الألقاب المريمية في لحن مونوجينيس
د.
جورج عوض إبراهيم
["أيها
الابن الوحيد كلمة الآب الغير المائت
والقابل كل شيء لأجل
خلاصنا.
المتجسد من القديسة والدة
الإله الدائمة البتولية مريم.
بغير استحالةٍ، المتأنس
المصلوب الإله بالموت داس الموت.
أحد الثالوث المقدس الممجد
مع الآب والروح القدس خَلِّصنا.
قدوس الله الذي صار
إنسانًا من أجلنا بغير استحالة وهو الإله.
قدوس القوي الذي أظهر
بالضعف ما هو أعظم من القوة.
قدوس الغير المائت الذي
صُلب من أجلنا،
وصبر على موت الصليب،
وقبله في جسده وهو أزلي
غير مائت،
أيها الثالوث أرحمنا ].
إن أمُ يسوع تُوصف بصفتين:
"والدة الإله θεοτόκος" و "الدائمة البتولية": ἀεπαρθένος. إن الميلاد البتولي لربنا يُعلَن عنه في (مت 1، لو 1) ويقر
القديس بولس بوجود هذا التقليد في (غلا 4:4)، "في ملء الزمان أرسل الله ابنه
مولوداً من امرأة". هنا نجد التوافق بين "ابن الله" و"مولودًا
من امرأة" يؤكد بشدة على ألوهية الابن الأزلي (أنظر رو
3:1 وما بعده، 3:8، 32:29، 1 كو 6:8، 2 كو 9:8، في 6:2، كو 13:1 - 16) الذي يدخل
التاريخ ليُبيد "قوات هذا العالم" (غلا 2:4، أنظر كو 2: 8). ولأنه ينبذ
العنف؛ فإنه يحقق رسالته من خلال الاتضاع والوداعة. ولأنه ابن الله الأزلي فقد أخذ
جسدًا "وصار إنسانًا بين الناس، وقَبِلَ بالكامل حالة وظروف الوجود البشري
الساقط. وتجسده هو حقيقي وكامل. إن ابن الله الذي هو بالمثل ابن مريم. إذ صار
"مولودًا من امرأة" [ليس "في εν"، بل "من امرأة εκ γυναίκας" يمكنه وبدون شروط أن يدخل الحياة
البشرية. وهكذا فقط يمكن أن "يجمع" "البشرية كلها" ويمنح
أولئك الذين هم مخلوقون على صورة الله، عطية وموهبة النبوة الإلهية (غلا 5:4).
دعونا نرى برهان القديس
كيرلس على لقب والدة الإله للعذراء مريم ضد الذين ينكرون هذا اللقب، إذ يقول:
"أمَّا إذا صمَّمُوا قائلين أين دُعيت العذراء في الكتاب المقدس والدة الإله،
ليتهم يسمعون الملاك الذي بشَّر الرعاة بوضوح وقال: "أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ
الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ" (لو 2:
11). فهو لم يقل: "الذي سوف يصير ربًّا" أو "سوف يسكن فيه
الرب"، لكن "هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ".
ها هو الملاك حين يقدِّم
لهم خبر الرب المُفْرِح، يعطيهم علامة ألوهية الرب، فيقول: "تَجِدُونَ
طِفْلاً مُقَمَّطًا مُضْجَعًا فِي مِذْوَدٍ" (لو 2: 12). كذلك كرز بطرس
بمثلما كرز به الملاك حين ذهب إلى كَرْنيليوس، إذ قال: "الْكَلِمَةُ الَّتِي
أَرْسَلَهَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ يُبَشِّرُ بِالسَّلاَمِ بِيَسُوعَ
الْمَسِيحِ. هذَا هُوَ رَبُّ الْكُلِّ" (أع 10: 36). أرأيت كيف بدلاً من
الكرازة الخلاصية، يقول إن الكلمة التي أرسلها، الذى هو يسوع المسيح؟ ولكي يبرهن
لهؤلاء مَنْ هو يسوع المسيح، قال: "هذَا هُوَ رَبُّ الْكُلِّ". أرأيت
الطفل الذي دعاه كلاً من الملاك وبطرس ربًّا؟
إذن بدون شك إن والدة
الإله هي التي ولدت الرب. هكذا نادتْها أيضًا أم المعمدان الطوباوي مُلْهَمَةً
بالروح القدس. لأنه مكتوب "وَامْتَلأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ
الْقُدُسِ، وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: «مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي
النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ
تَأْتِيَ أُمُ رَبِّي إِلَيَّ؟" (لو 1: 42 - 44). مَنْ هو ذا الذي استولى
عليه الجنون لدرجة أنه لا يريد - مع الأناجيل - أن يدعو العذراء مريم والدة الإله؟
إذن ليْتَّهم لا يصُكُّون آذان المؤمنين الأنقياء بثرثراتهم بسبب أنه دُعيَّ ولدٌ
وطفلٌ حتى لا يرفضون تدريجيًّا مجيئه كله. لأنه دُعيَّ من الملاك الطفلُ وأيضاً
الربُّ"([1]).
