الجمعة، 12 يوليو 2013

الملمح الرسولي لقانون الإيمان - عيد الرسل 2013


الملمح الرسولي لقانون الإيمان - عيد الرسل 2013

د. جورج عوض إيراهيم - عن كتاب صيغ اعترافات الايمان في الكنيسة الاولى - اصدار المركز الارثوذوكسي للدراسات الآبائية

      تستخدم الكنيسة نموذجين لاعتراف الإيمان

      1ـ قانون الإيمان بلغة العهد الجديد ومنسوب إلى الرسل: مثال لهذا النموذج "قانون الرسل" الذي هو صيغة إيمانية تستخدم في الغرب المسيحي، وهو يُنسب إلى الرسل الاثنى عشر منذ العصور المبكرة[1].

 

      2ـ قانون الإيمان المبني على أساس العهد الجديد ولكن كُتب بلغة ومفاهيم عصر معين لكي يواجه مشاكل وهرطقات جديدة لم تكن معروفة في الفترة الرسولية. مثال لهذا النموذج هو قانون إيمان نيقية ـ القسطنطينية. هذا القانون يمثل استمرارية لقانون الرسل ولكنه يحتوي على صيغة إيمان مضادة للآريوسية.

 

      كانت هناك الحاجة إلى "قانون إيمان" خصوصًا في الفترة الأولى التي سبقت تحديد قانون العهد الجديد. فالإحتياج كان إلى صيغ إيمانية. وعندما اختارت الكنيسة عدد من النصوص التي كانت بمثابة قانون العهد الجديد ظل هناك احتياج إلى صيغة جوهرية تعبّر عن جوهر ومحتوى نصوص العهد الجديد الغنية. هذه الصيغة اختلفت تفاصيلها باختلاف الكنائس، لكن ظل المحتوى كما هو في كل صيغ اعترافات الإيمان.

 

      إذًا ما هى البذرة المشتركة لكل صيغ الإيمان القديمة؟

      إن صيغ اعترافات الإيمان قد تمت بإلهام الروح القدس وترجع في بنيتها النصية إلى الرسل أنفسهم. هذه هى البذرة المشتركة في صيغ اعترافات الإيمان القديمة.

 

      لذا يقول القديس إيرينيوس (القرن الثاني الميلادي): [ رغم أن الكنيسة منتشرة في كل العالم، منتشرة في كل المسكونة من أقاصيها إلى أقاصيها، فقد استلمت من الرسل وتلاميذهم الإيمان بإله واحد، الآب ضابط الكل، خالق السماء والأرض والبحار وكل ما فيها، والإيمان بالمسيح يسوع الواحد، الذي هو ابن الله، الذي تجسد لأجل خلاصنا، والإيمان بالروح القدس الذي أعلن التدبير بواسطة الأنبياء، أى بمجيء المسيح وميلاده العذراوي وآلامه وقيامته من بين الأموات، وصعود ربنا المحبوب المسيح يسوع إلى السماء جسديًا، وظهوره ثانيةً من السماء في مجد الآب لكي يجمع كل الأشياء في نفسه ولكي يقيم أجساد كل البشر إلى الحياة، لكي تجثو للمسيح يسوع ربنا وإلهنا ومخلّصنا وملكنا كل ركبة، بحسب مشيئة الآب غير المنظور، ولكي يعترف كل لسان له، ولكي يجري دينونة عادلة للجميع ولكي يطرد أرواح الشر والملائكة الذين تعدوا وصاروا مضادين وكذلك الأثمة والأشرار ومخالفي الناموس والدنسين. يطرح الجميع في النار الأبدية، ولكن في نعمته سوف يهب الحياة ومكافأة عدم الفساد والمجد الأبدي لأولئك الذين حفظوا وصاياه وثبتوا في محبته سواء منذ بداية حياتهم أو منذ وقت توبتهم. هذه الكرازة وهذا الإيمان تحفظه الكنيسة باجتهاد رغم أنها مشتتة في كل العالم، تحفظه بكل اجتهاد كما لو كانت كلها تسكن في بيت واحد، وهى تؤمن بهذا وكان لها عقل واحد وتكرز وتُعلّم وكأن لها فم واحد، ورغم أن هناك لغات كثيرة في العالم، إلاّ أن معنى التقليد واحد، وهو هو نفسه. لأن نفس الإيمان تتمسك به وتسلّمه الكنائس المؤسسة في ألمانيا، وأسبانيا،و قبائل قوط، وفي الشرق وفي ليبيا وفي مصر، وفي المناطق الوسطى من العالم. ولكن كما أن الشمس وهى مخلوقة من الله، هى واحد، وهى هى نفسها في كل المسكونة، هكذا أيضًا نور كرازة الحق، الذي يضيء على كل الذين يرغبون أن يحصلوا على معرفة الحق ][2].

 

      إن قانون العهد الجديد واختيار 27 نص أو سفر ألزم الكنيسة أن تعطي قانون للإيمان يلخص العهد الجديد وفي نفس الوقت يحمل فوقه ختم الاثنى عشر رسولاً. هذا الإحتياج انسحب على الأربع أناجيل. وهذا ما يفسر وجود إنجيل يحمل اسم "الإنجيل الاثنى عشر رسولاً" الذي أُكتشف في سوريا. وهذا ما يفسر محاولات البعض في تكوين إنجيل واحد بدلاً من الأربع أناجيل. ماركيون الهرطوقي الذي اعترف بإنجيل لوقا فقط. بينما مجموعة أخرى يذكرها إيريناؤس اعتبرت إنجيل متى فقط هو القانوني[3]. والقديس ثيؤفيلوس الأنطاكي وكذلك تاتيانوس حاولا تجميع الأمور المتفقة بين الإنجيليين في كتاب واحد، وأُنقذ فقط كتاب تاتيانوس. ومحاولات إيريناؤس في إثبات وصحة وجود أربعة أناجيل يعكس جدية المشكلة التي كانت تواجهها الكنيسة[4]. لذلك قانون موراتوري أراد أن يثبت أن الإنجيل بحسب يوحنا قد كُتب تحت إشراف الاثنى عشر رسولاً.

      نفس الأمر يسري على "الديداخي" و "تعاليم الاثنى عشر تلميذًا" كلها كانت محاولات للتعبير عن محتوى يلخص العهد الجديد. لكن ولا "الإنجيل بحسب الاثنى عشر رسولاً" ولا قانون موراتوري لاقيا قبولاً.

 

الظروف التي أدت إلى ظهور صيغ اعترافات الإيمان

      كانت هناك قناعة بأن صيغ اعترافات الإيمان الأولى ترجع فقط إلى الحروب التي خاضتها الكنيسة ضد الهراطقة وإلى الاختلافات العقائدية التي كانت موجودة. والرأى الآخر يُرجِع هذه الصيغ إلى الاستخدام الليتورجي.

 

      الحقيقة أن هناك أسباب وظروف مختلفة حدثت في توقيت واحد قادت إلى وجود صيغ اعترافات الإيمان. على الأقل توجد خمسة أسباب ـ كما قال أوسكار كولمان ـ أدت إلى وجود صيغ اعترافات الإيمان:

      1ـ المعمودية والوعظ.

      2ـ العبادة الليتورجية.

      3ـ الاستقسام وإخراج الشياطين.

      4ـ الاضطهادات.

      5ـ الدفاع عن الإيمان ضد الهراطقة.

      ومن الجدير بالملاحظة أنه لا يستطيع أحد أن يُرجع صيغة اعتراف إيمان معينة إلى سبب واحد دون الأخذ ببقية الأسباب.

 

1ـ المعمودية والوعظ

      إذا انطلقنا من استخدام صيغ اعترافات الإيمان التي كانت واضحة في القرن الثاني، فإننا نجد أن القديس إيريناؤس كان متيقنًا بأن تعليم الرسل مستمر بغير تغيير في الكنيسة. هذا التعليم هو مصدر الإيمان وقاعدته، فهو قانون الحق، وقانون الحق هذا عند إيريناؤس هو قانون إيمان المعمودية، لأنه يقول نستلمه في المعمودية[5].

 

      إننا نستطيع أن نجد في العهد الجديد التأكيد على قانون الإيمان، ففي أعمال الرسل هناك عناصر أولية ليتورجية للمعمودية. وسؤال الخصي الحبشي ماذا يمنع؟ يعني هل هناك إعتراض أو مانع يمنع الشخص من أن يعتمد. وفيلبس يجيب موضحًا أن هناك سلسلة من الإجراءات الليتورجية: " إن كنت تؤمن من كل قلبك. فأجاب وقال أنا أؤمن أن يسوع المسيح هو ابن الله. فأمر أن تقف المركبة فنزلا كلاهما إلى الماء فيلبس والخصي فعمده ولما صعد من الماء خطف روح الرب فيلبس فلم يبصره الخصي...." (أع36:8ـ39). هذه واحدة من صيغ اعترافات الإيمان القديمة التي نعرفها.

      الإلتزام بأن يعترف المرء بإيمانه قد ظهر في موضع آخر في العهد الجديد بشكل اعترافي للجماعة المسيحية الأولى: 1بط18:3ـ22.

 

      " فإن المسيح أيضًا تألم مرةً واحدة من أجل الخطايا البار من أجل الآثمة لكي يقربنا إلى الله مماتًا في الجسد ولكن محيي في الروح. الذي فيه أيضًا ذهب فكرز للأرواح التي في السجن. إذ عصت قديمًا حين كانت أناة الله تنتظر مرة في أيام نوح إذ كان الفلك يُبنى الذي فيه خلص قليلون أي ثماني أنفس بالماء. الذي مثاله يخلصنا نحن الآن أي المعمودية. لا إزالة وسخ الجسد بل سؤال ضمير صالح عن الله بقيامة يسوع المسيح. الذي هو في يمين الله إذ قد مضى إلى السماء وملائكة وسلاطين وقوات مخضعة له " نجد في هذا الاعتراف أساسيات البند الثاني من قانون الإيمان النيقاوي: " صُلِبَ عنا على عهد بيلاطس البنطي وقُبر وقام من بين الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب. وصعد إلى السموات وجلس على يمين الآب". أما الكرازة إلى الذين في الهاوية فهي تشير إلى المعمودية. لذا نجد أن في النص إرشاد سريع عن المعمودية. وكذلك هذا يظهر أن قانون الإيمان أُستخدم في أثناء المعمودية.

 

      أيضًا في رسالة أفسس يُوجد إعتراف إيمان يُذكر فيه المسيح والله. مصطلح "معمودية واحدة" يظهر هذا الإستخدام الخاص إلى إستخدام إعتراف الإيمان في المعمودية، إذ يقول القديس بولس:       " رب واحد وإيمان واحد معمودية واحدة " افسس5:4.

      أيضًا في كتابات القديس أغناطيوس نجد صياغة خريستولوجية أكثر إتساعًا ويعتبر معمودية المسيح من الأحداث العظيمة في حياة المسيح:

      [ أُمجد يسوع المسيح الذي جعلكم حكماء. لقد أدركت أنكم قد بُنيتم بإيمان لا يتزعزع كأنكم مسمرون على صليب يسوع المسيح بالجسد والروح وثابتون بقوة في المحبة بدوم المسيح الذي هو حقيقة " من نسل داود بالجسد " (رو4:1)، وولد حقيقة من العذراء واعتمد من يوحنا " لتتم به كل عدالة " (مت15:3). وسمر من أجلنا على عهد بيلاطس البنطي وهيرودس رئيس الربع وبثمرة صليبه وآلامه المقدسة وجدنا الحياة وبقيامته (رفع رايته) (إش26:5) فوق العصور ليجمع قديسيه ومؤمنيه في اليهودية وفي الأمم في جسد واحد أي في كنيسته ] ( الرسالة إلى سميرنا I).

 

      نجد أيضًا قانون الإيمان يتكرر دائمًا في العبادة الليتورجية في الكنيسة الأولى.

 

      أيضًا يوستينوس الشهيد والفيلسوف في دفاعه الأول فصل61 يسجل صياغات إعترافية مختصرة كانت تقال "في الماء" مع إستدعاء للأسماء الثلاثة " الآب والابن والروح القدس".

      أيضًا ترتليان يشدد على أن المعمد يعترف بإيمانه وهو ينزل في الماء. De Spectacvlis,4  ، كما أنه يخبرنا أن هذا الحدث يتمم في شكل سؤال وجواب De Coronamil,3 قبل عِماد الإنسان المقبل على العماد وفيها يجيب قائلاً: أؤمن Credo .

 

2ـ العبادة الليتورجية المنتظمة

      أصبح من الضروري أن يعترف المرء بإيمانه في كل اجتماع للجماعة المسيحية الأولى وفق نص محدد. يعترف المؤمن مع إخوته أمام الله بأنه وحدَّهم معه. إنها عمل تعبدي ليتورجي كان موجودًا في المجمع اليهودي حين يُعلن بواسطة شخصShema معترفًا مع كل شعب إسرائيل بأن واحد هو الله (انظر تث4:6ـ9، 13:11ـ21، 37:15ـ41).

 

      إعتراف الإيمان يُقال في الليتورجيا الإلهية وأيضًا كل عمل ليتورجي في الجماعة المسيحية الأولى (قوانين هيبوليتس).

      صيغة من صيغ اعترافات الإيمان الأولى والتي كانت تُقال في عبادة الكنيسة الأولى هو بلا أدنى شك نص بولس الرسول المذكور في فيلبي 6:2ـ11 الذي هو بمثابة مزمور أو نشيد مسيحي لم يكتبه بولس بل أخذه من الجماعة المسيحية الأولى.

 

      إنه نشيد إعتراف إيماني بالمسيح في شكل ذات رتم، مصادره ـ من الواضح ـ ترجع إلى الكتابات الآرامية.

      يشير هذا النشيد لإخلاء المسيح وظهوره كإنسان عادي وتواضعه وموته فوق الصليب كذلك مجده ومجيئه " لذلك رفعه الله أيضًا وأعطاه اسمًا فوق كل اسم لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض. ويعترف كل إنسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب " (فيلبي 9:2ـ11. انظر إش 23:45).

 

      إن مصطلح "يعترف" هو بمثابة إختيار إرادي ومذكور في إشعياء (23:45) والنتيجة هي أن قمة إعتراف الإيمان هو "يسوع المسيح هو الرب" يُعترف به من الجميع في نفس الوقت، يعترف به من كل الموجودين في السماء، وفي الأرض والذين هم تحتها. على أي حال فإن هذا الإعتراف كان يُقال عن يسوع وأن إعتراف الإيمان هذا كان إعتراف موجز.

 

      لم تُقدم في أزمنة العهد الجديد صيغة إعتراف معينة كاملة في شكلها اللغوي لتكون بمثابة نص مقبول من كل المسكونة يعبر عن إعتراف الإيمان الخاص بالمسيح. بالنسبة للعبادة والكرازة أو الوعظ أستخدم نفس إعتراف الإيمان الذي ذكره بولس الرسول في (1كو3:15ـ7) والتي يؤكد عنها أنها ليست من إبتداعه بل إستلمها من الكنيسة الأولى والتي بالفعل قد تعلمها المؤمنون في كورنثوس في الأول أثناء إرساليته الكرازية وعِظاته الإرشادية.

 

      " فإنني سلمت إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضًا أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب. وأنه دفن وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب. وأنه ظهر لصفا ثم للاثنى عشر... " (1كو3:15ـ7).

 

      لقد أُستخدم نشيد فيلبي في العبادة بينما إعتراف الإيمان في الرسالة الأولى لكورنثوس يبدو أنه أُستخدم قديمًا للوعظ والكرازة.

 

3ـ إخراج الشياطين (الإستقسام)

      أُستخدم أيضًا إعتراف الإيمان في إخراج الشياطين وقد سلّمه لنا يوستينوس في حواه مع تريفو (3:30). كان ينبغي أن يُقال اعتراف الإيمان بالمسيح لكي " تطرد وتُسحق الشياطين في إسم ابن الله، بكر كل خليقة الذي وُلِدَ من العذراء مريم، إنسان قادر على الصبر والإحتمال، الذي صُلِب في عهد بيلاطس البنطي ومات وقام من بين الأموات وصعد إلى السموات" (الحوار مع تريفو2:85). ويشدد يوستينوس على أن سحق " كل الشياطين والأرواح الشريرة" يكون في اسم " ربنا يسوع المسيح الذي صُلِب في عهد بيلاطس البنطي" (الحوار مع تريفو6:76).

 

      الإعتراف بالرب وسلطانه ومملكته تحتل مكانه هامة ووضع خاص في الإستقسامات لأن لقب "الرب" ينتمي فقط إلى الله، إلا أنه أُعطي أيضًا للمسيح (انظر فيلبي10:3). هكذا فإنه له السيادة على كل القوات غير المنظورة بما فيها القوات الشريرة. لذا يذكر يوستينوس مصطلح "كيريوس" "الرب" في موضع يُشار للإيمان وللإستقسام كـ "رب القوات" (حوار1:85). كذلك يذكر ـ فيما بعد ـ العلامة أوريجينوس في كتابه ضد كيلسو (Contra Celsum, I,6 kai I,22) إن المسيحيين ينالون القوة لقهر الشياطين من جراء إستدعاء اسم يسوع في إرتباطه بأحداث معينة مذكورة أثناء حياته الأرضية.

 

      لقد كتب يوستينوس هذه النصوص التي أوردناها حوالي سنة 150م. لذلك نستطيع أن نقول أن إعتراف الإيمان هذا كان موجودًا من قبل ويرجع إلى عصر الرسل. وهذا ما يؤكده قول بطرس للمقعد " باسم يسوع المسيح الناصري قُم وأمشي " (أع6:3).

 

      هذا الإعتراف حيث اسم "المسيح" وكذلك لقب "الناصري" نجدهما في الإستقسامات التي كانت تمارسها الكنيسة فيما بعد.

      في عظة بطرس للشعب (أع13:3ـ16) تُنسب المعجزة إلى "اسم" ذاك الذي "سُلم" إلى اليهود "وأنكروه أمام بيلاطس البنطي" "ومات"و "الله أقامه من بين الأموات".

 

      أيضًا وفق الأناجيل الثلاثة الأولى نتحقق من أن الشياطين كانت تخضع للمسيح خضوعًا تامًا. ففي إنجيل مرقس، الشيطان يعترف قائلاً " أنا أعرفك من أنت قُدوس الله " (مر24:1). وأيضًا الأرواح النجسة تعترف " إنك أنت ابن الله " (مر11:3).

 

      أيضًا في نفس الإنجيل الشيطان نفسه يستحلف المسيح " ما لي ولك يا يسوع ابن الله العلي. أستحلفك بالله أن لا تعذبني... " (مر7:5).

      هذه الحقيقية هي واضحًا أيضًا في طقس صلاة المعمودية في كنيستنا، إذ يصلي الكاهن قائلاً: [ باسم الابن الوحيد يسوع المسيح فليعتق من كافة الشياطين، ومن سائر الأدناس. وليهرب من هذا الجسد كل ظلمة. وكل فكر قلة الإيمان فليهرب من هذه النفس. بإسم الابن الوحيد يسوع المسيح ربنا يطهر ويعتق من جميع الشياطين إلى الأبد. آمين ][6].

 

4ـ الإضطهادات

      إن مصطلح أعترف "Omologî" وكذلك مصطلح أشهد       "Marturî" قد استخدما في نطاق الإضطهادات. لدرجة أن فعل "أشهد" قد إكتسب مفهوم "أحمل شهادة". علينا أن نستعرض أقوال بولس في رسالتيه إلى تيموثاؤس خصوصًا (1تيمو13:6ـ14). "أوصيك أمام الله الذي يُحيي الكل والمسيح يسوع الذي شهد لدى بيلاطس البنطي بالإعتراف الحسن. أن تحفظ الوصية بلا دنس ولا لوم إلى ظهور ربنا يسوع المسيح" هذا النص يظهر كيف أن تيموثاؤس وقف أمام كثيرين في محكمة إذ يقول في عدد12: " جاهد جهاد الإيمان تمسك بالحياة الأبدية التي إليها دُعيت أيضًا واعترفت الاعتراف الحسن أمام شهود كثيرين ".

 

      هكذا هدف القديس بولس أن يستمر تيموثاؤس في الإعتراف والشهادة الحسنة أمام الرؤساء. وهذا يتطلب قوة شديدة وشجاعة وإيمان. فعليه أن يفعل ما فعله يسوع أمام بيلاطس. والإشارة إلى بيلاطس البنطي في قانون الإيمان يدل على أن المسيحيين في الفترة الأولى للمسيحية ـ دُعيوا لكي يعترفوا أمام ممثلي الحكومة الرومانية. الأمر الذي يجعلهم يتشجعون لكي يعترفوا عندما يتذكرون إعتراف يسوع الحسن أمام بيلاطس. لذلك كتبت الكنيسة الأولى إعتراف يسوع أمام بيلاطس في نص إعتراف الإيمان أثناء أزمنة الإضطهادات.

 

      لقد إستخدم المسيحيون إعتراف إيمان موجز هو : "يسوع الرب" هذا الإعتراف له أهمية خاصة جدًا حيث أن الدولة الرومانية كانت تطلق على المسيحيين إعتراف آخر سياسي مكون أيضًا من كلمتين "قيصر الرب". فمن المحتمل أن إعتراف الإيمان "يسوع الرب" أُستخدم في أزمنة الإضطهاد ليكون مضاد للإعتراف السياسي بأن "قيصر الرب" كما نادت الدولة الرومانية آنذاك. ولدينا التأكيد على أن يسوع هو الرب في الإعتراف الذي أورده بولس الرسول في رسالته إلى أهل فيلبي 6:2ـ11، وكذلك في صيغ إعتراضات الإيمان التي جاءت بعد ذلك أثناء الإستقسامات.

 

      إن الإعتراف بأن "يسوع الرب" يصادر أي إدعاء بأن أحدًا آخرًا هو الرب: مستحيل أن يكون قيصر هو الرب.

      وبسبب هذه الشهادة الحسنة بأن يسوع هو الرب قد إستشهد كثير من المؤمنين.

 

      وهذا الموقف قد أدهش الإمبراطور الذي وقف أمامه بوليكاربوس الشهيد، وتسائل: لماذا هو أمر مرعب أن يعترف أحد قائلاً "قيصر الرب" مفضلاً أن يقدم نفسه ذبيحة من أجل هذه الشهادة؟! (أنظر شهادة بوليكاربوس2:8). لذلك يتسائل ترتليان متهكمًا: حقًا أتؤمن أنه من المسموح لأحد من المسيحيين أن يقسم أمام شخص عادي ضد قسمه أمام إلهه ويرتبط برب آخر، في اللحظة التي فيها هو بالفعل إرتبط إرتباطًا أبديًا بالمسيح؟!!! (De Coroma Mil, II).

 

      العائق الذي يعوق المسيحيين عن الاعتراف برب آخر هو إيمانهم بأنه يوجد رب واحد هو الرب يسوع. هذا الإعتراف الموجز بأن "يسوع رب" يصبغ أي إعتراف مسيحي للإيمان. والرسالة إلى رومية لبولس الرسول تؤكد هذه الحقيقة (رو9:10).

      " لأنك إن إعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت ".

      فالمسيح الرب هو مركز أي إعتراف للإيمان. لدرجة أن الإيمان حُدد بأنه إيمان بالرب: (1كو2:1، كو6:2، أع36:2، 35:9، 17:11، 20:11).

      إن الإعتراف بالرب يسوع الوارد في العهد الجديد نستطيع أن نربطه بالإضطهادات والشهادة. وبالرغم من أن نص بولس الرسول الوارد في (1كو3:12). " لذلك أعرفكم أنه ليس أحد وهو يتكلم بروح الله يقول يسوع أناثيما. وليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس " لم يفسرها المفسرون على أنها مرتبطة بالشهادة أثناء الإضطهادات إذ إنها في مجال حديث بولس عن موهبة الألسنة، إلا أننا نستطيع أن نربطهما بالشهادة. إذ أن الروح القدس يكون حاضرًا أوقات الإضطهادات: " ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب. فكونوا حكماء كالحيات وبُسطاء كالحمام ولكن أحذروا من الناس. لأنهم سيسلمونكم إلى مجالس وفي مجامعهم يجلدونكم. وتساقون أمام ولاة وملوك من أجلي شهادة لهم وللأمم. فمتى أسلموكم فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون. لأنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون. لأنكم لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم " (مت16:10ـ20).

 

      على الجانب الآخر، نقرأ في شهادة بوليكاربوس (3:9)، حيث قال: كيف أجدف على ملكي الذي خلصني؟! وكذلك رسالة الحاكم بليني إلى الإمبراطور ترايان بأن المسيحيين تلقوا أمرًا من الرؤساء بأن يجدفوا على المسيح. ولم يكن كافيًا ومرضيًا أن يقدم المرء ذبيحة ويقول "قيصر الرب" بل على المسيحيين أن يقولوا أن المسيح أناثيما. وهذا يوضح ما قاله بولس في (1كو3:12) " ليس أحد وهو يتكلم بروح الله يقول يسوع أناثيما " فبالرغم من أن المضطهد ينال قوة من الروح القدس الذي يُعِينه على الإجابة والإعتراف الحسن أمام الرؤساء، بيد أنه في حالات كثيرة يقول المضطهد الذي فقد شجاعته يسوع أناثيما متحججًا بأن الروح القدس أخبره بأن يقول ذلك. لذا يقول بولس مضاد لقول هؤلاء بأن من يقول يسوع أناثيما ليس فيه روح الله.

 

5ـ الدفاع عن الإيمان ضد الهراطقة

      الدفاع عن الإيمان ومحاربة الهراطقة هي من ضمن العوامل التي أظهرت صيغ إعترافات الإيمان، وهي لا تمثل شيئًا غريبًا عن العهد الجديد. ومن الضروري أن نركز على رسائل أغناطيوس الشهيد. قد واجه أغناطيوس الخياليين الذي أنكروا التجسد الحقيقي للكلمة ونادوا بأن المسيح هو كائن إلهي لبسَّ فقط شكل الجسد. ونحن مديونون لإعترافات الإيمان التي أوردها أغناطيوس في نصوصه في مواجهة هذه الهرطقة. إلى سميرنا1، إلى أفسس2:18 ، إلى تراليان9، إلى مغنسيا11.

 

      لقد برَّهن أغناطيوس على حقيقة تجسد المسيح: " يسوع المسيح من نسل داود، ابن مريم، حقًا وُلِدَ وأكل وشرب وحقًا صُلب على يد بيلاطس النبطي ومات أمام القوات السماوية والأرضية والسفلية. وقام من بين الأموات..." إلى تراليان9.

 

      عند أغناطيوس، حقيقة أن يسوع وُلِدَ من العذراء مريم تمثل برهان على بشرية يسوع. ونستطيع أن نميز في نصوص أغناطيوس صيغ إعترافات كانت بالفعل موجودة في عصره لمحاربة بدعة الخياليين. كلمة حقًا " ×ntwj" وكذلك " أكل وشرب" هي كلمات تدل على حقيقة تجسد الكلمة استخدمتها الكنيسة لتحارب بها هذه البدعة.

      ومنذ عصر كتابة العهد الجديد نجد بالفعل اعترافات الإيمان التي صيغت لكي تواجه هذه البدعة. ففي الرسالة الأولى ليوحنا 4:2ـ3 "بهذا تعرفون روح الله كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو من الله. وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فليس من الله. وهذا هو روح ضد المسيح الذي سمعتم أنه يأتي والآن هو في العالم".

 

      أيضًا توجد صيغ اعترافات إيمانية في العهد الجديد ضد تعدد الآلهة أي الوثنيين، إذ يقول بولس الرسول " لكن لنا إله واحد الآب الذي منه جميع الأشياء ونحن له. ورب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء ونحن به " (1كو6:8).

      هذه الصيغة الإيمانية والتي فيها نجد الانتقال من الاعتراف ذو الصيغة الأحادية "يسوع الرب" إلى الاعتراف ذو الصيغة الثنائية "يسوع والله الآب" هي نتيجة مواجهة الوثنيين الذين كانوا يعتقدون بوجود آلهة وأرباب كثيرون.

      بنفس الطريقة إعتراف الإيمان الذي ذكرناه من قبل في (1كو3:15ـ8)، " فإنني سلمت إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضًا أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب. وأنه دفن وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب...................................... "

      قد استخدم هذا الاعتراف في الكرازة والوعظ. وكذلك هو مثال لمواجهة عدم تصديق اليهود لقيامة المسيح وإدعائهم بأن التلاميذ سرقوا جسده والحراس نيام (انظر مت18:28). كذا نجد في هذا الإعتراف كمّ من ظهورات المسيح. والتأكيد على قيامة المسيح والمؤسسة ليست فقط على ظهورات المسيح للتلاميذ وبعض الأشخاص بل على شهادة "القبر الفارغ".

      وإعتراف الإيمان الذي نجده في (1كو3:15ـ8) يظهر أن إعتراف الإيمان نفسه استخدم في مجالات مختلفة وبنفس الطريقة لدينا الإعتراف بيسوع الرب أثناء فترة الإضطهادات وأثناء العبادة وكذلك أثناء إخراج الشياطين. وحقيقة أن عوامل مختلفة ساهمت في صياغة إعترافات الإيمان لا يسمح لنا بأن نركز إهتمامنا فقط على صيغة إيمانية واحدة في أزمنة العهد الجديد.

هكذا كانت توجد صيغ إعترافات مختلفة وفق احتياجات الكنيسة المختلفة، كل جماعة ظهرت لكي تفتش في التقليد المسيحي على العناصر الأساسية لكي تطبقها لمواجهة حالات معينة كانت تنشغل بها.

 



2 يذكّرنا هذا الاعتراف بإقرار الإيمان الذي يقر به المعمد وهو متجه ناحية الشرق قائلاً: " أعترف لك أيها المسيح إلهي، وبكل نواميسك المخلصة وكل خدمتك المحيية وكل أعمالك المعطية حياة. صلوات الخدمات في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، الناشر مكتبة المحبة، القاهرة ص33.
3 ضد الهرطقات AH: 10:1-2 القديس إيرينيوس، كتاب الكرازة الرسولية للقديس إيريناؤس مع دراسة عن حياته وتعليمه، ترجمة ومقدمة وتعليقات وفهارس د. نصحي عبد الشهيد، د. جورج عوض إبراهيم، أغسطس 2005، ص24ـ25.
4 انظر ضد الهرطقات III, 11,7
5 انظر ضد الهرطقات III, II, 8
6 انظر ضد الهرطقات (1:9:4). أنظر إيرينيوس، المرجع السابق، صـ23. أيضًا قانون الإيمان الذي يستلمه المعمد أثناء المعمودية في كنيستنا هو: " أؤمن بإله واحد، الله الآب ضابط الكل. وإبنه الوحيد يسوع المسيح ربنا، والروح القدس المحيي، وقيامة الجسد، والكنيسة الواحدة الوحيدة المقدسة الجامعة الرسولية. آمين" (صلوات الخدمات في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، صـ33.
7 صلوات الخدمات في الكنيسة القبطية، الناشر مكتبة المحبة بالقاهرة، صـ33.