الأحد، 12 أبريل 2015

تدبير الخلاص عند القديس غريغوريوس الللاهوتي

تدبير الخلاص
عند القديس غريغوريوس اللاهوتى

د. جورج عوض


عندما يتعرض القديس غريغوريوس اللاهوتى لموضوع الخلاص، يركز دائمًا على مراحل التدبير الإلهى الثلاثة وهي: الخلق والسقوط والفداء. لذا علينا أن نتتبع معه هذه المراحل لكى نفهم تعاليمه عن الخلاص.

أولاً: الخلق :
1 ـ الله هو أزلى وكائن قبل كل الدهور :
          " مستحق وعادل. مستحق وعادل. مستحق وعادل. مستحق بالحقيقة وعادل. أن نسبحك ونباركك، ونخدمك، ونسجد لك، ونمجدك. أيها الواحد وحده الحقيقي، الله محب البشر، الذى لا يُنطق به، غير المرئي، غير المحوى، غير المبتدئ، الأبدي، غير الزمني،  الذي لا يُحد، غير المفحوص، غير المستحيل، خالق الكل " (القداس الغريغوري)
يقول أيضًا القديس غريغوريوس: [ الله كان دائمًا ويكون وسيكون بل قُل هو كائن ويكون دائمًا. لأن قولنا "كان" و"سيكون" هى مقاطع زمنية من طبيعتنا الزائلة. أما قولنا: إن الله كائن موجود وواجب الوجود فيعبر عن الأزلية، وبهذا المعنى سمى الله ذاته عندما ظهر لموسى على الجبل ][1].
          ويشدد القديس على أزلية الله لكى يُظهر أنه من طبيعة أخرى تختلف اختلافًا جذريًا عن طبيعة بقية المخلوقات، فجوهر الله يُشبه [ المحيط الذى لا يحده حد ولا نهاية له، ويتجاوز كل معنى للزمان والطبيعة المادية ][2].
          ويؤكد القديس على أن الله لا يمكن إدراكه ولكن [ يستشفه العقل بعض الاستشفاف]، وذلك لكي يُعطى للعقل دافع وحافز لينجذب إلى الله، لأنه حسب رأيه [ عدم إدراكه كليًا فيه إحباط وفشل وخيبة أمل من الدنو منه][3]. وهكذا احتجاب الله عنا كما يقول القديس غريغوريوس: [ يوّلد فينا ـ من جهة ثانية ـ الإعجاب به والتطلع إليه، وبالشوق والتطلع إليه يطهرنا وينقينا، وبالتنقية والتصفية يجعل عقولنا عقولاً متألهة][4].
          وعندما يتحدث القديس غريغوريوس عن الله، فإنه يقصد الله الثالوث الآب والابن والروح القدس، ويحذرنا القديس من أن الألوهية لا تفيض خارج الثالوث، حتى لا نقع فى الاعتقاد بتعدد الآلهة، وأيضًا يحذرنا من المناداة بالضمور فى واحد حتى لا نُتهم بقبول ألوهية فقيرة هزيلة: [عندما أقول الله أعنى به الآب والابن والروح القدس، والألوهية لا تسيل ولا تتوزع خارج هؤلاء الثلاثة ، فلا يُستطاع القول بآلهة كثيرة، كما أنها لا تتحدد، ضمورًا، بأحد الثلاثة حتى لا نُتهم بقبول ألوهية فقيرة هزيلة. وفى هذا لا يُقال إننا يهود بسبب توحد الآلهة. ولا يُقال إننا يونانيون بسبب تعدد الآلهة ] [5].
2 ـ دافع الخلق عند الله :
            " قدوس، قدوس، قدوس أنت أيها الرب وقدوس فى كل شئ، وبالأكثر مختار هو نور جوهريتك، وغير موصوفة قوة حكمتك، وليس شيئًا من النطق يستطيع أن يحد عمق محبتك للبشر" (القداس الغريغوري).
          يؤكد القديس غريغوريوس، مثل كل الآباء الشرقيين أن دافع الله للخلق هو صلاحه وإحسانه، فالخلق هو [ برهانًا على فيض الصلاح الإلهى غير المتناهى ][6].

3ـ الله يخلق أولاً الخليقة الروحية (العقلية) ثم الخليقة المادية:
                (أ) الخليقة الروحية:
          خلق الله أولاً الملائكة والقوات السماوية، وعند القديس الخلق يصير بالكلمة ويتكمل بالروح القدس. أما عن هذه المخلوقات فيصفها القديس بأنها عالم جديد جميل [ وجُعلوا خدامًا وحاشية للجمال الإلهى الأول] [7].
          أما عن طبيعة هذه المخلوقات فيقول عنها إنها " أرواحًا عقلية أو نارية بطريقة ما، بدون مادة وجسد" [8].
          أما الأمر الهام الذي يشدد عليه القديس بخصوص هذه المخلوقات هو هل كانت لدى هذه المخلوقات ميل ناحية الخير والشر أم لا؟ عن هذا التساؤل الهام يجيب القديس مؤكدًا على أن هذه المخلوقات كانت لديها ميل وتحرك نحو الخير وأنها خُلقت بغير شر، ولكن يقر القديس بأنها كانت صعبة التحرك نحو الشر ولكنها ليست مطلقًا بغير تحرك نحو الشر. ويبرهن على ذلك بكوكب الصبح (يوسيفوروس) الذى صار ظلمة بسبب كبريائه وأيضًا القوات التى أرسلها برئاسته، ابتدعوا الشر وسقطوا مبتعدين عن الله، وجلبوا شرهم على البشر أيضًا[9].

                (ب) الخليقة المادية:
          لقد خلق الله خلقًا ثانيًا ماديًا ومرئيًا، ويصف هذا العالم بأنه عالم متناسق يستحق كل إعجاب بسبب كمال كل جزء على حدة، ويؤكد القديس بأنه أكثر إعجابًا بسبب التناسق والتوافق بين كل جزء فيما بينهما، إذ يشكلون مجموعة واحدة متناسبة. ويركز القديس على الاختلاف بين المخلوقات الروحية والمخلوقات المحسوسة، فالأولى تدرك بالعقل، أما الثانية تُدرك بالإحساس[10].

4 ـ خلقة الإنسان :
            " خلقتني إنسانًا كمحب للبشر، ولم تكن أنت محتاج إلى عبوديتي بل أنا المحتاج إلى ربوبيتك، من أجل تعطفاتك الجزيلة كونتني إذ لم أكن " (القداس الغريغوري)
          يؤكد القديس غريغوريوس، أنه قبل أن يُخلق الإنسان كانت الخليقة العقلية والخليقة المحسوسة فى حالة انفصال تام، إذ ظل كل منهما فى طبيعته يحملان عظمة الكلمة الخالق. ومقاصد الله كانت أن يخلق الإنسان فى وحدة بين العقل والمادة، بين المادة المنظورة والمادة غير المنظورة. ويشرح قصة خلق الإنسان كما جاءت فى سفر التكوين قائلاً: [ بعدما خلق الله من المادة الكائنة جسدًا، وبعدما وضع فيه نفخته (التى حدد الكلمة أن تكون نفسًا عقلية وصورة لله)، أقامه فى الأرض كعالم كبير فى صغره أو كملاك سماوى متسربل ثوبًا بشريًا ] [11].
          وتصلى الكنيسة بالقداس الغريغوري لتؤكد على ذلك قائلة: [ أقمت لي السماء سقفًا وثبّت لي الأرض لأمشي عليها. من أجلى ألجمت البحر، من أجلي أظهرت طبيعة الحيوان، أخضعت كل شئ تحت قدمي، لم تدعني معوزًا شيئًا من أعمال كرامتك. أنت الذي جبلتني ووضعت يدك عليَّ، ورسمت فيَّ صورة سلطانك ووضعت فيَّ موهبة النطق وأعطيتني علم معرفتك أظهرت ليَّ شجرة الحياة وعرفتني شوكة الموت].

5 ـ قصد الله من الإنسان :
          يشرح القديس بالتفصيل قصد الله من الإنسان من خلال خطين متوازيين (الخط الروحى والخط المادى)، أى الرتبة الكهنوتية والملوكية، قائلاً: [ جعله حارسًا على الطبيعة المنظورة وخادمًا روحيًا للطبيعة غير المنظورة، ملكًا على موجودات الأرض، ومحكومًا فى نفس الوقت بحكم السماء، أرضيًا وسماويًا معًا، مؤقتًا يسيرًا وخالدًا، منظورًا ومعقولاً، كائنًا فى منزله بين منزلتى العظمة والدعة بين الروح والجسد. الروح بالنعمة والجسد لإمكان النهوض، والسمو بالواحد ليعيش ويمجد المحسن، وبالآخر يعانى ويحتمل، ليذكر ويتربى بالشوق والوجد مستهدفًا الارتفاع إلى العظمة فى مراتبها. الإنسان مقيم فى الأرض، ولكنه ينتقل إلى عالم آخر، وفى نهاية السير والمطاف يصير إلهًا[12] من شوقه إلى الإله والتأله. لأنه، بحسب رأيى، إلى مثل هذه النتيجة، يقودنا بهاء الحقيقة المعتدل، البهاء الذى يظهر لنا فى الأرض، أعنى فى أن نرى ونستشعر بهاء الله وجلاله، بهاء من جعل مُرَكبنا من الروح والمادة والذى سيحل هذا المركب ثم يعيد تركيبه على وجه أبهى وأمجد][13].
          إنه واضح جدًا أن الله خلق الإنسان وأعطاه الرتبة الملوكية والتى يُشار إليها بجعل الإنسان حارسًا على الطبيعة، والرتبة الكهنوتية التى يُشار إليها دائمًا فى كلام القديس غريغوريوس بالتوجه الروحى للإنسان نحو السماء، نحو الله، والتشبه بالله والاستشعار الدائم بجلال وبهاء الله .
          ويؤكد القديس على هوية الإنسان الأساسية التى هى فى السماء، وعلى مسيرة الإنسان التصاعدية نحو الله بدون أن يُغيّب أو يُسطح مهمة الإنسان على الأرض، بل على العكس يؤكد على أن الإنسان هو سماوى وأرضى، ولكن يشدد على وجود الإنسان المؤقت على الأرض وخلوده فى السماء .

