الاثنين، 15 أغسطس 2011

الحياة النسكية - المطران ايروثيوس فلاخوس ترجمة د.جورج عوض

الحياة النسكية
العظة السادسة
المطران ايروثيوس فلاخوس –  ترجمة د. جورج عوض
1ـ العقل الضال
2ـ نتائج إبتعاد العقل عن القلب
3ـ جوهر الخطية
4ـ التوبة الحقيقية
إن مثل الإبن الضال الذي درسناه, فيما عدا الدراسة اللاهوتية, الجانب الأنثروبولوجي والإكليسولوجي لديه أيضًا التعليم النُسكي ، فالقديس غريغوريوس بالأماس وهو يحلل المثل يقول إن الضال هو عقل الإنسان الذي إبتعد عن الله ولكي نُعبر أفضل, يقول إن ثروة الإنسان التي أخذها من أبيه وبذرها بعيش مسرف, هي العقل نفس الإنسان لديها ذهن (عقل), ونُطق وروح (فكر) بحسب النموذج الأصلي للثالوث القدوس. العقل في حالتة الطبيعية هو مستنير ويقود (يوجه) القول أو النطق أو المنطق. هكذا, الإنسان الضال هو ذاك الذي عقله ينصرف في أمور أخري, ليس لديه تذكر الله.
عندما يتبع الإنسان طريق الخلاص, عندئذٍ العقل يبقي في ذاته وفي العقل الأول الذي هو الله. لكن عندما نفتح الباب للشهوات, عندئذٍ العقل الذي هو قوة تلك النفس التي يمكن أن تُوصف  بأنها الملاحظ الدقيق, تتشتت للأمور الجسدية والأرضية, للذات والأفكار الشهوانية. التعقل الذي يميز الصالح عن الشرير, هو غني العقل. كلما يحفظ العقل وصايا الله ويبقي في الله, علي قدر ما التعقل يعمل طبيعيًا, يميز الخير عن الشر ويفضل الأول عن الثاني. لكن عندما يجمح أو يشرد العقل, عندئذٍ أيضًا التعقل يتشتت إلي الزنا وعدم التعقل.
إذن, العقل هو قوة النفس المركزية الذي يوجهها وفي النهاية يوجه كل الإنسان. إنه يحفظ الرغبة محدقة تجاه الله. لكن عندما يكون العقل خامل عندئذٍ قوة النفس التي تُوجه تجاه المحبة, تسقط من الله وتتشتت في أمور أخري, وحينذاك تنمو شهوات حُب اللذة والثرثرة وحُب المجد الباطل. العقل في حالتة الطبيعية يوجه الغضب ضد الشيطان. لكن عندما يتشتت العقل ويجمد , عندئذٍ الغضب يلتق ضد أناس آخرين ويحارب ضدهم. بالتالي, الإنسان يصير ضال وعقله يتشيطن ويتوحش.
هذا يعني أن عقل الإنسان هو الذي يتعرض أولاً للتأثر فيما يتعلق بالخطية. بواسطة الأفكار والأمور الحسية والخيالات التجربة تدخل في الإنسان بهدف فريد أن تحتل عقله, إنتابه الرقيق الذي هو مركز شخصية الإنسان . علي سبيل المثال, يأتي فكر ما, لكي يصير شخص ما غني أن يسرق ويظلم الآخرين جمال الغني وكل ما يصاحبة يأتي كصور في النفس, بهدف أن يُحتَّل العقل. لو صار أسيرًا, عندئذٍ تصير الشهوة, ثم الإفتراق وفي النهاية تكرار العمل يصير شهوة ورغبة, هكذا, الإنسان يصير كله أسير للشيطان, مثلما بالضبط الضال صار أسير عند أهل تلك القرية البعيدة.
بالتالي, حرية الإنسان هي في الواقع داخلية. يمكن المرء أن يكون حُر خارجيًا, يسكن في أوطان حُرَة, لكن يحيا مأسويًا في حياته. علي النقيض مع الحرية الوجودية يمكن أن يظل المرء في طغيانات غير حُرة ويشعر أنه حُر. الشهداء في فترة الأضطهادات كان يملكون الحرية الداخلية, بينما كثيرون من المسيحين المعاصرين الذين لديهم حُريات خارجية, لا يحفظون إرادة الله وهم عبيد. يُقال في المثل: "فَمَضَى وَالْتَصَقَ بِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْكُورَةِ، فَأَرْسَلَهُ إِلَى حُقُولِهِ لِيَرْعَى خَنَازِيرَ. وَكَانَ يَشْتَهِي أَنْ يَمْلأَ بَطْنَهُ مِنَ الْخُرْنُوبِ الَّذِي كَانَتِ الْخَنَازِيرُ تَأْكُلُهُ، فَلَمْ يُعْطِهِ أَحَدٌ" (لو15:15ـ16).
أهل تلك القرية التي تُوجد بعيدًا عن البيت, هم الشياطين . في الكنيسة الأرثوذكسية نقول إن الشياطين هي أرواح شريرة يكرهون بشكل بالغ الإنسان ويصنعوا كل شيء لكي يبعدوه عن الله. الشياطين في البداية كانوا ملائكة يمجدون الله , بل من كبريائهم قد سقطوا وصاروا شياطين . هؤلاء وَلدِوا بمفردهم الشر ويريدوا أن يقودوا الإنسان إلي العصيان .
الحياة الخنزيرية هي كل شهوة, بسبب شدة الدنس . الخنازير هم أولئك البشر الذين يهرولون تجاه الشهوات. الشهوة هي الحركة بخلاف الطبيعة ووظيفة قدرات النفس. الشهوات الثلاث الأساسية هي محبة المجد والثرثرة ومحبة اللذة. مركز الشهوات الثلاث هي حُب الذات التي هي محبة الجسد الغير معقولة, أي عندما يحب المرء جسده منفصلاً عن النفس ويريد أن يُرضية جسديًا. من هذه الشهوات تنبت وتنبثق أيضًا الشهوات الأخري, والتي تعذب الإنسان. تقول الكنيسة الأرثوذكسية إن الشهوات هي أفعال نفس الإنسان التي هي بخلاف الطبيعة. أي توجد محبة في الأنسان لكي يلتف تجاه الله ويرغب فيه. لكن , بدلاً من أن تلتف هذة المحبة تجاه الله, تلتف بشوق تجاه المخلوقات, عندئذٍ نتحدث عن شهوة النفس.
الإنسان الضال لا يستطيع أن يشبع من الخروب الذي كانت تأكله الخنازير, أي ليس من الممكن أن يُرضي تمامًا الشهوة. دائمًا يظل جائعًا ، فكلما يكتسب المرء ثروة كبيرة علي قدر أيضًا ما يزداد الحرمان, كذلك أيضًا الشهوة لكي يكتسب الأكثر. عندئذٍ الإنسان يريد, لو هو قادر, أن يكتسب كل العالم. لكن لأن واحد هو العالم, بينما محبي الأموال هم كثيرون, لأجل هذا لا يستطيع أبدًا أن يشبع.
بالتالي, عندما يكون العقل أسير لفكر أو خيال, ينجذب إلي الشهوة والعاطفة يبتعد عن الله وهكذا كل الإنسان يصير في الأسر ويصبح مريض بنتائج مرعبة لذاته وللمجتمع . هذه هي مأساة الخطية. وبالطبع, كما قلنا سابقًا, هذا ينطلق من العقل الذي وقع في الأسر.
هكذا يدرك جيدًا ما هي الخطية بالضبط؟ نحن قد ربطنا الخطية ببعض الحوادث خارجيًا والأعمال الخارجية. بلا شك هذه الأشياء خطية, لكن نستطيع أن نقول إن هذه الأعمال (السرقة, الأكاذيب, الغضب,...الخ) هي نتيجة وثمرة ظُلمة العقل ووقوعة في الأسر. الخطية هي إظلام العقل وبعد ذلك حركة قدرات النفس تكون بخلاف الطبيعة وإبتعاد الإنسان عن الله, عن بيته الحقيقي. في هذه الحالة أيًا ما فعل الإنسان هو إنسان خاطئ. القديس غريغوريوس بالاماس يصل إلي الحد أن يقول, عندما لا يكون عند الإنسان نعمة الله فيه, عندئذٍ مهما يفعله هو خاطئ والمسيح ذكر في مثل له علاقة بهذا الأمر, أن الخمس عذاري الجاهلات, بينما مارسوا البتولية والإمساك (الإنضباط), لأنه كان ليس لديهن زيت في مصابيحهن, أي لم يكن لديهن في داخلهم نعمة الله ـ الأمر الذي يبدو من وجود الصلاة الذهنية ـ لم يدخلن إلي ملكوت الله.
لأجل هذا أيضًا النسك يتآلف في كيف نحتفظ بالعقل طاهرًا, كيف من الظلمة سوف يستنار العقل ويكون لديه بلا إنقطاع تذكر الله . النسك الأرثوذكسي لا يُستنزف في بعض الأعمال الخارجية, بل في تطهير القلب وإستنارة العقل . لأنه, عندما يكون العقل متوجه توجهيًا صحيحًا, عندئذٍ كل منظومة الإنسان تعمل قانونيًا.
لو أن الخطية هي إظلام العقل, والإبتعاد عن الله, فالتوبة هي أن يكون العقل مستنير ويتطلع إلي الله . يبدو في مثل الإبن الضال بوضوح ما هي التوبة. مكتوب بوضوح: " فَرَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ وَقَالَ: كَمْ مِنْ أَجِيرٍ لأَبِي يَفْضُلُ عَنْهُ الْخُبْزُ وَأَنَا أَهْلِكُ جُوعًا! أَقُومُ وَأَذْهَبُ إِلَى أَبِي وَأَقُولُ لَهُ: يَا أَبِي، أَخْطَأْتُ إِلَى السَّمَاءِ وَقُدَّامَكَ، وَلَسْتُ مُسْتَحِقًّا بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ابْنًا. اِجْعَلْنِي كَأَحَدِ أَجْرَاكَ. فَقَامَ وَجَاءَ إِلَى أَبِيهِ. وَإِذْ كَانَ لَمْ يَزَلْ بَعِيدًا رَآهُ أَبُوهُ، فَتَحَنَّنَ وَرَكَضَ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ" (لو17:15ـ20).
نستطيع في هذا النص أن نري بعض ملامح التوبة الحقيقية.
أولاً: أتي إلي نفسه أو رجع إلي نفسه. هذا يُظهِر أن العقل يرجع إلي القلب . طوال الوقت الذي كان فيه في ضلال, كان يُوجد العقل خارج, مشتت بواسطة الحواس في العالم.  لكن تأتي لحظة ما يصيرفيها الانسان يقظة ويدرك حالته المرعبة.
ثانيًا: فضيلة اللوم الذاتي تنمو بشدة. يحكم علي ذاته,ويعتبرنفسه غير مستحق أن يكون إبن الله. لا يلقي المسئولية علي أي أحد آخر,لا يعتبر الآخرين كسبب لإبتعاده عن بيت أبيه. يعتبر أنه غير مستحق أن يكون إبن لأبيه. يعتبر أنه عظيم أن يكون أجير.
ثالثًا: هذه اليقظة واللوم الذاتي ليسا من أعمال بشرية بل ساعة نعمة من الله. بواسطة النعمة الإلهية يقارن الحالة المرعبة التي يوجد فيها ببيت أبيه. حقًا, الله بمحبته للبشر, يعلن بعض المرات, بعض من إشاعات مجده, حتى أن الإنسان يُدرك حالته المرعبة. ولا يستطيع المرء أن يدرك حالته لو لم يُلهَّم من نعمة الله. التوبة هي إلهام إلهي.
رابعًا: لا يُكتفي  بالرغبات الحسنة, بل يُفعّل الجزء العاطفي للنفس . لا يستطيع المرء أن يرجع إلي الله لو أن الجزء العاطفي θυμικό لم يتعاون في العمل. لأجل هذا يُقال أن الضال مباشرةً بعد أفكاره التي تأملها "قام وذهب إلي أبيه".
خامسًا: نهاية الرجوع هي الدخول إلي البيت ومشاركته في الإحتفال الذي يصير هناك, كذلك أيضًا مشاركته في العشاء الإفخارستي, في الليتورجيا الإلهية وفي أكل وشرب جسد المسيح ودمه. هكذا ندرك أن غفران الخطايا, كما توحي لنا الكلمة في حد ذاتها (συγ - χὼπηση) هي المشاركة في المسيرة وفي الشركة في الكنيسة. بالأسر وإظلام العقل نبتعد عن الكنيسة وبالحرية وإستنارة العقل نأتي مرة أخري إلي الكنيسة.
ما قلناه في هذه العظة يُظهِر أن الخطية هي إبتعاد العقل والإنسان عن الله, إظلام العقل, والتوبة هي رجوع العقل والإنسان إلي الله, الذي يصير بواسطة إستنارة العقل. هذا لديه أهمية عُظمي, لأننا ندرك جيدًا لماذا تُدعَّي المعمودية المقدسة إستنارةالعقل يستنار, وكل قدرات النفس, الإرادية والمنطقية والعاطفية تتقدس ويُنعم عليها وهكذا يتقدس كل الإنسان.
أسئلة وأجوابة
1ـ يقول القديس غريغوريوس بالاماس أن الضال هو عقل الإنسان الذي يبتعد عن الله والقلب. كيف تدرك هذا الأمر؟
الحياة الطبيعية للعقل هي أن يُوجد في الله والقلب. عندما ينشغل بالمخلوقات بواسطة الحواس, عندما يبتعد عن الله, عندئذٍ هو ضال.
2ـ ما هي الثلاث قدرات التي للنفس؟
العقل والنطق (المنطق) والفكر.
3ـ ما هو العقل؟
الإنتباه الرقيق, عين النفس, مركز وجود الإنسان.
4ـ ما هي حركة العقل بحسب الطبيعة وما هي حركته بخلاف الطبيعة؟
بحسب الطبيعة وفوق الطبيعة, حركة العقل هي عندما يلتف تجاه الله وتحتفظ بإتجاه هذا كل قدرات النفس. بخلاف الطبيعة عندما يبتعد عن الله وبغير إتجاه كل قدرات النفس.
5ـ ما هي الخطية؟
إظلام العقل, والإبتعاد عن الله, أو حركة قدرات النفس بخلاف الطبيعة.
6ـ ما هي مسيرة الخطية؟
إقتراح ـ أفكار, إرتباط, رغبة, عمل, شهوة.
7ـ ما هي الحرية الحقيقية؟
هي الحرية الداخلية والوجودية والحرية من الشهوات والموت.
8ـ ما هي الشياطين؟
أرواح شريرة تكره الإنسان.
9ـ ما هي الشهوات؟
حركة أفعال النفس بخلاف الطبيعة. الشهوة هي عندما المحبة, بدلاً من أن تلتف تجاه الله, تلتف تجاه المخلوقات. نفس الأمر يحدث لكل قدرات النفس الأخري.
10ـ ما هي الشهوات الأساسية؟
الأنانية والتي منها يُولد,محبة المجد, ومحبة المال, ومحبة اللذة.
11ـ ماذا نقصد عندما نتحدث عن النسك الأرثوذكسي؟
حفظ وصايا المسيح بواسطتهما يتطهر القلب ونحصل علي إستنارة العقل.
12ـ ما هي التوبة؟
حركة قدرات النفس بحسب الطبيعة, الرجوع إلي الله, إستنارة العقل.
13ـ ما هي ملامح التوبة الحقيقية؟
رجوع العقل إلي القلب, اللوم الذاتي, الإلهام للتغيير, تفعيل الجزء العاطفي للنفس أي المشاعر, الدخول إلي الكنيسة والإشتراك في العشاء الإفخارستي.

الأربعاء، 10 أغسطس 2011

الأيقونة والعبادة - د. جورج عوض


الأيقونة والعبادة
    د. جورج عوض




الأيقونة هى تعبير عن عقيدة الكنيسة ومفتاح لفهم العقائد الكنسية. الأيقونة ليست مجرد فقط تبسيط للإعلان الإلهى، وجعل الإيمان شعبيًا في متناول البسطاء أو الجهلاء. إنها سر وهى طريقة لاهوتية تهدف إلى تناول الِحقائق الكنسية.إنها تصوير صادق للمعجزة التي مازالت هى سرًا: ألا وهى إخلاء الله وارتفاع الإنسان.



الارتباط بين العقيدة والأيقونة يشهد بأن رسم الأيقونة ليس فنًا فرديًا مستقلاً لكنه فن كنسى. لأن هذا الرسم، لا يُعبّر عن أفكار وآراء دينية، وخيال عقيدى وإبداع لفنان لكنه يُصوّر ويُظهر الإيمان الشامل للكنيسة. إن رسم الأيقونات في الأرثوذكسية ليس مجرد فن "دينى"، أو محاولة الإنسان المتدين لأن يُعبّر فنيًا عن موضوع إبداع دينى. إنه فن لاهوتى، فهو فن يعبر عن الحقيقة اللاهوتية، والحياة الجامعة والتعاليم الأخلاقية الكنسية، المتعلقة بالعقيدة والتعاليم الروحية والعبادة. إنه فن يعتمد على الخبرة اللاهوتية وتقليدالكنيسة[1][1].



إن رسم الأيقونة هو بمثابة خروج من عالم معتم ومكتفى بذاته، فالأيقونة نافذة تطل من الواقع البشرى والأرضى على الإمكانيات غير المحدودة لسر الله والعالم السماوى: فإنها تظهر حضور المجد غير الموصوف للأبدية العتيدة في حاضرنا على الأرض، تصور ظهور المسيح والكنيسة السماوية وسط المجتمع البشرى. تصور حقيقة ملكوت الله والخليقة الجديدة بطريقة واضحة وتقدم عالم التجلي والتأله، والنور غير المخلوق وتعلن عن شفافية وتجلي المادة بواسطة اتحاد المخلوق مع غير المخلوق. والرسام في هذا الاطار يجعل ذاته خادمًا لله، إذ ينمو في جذور التقليد الكنسى، إذ هو يخضع أفكاره للإعلان الإلهى ولكل تطلع نحو الكمال السماوى الأخير وهو يضع عمله في خدمة الكنيسة واحتياجاتها.



الفنان العادى الذي يتناول موضوعات دينية يعبر فقط عن مشاعره وهو يستخدم المادة التي في متناول يديه لكى يكشف ما في ذاته. ومهما كان مدى قانونية تعبيره في التكوين الإبداعى الفنى، فلا يمكن أن يكون له أى موضع في عبادة الكنيسة. أما رسام الأيقونة فهو مثل الكاهن أمام المذبح، يجب أن يقدم كل كيانه في خدمة الله، ومثل الكاهن لا ينبغى أن يفرض شخصيته أو يستخدم فنه كوسيلة ليعبر عن فرديته. رسم الأيقونة هو دياكونية (خدمة كنسية) تتطلب من الخادم أن يتقدس. إن رسالة وخدمة الرسام تتشابه مع رسالة وخدمة الكاهن: " الواحد يقدس لإظهارجسد المسيح ودمه والآخر يصوّره "[2][2]. هكذا يوجد اختلاف كبير بين الرسام الدينى ورسام الأيقونات في الكنيسة الأرثوذكسية فيما يتعلق بالمفهوم والهدف: " الرسم الدينى يظهرالعالم الذي نشعر به بمشاعرنا وانطباعاتنا، أى يشعر بالله بحسب تصور الإنسان، فيهذه الحالة لم تعد الكنيسة (بتقليدها) هى التي تعلم المؤمنين، بل شخصية الرسام البشرية هى التي تفرض الآراء الفردية. لكن رسم الأيقونة لا يهدف إلى التأثير العاطفى، لكنه يُغير الإحساس والشعور البشرى ويسمو به"[3][3].



الأيقونة لها ملمح ليتورجى، فإن فن الأيقونة مثل أى فن في الكنيسة هو فن ليتورجى، " الفن الكنسى والليتورجيا هما واحد في محتواهما وفي الرموز التي يعبران عنها. الأيقونة، والإبصلمودية ليس لكل واحد منهما طريق خاص، لكن تعبران معًا عن الفكرة العامة للكنيسة التي هى المسكونة المتجلية، والتصوير المسبق للسلام العتيد أن يأتى "[4][4].



الرسم الأرثوذكسى للأيقونة هو فن كنسىي، الأيقونات المقدسة لها ليتورجية كنسية، أى لها مكان في الحياة الليتورجية. فالأيقونة ليست مجرد لوحة دينية أو مجرد إبداع لفنان عبقرى لكن ثمرة الحياة الليتورجية. الأيقونة تعمل كـ " شهادة للحياة الليتورجية وللاتحاد الإلهى"[5][5]. الأيقونة تُفسر المحتوى الديناميكى للإفخارستيا: سرخلاص العالم في المسيح. الأيقونة نفسها هى حضور لسر الخلاص، وشهادة لانتصار رئيس الحياة على الموت، إنها تقدمة حياة وقداسة[6][6]لأنه في الأيقونة: " ليس لدينا أصالة تاريخية خاصة، لكن تحول ديناميكى ليتورجى. فحوادث الخلاص في الأيقونة لا تُفسر تاريخيًا لكن سرائريًا وتتحد بنا ليتورجيًا وتصير هذه الحوادث شهادة "للحياة الأخرى" التي اقتحمت حدودالفساد. إنها تدعونا لوليمة روحية، الآن هنا"[7][7].



الأيقونة الأرثوذكسية [ تمثل جزءً أساسيًا في الليتورجيا لأن الله المتجسد يسمع الكلمة (الصلاة) التي تُقدم أمام الأيقونة... وذاك الذي يقوله لنا الكتاب بالكلمة، تخبرنا عنه الأيقونة منظورًاوتجعله حاضرًا ][8][8]. فالأيقونة تجعل ما يتم في العبادة يصير محسوسًا وتجعلهحاضرًا. الأيقونة تهدف إلى أن يكون ـ بطرق منظورة واختبارية ـ سر التدبير الإلهىقريبًا من الروح البشرية للمؤمن، سر التدبير هذا الذي هو مركز العبادةالأرثوذكسية[9][9]. الأيقونة هى طريقة للحضور الإلهى مملوءة من النعمةالإلهية[10][10]هى [ نظام رؤيوى يفرض ويشدد على الحوادث الروحية التي تمثل أساسيات المسيرة الليتورجية أى سر المسيح. الأيقونة هى فن ليتورجى، أى إنها واحدة من الوسائل التي توصل إلى المؤمنين حقيقة التجسد والتجلى، إنها واحدة من الوسائل التي بها يأتى المؤمن إلى الحالة الروحية المناسبة لاختبار غاية الليتورجية وذروتها التي هى سر الإفخارستيا، قلب السر المسيحى كله][11][11].











1انظر خريستوس ياناراس، الفن الحديث في المجال الليتورجى،مجلةسينور، رقم32 (1964)، ص237 (الترجمةاليونانية).
1ل. أوسبنسكى، الأيقونة، أثينا 1952، ص38 (الترجمةاليونانية).
1المرجع السابق،ص33.
2المرجع السابقص29.
3الأرشمندريت باسيليوس، الدخول، أثينا ص131(الترجمة اليونانية).
4المرجع السابق ص138.
5المرجع السابق،ص125.
1بول افدوكيموف، سر المحبة، ص8 (الترجمةاليونانية).
2ك. كالوكيرس، رسم الأيقونة، موسوعةQHE، مجلد 5،ص373.
3يوحنا الدمشقى، باترولوجيا مينى130:94.
4فيليب شِرارد، فن الأيقونة، ص17 (الترجمةاليونانية).