الاثنين، 29 سبتمبر 2014

شركة القديسين

    

شركة القديسين

العظة الخامسة

المطران إيروثيوس فلاخوس – ترجمة د. جورج عوض
1ـ عبيد الله
2ـ رُسل المسيح
3ـ رجال الأكليروس
4ـ الكنيسة المنتصره (الأنبياء, الرُسل, القديسين)
       صدر أمر, بعد رجوع الابن الضال وإحتضانه من أبيه, بأن يلبسوه ويجهزوا إحتفال لكي يفرحوا ويحتفلوا برجوعه. في المثل يُقال أن الأب أعطي الأمر لعبيده: " فَقَالَ الأَبُ لِعَبِيدِهِ: أَخْرِجُوا الْحُلَّةَ الأُولَى وَأَلْبِسُوهُ، وَاجْعَلُوا خَاتَمًا فِي يَدِهِ، وَحِذَاءً فِي رِجْلَيْهِ" (لو22:15). مَنْ هم هؤلاء العبيد الذين يتممون مشيئة الآب؟ بحسب آباء الكنيسة, طالما البيت هو الكنيسة, العبيد هم الإكليريكيون هؤلاء أخذوا أمرًا من الله أن يُلبسوا الإبن الضال الذي عاد إلى حضن ابيه.
       أخذ المسح إثني عشر رسل, قدسهم وأعطاهم الروح القدس وأرسلهم إلي كل العالم ليعمدوا ويكرزوا للناس. لقد قال لتلاميذه: "اَلَّذِي يَسْمَعُ مِنْكُمْ يَسْمَعُ مِنِّي، وَالَّذِي يُرْذِلُكُمْ يُرْذِلُنِي، وَالَّذِي يُرْذِلُنِي يُرْذِلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي" (لو16:10). هكذا, الرسل ليسوا هم ممثلون ونائبون عن المسيح, لكن سر حضور المسيح المحسوس بينهم. هذا يعني أن الإكليريكيين ليسوا مثل سفير دولة في دولة أخري, ليسوا مثل ممثلين لرئيس,بل بواسطة الرسل يعمل المسيح ذاته عندما يغفر الرسل, يغفر ويُصدِّق أيضًا الله.
       الأساقفة ينتمون إلي الإكليريكيين وكذلك الكهنة والشمامسة. الأساقفة هم الرأس المنظور لكنيسة محددة, في مكان رأس الكنيسة وكنموذج له. نقبل في شخص الأساقفة المسيح. يوجد تعاقب رسولي. أي, مثلما من لمبة نُشعل الثانية, والثالثة...الخ, وننقل النور إلي كل المكان, هكذا يحدث أيضًا بالتعاقب الرسولي. برسامة ومعايشة التقليد الأرثوذكسي تُنقل من جيل إلي جيل الرسل والبركة التي نالها أولئك من المسيح. إنقطاع التقليد الأرثوذكسي ينشئ الهراطقة. لأجل هذا, له أهمية عظمي أن ندقق مَنْ الذي نذكره من الأساقفة في ساعة الليتورجيا ؟ الأسقف الذي له شركة مع كنائس أرثوذكسية أخري, يعني أنه قانوني وأرثوذكسي, أما لو كان  ليس له, عندئذٍ يجب أن نُبعِده.
       الأساقفة يرسمون كهنة وشمامسة لخلاص البشر. إنهم قادة شعب الله الذين يخدمون الشعب لكي يصلوا إلي الفردوس, إلي أرض الموعد. مثلما موسي العظيم قد قاد ببركة الله الشعب إلي أرض الموعد, نفس الأمر يفعل أيضًا الأكليريكيون. يقودون الشعب  إلي الفردوس.
       لأجل هذا يتطلب التوقير والأحترم للإكليريكيين. لا نستطيع أن نقول أُحِب الكنيسة لكن لا أريد أن تكون لدي علاقة مع الإكليريكيين. هذا يمثل شيزوفرينا روحية. الإكليريكيون يعمدوننا, يمسحوننا, ويُطعموننا بسر الشركة الإلهية, نعترف عندهم ويتوجوننا وعامةً يعملون كل الأسرار. بالتأكيد, يجب أن نقول أن الإكليريكيين يعملون هذا العمل بنعمة وبركة الله وليس بقدراتهم الخاصة. أثناء تسبحة الشاروبيم يصلي الأسقف أو الكاهن للمسيح: "أنت هو المُقدِّم والمُقدَّم, العَاطي والمُعطَّي أيها المسيح...". يصلي الإكليريكيون للآب أن يقدس التقدمات الكريمة, يرسل الآب الروح القدس ويحول الخبز والخمر إلي جسد ودم المسيح وبواسطة الكاهن تُقدَّم هذة الاسرار إلي الشعب.
       أيضًا, الكنيسة هي شركة القديسين, مجمع الملائكة والبشر, السمائيين والأرضيين. هكذا, الكنيسة تٌميز إلي كنيسة مجاهدة وكنيسة منتصره ( المنظورة وغير المنظورة – المترجم ). ينتمي كل المعمدين والمؤمنين إلي المنتصره, أي كل الذين تعمدوا ويحفظون نعمة المعمودية المقدسة مشتعلة والقديسون ينتمون إلي المنتصره.
       لا يُسمِي الناس الطييبين بأنهم قديسيون بل أولئك الذين يشتركون في معاينة وقداسة عمل الله. الله بفعله الخلاَّق خَلق العالم, بعمله المُحَّي وفعله القيادي يقدسه. بالفعل الإحيائي والقيادي لا يخلص, أي لا يعني أن الذين خُلقوا سوف يخلصون. يخلصون الذين يشتركون في فعل الله الإلهي. ولكي يشتركون في هذا الفعل يجب أن يطهرون أولاً القلب من الشهوات, أي الحاجة إلي تهيئة وإستعداد.
       والدة الإله θεοτόκος تحتل مكانة مركزية في الكنيسة, التي أعطت جسدها للمسيح. تُدعَّي والدة الإله لأنها ولدت من الروح القدس الله بحسب الجسد, الأقنوم الثاني للثالوث القدوس. أي لم تَلِد إنسان صالح  وفيما بعد صار نبي عظيم نال نعمة الله وصار إبن الله. كلمة الله كان الله وقبل الحمل أيضًا وبعد الولادة من كلية القداسة. كُلية القداسة وصُفت بأنها دائمة البتولية كانت عذراء قبل الولادة وأثناء الولادة وظلَّت عذراء بعد الولادة. واحد هو الوسيط بين الله والإنسان وهذا هو المسيح. كُلية القداسة هي وسيطة بيننا وبين المسيح. نحن نحب كلية القداسة لسببين. الأول, لأننا نحب المسيح والثاني, لكي نصل إلي محبة المسيح. هكذا, محبتنا تجاه كُلية القداسة إما نتيجة أو هي طريق للمحبة تجاه المسيح.
       يوجد في الكنيسة المنتصره قديسون. وهؤلاء هم الأنبياء وأبرار العهد القديم والرسل والقديسون عبر كل الأزمنة. ثم بعد ذلك ينضم الشهداء الذين أعطوا شهادتهم ونالوا الشهادة لأجل المسيح, الذين تنسكوا في الأديرة والبرية من أجل المسيح, والمتزوجون الذين حفظوا إرادة المسيح في العائلة. يوجد قديسون من كل فئات الشعب الإجتماعية, من كل الأعمار, من كل الأمم ومن كل العصور. وهذا يُظهِر إنه لا نستطيع أن نتعلل بأن اليوم الخلاص والقداسة هي مستحيلة. الهدف الأعمق للإنسان هو أن يصير قديس.
عند هذا الحد نستطيع أن نشير إلي سيرة الحياة, حياة وتعليم بعض القديسين الذين لهم علاقة بالبلد التي أتي منها الموعوظ, بالعمر الذي فيه, بالوظيفة التي يمارسها. الشرح الموسع يجب أن يكون للقديس الذي أحب بالحري وسوف يأخذ إسمه ويُلقَّب بعد المعمودية. هذا هو الأهم, لأنه سوف يُظهر أن الخلاص هو ممكن في كل عصر.
أسئلة العظة الخامسة
1ـ هل الإكليركيين هم ممثلون عن المسيح؟
       لا, ليسوا ممثلين أو نواب, بل سر حضور المسيح الحسي, هم مثال ومكان للمسيح.
2ـ ما هي درجات الكهنوت؟
       ثلاثة, الأسقف والكاهن والشماس.
3ـ بماذا يتآلف التعاقب الرسولي؟
       يتآلف في إستمرارية نعمة الكهنوت من الرسل حتى اليوم وفي حفظ الحق.
4ـ ما هو عمل الإكليروس؟
       أن يشفوا الناس وأن يتمموا أسرار الكنيسة.
5ـ ما هي الكنيسة المجاهدة  والكنيسة المنتصرة؟
       الكنيسة المجاهدة تتكون من المسيحيين الذين يحيون ويجتهدون لكي يتحدوا بالمسيح والمنتصره تتكون من القديسيين الذين رقدوا ويحيون في ملكوت الله.
6ـ مَنْ هم الذين يُدعون قديسون؟
       الذين يشتركون في شركة فعل الله الذي يقدسهم ويجعلهم شركاء الطبيعة الالهية.
7ـ ما هي الألقاب التي أعطيت لأم المسيح في التقليد؟
       كثير من الألقاب, من بينها: والدة الإله, كلية القداسة, دائمة البتولية.
8ـ كيف تكون والدة الإله وسيطة؟
وسيط بين الله والبشر هو المسيح. والدة الإله هي وسيطة بيننا وبين المسيح.
9ـ لماذا نُحِب كلية الطهارة؟
لأننا نُحِب المسيح ولكي نصل إلي محبة المسيح.
10ـ إلي كم فئة ينقسم القديسون؟
       هم الأنبياء والرسل وكل القديسين الآخرين الذين ينقسموا إلي شهداء وشهداء قديسين, ومتزوجون يوجد قديسون من كل الأعمار, من كل الوظائف, من كل الأمم والعصور.
11ـ ما هي حياة وتعليم القديس الذي سوف تأخذ منه اسمه وسوف يكون مدافع عنك؟      

الأحد، 21 سبتمبر 2014

الكنيسة ودورها

عظات للمؤمنين حديثاً: العظة الرابعة

الكنيسة ودورها

المطران ايروثيوس فلاخوس – ترجمة د جورج عوض
1ـ الكنيسة هى الفردوس الجديد
2ـ خارج الكنيسة يوجد ضلال
3ـ الرجوع إلي الفردوس
4ـ الأسرار الثلاثة المحورية
5ـ الكنيسة هي الجسد الحقيقي للمسيح
لأن حياة الإنسان الحقيقية تُوجد بالقرب من الله, لأجل هذا كان يجب على الابن الضال أن يرجع إلي بيته. لقد قلنا حتى الآن إن البيت هو الفردوس وشركة البشر مع الله. بعد السقوط, هذه الشركة صارت في الكنيسة التي هي الفردوس الحقيقي. بالتالي الإنسان الساقط يجب أن يرجع ثانيةً إلي بيته, الذي هو الكنيسة. ثم بعد ذلك, سوف نري البُعد الإكليسيولوجي والإفخارستي لمَثَل الإبن الضال, كما حلله القديس يوحنا ذهبي الفم.
هذا التحليل هو للمسيحيين وللموعظين, وبالتحديد تجاه هؤلاء الذين يتهيئون لأن يتعمدوا, والمدعوين المستنيرين. لأجل هذا السبب لدي هذا التحليل محتوي إفخارستي. إنه من المعروف أن فترة الصوم الاربعينى تهيئ الكنيسة بتركيز الموعظين لكي يقبلوا المعمودية. يقول القديس يوحنا ذهبي الفم أنه يجب أن نري محبة الله للإنسان خاصةً في هذه الفترة وللفائدة العامة ولأجل النجوم المستقبلية التي سوف تشرق من جرن المعمودية المقدس. المعمدون القادمون من جرن المعمودية يُدعوَّن نجوم لأنهم يُنيرون بواسطة نعمة الروح القدس. الشمس المنيرة هي الله والمعمدون يقبلون النور الذهني لشمس البر.
هناك حيث لا يُزرع قمح التعقل وكرمة الإنضباط يسود الفقر المدقع, والقحط الشديد. هذا لأن خارج البيت الروحي الذي هو الكنيسة يوجد جوع وحرمان روحي. مَنْ يشعر بهذه الحقيقة يقرر أن يرجع مرة أخري إلي بيته الذي هرب منه. الأب محب البشر ينتظره, والذي هو مستعد أن يظهر محبته ورأفته. ليست قضية تبادل تجاري, لكن إنسكاب المحبة للبشر. بالطبع, هذه المحبة والشركة تصير بأسرار الكنيسة. وكل الأوامر التي أصدرها الأب بعد رجوع إبنه تُظهر هذه الحقيقة: "فَقَالَ الأَبُ لِعَبِيدِهِ: أَخْرِجُوا الْحُلَّةَ الأُولَى وَأَلْبِسُوهُ، وَاجْعَلُوا خَاتَمًا فِي يَدِهِ، وَحِذَاءً فِي رِجْلَيْهِ، وَقَدِّمُوا الْعِجْلَ الْمُسَمَّنَ وَاذْبَحُوهُ فَنَأْكُلَ وَنَفْرَحَ، لأَنَّ ابْنِي هذَا كَانَ مَيِّتًا فَعَاشَ، وَكَانَ ضَالاًّ فَوُجِدَ. فَابْتَدَأُوا يَفْرَحُونَ" (لو22:15ـ24). الحُلة التي أمر الأب أن يلبسوه إياها هي الحُلة الروحية التي صُنعت من نار الروح القدس. هذه الحُلة نُسجت في ماء المعمودية وتُظهِر أن الإنسان البعيد عن الله قد عُرَّي وفقد جماله. نعمة الله ألبسته وزينته بالمعمودية، يلبس المرء نعمة الله : "أنتم الذين إعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح". أيضًا بالمعمودية تتنقي صورة الله فى الانسان والتي أسودت وإظلمت بالسقوط.
الخاتم الذي لبسَّه في يده يُظهِر العربون الروحي وأنه يُلبَّس بواسطة الروح القدس. إنه مثال للتبني.إن كل أعداء الله يُخافون اللابس  لهذا الخاتم. الخاتم  يدل على الشركه مع الله, ويدل على ان لابسه هو إبن لله بحسب النعمة.
الحذاء الذي ألبسوه إياه في رجليه هو قوة الله, حتى لا يجد الشرير عقبه عاري ويضربه ثانيةً, فهذا المعمد يدوس علي التنين ويسحقه.
العجل المسمن هو المسيح ذاته الذي ذُبِحَ لأجل الجنس البشري, إنه "حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يو29:1). هذا يرمز للإفخارستيا حيث الإنسان يبتهج روحيًا ويحصل من جديد علي الحياة ، لأن خارج الكنيسة والإفخارستيا يُوجَد عالم السقوط والفساد.
بحسب نيقولا كاباسيلاس, ثلاثة هي الأسرار الأساسية التي تُكوَّن الحياة الروحية. الواحد هو المعمودية, الآخر هو المسحة والثالث هو الإفخارستيا. بالمعمودية يصير الإنسان روحيًا طالما جرن المعمودية هو الرحم الروحية للكنيسة. ومثلما في رحم الأم نحصل علي الحياة البيولوجية, هكذا أيضًا في رحم الكنيسة, الجرن المقدس, نحصل علي الحياة الروحية. المسحة هي الحركة التي تفعَّل النعمة التي نأخذها بواسطة المعمودية المقدسة. لا يحتاج فقط أن يُولَّد المرء بل أيضًا أن يحيا بعد الولادة. هذا يصير بواسطة المسحة المقدسة. والإفخارستيا هي الحياة, طالما نتناول جسد ودم المسيح.