ثانيًا: سقوط الإنسان :
            " غرس واحد نهيتني أن آكل منه، فأكلت بإرادتي وتركت عني ناموسك برأيي. وتكاسلت عن وصاياك. أنا اختطفت لي قضية الموت " (القداس الغريغوريوي)
          يعطى القديس غريغوريوس بُعدًا جديدًا للوصية التى أُعطيت للآباء الأولين، مدللاً على أن " شجرة المعرفة " لم تُغرس بقصد سئ، ولا مُنعت عن آدم بسبب الغيرة والحسد. فالشجرة عند القديس هى [ مرأى الله، أو رؤية الله التى كان من الممكن أن يقترب أو يدنو منها أولئك الذين بلغوا الكمال بالتدرب والمران ] [14].
          وبذلك يشير القديس هنا على أن آدم كان فى طريقه إلى الكمال ولم يُخلق كاملاً تمامًا وهذا ما نادى به إيريناؤس من قبل، إذ يؤكد غريغوريوس فكرته هذه قائلاً: [ لم يكن من الحسن لغير المختبرين أن يأكلوا، وهم غير قادرين على الأطعمة القاسية التى لا تنفعهم، إذ هم محتاجون إلى اللبن الحليب] [15].
          وبالرغم من ذلك لا ينسى القديس أن يشرح أسباب السقوط ويلقى على الشيطان وعلى ضعف الطبيعة البشرية مسئولية السقوط قائلاً: [ولكن بسبب حسد الشيطان وضعف حال المرأة التى خضعت لإغراء الحية والشيطان، نسيت الوصية التى أُعطيت لها، فطُرد الجدان الأولان من الفردوس، ولبسا ألبسة جلدية (لعلها سماكة اللحم القابل الزوال المعاكس للحال الأول). وبأول نتائج هذه السقطة تدرك المرأة والرجل حال الخجل والحياء ويختفيان من وجه الله ] [16].
          والجدير بالملاحظة أن القديس غريغوريوس لا يجد فى طرد الأبوين الأولين عقابًا لمجرد العقاب، ولكن إحسانًا وخيرًا للبشرية إذ يقول: [يربح الإنسان الأول من هذه النتيجة: أنه يصبح مائتًا، وأنه يقطع عليه طريق الخطيئة، لكي لا يبقى الشر خالدًا عادم الزوال. وهكذا يصير العقاب إحسانًا وخيرًا للبشرية][17]. وهذا ما تؤكده الكنيسة فى قداس القديس غريغوريوس : " حولت لي العقوبة خلاصًا ".
          ويشرح القديس بإسهاب كيف أن الله يسمح بالعقاب بغرض زوال الشر نفسه، ويصف هذه الأمور بأنها أدوية ضعيفة، لذا احتاج الإنسان إلى أدوية قوية للأمراض الرهيبة. وبذلك لا يحصر القديس نفسه فى الفهم القانوني للسقوط، الرأي الذي يختزل السقوط فى أنه مجرد مخالفة لوصية الله. فالقديس يتكلم عن السقوط على أنه مرض أصاب الطبيعة البشرية، لذا تصلي الكنيسة قائلة: " ربطتني بكل الأدوية المؤدية إلى الحياة". يوضح القديس غريغوريوس هذه الحقيقة قائلاً: [ لأني أنا أعتقد بأن الله يجازي هكذا مثل هذا الجزاء، وينساب تاريخ السقطة والعقاب بالخطايا والمآثم والإحسانات، والتهديد والوعيد، والعقوبات والغرق والسيول، والحرائق، والحروب، والانتصارات والإنكسارات، وعلامات السماء، وعلامات فى الريح والأرض والبحر، وتغيرات غير متوقعة فى الهيئة البشرية فى المدن والشعوب، وكل الأمور التي كان يسمح ويقصد بها زوال الشر. وبعد كل هذا تبقى الحاجة إلى أدوية أقوى فعلاً لهذه الأمراض الرهيبة، من جرائم قتل الأخ، والزنى، والخبث، والشهوات الشاذة، والانحرافات الأخلاقية والتى أقواها جميعًا عبادة الأوثان، ونقل العبادة من الخالق إلى المخلوق][18]. هكذا السقوط لم يكن مخالفة قانونية، ولكن انحراف الإنسان عن الهدف المرسوم له والابتعاد عن مصدر حياته الذى هو الله، وبذلك لم يحقق الإنسان القصد الإلهي من وجوده الذي شرحناه فى عنصر الخلق. وابتعاد الفرع عن الجذر سبب له ضعف وضمور ومرض، لذا ـ بحسب رأي القديس غريغوريوس ـ احتاج الإنسان إلى أدوية قوية تقوده إلى الحياة.

