حُب الوطن
Αρχιμ. Ιωήλ Κωνστάνταρος ترجمة د.جورج عوض
ما هي شهادة تقليدنا عن حُب الوطن ؟ ما الذي يذكرة الكتاب المقدس بعهديه عن هذا الأمر ؟ كيف عاش أجدادنا مفهوم الوطن ؟
بالتأكيد إن آباء الكنيسة الذيت أحبوا من كل قلوبهم الرب والذين وصلوا إلى المستوى الأسمى من الفضيلة والقداسة ، لم يُخطئوا عندما كتبوا وكرزوا بمحبة وحماية الوطن الأرضي . وبعد هذا اليقين ، كل الذين ينادون بآراء مغايرة بخصوص هذا الموضوع لا يستطيعون أن يعبروا عن أصالة الخط التقليدي الذي يريح ضمير الإنسان .
العهد القديم
سوف نجد في القسم الأول من العهد القديم شواهد كافية حيث تظهر فيها روح المحبة تجاه الوطن . بالرغم من أنها تعبر عن العصر الأول المسيحي ، إلا أنه يصير واضح التشديد على المواطنة . مزمور 136 مشهور في هذا الأمر إذ يقول : " عَلَى أَنْهَارِ بَابِلَ هُنَاكَ جَلَسْنَا. بَكَيْنَا أَيْضاً عِنْدَ مَا تَذَكَّرْنَا صِهْيَوْنَ. عَلَى الصَّفْصَافِ فِي وَسَطِهَا عَلَّقْنَا أَعْوَادَنَا. لأَنَّهُ هُنَاكَ سَأَلَنَا الَّذِينَ سَبُونَا كَلاَمَ تَرْنِيمَةٍ وَمُعَذِّبُونَا سَأَلُونَا فَرَحاً: [رَنِّمُوا لَنَا مِنْ تَرْنِيمَاتِ صِهْيَوْنَ].كَيْفَ نُرَنِّمُ تَرْنِيمَةَ الرَّبِّ فِي أَرْضٍ غَرِيبَةٍ؟إِنْ نَسِيتُكِ يَا أُورُشَلِيمُ تَنْسَى يَمِينِي - لِيَلْتَصِقْ لِسَانِي بِحَنَكِي إِنْ لَمْ أَذْكُرْكِ! إِنْ لَمْ أُفَضِّلْ أُورُشَلِيمَ عَلَى أَعْظَمِ فَرَحِي! "
حقاً المحبة تجاه الوطن وتجاه الله صعب أن يتمكنا من الوصول إلى المستوى الأسمى . وعلى هذا المستوى سفر المزامير ، أي في المواطنة يصير لايمكن أن نتخطاه . لكن يرى المرء - من قبل داود بكثير – الشيخ البطريرك يعقوب يربط بقسم إبنه يوسف ، عندما يرحل عن هذه الحياة أن لا يدفنه في أرض غريبة بل في أرض الموعد المباركة ، في قبر آبائه .
دعونا نرى نص الكتاب : " وَلَمَّا قَرُبَتْ أَيَّامُ إِسْرَائِيلَ أَنْ يَمُوتَ دَعَا ابْنَهُ يُوسُفَ وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَضَعْ يَدَكَ تَحْتَ فَخْذِي وَاصْنَعْ مَعِي مَعْرُوفاً وَأَمَانَةً. لاَ تَدْفِنِّي فِي مِصْرَ. بَلْ أَضْطَجِعُ مَعَ آبَائِي. فَتَحْمِلُنِي مِنْ مِصْرَ وَتَدْفِنُنِي فِي مَقْبَرَتِهِمْ». فَقَالَ: «أَنَا أَفْعَلُ بِحَسَبِ قَوْلِكَ». فَقَالَ: «احْلِفْ لِي». فَحَلَفَ لَهُ. فَسَجَدَ إِسْرَائِيلُ عَلَى رَأْسِ السَّرِيرِ" ( تك 29:47-31). أي عندما إقتربت أيام موت إسرائيل ( يعقوب ) أرسل ودعا إبنه يوسف وأخبره أن يدفنه في أرض الموعد وليس في أرض غريبة وأقسم يوسف أمام أبيه ، عندئذٍ آمن يعقوب بأن الله سوف يساعد إبنه لكي يُنقل رفاته إلى أرض الموعد ليُدفن هناك ، إنحنى وسجد لله وهو متكيء على عصاه . هذه الرغبة عن أرض الوطن تعبر أيضاً عن شهوة مقدسة تجاه وطن كل البطاركة وأولاد العهد القديم المختارين . البطريرك يعقوب ذاته عندما كان موجود في ما بين النهرين ، عاش وهو يحلم حُلم جميل بأن يرجع إلى أرض الموعد . والآن ، حيث عن إضطرار رحل هو وأولاده إلى مصر ولم يرى نسله يرثون أرض الموعد ، طلب بقسم ٍ ان يغطي جسده الميت بترابها المبارك . لا يستطيع المرء إلا أن يتأثر من حراء هذه الرغبة المقدسة . لقد ترك الشيخ البطريرك التأثر البالغ على أولاده . لم يستطيعوا إلا أن يتمثلوا به في محبته لأرض أبائه من كل قلوبهم .
حقاً ، أياً كان الإنسان وبالحري المؤمن ، في أي مكان وفي أي موضع ، لا يستطيع إلا أن يعبر بالكلام وبالعمل عن مشاعره الوطنية . أن يُنمي العطية التي زرعها الله في قلبه . هذا بالضبط ما نراه ، بتأثر شديد يتحقق أيضاً في حالة أستير . سفر من أسفار العهد القديم الجميلة يقدم بطريقة فريدة حُب الوطن . مَلِك الفرس الأشوري خُدِع َ من وزيره هامان وأمر بموت جماعي لليهود . إستير اليهودية والتي أختارها الملك من بين أجمل النساء لمملكته وقد جعلها ملكة ، عَلِمت هذا الأمر من مردخاي التقي . بعد صلوات حارة وتوسلات وأصوام أظهرت لزوجها الملك المكيدة وحرضته بأن يستعيد هذا الأمر الرهيب . حقاً الملك أدرك المكيدة التي دبرها هامان ، وليس فقط إستعاد أمره بل أيضاً أمر بأن يتألم هامان بنفس ما أعده لمردخاي ، وصار في النهاية مردخاي وزيرأً . للمرة الثانية حُب شركاء الوطن إنتصر على العوائق المنيعة وحقق النتائج المرجوة . بفضل إستير التي أحبت شعبها ولم تنسى أصلها وأنقذت هذا الشعب من مذبحة رهيبة . أيضاً أنبياء العهد القديم ، الكبار والصغار ، تحدثوا كثيراً عن أوطانهم .
نكتفي بأن نذكر أرميا النبي ، بمواهبه المدهشة بل أيضاً بالشعلة الوطنية المنتأججة في صدره . كثير هو الحُب الذي تربى عليه تجاه أهل وطنه ، النبي المنتحب حتى أنه لم يكتفي بدموعه الطبيعية بل طلب أن تتحول عيونه إلى ينابيع دموع حتى يرثي لنكبات وطنه وأمته . كم هو بالغ الأثر على النفس ما قاله في الإصحاح التاسع : " يَا لَيْتَ رَأْسِي مَاءٌ وَعَيْنَيَّ يَنْبُوعُ دُمُوعٍ فَأَبْكِيَ نَهَاراً وَلَيْلاً قَتْلَى بِنْتِ شَعْبِي" (أر1:9). أيضاً يرى النبي مشقات شعبه بسبب عصيانه ويحذر أهل وطنه أن لا يبكون لأجل ميت بل ينتحبون لأجل المنفى ، لأنه لا يمكن أن يرجعوا بعد إلى وطنهم الجميل والمبارك : " لاَ تَبْكُوا مَيِّتاً وَلاَ تَنْدُبُوهُ. ابْكُوا ابْكُوا مَنْ يَمْضِي لأَنَّهُ لاَ يَرْجِعُ بَعْدُ فَيَرَى أَرْضَ مِيلاَدِهِ " (أر10:22).
