التعاليم اللاهوتية لسر الميرون
د.جورج عوض إبراهيم
المسحة في
العهد القديم كانت الوسيلة الليتورجية التي بها يتقدس الكهنة
والملوك. إنه السر الذي بواسطته يُعطى الروح القدس. نجد في نصوص الأنبياء نموذج
ومثال ماسيانى يشير إلى أنه في أواخر الأيام سوف يأتى ماسيا ممسوح، كان كرسى داود
وكذلك رئيس الكهنة يرمزان إليه. هذه النماذجية الماسيانية تحتل مكانة عظيمة في سفر
المزامير.
هذه النبوة
تجد تحقيقها في شخص يسوع الناصرى. أيضًا اسم المسيح cristόV
والذي أُعطيّ للمسيح يعبّر عن هذه الحقيقة بأنه الممسوح. وهذا اللقب صار مقبولاً
للمسيح نفسه أمام بيلاطس (مت12:27). على الجانب الآخر فإن نبوة إشعياء كانت تشير
إلى المسيح: "روح السيد الرب علىّ لأن الرب مسحنى لأُبشر المساكين أرسلنى
لأعصب منكسرى القلب لأنادى للمسبيين بالعتق للمأسورين بالإطلاق"
(إش61:1). هنا وصف انسكاب الروح القدس على المسيا الآتى (يو8:4). ويُنسب للمسيح في
أعمال الرسل نصوص المزامير (أع34:2، مز1:109، أع25:4، مز1:2) التي تتنبأ عن
المسيا، وكل ما قيل عن المسيح يسرى أيضًا على المسيحى.
أقدم شهادة عن
سر الميرون[1]
نجدها عند ترتليانوس: [ نُمسح بالميرون المقدس ونحن نأتى إلى جرن
المعمودية وفق التقليد القديم بهذا الزيت مُسح كل من هارون وموسى، ومن هذا الزيت
دُعيّ اسمه كممسوح "مسيح" الذي أتى من كلمة مسحة. حقًا مُسح بالروح
القدس من الآب مثلما ذُكر في سفر أعمال الرسل:
" لأنه بالحقيقة اجتمع على
فتاك القدوس يسوع الذي مسحته" (أع27:4). هكذا بالنسبة لنا فإن المسحة
تُنقل محسوسة لكن تعمل بطريقة روحية ][2].
هنا لدينا
تعليم لاهوتى هام: المسحة السرائرية والتي لها علاقة بالمسحة
الكهنوتية للعهد القديم كما وصف لنا سفر اللاويين الاصحاح الثانى والعشرون. على
الجانب الآخر، لها ارتباط بالمسحة الملوكية وبالحري بمسحة المسيا (مز2:2). حقًا
إلى هذه المسحة يشير نص سفر أعمال الرسل والذي يؤكد على أنها تحققت في شخص المسيح:
لكن المسح بزيت العهد القديم ليس هو إلاّ رمز للمسحة الروحية والتي بواسطتها مُسح
الابن بالروح القدس. أخيرًا، من هذه المسحة أتى اسم المسيح. بواسطة الميرون المقدس
يصير المعمد مسيح جديد.
مسحتم بالروح
القدس وصرتم مسيحيين
يشرح القديس
كيرلس الأورشليمى أيضًا هذا التقليد القديم قائلاً: [
طالما صِرتم مستحقين للمسحة المقدسة دُعيتم مسيحيين ومستحقين لهذا الاسم بالميلاد
الجديد. قبل أن تكونوا مستحقين لهذه المسحة لم تكونوا بالحق مستحقين لهذا الاسم،
لكن أُعطيّ لكم هذا رمز المسحة في العهد القديم. عندما نقل موسى إلى أخيه أمر الله
جاعلاً إياه رئيس كهنة، غسَّله في الماء ومسحه. ودُعيّ مسيح من مِسحة المثال. هكذا
أيضًا رئيس الكهنة العظيم عندما أقام سليمان في منصب الملك، مسحه حيث أولاً غسله
في جيحون. لكن لأولئك كان الأمر رمزيًا. لكن بالنسبة لنا ليس رمزيًا بل حقيقيًا
حيث أنكم قد مسحتم بالروح القدس. لأن بداية خلاصكم هو الممسوح بالروح القدس
(المسيح)][3].