ثالثًا : الفداء :
" أنت يا سيدي حولت لي العقوبة خلاصًا. كراعٍ صالح سعيت فى طلب الضال. كأب حقيقي تعبت معي أنا الذي سقط. ربطتني بكل الأدوية المؤدية إلى الحياة "
(القداس الغريغوري)
          عندما يشرح القديس غريغوريوس موضوع الفداء، لا يتعرض من قريب أو من بعيد للشق القانونى الذى ظهر فيما بعد فى الغرب المسيحى، لكن كما سبق أن أشرنا السقوط عنده هو مرض أصاب الطبيعة البشرية، لذا عبارة القداس الإلهى المسمى باسمه " ربطتنى بكل الأدوية المؤدية إلى الخلاص " تُفهم من خلال هذا الإطار. فالمسيح عنده هو الطبيب الشافى لنفوسنا وأجسادنا . ويركز القديس على هوية الكلمة المتجسد، وحقيقة كونه إله، إذ يقول [ وبما أن الإنسان صار ذو حاجة إلى معونة أكبر فتُعطى له من قِبل الله. كان المعين هو الكلمة يسوع المسيح نفسه الأزلى غير المنظور الذى لا يُحد ، البدء والآتى من البدء الأول، النور الآتى من النور، نبع الخلود ونبع الحياة، صورة الجمال الأول، الختم الذى لا يتغير، الصورة التى تشابهها صورة، كلمة الآب ونطقه ] [19].
          ويشرح القديس التجسد بحسب القول الشائع عند الآباء: [ أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له ]، وهذا تم عندما صار الكلمة إنسانًا كاملاً،  إذ يقول: [أجل هذا (الكلمة) يدخل فى الصورة ذاتها ويلبس جسدًا من أجل الجسد، ويأخذ نفسًا روحية من أجل نفسي منقيًا هكذا الشبه بالشبه، شبهي أنا بشبهه، ويصير فى كل شئ إنسانًا كاملاً ما عدا الخطيئة. يولد من العذراء التي كان قد قدس نفسها وجسدها قبلاً بالروح القدس (لأنه وجب أن تُكرّم الولادة ولكن أن تُكرّم قبلها بتوليتها)، ويبقى المسيح إلهًا بعدما أخذ الطبيعة الإنسانية، صائرًا واحدًا من العنصرين المتغايرين من الجسد والروح ][20].
          ودائمًا ينظر القديس إلى الوحدة بين الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية فى شخص المسيح بنظرة إعجاب ودهشة، إذ يقول: ] يا لها من وحدة جديدة مستحقة الإعجاب والتعظيم! يا له من مركب إلهي غريب عجيب! غير المخلوق يخلق، وغير المحدود يصير محدودًا بواسطة النفس العقلية التى تتوسط بين الألوهية والطبيعة المادية طبيعة الجسد. والذي يوزع الغنى يصبح فقيرًا! لأنه يصير فقيرًا بحسب ما يأخذ جسدي على ذاته لأصبح أنا غنيًا بألوهيته. وذاك الذي هو بطبيعته مليء، يفرغ ذاته من مجده لوقت محدد لأذوق أنا الملء والسعة. يا لغنى الصلاح! يا للسر الذي يغمرني! أخذت الصورة الإلهية ولم أستطع أن أحافظ عليها ويأخذ المسيح جسدي. ولكي يحفظ الصورة، بل لكي يجعل جسده خالدًا. يأتي إلىّ، تقرب مني تقربًا أغرب وألزم من التقرب الأول. وبقدر ما أعطي أولاً الأفضل يأخذ الآن الأسوأ. وهذا ما هو أليق بالألوهة وبالله عند الذين يميزون تمييزًا رفيعًا][21].
          واضح جدًا أن القديس يشدد على عنصر الإخلاء فى عمل المسيح الخلاصي ونفس المعنى نجده فى القداس الإلهي للقديس: " أيها الغير المحوى إذ أنت الإله لم تضمر اختطافًا أن تكون مساويًا لله، لكن أخليت ذاتك وأخذت شكل العبد، وباركت طبيعتي فيك ".
          يلخص القديس غريغوريوس التدبير الخلاصى فى عظة له عن الثيوفانيا بكلمات واضحة ومختصرة مبينًا كيف أن الله خلق الإنسان، لكى يربط بين السماء والأرض ويملأ العالم بمجد الله، لقد أكرم الله الإنسان بالصورة الإلهية.  وعندما يتعرض لمسألة السقوط يؤكد على أن الإنسان سقط فى الخطية بحسد إبليس. لكن الأمر الهام هو أن موقف الله تجاه الإنسان الساقط لم يكن سلبيًا بل على العكس كان إيجابيًا ، إذ يقول القديس: " لم يتغافل عنه ولم يهمله " [22].
          أما عن طبيعة هذا الخلاص وملامحه، يتحدث القديس غريغوريوس عن تجديد الطبيعة البشرية وذلك بتجسد الله وتأنسه: [ ابن الله يرتضى أن يصير إنسانًا ويسمى ابن الإنسان! لا يعنى هذا أنه تغير مما هو عليه، فهو غير متغير، بل اتخذ ما لم يكن له (لأنه محب للبشر) فيصير غير المُحوى محويًا، ويخاطبنا بالجسد كما هو وراء الحجاب. لأن الطبيعة البشرية الخاضعة للفساد لا تستطيع أن تحتمل ألوهيته إذا ظهرت. ولذلك اتحد الشيئان المتضادان: الولادة مع البتولية، وغير المتألم مع الألم، وغير المائت مع الجسد المائت] [23].
          وعندما يتكلم القديس غريغوريوس عن نصرة المسيح على الشيطان، يحدثنا عن مقابلة رائعة، إذ يشرح كيف أن الشيطان أسقط الإنسان بالخداع، وبالخداع أيضًا سقط هو بظهور المسيح، إذ عندما أراد أن يهاجمه اصطدم بالله: " وبما أن مخترع الشر ظن أنه لا يُغلب ما دام قد خدعنا، انخدع هو ذاته بظهور المجد بمهاجمته لآدم الجديد فاصطدم بالله، وهكذا خلّص آدم الجديد آدم القديم، وحل دينونة الجسد مميتًا الموت بالموت " [24].
وهكذا بالفداء قد أزاح الله عنا الموت وأباده، ولم يعد يعوق مسيرة الإنسان نحو الكمال والاتحاد بالله، وأصبح من السهل على الإنسان بنعمة المسيح أن يحقق قصد الله من خلقته والتى تحدثنا عنه سابقًا فى مرحلة الخلق. لقد أعطى فداء المسيح إمكانية للإنسان أن يصير خليقة جديدة. ولكي يتحقق هذا، علينا أن نستعرض مفهوم "الزمن" عند القديس غريغوريوس الذى هو زمن الخلاص " اليوم يوم خلاص والوقت وقت مقبول ".

الزمن والخلاص عند القديس غريغوريوس:
          نادى الفكر اليوناني بالمفهوم الدائري للزمن، فالزمن هو حركة تكرار لا نهاية لها ولا يحدث فيها شئ جديد، وقد تأثر بهذه الفكرة كاتب سفر الجامعة2:1ـ14: " باطل الأباطيل قال الجامعة باطل الأباطيل الكل باطل.. ما الفائدة للإنسان من كل تعبه الذي يتعبه تحت الشمس. دور يمضي ودور يجيء والأرض قائمة إلى الأبد. والشمس تشرق والشمس تغرب وتسرع إلى موضعها حيث تشرق. الريح تذهب إلى الجنوب وتدور إلى الشمال تذهب دائرة دورانا وإلى مداراتها ترجع الريح... ما كان فهو ما يكون والذي صنع فهو الذي يصنع فليس تحت الشمس جديد. إن وُجد شيء يُقال عنه: انظر. هذا جديد. فهو منذ زمان كان في الدهور التي كانت قبلنا..".
          إن القديس غريغوريوس والآباء الكبادوك استخدموا هذا الفكر، لأنهم عبروا عن لغة عصرهم. ولكن نظروا لهذا الفكر تحت نور الإعلان الإلهي، فقد حفظوا فقط الشكل، ولكن بمحتوى جديد تمامًا. ويري القديس أن هناك تمييز واضح بين الزمن العالمي وزمن الله (الأبدية)، والعنصر الجديد الذى أضافه غريغوريوس هو الملمح التربوي التصاعدي للزمن الحاضر o propaideutikÕj carakt¾raj. فالإنسان مدعو فى حياته الأرضية لأن يجعل من الزمن الحاضر وسيلة لتذوق الأبديات [25]. فعلى الإنسان أن يلتفت وينتبه ويحول بصره من الأمور الوقتية إلى الأبدية ويقترب من الله. بهذا المفهوم نستطيع أن نفهم الكلام المستمر لغريغوريوس عن حياة الملائكة والتشبه بهم، إذ أنهم متحررين من الزمن العالمي وهكذا هم موجودون بالقرب من الله[26].
          يشرح القديس غريغوريوس أهمية الزمن الحاضر للخلاص فى عظة له عن المعمودية قائلاً: [ كل وقت هو وقت موافق للمعمودية لأن كل وقت هو وقت محتمل فيه موتك. إني أصرخ الآن وأناديك مع بولس الرسول بالصوت العظيم قائلاً: " هوذا الآن وقت مقبول هوذا الآن يوم خلاص". "فالآن" لا تعنى فقط وقتًا بل كل وقت. وكذلك قوله: " أستيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضيء لك المسيح" حالاً ليل الخطية. أزرع حين الوقت زرع، وأجمع الحصاد، وأصنع الأهراء فى الوقت المناسب. واغرس فى الوقت اللازم، واقطف العنب حين ينضج، وإحدر قاربك إلى البحر فى الربيع. واسحبه أيضًا إلى البر حين يأتي الشتاء ويهيج البحر. كل أمر فى وقته إذا أردت أن تتمشى مع خطة سليمان الحكيم وهذا شئ لازم لأن نصيحة الحكيم نافعة. أما أمر خلاصك فاجعله موضوع إكمال دائمًا. وليكن الوقت المناسب لمعموديتك (لخلاصك) كل وقت من أوقاتك. وإذا كنت دائمًا تهمل اليوم وتؤجل إلى غد. فإن عملك خطأ من خدعة الشيطان بواسطة التأجيلات لأن هذا الأسلوب هو أسلوبه. (يقول لك): "اعطني حاضرك وأعط الله مستقبلك. أعطني وقت شبابك، وإلى الله وقت شيخوختك. أعطني شهواتك وإلى الله عجزك وعدم نفعك". فيا للخطر الذي تجتازه][27].
          لقد تخلص غريغوريوس من الفكر الرواقي عن دوران الزمان والتكرار الأبدي للتاريخ، إذ أظهر تمييزًا واضحًا بين الزمن العالمي وأبدية الله، لكنه لم يرفض الزمن العالمي، بل كان يحث الإنسان بأن يفتدي الوقت ليجعله وقت خلاص. إذ على الإنسان أن يختار ويقرر مصيره بنفسه وليس للزمن سطوة عليه، فلم يعد خاضعًا للزمن بل الزمن خاضعًا له. لقد أراد غريغوريوس أن يتحرر الإنسان من المفهوم الدائري للزمن والذى يفترض أن هناك أحداث لابد أن تحدث وتفرض نفسها على الإنسان. وعلم التنجيم يفترض أن مصيرنا محدد مسبقًا، فالكواكب ـ بحسب اعتقاد هذا العلم ـ التى شاهدت ما حدث على الأرض قبلا، وما تم فى حياتنا السابقة، تستطيع أن تكشف لنا ما سيؤول إليه مستقبلنا. ولهذا يُسرع الكثيرون إلى قراءة الصحيفة اليومية ليعلموا ما سيكون عليه يومهم. إن هذا الاعتقاد يؤمن بأن برنامج الإنسان كُتب مُسبقًا وهو قدر محتوم. لكن التحرر من هذا المفهوم يجعل الإنسان يقرر بنفسه مصيره، كما يدعونا القديس غريغوريوس.
          لعل المفهوم الدائري للزمن الذي يجعل الزمن يحمل حوادث تتكرر تكرارًا أبديًا له جذور فى المجتمعات الريفية . فالفلاح يري دورة الفصول المتكررة فى الطبيعة طوال أيام حياته. فالشمس تشرق وتغرب، والنيل يفيض فى أغسطس وينحسر فى أكتوبر. ويأتى الليل بعد النهار، والعكس النهار بعد الليل. تتابع فصول الأزمنة سنويًا فى مواعيدها: ربيع وصيف وخريف وشتاء. على العكس، فإن الإنسان فى المدينة والمجتمع الصناعي يتحمل مسئولية مصيره ويتخلص من قدرية الزمن الدوري ويؤمن بالزمن الخطي. أصبح للزمن غاية وهدف يسعى الإنسان لتحقيقه. لكن عند القديس غريغوريوس ليس الزمن هو دائريًا ولا مستقيمًا، بل هو لولبي، أى أن فيه تكرارًا وتقدمًا فى الآن نفسه. فقد رأى هذا الزمن تحت نور الإعلان الإلهي فالأسبوع الذي هو سبعة أيام الخليقة قد انتقل إلى اليوم الثامن الذى هو الأبدية. لقد ارتبط اليوم الثامن (في فكر الآباء) بزمن ملكوت الله ورجوع الإنسان إلى حالة ما قبل السقوط. لقد تطابق اليوم الثامن بيوم الأحد أى البصخة، عيد العبور، لأننا به قد تحررنا من نتائج السقوط ونسلك " نحو أرض الميعاد "[28].
          إذن ليس التكرار الذي ينادي به المفهوم الدائري للزمن فيه عودة محضة إلى نقطة الانطلاق، بل تقدم بمقدار خطوة واحدة. فالشمس التى أشرقت اليوم هي ذاتها الأمس وكذلك غدًا. لكن شيئًا جديدًا قد حدث، فالإنسان تغير والتاريخ تطور. فهناك إذًا تكرار يصاحبه تقدم وتحقيق هدف ومسيرة وغاية نهائية. وهكذا فإن الفكر الأفلاطوني عن الزمن أخذ محتوى مختلف، لأنه أبطل حالة اللا مخرج التى نتجت من سطوة مفهوم الزمن الدائري، طالما أن الرب قام أعطى الإنسان المقدرة بأن يكون له تاريخ شخصي وقصد خاص هو التشبه بالله[29].
          إن القديس غريغوريوس يقر بأن الإنسان يعي ويدرك جيدًا كيف أن العالم نسبي ومحدود، ولو أعطي قيمة للزمن الحاضر سيتمكن عندئذٍ أن يحقق خلاصه. وهكذا بينما المؤمنون يسلكون فى مسيرة ليقابلوا الله الصالح، يستطيعون أن يصنعوا " تاريخ " ويهربون من السيطرة المطلقة للزمن الدائري. فالفكرة المسيحية عن الزمن هي فكرة تطوّر يكون فيها الزمن خلاّقًا والتاريخ له غاية. أصبح للإنسان إمكانية الحصول على الخلاص، فشخص الرب بتجسده وآلامه وقيامته يمثل محتوى الخليقة الجديدة للإنسان. لم يرفض القديس غريغوريوس قيمة الزمن الحاضر، فهو ليس عائق فى سبيل حصول الإنسان على الحياة الأبدية، فالعالم الحاضر له ملمح تربوي[30].
          الخليقة ليست فى حد ذاتها مرفوضة، ولكن اعتبارها هدف فى حد ذاته وليس وسيلة تربوية، هي رؤية مرفوضة. فقيامة المسيح تنتصر على الموت وتؤسس تاريخ الإنسان وتجعله يصب فى الأبدي واللا نهائي: "وصرت وسيطًا لدي الآب والحاجز المتوسط نقضته والعداوة القديمة هدمتها، وأصلحت الأرضيين مع السمائيين". ففى المسيح عبرت الإنسانية إلى الشاطئ الآخر إلى الأبدية والانتصار على الموت. لذا يقول بولس الرسول: " فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله. اهتموا بما فوق لا بما على الأرض. لأنكم قد مُتم وحياتكم مستترة مع المسيح فى الله.." (كو1:3ـ3).
          الإنسان لم يعد يحتاج للهروب من الزمن الحاضر باللجوء إلى ذكريات الماضي والجلوس هناك بلا حراك، فعليه أن يتحرك فى مسيرة تصاعدية نحو الله، فتّذكر الماضي لدى المؤمن قوة تدفعه للتحرك " كان يجول يصنع خيرًا" (أنظر أع38:10). فالمؤمن مدعو إلى القيام بأعمال جديدة فى الحاضر، فكل لحظة فى حياتنا هي فريدة، ولحظة "الآن" هي فريدة وتحمل رسالة فريدة من نوعها. فالمؤمن ليس سجين الماضي، وعليه أن يستند على الرجاء فى المسيح، فرجاؤنا مبنيًا على ما أتمه المسيح لأجلنا، بالمسيح نتخلص من سلطان الموت والظلمة، ونحن نسير نحو المدينة السماوية عابرين هذا العالم الزائل ممتلئين بسلام الله الذى يفوق كل عقل: " وعند صعودك إلى السموات جسديًا إذ ملأت الكل بلاهوتك، قلت لتلاميذك ورسلك القديسين سلامي أعطيكم، سلامي أنا أترك لكم. هذا أيضًا الآن أنعم به علينا يا سيدنا وطهرنا من كل دنس ومن كل غش ومن كل رياء... ".
          إن الأبدية دخلت التاريخ بالمسيح وأن هذا العنصر الجديد يعطينا رجاءً عظيمًا، حينذاك يسمو التاريخ على نفسه وبفعل الخميرة (مت33:13)، وحبة الخردل التى صارت شجرة كبيرة (مت31:13): "أتيت إلى الذبح مثل حمل حتى إلى الصليب. أظهرت عظم اهتمامك بي. قتلت خطيئتي بقبرك. أصعدت باكورتي إلى السماء. أظهرت لي إعلان مجيئك. هذا الذى تأتى فيه لتدين الأحياء والأموات.. ". فرجاؤنا أن الرب أتى ـ والرب يأتى ـ والرب سيأتى، رجاؤنا يستند على الإيمان بالمستقبل والاتكال على الله الخالق الذى صنع العالم. فاختراق الأبدية للزمن يضفي على هذا الزمن ملء معناه وتأخذ حقيقته  وكيانه وزنًا، وهي أمور يعجز الزمن على الحصول عليها من ذاته. لذا لم يعد فى حياتنا شئ بدون معنى أو اعتباطي، وأبسط الأعمال تتخذ صورة أخرى بفضل هذه الحقيقة الإيمانية. فكل لحظة تمر، هي لحظة خلاصية وفريدة " مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة " فالله فى قلب التاريخ، وفى قلب الزمان وفى قلب الإنسان، نعم كل لحظة امتلأت منذ التجسد بحضوره، لأن الأبدية هي في قلب الزمان.
خاتمة :
          لقد رأينا كيف أن القديس غريغوريوس عندما يشرح الخلاص يبدأ من الخلق ثم يمر بمرحلة السقوط وينتهي إلى مرحلة الفداء. هذه المراحل الثلاثة هي متصلة ولا يستطيع المرء أن يري كل مرحلة على حدة، منفصلة عن المرحلتين الأخرتين. فالخلاص هو استعادة عطايا الخلق، فالإنسان يستعيد إمكانيات الخلق "على صورة الله ومثاله"، يستعيد الطريق نحو الاتحاد بالله بإمكانيات تفوق العطايا الأولى، إذ يصبح المسيح هو رفيق المسيرة، مانح القوة ومصدر الحياة. المسيح يصبح الطبيب الشافي للطبيعة البشرية التى أصابها المرض بالسقوط، إذ يصير هو نفسه دواء الخلود " ربطتنى بكل الأدوية المؤدية إلى الحياة "، وهو الراعي " كراعٍ صالح سعيت فى طلب الضال"، وهو الأب الحنون " وكأب حقيقي تعبت معي أنا الذى سقطت". لقد " أخذ الذي لنا وأعطانا الذى له"، " فلقد تقرب مني تقربًا أغرب وألزم من التقرب الأول. وبقدر ما أعطي أولاً الأفضل يأخذ الآن الأسوأ". والقداس الغريغوري يعبر عن هذه الحقيقة تعبيرًا رائعًا عندما يقول: "أيها الغير المحوى إذ أنت الإله لم تضمر اختطافًا أن تكون مساويًا لله، لكن أخليت ذاتك وأخذت شكل العبد، وباركت طبيعتي فيك". نعم بالتجسد واتحاد الطبيعة الإلهية بالطبيعة البشرية فى شخص المسيح صار شفاءً للطبيعة البشرية من الفساد الذي تسلل إليها بسقوط الإنسان وابتعاده عن طريق الحياة. ويؤكد القديس غريغوريوس على الملامح الشفائية للفداء، لأنه يري مثل كل الآباء الشرقيين ـ السقوط هو مرض يتطلب شفاءً. هكذا لم يحصر مفهوم السقوط فى الإطار القانوني باعتباره مجرد مخالفة قانونية. فالفداء لا يُختزل في قرار براءة، ولكن الفداء يستلزم شفاء الطبيعة البشرية، لذا فالتجسد لا غنى عنه، لأن الطبيعة البشرية لا تُشفى إلاّ باتحادها بالطبيعة الإلهية، وهذا هو معنى القول الشائع عند الآباء: [هو أخذ الذى لنا وأعطانا الذى له ].
          أيضًا حديث القديس غريغوريوس عن الزمن وعن اللحظة الحاضرة، ينبع من رؤيته للزمن التى تختلف عن رؤية البيئة اليونانية للزمن بالفهوم الدائري الذي فيه تكرارًا مملاً للأحداث. فالقديس غريغوريوس يؤمن بأن الزمن الحاضر له ملمح تربوي فى مسيرة تصاعدية نحو الاتحاد بالله. فالزمن لدى المسيحية هو زمن خلاّق والتاريخ له غاية. وأصبح للإنسان إمكانية الحصول على الخلاص، فمحتوى الخليقة الجديدة للإنسان هو في عمل المسيح الفدائي. والقديس غريغوريوس لا يرفض الزمن  الحاضر ولا يعتبره عائقًا فى سبيل حصول الإنسان على الحياة الأبدية. فالخليقة ليست هدفًا فى حد ذاته، بل وسيلة لصنع شركة مع الله. والمؤمن مدعو لأن يقوم بأعمال جديدة فى الحاضر، فكل لحظة فى حياتنا هي فريدة وتحمل رسالة فريدة من نوعها " أذهب وخبر بكم صنع الرب بك ورحمك " (أنظر مر19:5).




[1] EPE 27, Grh. Qeol. 5;3, Logoj ME, sel. 157 Eij to P£sca.
عظة للقديس غريغوريوس عن البصخة، والترجمة العربية للعظة تعريب الأسقف اسطفانوس حداد، مختارات من القديس غريغوريوس اللاهوتي النزينزي، منشورات النور 1994، ص178.
2 المرجع السابق. ومن الجدير بالذكر أننا نجد هذا الكلام يكرره القديس غريغوريوس فى العظة     (38) عن الثيوفانيا، نفس المرجع السابق ص37ـ71.
3  المرجع السابق.
4  المرجع السابق ص 178.
5  المرجع السابق ص 171.
6  المرجع السابق ص 179.
7  المرجع السابق ص 179.
8  المرجع السابق ص 179.
9  أنظر المرجع السابق ص179.
10  المرجع السابق، ص 179.
11  المرجع السابق ص 180.
12  طبعًا ليس المقصود أن يصير الإنسان إلهًا مثل الله قادر على كل شئ، ولكن يكتسب الإنسان الفضائل الإلهية عندما يصنع شركة مع الله.
13  المرجع السابق ص 180.
14  المرجع السابق ص 180.
15  المرجع السابق ص 180.
16  المرجع السابق ص 180، 181.
17  المرجع السابق ص181.
18  المرجع السابق، ص 181.
19  المرجع السابق ص 181.
20  المرجع السابق ص 181.
21  المرجع السابق ص181.
22  المرجع السابق، عن الثيوفانيا فى عماد المسيح ص 171، مختارات من القديس غريغوريوس اللاهوتى النزينزى، تعريب الأسقف استفانوس حداد، منشورات النور 1994.
23  المرجع السابق.
24  المرجع السابق.
25  أنظر : LÕgoj17, 4, P.G. 36, 625C, LÕgoj44, 3, P.G. 36, 609C .
[26] LÒgoj28, 31, P.G. 36, 72D; LÒgoj7, 9, P.G. 35, 765B.
27 عظة عن المعمودية، المرجع العربي السابق، ص 143.
[28] Epistol»120, P.G. 37, 216A.
[29] LÕgoj1, 3, P.G. 35, 397, LÒgoj18, 3, P.G. 35, 988BD.
[30] LÕgoj43, 13, P.G. 36, 512C. 

الأحد، 5 أبريل 2015

مفهوم التفسير وفقاً لبداية الطرح وختامه في صلوات الأسبوع الكبير

مفهوم التفسير وفقاً لبداية الطرح وختامه في صلوات الأسبوع الكبير

                                      د.جورج عوض إبراهيم
بداية الطرح في ساعات النهار:
بإسم الثالوث المساوي الآب والابن والروح القدس
أيها النور الحقيقي الذي يضىء لكل إنسان الآتي إلى العالم
بداية الطرح في ساعات الليل:
باسم الثالوث المساوي الآب والابن والروح القدس
السلام لك يا مريم الحمامة الحسنة التي ولدت لنا الله الكلمة
ختام الطرح:
فلنمجده ونرفع إسمه. لأنه صنع معنا رحمة. كعظيم رحمته
 وفقاً لمقدمة الطرح، إن تفسير الكتاب لابد أن يكون عمل روحي يشرع في معرفة الأسرار الإلهية. إن الكنيسة هنا تطلب ـ كمبدأ للتفسير الكتابي ـ الإيمان المستقيم، أولاً وبالحري، بالثالوث القدوس. لأنه هو ملء الصالحات، وإليه تتجه النفس، إن الإيمان به هو "عقيدة مستقيمة" و"قانون التقوى". الإيمان بالثالوث أعلنه بالتأكيد الكتاب المقدس، وصيّغ جهرًا في المجامع المسكونية وفي التقليد الليتورجى للكنيسة. بهذا المفهوم فإن هذا الإيمان يمثل مرشد تفسيري ومبدأ أول للرؤية الروحية.
 يوجد كذلك بُعد هام للتفسير الكتابي وهو الاشتراك في الحياة  الفُضلى بواسطة الكلمة النور الإلهي، الكلمة المتجسد الذي وُلِدَ من العذراء الحمامة الحسنة. هذه الحياة قد مارسها كاتبي الكتاب المقدس، لذا الذي يشترك في هذه الحياة يستطيع أن يدرك المفاهيم العميقة لأقوالهم. فتطهير الذهن مبدأ أساسي للتفسير لكى يكتشف المؤمن قوة الروح وعمله ليشرع في حياة روحية سامية. لذا يقول القديس أثناسيوس في كتابه تجسد الكلمة (فصل 57): [ إن دراسة الكتب المقدسة ومعرفتها معرفة حقيقية تتطلبان حياة صالحة، ونفسًا طاهرة وحياة الفضيلة التي بالمسيح. وذلك لكى يستطيع الذهن ـ باسترشاده بها ـ أن يصل إلى ما يتمناه وأن يدرك بقدر استطاعة الطبيعة البشرية ما يختص بالله الكلمة. فبدون الذهن النقي، والتمثل بحياة القديسين، لا يستطيع الإنسان أن يفهم أقوال القديسين ][1].
هذه الأسس والمبادئ الكنسية للتفسير الكتابي ـ عند الآباء ـ ليست تقاليد كنسية تُفرض من الخارج لتضمن التفسير الصحيح للكتاب ولكن هي مبادئ تخدم الحياة الروحية للمؤمن. الحديث هنا عن خبرة سرائرية ومعاشة للكتاب المقدس لا ترتبط بأفكار روحية مجردة بل تستند على معايشة إعلان الثالوث القدوس في المسيح على أساس أن المسيح يمنح البشر النور غير المخلوق الذي يُدعىَّ إليه كل واحد لكي يتحد به شخصيًا بنعمة وقوة الروح القدس[2]. وختام الطرح يدعونا إلى تمجيد المسيح لأنه صنع معنا رحمة كعظيم رحمته. هنا نجد التفسير الكنسي ليس هو منحصر في إجراءات نظرية متعلقة باللغة والنص ومصادره بالدرجة الأولى بل أولا بالإيمان الخريستولوجي الصحيح أي الإيمان بالكلمة المتجسد والذي هو غير منفصل عن الإيمان بالثالوث ثم يأتي بعد ذلك الفحص اللغوي للنص ومصادره والشرح التاريخي شرط أن يخدم حياة قارئ النص الروحية وشركته مع الله بواسطة الكلمة المتجسد، النور الإلهي الذي ينير الذهن ليدرك ما يقوله الروح للكنائس.




[1]  القديس أثناسيوس، تجسد الكلمة، ترجمه عن اليونانية وتعليقات د. جوزيف موريس فلتس، إصدار المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، طبعة ثانية أبريل 2003، ص167.
[2]  Γ. Μαντζαρίντης, Μθεξις θεο, θεσσαλονίκη 1979, σελ. 104.