إعتمدنا ومُسحنا حتى نستطيع كأعضاء الكنيسة أن نشترك في الأسرار المقدسة ونحيا. لأنه بعد المعمودية المقدسة يجب أن يتبعها الإفخارستيا والتناول أو الشركة الإلهية. الإفخارستيا هي مركز لكل الأسرار وكل الحياة الكنسية. إنها تُظهِر أن الكنيسة هي جسد المسيح. قال أحد الفلاسفة الماديين إن الإنسان هو ما يأكله. بهذا أراد أن يرفض الميتافيزيقية وكل نظرياتها ويشدد علي أن الحقيقة الوحيدة هي المادة. نستطيع أن نقبل هذا التعبير بمفهوم أنه عندما يأكل الإنسان فقط الغذاء المادي فهو إنسان جسدي ومادي.أما عندما يأكل الطعام الروحي, أى جسد إبن الإنسان فهو يصير إنسان روحي, أي ناضج وكامل.
القديس يوحنا ذهبي الفم وهو يحلل البعد الإفخارستي لمثل الإبن الضال, في النهاية يوجه نصائح للمعمدين وللمستنيرين الموجودين علي أعتاب المعمودية. ينصحهم أن يرفضوا أي فكر غريب ويوجهون نفوسهم تجاه العريس السماوي لكي يستمتعوا بنعمة الروح القدس, ويصف المسيح الذي ينتظر هؤلاء بأنه الفادي والطبيب الذي يعطي دواء الخلود حيث الحُلة الروحية تنتظرهم من الآب والإبن والروح القدس, طوبي للمستحقين أن يلبسوا هذه الحُلة.
هنا نجد الفرصة لكي نشدد علي أن الكنيسة ليست منظومة بشرية, ولا هي منظومة إجتماعية أو جمعية خيرية بل الجسد الإلهي الإنساني للمسيح. توجد في الغرب نظرية مفادها هي أن جسد المسيح السري والذي أعضاءه هم المعمدون يختلف عن جسد المسيح الحقيقي الذي هو الخبز الإفخارستي الذي يُوجد علي المائدة المقدسة. لكن في الكنيسة الأرثوذكسية لا يوجد مثل هذا التمييز. نشدد علي أن الكنيسة هي جسد المسيح الذي هو في نفس الوقت الجسد الذي أخذه من كلية القداسة, ألهه وأقامه, الخبز الإفخارسيتي الذي يُوجد علي المائدة المقدسة والقديسون الذين يمثلون أعضاء جسد المسيح. هكذا ندرك جيدًا القيمة العظمي لأن يكون أحد مسيحي, عضو لجسد المسيح. بهذه الرؤية نشعر بالعطية العظمي والمعموديةوللإفخارستيا.
بالمعمودية تصير أعضائنا أعضاء جسد المسيح. هذا يعني أن كل خطية شخصية لها ثقل خطير . بولس الرسول يقول عندما نخطئ, نخطئ للمسيح حيث أننا أعضاءه. نحن لا ننتمي إلي ذواتنا بل للمسيح, الذي قدسنا وضمنا إلي ذاته. مثلما هي خطية أن ندوس جسد المسيح الذي يُوجد في الكأس المقدس, مثلما خطية هي أن ندوس ونحتقر خبز القربان (بيت القربان), نفس الأمر خطية هي أن نخطئ بأعضائنا التى هم أعضاء جسد المسيح.
يجب أن نشعر بأن الكنيسة كبيت للإحتفال حيث يُذبحَّ العجل المسمن والإبتهاج الروحي لكل البشرية "إجتماع السماء والأرض".


الأسئلة والأجوبة للعظة الرابعة
1ـ ما هو الفردوس الجديد؟
الكنيسة الأرثوذكسية بواسطتها نصل إلي حياة الشركة مع الله.
2ـ كيف يُفسَّر مثل الإبن الضال من القديس يوحنا ذهبي الفم فيما يتعلق بمعمودية الموعظين؟
        البيت هو الكنيسة. الحُلة هي نعمة الروح القدس. الخاتم يُظهِر العربون الروحي وأنه يُلبَّس بواسطة الروح القدس. والخاتم يعلن البنوة. الحذاء هو قوة الله حتى لا يُضرَّب الإنسان من الشيطان في عُقبه. العجل المسمن يشير إلي الإفخارستيا. والإحتفال هو فرح الكنيسة لرجوع الإنسان إلي الفردوس.
3ـ ما هي الأسرار المركزية للكنيسة؟
        المعمودية والميرون والإفخارستيا.
4ـ أين تبدو قيمة الإفخارستيا؟
هي مركز كل الأسرار, نحن نأكل جسد المسيح ونشرب دمه.
5ـ ما هي الأسرار الأخري؟
        الإعتراف والكهنوت والزواج وسر مسحة المرضي.
6ـ ما هي الكنيسة بحسب التعليم الأرثوذكسي؟
        هي جسد المسيح ( الذي أخذه من كلية القداسة ) وشركة القديسين. 

الثلاثاء، 16 سبتمبر 2014

الإنسان والسقوط

عظات للمؤمنين حديثًا: العظة الثالثة

الإنسان والسقوط

المطران إيروثيوس فلاخوس- ترجمة د جورج عوض

1ـ الكلمة بحسب الطبيعة هو إبن الله, بينما البشر بحسب النعمة هم أبناء الله.
2ـ خلق العالم
3ـ الإنسان بحسب صورة الله  ومثاله .
4ـ الفردوس القديم (الأول)
5ـ سقوط الإنسان
6ـ نتائج السقوط
بعد التحليل اللاهوتي لمثل الإبن الضال, أي بعد كل ما قلناه عن الله, من الضروري أن نمضي أيضًا للتحليل الإنثروبولوجي لهذا المثل. سوف يُظهِر لنا قيمة الإنسان وما هي الحياة الحقيقية.
أب المثل لديه إبنان. هذا يستلزم الولادة وقرابتهما والأثنان ظلَّوا في البيت وتمتعا بخيرات أبيهما.
الله يُدعَّي آب في علاقته مع إبنه الوحيد, لكن أيضًا آب في علاقته مع الإنسان. لكن توجد أربعة إختلافات بين الأثنين. الآب وَلَدَ الإبن قبل كل الدهور, بينما خَلَقَ الإنسان في الزمن. والإنسان هو إبن الله لكن بحسب النعمة, بينما الأقنوم الثاني للثالوث القدوس هو الإبن بحسب الطبيعة.
نستطيع أن نستخدم مثال لكي يصير هذا الأمر أكثر إدراكًا. رسام رسم لوحة فنية والتي هي إبداعة الفكري, عمله الخاص, وبطريقة ما هذه اللوحة هي بمثابة إبنه, لأنها تعبر عن أفكاره ومواهبة. لكن في نفس الوقت يلد أيضًا إبن. هكذا, أبدع لوحة بينما وَلدَ إبن. نفس الأمر, بقياسات موازية, يحدث أيضًا مع الله الآب في علاقة مع الكلمة  إبنه ومع البشر.
الله خلق كل العالم. في البداية خَلَقَ الملائكة, المدعون العالم الذهني, ثم خلق في خمس أيام كل العالم الحسي, الكون, والطيور, والأسماك والحيوانات والنباتات...الخ. وبعد ذلك في اليوم السادس خَلَقَ الإنسان الذي يمثل مخلوق ذهني وحسي, أي النفس والجسد. كما يقول آباء الكنيسة, خلق أولاً المملكة, والقصور ثم بعد ذلك خَلَقَ الملك, الإنسان. الإنسان منذ بداية خلقته دُعَّي أن يكون ملك الخليقة.
يُقال في الكتاب المقدس أن الإنسان خُلِقَ بحسب صورة الله ومثالة. بحسب الصورة تخص الذهن والحرية, أي بأن لديه عقل وحرية, بينما بحسب المثال بأنه خُلِقَ لكي يصير بحسب النعمة ما عليه الله . بحسب الآباء, بحسب الصورة تشير إلي طبيعة النفس الثالوثية. كما أن الله هو عقل: اللوغوس وروح هكذا الإنسان لديه عقل والذي هو مركز الشخصية, النطق الذي هو القول الشفاهي واللفظي والذي يُصاغ بالمنطق, والروح التي هي العشق الذهني للإنسان, والقوة التي لديه في داخلة لكي يصل إلي التأليه (تحقيق الشركة مع الله).
هذا يعني أنه نموذج خِلقته, ونستطيع أن تقول أصل خلق الإنسان هو الله وبالحري كلمة الله, الإقنوم الثاني للثالوث. الإنسان لم يصر بمفرده بل لديه نموذج أصلي (أوليَّ) πρωτότυπο.
كأن لدينا فيلم ومنه صورنا صور كثيرة, هكذا نستطيع أن نقول أيضًا عن الإنسان. الفيلم هذا هوالكلمة المسيح والإنسان هو بحسب صورة الكلمة, نُسخ من الكلمة. لأجل هذا يجب أن يتشابه مع أصله ونموذجه, يجب أن يحافظ علي النسخة نقية, لأن غير ذلك لن يتجاوب مع خلقة, وبالتالي يفقد تمامًا قيمته.
بحسب الصورة يُظهر كينونته, أي حقيقة طبيعته, بينما بحسب المثال يُظهِر أين يجب أن يسير ومَنْ هو هدفه. هذا يعني أن الإنسان دائمًا ـ يجب أن يضع في حسابه عظمة أصلة بأنه أمير وشريف الأصل, يأتي من عائلة عظيمة وسامية, كذلك أيضًا يجب أن يجاهد ليتجاوب مع رسالته العظيمة. هدف الإنسان لا يُستنزف في ذاته. بمعني, لا ينبغي أن يهدف فقط إلي الأكل, والشرب والملبس وتهذيب النفس بل يجب أن يكون لديه أهداف سامية. ولا بالطبع هدف الإنسان هو أن يدرس, وأن يعمل لكي يتزوج....الخ. هذه الأمور سوف يفعلها لكي يرضي عن ذاته ويُخدَّم في الحياة هنا, لكن في النهاية هدفه العميق هو أن يصير إله بحسب النعمة. القديس غريغوريوس اللاهوتي حدد هدف الإنسان بطريقة رائعة: الإنسان لديه حياة ويتدبر في معيشته, لكن يسير تجاه الحياة الأخري. هذه المسيرة من الحياة البيولوجية إلي الحياة الروحية يُقال عنها سر. وبالطبع, نهاية السر هو أن يصير بنعمة الله على مِثال الله.
يبدو في المثل الذي درسناه أن الإبنين كانا يعيشان في بيت أبيهما. هذا, بحسب تفسير الآباء القديسين يُظهِر أنه مباشرةً بعد خلق الانسان كان يحيا في بيت الله, أي في الفردوس, ولديه شركة حقيقية مع الله. هذا الفردوس كان حسيًا وذهنيًا, أي مكان خاص, لكن أيضًا علاقة شخصية مع الله. نري في العهد القديم وبالحري في سفر التكوين أن آدم مباشرةً بعد خلقة كان لدية نعمة من الله, لأجل هذا كان يعيش وكذلك حواء مثل الملائكة في السماء.  
طلب الإبن الأصغر في المثل نصيبه من الميراث: " فَقَالَ أَصْغَرُهُمَا لأَبِيهِ: يَا أَبِي أَعْطِنِي الْقِسْمَ الَّذِي يُصِيبُنِي مِنَ الْمَالِ. فَقَسَمَ لَهُمَا مَعِيشَتَهُ. وَبَعْدَ أَيَّامٍ لَيْسَتْ بِكَثِيرَةٍ جَمَعَ الابْنُ الأَصْغَرُ كُلَّ شَيْءٍ وَسَافَرَ إِلَى كُورَةٍ بَعِيدَةٍ، وَهُنَاكَ بَذَّرَ مَالَهُ بِعَيْشٍ مُسْرِفٍ. فَلَمَّا أَنْفَقَ كُلَّ شَيْءٍ، حَدَثَ جُوعٌ شَدِيدٌ فِي تِلْكَ الْكُورَةِ، فَابْتَدَأَ يَحْتَاجُ. فَمَضَى وَالْتَصَقَ بِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْكُورَةِ، فَأَرْسَلَهُ إِلَى حُقُولِهِ لِيَرْعَى خَنَازِيرَ. وَكَانَ يَشْتَهِي أَنْ يَمْلأَ بَطْنَهُ مِنَ الْخُرْنُوبِ الَّذِي كَانَتِ الْخَنَازِيرُ تَأْكُلُهُ، فَلَمْ يُعْطِهِ أَحَدٌ " (لو12:15ـ16).
المثل في هذه المرحلة يُشبه تمامًا سقوط الإنسان وإبتعادة عن الله. سوف نري النقاط المحورية.
بحسب القديس غريغوريوس بالاماس, الإبن الأصغر طلب نصيبة من أبيه, الذي يعني أن الخطية هي الأحدث بينما الفضيلة هي الأصل الأول. الإنسان خُلِق من الله طاهر (نقي) بإمكانية أن يصل إلي التأله. لكن الخطية هي الدخيل الأحدث, نتيجة عصيان  الإنسان لله والإبتعاد عنه. خطية الإنسان كانت أنه أراد أن يسلب أعمال الله وكان يهدف أن تستمر حياته بحسب إراداته وليس بحسب مشيئة الله. كما يبدو في العهد القديم أراد أن يطيع ذاته وعقله وليس مشيئة الله. بالنسبة له كان مركز كل شيء هو ذاته وشهواته وليس الله. هذا هو جوهر مأساة الخطية الجدية, بل وأيضًا كل خطية أخري.
ونحن نقرأ مَثَل الإبن الضال نلاحظ درجات السقوط, بل وأيضًا مأساة الإبن الأصغر نستطيع أن نسجلها كالآتي: إغتصاب أو سلب أموال, إغتراب, تبذير الثروة, حرمان, عبودية. . يجب في هذا الإطار نري مأساة الخطية علي الأبوين الأولين, وكذلك مأساة كل خطية يرتكبها الإنسان.
عندما يحاول المرء أن يستنزف كل معيشته في حدود حياته البيولوجية ويفسرها عقليًا,  يألَفَ الإبتعاد عن الله. تغرَّب الإنسان في كورة بعيدة, وفقد الشركة والإتحاد بالله. منذ خلقته الإنسان لديه نفس وجسد, مرتبطين برباط لا ينفصل فيما بينهما. النفس هي حياة الجسد, بل حياة النفس هي الروح القدس هكذا, الإنسان بدون الروح القدس هو ميت روحيًا. إنه من الواضح جدًا أن أب المثل قال بعد رجوع إبنه: "إبني هذا كان ميتًا فعاش" (لو24:15). هذا يعني أن الإبتعاد عن الله يُنشيء الموت. حقًا, بدون الله الإنسان هو ميت روحيًا يستطيع أن يتحرك ويعمل ولديه مكانة عالية في المجتمع لكن بدون الله كل الأشياء هي ميته والحياة تافة .
القديس يوحنا الدمشقي, وهو يتحدث عن سقوط آدم وحواء, يقول إن الإنسان بالخطية فَقَدَ النعمة الإلهية إظلمَّت صورة الله فى الانسان , عُرَّي من النعمة الإلهية والنتيجه أنه شعر بُعريه أيضًا في جسده ، لقد كانت النتائج رهيبة. ولأنه فَقَدَ النعمة الإلهية أتي الموت, أولاً أتى الموت الروحي, أي إبتعاده عن الله, وبعد ذلك أتى الموت الجسدي, اي الأمراض وفي النهاية الإنفصال بين النفس والجسد.
حياة الإنسان بدون الله, الذي خلقه, هو الحرمان الحقيقي عندئذٍ, لا شيء لديه معني في حياته. لا يُسعده إطلاقًا أي شيء, طالما فَقَدَ نموذجه الأصلي, الله. فقد الانسان المحبة الحقيقية, وأيضًا حُرِم من الحرية الحقيقية. هذا  ما يعنيه المثل حين قال أن الابن الاصغر أُستعبد لأُناس تلك القرية التي كانت بعيدة عن منزل أبيه, وهؤلاء يرمزون للشيطان. هذا هو الحرمان الحقيقي للإنسان وعبوديتة. لقد خُلِق لكي يكون أمير, لكى يحيا في القصور الملكية، وللاسف فضَّل أن يبقي عاريًا, رث الثياب, راعي خنازير, أي أُستنزف حياته فقط في قدراته البيولوجية وفي إرضاء أحاسيسه. قُلنا من قبل إن الإنسان  بدون الروح القدس هو ميت روحيًا.
القديس مقاريوس المصري يستخدم صورتين لكي يجعل هذه الحقيقية مدركة. الصورة الأولي هي صورة اللحمة بدون ملح. في هذه الحالة تفسد سريعًا وينبعث منها رائح كريهة مرعبة. الصورة الثانية هي صورة العملة التي ليس لديها صورة الملك عليها. مثل هذه العملة هي مزيفة وليس لها مطلقًا أي قيمة. نفس الأمر يحدث أيضًا مع الإنسان الذي ليس لديه في داخله فعل الروح كلي القداسة. ليس هو إنسان طبيعي وليس لديه الحياة الحقيقية.
القديس غريغوريوس النيصي يقول, إن الله هو حياة البشر. لقد قال المسيح ذاته "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو6:14). مَنْ يحيا بعيدًا عن الله لن تكون لديه حياة حقيقية. لأجل هذا حياة الخطأه تُدعي إنها مجرد حياة, لكن في الواقع ليست الحياة الحقيقية هذا يعني أنها حياة مأسوية.  يُوجد محبوسًا في سجن الحواس, الفناء والفساد. لا يستطيع أن يُحدق في سماء الحُرية الصافية. يُعذَّب من كل مشاكل الحياة المأسوية. لا يجد أي مهرب. إنه منفي في أرض جرداء ولا يوجد أمل للخلاص, إن لم يرجع بإراداته إلي الله.
الإنسان بعيدًا عن الله هو ضال, يفقد قيمته وجماله. ليس لديه أب, ليس لديه مسكن, ليس لديه محبة, ليس لديه أصدقاء. الكُل يستغله. لأجل هذا, وهو في مرارته ومأساته يطلب الله. رغبة المعمودية تُوجد بالضبط في هذه الرؤية المسبقة προοπτική.  إكتساب الحياة التي هي الله ويكون لديه علاقات شخصية مع الله الذي هو نموذجه الأصلي. طلب المعمودية ليس لديه ملمح إجتماعي, لا يجب أن تكون المتطلبات الخارجية والبشرية هى الدافع لطلب المعمودية, لكن يجب أن تكون للمعمودية هذه الرؤية. يريد أحد أن يعتمد لكي يأتي من الموت إلي الحياة, من الهلاك إلي الوجود, من المأسوية إلي السلام, من الكورة البعيدة إلي المسكن الأبوي, من الحرمان إلي الوفرة, من اليُتم إلي الحياة فى كنف الأب.
الأسئلة والأجوبة للعظة الثالثة
1ـ ما هو الإختلاف بين الكلمة بكونه إبن الله ، والإنسان بكونه إبن الله؟
الأقنوم الثاني للثالوث هو إبن بحسب الطبيعة (إبن طبيعي), والإنسان هو إبن بحسب النعمة (إبن بالتبني), علي الجانب الآخر الكلمة هو غير مخلوق (ليس لديه بداية), والإنسان هو مخلوق (لديه بداية).
2ـ ما الذي سبق خلق الإنسان؟
خلق العالم الذهني (الملائكة) والعالم الحسي (كل الخليقة).
3ـ كيف يُدرَّك الإنسان بأنه مخلوق بحسب صورة ومثال الله؟
بحسب الصورة تشير إلي طبيعته, بأن لديه عقل وحرية أو لديه عقل ونطق وروح. بحسب المثال تشير إلي  تحقيق الشركة , عندما يتحد بالله.
4ـ مَن هو النموذج الأصلي للإنسان؟
الأقنوم الثاني للثالوث القدوس, كلمة الله, المسيح.
5ـ ما هو هدف الإنسان؟
أن يصل إلي التأله, إلي الشركة مع الله.
6ـ ماذا كان الفردوس؟
 كان حسن , أي مكان مبارك وذهني, شركة الإنسان مع الله.
7ـ ما هو جوهر سقوط الإنسان؟
عصيان الله, الإبتعاد عنه, والإعتماد علي القدرات البشرية وليس الخضوع لله.
8ـ ما هي نتائج السقوط؟
إظلام الذهن, العُري من النعمة الإلهية, الفساد والفناء, الحرمان,  العبودية.
9ـ ماذا يعني أن الإنسان هو ميت روحيًا؟
أنه يحيا بيولوجيًا, وأيضًا ليس لديه الروح القدس, نعمة الله.
10ـ لماذا نعتمد؟

 لأننا نرغب في أن تأتي مرة ثانية إلي الفردوس, ونكتسب مرة ثانية الإتحاد بالله ونتخلص من الحرمان والأغتراب.       

الأحد، 14 سبتمبر 2014

الله المسيحي Ο Χριστιανκός Θεός

عظات للمؤمنين حديثاً: العظة الثانية

الله المسيحي Ο Χριστιανκός Θεός

المطران إيروثيوس فلاخوس- ترجمة د جورج عوض

1ـ الله هو أبونا
2ـ ثالوثية الله
3ـ الثالوث في البداية نقبله عقليًا ثم نحياه شخصيًا
4ـ الله هو شخص ومحبة
5ـ الله الحقيقي وأصنام الديانات
6ـ المسيح هو الأخ والصديق
   الله, في مثل الإبن الضال الذي رأيناه في العظة السابقة, قُدِم بصورة الأب. مكتوب: "إنسان له إبنان". ثم بعد ذلك, عندما طلب الإبن الأصغر نصيبه قال: " يَا أَبِي أَعْطِنِي الْقِسْمَ الَّذِي يُصِيبُنِي مِنَ الْمَالِ. فَقَسَمَ لَهُمَا مَعِيشَتَهُ" (لو11:15ـ12). الشخص المحوري في هذا المثل هو الأب. لأجل هذا أيضًا توجد تفسيرات بدلاً من أن تُسمي مثل الإبن الضال تصفه بأنه "الأب الرحوم" أو "الأب الصالح". أب المثل يواجه بمحبة ورحمة الإبن الأصغر, أيضًا بمحبته للبشر يواجه غرابة الإبن الأكبر.
   صورة الأب بالنسبة لله تُستخدم بمفهومين. الأول يُشار إلي الشخص الأول القدوس الذي وَلَدَ قبل الدهور إبنه وإنبثق منه الروح القدس, والثاني يشار إلي علاقته بالإنسان طالما هو خلق الإنسان وكل العالم.
الإله الحقيقي الذي نؤمن به نحن المسيحيون هو ثالوثي الآب, والإبن والروح القدس. والثلاثة أشخاص الثالوث القدوس هم لهم نفس الكرامة والمجد والقوة. هذا يعني أن الآب ليس هو الأعظم من الإبن, ولا الإبن هو أدني من الآب واعظم من الروح القدس, ولا الروح القدس أدني من الآب والإبن. كما أن الثلاثة أوجه للمثلث المتساوي الأضلاع هي متساوية, نفس الأمر, الثلاثة أشخاص للثالوث القدوس هي متساوية. الإختلاف الوحيد هو أن الآب يلد الإبن ويبثق الروح القدس.
   قد أعلن لنا المسيح هذه الحقيقة بتأنسه, حتى أن القديس غريغوريوس بالاماس قال, أحد أهداف تأنس المسيح هو أن يعلن الله الثالوث الذي كان يجهله الإنسان من قبل.
ثالوثية الله نراها في نهر الأردن أثناء معمودية المسيح. الإبن يُعمَّد, الآب يؤكد بأن هذا هو إبني الحبيب والروح القدس يظهر علي شكل حمامة (لو22:3). نفس الشيء نراه أيضًا في تجلي المسيح فوق جبل طابور. الإبن يتجلي أمام تلاميذه ووجهة يلمع كالشمس مظهرًا ألوهيته, الآب يؤكد أنه هو الإبن المحبوب والروح القدس يظهر كسحابة منيرة. لقد تحدث المسيح كثيرًا عن أبيه. لقد قال: "أبي يعمل وأنا أعمل" (يو17:5). وفي موضع آخر, قال: "أنا والآب واحد" (يو30:10). لقد وصف ذاته بأنه إبن الله وفي نهاية حياته اعلن أيضًا وجود الروح القدس: "وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ، رُوحُ الْحَقِّ، الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِي" (يو26:15).
المسيح بعد قيامته أرسل تلاميذه إلي العالم لكي يتلمذوا الناس "عمدوهم بإسم الآب والإبن والروح القدس" (مت19:28). لأجل هذا أيضًا بحسب سر المعمودية التغطيس الثلاثي يصير بإسم الثالوث القدوس. "يُعمَّد عبد الله بإسم الآب والإبن والروح القدس". أيضًا في كل صلواتنا تنتهي بإستدعاء الله الثالوث, مثل: "لأنه المجد والكرامة والسجود للآب والإبن والروح القدس, الآن وكل أوان وإلي دهر الدهور آمين".
لقد أكد التلاميذ والرسل ثالوثية الله. وأدركوا جيدًا من خبرتهم الشخصية أن الله هو ثالوث. لأجل هذا يقول الرسول بطرس: "بِمُقْتَضَى عِلْمِ اللهِ الآبِ السَّابِقِ، فِي تَقْدِيسِ الرُّوحِ لِلطَّاعَةِ، وَرَشِّ دَمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ: لِتُكْثَرْ لَكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلاَمُ" (1بط2:1). نفس الأمر نتقابل معه أيضًا في نصوص كثيرة لرسائل بولس الرسول إن البركة الرسولية التي وضعتها الكنيسة في الليتورجية هي واضحة: "نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله وشركة الروح القدس مع جميعكم" (2كو13:13).
إن شهادة القديسيين هي هامة جدًا في البداية. يجب أن نقبل الإعلان عقليًا وبعد ذلك نستطيع أن نصل إلي التأكيد الشخصي. يجب أن نقبل شهادة ملايين ملايين القديسين الذين أكدوا أن الله هو ثالوث. بعض الناس ذهبوا إلي القمر وإلي الفضاء والكل قَبِل شهادتهم، قليل من المؤرخين حفظوا لنا حدث تاريخي ونحن نعتبره حدث مؤكد. بنفس الأمر أيضًا بالحري يجب أن نفعله عن إعلان الله الثالوث, الذي أعطاه لنا القديسين, الذين أكدوا هذه الشهادة بدماءهم وحياتهم.
يجب أن يصير أيضًا بالعِلم البشري. جميعنا نقبل إكتشافات عالِم, حتى لو لم ندركها عقليًا, حتى لو الأحاسيس تعطي لنا صورة مختلفة. وعندما نقبل نتائج العلماء, نستطيع بعد ذلك بخبرتنا الشخصية أن ننتهي لتأكيد شخصي. نفس الأمر يصير أيضًا بالحياة الروحية. نقبل أولاً شهادة القديسين وبعد ذلك نجاهد في متابعة طريقة الحياة التي سار عليها أولئك وهكذا نصل إلي مرحلة أننا نتيقن من حقيقة الله الثالوث.
لا يستطيع أحد بأمثلة أن ندافع عن هذه الحقيقة, لان الله هو غير مخلوق, بينما العالم هو مخلوق. لكن الآباء القديسون يستخدمون بعض الأمثلة, مثل وجود ثلاثة شموس. والثلاثة شموس لديهم نفس اللمعان لكن الكلام هنا عن ثلاثة شموس مختلفة. هكذا, أقانيم الثالوث القدوس لديهم خواص شخصية, بل لديهم نفس اللمعان والإشراق, ليسوا هم ثلاثة آلهة. الأفضل في التأكيد والبرهنة علي وجود الله هو أن يطهر أحد قلبه من الشهوات. عندئذٍ تأتي نعمة الله في القلب الطاهر والإنسان يكتسب معرفة الله الثالوث. عندئذٍ يصير مسكن الله الثالوث, الله يصير ساكن في الإنسان. ويُوصف الإنسان بأنه مسكن الله.
وكون أن الله هو ثالوث, ثلاثة أقانيم, وأيضًا جوهر واحد لهو هام جدًا للحياة الروحية. هنا تختلف المسيحية عن الأديان الأخري.
أولاًـ  الله هو شخص. هذا يعني أنه ليس هو قوة مجردة وعظيمة تحكم العالم, لان القوة غير عاقلة هي قوة مدمرة. الله لديه محبة، اما القوات العُظمي لا تستطيع أن تحب الإنسان. الإعلان بأن الله هو شخص وأن الإنسان هو شخص يُظهِر أن علاقات الإنسان بالله هي علاقات شخصية, الأمر الذي يعني أن الإنسان لا يُفقد مثل نقطة ماء في محيط الله. يوجد في البوذية مثل هذا الفكر عن الله والإنسان. يُقال أن آتمان الفردي يجب أن يتطابق تطابقًا مطلقًا مع براهما الشامل وهذا هو الخلاص. لكن مثل هذا التطابق لا يمثل محبة, طالما, كما نعرف أن المحبة تريد شركة, وعلاقة صحيحة, وتحافظ علي الحرية. خلاص بدون محبة هو كُره ومحبة بدون الحفاظ علي الحرية هي محبة مدمرة.
الله هو ثالوث, الآب والإبن والروح القدس. هذا يعني أن الله محبة. عندما نستخدم فعل أحب, مباشرة يُفرَّض سؤال: مَنْ تُحِبه؟ لو لم يوجد شخص آخر, عندئذٍ لا يمكن أن توجد محبة. مطران أخريدوس نيقولا يقول: "لكي يدرك المرء الله بدون إبن يعني أنه يدركه بدون محبة. عندما يقول أحد من الناس: أحب, اتوماتيكيًا يتبعه من جانبنا سؤال: مَنْ تُحبه؟ إذن مَنْ يُحبه الله الآب في الأبدية, قبل خلق العالم,  إن لم يكن الإبن كموضوع لمحبته؟ سيعني أن هذا لا يعرف أنه يُحِب, كانت المحبة في جوهرة, قبل خلق العالم كموضوع لمحبته. وهذا يعني أيضًا أن الله إكتسب بخلق شيء ما لم يكن لديه وهكذا تغير لكن هذا لا هو مطلق ولا له معني, وفي نفس الوقت هو ضد الكتاب المقدس, الذي فيه صارت شهادة من السماء بأن لا يوجد تغيير ولا ظل دوران في الله.
بالتالي, إن لم نقبل أن الله هو ثالوث, عندئذٍ سوف نعتبر أن الله هو بدون محبة, بالحري سيكون فقط عادل. لكن هذا يغير علاقتنا معه. ليس فقط يغير الحق المعلن بل يغير أيضًا خلاص الإنسان, كذلك أيضًا وجود الإنسان ذاته.
أما الأديان التي تركز علي الله بدون محبة وتشدد علي عدله ورحمته, يقول المطران نيقولا: "عندما لا يوجد الله بدون الإبن, لا يصير حديث عن محبة الله, بل فقط عن العدالة والرحمة الإلهية. هذا, بالتأكيد يغير كل حياة الإنسان. لأن "المحبة تجاه ذواتنا لا تكون محبة, بل أنانية. لأجل هذا التشديد يصير علي العدالة والرحمة". عابدي الأوثان في العهد القديم قد آمنوا بآلهة كثيرة, لكن هؤلاء قد إستحوذت عليهم الشهوات البشرية والضعفات البشرية. الآلهة التي تخوض في حروب وبغضه لا تستطيع أن تخلص الإنسان, لأجل هذا أيضًا هي أوثان وحِسيات كاذبة.
أيضًا يقول المطران آخريدوس نيقولاوس: "كان يوجد في العالم الوثني إيمان بالثالوث لكن ليس بالثالوث القدوس والفريد. الهنود كانوا يؤمنون ويؤمنون اليوم بثلاثة آلهة عُليا ومنهم واحد, هو سيفا هو شيطان ومدمر كل أولئك الذين خلقهما الأثنين فيسنو وبراهما. كانوا يؤمنون في مصر أيضًا بثلاثة آلهة لكن كمثل عائلة بمحبة جسدية منهما أوزوريس وإيزيس إكتسبا إبنًا هو هور والذي قتل أوزوريس وهكذا إنحل هذا الزواج الثالوثي. الناس قبل المسيح إستطاعوا بعقلهم وبمحاولاتهم أن ينشئوا حضارات في كل أنحاء العالم, لكن لم يستطيعوا أن يصلوا إلي الفكر المستقيم عن الله, كثالوث قدوس في واحدية بالتالي ولا عن الله كمحبة".
يبدو من كل ما ذكرناه أن الإيمان بالله الثالوث هو هام, طالما من جهة هذا هو الحق, كما أعلنه لنا المسيح, ومن جهة أخري لأن خارج هذا الإعلان لا يستطيع أن توجد المحبة. إله هو قوة عظمي قد خلق العالم وبحكمته, أو إله يُعتبر ذات قيمة وواحد مصمت لا يمكن أن تكون لديه محبة. وبالطبع بدون محبة لا يمكن أن تنمو علاقات شخصية وشركة حقيقية. في مثل هذه الحالة, الله سيكون مُعاقب τιμωρός ومؤذِ, بينما الإنسان سوف يفقد صفته الشخصية. هكذا لا نستطيع أن نتحدث عن المحبة الحقيقية خارج إعلان الله الثالوث.
توجد في الكتاب المقدس, فيما عدا صورة الآب, صور أخري تصف الله، وأيضًا بالحري تحدد علاقات المسيح مع الناس. صورتان من الصور تشيرا إلى أن الابن, من محبتة صار إنسان, عاش قريبًا منِا وخلصنا من الخطية, والشيطان والموت. عندما أخبروا المسيح بأن إخوته بحسب الجسد وأمه يطلبونه, ذاك قال لتلاميذه: "  مَنْ هِيَ أُمِّي وَمَنْ هُمْ إِخْوَتي؟» ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ نَحْوَ تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ:«هَا أُمِّي وَإِخْوَتي. لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي»" (مت46:12ـ50). مباشرة بعد قيامته قال لحاملات الطيب: "فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ:«لاَ تَخَافَا. اِذْهَبَا قُولاَ لإِخْوَتِي أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى الْجَلِيلِ، وَهُنَاكَ يَرَوْنَنِي»" (مت10:28). المسيح ذاته إستخدم صورة الصديق لكي يُظهر العلاقة الشخصية بأولئك الذين يحفظون إرادته: "أَنْتُمْ أَحِبَّائِي إِنْ فَعَلْتُمْ مَا أُوصِيكُمْ بِهِ. لاَ أَعُودُ أُسَمِّيكُمْ عَبِيدًا، لأَنَّ الْعَبْدَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ سَيِّدُهُ، لكِنِّي قَدْ سَمَّيْتُكُمْ أَحِبَّاءَ لأَنِّي أَعْلَمْتُكُمْ بِكُلِّ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي" (يو14:15ـ15).
القديس يوحنا ذهبي الفم يقدم المسيح وهو يقول للناس: "أنا الأب, أنا الأخ, أنا العريس, أنا المُعلِم, أنا الملبس,... جئت لأخدم لا لكي أُخَدم. أنا أيضًا الصديق والعضو والرأس أنا أتالم لأجلك وأتشرد لأجلك. كل ما لي هو لك, أنت الأخ والقريب والوارث, والصديق والعضو. ماذا تريد أيضًا؟" هذا النص يُظهِر محبة الله للجنس البشري عُبَّر عنها بواسطة المسيح.
بالتالي, الله هو محبة ويحب الإنسان محبة فائقة, وذلك لأنه هو إله شخصي وثالوث. التعليم عن الله الثالوث هو الألفا والأوميجا لإيماننا. لأن ألفا هي بداية فعل أُحِب ἀγαπω والأوميجا هي نهاية هذا الفعل, لأجل هذا نقول إن الله الثالوث هو محبة ويُحِب الإنسان محبة فائقة حتى موت الصليب.
أسئلة وأجوبة علي العظة الثانية
1ـ لماذا يُسمي الله آب؟
الأقنوم الأول للثالوث القدوس هو الآب, لأنه وَلَدَ الإبن قبل الدهور والله  يُدعَّي آب لأنه خلق الإنسان في الزمن.
2ـ مَنْ هو الإله الحقيقي؟
الله الثالوث, الآب والإبن والروح القدس.
3ـ كيف نعرف أن الله هو ثالوث؟
من إعلان يسوع, أحداث المعمودية والتجلي ومن شهادة القديسيين الذين عاشوا هذة الحقيقة شخصيًا.
4ـ كيف نستطيع أن نحصل علي الخبرة الشخصية لله الثالوث؟
نقبل شهادة القديسين ثم نطهر القلب ونشترك في الأسرار ونستطيع أن نصل إلي الإعلان.
5ـ هل توجد أمثلة في الطبيعة تستطيع أن تُظِهر لنا أن الله هو ثالوث؟
نستخدم أمثلة مجازية. مثال : توجد ثلاث شموس. الشموس مختلفة لكن لديها إشراقة واحدة.
6ـ ماذا يعني أن الله هو شخص وليس قوة عظمي أو ثلاثة وليس واحد؟
الله لديه محبة لا يمكن أن يكون قوة عظمي ولا واحد وحده مصمته.
7ـ ماذا يعني ما يقوله البعض بأن الله لايمكن أن يكون لديه إبن؟
يعني أنه ليس لديه محبة أزلية. لأجل هذا أولئك الذين يقولون من المستحيل أن يكون له إبن يتحدثون عن العدالة والرحمة وليس عن المحبة.
8ـ كيف يُدرَّك الخلاص عند البوذية؟
كتطابق مطلق للنفس الفردية (آتمان) بالنفس العالمية (براهما) ، وإلغاء الشخص ليس هو خلاص حقيقي.
9ـ لماذا آلهة عبادة الأوثان ليسوا آلهة حقيقين؟ 
لأن هذه الألهة إستولت عليهم شهواتهم بحسب الأساطير, وفي الأساس هم غير موجودون.
10ـ لقد تحدثت الديانات القديمة عن الله الثالوث, ماذا كانوا يعنون؟
نعم تحدثوا لكن رأوه داخل علاقة جسدية مثلما في مصر القديمة, وأيضًا رأوه كمدمر مثلما في الهند.
11ـ فيما عدا صورة الآب, هل توجد صور أخري في الكتاب المقدس لكي نقدم المسيح؟
توجد صور كثيرة. إثنين منها هما صورة الأخ وصورة الصديق.