الأحد، 20 مايو 2012

الشعب يختار الرئيس - التصويت لمن ؟؟؟


التصويت لمَنْ ؟؟؟

                  د جورج عوض


تنتابنا  ، في هذه الأيام ، الحيرة والإرتباك بشأن التصويت في إنتخابات الرئاسة . والسؤال الذي يطرحه الكثيرون : مَنْ هو المرشح الذي نختاره ؟

 كان النظام السابق يقوم بالنيابة عنا في عملية التصويت ويريحنا من عناء الإختيار . أما الآن ونحن نمارس حرية الإختيار نجد أنفسنا في حيره وتخبط باحثين عن أي أحد أو أي مؤسسة تُملي علينا المرشح الذي علينا ان نختاره . الأمر الذي يشير إلى محاولاتنا  للهروب من الحرية وعدم تحمل مسئولية الإختيار مثل أطفال الحضانة الذين يصرخون بكاءً من ترك والديهم لهم بعيداً عن أعينهم . ونحن فعلاً في كي جي 1 ديمقراطية نحاول ممارستها لكننا نريد إلقاء مسئولية ممارستها على الغير متناسين ان الذي يريد تعلم العوم لا بد ان يمارس العوم هو نفسه وليس غيره . لو أردت أن تمارس الديمقراطية عليك ان تتحمل مسئولية الحرية ولا تخاف منها ، علينا ان ندرس ونسترشد بالآخرين ونفكر جيداً ثم نختار بأنفسنا بلا أدنى تردد مَنْ نراه جديراً بهذه المرحلة . لكن دعنا نتذكر بعض الأمور الأساسية منعاً للنسيان أو التناسي :

أولاً : قامت في مصر ثورة من أنبل الثورات في العالم ، ثورة على الظلم والإستبداد ، على ثقافة وقيم الأستهلاك ، على ثقافة الإنحراف الإجتماعي والأقتصادي والأخلاقي . لذلك كان شعار الثورة هو " التغيير والحرية والعدالة الإجتماعية " . وهذا لا يتحقق إلا بالتغيير السياسي الشامل . وقد نجحت الثورة في الإطاحة بالنظام السابق الرئاسي .

ثانياً : ظنت الأغلبية أن الثورة سوف تجني ثمارها المرجوة  فور الإطاحة بالرأس متناسية أن التغيير المنشود ليس تغيير في الوجوه بل تغيير في عمق تفكيرنا وأولوياتنا وإختياراتنا ، لذا ما أُ نجز  كان قليلاً : الإستفتاء على إعلان دستوري  وإنتخابات برلمانية وها نحن على وشك الدخول في التصويت على إنتخابات الرئاسة ، وتخلل هذه الإنجازات صراعات مريرة وشد وجذب وكر وفر بين والقوى والأحزاب  وبين المؤسسة التي تدير البلاد وسقط مئات الشهداء من أجل أن تستمر الثورة في مسيرتها ، وعانى شعبنا الأمرين من تدني مستوى المعيشة وعدم توفر الأمان وأنتشار البلطجة والسلب والنهب والتعدي على المستشفيات والهيئات الحكومية  وإنقطاع وسائل المواصلات  ونقص الغاز والبنزين وتصرفات التيار الديني وإنشغالاته البعيدة عن القضايا الأساسية وتوظيف الدين لخدمة السياسة . والخلاصة  هي انتشار الفوضى التي وعدنا بها الرئيس المخلوع .

ثالثاً : الخطأ كل الخطأ هو ان نلقي مسئولية ما حدث لبلادنا بعد الثورة لطرف ثالث مجهول ليس منا ، وبالتالي إختزال كل ما حدث في الطرف الثالث . المسئولية تقع على جميعنا حين إعتقدنا ان التغيير يجب ان يطال أفراد النظام السابق ، أو حين أعتقدنا ان مجرد تغيير الوجوه هو إنجاز عظيم يضمن لنا سلامة الثورة . الثورة  يجب ان تغير طريقة تفكيرنا وحياتنا وسلوكياتنا لتليق بالأنفس الطاهرة التي سفكت دمائها من أجل العدل والحرية والكرامة الإنسانية.

رابعاً : التطبيق العملي للثورة يجب ان يظهر في حياتنا وسلوكياتنا اليومية : لللأسف ما زلنا نكسر إشارات المرور ونبني على الأراضي الزراعية ونعلي بناياتنا بطريقة مخالفه ونعطي دروس خصوصيه بنفس طريقة ما قبل الثورة ، أيضاً إنتهاز فرصة الضعف الأمني في أعمال الخطف والنهب والبلطجه وغيره من الأعمال المشينة ، إزداد التكالب على المادة والمصلحة الفردية والأنانية .....الخ

خامساً : يجب ان نعترف ان القوى الثورية لم تستغل فترة الحوار الذي كان متاح بينها وبين المجلس العسكري لأنها إشتركت في حوارات مع المجلس بمكابره ثورية حولت الحوار إلى إملاءات غير مقبولة ، والنتيجة كما نرى عُزلة شبه تامة بينها وبين أصحاب اليد العليا في إدارة شئون الدولة ، وترك الساحة للتيار الديني ليعقد حوارات مصلحية جنى منها بمفرده معظم ثمار الثورة .