القديس
أمبروسيوس عندما يتكلم
عن المسحة المقدسة يذكر مسحة هارون في كتابه عن الأسرار قائلاً: [ بعد ذلك صعدتم
إلى الكاهن، فتأملوا ماذا حدث بعد ذلك، أليس هذا ما قال عنه داود: "مثل
الطيب على الرأس النازل على اللحية لحية هارون" (مز2:133)، هذا هو الطيب
الذي قال عنه سليمان: "اسمك دهن مهراق لذلك أحبتك العذارى"
(نش3:1). كم نفسًا متجددة في هذا اليوم أحبتك أيها الرب يسوع وقالت: " إجذبنا
وراءك فنسعى إلى رائحة ثيابك" (نش4:1). حتى أنها تتشرب برائحة قيامتك!
تأمل الآن
لماذا حدث ذلك، لأن " الحكيم عيناه في رأسه" (14:2)، لذلك ينزل
الطيب على اللحية أى على جمال الشباب، ولذلك فنحن ـ لحية هارون أيضًا ـ نصير جنسًا
مختارًا كهنوتًا ثمينًا لأننا جميعًا ممسوحون بنعمة روحية لنشارك في ملكوت الله
وفي الكهنوت ][4].
المسحة
المسيحية تمثل مشاركة عظيمة في المسيح ويتحدث القديس كيرلس
الأورشليمى قائلاً: [ بعدما اعتمدتم في اسم المسيح ولبستم المسيح صرتم متمثلين
بابن الله. لأن الله، بسبب أنه اختاركم للتبنى جعلكم متمثلين بجسد مجد المسيح. إذن
طالما صِرتم مشاركين المسيح فمن الطبيعى أن تُدعوا مسيحيين. صِرتم مسيحيين لأنكم
قبلتم الروح القدس. وكل هذا صار لكم رمزيًا، لأنكم أنتم صور المسيح. وذاك اغتسل في
نهر الاردن وحيث أنه نقل إلى المياه رائحة ألوهيته، صعد من الأردن وحل عليه الروح
القدس، ... هكذا أنتم عندما صعدتم من جرن المياه المقدسة أُعطى لكم المسحة، على
مثال المسيح الذي مُسح، أى الروح القدس الذي تنبأ عنه إشعياء قائلاً: "روح
الرب علىّ لأنه مسحنى" (إش1:61)[5].
أيضًا يشرح
القديس كيرلس الأورشليمى مسحة الروح القدس قائلاً: [الروح القدس أُعطيَّ
بواسطة موسى عن طريق وضع الأيدى، وبطرس الرسول بواسطة وضع الأيدى أعطى الروح ][6].
لكن يستمر قائلاً: [ وعليك يا من تعمدت تأتى النعمة، كيف؟ سوف أقول لك ]. هنا نرى
بوضوح التمييز الواضح بين المعمودية والميرون. وأن ما فعله بطرس بوضع الأيدى هو إتمام
لسر الميرون وليس شيئًا آخر.
وفي عظة
القديس كيرلس الأورشليمى عن قيامة الأجساد يقول: [ ثم تعلمتم كيف تطهرتم من
خطاياكم وبواسطة الرب بحميم الماء وبالكلمة وكيف صرتم مشاركين للمسيح، وكيف أُعطى
لكم ختم شركة الروح القدس][7].
يستمر القديس
كيرلس الأورشليمى، قائلاً: [ المسيح لم يُمسح جسديًا بزيت أو بميرون
من يد إنسان. لكن الآب الذي أقامه من البداية مخلّص لكل العالم، مَسَحَهُ بالروح
القدس، كما قال الرسول بطرس: "يسوع الذي من الناصرة، كيف مسحه الله بالروح
القدس" (أع38:10). وكما صُلِب المسيح حقًا وقُبر وقام، هكذا أنتم بالعماد
صِرتم جديرين بالمثل قد صُلِبتم ودفنتم ومتم معه، هكذا صار بالمسحة. ذاك مُسِحَ
بزيت الفرح الذهنى، أى بالروح القدس، والذي يُدعيَّ زيت البهجة، لأنه كان سببًا
للابتهاج الروحى، أنتم قد مُسِحتم بالميرون وقد صِرتم شركاء المسيح ][8].
هنا نجد بوضوح
تعريفًا للسر: إنه الاشتراك الحقيقى في فرح المسيح بالتشبه به عن طريق
الأسرار. وهذا يتم عن طريق العماد وسر الميرون. وكما أن العِماد يصوّر رمزيًا موت
وقيامة المسيح، هكذا المسحة تصوّر مسحة المسيح من الروح القدس. عِماد المسيح وبعد
ذلك حلول الروح القدس هو صورة مسبقة لموته وبعد ذلك تنصيبه في الرتبة الملوكية،
حوادث يشترك فيها المسيحيين بواسطة سري العماد والميرون[9].
أيضًا القديس
أمبروسيوس يقول: [ الختم الروحى يأتى بعد العماد، لأن بعد الولادة ينبغى
أن يُتمم الكمال. وهذا يحدث عندما يستدعي الكاهن الروح القدس لينسكب، روح الحكمة
والفهم. روح المشورة والقوة. روح المعرفة والتقوى. روح مخافة الله: حيث أن مواهب
الروح القدس هم سبعة. وبالتأكيد كل النعم تشير إلى الروح القدس، لكن هذه السبعة هى
أساسية. مثل هذه المواهب هى سبعة تأخذها عندما ترسم بالختم ][10].
نفس المعنى نجده عند القديس كبريانوس فهو يرى أن "المعمدين حديثًا يجب
أن يحضروا أمام رؤساء الكنيسة لكى يأخذوا الروح القدس باستدعاءه ووضع الأيدى
ويتكملون بعلامة ختم الرب"[11].
هنا الختم بعد المعمودية هو نفسه سر الميرون الذي تمارسه الكنيسة بعد
العماد.
إن نص القديس
أمبروسيوس الذي ذكرناه وكذلك نص القديس كبريانوس يوضحان الهدف من سر الميرون،
فإذا كانت المعمودية تعطينا أن نشترك في الروح القدس لأن المعمودية هى بالماء
والروح، فإن سر الميرون ـ كما هو واضح ـ يتم بعد العماد هو المتمم والمكمل، إنه سر
الكمال. ونجد في صلوات كنيستنا هذا المعنى بكل وضوح في رشومات هذا السر
عندما يقول الكاهن: " كمال نعمة الروح القدس، ودرع الإيمان والحق.
آمين". وهذا الكمال يتمم بمواهب الروح القدس. فالمسحة ليس هدفها هو نقل الروح
القدس لأن هذا الأمر فعلاً قد أُعطى في المعمودية، لكن إنسكاب جديد للروح القدس.
هذا الإنسكاب هدفه تكميل القدرات الروحية التي صارت داخل النفس بالمعمودية،
وانطلاقها.
هذا الكمال
للحياة الروحية قد صيغ من الآباء بطريقتين. القديس أمبروسيوس يربطه
بمواهب الروح القدس: " ثم تذكروا انكم قبلتم ختم الروح، روح الحكمة
والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة والتقوى، وروح الخوف المقدس، وحافظتم كل
ما قبلتم. الله الآب ختمكم، المسيح الرب قواكم، وأعطى عربون الروح في قلوبكم"[12].
أما القديس
كيرلس الأورشليمى فإنه يخبرنا بأن المسحة تتم ليس على الرأس فقط لكن على كل
الحواس لكى توقظ فينا الحواس الروحية: "لقد مسحتم أولاً على الرأس لكى
تتحرروا من العار الذي جلبه الإنسان الأول المخالف في كل مكان، وبوجه مرفوع ترون
كما في مرآه مجد الرب. ثم بعد ذلك على الآذان لكى تكتسبوا آذان تسمع الأسرار
الإلهية، ثم على حاسة الشم لكى تستوعبوا الميرون المقدس وتقولون: نحن رائحة المسيح
الذكية[13].
ويضيف القديس
كيرلس الأورشليمى مسحة أخيرة على الصدر: " ثم بعد ذلك
على الصدر لكى تلبسوا الدرع المقاوم لأساليب الشيطان. لأنه كما أن المسيح بعد
عماده وحلول الروح القدس، أتى وانتصر ضد المقاوم، هكذا أنتم بعد العماد المقدس وسر
المسحة قد لبستم كل أسلحة الروح القدس لتقاوموا المضاد"[14].
لقد احتفظت كنيستنا بهذا التقليد بقصد رشم حواس المعمد وكل أجزاء جسمه، فالكاهن
يرشم الرأس والمنخارين والفم والأذن اليمنى والعين اليمنى والعين اليسرى والأذن
اليسرى، اى ثمانية رشومات. وهناك أيضًا أربعة رشومات على القلب
والسرة والظهر والصلب. وستة رشومات على مفصل الكتف الإيمن من فوق. والابط
ومفصل الكوع الأيمن، ومثناه، ومفصل الكف الأيمن وأعلاه. ثم ستة رشومات على
مفصل الكتف الأيسر من فوق والابط ومفصل الكوع الأيسر ومثناه، ومفصل الكتف الأيسر
وأعلاه. ثم ستة رشومات على مفصل الورك الأيمن والحالب الأيمن ومفصل الركبة
اليمنى ومثناه. ومفصل عرقوب الرجل اليمنى وأعلاه، وأخيرًا ستة رشومات على
الورك الأيسر والحالب الأيسر. ومفصل الركبة اليسرى ومثناه، ومفصل عرقوب الرجل
اليسرى وأعلاه.
كل هذه
الرشومات تشير إلى أن الكنيسة تختم على أجزاء جسد المعمد ليكون إناء طاهرًا، لذلك
عند انتهاء رشم المعمد يضع الكاهن يده عليه ويقول: [ تكون مباركًا
ببركات السمائيين وبركات الملائكة. يباركك الرب يسوع المسيح. وباسمه (وهنا ينفخ في
وجه المعمد ويقول) اقبل الروح القدس، وكن إناء طاهرًا من قبل يسوع المسيح ربنا ][15].
أيضًا الرشم
على كل أجزاء الجسد والحواس يثبت المعمد في شركته مع الروح القدس ومن هنا دُعى هذا
السر: سر التثبيت.
هناك عنصر آخر
جديد ركز عليه النص المنسوب إلى ديونيسيوس وهو استخدام الميرون ذو الرائحة
العطرة. يؤكد هذا النص على ان هناك اختلاف أساسي بين زيت الموعوظين والميرون
الذي يحدث له تقديس خاص يتماثل مع تقديس الإفخارستيا أي تقدمة الإفخارستيا:
"يوجد طقس آخر يدعونه المعلمين طقس الميرون. يأخذ رئيس الكهنة الميرون ويضعه
فوق المذبح الإلهى ويتقدس بطلبة مقدسة[16].
ومن الجدير بالملاحظة أنه قبل النص المنسوب لديونيسيوس نجد هذا التماثل بين
تقديس الافخارستيا والميرون عند القديس كيرلس الأورشليمى: " إحذر، لا تظن
أن ذاك الميرون شيئًا عاديًا. لأنه كما أن خبز الافخارستيا بعد استدعاء الروح
القدس ليس بعد خبزًا عاديًا لكن جسد المسيح، هكذا هذا الميرون المقدس ليس بعد
شيئًا عادى، ولا يمكن للمرء أن يقول عنه أنه عادى، بعد الاستدعاء، لكن هو نعمة
المسيح التي بحضور ألوهيته تصير فعّالة بالروح القدس"[17].
هنا نجد تأكيد ق. كيرلس على حضور الروح القدس في المسحة المقدسة، وهذا ما يصليه
الكاهن في بداية الصلاة لهذا السر: " أيها القادر وحده، صانع جميع
العجائب، الذي لا يعسر عليك شيء، لكن إرادتك وقوتك فاعلة في كل شئ. أنعم بالروح
القدس عند نضج الميرون المقدس. ليكن خاتمًا محييًا، وثباتًا لعبيدك، بابنك الوحيد
يسوع المسيح ربنا"[18].
من المعروف أن
الميرون يتكون من زيت وعصائر عطرية من الأشجار ويُضاف عليه في الشرق عطور أخرى.
وهذا ما يميز الميرون عن زيت الموعوظين أى الرائحة العطرية. والعطر له دلالة رمزية[19]،
وهذا يظهر بوضوح في صلاة المسحة بالميرون في الليتورجيا السيريانية: "بعد ان
قام الكاهن بالعماد باسم الآب والابن والروح القدس يجب أن يمسح المعمد بالميرون
المقدس قائلاً: "أيها الرب الإله يا من نشرت رائحة الإنجيل الذكية في كل
أرجاء الأمم، اجعل الآن هذا الزيت المعطر ليعمل في المعمد لكى تبقى رائحة المسيح
الذكية ثابتة فيه"[20].
هنا الميرون المقدس تفوح منه رائحة الألوهية. ويتضح جليًا ان الميرون هو مثال
للمسيح. والقديس غريغوريوس النيصى عندما يعلق على كلمات سفر نشيد الأنشاد:
" كرائحة أدهانك الطيبة" (نش3:1)، يقول: "إن رائحة الميرون الإلهية
ليست مجرد رائحة عطرية تُدرك بحاسة الشم، لكن بقوة غير مادية تأتى من المسيح
وتجذبنا بنعمة الروح القدس[21].
أيضًا نجد مرة
أخرى التعليم عن إدراك الأمور الروحية والتي تُقدم بالقياس مع الحواس وخاصةً حاسة
الشم. يقول القديس
كيرلس الأورشليمى: "قد مُسحتم على الأنف لكى تستطيعوا أن تدركوا مسحة
المسيح وتقولوا: نحن رائحة المسيح"[22].