هكذا اللقب ثيوطوكوس θεοτόκος والمستخدم على الأقل منذ زمن أوريجينيوس([2])، هو
بالأساس تأكيد خريستولوجي. فالله - في أقنوم الابن - أخذ "جسدًا"
بالحقيقة (أنظر يو 14:1) والذي يدل على الطبيعة الإنسانية بكاملها([3]). هكذا لفظ
الإخلاء εκένωσεν (فيلبي7:2) نجد مكانًا له في نص (يو 14:1):
"الكلمة صار جسدًا وحل بيننًا" وعبارة "بيننا εν ημίν" تعني أيضًا "معنا" وبمفهوم
الشركة الكاملة في الحياة البشرية.
إن لقب
"ثيوطوكوس"، تم اعتماده رسميًا بواسطة مجمع أفسس في 431م، ودافع عن استخدامه
القديس كيرلس وأكد ذلك "بأن الكلمة قد اتحد أقنوميًا καθ ὺπόστασιν بالجسد"([4]).
هكذا المسيح كان ولايزال أبديًا: إله تام وإنسان تام. وبذلك صار إتحاد بين الطبيعة
الإلهية والطبيعة البشرية في شخص المسيح الواحد. أي إتحاد بين الوجود الإلهي
والإنساني الذي يمكنه أن يحقق فداء أولاد الله. وبتعبير القديس غريغوريوس النزينزي
"ما لم يُؤخذ لا يُشفى بل ما اتحد مع الله يخلص"([5]).
الشهادة الكتابية عن
المسيح بكونه ابن الله الأزلي الذي تجسد من مريم يبرر حقًا استخدام لقب ثيؤطوكوس
أي والدة الإله: θεοτόκος. هذا ما جعل الآباء يشددون على أن رفض كرامة
مريم وتوقيرها بكونها "أُم الله " هي في آنٍ نفس المحاولة لإنكار حقيقة
وواقع التجسد الإلهي وخلاصنا.
بنفس القدر نؤكد على
بتولية مريم الدائمة، إذ يعلن العهد الجديد أن مريم حبلت بيسوع "بدون زرع
بشر" وأن هناك علاقة فائقة للطبيعة بين بتولية العذراء و"منطق
التجسد". وأول من ربط بين اللقبين: "والدة الإله θεοτόκος" و"دائمة البتولية αειπαρθένος"([6]). وفي كتاب
تجسد الكلمة يقول القديس أثناسيوس: "أخذ (يسوع المسيح) جسدًا من جنسنا، وليس
ذلك فحسب، بل أخذه من عذراء طاهرة نقية لم تعرف رجلاً، جسدًا طاهرًا وبدون زرع
بشر"([7]). ليس معني
ذلك أن العلاقات الجسدية في الزواج هي في الأساس خطية، بل لأن حالة البتولية تعكس
كمال الإنسان بعد القيامة الأخيرة.
هكذا بحبل مريم الإلهي تصبح
مريم لها دوراً فعالاً في تدبير الله لخلاص الإنسان ، وفي شخصيتها ومن جسدها صار اتحاداً
بين اللاهوت والناسوت. فالعذراء لم تلد مجرد إنسان بل الله مكسوًا بالجسد - كما
يقول الأب يوحنا الدمشقي، (عن الإيمان الأرثوذكسي:12) - وليس كجسد نزل من السماء
ودخل فيها كما إلى معبر أو ممر ما، بل أخذ منها جسدًا من نفس الطبيعة مثل جسدنا.
فالتجسد هو الأساس لفدائنا. إن المصالحة بين الله والإنسان ليست مجرد عمل
قضائي. إن "بر الله" δικαιοσὺνη لا يعني أن الله ببساطة ينطق
ببراءة الإنسان. إن التبرير يحمل بُعدًا كيانيًا: "لأنه جعل الذي لم يعرف
خطيةً خطيةً لأجلنا لنصير بر الله فيه" (2 كو 21:5). لقد دخل الكلمة
إلى العالم الساقط لكي يشفي الطبيعة البشرية الخاطئة ويجعلها متحدة بلاهوته الذي
لا يعرف خطية. وقد صار ذلك بأن أخذ الكلمة جسدًا بشريًا من رحم العذراء.
ولم يكن إنسانًا عاديًا الذي حبلت به القديسة مريم بل كان الله نفسه، ملء الحياة الإلهية
الذي فيه يسكن" كل ملء اللاهوت جسديًا" (كو 9:2).
الكنيسة - إذن - تكرم مريم
بكونها عذراء دائمة البتولية بسبب معجزة التجسد الإلهي التي تمت فيها وبها خلال
شخصيتها. لقد دل قبول مريم للبشارة "هوذا أنا أمة الرب" -كما يقول
الآباء- على اختيار حر وطوعي بأن تكرس نفسها بالكامل وعلى الإطلاق وبشكل فريد
لربها وإلهها. والبتولية ليست حالة جسدية فقط بل كما يقول الأب جورج فلورفسكي
"إن البتولية ليست مجرد حالة جسدانية أو ملمحًا ماديًا أو بدنيًا في حد ذاته.
إنها وقبل كل شيء موقف روحي باطني يكتسبه الإنسان باللاهوى απάθεια أي التحرر من الأهواء والشهوات الدنيئة"([8]).
اللاهوى ليس نقصًا في
المشاعر والعواطف، بل يعني بالحري محبة خالصة نقية وتوقًا ملتهبًا لله ولله وحده.
لذلك ظلت مريم دائمة البتولية في الفكر وفي النفس وفي الجسد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق