله في تفنيد هذه الهرطقة مثل القديس أثناسيوس الذي حارب الهرطقة الآريوسية وكتب أعمال تفند هذه الهرطقة .

قلت : وأيضاً القديس كيرلس الأسكندري الذي رد على الهرطقة النسطورية وكتب أعمال لكي يفند هذه الهرطقة .

أستاذ سامي : بالضبط كده برافو لكن هناك أيضاً صفة أخرى ، الأب لكي يكون أب لا بُد أن تكون له مهمة راعوية بصفته راعي له أولاد روحياً ، وله سيره مقدسة يشهد لها الجميع . وطبعاً تتذكر القديس أثناسيوس الذي كان ناسكاً إنجيلياً وصديق شخصي للقديس أنطونيوس الكبير.

قلت : إذن الأب المعلم له مهمتين ، الأولى تعليمية والثانية راعوية

أستاذ سامي وهو يبتسم : أنت لخصت ما قلته ثم قال ضاحكاً : إظاهر العصير جاب نتيجة

قلت : بس لسه ما تكلمناش عن القدمية

أستاذ سامي وهو يرتشف العصير : لكن قبل ما نتكلم عن القدمبة لا بُد أن نشير إلى شرط مهم جداً لكي يكون الأب  يستحق لقب معلم

قلت متلهفاً : ما هو ؟

أستاذ سامي : لا بُد أن توافق الكنيسة الجامعة على تعليم هذا الأب في مجمع مسكوني

قلت بتسرع : مثل مجمع أورشليم المذكور في سفر أعمال الرسل حين قال الرسل : قال الروح القدس ونحن

أستاذ سامي ضاحكاً : مش قلت لك العصير جاب نتيجة حلوة ، دعنا نتحدث عن القدمية

قلت بلهفة : يا ريت

أستاذ سامي : القدمية هي أن يكون الأب قريب زمنياً من عصر الآباء ، وأذكرك بأن هذه الصفات قد ذكرها عالم الآباء المعروف كواستن

قلت : نعم لكن هل هذه الصفة مهمة لهذه الدرجة  ؟!  نحن لا نتحدث عن علم الآثار بل عن علم الآباء

أستاذ سامي بكل جدية : عندك حق لكن دعني أذكر لك حادثة محددة توضح أهمية هذه الصفة رغم تحفظنا عليها

قلت : إتفضل

أستاذ سامي :  هل تتذكر القديس إيرينيوس الذي كان في أواخر القرن الثاني

قلت بكل ثقة : نعم ، أتذكر هذا القديس وقد لقبوه بأبو التقليد

أستاذ سامي : برافو وسوف أذكر لك لماذا أخذ هذا اللقب ، نرجع لموضوعنا : لقد واجه القديس إيرينيوس هراطقة كانوا يعلمون الناس بتعاليم خاطئة ومنحرفة ، وكانوا يتذرعون بأن تعليمهم هذا قد أخذوه من الرب نفسه كتقليد سري يحفظونه .

قلت : وماذا فعل القديس إيرينيوس ؟

أستاذ سامي : القدمية أفادت هذا الأب وأفحمت الهلراطقة

قلت متشوقاً : كيف ؟!

أستاذ سامي : كان إيرينيوس تلميذا للقديس بوليكاربوس ، والقديس بوليكاربوس كان تلميذا للقديس يوحنا الإنجيلي تلميذ المسيح والذي كان يتكيء عل صدر المسيح

قلت متسرعاً : ثم ماذا ؟

أستاذ سامي : واجه بثقة القديس إيرينيوس  الهراطقة ، قائلاً : ما تقولونه هو الكذب بعينه لأنني لم أرى القديس بوليكاربوس الذي تتلمذ على يد يوحنا الإنجيلي يقول مثل هذا التعليم الذي تقولونه

قلت : وعلى هذا الأساس أظهر أن تعليمهم غريب تماما عن تعليم الكنيسة

أستاذ سامي : نعم لأن منطقياً لو كان تعليمهم مستلم من الرب نفسه ، لماذا لم يخبر يوحنا الإنجيلي هذا التعليم للقديس بوليكربوس ، ولماذا لم يخبر بوليكاربوس إيرينيوس بهذا التعليم ؟

قلت : وماذا كان رد الهراطقة

أستاذ سامي : لم يستطع الهراطقة الرد ، وهكذا كانت صفة القدمية  لها فاعليتها في الرد على الهراطقة

قلت : دلوقت فهمت معنى القدمية  ، لكن لماذا تحفظت حضرتك على هذه  الصفة ؟!

أستاذ سامي : هذا سيكون موضوعنا القادم ، دعني أستأذن بالإنصراف

قلت : متفقين وسوف أنتظر حضرتك في الميعاد المرة القادمة

 

 

 

الأربعاء، 15 مايو 2013

البنوة الإلهية غير البنوة البشرية للقديس أثناسيوس


البنوة الالهية غير البنوة البشرية

للقديس أثناسيوس الرسولي د.جورج عوض

 

 

 


يؤكد القديس أثناسيوس على الفرق الشاسع بين الولادة الإلهية والولادة البشرية ، قائلاَ : "الابن لم يولد (من الآب) كما يولد انسان من انسان، حتى يعتبر انه قد جاء الى الوجود بعد وجود الآب، بل هو مولود الله، ولكونه ابن الله الذى هو من ذاته (من ذات الله) الموجود من الأزل. لذلك فإنه هو نفسه (أى الابن) موجود من الازل. فبينما خاصية طبيعة البشر أنهم يلدون فى زمن معين. بسبب أن طبيعتهم غير كاملة. أما مولود الله فهو أزلى، بسبب الكمال الدائم لطبيعته. فإذا لم يكن ابناً. بل مخلوقاً وجد من العدم، فعليهم أن يثبتوا ذلك أولاً. وبعد ذلك إذ يتصورونه مخلوقاً. يمكنهم أن يصيحوا قائلين "كان هناك وقت عندما لم يكن الابن موجوداً، لأن المخلوقات لم تكن موجودة قبل أن تخلق" أما أن يكن هو ابناً ـ كما يقول الآب وكما تنادى به الكتب المقدسة ـ فإن "الابن" ليس شيئاً آخر سوى أنه المولود من الآب. والمولود من الآب هو كلمته وحكمته وبهاؤه " ( ضد الآريوسيين 14:1 ) ثم يتسائل قائلاَ :

متى كان النور في وقت ما بدون بهاء ؟

متى كان النبع جافاَ بدون ماء ؟

لقد إحتفظ الآريوسيين بإسم الإبن حتى لا يُدانوا علناً أمام الجميع ، إلا أنهم ينكرون أنه مولود من جوهر الآب حتى لا يتجزء جوهر الآب وينقسم إلى أقسام. ومشكلة الآريوسيين ـ كما يقول القديس أثناسيوس ـ أنهم يتصورون أفكاراً جسدية وينسبونها للإبن غير الجسدي ( ضد الآريوسيين 15:1 ) . يؤكد القديس أثناسيوس على أن الإبن من نفس جوهر الآب ، إذ يقول :

" الآب يقول "هذا هو ابنى الحبيب"[1] وأيضاً يقول الابن أن الله أبوه[2]. فيكون واضحاً إذن. أن ما يشترك فيه ليس من الخارج. وإنما هو من جوهر الآب. ومرة أخرى. إن كانت هذه المشاركة. شيئاً آخر. غير جوهر الابن، سيحدث نفس الخطأ، إذ فى هذه الحالة ـ سيكون هناك شئ فى الوسط بين ما هو من الآب وبين جوهر الابن أياً كان هذا الشئ " ( ضد الآريوسيين 15:1 ). ويستمر القديس أثناسيوس، قائلاً: " وحينما نقول أنه "ابن" و "مولود" فلا يعنى هذا تغيراً ولا تقسيماً لجوهر الله. بل بالاحرى، نحن نعرف أنه ابن الله الوحيد الجنس، الأصيل والحقيقى. وهذا هو ما نؤمن به " ( ضد الآريوسيين 16:1 ).



[1] متى 5:17.
[2] يوحنا 18:5.