سادساً : يجب الأعتراف أيضاً بأن الأحداث التي مرت بها البلاد على المستوى الثوري من سقوط شهداء على أيدي مجهولين بلغة القانون ، وعلى المستوى الأقتصادي من كساد وتدهور ، وعلى المستوى الإجتماعي من غياب الأمن وانتشار البلطجة وقلة الغاز والبنزين ووسائل المواصلات وحرائق هنا وهناك ، كل هذه الأحداث أجبرت قطاع من شعبنا أن يتحسر على أيام النظام السابق وفُتح  الطريق لأثنين من المحسوبين على النظام السابق بأن يترشحا إعتماداً على هذا القطاع  الذي كل أمله هو أن ترجع أيام النظام السابق .

سابعاً : أياً كان النظام القادم :  رئاسي أو برلماني ، الرئيس القادم لن تكون في يديه عصا سحريه يصنع بها المعجزات حتى لو كان متديناً ، الخلاص سوف يأتي من تآزر كل قوى الشعب مع الرئيس ، مضى زمن الرئيس الفرد والزعيم والقائد والمبجل والممسك بكل الخيوط .

ثامناً : الإجابة على سؤال : التصويت لمَنْ ؟ لا أستطيع أن أملي عليك مرشح بعينه ، لكن لو أردت ان تستمر الثورة في مسيرتها ، أمامك طريقين :

 الأول : أن تختار مرشح من التيار المدني الثوري مثل حمدين صباحي

الثاني : أن تختار مرشح من التيار الديني الثوري مثل د عبد المنعم أبو الفتوح

أما لو كان حلمك مجرد الرجوع إلى ما قبل الثورة مع تحسن ولو غير جذري ، أمامك طريق واحد هو ان تختار إما الفريق أحمد شفيق أو عمرو موسى

إذن لا تحتار وإحسم أنت  موقفك ، هل أنت مع إستمرارية هذه الثورة أم أنت مع الإكتفاء بما أحدثته هذه الثورة  ، وتتمنى رجوع مُحّسن لأيام النظام السابق  ؟ .

قد يكون هذا التحليل خاطيء لكن يكفي ان نفكر معا وليكن القرار الذي يتخذه كل واحد منا هو قرار حُر وشخصي ، " وكُن رجلاً ولا تتبع خُطواتي " كما قال أحد الفلاسفة .

الاثنين، 14 مايو 2012

القديس أثناسيوس في مواجهة تشكيك الآريوسيين في ألوهية الإبن


          القديس أثناسيوس في مواجهة  تشكيك الآريوسيين في ألوهية الإبن - د جورج عوض

                                                           

 إن تفسير القديس أثناسيوس للكتاب المقدس يرتبط ارتباطًا وثيقًا بجهاده ضد الآريوسية. ومقالاته ضد الآريوسيين تمدنا بأمثلة عديدة لكيفية تفسيره  للكتاب المقدس، وكيف يطبق هذا التفسير ليرّد على تعاليم الآريوسيين الهرطوقية. إننا نجده حين يشرح آيات من الأناجيل عن التجسد، يستعرض اعتراضات الآريوسيين الشائعة: " لو كان الابن ابنًا بالطبيعة، لما كان في احتياج أن يأخذ، بل كل شئ يكون له بالطبيعة كابن، وكيف يكون هو القوة الطبيعية والحقيقية للآب وهو في وقت الآلام قال " ... الآن نفسي قد اضطربت... " (يو27:12ـ28).

 لو كان هو القوة لما كان قد ضَعُف، بل لكان قد أعطى قوة لآخرين ... لو كان هو حكمة الآب الحقيقية والذاتية، فلماذا كُتب عنه: "
 الآن نفسي قد اضطربت وكان يسوع ينمو في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس" (لو52:2).

وبالمثل عندما جاء إلى نواحي قيصيرية فيلبس سأل التلاميذ :

"ماذا يقول الناس إني أنا " (مت13:16).

وأيضًا حينما جاء إلى بيت عنيا سأل عن لعازر "  أين دُفن  " (انظر يو18:11).

وأيضًا قال لتلاميذه "  كم رغيفًا عندكم  " (مر38:6) ...

 كيف إذًا يكون هو الحكمة وهو ينمو في الحكمة، وكان يجهل الأمور التي كان يسأل عنها الآخرين؟ ...

كيف يمكن وهو الله، أن يصير إنسانًا؟ ... كيف يمكن لمَن لا جسد له أن يلبس جسدًا؟ ...

 كيف يمكن أن الذي ينام ويبكي ويطلب أن يعرف كإنسان، يكون هو الكلمة أو هو الله؟ [1].



   إن رد القديس أثناسيوس على هذه الأسئلة وغيرها قد تركز على العلاقة بين لاهوت المسيح وناسوته. وهو مقتنع تمامًا أن الكتاب المقدس يحتوي على تقرير مزدوج للملخّص: [ والآن فإن هدف الكتاب المقدس وميزته الخاصة، كما قلنا مرارًا، هو أنه يحوي إعلانًا مزدوجًا عن المخلّص: أى أنه كان دائمًا إلهًا وأنه الابن إذ هو كلمة الآب وشعاعه وحكمته، ثم بعد ذلك اتخذ من أجلنا جسدًا من العذراء مريم والدة الإله، وصار إنسانًا][2]. ويؤكد ق. أثناسيوس بأن هذا الإعلان المزدوج هو موجود في كل الكتاب المقدس الموحى به من الله، ثم يبدأ في تدوين نصوص وفقرات تؤكد على لاهوت وناسوت المسيح. المشكلة كما يراها أثناسيوس في العلاقة بين المسيح بكونه إله وبكونه إنسان في آنٍ واحد، مع التركيز على أن الابن قد صار ما نحن عليه "لأجلنا"، لأن الابن اتحد بنا اتحاد حقيقي، اتحد بجسدنا. وصفات الجسد تخص الابن حقًا لأنها هى خصائصه في إطار التجسد:
 [ خواص الجسد هى خاصة به حيث إنه كان في الجسد، وذلك مثل أن يجوع، وأن يعطش، وأن يتألم، وأن يتعب، وما شابهها من الأمور المختصة بالجسد ][3].
ويستمر ق. أثناسيوس قائلاً:
[ بينما من الناحية الأخرى فإن الأعمال الخاصة بالكلمة ذاته مثل إقامة الموتى، وإعادة البصر إلى العميان، وشفاء المرأة نازفة الدم، قد فعلها بواسطة جسده، والكلمة حمل ضعفات الجسد كما لو كانت له، لأن الجسد كان جسده، والجسد خدم أعمال اللاهوت، لأن اللاهوت كان في الجسد، ولأن الجسد كان جسد الله ][4].


   هنا جوهر رد ق. أثناسيوس على الإرتباك الآريوسي بين لاهوت وناسوت المسيح. فالكلمة لم يكن "خارج" ناسوته الذي أخذه. بالحري حين خدم الابن المتجسد، فإن اللاهوت والناسوت كانا معًا يعملان في وحدة لا تنفصم:


   [ فحينما كان هناك احتياج لإقامة حماة بطرس التي كانت مريضة بالحُمى فإنه مدّ يده إليها بشريًا، ولكنه أوقف المرض إلهيًا (انظر مت14:8). وفي حالة الإنسان المولود أعمى فإن تفل البصاق كان من الجسد ولكن فتح عين الأعمى بالطين إلهيًا. وفي حالة لعازر، فلكونه إنسانًا فقد دعاه بصوته البشري ولكونه في نفس الوقت إلهًا فقد أقامه من الأموات. وهذه الأمور حدثت هكذا وظهرت هكذا لأنه كان قد اتخذ لنفسه جسدًا حقيقيًا وليس خياليًا، ولذا كان يليق بالرب بأخذه جسدًا بشريًا أن يكون لهذا الجسد كل الخواص التي للجسد، حتى كما نقول إن الجسد كان جسده. هكذا أيضًا نقول إن آلام الجسد كانت خاصة به، أى الكلمة رغم أنها لم تمسه بحسب لاهوته ][5].


   هكذا ركز ق. أثناسيوس على إيضاح حقيقة أن المسيح يعمل لاهوتيًا وناسوتيًا معًا من خلال جسده الذي أخذه. وحين يعمل بقوة ويشفي المرضى ويقيم الموتى، ندرك نحن لاهوته في الفعل. وحين يكون متعبًا فإننا نرى مظاهر الناسوت الأصيل والحقيقي الذي أخذه.


   لقد أخطأ الآريوسيين إذ قرأوا الكتاب المقدس قراءة هزيلة غير عميقة، ورأينا فشلهم في التمييز بين ما يليق بلاهوت الابن وما يناسب بشريته أو ناسوته. وهذا الإخفاق يقود إلى إنكار لاهوت الابن. وهذا ما نتحقق منه دائمًا حين نرى تيارات فكرية غريبة تسقط في هذا الإخفاق وتنكر ألوهية الابن. ومن هنا نجد الأهمية العظيمة لتعليم القديس أثناسيوس التفسيري الذي يساعد أبناء الكنيسة على فهم الكتاب المقدس فهمًا أرثوذكسيًا.











32 القديس أثناسيوس الرسولي، المقالة الثالثة ضد الآريوسيين، ترجمة د. مجدي وهبة ود. نصحي عبد الشهيد، مراجعة د. جوزيف موريس  ود. نصحي عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، طبعة ثانية منقحة، أبريل 2007م ص54ـ59.
33 المرجع السابق ص59ـ60.
34 المرجع السابق ص62.
35 المرجع السابق.
36 المرجع السابق ص63ـ64.