أَرَخَ العهد القديم ووصف حياة وتجارب الشعب ، وقدم أمثلة كثيرة للمحبة والإخلاص للوطن من خلال أبطال الشعب العِظام وبالطبع لا يتجاهل الكتاب المقدس موضوع الوطن والأنتماء له .
العهد الجديد
ليس فقط العهد القديم بل العهد الجديد بكرازة المحبة المسكونية وأيضاً محبة تجاه الأعداء ، يعلمنا المحبة تجاه الوطن أيضاً . مثال ربنا يمثل نموذج لنا وكذلك تعاليمه لديها الكثير لتعلمنا . ليس صُدفةً أن المسيح يصر على أداء عمله التعليمي وسط أهل وطنه . إنجيل متى هو واضح في سرده لتعليم الرب في الناصرة : " فَدَخَلَ السَّفِينَةَ وَاجْتَازَ وَجَاءَ إِلَى مَدِينَتِهِ " ( مت1:9 ) . جعل كفر ناحوم مركز نشاطه ومن هناك وَصَلَ أيضاً إلى أصغر القُرى في وطنه الأرضي . ها المسيح لا يَبطُل الوطن . وطن كل أنسان . لأجل هذا أيضاً في حواره مع السامرية حيث يشدد على أن " الخلاص من اليهود "( يو22:4) . يبدو إذن أنه بكونه إنسان أحب وطنه وأمته . ليس فقط أحب يسوع وطنه وأمته ، بل فعل شيء أثر وهز المرء مهما كان لديه بلادة وقسوة . بكى على وطنه . لقد سجل الإنجيلي لوقا ما يمثل قمة الوطنية الخالصة : " وَفِيمَا هُوَ يَقْتَرِبُ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا قَائِلاً: «إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضاً حَتَّى فِي يَوْمِكِ هَذَا مَا هُوَ لِسَلاَمِكِ. وَلَكِنِ الآنَ قَدْ أُخْفِيَ عَنْ عَيْنَيْكِ . فَإِنَّهُ سَتَأْتِي أَيَّامٌ وَيُحِيطُ بِكِ أَعْدَاؤُكِ بِمِتْرَسَةٍ وَيُحْدِقُونَ بِكِ وَيُحَاصِرُونَكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ " ( لو41:19-43) . إنه قبل آلامه الخلاصية . قبل أن يصعد على الصليب لأجل خلاص كل العالم . وأيضاً تلك اللحظة التي إنسانياً ومنطقياً سوف لا يتماسك أحد ويربط نفسه بشيء أرضي ، تأثرت نفسه الرقيقة . الدموع غطت وجهه المقدس ، ووسط هذه الدموع كان يوجد لديه حُب عميق للوطن . لقد إنسكبت دموع المسيح مرتين ، الأولى على دمار وطنه أورشليم والثاني على موت إنسان ( لعاذر ) . رثاءه هنا على المدينة المقدسة لديه عمق شديد ...ولا شيء يفعله المسيح صُدفة وعشوائية . ولا يوجد أحد يرثي مثلما فعل الإله المتأنس . الإنجيلي متى سجل لنا أيضاء الرثاء حين وجه يسوع وجهه تجاه المدينة المقدسة , وهي منتظرة الدمار الذي سوف يلحق بها بسبب عصيان رؤسائها وشعبها : " يَا أُورُشَلِيمُ يَا أُورُشَلِيمُ يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا وَلَمْ تُرِيدُوا. هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَاباً! لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَنِي مِنَ الآنَ حَتَّى تَقُولُوا: مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! " (مت37:23-38) .
لقد تقدس كل شعوربالمواطنة يوجد في كل إنسان عاقل ويصل إلى سموه العجيب بنموذج ربنا يسوع المسيح . بالتالي ، كل مؤمن مسيحي ينبغي أن يُظهِر إشتياقه ومحبته لوطنه المبارك .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق