الحياة النسكية
العظة السادسة
الأب
ايروثيوس فلاخوس– ترجمة د. جورج عوض عن موقع الدياكونية الرسولية - موقع خاص بالكنيسة اليونانية ΑΠΟΣΤΟΛΙΚΗ ΔΙΑΚΟΝΙΑ
1ـ العقل
الضال
2ـ نتائج
إبتعاد العقل عن القلب
3ـ جوهر
الخطية
4ـ التوبة
الحقيقية
إن مثل الإبن الضال الذي درسناه, فيما عدا
الدراسة اللاهوتية, الجانب الأنثروبولوجي والإكليسولوجي لديه أيضًا التعليم
النُسكي ، فالقديس غريغوريوس بالأماس وهو يحلل المثل يقول إن الضال هو عقل الإنسان
الذي إبتعد عن الله ولكي نُعبر أفضل, يقول إن ثروة الإنسان التي أخذها من أبيه
وبذرها بعيش مسرف, هي العقل نفس الإنسان لديها ذهن (عقل), ونُطق وروح (فكر) بحسب
النموذج الأصلي للثالوث القدوس. العقل في حالتة الطبيعية هو مستنير ويقود (يوجه)
القول أو النطق أو المنطق. هكذا, الإنسان الضال هو ذاك الذي عقله ينصرف في أمور
أخري, ليس لديه تذكر الله.
عندما يتبع الإنسان طرق الخلاص, عندئذٍ العقل
يبقي في ذاته وفي العقل الأول الذي هو الله. لكن عندما نفتح الباب للشهوات, عندئذٍ
العقل الذي هو قوة تلك النفس التي يمكن أن تُوصف الملاحظ الدقيق, تتشتت للأمور
الجسدية والأرضية, للذات والأفكار الشهوانية. التعقل الذي يميز الصالح عن الشرير,
هو غني العقل. كلما يحفظ العقل وصايا الله ويبقي في الله, علي قدر ما التعقل يعمل
طبيعيًا, يميز الخير عن الشر ويفضل الأول عن الثاني. لكن عندما يجمح أو يشرد
العقل, عندئذٍ أيضًا التعقل يتشتت إلي الزنا وعدم التعقل.
إذن, العقل هو قوة النفس المركزية الذي يوجهها
وفي النهاية يوجه كل الإنسان. إنه يحفظ الرغبة محدقة تجاه الله. لكن عندما يكون
العقل خامل عندئذٍ قوة النفس التي تُوجه تجاه المحبة, تسقط من الله وتتشتت في أمور
أخري, وحينذاك تنمو شهوات حُب اللذة والثرثرة وحُب المجد الباطل. العقل في حالتة
الطبيعية يوجه الغضب ضد الشيطان. لكن
عندما يتشتت العقل ويجمد , عندئذٍ الغضب يلتق ضد أناس آخرين ويحارب ضدهم. بالتالي,
الإنسان يصير ضال وعقله يتشيطن ويتوحش.
هذا يعني أن عقل الإنسان هو الذي يتعرض أولاً
للتأثر فيما يتعلق بالخطية. بواسطة الأفكار والأمور الحسية والخيالات التجربة تدخل
في الإنسان بهدف فريد أن تحتل عقله, إنتابه الرقيق الذي هو مركز شخصية الإنسان .
علي سبيل المثال, يأتي فكر ما, لكي يصير شخص ما غني أن يسرق ويظلم الآخرين جمال
الغني وكل ما يصاحبة يأتي كصور في النفس, بهدف أن يُحتَّل العقل. لو صار أسيرًا,
عندئذٍ تصير الشهوة, ثم الإفتراق وفي النهاية تكرار العمل يصير شهوة ورغبة, هكذا,
الإنسان يصير كله أسير للشيطان, مثلما بالضبط الضال صار أسير عند أهل تلك القرية البعيدة.
بالتالي, حرية الإنسان هي في الواقع داخلية. يمكن المرء أن يكون حُر
خارجيًا, يسكن في أوطان حُرَة, يحيا مأسويًا في حياته. علي النقيض مع الحرية
الوجودية يمكن أن يظل المرء في طغيانات غير حُرة وتشعر أنه حُر. الشهداء في فترة
الأضطهادات كان يملكون الحرية الداخلية, بينما كثيرون من المسيحين المعاصرين
الذينلديهم حُريات خارجية, لا يحفظون إرادة اللهوهم عبيد. يُقال في المثل: "فَمَضَى
وَالْتَصَقَ بِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْكُورَةِ، فَأَرْسَلَهُ إِلَى
حُقُولِهِ لِيَرْعَى خَنَازِيرَ. وَكَانَ يَشْتَهِي أَنْ يَمْلأَ بَطْنَهُ مِنَ
الْخُرْنُوبِ الَّذِي كَانَتِ الْخَنَازِيرُ تَأْكُلُهُ، فَلَمْ يُعْطِهِ أَحَدٌ"
(لو15:15ـ16).
أهل تلك القرية التي تُوجد بعيدًا عن البيت, هم الشياطين . في الكنيسة
الأرثوذكسية نقول إن الشياطين هي أرواح شريرة يكرهون بشكل بالغ الإنسان ويصنعوا كل
شيء لكي يبعدوه عن الله. الشياطين في البداية كانوا ملائكة يمجدون الله , بل من
كبريائهم قد سقطوا وصاروا شياطين . هؤلاء وَلدِوا بمفردهم الشر ويريدوا أن يقودوا
الإنسان إلي العصيان .
الحياة الخنزيرية هي كل شهوة, بسبب شدة الدنس . الخنازير هي أولئك البشر
الذين يهرولون تجاه الشهوات. الشهوة هي الحركة بخلاف الطبيعة ووظيفة قدرات النفس.
الشهوات الثلاث الأساسية هي محبة المجد والثرثرة ومحبة اللذة. مركز الشهوات الثلاث
هي حُب الذات التي هي محبة الجسد الغير معقولة, أي عندما يحب المرء جسده منفصلاً
عن النفس ويريد أن يُرضية جسديًا. من هذه الشهوات تنبت وتنبثق أيضًا الشهوات
الأخري, والتي تعذب الإنسان. تقول الكنيسة الأرثوذكسية إن الشهوات هي أفعال نفس
الإنسان التي هي بخلاف الطبيعة. أي توجد محبة في الأنسان لكي يلتف تجاه الله ويرغب
فيه. لكن عندما هذه المحبة, بدلاً من أن تلتف تجاه الله, تلتف بشوق تجاه
المخلوقات, عندئذٍ نتحدث عن شهوة النفس.
الإنسان الضال لا يستطيع أن يشبع من الخروب الذي كانت تأكله الخنازير, أي
ليس من الممكن أن يُرضي تمامًا الشهوة. دائمًا يظل صائمًا (جائعًا) كلما يكتسب
المرء ثروة كبيرة علي قدر أيضًا ما يزداد
الحرمان, لكن أيضًا الشهوة لكي يكتسب الأكثر. عندئذٍ الإنسان يريد, لو هو قادر, أن
يكتسب كل العالم. لكن لأن واحد هو العالم, بينما محبي الأموال هم كثيرون, لأجل هذا
لا يستطيع أبدًا أن يشبع.
بالتالي, عندما يكون العقل أسير لفكر أو خيال, ينجذب إلي الشهوة والعاطفة
تبتعد عن الله وهكذا كل الإنسان يصير في الأسر ويصبح مريض بنتائج مرعبة لذاته
وللمجتمع . هذه هي مأساة الخطية. وبالطبع, كما قلنا سابقًا, هذا ينطلق من العقل
الذي وقع في الأسر.
هكذا يدرك جيدًا ما هي الخطية بالضبط؟ نحن قد ربطنا الخطية ببعض الحوادث
خارجيًا والأعمال الخارجية. بلا شك هذه الأشياء خطية, لكن نستطيع أن نقول إن هذه
الأعمال (السرقة, الأكاذيب, الغضب,...الخ) هي نتيجة وثمرة ظُلمة العقل ووقوعة في
الأسر. الخطية هي إظلام العقل وبعد ذلك حركة قدرات النفس تكون بخلاف الطبيعة
وإبتعاد الإنسان عن الله, عن بيته الحقيقي. في هذه الحالة أيًا ما فعل الإنسان هو
إنسان خاطئ. القديس غريغوريوس بالاماس يصل إلي الحد أن يقول, عندما لا يكون عند
الإنسان نعمة الله فيه, عندئذٍ مهما يفعله هو خاطئ والمسيح ذكر في مثل له علاقة
بهذا الأمر, أن الخمس عذاري الجاهلات,
بينما مارسوا البتولية والإمساك (الإنضباط), لأنه كان ليس لديهن زيت في مصابيحهن,
أي لم يكن لديهن في داخلهم نعمة الله ـ الأمر الذي يبدو من وجود الصلاة الذهنية ـ
لم يدخلن إلي ملكوت الله.
لأجل هذا أيضًا النسك يتآلف في كيف نحتفظ بالعقل طاهرًا, كيف من الظلمة سوف
يستنار العقل ويكون لديه بلا إنقطاع تذكر الله . النسك الأرثوذكسي لا يُستنزف في
بعض الأعمال الخارجية, بل في تطهير القلب وإستنارة العقل . لأنه, عندما يكون العقل
متوجه توجهيًا صحيحًا, عندئذٍ كل منظومة الإنسان تعمل قانونيًا.
لو أن الخطية هي إظلام العقل, والإبتعاد عن الله, فالتوبة هي أن يكون العقل
مستنير ويتطلع إلي الله . يبدو في مثل الإبن الضال بوضوح ما هي التوبة. مكتوب
بوضوح: " فَرَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ وَقَالَ: كَمْ مِنْ أَجِيرٍ لأَبِي
يَفْضُلُ عَنْهُ الْخُبْزُ وَأَنَا أَهْلِكُ جُوعًا! أَقُومُ وَأَذْهَبُ إِلَى
أَبِي وَأَقُولُ لَهُ: يَا أَبِي، أَخْطَأْتُ إِلَى السَّمَاءِ وَقُدَّامَكَ،
وَلَسْتُ مُسْتَحِقًّا بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ابْنًا. اِجْعَلْنِي كَأَحَدِ
أَجْرَاكَ. فَقَامَ وَجَاءَ إِلَى أَبِيهِ. وَإِذْ كَانَ لَمْ يَزَلْ بَعِيدًا
رَآهُ أَبُوهُ، فَتَحَنَّنَ وَرَكَضَ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ"
(لو17:15ـ20).
نستطيع في هذا النص أن نري بعض ملامح التوبة الحقيقية.
أولاً: أتي إلي نفسه أو رجع إلي نفسه. هذا يُظهِر أن العقل يرجع إلي القلب من
الضلال علي قدر الوقت الذي يموت فيه من الرجوع, يُوجد العقل خارج, مشتت بواسطة
الحواس في العالم. تأتي لحظة ما حيث تصير يقظة للإنسان ويدرك حالته المرعبة.
ثانيًا: فضيلة اللوم الذاتي تنمو بشدة. يحكم علي ذاته,ويعتبرها غير مستحق أن يكون
إبن الله. لا يلقي المسئولية علي أي أحد آخر,لا يعتبر الآخرين كسبب لإبتعاده عن
بيت أبيه. يعتبر أنه غير مستحق أن يكون إبن لأبيه. يعتبر أنه عظيم أن يكون أجير.
ثالثًا: هذه اليقظة واللوم الذاتي ليسا من أعمال بشرية بل ساعة نعمة من الله.
بواسطة النعمة الإلهية ويقارن الحالة المرعبة التي يوجد فيها بيت أبيه. حقًا, الله
بمحبته للبشر, يعلن بعض المرات, بعض من إشاعات مجده, حتى أن الإنسان يُدرك حالته
المرعبة. لا يستطيع المرء أن يدرك حالته لو لم يُلهَّم من نعمة الله. التوبة هي
إلهام إلهي.
رابعًا: لا يُكتفي الرغبات الحسنة, بل يفعل الجزء العاطفي لنفسه لا يستطيع المرء
أن يرجع إلي الله لو أن الجزء العاطفي θυμικό لم يتعاون في العمل. لأجل هذا
يُقال أن الضال مباشرةً بعد أفكاره التي تأملها "قام وذهب إلي أبيه".
خامسًا: نهاية الرجوع هي الدخول إلي البيت ومشاركته في الإحتفال الذي يصير هناك,
كذلك أيضًا مشاركته في العشاء الإفخارستي, في الليتورجيا الإلهية وفي أكل وشرب جسد
المسيح ودمه. هكذا ندرك أن غفران الخطايا, كما توحي لنا الكلمة في حد ذاتها (συγ - χὼπηση) هي المشاركة في المسيرة وفي الشركة في الكنيسة. بالأسر وإظلام
العقل نبتعد عن الكنيسة وبالحرية وإستنارة العقل نأتي مرة أخري إلي الكنيسة.
ما قلناه في هذه العظة يُظهِر أن الخطية هي إبتعاد العقل والإنسان عن الله,
إظلام العقل, والتوبة هي رجوع العقل والإنسان إلي الله, الذي يصير بواسطة إستنارة
العقل. هذا لديه أهمية عُظمي, لأننا ندرك جيدًا لماذا تُدعَّي المعمودية المقدسة
إستنارةالعقل يستنار, وكل قدرات النفس, الإرادية والمنطقية والعاطفية تتقدس ويُنعم
عليها وهكذا يتقدس كل الإنسان.
أسئلة وأجوابة
1ـ
يقول القديس غريغوريوس بالاماس أن الضال هو عقل الإنسان الذي يبتعد عن الله
والقلب. كيف تدرك هذا الأمر؟
الحياة الطبيعية للعقل هي أن يُوجد في الله
والقلب. عندما ينشغل بالمخلوقات بواسطة الحواس, عندما يبتعد عن الله, عندئذٍ هو ضال.
2ـ ما هي
الثلاث قدرات التي للنفس؟
العقل والنطق (المنطق) والفكر.
3ـ ما هو
العقل؟
الإنتباه الرقيق, عين النفس, مركز وجود
الإنسان.
4ـ ما هي
حركة العقل بحسب الطبيعة وما هي حركته بخلاف الطبيعة؟
بحسب الطبيعة وفوق الطبيعة, حركة العقل هيعندما
يلتف تجاه الله وتحتفظ بإتجاه هذا كل القدرات النفس. بخلاف الطبيعة عندما يبتعد عن
الله وبغير إتجاه كل قدرات النفس.
5ـ ما هي
الخطية؟
إظلام العقل, والإبتعاد عن الله, أو حركة قدرات
النفس بخلاف الطبيعة.
6ـ ما هي
مسيرة الخطية؟
إقتراح ـ أفكار, إرتباط, رغبة, عمل, شهوة.
7ـ ما هي
الحرية الحقيقية؟
الداخلية والوجودية والحرية من الشهواتع
والموت.
8ـ ما هي
الشياطين؟
أرواح شريرة تكره الإنسان.
9ـ ما هي
الشهوات؟
حركة أفعال النفس بخلاف الطبيعة. الشهوة هي عندما المحبة, بدلاً من أن تلتف
تجاه الله, تلتف تجاه المخلوقات. نفس الأمر يحدث لكل قدرات النفس الأخري.
10ـ ما هي
الشهوات الأساسية؟
الأنانية والتي منها يُولد,محبة المجد, ومحبة
المال, ومحبة اللذة.
11ـ ماذا
نقصد عندما نتحدث عن النسك الأرثوذكسي؟
حفظ وصايا المسيح بواسطتهما يتطهر القلب ونحصل
علي إستنارة العقل.
12ـ ما هي
التوبة؟
حركة قدرات النفس بحسب الطبيعة, الرجوع إلي الله, إستنارة العقل.
13ـ ما هي
ملامح التوبة الحقيقية؟
رجوع العقل إلي القلب, اللوم الذاتي, الإلهام
للتغيير, تفعيل الجزء العاطفي للنفس أي المشاعر, الدخول إلي الكنيسة والإشتراك في
العشاء الإفخارستي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق