الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

ماذا عن القديس أغسطينوس وتعليمة؟ المطران يوحنا زيزيولاس- ترجمة د جورج عوض

ماذا عن القديس أغسطينوس وتعليمة؟ المطران يوحنا زيزيولاس

«Ορθόδοξος Τύπος» 4/8/2006 ترجمة د.جورج عوض ابراهيم                          
بعض اللاهوتيون يعتبرون القديس أغسطينوس هرطوقي زاعمين ان تعليمه عن الله هو تعليم غير آبائي. هكذا بحسب رأيهم ، بينما التعليم الآبائي هو أرثوذوكسي ، إلا أن  - في نظرهم - تعليم أغسطينوس هو هرطوقي. لكن لو ان الامور هي هكذا حقاً ، لماذا لم يتهمه أي أحد من الآباء بأنه هرطوقي. لأنه لم يُدان أبداً من المجامع المسكونية بأن تعليمه عن الله هرطوقي. أيضاً ، آباء الكنيسة بأنفسهم لم يدينوا أبداً تعليم القديس أغسطينوس ، إذن بأي منطق يزعم اللاهوتيون المعاصرون بأن تعليمه في مجمله هرطوقي ، هل هم أكثر حكمة من الآباء ويدركون أكثر منهم تعليمه الهرطوقي ؟ 
على هذا الموضوع – بحسب رأيّي – يسري الآتي : أي مسيحي ليس هو معصوم من الخطأ. من هذا القانون العام لا يُستثنى أحد ، لا الرسل ولا آباء ومعلمي الكنيسة ، ولا – بالأكثر – الكُتاب الكنسيين المتنوعين واللاهوتيون الأكاديميون. القديس ايرينيوس أسقف ليون ، بالرغم من أنه سحق بتعليمه هرطقة الغنوسيين المرعبة كان معضداً لأفكار المُلك الألفي. وبالمثل ، القديس غريغوريوس النيصي ، بالرغم من أنه ساهم جوهرياً في إدانة أتباع أريوس ، إلا أنه عضد تعليم " النار المطهره " و" رد كل شييء" واللذين رُفضا من التعليم الأرثوذوكسي . في هذة الحالات ، تختار الكنيسة فقط ، بتمييز شديد داخل عمل الآباء والكتاب الكنسيين ، التعاليم الآتية من استنارة الروح القدس ، أو تعبر عن أصالة إيمانها بأصالة ودقة. هذة التعاليم تقبلها وتعرفها كتعاليم أرثوذكسية وآبائية ومُلهمة وتضمها إلى تقليدها. لكن عندما تتحقق الكنيسة من أخطاء في أعمال الآباء والكتاب الكنسيين ، لا تسير في إدانة الذين أخطأوا كهراطقة ( فيما عدا التطرف الشديد والخاص بخلاص المؤمنين ) ، ايضا تحاول ان لا تتبع أخطائهم .
إذن لأجل هذة الأسباب تعليم القديس أغسطينوس – بينما من الواضح ، انها تحتوي كثيراً من الأخطاء – أبداً لم تعتبرها الكنيسة في مجملها كتعليم هرطوقي ، بينما القديس أغسطينوس لم يُدان من الآباء كهرطوقي ولا من الكنيسة . على النقيض ، أعماله ، بالرغم من أخطائها ، صارت محبوبة من المسيحيين عبر الأزمنة ، وتمثل حتى اليوم قراءات مفيدة ( خاصةً في الغرب ) . على هذا الأساس فالرأي القائل بأن تعليم القديس أغسطينوس تعليم هرطوقي هو رأي خاطيء .
دعونا في هذا الموضوع نأخذ مثال من الآباء الكبادوك ( باسليوس الكبير وغريغوريوس اللاهوتي ) ، بالرغم من انهم كانوا يعرفون أخطاء أوريجينوس اللاهوتية ، إلا أنهم درسوا أعماله وكانوا يقدرونه كرجل كنسي عظيم ومفسر ويعتبرونه اب روحي لهم ( جدة باسليوس الكبير ، ماكرينا كانت تلميذة القديس غريغوريوس العجائبي الذي كان تلميذ أوريجينوس ) ، وعرفوا النقاط  الارثوذكسية في تعليمه.

الجمعة، 18 نوفمبر 2011

هل من الضرورة الاستشهاد بنصوص كثيرة من أعمال الآباء لكي يحمل البحث الملامح الارثوذكسية ؟

 هل من الضرورة الاستشهاد بنصوص كثيرة من أعمال الآباء لكي يحمل البحث الملامح الارثوذوكسية ؟ المطران يوحنا زيزيولاس - ترجمة د جورج عوض

Ορθόδοξος Τύπος» 4/8/2006
بالتأكيد ، لا . لكي يُوصف النص بأنه أرثوذوكسي أو آبائي يجب ان يعبر عن أصالة ودقة روح تقليدنا الارثوذوكسي. هذا بحسب رأينا هو المعيار الوحيد الأكيد . من هناك وصاعداً ، كل لاهوتي ينبغي  ان يُظهِر استقامة وأصالة آرائه ، يمكن  عن قصد ، ان يذكر شواهد مكتوبة قليلة أو كثيرة من أعمال الآباء . لكن هذا زاد ومؤن تساعِد في عمله. لكن لو نصه لا يمثل تعبير دقيق وأصيل لروح تعليم القديسيين ، عندئذٍ ، حتى لو المكتوب مصاحب بشواهد كتابية وآبائية كثيرة ، تظل آرائه خاطئة.
على سبيل المِثال ، نصوص لاهوتية لشهود يهوة تحتوي على كثير من الشواهد الكتابية. لكن هذا لا يبرهن بمفرده بأنها تعبر عن أصالة ودقة تعليم الكتاب المقدس عن الله. على النقيض ، نصوص القديس سلوانس الأثونيتي ، على سبيل المثال ، والأب يوسف الهدوئي يستشهدون قليلاً من شواهد الكتاب أو الآباء. لكن بالرغم من ذلك ، هذة النصوص تعبر بأصالة ودقة عن روح التعليم الارثوذوكسي . لا يحتاج القديسون الاستشهاد بنصوص الكتاب المقدس او اعمال الاباء لكي يعلموا بتعليم الكنيسة لأنهم يعرفون التعليم اللاهوتي داخل خبرة الشركة ومعاينة الله .

الجمعة، 4 نوفمبر 2011

حوار مع المطران يوحنا زيزيولاس – 2 - الشخص وعقيدة الثالوث القدوس

حوار مع المطران يوحنا زيزيولاس – 2 - الشخص وعقيدة الثالوث القدوس
«Ορθόδοξος Τύπος» 4/8/2006 ترجمة د.جورج عوض ابراهيم                                         مفهوم الشخص هل هو نتاج التعليم الآبائي ؟


لكي ندرك إجابة السؤال ينبغي أولاً أن نرى بإيجاز الأفكار الهامة ، على الأقل الأفكار الدينية والاعترافات المسيحية الخاصة بهذا الموضوع . نستطيع ان نقسم هذة الافكار إلى ثلاثة مستويات ، كالآتي :
1-   الكائن الالهي المطلق والأول هو ليس شخص. الذين ينادوا بهذا الفكر هم أتباع الديانات الشرقية . في هذة الديانات نستطيع ان نُدخِل على سبيل المثال تعليم الهندوسية ، البوذية وديانتي الصين المعروفة : الكونفوشيوسية والتاواسموس. كل هذة الديانات تزعم بأنه بسبب أن مفهوم الشخص يمثل واحدة من صفات الوجود البشري ، وله ،بحسب النتيجة المنطقية ، ملمح نسبي ، لذا غير مناسب أن يُعطى هذا المفهوم للكائن الالهي المطلق. هكذا نُزع مفهوم الشخص عن وجود الله ويقدمون الله في تعاليمهم على أنه اله عالمي غير مشخصن وقاسي بلا شفقة " ناموس للعالم " والذي ينظم حياة البشر وتاريخ العالم . هذا الناموس الكوني غير المشخصن يعتبر بداية وغاية كل شييء ، تصف الهندوسية بتعليمهم عن " البراهما وآتمان " . البوذية بتعليمها عن " كارما سامسارا " ، وديانة الصينيين ( الصيني المسكوني ) بتعليمهم عن " تاين (السماء) وتاو (الطريق) . من الواضح ان هذة التعاليم تُجد في تضاد تام مع تعليم الكنيسة عن الله والشخص .
2-   الله هو شخص مطلق بمفهوم للشخص مفاده هو مجرد وعي ذاتي لكائن . المعضدين لهذة الفكرة هم على سبيل المثال اتباع اليهودية  . ايضا، من الأعترافات المسيحية ممكن ان ينضم فرق بروستانتية متطرفة مثل شهود يهوة ، بالرغم من ان هذة الديانات والفِرق - يقبلون وحدانية الله وفرادته ووجود الله الشخصي – يدركون المفهوم اللاهوتي للشخص كمجرد وعي ذاتي لكائن إلهي مطلق . على النقيض مع الديانات الشرقية ، إله الديانات اليهودية والاسلام وإعترافات شهود يهوة لديه وعي بوجوده ، والصفات الشخصية في علاقته بالانسان والعالم ( على سبيل المثال ، يسمع ، يرى ، ينظر ، يحب ، يدين بالعدل ، يصبر ...الخ ).
النقص الأساسي لهذا الفكر اللاهوتي ، هو ان الله لا يستطيع ان يعلن صفاته الشخصية في وجوده الأزلي ( أي في وجوده قبل خلق العالم والانسان ) ، بل مخلوقاته في حاجة لكي يعلنها. هكذا ، إذن ، على سبيل المثال ، لو أن الله يوجد كشخص يحب ( " الله محبة " 1يو16:4 ) ، عندئذٍ مَنْ أحبه الله قبل خلق العالم والانسان ؟ ولو أن الله في وجوده الازلي أحب ذاته أو نفسه ، عندئذٍ لماذا أعطانا المسيح وصية أن نحب ليس أنفسنا ( مثل الله ذاته للتشبه به ) بل قريبنا مثل ذواتنا ( لو27:10-28 ، لاو18:19) ؟ لو أيضا الله يسمع وينظر ، عندئذٍ لمَنْ يسمع ، مَنْ كان يراه قبل خلق العالم والانسان؟ بالتالي ، تعليم هذة الديانات والفرق عن الله كشخص مقارنةً بما يماثلها في تعليم الكنيسة نحكم عليه انه صحيح جزئياً لكنه تعليم ناقص لأنه يستقي مفهوم الشخص في حدود ضيقة لوعي الله الكائن ، ولأن هذا المفهوم لا يستطيع ان يفسر كمال مفهوم الشخص في أبدية وجود الله ( أزلياً ، بلا بداية ، بلا زمن ) .
3-   الله هو شخص مطلق ، بمفهوم الشخص ، ان يُحَدد كعلاقة. أتباع هذا الفكر اللاهوتي بحسب المفهوم العام ، هم أتباع التعليم اللاهوتي للكنيسة (اللاهوت الارثوذكسي) ، كذلك التعاليم المماثلة للأعترافات المسيحية الذين يقبلون ،على الأقل كأساس في تعليمهم  عن الله الشخص ، التعليم عن العقيدة الثالوثية . الله يوجد كثلاثة أشخاص في جوهر واحد ، أي الثالوث القدوس .
عقيدة الكنيسة عن الثالوث يمكن ان نلخصها في الآتي :
أ‌-       كل شخص في الثالوث لدية أسماءة الخاصة . يُدرّك بأن هذة الأسماء تُعطّى من جانبنا في محاولتنا ان نصف بكلمات مخلوقة وجود الله الأزلي. أي ليست هذة الأسماء هي غير مخلوقة أو أزلية . أسماء أشخاص الثالوث القدوس هي الآتي :
الشخص الأول : الآب
الشخص الثاني : الإبن ، الكلمة ، الحكمة ، القوة
الشخص الثالث : الروح القدس ، المعزي
ب‌- كل شخص من الثالوث القدوس لديه أقنومه الخاص أو خاصيته الأقنومية  والتي لا يشاركه فيها أي من الشخصين الآخرين وتميزه عنهما. أشخاص الثالوث لديهم كل شييء مشترك بينهم فيما عدا الخاصية الاقنومية لكل شخص على حده لأن هذه الخاصية هي التي تميز الواحد عن الآخر وتسمح لهم بأن يوجدوا كأشخاص حقيقيين ( أي كأقانيم مختلفة تؤقنم بطريقة فريدة مطلقة الجوهر أو الطبيعة الإلهية. الخواص الأقنومية للثالوث القدوس هي الآتي :
الشخص الأول : غير المولود ( لأن الآب ليس مولوداً من أي كائن آخر)            الشخص الثاني : مولود ( لأن الابن – الكلمة وُلِدَ من الآب )
الشخص الثالث : منبثق ( لأن الروح القدس هو منبثق فقط من الآب )
ت‌- من جهة علاقتهم مع الطبيعة الالهية ، كل أقنوم من الثالوث هو حامل كل الجوهر الالهي وفي نفس الوقت هو بمفرده  الله. أي الجوهر الالهي ينتمي بالكامل " في نفس الوقت " لأقانيم الثالوث القدوس .بالتالي الأقانيم الثلاثة ليسوا هم ثلاثة آلهة مختلفين ( أي ثلاثة جواهر منفصلة كما يزعم أتباع المونارخية و أتباع آريوس بل ولا ثلاثة طرق لظهور أقنوم الآب في التاريخ وفي حياة الكنيسة أي ثلاثة " أقنعة " بواسطتها الله الواحد يلعب أدوار مختلفة كما زعم سابليوس .
ث‌- أقانيم الثالوث تُوجد كإله واحد لأن بينهم لا يتوسط المكان والزمان . تحليلياً ، المكان والزمان هما أبعاد مخلوقة خُلقت من الله في بداية خلق العالم. بالتالي في الوجود الأزلي للثالوث ( قبل بداية العالم والانسان ) لم يكن يوجد لا مكان ولا زمان . كان يوجد فقط  الثالوث غير المخلوق وغير الزمني والذي لا بداية له ، حيث غاب أي مفهوم للمكان والزمان ، والزمان والمكان كأبعاد مخلوقة  تُحتّوي بين المخلوقات وتخلق "مسافات" بينهم . هكذا  ثلاثة أشخاص من البشر يمكن ان يوجدوا داخل أبعاد المكان والزمان كثلاثة من البشر مختلفين عن بعضهم . على سبيل المثال ، بركليس واسكندر الكبير والامبراطور الروماني نيرون هم ثلاثة أشخاص واحد فى الجوهر او لهم نفس الجوهر ولأن بُعد الزمن يتوسط بينهم  يُمكن ان يُدركوا كثلاثة أشخاص مختلفين . بنفس الطريقة ،" يني" الذي يعيش في أمريكا ، و"كوستا" الذي يعيش في اليونان ، و"نيكوس" الذي يعيش في إستراليا هم ثلاثة  أشخاص  من البشر لهم نفس الجوهر الواحد ، ولأن بُعد المكان يتوسط بينهم يمكن ان يُدركوا كثلاثة أشخاص من البشر مختلفين . ما الذي كان سيحدث لو ان المكان والزمان لم يتوسطا بين بيركليس وأسكندر الأكبر والامبراطور نيرون ، وكوستا ويني ونيكوس ؟ عندئذِ الستة أشخاص هؤلاء المختلفين عن بعض سوف يوجدوا كأنسان واحد بستة أشخاص . هذا يحدث في الثالوث القدوس غير المخلوق والأزلي . لأن في وجود الله الأزلي لا يوجد زمان ومكان ، أي " مسافة " لا تُفرض بين الآب والابن والروح القدس وهكذا الثلاثة أشخاص يوجدوا بكونهم إله واحد .
ج‌-    من جهة العلاقة بينهم ، أقانيم الثالوث لها وحدة مطلقة للجوهر ، للأفعال وللإرادة. هذة الوحدة تُعبر لاهوتياً بمصطلح " الأحتواء المتبادل " . وحدة الارادة هي التعبير الوجودي " الأنطولوجي" للمحبة المطلقة التي تربط أقانيم الثالوث القدوس . الثالوث القدوس هو في الأساس شركة محبة ، شركة محبة لأقانيم الطبيعة الالهية المساوية في الجوهر. ببساطة ، المحبة التي توحد الثالوث القدوس هي محبة كاملة ومطلقة ، لدرجة أنه من المستحيل ان لا يتفقوا معاً . وحدة إرادة الثلاثة أقانيم للثالوث القدوس كتعبير للمحبة المطلقة التي تربط فيما بينهم  وكذلك كتعبير وجودي لطريقة حياة المحبة التي بها أقانيم الثالوث أختاروا بحرية ان يوجدوا مؤقنمين الطبيعة الالهية ( المحبة هي الطريقة التي بها يوجد الشخص ) تمثل بحسب رأييّ النقطة الأساسية لتعليم الكنيسة عن الله والشخص ، الشخص حُدِدَ – للمرة الأولى في التاريخ – كعلاقة . بالتالي مفهوم الشخص حُدِدَ كعلاقة ( أي كشركة محبة لأقانيم الثالوث المساوي في الجوهر ) إنه نتاج وحصاد التعليم اللاهوتي الأرثوذوكسي ، لأن هذا التعليم هو الذي يميز تعليم الكنيسة عن الله والشخص عن التعاليم المماثلة لكل الديانات الأخرى والمجموعات المسيحية التي لا تقبل عقيدة الثالوث القدوس  . بالتالي تعاليم اعترافات الايمان المسيحية التي تقبل عقيدة الثالوث القدوس كذلك تعاليم الآباء والكُتاب الكنسيين هي صحيحة بقدر ما ترتبط بتعليم الكنيسة عن الله والشخص وتصيغها بأصالة ودقة .