عظمة المسيحية وسموها : الرسالة إلي ديوجينيتوس
د.جورج عوض
مقدمه
المحفوظ
اليوناني الذي يحوي هذه الرسالة يرجع إلي مجموعة واحدة من القرنين الثالث عشر
والرابع عشر, هذه المجموعة هي نسخة عن مخطوطة من القرنين السادس والسابع. إكتشف
هذه المخطوطة ـ صدفة ـ توماس الأرتيزي حوالي عام 1436م في سوق للسمك في
القسطنطينية, وإنتهي به المطاف, في القرن الثامن عشر, في المكتبة البلدية لمدينة
ستراسبورج حيث دمره قصف البروسيين مع ما دمّر من أشياء, في 24 آب عام 1870م. نشر محفوظ
" الرسالة إلي ديوجبينيتوس " لأول مرة هنري إتيان عام 1592. هذه الرسالة
هي بمثابة دفاع عن المسيحية في صورة خطاب إلي شخصية وثنية ذات مركز إحتماعي علي
رفيع هو " ديوجينيتوس ". كاتب الرسالة غير معروف, وتعددت الأراء من جهة
شخصيته, فالبعض نسبوا هذا الدفاع للقديس هيبولتيوس الروماني في بداية القرن
الثالث. وهناك رأي آخر أن الذي كتبه هو القديس كوادرتوس Quadratus تلميذ الرسل
الذي ذكره كل من أوسابيوس وإيرونيموس وفوتيوس والذي كتب دفاعاً عن المسيحية ولكنه
فُقِد. ويرجع العالِم أندريسيني هذا الرأي.
محتوي
الرسالة تحتوي الرسالة علي إثني
عشر فصلاً.
الفصل الأول
: الدافع وراء كتابة الرسالة
يُفهم من
الفصل الأول أن ديوجينتيوس أرسل رسالة إلي صديقه المسيحي المجهول الأسم لكي يجيب
علي تساؤلاته حول الديانة المسيحية :
مَن
هو الإله الذي يتكلمون عنه المسيحيون ؟
ما
نوع العبادة التي تجعلهم : يحتقرون المادة, يهزءون بالموت, ولا يعترفون بآلهة
اليونانيين, ولا يمارسون خرافات اليهود ؟
ما
سر المحبة المتبادلة ؟
ولماذا إنتشر هذا الدم الجديد أو الروح الجديدة في العالم اليوم لا قبل ذلك
؟
رد فعل
الصديق المسيحي
+
الترحيب التام من صميم القلب وكأنه يطبق وصية " كونوا مستعدين لمجاوبة مَنْ
يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم "
+
عدم الإعتماد علي الذات بل كاتب الرسالة المسيحي يقول للصديق الوثني: " أتضرع
إلي الله الذي يمكنّنا نحن الأثنين من السمع والكلام "
+
وإعتبر ردوده هي هبة من الله : " أتضرع إلي الله .... أن يهبني أن أتكلم في
كل هذه الأمور "
+ أن
حوارنا هذا للبنيان : " وفوق كل شيء أنك عندما تسمع تنال بنياناً "
+
ويقر الصديق المسيحي بكل شجاعة : " أنه لا يوجد سبب يجعلني أتأسف أنني تكلمت
".
الفصل الثاني
: مبادئ لا بد منها للإستفادة من
إجاباتي
(1) نقي نفسك من كل تحيز يسيطر علي فكرك.
(2) أترك جانباً كل ما تعودت عليه.
(3) تعال وتأمل ليس بعينيك فقط ( ثقافة الصورة ) بل بفهمك
أيضاً ( روح التمييز ).