لكن إدراك
مسحة المسيح الذكية يتوقف ـ كما يشدد على ذلك النص المنسوب إلى ديونيسيوس ـ على
مقدرة الذي يتنسمها أى المقدرة الروحية على فهمهما[23].
إذن المسحة هى
للمعمدين، وغير المعمدين ليس لهم مسحة مثلما ليس لهم إفخارستيا. والميرون يأتى
بعد المعمودية. فالمعمد فقط يمكن أن يناله. لأن المعمودية هى التي تعطى إمكانية
للمعمد لأن يدرك الرائحة الإلهية الذكية، ومسحة الميرون تُفّعل الطاقات التي نالها
المعمد بالمعمودية. لذا فالمسحة هى سر الكمال وإدراك الرائحة الإلهية
تتناسب مع درجة النمو الروحى للشخص المعمد. وسوف تظل الطبيعة الإلهية بعيدة ولا
يمكن البلوغ إليها، واستمتاعنا يكون دائمًا ليس بالعطر نفسه بل ـ كما يقول القديس
غريغوريوس النيصى ـ برائحة العطر التي تفوح بحضوره "مادام الملك في مجلسه
أفاح ناردين رائحته"[24].
والرائحة الإلهية ـ كما يشرح القديس غريغوريوس النيصى ـ نجدها في العالم المنظور
بتناسقه وجماله العجيب[25].
والكنيسة هى ظهور أكمل لإعلان الله، ومن هذا المنطلق فإن الرسول هو: "رائحة
المسيح الذكية"[26].
حياة النعمة والقدرات الفائقة هى الميرون الذي ينسكب في النفس بواسطة حضور الله.
وكما يشدد القديس غريغوريوس النيصى، إدراك المؤمن لهذه الرائحة الذكية واختبار حياة
النعمة يعني أن يتذوق حضور الله المستتر، إنها الخبرة السرائرية[27].
والنمو في حياة النعمة هذه يأتى تدريجيًا ـ كما يؤكد القديس غريغوريوس النيصى ـ
فالكرمة نستطيع أن نتلذذ بها أولاً بالأوراق المزهرة وتنسمنا للرائحة
الذكية التي تنبعث منها، وثانيًا عندما تنضج الثمرة ونتذوقها، هكذا الإنسان
الجديد المولود فينا ينمو تدريجيًا بقدر مقدرتنا على أن يظل داخلنا[28]
[1] أيضًا أقدم صلاة على الميرون لتقديسه نجدها في خولاجى
القديس سرابيون، انظر أبونا أثناسيوس اسحق حنين، تاريخ وطقس سر الميرون، أعمال
المؤتمر السنوى السابع للدراسات الآبائية، تحت عنوان "أسرار الكنيسة"
سبتمبر 1998، الناشر: المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، ص67.
[2]
De Baot, 7 P.L
1, 1207.
[3] PG33, 1093A.
[4] القديس أمبروسيوس، الأسرار، ترجمة بيت التكريس
لخدمة الكرازة، الناشر مؤسسة القديس أنطونيوس ـ مركز دراسات الآباء، الطبعة
الثانية 1996م، الفصل السادس ص25.
[5] PG, 33, 1088B-1089A.
[6] PG, 33, 956C.
[7] PG, 33, 1056B.
[8] 33, 1089A-B.
[9] PG 14, 27.
[10] De sacr, III,8 Botte 74-75.
[11] Epist, 83, 90 CSEL,
785.
[12] أمبروسيوس، الأسرار، مركز دراسات الآباء، ص34.
[13] PG 33, 1092B.
[14] PG 33, 109ZC.
[15] كتاب صلوات الخدمات، الناشر مكتبة المحبة 1971،
ص 61.
[16] PG 1,472D-473A.
[17] PG 33, 1092A.
[18] صلوات الخدمات، ص59.
[19] يوسابيوس القيصرى PG XXII, 289D.
[20] Diat. Apost,
VII, 44,2.
[21] PG 44, 780D.
[22] PG 33, 1092B.
[23] PG
I, 480A, 473B-476B.
[24] انظر غريغوريوس النيصى PG XLIV, 781D.
[25] PG 44, 784A.
[26] انظر كليمندس الأسكندرى، المربى II,8.
[27] PG 44, 821A-828B.
[28] انظر غريغوريوس النيصى PG 44, 828D.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق