الأربعاء، 29 يونيو 2011

العظة الثانية
الله المسيحي Ο Χριστιανκός Θεός
المطران إيروثيوس فلاخوس- ترجمة د جورج عوض


1ـ الله هو أبونا
2ـ ثالوثية الله
3ـ الثالوث في البداية نقبله عقليًا ثم نحياه شخصيًا
4ـ الله هو شخص ومحبة
5ـ الله الحقيقي وأصنام الديانات الأخرى
6ـ المسيح هو الأخ والصديق
الله, في مَثَل الإبن الضال الذي رأيناه في العظة السابقة, قُدِم بصورة الأب. مكتوب: "إنسان له إبنان". ثم بعد ذلك, عندما طلب الإبن الأصغر نصيبه قال: " يَا أَبِي أَعْطِنِي الْقِسْمَ الَّذِي يُصِيبُنِي مِنَ الْمَالِ. فَقَسَمَ لَهُمَا مَعِيشَتَهُ" (لو11:15ـ12). الشخص المحوري في هذا المثل هو الأب. لأجل هذا أيضًا توجد تفسيرات بدلاً من أن تُسمي مَثَل الإبن الضال تصفه بأنه مَثَل "الأب الرحوم" أو "الأب الصالح". أب المثل يواجه بمحبة ورحمة الإبن الأصغر, أيضًا بمحبته للبشر يواجه غرابة الإبن الأكبر.
صورة الأب بالنسبة لله تُستخدم بمفهومين. الأول يُشار إلي الشخص الأول القدوس الذي وَلَدَ قبل الدهور إبنه وإنبثق منه الروح القدس, والثاني يشار إلي علاقته بالإنسان طالما هو خلق الإنسان وكل العالم.
الإله الحقيقي الذي نؤمن به نحن المسيحيون هو ثالوثي: الآب, والإبن والروح القدس. والثلاثة أقانيم الثالوث القدوس هم لهم نفس الكرامة والمجد والقوة. هذا يعني أن الآب ليس هو الأعظم من الإبن, ولا الإبن هو أدني من الآب واعظم من الروح القدس, ولا الروح القدس أدني من الآب والإبن. كما أن الثلاثة أوجه للمثلث المتساوي الأضلاع هي متساوية, نفس الأمر, الثلاثة أقانيم للثالوث القدوس هي متساوية. الإختلاف الوحيد هو أن الآب يلد الإبن ويبثق الروح القدس.
قد أعلن لنا المسيح هذه الحقيقة بتأنسه, حتى أن القديس غريغوريوس بالاماس قال, أحد أهداف تأنس المسيح هو أن يعلن الله الثالوث الذي كان يجهله الإنسان من قبل.
ثالوثية الله نراها في نهر الأردن أثناء معمودية المسيح. الإبن يُعمَّد, الآب يؤكد بأن هذا هو إبني الحبيب والروح القدس يظهر علي شكل حمامة (لو22:3). نفس الشيء نراه أيضًا في تجلي المسيح فوق جبل طابور. الإبن يتجلي أمام تلاميذه ووجهة يلمع كالشمس مظهرًا ألوهيته, الآب يؤكد أنه هو الإبن المحبوب والروح القدس يظهر كسحابة منيرة. لقد تحدث المسيح كثيرًا عن أبيه. لقد قال: "أبي يعمل وأنا أعمل" (يو17:5). وفي موضع آخر, قال: "أنا والآب واحد" (يو30:10). لقد وصف ذاته بأنه إبن الله وفي نهاية حياته اعلن أيضًا وجود الروح القدس: "وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ، رُوحُ الْحَقِّ، الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِي" (يو26:15).
المسيح بعد قيامته أرسل تلاميذه إلي العالم لكي يتلمذوا الناس "عمدوهم بإسم الآب والإبن والروح القدس" (مت19:28). لأجل هذا أيضًا بحسب سر المعمودية التغطيس الثلاثي يصير بإسم الثالوث القدوس. "يُعمَّد عبد الله بإسم الآب والإبن والروح القدس". أيضًا في كل صلواتنا تنتهي بإستدعاء الله الثالوث, مثل: "المجد والكرامة والسجود للآب والإبن والروح القدس, الآن وكل أوان وإلي دهر الدهور آمين".
لقد أكد التلاميذ والرسل ثالوثية الله. وأدركوا جيدًا من خبرتهم الشخصية أن الله هو ثالوث. لأجل هذا يقول الرسول بطرس: "بِمُقْتَضَى عِلْمِ اللهِ الآبِ السَّابِقِ، فِي تَقْدِيسِ الرُّوحِ لِلطَّاعَةِ، وَرَشِّ دَمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ: لِتُكْثَرْ لَكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلاَمُ" (1بط2:1). نفس الأمر نتقابل معه أيضًا في نصوص كثيرة لرسائل بولس الرسول إن البركة الرسولية التي وضعتها الكنيسة في الليتورجية هي واضحة: "نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله الآب وشركة الروح القدس مع جميعكم" (2كو13:13).
إن شهادة القديسيين هي هامة جدًا في البداية. يجب أن نقبل الإعلان عقليًا وبعد ذلك نستطيع أن نصل إلي التأكيد الشخصي. يجب أن نقبل شهادة ملايين ملايين القديسين الذين أكدوا أن الله هو ثالوث. بعض الناس ذهبوا إلي القمر وإلي الفضاء والكل قَبِل شهادتهم، قليل من المؤرخين حفظوا لنا حدث تاريخي ونحن نعتبره حدث مؤكد. بنفس الأمر أيضًا بالحري يجب أن نفعله عن إعلان الله الثالوث, الذي أعطاه لنا القديسين, الذين أكدوا هذه الشهادة بدماءهم وحياتهم.
 يصير أيضًاهذا الامر مع العِلم البشري. جميعنا نقبل إكتشافات عالِم, حتى لو لم ندركها عقليًا, حتى لو الأحاسيس تعطي لنا صورة مختلفة. وعندما نقبل نتائج العلماء, نستطيع بعد ذلك بخبرتنا الشخصية أن ننتهي لتأكيد شخصي. نفس الأمر يصير أيضًا بالحياة الروحية. نقبل أولاً شهادة القديسين وبعد ذلك نجاهد في متابعة طريقة الحياة التي سار عليها أولئك وهكذا نصل إلي مرحلة أننا نتيقن من حقيقة الله الثالوث.
لا يستطيع أحد بأمثلة أن يدافع عن هذه الحقيقة, لان الله هو غير مخلوق, بينما العالم هو مخلوق. لكن الآباء القديسون يستخدمون بعض الأمثلة, مثل وجود ثلاثة شموس. والثلاثة شموس لديهم نفس اللمعان لكن الكلام هنا عن ثلاثة شموس مختلفة. هكذا, أقانيم الثالوث القدوس لديهم خواص شخصية, بل لديهم نفس اللمعان والإشراق, ليسوا هم ثلاثة آلهة. الأفضل في التأكيد والبرهنة علي وجود الله هو أن يطهر أحد قلبه من الشهوات. عندئذٍ تأتي نعمة الله في القلب الطاهر والإنسان يكتسب معرفة الله الثالوث. عندئذٍ يصير مسكن الله الثالوث, الله يصير ساكن في الإنسان. ويُوصف الإنسان بأنه مسكن الله.
وكون أن الله هو ثالوث, ثلاثة أقانيم, وأيضًا جوهر واحد لهو هام جدًا للحياة الروحية. هنا تختلف المسيحية عن الأديان الأخري.
أولاًـ الله هو شخص. هذا يعني أنه ليس هو قوة مجردة وعظيمة تحكم العالم, لان القوة غير عاقلة هي قوة مدمرة. الله لديه محبة، اما القوات العُظمي لا تستطيع أن تحب الإنسان. الإعلان بأن الله هو شخص وأن الإنسان هو شخص يُظهِر أن علاقات الإنسان بالله هي علاقات شخصية, الأمر الذي يعني أن الإنسان لا يُفقد مثل نقطة ماء في محيط الله. يوجد في البوذية مثل هذا الفكر عن الله والإنسان. يُقال أن آتمان الفردي يجب أن يتطابق تطابقًا مطلقًا مع براهما الشامل وهذا هو الخلاص. لكن مثل هذا التطابق لا يمثل محبة, طالما, كما نعرف أن المحبة تريد شركة, وعلاقة صحيحة, وتحافظ علي الحرية. خلاص بدون محبة هو كُره، ومحبة بدون الحفاظ علي الحرية هي محبة مدمرة.
الله هو ثالوث, الآب والإبن والروح القدس. هذا يعني أن الله محبة. عندما نستخدم فعل أحب, مباشرة يُفرَّض سؤال: مَنْ تُحِبه؟ لو لم يوجد شخص آخر, عندئذٍ لا يمكن أن توجد محبة. مطران أخريدوس نيقولا يقول: "لكي يدرك المرء الله بدون إبن يعني أنه يدركه بدون محبة. عندما يقول أحد من الناس: أحب, اتوماتيكيًا يتبعه من جانبنا سؤال: مَنْ تُحبه؟ إذن مَنْ يُحبه الله الآب في الأبدية, قبل خلق العالم, إن لم يكن الإبن كموضوع لمحبته؟ إن لم يكن الإبن كموضوع لمحبته، سيعني أن الله لا يعرف أنه يُحِب,وإن كانت المحبة في جوهرة, قبل خلق العالم كموضوع لمحبته. وهذا يعني أيضًا أن الله إكتسب شيء ما لم يكن لديه وهكذا تغير لكن هذا ليس له معني, وفي نفس الوقت هو ضد الكتاب المقدس, الذي فيه صارت شهادة من السماء بأن لا يوجد تغيير ولا ظل دوران في الله.
بالتالي, إن لم نقبل أن الله هو ثالوث, عندئذٍ سوف نعتبر أن الله هو بدون محبة, بالحري سيكون فقط عادل. لكن هذا يغير علاقتنا معه. ليس فقط يغير الحق المعلن بل يغير أيضًا خلاص الإنسان, كذلك أيضًا وجود الإنسان ذاته.
أما الأديان التي تركز علي الله بدون محبة وتشدد علي عدله ورحمته, يقول المطران نيقولا: "عندما لا يوجد الله بدون الإبن, لا يصير حديث عن محبة الله, بل فقط عن العدالة والرحمة الإلهية. هذا, بالتأكيد يغير كل حياة الإنسان. لأن "المحبة تجاه ذواتنا لا تكون محبة, بل أنانية. لأجل هذا، التركيز يكون فقط علي العدالة والرحمة". عابدي الأوثان في العهد القديم قد آمنوا بآلهة كثيرة, لكن هؤلاء قد إستحوذت عليهم الشهوات البشرية والضعفات البشرية. فالآلهة التي تخوض في حروب وبغضه لا تستطيع أن تخلص الإنسان, لأجل هذا أيضًا هي أوثان وحِسيات كاذبة.
أيضًا يقول المطران آخريدوس نيقولاوس: "كان يوجد في العالم الوثني إيمان بالثالوث لكن ليس بالثالوث القدوس والفريد. الهنود كانوا يؤمنون ويؤمنون اليوم بثلاثة آلهة عُليا ومنهم واحد, هو سيفا هو شيطان ومدمر لكل أولئك الذين خلقهما الأثنين فيسنو وبراهما. أيضاً كانوا يؤمنون في مصر بثلاثة آلهة لكن كمثل عائلة بمحبة جسدية منهما أوزوريس وإيزيس إكتسبا إبنًا هو هور والذي قتل أوزوريس وهكذا إنحل هذا الزواج الثالوثي. الناس قبل المسيح إستطاعوا بعقلهم وبمحاولاتهم أن ينشئوا حضارات في كل أنحاء العالم, لكن لم يستطيعوا أن يصلوا إلي الفكر المستقيم عن الله, كثالوث قدوس في واحدية بالتالي ولا إستطاعوا ان يصلوا إلى الله كمحبة".
يبدو من كل ما ذكرناه أن الإيمان بالله الثالوث هو هام, طالما من جهة هذا هو الحق, كما أعلنه لنا المسيح, ومن جهة أخري لأن خارج هذا الإعلان لا يستطيع أن توجد المحبة. إله هو قوة عظمي قد خلق العالم وبحكمته, أو إله يُعتبر ذات قيمة وواحد مصمت لا يمكن أن تكون لديه محبة. وبالطبع بدون محبة لا يمكن أن تنمو علاقات شخصية وشركة حقيقية. في مثل هذه الحالة, الله سيكون مُعاقب τιμωρός ومؤذِ, بينما الإنسان سوف يفقد صفته الشخصية. هكذا لا نستطيع أن نتحدث عن المحبة الحقيقية خارج إعلان الله الثالوث.
توجد في الكتاب المقدس, فيما عدا صورة الآب, صور أخري تصف الله، وأيضًا بالحري تحدد علاقات المسيح مع الناس. صورتان من الصور تشيرا إلى أن الابن, من محبتة صار إنسان, عاش قريبًا منِا وخلصنا من الخطية, والشيطان والموت. عندما أخبروا المسيح بأن إخوته بحسب الجسد وأمه يطلبونه, ذاك قال لتلاميذه: " مَنْ هِيَ أُمِّي وَمَنْ هُمْ إِخْوَتي؟» ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ نَحْوَ تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ:«هَا أُمِّي وَإِخْوَتي. لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي»" (مت46:12ـ50). مباشرة بعد قيامته قال لحاملات الطيب: "فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ:«لاَ تَخَافَا. اِذْهَبَا قُولاَ لإِخْوَتِي أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى الْجَلِيلِ، وَهُنَاكَ يَرَوْنَنِي»" (مت10:28). المسيح ذاته إستخدم صورة الصديق لكي يُظهر العلاقة الشخصية بأولئك الذين يحفظون إرادته: "أَنْتُمْ أَحِبَّائِي إِنْ فَعَلْتُمْ مَا أُوصِيكُمْ بِهِ. لاَ أَعُودُ أُسَمِّيكُمْ عَبِيدًا، لأَنَّ الْعَبْدَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ سَيِّدُهُ، لكِنِّي قَدْ سَمَّيْتُكُمْ أَحِبَّاءَ لأَنِّي أَعْلَمْتُكُمْ بِكُلِّ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي" (يو14:15ـ15).
القديس يوحنا ذهبي الفم يقدم المسيح وهو يقول للناس: "أنا الآب, أنا الأخ, أنا العريس, أنا المُعلِم, أنا الملبس,... جئت لأخدم لا لكي أُخَدم. أنا أيضًا الصديق والعضو والرأس أنا أتالم لأجلك وأتشرد لأجلك. كل ما لي هو لك, أنت الأخ والقريب والوارث, والصديق والعضو. ماذا تريد أيضًا؟" هذا النص يُظهِر محبة الله للجنس البشري عُبَّر عنها بواسطة المسيح.
بالتالي, الله هو محبة ويحب الإنسان محبة فائقة, وذلك لأنه هو إله شخصي وثالوث. التعليم عن الله الثالوث هو الألفا والأوميجا لإيماننا. لأن ألفا هي بداية فعل أُحِب ἀγαπω والأوميجا هي نهاية هذا الفعل, لأجل هذا نقول إن الله الثالوث هو محبة ويُحِب الإنسان محبة فائقة حتى موت الصليب.
أسئلة وأجوبة علي العظة الثانية
1ـ لماذا يُسمي الله آب؟
الأقنوم الأول للثالوث القدوس هو الآب, لأنه وَلَدَ الإبن قبل الدهور والله يُدعَّي آب لأنه خلق الإنسان في الزمن.
2ـ مَنْ هو الإله الحقيقي؟
الله الثالوث, الآب والإبن والروح القدس.
3ـ كيف نعرف أن الله هو ثالوث؟
من إعلان يسوع, أحداث المعمودية والتجلي ومن شهادة القديسيين الذين عاشوا هذة الحقيقة شخصيًا.
4ـ كيف نستطيع أن نحصل علي الخبرة الشخصية لله الثالوث؟
نقبل شهادة القديسين ثم نطهر القلب ونشترك في الأسرار ونستطيع أن نصل إلي الإعلان.
5ـ هل توجد أمثلة في الطبيعة تستطيع أن تُظِهر لنا أن الله هو ثالوث؟
نستخدم أمثلة مجازية. مثال : توجد ثلاث شموس. الشموس مختلفة لكن لديها إشراقة واحدة.
6ـ ماذا يعني أن الله هو شخص وليس قوة عظمي أو ثلاثة وليس واحد؟
الله لديه محبة لا يمكن أن يكون قوة عظمي ولا واحد وحده مصمته.
7ـ ماذا يعني ما يقوله البعض بأن الله لايمكن أن يكون لديه إبن؟
يعني أنه ليس لديه محبة أزلية. لأجل هذا أولئك الذين يقولون من المستحيل أن يكون له إبن يتحدثون عن العدالة والرحمة وليس عن المحبة.
8ـ كيف يُدرَّك الخلاص عند البوذية؟
كتطابق مطلق للنفس الفردية (آتمان) بالنفس العالمية (براهما) ، وإلغاء الشخص ليس هو خلاص حقيقي.
9ـ لماذا آلهة عبادة الأوثان ليسوا آلهة حقيقين؟
لأن هذه الألهة إستولت عليهم شهواتهم بحسب الأساطير, وفي الأساس هم غير موجودون.
10ـ لقد تحدثت الديانات القديمة عن الله الثالوث, ماذا كانوا يعنون؟
نعم تحدثوا لكن رأوه داخل علاقة جسدية مثلما في مصر القديمة, وأيضًا رأوه كمدمر مثلما في الهند.
11ـ فيما عدا صورة الآب, هل توجد صور أخري في الكتاب المقدس لكي نقدم المسيح؟
توجد صور كثيرة. إثنين منها هما صورة الأخ وصورة الصديق.

الاثنين، 27 يونيو 2011

عظات للمؤمنين حديثًا
المطران إيروثيوس فلاخوس- ترجمة د جورج عوض
العظة الأولي
المسيح والمسيحيون
1ـ نُدعَّي مسيحيون لأننا نرتبط بالمسيح.
2ـ المسيح هو الله والإنسان, أي الإله الإنسان θεάνθρωπος
3ـ  كل البشرإنتظروه
4ـ نري حياته وتعليمه في الكتاب المقدس
5ـ نحياه في الكنيسة بواسطة الأسرار
6ـ مَثَل الإبن الضال
الذين تعمدوا صاروا أعضاء الكنيسة ودُعيوا تلاميذ المسيح, مسيحيين. نحن في الأرثوذكسية نضيف أيضًا لقب أرثوذكسي لكي نُظهر الإيمان الحقيقي. لأنه يوجد أيضًا مسيحيون لديهم أفكار خاطئة عن الله, والإنسان وخلاص الإنسان, لأجل هذا من الضروري أن نتحدث عن المسيحيين الأرثوذكس.
أعضاء الكنيسة سُميوا مسيحيون لأنهم يتبعون المسيح في حياتهم, أي يحفظون إرادته, ووصاياه ويتحدون به بواسطة الأسرار خاصةً بواسطة سر الإفخارستيا.
كلمة المسيح χριστός تأتي من فعل أمسح χρίω وتعني: الممسوح, هذا الذي مُسِح من الله. يتطابق مع الماسيا في العهد القديم. هكذا, كلمة المسيح χριστός تُظهِر أن الطبيعة البشرية التي أخذها الشخص الثاني للثالوث القدوس, مُسحت من ألوهيته. هذا يعني أن المسيح هو الله والإنسان, بكلمة واحدة: الإله الإنسان θεάνθρωπος. بالتالي, بإسم المسيح نعلن أن الله صار إنسانًا لكي يخلص البشر, بدون أن يفقد ألوهيته
ومخلص البشر في كل مكان يشتاق للخلاص, لأجل هذا إنتظروا فادي. كانوا في ذاكراتهم يحفظون حياة مباركة, نفس الوقت عاشوا مأساة الحياة بالموت والأمراض والحروب وكرة البشر...الخ, لأجل هذا أيضًا إنتظروا فادي Λωτρωτής. لقد كان يوجد إشتهاء بشري عام للفادي الإله.
منذ القرن السادس قبل الميلاد إنتظروا في الصين "القدوس من الغرب", كومفوكيوس κομφούκιος يدعوه "الإله الإنسان". أيضًا البابليون إنتظروا مخلص وفادي "كأله متأنس". الهنود إنتظروا مجيء مخلص سوف يفدي العالم وسوف يُحضِر ثانيةً "العصر الذهبي البدائي". بحسب البوذية, الشكل الأول للهندوسية, إله النار والشمس Agni أُنتظر أن يتأنس من عذراء, مُرسل من أب السماء "كوسيط بين الله والعالم". اليونانيون القدماء إنتظروا أيضًا فادي ومخلص. في أسطورة بروميثياس, سيكون هناك ولد لعذراء Ιούς ولإله. وسقراط في دفاعة ذكر الفادي الذي سوف يرسله الله ليعتني بالجنس البشري. بالتالي كان يوجد تيار فكري لدي اليونانيين بأنه يوجد أيضًا إله آخر مجهول, لأجل هذا أيضًا في أثينا كان لديهم تمثال خاص مكتوب عليه "الاله المجهول". نفس الرغبة والإشتياق تلاحظهما أيضًا عند الرومان, وكذلك عند كل الشعوب. اليهود, بالطبع, إنتظروا الفادي والمخلص, حيث أن الأنبياء وخاصةً النبي أشعياء ـ الذي يُلقب بالإنجيلي الخامس ـ وصغوا تفصيلات كثيرة عن مجئ وحياة وآلام إبن الإنسان.
هكذا, هذا الإله الذي إنتظروه كل الناس في كل الدهور هو المسيح. إتحد في شخصه الله والإنسان. وُلدِ من الروح القدس والعذراء مريم. حمله وولادته كانتا معجزتين. إبن الله صار إبن الإنسان لكي يخلص الإنسان. لو درسنا أقواله وأعماله, سوف نتحقق بأنه يتفوق بوضوح علي كل زعماء الأديان الآخرين. أولئك كانوا بشر, بينما هو الإله الإنسان. لقد تحدث عن المحبة, وطهارة القلب والمقاصد, إنتصر علي الخطية والشيطان والموت, قام من الأموات. أي زعيم ديني ليس هو مقام. المسيح قام وهكذا إنتصر علي الموت والشيطان. لأجل هذا هو افله الإنسان الفريد.
نُدعَّي مسيحيون لأننا نؤمن بأن المسيح هو الإله الحقيقي ولأننا نحفظ وصاياه في حياتنا الشخصية. نحن نهدف إلي أن نتمثل حياتنا في حياته.
المسيح ليس هو فيلسوف كامل ومشرع صالح, ليس هو عالم أخلاق وزعيم لديانة, لكن هو المنتصر علي الموت والشيطان والخطية. لم يأت لكي يغير الظروف الخارجية للحياة, بل لكي يقدس الإنسان, لكي يغيره ويجعله متجليًا,  وإبن لله بحسب النعمة. ذاك هو بحسب الطبيعة إبن الله (أبن طبيعي),أما نحن ينبغي أن نصير بحسب النعمة أولاد لله (أولاد متبنون).
نري حياة المسيح الأرضية في العهد الجديد, خاصةً في الأناجيل الأربعة, التي كُتبت بواسطة تلاميذه. هناك توجد أخبار قليلة عن ولادته وطفولته. بالحري كُتبت في الأناجيل الأخبار على ثلاثة مستويات الأول, ماذا قال المسيح؟ الثاني, ماذا فعل؟ والثالث ماذا عاني المسيح لأجل البشر؟. بخصوص ماذا قال؟ نراه في أقواله وأمثاله وتعليمه. وعن ماذا فعل؟ نراه في المعجزات التي أتمها من رحمته ومحبته للبشر وأيضًا لكي يشدد علي تعاليمه السامية. بمعني, شفي المولود أعمي منذ ولادته لكي يعلن الحقيقة بأنه هو نور العالم. أما بخصوص ماذا عاني المسيح؟ نراه فى الآلام التي عاناها لأجل خلاص الجنس البشري. بالطبع, بعد الآلام ، قيامتة التي تعني أن المسيح بكونه إله أقام الطبيعة البشرية التي ماتت فوق الصليب. داخل المستويات الثلاث يبدو بوضوح شخص وعمل ورسالة المسيح.
بالتأكيد, عمل المسيح العظيم, كما أيضًا ألوهيته, نحن لم نقرأها فقط في الكتاب المقدس, بل نعيشها في الكنيسة. بسر المعمودية نصير أعضاء جسد المسيح ونعيش الألم والصلب وقيامة المسيح في حياتنا الشخصية. هكذا نحيا كل الأحداث في حياتنا. بالمعمودية نموت عن العالم ونُدفن وهذا يُظهره التغطيس الثلاثي في جرن المعمودية. بالتناول نأخذ جسد المسيح ذاته في داخلنا وبالتأله نتناول ثانيةً مع المسيح.
بالتالي, نحن مسيحيون, تلاميذ للمسيح, لأننا إتحدنا معه. مثل التلميذ في المدرسة يأخذ المعلم نموذج لحياته , هكذا أيضًا نحن لدينا نموذج للحياة المسيح كما أن الرسام يضع في حسابه نموذج وهو الذي يريد أن يقدمه, هكذا أيضًا نحن لدينا نموذج لحياتنا المسيح ونريد أن نجعل حياتنا متجلية, وونجعلها حياة في المسيح.
يقول القديس يوحنا ذهبي الفم, في الأناجيل يُدعي المسيح الطريق, لأن بواسطته نصعد إلي الآب, إنه الحجر الأساسي لأنه هو الذي يعضد الكل, والجذر لأن بفضله نحن نزدهر, والراعي لأنه هو يغذينا, والحمل لأنه قُدِم ذبيحة لأجلنا ولأجل خلاصنا, هوالحياة لأنه, بينما نحن أموات بالخطية, أحيانا, وأقامنا, أيضاً هوالنور لأنه خلصنا من الظلمة, وهو الملبس لأننا لبسناه بالمعمودية بينما كُنا نحن عرايا, أيضاً هو المائدة لأننا أكلناه بالأسرار, والبيت لأننا نحيا فيه, والساكن لأننا نحن هيكله.
كل هذه الأسماء والتي أغلبها قد أعلنها لنا هو ذاته بتعليمه , تُظهِر ما هو عمل المسيح, لكن ما هو الهدف الذي لأجله صار إنسانًا, وأيضًا ما هي علاقتنا به ليس مجرد زعيم لديانه, ليس هو مجرد مُصلِح إجتماعي, بل هو نورنا وحياتنا, رأسنا وقداستنا, مخلصنا وفادينا, أبونا وأمنا ـ وهذه العلاقة مع المسيح هي حقيقية, عضوية وليست مجردة وتأملية ، وبتسميتنا مسيحيون نُظهِر هذه العلاقة العضوية والجوهرية معه.
الأمثال أيضاً هي من ضمن هذه الأقوال التى قالها المسيح لتلاميذه، وقد حُفظت. الأمثال هي بعض الصور والقصص التي قالها المسيح والتي تخفي في داخلها حقائق عظيمة. علي سبيل المثال, يستخدم مَثَل العُرس ليظهر الإفخارستيا وأيضًا أن ملكوت الله هو عُرس روحي, طالما يجعل الإنسان يتقابل حقًا مع الله.
أحد أمثال المسيح هو مثل الإبن الضال (لو11:15ـ32). الكلام هنا عن مَثَل مشهور داخله تُخفي حقائق عظيمة. يمكن للمرء أن يقول أنه يعلن ما هو هدف تأنس المسيح, ما هو سقوط الإنسان, وما هو عمل الكنيسة وكيف يمكن للمرء أن يَخلُص داخل هذه الإطارات تظهر كل الحياة المسيحية.
بكلام بسيط يصف المثل الآتي:
إنسان لديه إبنين. طلب الأصغر من أبيه نصيبه من الميراث ورحل بعيدًا عن بيته. عاش في ضلال مبذرًا نصيبه ووُجِد في حالة حرمان قصوي بعد أن بذر كل أمواله, وصار عبدًا في مدينة ما, راعيًا للخنازير. داخل هذه الحالة من الضنك تذكّر الحياة والسعادة التي كانت تسود في بيته الأبوي وقرر أن يرجع إليه, كمثل أجير وليس كإبن. وبينما رجع إلي البيت, رآه أبوه الذي كان ينتظره. أسرع إليه أولاً الأب وأحتضنه وقبله. الإبن الضال طلب الغفران وقال له أنا غير مستحق أن أكون لك إبنًا, إجعلني كأحد أُجراءك, حيث أنني إقترضت كل نصيبي لكن الأب أعطي أمرًا بأن يُلبسوه الحُله الأولي, وأن يعطوه خاتم في يديه وحذاء لرجليه, وان يذبحوا العجل المسمن. هكذا بدأ الإحتفال.
لكن عندما عاد إبنه الأكبر وسمع الإحتفال في بيته, طلب أن يعرف لماذا يحدث كل هذا. عندما قالوا له أن أخوك رجع, غضب ولم يرد أن يدخل بيته. حاول أبوه أن يقنعه. لكن ذاك إستخدم مبررات منطقية, إلا أن هذه المبررات عبَّرت في الأساس عن غيرته وحسده, لم يرد أن يدخل إلي بيته وتُرك لكي يُدرك أنه لم يشارك نهائيًا في الفرح لأجل عودة أخيه الذي كان ميتًا, وكان ضالاً.
هذا المثل المشهور يُظهِر كل عمل المسيح, وكذلك أيضًا حياة الكنيسة. سوف نحاول في العظات القادمة أن نحلل بالأكثر ونري كل المفاهيم الروحية.
ذاك الذي يجب أن نتمسك به في العظة الأولي هو أن المسيح هو الله والإنسان في نفس الوقت . ولأجل هذا, هو المخلص الحقيقي للبشر ولا يوجد مخلص وفادي آخر. تستند الحياة المسيحية علي صخرة الإيمان هذه. نحن الذين نحيا في الكنيسة نُدعَّي ونكون مسيحيون, لأننا يجب أن نكون مرتبطين بشدة مع المسيح ونتغذي من جسده ودمه, ونحفظ وصاياه ونحيا كل حوادث حياته في حياتنا الشخصية.
أسئلة وأجوابة علي العظة الأولي
1ـ لماذا نُسمي مسيحيون؟
لأننا نرتبط بالمسيح
ماذا يعني كلمة المسيح؟
كلمة المسيح تُعني: الممسوح, لأن الطبيعة البشرية مُسحت من الألوهية.
3ـ مَنْ هو المسيح؟
الماسيا, إله كامل وإنسان كامل معاً, الإله الإنسان فى نفس الوقت.
4ـ ما هي الشعوب التي إنتظرت الفادي والمخلص؟
كل الشعوب اليونانيون, الرومان والشعوب الشرقية
5ـ أين تظهر عظمة المسيح في المقارنة مع آلهة لأديان أخري؟
المسيح ليس هو إنسان, بل الإله الإنسان, قام من بين الأموات وهو المنتصر علي الموت.
6ـ ما هو عمل المسيح؟
خلاص الإنسان, أي إبطال الشيطان والموت والخطية
7ـ أين نستطيع أن نري عمل المسيح؟
في العهد الجديد. في الأناجيل نري ماذا قال, وماذا فعل, وما عاناه وفي أعمال الرسل أيضًا وفي رسائلهم نري ثمار تأنسه والشركة بين الإنسان والله.
8ـ كيف نستطيع أن نحيا حياته؟
في الكنيسة بالأسرار وبحفظ وصاياه
9ـ هل تستطيع أن تتذكر بعض أسماء المسيح, التي أعطاها له الكتاب المقدس لكي يظهر علاقته معنا؟
الطريق, الأساس, الجذر, الكرمة, الراعي, الحمل, الحياة, الملبس, الخبز, المسكن,...الخ.
10ـ ما هي الأمثال؟
هي صور وقصص تحتوي فى داخلها على حقائق عظيمة
11ـ هل تستطيع أن تحكي لنا قصة الإبن الضال؟
الإجابة متروكة لكل واحد يحكيها بطريقته

الأحد، 26 يونيو 2011



الرسول أندراوس
 عن موقع الدياكونية الرسولية - اليونان - ترجمة د جورج عوض
كان أندراوس أخو سمعان بطرس ، ابنىّ يونا . كان على الارجح أكبر عمرا من بطرس . كانا يسكنان فى كفر ناحوم وكانا يعملان فى الصيد فى ميناء جينسارت ( مت18:4 مر29:1) . كان فى البداية تلميذ ليوحنا المعمدان . وبالقرب منه أكتسب وقاراً نادراً والأهم تعلم عن مجيء الماسيا . يبدو أنه كان حاضراً حين أشار يوحنا المعمدان بأصبعة إلى الرب وقال : "هوذا حمل الله الذى يرفع خطايا العالم " ( يو30:1) . ظهور الماسيا هذا جعل الصياد التقي الاول ان يتبع الرب ، بدون اى تردد. لأجل هذا ، سُمىّ المدعو أولاً ( يو35:1-41) . اسم اندراوس ذُكِرَ فى العهد الجديد دائماً مع فيلبس الذى أتى مثل ذاك من بيت صيدا . لقد عبّر معة عن صعوبة التصديق بالنسبة لإشباع الخمس آلاف بخمس أرغفة وسمكتين ( يو6:6-9) . ذُكِرَ أيضاً فى حالة توسل اليونانيين ليروا الرب (يو20:12-22) . للمرة الأخيرة ذُكِرً اسم أندراوس فى العهد الجديد، عندما صعد مع رسل آخرين إلى عُلية أورشليم : " وَلَمَّا دَخَلُوا صَعِدُوا إِلَى الْعِلِّيَّةِ الَّتِي كَانُوا يُقِيمُونَ فِيهَا: بُطْرُسُ وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا وَأَنْدَرَاوُسُ وَفِيلُبُّسُ وَتُومَا وَبَرْثُولَمَاوُسُ وَمَتَّى وَيَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَى وَسِمْعَانُ الْغَيُورُ وَيَهُوذَا بْنُ يَعْقُوبَ. 14هَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّلاَةِ وَالطِّلْبَةِ مَعَ النِّسَاءِ وَمَرْيَمَ أُمِّ يَسُوعَ وَمَعَ إِخْوَتِهِ " ( أع 13:1-14).
بعد يوم الخمسين حدث انه أُرسل لكى يكرز بالإنجيل فى أفسس مع الرسول يوحنا حيث أسسا كنيسة فى هذة المدينة العظيمة . ثم وفق المؤرخ يوسابيوس انتقل ليكرز فى سكيثيا . بحسب القديس غريغوريوس النزينزي مرّ على بيزنطة حيث أسس أيضاً هناك كنيسة ، لأجل هذا يُعتبر مؤسس الكنيسة الرسولية فى القسطنطينية. من هناك أتى إلى اليونان وكَرِزَ أولا فى إيبيرو . وفق القديس جيروم وصل إلى آخائية ، حيث أسس كنيسة .ومن هناك إلى باترا قُبض علية من الوثنيين ونال الشهادة إذ صُلِبَ على صليب على شكل حرف Χ لذلك هذا النموذج من الصليب يُسمى "صليب القديس أندراوس". روفاته قد حرسها المسيحيون بتقوى حتى زمن الحملات الصليبية حيث أختطفها اللاتين ونقلوها إلى إيطاليا. الأزمنة الأخيرة أُعطيت رأسة المقدسة هدية لكنيسة الرسل والآباء وهى الآن محفوظة فى هيكل كنيسته فى عاصمة بيلوبونيسو . وتحتفل به الكنيسة البيزنطية فى 30 نوفمبر .







الاثنين، 20 يونيو 2011





هل المجتمع المتدين مجتمع متخلف؟
د.جورج عوض إبراهيم
نعم المجتمع المتدين هو مجتمع متخلف، إذا نادى الدين بالتواكل بدلاً من أن يشجع الإنسان لتفعيل القدرات التي أودعها الخالق فيه ويعمل على تطوير المجتمع ومواجهة مشاكله بنفسه. نعم المجتمع المتدين هو مجتمع متخلف إذا أعتمد على الأفكار الغيبية بدلاً من استخدام العقل والمنطق. نعم المجتمع المتدين هو مجتمع متخلف إذا لم ينحاز للإنسان واعلاء شأنه والاعتراف بحقوقه. نعم المجتمع المتدين هو مجتمع متخلف إذا لم ينحاز للإنجازات البشرية البناءة التي تستند على العلم وعلى قدرات الإنسان الذي هو تاج الخليقة.
الخطاب المسيحي يتبني قول المسيح «الإنسان ليس لأجل السبت بل السبت لأجل الإنسان». أي أن الإنسان يحتل المكانة المركزية في الخطاب المسيحي، إذ هو مخلوق «بحسب صورة الله ومثاله». إن دعوة الإنسان ليست مجرد أن يعيش في العالم، قانعاً بالأشياء التي حوله كما هي، لكن أيضاً لكي يستخدم العالم ويطوره ويشكله، ولا يكتفي بهذا، بل يري العالم كعطية من الله، لذا يقدم مرة أخرى هذه العطية الإلهية إلى العاطي كعطية شكر (إفخارستيا). هكذا لأننا مخلوقون بحسب «صورة الله ومثاله» فنحن نشترك في العمل مع الله (1كو9:3)، بالفن والشعر وبالتكنولوجيا والبحث العلمي ونجمل الخليقة المادية ونجعلها قادرة على أن تمجد الله. فالخليقة تمجد الله من خلالنا نحن البشر.
إن الكون – في الخطاب المسيحي – مخلوق بطريقة تجعله في حاجة إلى من يُضفي معنى على المخلوقات. فالعالم من نفسه لا يستطيع أن يكون كاملاً ولكنه في حالة تجعله يحتاج للكمال. إن تشجيع البيئة العلمية لتحقيق إنجازات علمية وتكنولوجية في كافة المجالات من اكتشاف أسرار الكون إلى اختراق الأمراض المستعصية التي تُعجل بقتل الملايين، هو في الأساس تشجيع لأن يمارس الإنسان الإمكانيات والقدرات التي أودعها الله فيه عند الخلق وذلك طالما أن هذه الإنجازات هي لخير البشرية. واستمرارية الإنسان بأبحاثه لإيجاد حلول لمشاكل مستعصية في كل المجالات يثبت بالبرهان القاطع أن الإنسان مخلوق «بحسب صورة الله ومثاله».
إذاً الرسالة المسيحية تشجع التربية التي تصقل العقل وتنمي القدرات على النقد والإبداع والابتكار، وعلى الفهم والتحليل. فالخطاب المسيحي لا يجد صراعاً بين الإيمان والعلم، بل يري أنه من الإيمان أن نشجع العلِم الذي يرفع الإنسان ويرقي بالمجتمع، هكذا الخطاب المسيحي ليس معنياً فقط بالحالة الروحية للإنسان ولكن بحياة الإنسان كلها وبعلاقتها المتعددة.











السبت، 18 يونيو 2011

22ـ عن نوعين من الإعلان الإلهي
الاب رومانيدس – ترجمة د. جورج عوض
لدينا نوعين من الإعلان. لدينا إعلان الذي هو الصلاة الذهنية ولدينا أيضًا إعلان، الذي هو الرؤية الالهية والشركة. بالطبع الإعلان الثاني هو المفتاح الأساسي الذي به ندرك تمامًا إعلان الإستنارة. هكذا نري هنا أننا نتقابل مع ما كُتِبَ عن الإعلان وعن الوحي الذي هو تمامًا إختباري ولا شيء آخر.
لكن في خبرة الرؤية هذه، الله لا يعلن كلمات ولا يعلن أي مصطلحات جديدة. لماذا؟ لأنه، عندما يأتي الروح القدس ويصلي في قلب الإنسان، لا يصلي بكلمات جديدة يحضرها معه، بل يصلي بكلمات معروفة للإنسان مألوفه من الخبرة الإنسانية. علي سبيل المثال الطِلبة التي يصليها الإنسان، بعقله هي نفسها الطِلبة التي يستخدمها أيضًا الروح القدس وعندئذٍ نفس الطِلبة تصير طِلبة القلب ! يقول الشيخ "يا ربي يسوع المسيح إرحمني" بعقله عندما يأتي الروح القدس في قلبه، عندئذٍ التعبير ذاته سيصير طِلبة قلبه. سوف يصلي قلبه وعقله بهذا التعبير. هكذا، عندما يصلي الروح القدس في الإنسان، يصلي بنفس الكلمات التي كان يستخدمها هذا الإنسان. لأجل هذا أيضًا لدينا تقليد الطِلبة هذه، التي صارت إما بترنيم أو أقوال مرتجلة للصلاة. عندئذٍ هذا المزمور ذاته أو أقوال الصلاة تصير طِلبة قلب الإنسان.
إذن في خبرة الإستنارة ليس لدينا إعلان لأي كلمة أو مصطلح جديد. أي لا نستطيع أن نقول إن الروح القدس أتي إلي الآباء وأعلن مصطلحات: جوهر واحد وثلاثة أقانيم أو الواحد مع الآب في الجوهر (من نفس جوهر الآب ομοούσιο). هذا ليس إعلان بل هو مصطلحات لاهوتية والتي أُستخدمت لكي يواجه الآباء الهراطقة. ليس هو إعلان من الله، طالما الإستنارة ذاتها ليست إعلان من الله. ببساطة في حالة الإستنارة يصير إنشاء للتعبيرات المعرفة والمفاهيم في الإنسان الآتية من تقليد التقوي (من مما يعرف عن إيمانه)، تعابير ومفاهيم سواء للعهد القديم أو العهد الجديد. يُستخدم أسماء مألوفة من الخبرة العامة حتى يدركها الجميع.
لكن في خبرة الرؤية والشركة التعابير والمفاهيم أُبطلت، عندما يُعلَّن الله ذاته بحسب آباء الكنيسة عندما يُعَلِم الإنسان تعليمًا لاهوتيًا، فإنه يفعل هذا علي أساس الخبرة التي إكتنزت فيه، علي أساس شهادة الروح القدس التي لديه في داخله، كذلك علي أساس خبرة المتألهين الذين في تقليد الكنيسة. في هذا التعليم اللاهوتي، طالما هو ذاته يُوجد في حالة الإستنارة، يستخدم كمرشد للمؤلهين. بمعني التعابير والمفاهيم التي إستخدمها المؤلهين الأحياء والمنتقلين وسلموها للكنيسة.
الآن هنا لدينا مفتاح أساسي للتقليد الآبائي:
المعلم اللاهوتي كموجود في حالة الإستنارة ويعلم علي أساس خبرة المؤلهين (العهد القديم والجديد ونصوص آباء الكنيسة)، يصلي أيضًا علي أساس هذة الخبرة . هكذا يُشرَّح لماذا مزامير داود هي صلاة الكنيسة الهامة. المزامير هي أساس الليتورجية للكنيسة الأرثوذكسية. بعد ذلك، لدينا تسابيح روحية، أناشيد،...الخ. والتي تحدّث عنها بولس الرسول.
كل هذا معًا هو أساس الحياة الليتورجية للكنيسة التي تهييء الإنسان، حتى يأتي في حالة الإستنارة، طالما جاهد وتنقي من شهواته. وعندما دخل في حالة إستنارة، يستخدم الإنسان هذه الطلبات والتسابيح والصلوات التي يسمعها في الكنيسة. بمعني الروح القدس يصلي في الإنسان في حالة الإستنارة بطلبات وصلوات للتقليد الليتورجي. وعندما يُوجد المرء في حالة الإستنارة هذه، عندئذٍ يُعلِم تعليمًا لاهوتيًا. ليس ببساطة علي أساس خبرته بل علي أساس خبرته الشخصية التي يشهد لها الروح القدس ذاته.
إذن الآن علي أساس هذا اليقين يدرس كتابات المُلهَمين بالروح التي هي العهد القديم والجديد، ونصوص الآباء ومجامع الكنيسة، وسير وأقوال القديسين، ونصوص الكنيسة الليتورجية وعندئذٍ يمكنه أيضًا أن يفسر تفسيرًا صحيحًا. ولو لديه هو ذاته خبرة التأله، عندئذٍ يستطيع ليس فقط أن يفسر تفسيرًا صحيحًا بل يعلم تعليمًا لاهوتيًا صحيحًا حينذاك ويصير من معلمي الكنيسة.
بناء علي ذلك يوجد إختلاف أساسي بين ذاك الذي قد وصل إلي الشركة والرؤية وذاك الذي هو في حالة الإستنارة ، حتى لو لديه هذا الإنسان مذاق صغير من خبرة الرؤية. إذن اللاهوت يُعَلِم والذين هم في حالة الإستنارة هم معلمون. اللاهوتي بمعني الكلمة سيصير، عندما يصل إلي حالة الرؤية ويري المسيح في مجده، حينذاك يعلن له كل الحق، علي قدر ما يستطيع الإنسان أن يعرف في هذه الحياة. لأن المسيح هو الحق.
إذن إلي أن يصير فى حالة شركة، هو مجرد طالب لاهوت. شهادة اللاهوت هي الشركة والرؤية. بالطبع اليوم خريجي اللاهوت هم الذين يأخذون شهادة من كلية اللاهوت. هؤلاء يُدعَّون لاهوتيين لكن ليس لديهم أي علاقة مع الذين اختبروا الشركة وفق التقليد الآبائي. ومن جهة مَنْ هو اللاهوتي بالحق، لو أحد إستخدم معايير بولس الرسول وكذلك معايير آباء الكنيسة علي سبيل المثال القديس سمعان اللاهوتي الجديد، عندئذٍ سوف يري أن اليوم، التعليم اللاهوتى الأرثوكسي الحديث الذي هو متأثر باللاهوت الروسي، ليس هو التعليم الآبائي بل تشوية للتعليم اللاهوتى الآبائي، لأنه كُتب بواسطة الناس الذين ليس لديهم الأسس الروحية التي سبق أن تكلمنا عنها. إذن لو إستخدم المرء فقط معايير عملية صارمة، يستطيع أن يكتسب موضوعية ما في بحثة ونتائجه.
ماذا يعني التجديد داخل الكنيسة؟
الاب ميتالينوس عميد كلية اللاهوت – جامعة اثينا ترجمة د. جورج عوض
جوهر التجديد
1- مطلب هذة الايام
الحديث عن التجديد " داخل الكنيسة " وصل إلى قمته هذة الايام الاخيرة . يرى المرء فى التطورات العاصفة لعصرنا ان الكنيسة كجماعة اجتماعية يجب أيضاً ان تقبل كل مناهج التحسين والتقدم . من زمن المجمع الفاتيكانى الثاني ( 1962-1965) صار مصطلح العصرنه او الحداثة Aggiornamento شعار معتاد في الحياة المسيحية .
حقاً ، تبدو مناهجنا التقليدية فى مجال الكرازة والتبشير غير قادرة على إعطاء الثمار المرجوة . هكذا نشأ إنطباع أننا نحتاج تجديد أساسي " للكنيسة " ، لكى نحقق نجاح ما فى عملنا . اذن يجب ان نجيب على الأسئلة الآتية :
ا- ما الذي يمكن ان يتغير داخل الكنيسة؟
ب- كيف يُدرّك مصطلح تجديد فى الاطار اللاهوتي؟
ج- ما هو الأجراء التجديدى الحقيقي؟
2-الكنيسة والتجديد
من المعروف ، ان الكنيسة لا يمكن ان تُحدد بدقة مطلقة .لكننا نعرف انها ليست منظومة من هذا العالم بل هى حقيقة الهية انسانية ، حيث تصير معروفة للإنسان فقط اختبارياً وكيانياً بنعمة الله وبالاشتراك في حياتها . الكنيسة هى سر ، هى حياة ثالوثية مقدسة – مجتمع شركة – فى العالم . أصلها وبدايتها تُوجد " قبل كل الأزمنة " فى الارادة الازلية للثالوث . لقد نبتت الكنيسة فى العالم لكى يمكن ان يخلُّص العالم فيها .
اذن تحيا الكنيسة فى العالم كحقيقة إلهية إنسانية محددة ، حيث تتحقق هنا والآن فى المكان والزمان . الكنيسة تُخَلِص العالم ولكن ليست بوسائل بشرية بحتة ، بل بنعمة الله التى لديها . الطريقة الوحيدة التى بها يُمكن للكنيسة ان تساعد العالم ، هى ان تأخذ ما للعالم وتجددة فى المسيح ،الذى هو رأسها . لأننا نستطيع ان نخلص فقط ونتحرر من الموت بالاشتراك فى حياة المسيح . الخلاص هو الإنضمام إلى الكنيسة ، إى جعل العالم كنيسة أو مسحنة العالم .
إذن فى الكنيسة يوجد عنصرين مشتركين معاً : غير المخلوق والمخلوق ، غير الزمنى والزمنى ، الإلهى والإنسانى . الاول هو الذى يُخَلِص ويُقَدِس أما الثانى هو الذى يَخلُص ويُقَدَس . العنصر الإلهى هو بالطبع غير متغير . لو كان العنصر الإلهى قابل للتغير ما كانت توجد إمكانية خلاص للعالم فى كل عصر . لكن لأن العنصر البشرى فى الكنيسة لا يَخلُص سحرياً بل عن وعى وادراك بتآزرة ( السنرجية ) مع العنصر الإلهى ، يمكن لنا ان نتحدث عن تجديدللعنصر البشرى فى الكنيسة ، اى حياة المؤمنين .
هذا يحدث لأن الكنيسة لها وجهين . إنها " كنيسة الله " التى تتكون من البشر وأيضاً البشر المخترقين من الخطية . إنها تحيا فى المكان والزمان ، وتمثل ليس فقط واقع إلهى بل ايضاً لها بُعد تاريخى بشرى ، وهكذا كل ما للعالم لم يصل أبداً إلى كمال " ملكوت السموات " ، بل يبقى " عربون الميراث العتيد ، باكورة الخيرات الابدية "
الارثوذكسية لا تتحدث عن تجديد الكنيسة ذاتها اى حياة الكنيسة ، لأن الكنيسة تظل دائماً جديدة " فى المسيح " ، وحياة الكنيسة ذاتها هى حياة المسيح . ما يوجد بمصداقية فى الكنيسة ، يحيا فى المسيح ، وبالتالى يكون " خليقة جديدة " لا تحتاج لأى تجديد ( انظر أف27:5) . الخطية هى التى تجعلنا نعود إلى القديم ، لأنها تقودنا إلى فساد الموت . اذن فى المفهوم المسيحى ، التجديد يعنى تحررنا المستمر من طغيان الخطية . لأن فى الكنيسة هذة الامكانية تُقَّدم باستمرار بالجهاد الروحى وبالأسرار المقدسة إذ بواستطها تعمل النعمة الإلهية غير المخلوقة ، الخطية هى مصدر الفساد لكن – بالنسبة للمسيحى – ليست إلا حادث عارض قابل للشفاء ، حيث كل لحظة فى حياتنا يمكن ان تتفوق عليها وتتخطاها . هذا ما كان يعنية بولس الرسول حين قال : " وتتجددوا بروح ذهنكم . وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله فى البر وقداسة الحق " ( أفس 23:4-24) .
فى هذا الاطار ، كلما كان المرء " فى المسيح " فهو " إنسان جديد " ، ولا يحتاج لأى تجديد . بالتالى الوحيد بالنسبة لجميعنا كعنصر بشرى لجسد المسيح ، الذى  نحتاجة فى حياتنا هو رجوع مستمر إلى الحق فى المسيح ، الحق الذى إبتعدنا عنه بخطايانا . وهنا يجب ان نتذكر أن الهرطقة هى خطية ! هذا الرجوع هو إجراء يحدث دائماً داخل الكنيسة ونستطيع ان نُسميه " الإجراء التجديدى" . بالتالى التجديد يتمثل فى تجديدنا المستمر بالمسيح ، مصدر حياتنا الجديدة . الجديد هو الذى يظل ثابتاً فى المسيح ( انظر 2كو17:5) . ليكن المرء " خليقة جديدة " وهذا يعنى ان يوجد فى المسيح ويحيا فية .بالتالى يوجد إختلاف جوهرى فى الطريقة ، التى بها العالم والكنيسة يُدركا مصطلح " تجديد " . بالنسبة للعالم " الجديد" فهو من فصيلة زمنية اما الكنيسة فهى تنتمى لفصيلة روحية ، والجديد بالنسبة للعالم له اهمية وقتية ونسبية ، فهو ينسحب مع مرور الزمن ليحتل جديد آخر مكانه ، لأن لا شيىء فى العالم يستطيع ان يتجنب الشيخوخة والقِدَم . لكن فى الكنيسة نتحدث عن " الجديد الأزلى " ، وهذا هو المسيح ، دائماً " الانسان الجديد " ، آدم الجديد . المسيح لا يشيخ أبداً ، لأنه " جديد" فى حد ذاته . العالم هو الذى يحتاج للفداء ، يحتاج للجديد المطلق لأنه متحرر كليةً من الخطية ولا يعرف خطيةً . اذن مَنْ يحيا فى المسيح هو الجديد . والتجديد الحقيقي ، كما تدركه الكنيسة ليس إحلال القديم بشيىء جديد ، لكن البقاء فى المسيح ، والتواجد المستمر فى الحق الذى هو المسيح ، الاله الانسان .
عن كتاب " الكنيسة فى العالم " الناشر ، الدياكونية الرسولية باليونان

الجمعة، 17 يونيو 2011

الرسول فيلبس
لامبروس سكوندزوس – ترجمة د جورج عوض
لقد كان فيلبس من بيت صيدا الجليل حيث أيضاً أتى اندراوس وبطرس و ربما بارثلماوس ( أنظر يو44:1) . اسمة هو يونانى ويعنى محب للخيول . وهذا يدل على انة كان يهودى ثم صار هللينى . وكما هو معروف ان منطقة الجليل كانت تُدعى " جليل الامم " نظراً لانها كانت تضم أغلبية من اليهود الذين صاروا هللينييون اى تبنوا الثقافة الهللينية . والجدير بالذكر ان اليهود كانوا يتهمونهم بأنهم سقطوا من اليهودية الاصلية . هناك رأى آخر يتبناه البعض بأن فيلبس كان فى الاصل يونانى ثم تهّود اى صار يهوديا . واذا كان هذا الرأى صحيح ، يكون لهذا الرأى اهمية كبيرة فى ان فيلبس كان ممثل عن الامم فى جوقة تلاميذ الرب !
كان فيلبس على الارجح تلميذ يوحنا المعمدان وبالتالى قد سمع عن مجىء الماسيا . يبدو ان إشتياقة لإنتظار مخلص العالم كان شوق شديد . أيضا يبدو ان فيلبس رافق بطرس وأندراوس ، وأشتياقهم للماسيا هو الذى ربطهم ببعض . يخبرنا الانجيا ان المسيح فتش عن فيلبس ووجده ( يو43:1) . كان فيلبس هو من التلاميذ الاولين الذين تبعوا المسيح . شهادة فيلبس لصديقه نثنائيل كانت واضحة " «وَجَدْنَا الَّذِي كَتَبَ عَنْهُ مُوسَى فِي النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءُ: يَسُوعَ ابْنَ يُوسُفَ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ» ( يو 44:1). لقد تميز بالصراحة والحماس لعمل معلمة الالهى . لقد توسط بكونه هلليني لكى يحقق مقابلة اليونانيين بالرب (يو20:12)
بحسب التقليد القديم أُرسِلَ فيلبس ليكرز فى فيرجينيا فى آسيا الصغرى . ثم استشهد فى سوريا ، إذ صُلِبَ منكس الرأس ، وتحتفل به الكنيسة البيزنطية فى يوم 14 نوفمبر

الخميس، 16 يونيو 2011

القديسة ليديا
عن المدونة اليونانية kantonopou فى 20 مايو 2011 – ترجمة د جورج عوض
لقد دُعىَّ رسول الامم لكى يكرز فى مدينة فيلبي . المدينة الكبيرة التى بها طرق كثيرة وميادين وسوق كبير . كان الرسول يبحث عن طريقة ليبدأ التواصل مع أهل المدينة الذى قرأ فى وجوههم مشاكلهم وإهتماماتهم . لقد تحقق من عمق الظلمة التى تغطي نفوسهم . إنه حاسم فى الدخول للمعركة ، سوف يبوق بالإنجيل منتصراً ، هو يؤمن بأنه سوف يجعل أصنام المدينة تهتز من أساساتها ، سوف يحارب حتى النفس الأخير ، لكى يحرر الاخوة العبيد من عبوديتهم الرهيبة للوثنية . هذة الأفكار كانت فى ذهن بولس الرسول وهو لا يدرى انه موجود فى أحد أطراف المدينة بالقرب من نهر زيغاكتوس بالقرب من بستان . حقاً ، ما أروع هذا البستان ! مملوء سحراً . بجوارة ماء النهر الكريستالى المحيط به . الورود تنتشر حول المياة برائحتها الأسطورية . بستان يُشبه بستان المسيح . وفى أحد الاركان من البستان مجموعة من النسوة مملؤات بخوف الله يتممن واجباتهن الدينية . هذا هو مكان للصلاة . وحيث يصلى الانسان يتقدس المكان ويصير دائماً بستان سماوي حيث النسيم الحلو لنعة الله تسكر النفوس التى تعرف ان تُصلي . هذا البستان هو المرحلة الأولى للتواصل . " وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ خَرَجْنَا إِلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ عِنْدَ نَهْرٍ حَيْثُ جَرَتِ الْعَادَةُ أَنْ تَكُونَ صَلاَةٌ فَجَلَسْنَا وَكُنَّا نُكَلِّمُ النِّسَاءَ اللَّوَاتِي اجْتَمَعْنَ " أع 13:16. من هنا سُمعَت الكرازة الاولى . هنا صلاة النسوة المصليات أثمرت والله الصالح يستجيب لمطالبهُنَ . من بين النسوة كانت ليديا سيدة الاعمال التى من ثياتيرا . النسوة المملؤات من خوف ٍ وتقوى يسمعن للمرة الاولى التعليم الحلو من فم الرسول بولس . كل قول من أقوال الرسول كان مثل نقطة من الماء الرطب على نفوسهن العطشانه . لكن تلك المرأة التى كانت أكثرهن حماساً هى ليديا . صار فى داخلها زلزال وبين جنبات قلبها ظهر فجأة عالم جديد .
كان قلب ليديا مضطرب ، فآلهة الاوليمبياس الاثنى عشر سببت لها خواء . كانت لا تستطيع ان تعبد آلهة تتعارك مع بعضها . فراغ نفسها وشوقها لمعرفة الاله الحقيقى قادها إلى بستان الصلاة . تعارفها وارتباطها بجماعة صغيرة من النسوة اليهود فتحت لها الطريق لِما تشتهيه . لقد وجدت تاجرة الارجوان قطع من الذهب فى ناموس موسى . الناموس الذى يلعب دور المربي الذى يقود إلى المسيح ، أشعل فيها العطش للبحث عن الماسيا . فى هذة الحالة وُجدت ليديا، حين سمعت للمرة الاولى الرسول بولس يتحدث عن فادي العالم .
الرسول بولس مارد الفكر بالقدرة التى تميزة يصف ويرسم بألوانه الرائعة صورة المصلوب . يخبرهن ببساطة ووضوح الحقائق الإنجلية ويعلن للنسوة المملؤات من تقوى الله : عن مَنْ يصلين له ، انه الماسيا اللواتى ينتظرونه . هذا ما نكرز به اليكن . المسيح هو الماسيا . المسيح هو الاله المتأنس . المسيح هو نور العالم ، خبز الحياة ، الماء المُحيى ، الراعي الصالح . المسيح هو فادي العالم . وليديا بعيونها المحدقة فى وجه بولس الرسول وبأهتمام حىّ تسمع بإهتمام وتقوى كلمات هذا اليهودي المجهول . إن تاجرة الارجوان ، الشخصية المتدينة بعمق ، المملوءة بالحماس والدهشةتعلن بحسم ودهشة أنها تريد ان تصير مسيحية . الرسول بولس أكمل عمله وعَمَدَ ليديا هى واهل بيتها فى نهر الزيغاكتوس . المرأة الاولى المسيحية فى اوروبا تلبس لباس الاستنارة الجديد . المسيحية الاولى فى مقدونيا تُسجل فى سفر ملكوت السموات . الآن هى العضو الاول للكنيسة الاولى فى اليونان ، قلبها المغمور بنور الله ونعمته يفيض بمشاعر العرفان تجاة أولئك الذين فتحوا أعين نفسها ، وأعلنوا لها الحق وقادوا خطواتها إلى طريق الخلاص . كيف اذن تشكرهم ؟ إنها جاهزة لتقدم أموالها ، الارجوان ، بيتها وكل ما تملكه ، لكى تُظهِر عِرفانها . لكن الرسل الذين هم غير مُلاك ليس هم فى إحتياج للخيرات المادية .
يحفظون وصية الرب . لا يريدون شيئاً لذواتهم . الكل لمجد الله . هذا هو شعارهم . لكن المرأة المستنيرة الجديدة تصمم على طلبها بفرح ان يقبلوا استضافتها :" فَلَمَّا اعْتَمَدَتْ هِيَ وَأَهْلُ بَيْتِهَا طَلَبَتْ قَائِلَةً: «إِنْ كُنْتُمْ قَدْ حَكَمْتُمْ أَنِّي مُؤْمِنَةٌ بِالرَّبِّ فَادْخُلُوا بَيْتِي وَامْكُثُوا». فَأَلْزَمَتْنَا" أع 15:16. أصرّت ليديا بشدة حتى ان بولس ومن معه أُجبروا على الاستجابة لطلبها وقبلوا استضافتها لهم .
لقد قدمت ليديا كل شيىء لخدمة الكنيسة . لكن ولا شيىء يساوي تقدمتها لذاتها . لاتنتمى ليديا بعد لذاتها بل تنتمى للمسيح . انها حمل المسيح ، تلميذة الناصرى ، قلبها هو أسير لمحبة المسيح . مِن هنا أيضاً فصاعداً أخلصت فى عمل التبشير . تقود أهلها أولا إلى الايمان الجديد وتعطى البشارة لنفوس آخرين . لقد صارت سامرية أهل فيلبى وظهرت كعضو حىّ فى الكنيسة . عملت بكل قدرتها فى خدمة الكنيسة وحرصت على حضورها فى كل الخدمات الاجتماعية التى تقوم بها الكنيسة . هكذا عملت وعاشت وفق إرادة الله تسلم روحها ورحلت عن العالم الحاضر ممجدة اسم الرب ، والكنيسة سجلت اسمها فى سفر القديسيين . صلواتها تكون معنا آمين .



الرسول تدَّاوس أو لبَّاوس
لامبروس سكوندزوس – موضع الدياكونية الرسولية – اليونان ترجمة د جورج عوض
إسم الرسول تدَّاوس قد ذكرة الانجيلي مرقس ( مر18:3 ) والقديس متى ذكرة بإسم لبَّاوس على أساس ان تدَّاوس هو اللقب . وبربط قائمة إنجيل لوقا ( لو16:6 ) وأعمال الرسل ( أع13:1 ) نستنتج ان الاسماء الرسولية الثلاثة تدَّاوس ولبَّاوس ويهوذا هى لشخص واحد . ومع ذلك فإن اسمة هو يهوذا او لبَّاوس ولقبة هو تدَّاوس .
البعض يطابق بين يهوذا تدَّاوس ويهوذا اخو الرب الذى كتب رسالة من رسائل الجامعة ، لكن هذا الافتراض بلا سند من التقليد الكنسي . معلوماتنا عن حياته ونشاطة هى قليلة جداً . ويوجد بإسمة كتاب من كتب الابوكريفا بعنوان " أعمال الرسول تدَّاوس لبَّاوس " ومعروف أيضاً هذا الكتاب بإسم " أعمال الإديسيين " وهذا العنوان يتجاوب مع التقليد الكنسي الذى يخبرنا بأنه كرز فى إديسا فى منطقة ما بين النهرين . وهذا يفسر احترام وتوقير اهل هذة المنطقة من المسيحيين لهذا الرسول .

الثلاثاء، 14 يونيو 2011

مساهمة الرسل في عمل الكنيسة
لامبروس سكوندزوس – ترجمة د جورج عوض عن موقع الدياكونية الرسولية - اليونان
كلمة رسول αποστολος يعنى مرسل ، فالرسل هم الذين دُعيوا من الرب ليكونوا تلاميذه لكى يستمروا فى عملة بعد صعودة من السموات . أيضاً وفق وصيته الواضحة صاروا شهوداً لقيامتة " إلى أقاصي الأرض " ( أع8:1). إختيار ودعوة الرسل ، الذين حتى يوم الخمسين كانوا يُدعّون تلاميذ ، صار مباشرةً ببداية عمل الرب الجهارى فى الجليل ، إذ بعد معموديته توجه إلى الجموع على شاطيء جنيسارت حيث قال للصيادين : " هلم ورائي فاجعلكما صيادي الناس " ( مت21:4) . آخرون " تركا الشِباك وتبعاه " ( مت 21:4) وأيضاً آخرون " تركا أباهما زبدي فى السفينة مع الأَجَرَى وذهبا وراءة " ( مر 20:1 ) .
عُيّنَ التلاميذ من الرب فى ثلاثة دوائر : الدائرة الضيقة للأثنى عشر ، الدائرة الأوسع للسبعين والأكثر شمولاً أصدقائة الكثيرين . الأهمية العظمى هى لدائرة الأثنى عشر . هؤلاء كانوا بالقرب منه وإليهم أعلن أسرار الله . هؤلاء نالوا نعمة الكهنوت الخاصة ليتمموا أعمال الكنيسة التقديسية والليتورجية وينقلوها لخلفائهم . هؤلاء كانت ليهم كرامة تحديد حتى المستمرين فى عمله لأنه فقط لهؤلاء قال " ليس أنتم أخترتمونى بل أنا أخترتكم واقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم لكى يعطيكم الآب كل ما طلبتم باسمى " (يو 15:16). بعد القيامة جعلهم رسمياً خلفاءة فى عمله : " كما أرسلنى الآب ارسلكم أنا . ولما قال هذا نفخ وقال لهم اقبلوا الروح القدس . مَنْ غفرتم خطاياه تُغفر له . ومَنْ امسكتم خطاياه أُمسكت " ( يو 21:20-23) . على جبل الجليل حيث كان قد تجمع الاحدعشر قبل صعودة قليلاً قال لهم : " فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الاب والابن والروح القدس . وعلَّموهم ان يحفظوا جميع ما اوصيتكم به . وها أنا معكم كل الايام إلى انقضاء الدهر " ( مت 19:28-20 ) .
الرب يسوع المسيح لم يختار الرسل من النخبة الارستقراطية ، او من طبقات السياسيين ، او رجال الاعمال والاقوياء أقتصادياً ، او من دوائر المفكرين المغلقة ، لان الفساد ، والسقوط والتعجرف كانت سمات هذة الطبقات . على النقيض ، اختارهم من المهمشين والضعفاء والاُميين . إن أقوال بولس الرسول واضحة :"أَنَّهُ إِذْ كَانَ الْعَالَمُ فِي حِكْمَةِ اللهِ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ بِالْحِكْمَةِ اسْتَحْسَنَ اللهُ أَنْ يُخَلِّصَ الْمُؤْمِنِينَ بِجَهَالَةِ الْكِرَازَةِ لأَنَّ الْيَهُودَ يَسْأَلُونَ آيَةً وَالْيُونَانِيِّينَ يَطْلُبُونَ حِكْمَةً وَلَكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِالْمَسِيحِ مَصْلُوباً: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً! وَأَمَّا لِلْمَدْعُوِّينَ: يَهُوداً وَيُونَانِيِّينَ فَبِالْمَسِيحِ قُوَّةِ اللهِ وَحِكْمَةِ اللهَّ. لأن جَهَالَةَ اللهِ أَحْكَمُ مِنَ النَّاسِ! وَضَعْفَ اللهِ أَقْوَى مِنَ النَّاسِ! فَانْظُرُوا دَعْوَتَكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ لَيْسَ كَثِيرُونَ حُكَمَاءُ حَسَبَ الْجَسَدِ. لَيْسَ كَثِيرُونَ أَقْوِيَاءُ. لَيْسَ كَثِيرُونَ شُرَفَاءُ. بَلِ اخْتَارَ اللهُ جُهَّالَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الْحُكَمَاءَ وَاخْتَارَ اللهُ ضُعَفَاءَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الأَقْوِيَاءَ وَاخْتَارَ اللهُ أَدْنِيَاءَ الْعَالَمِ وَالْمُزْدَرَى وَغَيْرَ الْمَوْجُودِ لِيُبْطِلَ الْمَوْجُودَ لِكَيْ لاَ يَفْتَخِرَ كُلُّ ذِي جَسَدٍ أَمَامَهُ" ( اكو21:1-29 ). الاصل المهمش للرسل هو منذ السنين الاولى للمسيحية حتى اليوم أُستخدم من محاربى المسيحية على انها ديانة كاذبة لأناس ليست لهم اى قيمة. الفكر الفاسد والكاذب كان يريد مسيحية فلسفية تكون حافز لمناقشات عقيمة فى دوائر فكرية مغلقة ، مسيحية منقطعة عن دورها التقديسى والصحيح . ولان هذا لا يتناسب مع قياساتهم ، لأجل هذا تُرفض من هؤلاء وتُحَارب بهيجان فى كل العصور.
الروح القدس فى يوم الخمسين المقدس ( أع 2 ) غيّر الصياديين المهمشين والخائفين والأُميين إلى رجال حكماء ، إلى شخصيات قوية ، إلى موجودات متوهجة ، الذين فتنوا المسكونة ، خبرة قيامة الرب المؤثرة وحلول قوة الروح القدس اعطتهم دَفعة خيالية . أنتشروا فى كل العالم لكى يكرزوا بالجديد ، بحامل الرجاء وبالرسالة الخلاصية لفداء الجنس البشرى فى المسيح . قلوبهم المشتعلة من الغيرة الالهية وكرازتهم النارية جعلت قلوب البشر تهتز شوقاً للفداء . بذرة الانجيل أُلقيت من هؤلاء العمال النشطاء والالهيين فى كل مكان فى المسكونة .
ظلمة الكون إنقشعت بسماع الحق الانجيلي . الافكار الشيطانية الطاغية تبخرت امام الحرية الروحية للرسالة المسيحية . هؤلاء صيادى الجليل المهمشين ارجعوا تاريخ العالم إلى طريق الانسانية والحضارة والتقدم . البشر الوضِعيين والمحتقرين الذين لم تكن لديهم قيمة أكبر من تلك التى كانت للبهائم والاشياء قبلوا نعمة فى كرازة اولئك ، للمرة الاولى كقيم بشرية وايضاً أكثر ككأيقونات الله الحية ! كثيرون أقوياء فَهِموا ان قدرتهم العالمية ليست لها قيمة حقيقية ولأجل هذا تركوها . لقد وُلِدَت اول مجموعة أخوّة فى العالم ، كنيسة المسيح ، كمحبة حقيقية جديدة وأخوّة بشرية لشعوب وسط عالم الخطية والشر غير الانسانى ، كوسيلة للخلاص والفداء من عبودية الخطية والفساد.
البشرية والحضارة المعاصرة تدين بالعرفان الكبير للرسل القديسيين ز كل ما لم ينجزة الفكر والقوة ، انجزة كورال تلاميذ ورسل المسيح . لكن العالم للأسف ليس فقط لم يُقّدِر تقدمتهم ، بل على النقيض ، فَعَلَ كل ما امكنه لكى يهدم ما بنوه أولئك . وصف الرسول بولس صعوبات رسالته كالآتى : "فَإِنِّي أَرَى أَنَّ اللهَ أَبْرَزَنَا نَحْنُ الرُّسُلَ آخِرِينَ كَأَنَّنَا مَحْكُومٌ عَلَيْنَا بِالْمَوْتِ. لأَنَّنَا صِرْنَا مَنْظَراً لِلْعَالَمِ لِلْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ. نَحْنُ جُهَّالٌ مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَحُكَمَاءُ فِي الْمَسِيحِ! نَحْنُ ضُعَفَاءُ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَأَقْوِيَاءُ! أَنْتُمْ مُكَرَّمُونَ وَأَمَّا نَحْنُ فَبِلاَ كَرَامَةٍ! إِلَى هَذِهِ السَّاعَةِ نَجُوعُ وَنَعْطَشُ وَنَعْرَى وَنُلْكَمُ وَلَيْسَ لَنَا إِقَامَةٌ وَنَتْعَبُ عَامِلِينَ بِأَيْدِينَا. نُشْتَمُ فَنُبَارِكُ. نُضْطَهَدُ فَنَحْتَمِلُ. يُفْتَرَى عَلَيْنَا فَنَعِظُ. صِرْنَا كَأَقْذَارِ الْعَالَمِ وَوَسَخِ كُلِّ شَيْءٍ إِلَى الآنَ " . آلاف الصعوبات ، والمشقات والمتاعب والاضطهادات غير الانسانية لم تُخِيفهُم. عملهم قد حمل ثمار ، إذ كان كل يوم ينضم إلى الكنيسة الذين يخلصون ويصيروا مسكنا للروح القدس . عمل الرسل القديسيين استمر ويستمر بتعاقبهم . فى كل مكان ، حيث اسسوا كنائس محلية رسموا اساقفة وكهنة لكى يستمروا فى عملهم . يكتب لوقا فى اعمال الرسل سفر تبشير كنيستنا : " وَانْتَخَبَا لَهُمْ قُسُوساً فِي كُلِّ كَنِيسَةٍ ثُمَّ صَلَّيَا بِأَصْوَامٍ وَاسْتَوْدَعَاهُمْ لِلرَّبِّ الَّذِي كَانُوا قَدْ آمَنُوا بِهِ " ( أع 23:14). هذا التعاقب غير المنقطع يستمر حتى اليوم ويُوصف لتعاقب الاشخاص والايمان ولأجل هذا تُسمى الكنيسة كنيسة رسولية . إذن كل الذين يعملون فى كنيسة المسيح ، الاكليروس والشعب يستمرون جوهرياً فى عمل الرسل العظيم الذى تمموه .
نحن جميعاً مؤمنى المسيح والمحتفلين بالرسل القديسيين ، " العاملين مع المسيح " ( 2كو1:6) لدينا إلتزام وواجب ان نعطى لهم الكرامة التى تليق بهم لأن كنيستنا المقدسة هى مؤسسة على هذة الشخصيات العظيمة . هذا يؤكدة يوحنا الانجيلي الذى رأى فى الرؤيا كنيسة المسيح المنتصرة فى السموات " وَأَرَانِي \لْمَدِينَةَ \لْعَظِيمَةَ أُورُشَلِيمَ \لْمُقَدَّسَةَ نَازِلَةً مِنَ \لسَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ \للهِ، لَهَا مَجْدُ \للهِ، وَلَمَعَانُهَا شِبْهُ أَكْرَمِ حَجَرٍ كَحَجَرِ يَشْبٍ بَلُّورِيٍّ. وَكَانَ لَهَا سُورٌ عَظِيمٌ وَعَالٍ، وَكَانَ لَهَا \ثْنَا عَشَرَ بَاباً، وَعَلَى \لأَبْوَابِ \ثْنَا عَشَرَ مَلاَكاً، وَأَسْمَاءٌ مَكْتُوبَةٌ هِيَ أَسْمَاءُ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ \لاِثْنَيْ عَشَرَ " ( رؤ10:21-12).

الأحد، 12 يونيو 2011

الروح القدس
بين العهدين القديم والجديد
د. جورج عوض إبراهيم


مقدمة: شخص الروح القدس
الروح القدس ليس مجرد قوة بل هو الأقنوم الثالث من الثالوث القدوس، وهو واحد مع الآب والابن في الجوهر. وبما أنه أحد الأقانيم الثلاثة فهو يتمايز عن الآب والابن. فالروح القدس ليس هو الآب كما أنه ليس هو الابن، ومع هذا فهما إله واحد وهذا ما نردده في البسملة "باسم الآب والابن والروح القدس إله واحد آمين". وأفعال الروح القدس كما أعلنها الوحى الكتابى هى كثيرة، نذكر منها الآتى:
+ الروح القدس يفحص كل شئ: " لأن الروح يفحص كل شئ حتى أعماق الله" (1كو10:2).
+ الروح القدس يعرف: " لأن مَنْ من الناس يعرف أمور الإنسان إلاّ روح الإنسان الذي فيه. هكذا أيضًا أمور الله لا يعرفها أحد إلاّ روح الله" (1كو11:2).
+ الروح القدس يشاء ويعمل: "ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه قاسمًا لكل واحد بمفرده كما يشاء" (1كو11:11).
+ الروح القدس يحزن: "ولا تُحزنوا روح الله القدوس الذي به ختمتم ليوم الفداء" (أف30:4).
+ الروح القدس يعلم ويذكر: "وأما المعزى الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمى فهو يعلمكم كل شئ ويذكركم بكل ما قلته لكم" (يو26:14، أيضًا لو12:12، مت10:23).
+ الروح القدس يوّجه: "وبعدما اجتازوا في فريجية وكورة غلاطية منعهم الروح القدس أن يتكلموا في آسيا..." (أع6:16ـ7).
+ الروح القدس يقود: " لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله" (رو14:8).
+ الروح القدس يُعين ويشفع: "ولذلك الروح أيضًا يعين ضعفاتنا. لأننا لسنا نعلم ما نصلى لأجله كما ينبغى ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا يُنطق بها" (رو26:14).
+ الروح القدس يُحب: " فأطلب إليكم أيها الاخوة بربنا يسوع المسيح وبمحبة الروح أن تجاهدوا معى في الصلوات من أجلى إلى الله" (رو30:15).
+ الروح القدس يتكلم من خلال الأنبياء: " لأنه لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2بط21:1. راجع مت43:22ـ46، أع16:1، 25:4، 25:25ـ26، عب15:10، 2صم1:23ـ3، حز2:2، 1:11، ميخا8:3).
+ الروح القدس المعزى:" أما المعزى الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمى ..." (يو26:14).
+ الروح القدس عندما يتحدث يستخدم ضمير "أنا": "وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح االقدس افرزوا لى برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه"(أع2:13، انظر يو26:15، أع27:15ـ18).
+ يُدعى الروح القدس "الرب": " وأما الرب فهو الروح وحيث روح الرب هناك حرية" (2كو17:3).
+ الروح القدس يُحيي ويُعطى حياة: "وإن كان روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكنًا فيكم فالذي أقام المسيح من الأموات سيحيي أجسادكم المائتة أيضًا بروحه الساكن فيكم" (رو11:8).
+ الروح القدس يشهد للمسيح: "ومتى جاء المعزى الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لى" (يو26:15).
+ الروح القدس يقود إلى الحق: "وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية" (يو13:16).
+ الروح القدس يعلن "كل الحق" أى محتوى الإيمان: " فأعلنه الله لنا نحن بروحه" (1كو10:2).


عمل الروح القدس في مؤمني العهد القديم:
إن عمل الروح القدس في مؤمني العهد القديم هو مختلف عن عمله في مؤمني العهد الجديد. فالروح القدس في العهد القديم كان مع المؤمنين. أما في العهد الجديد هو داخل المؤمنين كما يخبرنا يوحنا الإنجيلي: (يو17:1).
أيضًا في العهد القديم أُعطى الروح القدس إلى أناس محددين لفترة زمنية محددة ولخدمة معينة . والآن نسرد بعض الأشخاص الذين أُعطى لهم الروح القدس:
+ لقد أُعطى الروح القدس إلى يوسف لكي يعرف تفسير أحلام فرعون: تك 40:38.
+ الروح القدس أُعطى إلى بصلئيل لكي يصنع خيمة الشهادة: خر1:31ـ3.
+ الروح القدس أُعطى للسبعين شيخًا لكي يحكموا مع موسى شعب إسرائيل: عد24:11ـ29.
+ الروح القدس أُعطى لبلعام لكي يتنبأ: عد5:23ـ6.
+ الروح القدس أُعطى ليشوع بن نون بوضع أيدي موسى لكي يقود إسرائيل: تث9:34.
+ الروح القدس أُعطى لـ عثنئيل لكي يقود إسرائيل: قض9:3ـ10.
+ الروح القدس أُعطى لجدعون لكي يحرر الشعب من المديانيين: قض34:6.
+ الروح القدس أُعطى ليافث لكي ينتصر على العمونيين: قض29:11.
+ الروح القدس أُعطى لشمشون لكي يقتل أسد: قض5:14ـ6.
+ الروح القدس أُعطى لصموئيل ومسحه ملكًا: 1صم10:10.
+ الروح القدس أُعطى لداود ومسحه ملكًا: 1صم13:16.
+ الروح القدس أُعطى لداود وألهمه ليكتب المزامير: 2صم2:23.
+ الروح القدس أعطى لزكريا القوة والشجاعة ليقول لأناس عصره إنهم مخالفون لوصايا الله: 2أخ20:24.
+ الروح القدس أتى إلى حزقيال لكى يتنبأ إلى بنى إسرائيل: حز1:2ـ2.
+ الروح القدس أتى إلى دانيال وفسر الأحلام: دا5:4.
+ عامةً الروح ينير أنبياء العهد القديم: 2بط21:1، زك12:7، أع26:28، إش9:6ـ10، أع16:1.
+ يوحنا المعمدان ارتكض بالروح القدس بينما كان مازال في بطن أمه: لو15:1ـ16.
+ أليصابات امتلأت بالروح القدس وتنبأت بأن مريم هى أم الرب: لو41:1ـ44.
+ زكريا الكاهن قد امتلئ بالروح القدس وتنبأ عن ابنه يوحنا: لو67:1.
+ سمعان الشيخ بوحى الروح القدس عرف الطفل يسوع فى الهيكل: لو26:2ـ28.


الروح القدس والمسيح:
العهد الجديد مملوء بشواهد عن حضور الروح القدس من البداية إلى النهاية. المسيح أُعلن في الأناجيل أمام عيوننا بالمعمودية، عندما أخذ الروح القدس. هذا الروح قاده إلى الصحراء حيث صارع مع الشيطان وانتصر عليه لأجل خلاصنا. ودخل المسيح إلى المجمع، وهناك علَّم وهو مملوء بروح الله. كل تاريخ المسيح المدون في الأناجيل ليس شيئًا آخرًا إلاّ البرهنة على أن يسوع حامل للروح القدس ومنتصر على الشيطان والفساد والموت، والجهل والخطية والجوع والبؤس والشقاء. أيضًا سفر أعمال الرسل الذي يحكي عن استمرارية المسيح في العالم ليس شيئًا آخرًا إلاّ حقيقة الروح القدس داخل الكنيسة. في عظات الرسل نجد هذه العبارات: " حينئذٍ امتلأ بطرس من الروح القدس وقال.." (أع8:4)، أو عندما يصنعون معجزات أيضًا " بقوة الروح القدس" (رو13:15)، وكذلك " باسم يسوع المسيح الناصري قم وامش" (أع6:3). فالروح القدس كان يقود الرسل في كل خطوة.
كان المسيحيون لا يستطيعون أن يدخلوا بلدة ويتجهون ناحية الشمال، أو ناحية الشرق أو ناحية الجنوب إلاّ بقيادة الروح القدس.
أتى الابن باسم الآب إلى العالم لكي يعلن الآب ويتمم مشيئته. والروح القدس أرسله الابن لكي يشهد له، لكي يُظهره ولكي يُكمل بمواهبه عمل المسيح في المؤمنين. فالمهمة الأساسية للروح القدس هى أن يعلن شخص المسيح ويجعله حاضرًا، ويعطي شهادة عنه ولكي يجعلنا متحدين به .
لكن بينما المسيح يجمع ويكمل الطبيعة البشرية عن طريق إتحاد المؤمنين في جسده، فالروح القدس يخص الأشخاص كلٍ على حدة ويملأهم بعطاياه بطريقة فريدة وشخصية لكل واحدٍ. هذا ما حدث يوم الخمسين حيث حلَّ الروح القدس في كل واحد من الحاضرين، في شكل ألسنة نار (أع3:2) .
وفق إرسالية المسيح إلى العالم فإن علاقة البشر بالروح القدس قد تحققت بواسطة المسيح فقط و"في المسيح". بينما بعد يوم الخمسين فإن العلاقة بالمسيح تتحقق فقط بواسطة الروح القدس . الروح القدس كان يعمل بطريقة مختلفة في العهد القديم عنه فى العهد الجديد. عندما كان يعمل في العهد القديم لم يكن يمثل مصدرًا لقداسة النفس، "للإنسان الداخلي" بل شفاءً للجسد. بهذا المفهوم يُسمى ذهبي الفم بركة بيت حسدا نعمة ، ففي العهد الجديد نعمة الروح هى قوة الولادة الجديدة التي تشفي مرض النفس وتعين المؤمنين على خلاصهم في المسيح .
دعنا نرى الآن دور الروح القدس في حياة يسوع المسيح.
الروح القدس طهَّر وقدَّس والدة الإله من لحظة الحمل المقدس. لذلك يتحدث آباء كثيرون على سبيل المثال يوحنا الدمشقي [ عيّنها الله الآب، والأنبياء المستنيرين بالروح قد سبقوا وأعلنوها، فبقوته المقدسة حلّ الروح القدس عليها، وطهّرها وقدَّسها] . هكذا فإن تجسد الكلمة صار بواسطة الروح القدس والعذراء مريم:
القديس غريغوريوس اللاهوتي يقول عن هذا الحدث العظيم: [وُلِدَ (الكلمة) من العذراء التي تقدست نفسها وأيضًا جسدها بواسطة الروح ـ لأنه كان يجب أن تُكرم الولادة وأيضًا تكرم العذراء مسبقًا ـ لكن ظل هو إلهًا بعدما أخذ الطبيعة البشرية] .
وأيضًا القديس باسيليوس الكبير: [ غير الجسدي أتى إلى عالمنا المنظور، وأخذ جسدًا لذاته ليس غريب عن الذي لنا، لكن من العذراء الطاهرة، كوّنه بواسطة الروح القدس، وصار لباس خيمة للكلمة، لكي يبطل بواسطته ناموس فساد البشر، والكلمة الذي خلق من البداية الإنسان بحسب شبهه الخاص، أعاده مرة ثانية إلى شبهه، بأن تشبّه هو نفسه بخليقته] .
في عماد المسيح ظهر الروح القدس على شكل "حمامة" (مز10:1، لو21:3، يو32:1، مت16:3) وفق القديس إيرينيوس فإن الآب هو ذاك الذي يمسح، المسيح هو ذاك الذي يُمسح والروح القدس هو المسحة .
عن ظهور الروح القدس مثل حمامة يقول القديس غريغوريوس اللاهوتي: [ ظهر مثل حمامة... والسبب هو أنه منذ القديم أحضرت الحمامة أخبار مفرحة عن انتهاء الطوفان] .
بعد العماد انقاد المسيح بواسطة الروح إلى البرية لكي يُجرب (مت1:4، مر12:1، لو1:4ـ2):
الروح القدس قاده إلى البرية لكي يجاهد ضد الشيطان


بدأ المسيح نشاطه الجهارى وهو ممسوح من الروح القدس:
انظر (لو16:4ـ21، مت18:12، لو14:4، أع38:10، رو4:1). وعن نزول الروح القدس فوق الابن يتحدث النبي إشعياء11:11. ذُكر في الكتاب المقدس أن المسيح مُسح بالروح. هذه المسحة تخص طبيعته البشرية ولا تخص كلمة الله الأزلي الذي هو مساوٍ للآب في الجوهر. ولقد قبل المسيح المسحة برهانًا لإخلائه الفائق وغير الموصوف. المسيح مُسح كإنسان بينما كإله هو نفسه له الروح القدس (روح الابن) وهو مانح الروح للخليقة .


المسيح أخرج الشياطين بواسطة الروح القدس: مت28:12
ويفسر القديس باسيليوس هذا المقطع قائلاً: [ الروح القدس، كما تعرفون، صار مسحة وهكذا كان دائمًا متحدًا بجسد الرب. ومنذ ذلك الوقت كان حاضرًا فيه بدون انفصال كما هو مكتوب. وإذا تحدثنا عن التدابير الخاصة بالإنسان التي تمت بواسطة إلهنا العظيم ومخلّصنا يسوع المسيح (تي13:2)، فمَن يمكنه أن ينكر أنها تمت بنعمة الروح القدس؟! فهل تريد أن تفحص الموضوعات الأولية مثل: بركات البطاركة والمعونة التي حصلت بنزول الشريعة، الرموز، النبوات، قوة الأبطال في الحروب، معجزات الأبرار... أو ما حصل في تدبير مجيء ربنا في الجسد. الكل تمَّ بالروح في المقام الأول صار الروح المسحة وصار حاضرًا بلا افتراق في جسد الرب، كما هو مكتوب " الذي ترى الروح نازلاً ومستقرًا عليه فهذا هو ابني الحبيب" (يو33:1، مت17:3) و" يسوع الناصري الذي مسحه الله بالروح القدس" (أع38:10). ومن ثم كان الرب يتمم كل أعماله بالروح. وكان معه حتى عندما جربه الشيطان، فقد كتب " أُصعد يسوع بالروح إلى البرية ليُجرب" (مت1:4) وكان معه بلا افتراق عندما صنع الأعمال العجيبة (مت22:7)، لأنه مكتوب: " إذا كنت أنا بروح الله أُخرج شياطين" (مت28:12)، ولم يفترق عنه عندما قام من بين الأموات. لأنه لما أراد أن يجدد الإنسان ويرد إليه النعمة التي كان قد حصل عليها من نفخة الله والتي فقدها الإنسان الأول قال: " اقبلوا الروح القدس، من غفرتم..." (يو22:20)] .
هكذا كل أفعال المسيح صارت دائمًا بتعضيد الروح. لقد كان الروح معه وعندما جُرب يسوع من الشيطان ـ كما يقول الكتاب ـ انقاد بواسطة الروح إلى البرية لكي يُجرب (مت1:4). وعندما فعل معجزات، كان غير منفصل عنه، طالما هو نفسه يقول: " إن كنت بروح الله أخرج الشياطين" (مت28:12) .
الرب وَعَدَّ تلاميذه بأنه بعد رحيله سوف يرسل لهم الروح لكي يعطيهم قوة ويقودهم ويُعلمهم ويجعلهم شهودًا له، ويدين العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة (يو37:7ـ39).
وعن سؤال لماذا لم يُعطَ الروح قبل صلب المسيح؟ يرد القديس يوحنا ذهبي الفم قائلاً: [ لأن البشرية كانت تعيش في الخطية وفي العثرات، وفي البغضة والضلال، إذ أن الحمل الذي حمل خطايا العالم، لم يكن قد قُدم ذبيحة بعد. المسيح لم يكن قد صُلب، لذلك لم تكن هناك مصالحة، وبما أنه لم تكن هناك مصالحة، كان من المناسب عدم إرسال الروح القدس. وبالتالي، بما أنه أرسل الروح القدس فهذا يعني أن المصالحة قد تمت. ولهذا قال السيد المسيح " إنه خير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي" (يو17:16). يقول إن لم أنطلق ـ لا تتم المصالحة مع الآب، ولذلك لن أرسل لكم المعزي] .


المسيح بعد القيامة أعطى الروح القدس إلى تلاميذه (يو21:20ـ22):
يشرح لنا القديس كيرلس هذه الحقيقة قائلاً: [ لقد أعلن المسيح أنه سيرسل لنا من السماء المُعزي عندما يصعد إلى الله الآب وبكل يقين فعل هذا، لأنه بعد صعوده سكب الروح بغزارة على كل الذين كانوا يرغبون قبوله. لأن كل إنسان يستطيع قبول الروح القدس بالإيمان والمعمودية المقدسة كما قال النبي " سأسكب من روحي على كل جسد" (يوئيل28:2)]. ويستمر القديس كيرلس في حديثه موضحًا سر نفخة المسيح لتلاميذه قائلاً: " كان من الضروري بالنسبة لنا أن نرى الابن يمنح لنا مع الآب الروح القدس... لأن الله الآب في البدء بكلمته أخذ من تراب الأرض ـ كما هو مكتوب ـ وخلق الإنسان كائنًا حيًا له نفس عاقلة حسب إرادته وأناره بنصيب من روحه ["ونفخ في أنفه نسمة الحياة" (تك7:2). ولكن عندما سقط الإنسان بعصيانه واستُعبد لقوة الموت وفقد كرامته القديمة أعاده الله الآب وجدده إلى الحياة الجديدة بالابن كما كان في البدء]. ويتساءل القديس كيرلس قائلاً: كيف جدده الابن؟ فيجيب هو نفسه: [ بالجسد ذبح الموت وأعاد الجنس البشري إلى عدم الفساد عندما قام من الموت لأجلنا]. ويأتي القديس كيرلس إلى كشف سر النفخة شارحًا بكلام واضح وصريح، إذ يقول: [ولكي نعلم أنه هو الذي في البدء خلقنا وختمنا بالروح القدس لذلك يمنح مخلّصنا الروح القدس من خلال العلامة المنظورة أى "نفخته" للرسل القديسين لأنهم باكورة الطبيعة البشرية المجددة. وكما كتب موسى عن الخلق الأول أن الله نفخ في أنف الإنسان نسمة الحياة، يحدث نفس الشئ الذي حدث في البدء عندما جدَّد الله الإنسان وهو ما يسجله يوحنا هنا. وكما خلق الإنسان في البدء على صورة خالقه. كذلك الآن بالاشتراك في الروح القدس يتغير إلى صورة خالقه ويصبح على مثاله. ولا يوجد لدينا أدنى شك في أن الروح القدس هو الذي يختم صورة المخلّص على قلوب الذين يقبلون المخلص .


خاتمة: حضور الروح القدس
إننا نرى عمل الروح القدس فينا بطرق مختلفة، منها:
+ سُكنى الروح القدس في أعضاء الكنيسة يجعل هذه الأعضاء قادرة على أن تعترف معًا في كل الأرض وفي كل الأزمنة بألوهية المسيح. هذا الاعتراف المشترك يدل على حضور الروح القدس الذي يبنى وحدة الكنيسة الجامعة والشاملة.
+ الصلاة لأجل بعضنا البعض ولكل العالم يمثل الظهور الدائم لحضور الروح القدس في الكنيسة.
+ شركة القديسين عبر الأزمنة هو بمثابة اعتراف للخبرة الحياتية لحضور الروح القدس الفعّال داخل البشرية المتحدة في المسيح.
+ قوة الروح القدس تُعاش بالمحبة الشديدة تجاه الله والقريب.

الأربعاء، 8 يونيو 2011

إستخدام الرمزية او المجازية  Αλληγορια
الاب جون بريك – ترجمة د. جورج عوض
أغلب دارسي الكتاب المقدس اليوم يعتبرون الرمزية أقل من المفيد. فى الواقع سوف يحكمون عليها بكونها خيالية ، وأنها طريقة خطيرة لتفسير النصوص الخاصة بالكتاب المقدس . إنهم يفهمون "الرمزية" على أساس كاتبى قاموس ويبستير : "التعبير بواسطة عناصر وأنشطة خيالية رمزية عن حقائق او عن الخبرة البشرية " . على سبيل المثال أشعار هوميروس ، يجب ان تُفسر رمزياً ، طالما نعتبر الشخوص والأحداث ، مثل الرموز أو إستعارات بسيطة تتعلق بأعمال مختلفة وخبرات نحن نعرفها ، مثل أوديستنا خلال عواصف الحياة اليومية أو قيم الشجاعة والبطولة .
الرمزية قد تطورت على يد آباء الكنيسة الأولين الذين أخذوا نهج الكُتّاب اليهود خاصةً فيلون اليهودى الهللينى الأسكندري . بكلمة واحدة ، الرمزية فى التفسير تشرع فى ان تستشف او تُمَيز فى أحداث وشخصيات وطقوس العهد القديم إشارات خفية لوقائع مماثلة فى العهد الجديد قد حققت هذة الصور السابقة . وبينما كان الآباء يشددون على مواضيع مختلفة متعلقة بالقيمة التاريخية ، إلا أنهم كانوا يميلون إلى ما هو أبعد من الأهمية التاريخية البحتة من أجل إكتشاف أعلى وأسمى ، أو يميلون إلى أن الله نفسه يعمل من خلال الروح القدس ، ويرغب فى ان ينقل هذا العمل [ ولو قلت لنفسك ان هذا هو التفسير التيبولوجى τυπολογια وليس الرمزي فمن الضروري ان ندرك ان التيبولوجية هى فى الواقع عنصر او وظيفة كبيرة للعملية الرمزية ] . اليوم ، معظم دارسي الكتاب المقدس يرفضون نهج الرمزية على أنه نهج تعسفي . وأشاروا إلى أمثلة من كتابات الآباء القديمة ، حيث مفهوم النص الكتابي هو مشوة بسبب الرمزية، عادةً على حساب إستخراج بعض الدروس التى ينبغى تطبيقها فى الحياة المسيحية الأخلاقية . على سبيل المثال ، الصليب والقيامة أُعتبرا من البعض ليس كوسيلة لتحقيق فدائنا من الخطية والموت ، ولكن بوصفهما صورة من الصراع أو النضال بين النفس البشرية أو القلب الانساني وبين النفوذ الشيطاني . بدون شك ، هذا النهج فى كثير من الأحيان أدى إلى رمزية بها تشوهات ومبالغات صريحة . ومع ذلك ، من الجدير ان نتذكر ان يسوع ذاته قد إستخدم فى بعض الاحيان الرمزية لكى يركز على شيىء هام ( على سبيل المثال " آية يونان " كصورة لدفنه وقيامته ، والأمثلة التي كان يسردها أثناء حديثة ) ، وتقريباً كل مفسر وواعظ للإنجيل يفعل نفس الأمر ، سواء قد إعترف أم لا بالرمزية . كل مرة نحاول ان ننقل نص كتابي ليصير رسالة لإنسان اليوم – لكى يسمع ان الله يتحدث إلية من خلال النص – نلجأ إلى الرمزية بدرجةٍ ما . ومثال من التقليد الآبائي ، تم إختيارة عشوائياً ، يوضح هذة النقطة ويظهر مدى فائدة الرمزية فى مساهمتنا للتبشير وتعليم الكتب المقدسة ، بطرس اللاهوتي من دمشق ( القرن الثانى عشر ) جمّع أعمال موجودة فى الكتابات الروحية المعروفة بإسم الفيلوكاليا " فى المرحلة الرابعة من التأملات " [ مجلد 3 ، 1984] وقال انه يقتبس كلمات يسوع من لو17:21 والتى تتحدث عن وجود الملكوت . النسخة المنقحة تترجم الآية على النحو التالى : " ها ملكوت الله فى وسطكم أو بينكم " تعبير فى الوسطin the midst أو " بينكم " among you في اليونانية εντος . إعتمادا على السياق ، أياً كان ، هذة الكلمة يمكن أن تعنى إما " بين " أو " داخل " . أغلب المفسرين اليوم لاحظوا أنه من بداية خدمة يسوع تحدث عن ملكوت الله بأنه " إقترب " وحاضر فى شخصة . حيث هو نطاق الملكوت . فالله كائن ويعمل من خلال شخص إبنه ، مع أو بين أتباع يسوع . لذلك تٌترجم εντος بأنها " بينكم " أو " فى وسطكم " .
هذا يمكن فى الواقع ان يكون المفهوم الحرفى لمعنى الكلمة فى النص : أراد القديس لوقا التأكيد ( بالرغم من ان كلمة εντος فى اليونانية بمعنى : داخل ) على ان ملكوت الله قد أشرق بالفعل ، وأولئك الذين يتبعونه يمكنهم ان يدركوا الملكوت المنتظر فى شخصة ، وبالتالى معنى كلمة εντος هى " فى وسطكم " . على أى حال التركيز الأساسي للقديس لوقا فى هذا النص هو على يسوع والملكوت .
على الجانب الآخر ، القديس بطرس الدمشقي شرع فى ان يستقي من هذا النص معنى روحي آخر ( ونستطيع ان نقول معنى أكثر وجودية ) لقرائة . هو ومعظم آباء الكنيسة ، الذين فسروا كلمة εντος بمعنى " داخلكم " ، ارادوا التأكيد على أن حضور الله وقوته يتحققا فى إطار الحياة الداخلية للمؤمن ، ليقود المؤمن إلى القداسة والخلاص . يسأل : " ماذا يمكن ان يكون الأبسط من اعطاء كوب من الماء البارد أو قطعة من الخبز أو الابتعاد عن الشهوات والافكار التافهة " ايضا ملكوت السموات هو الذى يُقدّم لكم من نعمة ذاك الذى قال : "ملكوت الله داخلكم " . لانه كما قال القديس بطرس الدمشقى " ملكوت الله ليس ببعيد وليس خارجنا ولكن فى داخلنا . ببساطة عليك ان تختار تخطى الشهوات وسوف تمتلكه فى داخلك لأنك تحيا وفق إرادة الله ......"
بطريقة نمطية لآباء الكنيسة ، عَبَرَ القديس بطرس من المفهوم " الاصلى " و" الحرفى " أو " التاريخى " للنص إلى مفهوم " روحى " أكثر إحساساً لنمو إيمان وقداسة شخص المؤمن . لكن هناك نوعان من المخاطر فى هذا المنهج : الأول : يوجد خطر حجب أو طمس الإطار الجماعى والكنسى الذى فية يُضع تعليم المسيح أثناء التشديد على أهمية النص لكل مسيحى . اثانى : والأهم ، إنتقال مركز الثقل من المفهوم الأصلى المُعطى لأقوال يسوع بواسطة الانجيلى ، ووضعه حصرياً على نمو المؤمن الاخلاقى والروحى . لكن مثل هذا التحول هو لا مناص منه عندما نحاول ان نستقى من النص رسالة لعصرنا . الكتاب ، للمرة الثانية ، ليس هو مجرد سِجِل تاريخى لحوادث حدثت فى الماضى . الكرازة به ( والاحتفال به ) ينشيء علاقة شخصية بيننا وبين كلمة الله ، وهذة الكلمة ليست إلا شخص يسوع المسيح . لكى نقرأ أو نكرز ونحتفل بكلمته ، إذن وهبنا الله وسائل بنعمة وقوة الروح التى يُحتفل بهما فى حضن الكنيسة ، تصير أقواله القديمة حياة وشهادة لليوم . كما هو الحال مع كل شيىء فى الارثوذكسية ، الاتزان – توازن عادل – أمر ضروري . وهذا بالحرى الصواب فى مجال تفسير الكتاب . نحن نبدأ بالشاهِد الموجود فى الانجيل ونبذل كل محاولة لنستشف او ندرك ، بدقة واخلاص ، المعنى الاصلى للشاهد . ومع ذلك نتجاوز المعنى الحرفى ، ونسمع ونتغذى بكلمة الله المُحىّ الذى يتحدث لنا اليوم من خلال نص الكتاب المقدس ، لتحقيق ليس فقط " بيننا " ولكن فى داخل أعماق وجودنا ، قوة حضور ملكوت السموات .
OCA – Reflections in Christ :February2004



الاثنين، 6 يونيو 2011

21ـ عن المصطلحات والتعبيرات والمفاهيم في التعليم اللاهوتي
                     الاب رومانيدس - ترجمة د. جورج عوض
يشدد الآباء علي أن كل التعبيرات اللغوية والمفاهيم التي لدي الإنسان هي نتاج الفكر البشري. أي لا تنزل من السماء لا المفاهيم ولا التعابير الله لا يخلق هو ذاته في البشر لا المفاهيم ولا التعبيرات. ومن هذا الرأي يشدد الآباء علي أساس خبرة تألهم، أن كل لغة بشرية هي مصنوع بشري الإنسان هو ذاك، الذي يخلق اللغة يتواصل بها مع أخية في الإنسانية. اللغة الإلهية لا توجد. أي الله ليس لدية لغة خاصة به، والتي أعطاها للإنسان ولا الله يتواصل مع البشر بلغة ما خاصة، والتي يعطيها للذين يتواصلون ويصنعون شركة معه. اللغة هي نتيجة الإحتياجات البشرية. أي شُكِلت من البشر لتخدم علاقات وإحتياجات تواصل البشر.
بالتالي اللغة ليست هذا الذي يقوله دانتي Dante وبعض البروتستانت وكذلك أيضًا لاهوتي الفرنجة للعصور الوسطي ولا هذا الذي يقولونه المسلمون عن القرآن بأن اللغة والقرآن نزلا من السماء ويزعمون أنه في السماء يوجد القرآن غير المخلوق...الخ. لدينا علي هذا الموضوع المباحثة الهامة التي صارت بين القديس غريغوريوس النيصي والإفنوميين. الإفنوميين يؤمنون بأنه توجد لغة إلهية واحدة، والتي أعلنها الله للأنبياء. في هذه اللغة، قالوا، تنتمي أسماء الله التي ذكرها الأنبياء. بالتالي أسماء الله هي جوهر الله ـ بحسب الأفنوميون ـ وأن أسماء الله التي ذكرها الكتاب المقدس، هي تحمل مفاهيم تتماثل مع الحقيقة التي هي الله. مثل هذا الأمر بالطبع لم يحدث.
إذن وفق ما قلناه، لا نستطيع أن نميز بين اللغة الإلهية واللغات البشرية. لا توجد لغة إلهية ما بها تحدث الله للبشر. ولا توجد طريقة تجعلنا نميز ما هي الكلمات المناسبة للاهوت وما هي الكلمات غير المناسبة. لا يوجد تمييز واضح بين المصطلحات المسموح بها والأخري غير المسموح بها. المعيار الوحيد الذي يمكن أن يُستخدم في المصطلحات عن الله، هو معيار اللياقة (أي ما يليق). بمعني توجد أسماء التي ليس هي لائقة في الإستخدام عن الله، علي سبيل المثال: الله هو متشرد (حاشا)، بينما الأخري مناسبة ولائقة ويمكن إستخدامها عندما يتحدث أحد عن الله، علي سبيل المثال الله هو نور.
داخل هذا الإطار، كل المعرفة الآبائية التي هي إختبارية تمامًا، هي شيء، علي الأقل بالنسبة للأرثوذكس، ربما أيضًا لمسيحيين آخرين، هي مستخدمة كثيرًا، أيضًا وحديثة جدًا. لأن الآباء حين كتبوا ما كتبوه لم يكن لديهم شُبهات بأنه سوف يتطور تقليد غربي فيما بعد والذي تشكل بواسطة أُغسطينوس. لأن آباء الشرق لم يعرفوا أغسطينوس. لكن كل شيء عرفوه، لم يعطوا له أيضًا أهمية كبيرة علي الأقل في السنين الأولي. لم يكن قد قرأوا أغسطينوس ولا تخيلوا أنه سوف ينمو تقليد غربي كامل بين التتار Γότθων والفرنجة...الخ، والذي سوف يتخذ تعلم أغسطينوس قائد له، الذي إحتضن المعرفة الأفلاطونية، والأفلاطونية المحدثة والأرسطوية. حيث يعني أن معرفة أغسطينوس، أي منهج المعرفة التي طبقها كانت تمامًا مختلفة عن تلك التي لآباء الكنيسة، لأنها كانت معرفة أفلاطونية ـ أرسطوية تمامًا.
ذاك الذي يميز تعليم أغسطينوس من بقية تعليم الآباء، هو أن الأفلاطونية التي هي نماذج أفلاطون الأول ἀρχὲτυπα. أي كل ما في العالم هو نُسج من أصول أولي. طبعًا هذا هو شيء مرفوض عند الآباء، وليس مرفوض فقط بل يوجد أيضًا حِرمال من جسد الكنيسة أولئك الذين قبلوا نماذج أفلاطون هذه، لأن قبولهم هو شكل من أشكال عبادة الأوثان. اليوم لا أعرف إن كان يوجد أحد إنسان جاد يقبل هذا التعليم.
إذن وفق ما قلناه، يري المرء أنه بالنسبة للأرثوذكس لا يوجد تمييز بين العنصر العالمي (الدنيوي) والديني في نطاق المصطلحات. أي لا توجد كلمات دنيوية ودينية، بل فقط كلمات دنيوية تُستخدم في المفاهيم عن الله، يكفي أن تكون لائقة.
هكذا نري أن الله في العهد القديم، يهوة يُقدَّم كصخرة βράχος. هل الله هو صخرة؟ وفق فكر الفلسفة الأفلاطونية كان يجب أن يستخدم المرء فقط تعابير ذهنية أي مصطلحات بمحتوي ذهني وليس مادي مثل علي سبيل المثال عقل، قول، فكر، أقنوم، جوهر، ثالوث، وحدة ....الخ. لكن نري أن الكتاب المقدس يستخدم كلمات، مثل جبل، صخرة، حجر، ماء، سماء، شمس،...الخ. بمعنب، لو أخذنا العهد القديم، نري أنه يعطي أسماء كثيرة لله والتي ليست من شكل وطبيعة الإنسان، بل من الخليقة غير العاقلة. ألم يوصف فعل الله كسحابة ونيران ونور...الخ.
في التقليد العبري قبل الأنبياء وأيضًا عند الأنبياء كان من المعروف أن الله ليس لديه صورة في الخليقة المادية، أي أن الإنسان لا يمكن أن يصنع أيقونة لله. علي أي حال صورة الله في العهد القديم غير مسموح بها. لأجل هذا أيضًا، العبرانيون ليس لديهم صور في العهد القديم.
صورة الله الوحيدة والتي لا نظير لها هو كلمة الله الذي تأنس، أي المسيح. صورة أخري فيما عدا هو (المسيح) لا توجد لدي الله. الإنسان العادي ليس هو صورة الله. يسوع المسيح، الإله الإنسان هو صورة الله. فيما عدا المسيح (بحسب طبيعته البشرية) لا توجد صورة لله في العالم المخلوق.
إذن لأجل هذا السبب، لأن الله ليس لديه أي شبيه في العالم المخلوق ولأنه لا توجد في العالم المخلوق مفاهيم تُعطي لله وتتطابق معه، نحن أحرار لنأخذ علي أي حال أسماء ومفاهيم وننسبها لله، لكن بطريقة سلبيه ἀποφατικό. بمعني نعطي إسم لله من جانب ومن جانب آخر ننزعه منه. نقول، علي سبيل المثال أن الله هو نور. لكن نعمل في نفس الوقت النزاع قائلين إن الله هو أيضًا ضبابي (معتم). وهذا نقوله ليس لأن الله ليس هو نور، بل لأن الله يتخطي ويسمو فوق النور. الله ليس هو حرمان بل سمو وتخطي لكن هذه الأمور سوف تصير واضحة فيما بعد.
هنا لدينا إختلاف جوهري بين التعليم اللاهوتي السلبي لآباء الكنيسة والتعليم اللاهوتي السلبي للاهوتيين المدرسيين في العصور الوسطي في الغرب، الذي يوجد أيضًا في كتاباتهم. لو أخذنا مكتوب من عقيدة لاهوتي بابا روما، نري التناقض الآتي: يقولون إنه يوجد طريق بواسطته ننسب أسماء إلي الله، لكن أيضًا طريق آخر، الطريق الحِرماني والذي وفقه ننزع هذه الأسماء من الله، ليس حتى لا ننسبها له، بل لكي ننفي هذه الأسماء من كل أخطائها.
لكن مثل هذا لا يصير عند آباء الكنيسة، الذي منهجهم لإعطاء أسماء لله هو بسيط. أي يعطون أسماء وينزعون أسماء. أي يستخدمون التناقضات. هذا القانون يغير كل الفلسفة الأرسطوية. لأن الآباء يبطلون ناموس تناقضات أتباع أرسطو، عندما يتحدثون عن الله ويعطون لله التناقضات.
هذا يعني أن الآباء لم يقبلوا قوانين المنطق عندما كانوا ينشغلوا بالمواضيع اللاهوتية، أي الأمور الخاصة بالله. لماذا؟ لأن قوانين المنطق تسري فقط علي المخلوقات الله. بالنسبة لله لا تسري قوانين المنطق أو الفلسفة. أي نظام فلسفي لا يستطيع أن يُطبق علي الله، كذلك أيضًا أي نظام منطقي وكل الذين يظنون كيف بعلم الرياضيات يستطيعون أن يسيروا تجاه الله، بالنسبة للآباء لهو سذاجة لأنه بكل بساطة بين المخلوق وغير المخلوق لا يوجد أي تشابه. هذه التي تسري علي المخلوقات، لا تسري علي الله، غير المخلوق لأنه لا توجد قوانيين للمخلوقات تُطبق علي غير المخلوق.
إن كل ما يقولون الآباء عن الله لم يأتي من تأمل فلسفي أي الآباء لم يجلسوا علي مكاتبهم لكي يكتبون تعاليم لاهوتية هكذا بطريقة مدرسية (جدلية). لأن التحليق والتمعن الفكري στοχασμός ممنوع عند الآباء عندما يكتبون تعاليم لاهوتية. لأجل هذا، ينبغي أن يدرس المرء الكتاب المقدس بطريقة عاقلة وليس بالتأمل والتمعن والتحليق بالأفكار (بأن نحاول بالمنطق وبنزعه أن ندرك) بل بالصلاة. لكن أي صلاة؟ الصلاة الذهنية (القلبية). لأنه، عندما يأتي الروح القدس ويحل في الإنسان ويصلي في قلب الإنسان، عندئذٍ يستنير الإنسان ويصير قادر علي الفهم المستقيم لمفاهيم العهد القديم والجديد وينقاد من الإستنارة التي هي في الشركة.
وطالما يصل إلي الشركة، عندئذٍ يعرف من هذة الخبرة ذاتها ماذا تعني بالضبط التعابير والمفاهيم التي في الكتاب المقدس. بالتالي هنا نأتي إلي المفتاح التفسيري: التعابير والمفاهيم التي تُستخدم في الكتاب المقدس من المتألين الذين كتبوا الكتاب المقدس، كذلك أيضًا التعابير والمفاهيم التي يستخدمها الآباء في كتاباتهم هي موحي بها من الله بمفهوم أن كل هؤلاء لديهم خبرة الإستنارة أو التأله وعلي أساس هذه الخبرة كتبوا ما كتبوا. أي لأن لديهم هذه الخبرة، ما كتبوه هو موحي من الله: θεόπνευστο