إعادة تقييم
عبادة الأصنام
يطرح كاتب
الرسالة علي صديقه الوثني أسئلة تخاطب العقل بخصوص الأصنام التي يعبدونها, قائلاً
:
ما هو
جوهر وما هو شكل أولئك الذين تعتبرونهم أنتم آلهة ؟
أليس
واحد منها حجراً مشابهاً للحجر الذي ندوسه بالأقدام ؟
أليس
الثاني نحاس, ولا يزيد عن الأوعية التي تُصنع للإستعمالات العادية الدارجة ؟
أليس
الثالث خشبة نتعفن بسهولة ؟
أليس
الرابع فضة تحتاج حراسة من إنسان لئلا تُسرق ؟
أليس
الخامس حديد يتآكل ويصدأ ؟
أليس
السادس فخار, ليس له قيمة أعلي مما يُصنع لأحقر الأغراض ؟
أليست كل هذه الأشياء من مادة قابلة
للفساد والتحلل ؟
أليست
هذه التماثيل يُعاد صنعها علي أيدي صانعي الأواني مثل الأخري ؟
أليس
كلهم صُم ؟ أليس كلهم عميان ؟ أليسوا بلا حياة ؟
فصل 3 : خـرافات اليهود
يستعرض الكاتب
في هذا الفصل سر عدم إلتزام المسيحيون للعبادة التي يمارسها اليهود. ويقر بكل وضوح
أن اليهود إمتنعوا عن أنواع التقدمات الوثنية وأنهم يعبدون إلهاً واحداً هو رب
الكل. لكن خطأ اليهود ـ كما يقول الكاتب ـ أنهم يعبدون الإله الواحد بنفس الطريقة
الوثنية. هم يظنون أنه برش الدم ورفع بخور التضحيات والمحرقات يقدمون ذبائح مقبولة
لدي الله, وأنهم قادرون علي إعطاء مَنْ هو غير محتاج لشيء. إنهم مثل الوثنيين
الذين يمنحون الإكرام للأشياء التي لا تحس.
فصل 4
: يذكر بعض الممارسات والمفاهيم الخاطئة
لليهود, علي سبيل المثال : التباهي نجتان الجسد علي أنه برهان علي الإختيار.
مراقبتهم
للقمر والنجوم وتوزيعاتهم لحساب الأيام والشهور وإعتبار تغيير فصول السنة بعضها
للأعياد وبعضها للحداد والحزن.
هذا هو سر
إمتناع المسيحية عن خرافات اليهود والوثنيين وأخطائهم.
فصل 5 : سمو حياة
المسيحين
يؤكد الكاتب
علي أن المسيحيين هم بشر عاديين مثلهم مثل كل البشر, غير مختلفون عن سواهم من
أبناء البشر في الوطن أو اللغة والعادات. فإنهم غير منعزلون مكانياً, إذ لا يقطنون
مدناً خاصة بهم وحدهم, ولا يتكلمون لغة خاصة بهم, ولا يعيشو عيشة غريبة. وبالرغم
من أن المسيحيين يسلكون بموجب عادات البلد الذي يحلون من جهة الزي والطعام وأساليب
المعيشة الأخري, إلا أن أسلوب معيشتهم يستوجب الإعجاب والإقرار بأنه غير متوقع.
ما سر
الإعجاب في أسلوب معيشتهم ؟
يذكر الكاتب
بعض السلوكيات المدهشة والعجيبة للمسيحيين في أسلوب رائع, قائلاً :
تراهم
يسكنون البلدان ولكنهم غرباء.
هم
يشتركون في كل شيء كمواطنين ولكنهم يحتملون كل ما يحتمله الغرباء.
كل
بلد أجنبي وطن لهم. وكل وطن لهم بلد غريب.
يتزاوجون كغيرهم ويتوالدون. ولكنهم لا يهملون أولادهم ولا يعرضونهم للموت.
يفرشون طعامهم للجميع لا يفرشون فراشهم.
هم
موجودون في الجسد ولكنهم لا يعيشون للجسد
يقضون أيامهم علي الأرض ولكنهم مرتبطون بوطن سماوي.
يطيعون القوانين المرعية لكنهم يتقيدون بأكثر منها في حياتهم الخصوصية.
يحبون جميع الناس ولكن الجميع يضطهدونهم.
فصل 6 : علاقة
المسيحيين بالعالم
يعطي الكاتب
صورة بليغة لعلاقة المسيحيين بالعالم كمثل علاقة الروح ( النفس ) بالجسد : "
إن المسيحيين للعالم كالروح للجسد. الروح تمتد إلي جميع أعضاء الجسد..."
فصل 7
: ظهور المسيح
المسيحية ـ
كما يقول الكاتب ـ ليست مجرد :
1 ـ بدعة أرضية.
2 ـ رأي إنساني.
3 ـ ناموس.
المسيحية هي في
الأساس
" الله
بذاته, القادر علي كل شيء جميع الأشياء, وغير المرئي أُرسل من السماء وعاش بين
البشر "
هنا التشديد
علي مصدر قوة المسيحية وكيانها الذي هو المسيح, كلمة الله, الذي به كان كل شيء.
هذه الإرسالية ليس غرضها التسلط علي البشر وإرعابهم بل لإظهار رحمة الله ووداعته :
" فكما يرسل الملك إبنه, الذي هو ملك أيضاً, هكذا أرسل الله إبنه كإله, أرسله
كمخلص للبشر ليفتش عنا لكي يصنعنا وليس ليقهرنا لأن العنف والإكراه ليسا من طبع الله. أرسله ليدعونا, وليس كمنتقم
يتعقبنا, أرسله لمحبته لنا, وليس ليحاكمنا. ومع ذلك فهو سيأتي فيما بعد لكي
يديننا, ومَنْ يحتمل ظهوره ؟
ويختتم الكاتب
هذا الفصل بنتيجة مفادها أن المسيحية ليست من عمل إنسان بل هي قوة الله, والبرهان
علي ذلك هو التساؤل الذي يطرحه الكاتب علي صديقه في الخطاب:"ألا تري كيف تعرض
هؤلاء المسيحيين لهجوم الوحوش المفترسة لكي يجعلوهم ينكرون الرب, لكنهم لم ينهزموا
؟
ألا تري كيف أنهم كُلما عُذب البعض منهم فإنهم يزدادون
في العدد ؟
فصل 8 هل
كانت هناك إمكانية لإدراك الله قبل مجيئه ؟
ينتقد الكاتب
آلهة الفلاسفة, الذين قالوا إن النار هي الله, والبعض الآخر يقول إن الماء هو
الله. وآخرون يعتبرون أشياء خلقها الله أنها هي الله. لكن لو أن أي نظرية من هذه
النظريات تستحق الإحسان ـ هكذا يقول الكاتب ـ فبالتبعية لا بد أن نقر أن بقية
الأشياء المخلوقة هي آلهة. لكن هذا الإقرار خاطئ.
ثم يؤكد
الكاتب علي حقيقة تعلنها المسيحية وهي أن الله لم يره أحد ولا عرفه بل الذي أعلن
ذاته : " أظهر ذاته ليس كمجرد صديق للبشرية فقط بل أظهر ذاته مشتركاً في
معاناتهم. الله كان دائماً محباً ويبقي محباً, وسيبقي كذلك علي الدوام, وهو خال من
أي ميل للإنتقام ". ثم يشرح الكاتب العلاقة بين الله الآب والإبن قائلاً :
" خو إله حقيقي, وهو الوحيد الصالح. وله إتحاد عظيم يفوق الإدراك مع إبنه
وحده ". ثم يؤكد أيضاً الكاتب علي أن
الله أنعم علينا بكل البركات عن طريق إبنه الحبيب : " لقد كشف عن الأشياء
المُعدة لنا منذ البداية عن طريق إبنه الحبيب ". ويذكر الكاتب أمراً في غاية
الأهمية بالنسبة لدورنا نحن أمام نِعم الله وبركاته, قائلاً : " فقد أنعم
علينا بكل البركات مرة واحدة, ولذلك يجب علينا نحن أيضاً أن نشاركه في العطاء
ونكون جادين في خدمته ".
فصل 9
: لماذا أرسل الإبن متأخراً ؟
يجيب الكاتب
علي هذا السؤال بإستفاضة لكي يبرهن علي أن التأخر كان غرضه أن تعرف البشرية أن
طبيعتها كانت عاجزة عن البلوغ إلي الحياة حين وصل شرها إلي أقصاه. وعندما أتي
المخلص لإنقاذنا ـ بالرغم من خطايانا ـ ينبغي علينا أن نثق في لطفه وصلاحه ونعتبره
هو " مصدر حياتنا, وأبانا, ومعلمنا, ومرشدنا, وشافينا, وحكمتنا, ونورنا,
ومجدنا, وكرامتنا, وقوتنا, وحياتنا, حتي أننا لا نقلق أو نهتم من جهة الملبس
والمأكل".
ويتسائل
الكاتب : فأي شيء آخر كان يمكن أن يستر خطايانا سوي بره ؟ بأي شخص آخر كان يمكن
تبريرها نحن الأشرار وعديمي التقوي إلا بشخص إبن الله الوحيد ؟
ويتعجب الكاتب
مندهشاً ويقول : ما أجمل هذه المبادلة ؟ ويقصد الكاتب ما أقوله عن طول أناة الله
الذي " يذل إبنه الوحيد كفدية لأجلنا, القدوس من أجل العُصاة, والذي بلا لوم
من أجل الأشرار, والبار من أجل الأثمة, وغير الفاسد من أجل الفاسدين, وغير المائت
من أجل المائتين ".
فصل 10 : إقتناء الإيمان
الحصول علي
معرفة الآب تجعلنا نقتضي الإيمان. ومعرفة الآب ـ بحسب رأي الكاتب ـ هي أن نعرف أن
" الله قد أحب البشر, الذين من أجلهم خلق العالم, وأخضع كل شيء فيه لهم. وقد
أعطاهم العقل والإدراك, وأعطي للإنسان وحده إمتياز أن ينظر إلي الله. وهو الذي خلق
الإنسان علي صورته, ومن أجل الإنسان أرسل إبنه الوحيد, وأعطاه وعد ملكوت السموات
التي سوف يعطيها للذين أحبوه ". ويشرح الكاتب بركات هذه المعرفة, فائلاً :
" وعندما تدرك هذه المعرفة فإنك سوف تشعر بسعادة عظيمة جداً, وتمتلئ بفرح
فائق, وهكذا فإنك ستحب من أحبك أولاً ". ثم الكاتب علي أن الإنسان يستطيع بعد
ذلك أن يتشبه بالله. ومعني التشبه بالله هنا هو أن يكتسب الإنسان بمعرفة الله صفات
إلهية : " فهذا الإنسان لا يتسلط علي جيرانه ولا يسعي للإرتفاع فوق الضعفاء,
ولا يسعي أن يكون غنياً, وهو لا يكون عنيفاً تجاه من هم أقل منه... إن الإنسان
الذي يحمل أثقال جيرانه, ومهما كان أعلي من غيره, يكون مستعداً أن يتنازل للآخرين الذين
هم أقل منه, وكل شيء يناله من الله يوزعه المحتاجين بهذه الأمور يصبح هذا الإنسان
إلهاً بالنسبة للذين يساعدهم : وبذلك يكون متشبهاً بالله ".
والأمر الهام
في هذا الفصل هو أن الإنسان حينما يؤمن بالمسيح تتغير نظراته لكل ما يحيط به وتصبح
لديه قناعات لم تكن لديه قبل الإيمان. ويشرح الكاتب هذا الأمر, قائلاً : "
عندئذ ستري وأنت لا تزال علي الأرض أن الله الذي في السماء يحكم الكون كله, وعندئذ
سوف تبدأ بأن تتكلم عن أسرار الله, عندئذ ستجد نفسك تحب الذين يعانون الآلام
والضيقات بسبب عدم إنكارهم لله وسوف تُعجب بهم, وسوف تستنكر الغش والضلال الذي في
العالم حينما تعرف ما معني أن تعيش حقاً في السماء. وسوف تحتقر ما يُعتبر هنا أنه
موت,وذلك حينما تتعلم أن تخاف من الموت الحقيقي المحفوظ لأولئك الذين سوف يُحكم
عليهم بالنار الأبدية, التي ستهلك أولئك الذين يُوضعون فيها إلي الأبد. وسوف تُعجب
بأولئك الذين يحتملون النار للحظة من أجل البر, وسوف تحسبهم سعداء حينما تعرف
طبيعة تلك النار "
فصل 11 : النعمة
تعطي الفهم :
يوضح الكاتب
أن الفهم والإستنارة مصدرهما النعمة, فالنعمة تعطي الفهم وتكشف الأسرار وتُعلن
الأزمنة. ويؤكد لصديقه بأنه سوف يعرف تلك الأشياء التي يعلمنا إياها الكلمة
بإرادته, في الوقت الذي يستحسنه هو.
فصل 12
: المعرفة الحقيقية :
إن المعرفة
الحقيقية هي المعرفة التي يصاحبها حياة. فالله منذ البداية وضع شجرة الحياة في وسط
الفردوس, كاشفاً لنا من خلال المعرفة, الطريق إلي الحياة. فالمعرفة الحقيقية ـ إذن
ـ هي المعرفة التي تؤدي إلي الحياة : " فالذي يظن يعرف أي شيء بدون معرفة
حقيقية أي بدون أن تشهد حياته لكلامه, فهو لا يعرف شيئاً, بل هو مخدوع من الحية
وليس محباً للحياة. ولكن الذي يجمع بين المعرفة والمخافة ويبحث عن الحياة فهو يزرع
علي الرجاء منتظراً الثمر "
ثم يختم
الكاتب رسالته بدعوة صديقه لأن يحرص علي إقتناء المعرفة الحقيقية, قائلاً:"
إجعل قلبك يحكمّك, وإجعل حياتك تكون معرفة حقيقية تمتلئ بها في داخلك ".