القديس أثناسيوس في مواجهة تشكيك الآريوسيين في ألوهية الإبن - د جورج عوض
إن تفسير القديس أثناسيوس للكتاب المقدس يرتبط ارتباطًا وثيقًا بجهاده ضد الآريوسية. ومقالاته ضد الآريوسيين تمدنا بأمثلة عديدة لكيفية تفسيره للكتاب المقدس، وكيف يطبق هذا التفسير ليرّد على تعاليم الآريوسيين الهرطوقية. إننا نجده حين يشرح آيات من الأناجيل عن التجسد، يستعرض اعتراضات الآريوسيين الشائعة: " لو كان الابن ابنًا بالطبيعة، لما كان في احتياج أن يأخذ، بل كل شئ يكون له بالطبيعة كابن، وكيف يكون هو القوة الطبيعية والحقيقية للآب وهو في وقت الآلام قال " ... الآن نفسي قد اضطربت... " (يو27:12ـ28).
لو كان هو القوة لما كان قد ضَعُف، بل لكان قد أعطى قوة
لآخرين ... لو كان هو حكمة الآب الحقيقية والذاتية، فلماذا كُتب عنه: "
الآن نفسي قد اضطربت وكان يسوع ينمو في الحكمة والقامة
والنعمة عند الله والناس" (لو52:2).
وبالمثل عندما جاء إلى نواحي قيصيرية فيلبس سأل التلاميذ :
"ماذا يقول الناس إني أنا " (مت13:16).
وأيضًا حينما جاء إلى بيت عنيا سأل عن لعازر " أين دُفن " (انظر يو18:11).
وأيضًا قال لتلاميذه " كم رغيفًا عندكم " (مر38:6) ...
كيف إذًا يكون هو الحكمة وهو ينمو في الحكمة، وكان يجهل الأمور التي كان يسأل عنها الآخرين؟ ...
كيف يمكن وهو الله، أن يصير إنسانًا؟ ... كيف يمكن لمَن لا جسد له أن يلبس جسدًا؟ ...
كيف يمكن أن الذي
ينام ويبكي ويطلب أن يعرف كإنسان، يكون هو الكلمة أو هو الله؟ [1].
إن رد القديس أثناسيوس على هذه الأسئلة وغيرها قد تركز
على العلاقة بين لاهوت المسيح وناسوته. وهو مقتنع تمامًا أن الكتاب المقدس يحتوي
على تقرير مزدوج للملخّص: [ والآن فإن هدف الكتاب المقدس وميزته الخاصة، كما قلنا
مرارًا، هو أنه يحوي إعلانًا مزدوجًا عن المخلّص: أى أنه كان دائمًا إلهًا وأنه
الابن إذ هو كلمة الآب وشعاعه وحكمته، ثم بعد ذلك اتخذ من أجلنا جسدًا من العذراء
مريم والدة الإله، وصار إنسانًا][2].
ويؤكد ق. أثناسيوس بأن هذا الإعلان المزدوج هو موجود في كل الكتاب المقدس الموحى
به من الله، ثم يبدأ في تدوين نصوص وفقرات تؤكد على لاهوت وناسوت المسيح. المشكلة
كما يراها أثناسيوس في العلاقة بين المسيح بكونه إله وبكونه إنسان في آنٍ واحد، مع
التركيز على أن الابن قد صار ما نحن عليه "لأجلنا"، لأن الابن اتحد بنا
اتحاد حقيقي، اتحد بجسدنا. وصفات الجسد تخص الابن حقًا لأنها هى خصائصه في إطار
التجسد:
[ خواص الجسد هى خاصة به حيث إنه كان في الجسد، وذلك مثل أن يجوع، وأن يعطش، وأن يتألم، وأن يتعب، وما شابهها من الأمور المختصة بالجسد ][3].
ويستمر ق. أثناسيوس قائلاً:
[ بينما من الناحية الأخرى فإن الأعمال الخاصة بالكلمة ذاته مثل إقامة الموتى، وإعادة البصر إلى العميان، وشفاء المرأة نازفة الدم، قد فعلها بواسطة جسده، والكلمة حمل ضعفات الجسد كما لو كانت له، لأن الجسد كان جسده، والجسد خدم أعمال اللاهوت، لأن اللاهوت كان في الجسد، ولأن الجسد كان جسد الله ][4].
[ خواص الجسد هى خاصة به حيث إنه كان في الجسد، وذلك مثل أن يجوع، وأن يعطش، وأن يتألم، وأن يتعب، وما شابهها من الأمور المختصة بالجسد ][3].
ويستمر ق. أثناسيوس قائلاً:
[ بينما من الناحية الأخرى فإن الأعمال الخاصة بالكلمة ذاته مثل إقامة الموتى، وإعادة البصر إلى العميان، وشفاء المرأة نازفة الدم، قد فعلها بواسطة جسده، والكلمة حمل ضعفات الجسد كما لو كانت له، لأن الجسد كان جسده، والجسد خدم أعمال اللاهوت، لأن اللاهوت كان في الجسد، ولأن الجسد كان جسد الله ][4].
هنا جوهر رد ق. أثناسيوس على الإرتباك الآريوسي
بين لاهوت وناسوت المسيح. فالكلمة لم يكن "خارج" ناسوته الذي أخذه.
بالحري حين خدم الابن المتجسد، فإن اللاهوت والناسوت كانا معًا يعملان في وحدة لا
تنفصم:
[ فحينما كان هناك احتياج لإقامة حماة بطرس
التي كانت مريضة بالحُمى فإنه مدّ يده إليها بشريًا، ولكنه أوقف المرض إلهيًا
(انظر مت14:8). وفي حالة الإنسان المولود أعمى فإن تفل البصاق كان من الجسد ولكن
فتح عين الأعمى بالطين إلهيًا. وفي حالة لعازر، فلكونه إنسانًا فقد دعاه بصوته
البشري ولكونه في نفس الوقت إلهًا فقد أقامه من الأموات. وهذه الأمور حدثت هكذا
وظهرت هكذا لأنه كان قد اتخذ لنفسه جسدًا حقيقيًا وليس خياليًا، ولذا كان يليق
بالرب بأخذه جسدًا بشريًا أن يكون لهذا الجسد كل الخواص التي للجسد، حتى كما نقول
إن الجسد كان جسده. هكذا أيضًا نقول إن آلام الجسد كانت خاصة به، أى الكلمة رغم
أنها لم تمسه بحسب لاهوته ][5].
هكذا ركز ق. أثناسيوس على إيضاح حقيقة أن
المسيح يعمل لاهوتيًا وناسوتيًا معًا من خلال جسده الذي أخذه. وحين يعمل بقوة ويشفي
المرضى ويقيم الموتى، ندرك نحن لاهوته في الفعل. وحين يكون متعبًا فإننا نرى مظاهر
الناسوت الأصيل والحقيقي الذي أخذه.
لقد أخطأ الآريوسيين إذ قرأوا الكتاب المقدس
قراءة هزيلة غير عميقة، ورأينا فشلهم في التمييز بين ما يليق بلاهوت الابن وما
يناسب بشريته أو ناسوته. وهذا الإخفاق يقود إلى إنكار لاهوت الابن. وهذا ما نتحقق
منه دائمًا حين نرى تيارات فكرية غريبة تسقط في هذا الإخفاق وتنكر ألوهية الابن.
ومن هنا نجد الأهمية العظيمة لتعليم القديس أثناسيوس التفسيري الذي يساعد أبناء
الكنيسة على فهم الكتاب المقدس فهمًا أرثوذكسيًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق