الأربعاء، 7 نوفمبر 2012

الأصولية الدينية المتطرفة


الأصولية الدينية المتطرفة

د. جورج عوض إبراهيم

تعريف كلمة أصولية:

    الكلمة باللغة اليونانية هي φανταμενταλισμosوهي من الكلمة الإنجليزية fundamentalism وتعني (الأصولية) أو العودة إلى "الأصول" الخاصة بتقليد سابق في الماضي والبقاء فيها إيمانياً وفكرياً وسلوكياً. إذًا فالأصولية هي الإصرار على بنود إيمانية والدفاع المستميت عن عناصر أصولية لميراث ديني.

هناك ثلاثة ملامح تُكَون الأصولية المتطرفة:

 1ـ النزعة المحافظة التقليدية.          2ـ النزعة التدينية .                                                        3ـ النزعة الجهادية.

النزعة المحافظة التقليدية

    تظل هي النزعة السائدة المميزة للأصولية عن "النزعة المعاصرة"، فهي تعارض النزعة التحررية أو الاجتماعية أو التنويرية والحداثة. هكذا فهي تعني الحفاظ على تقليد "الأصول" بدون تجديد وبدون تطبيق معاصر. كما وأن الإيمان بحسب الحرف والتطبيق الأعمى لأوامر الميراث السلفي ومعارضة كل ما هو حديث، وغربي (أوروبي أو أمريكي). يعد نواة الحركة الأصولية.

    فالأصولي المتطرف يمارس حياته اليومية وفقًا لنظرة تاريخية قديمة مرتبطة بالماضي، إلا أنه يستخدم بعض وسائل الحداثة، مثل الوسائل الحديثة في النقل والعلاج والبناء"، بيد أنه عندما تتحدث معه عن الأسس الحديثة لنظريات الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والنفسية فإنه يرفضها بشدة، لأنها تتعارض مع فهمه للحياة من خلال موروث سلفي لا يصلح للإنسان المخلوق بحسب صورة الله ومثاله، تاج الخليقة.

    وعندما يدعو الأصولي إلى التسامح ـ لتمرير خطابه المتزمت ـ فإنه يقصد التسامح من زاوية أصولية تاريخية ضيقة لا تمت بصلة بموضوع التسامح في إطاره الإنساني الذي يحتضن الإنسان أيًا كان مذهبه أو هويته. والدليل على ذلك هو أن الأصولي يتهرب من إعلان موقفه من قضايا الحريات العامة في المجتمع: مثل حرية العقيدة للجماعات المختلفة عنه، وحرية الرأي والتعبير بشكل عام، وقضايا الإرتداد الديني، والمساواة، والمرأة، والإلحاد، وغيرها من القضايا. إن الذي يُحرك الأصولي هو خطابه الديني المتزمت والسلفي وليس الخطاب المتجدد الذي يضع كرامة الإنسان المخلوق الإلهي في المرتبة الأولى.

0

 

أيضًا النزعة التدينية

    وهي نزعة تصبغ الأصولية وتحدد النزعة المحافظة التقليدية. فالتدين يكون بمثابة العنصر المثبت للنزعة المحافظة التقليدية، والمادة المتماسكة والقوية لأصول التقليد في الدين التي تُخضع كل ما هو علماني (الدولة، المجتمع، الاقتصاد) لكل ما هو ديني، وتُخضع الخاص (الحياة الشخصية للفرد) إلى العام (القيم الأخلاقية الدينية "الشرع المقدس"). هكذا الأصولية الدينية المتطرفة تتخذ مواقف متشددة وغير متفهمة للسلوك البشري وترفض المرونة الاجتماعية في التعامل مع هذا السلوك. فهي دائمًا تتصلب في فهمها لكل مجالات الحياة. فالفنون والموسيقى تُعد بالنسبة للأصولية مفسدات، إلا إذا كانت تساعد على نشر رسالة الجماعة الأصولية. كما يغلب عليها التشدد وعدم ترجيح العقل المعاصر في أحكامها. وجميع الحركات الأصولية تعطي لنفسها دور الوكيل لسلطة مقدسة ستهيمن على الأرض، وبالتالي ترى أفكارها كاملة وغير قابلة للنقاش.

    أحد أسباب أنتشار النزعة الدينية يتمثل في فقدان تفسير طبيعة الحياة الحديثة، لذا نجد أن مؤسسي الأصوليات الدينية يبحثون عن وجهات نظر متكاملة من أمهات الكتب التراثية، واستلهام ما قام به السلف الصالح لتريحهم من البحث عن أسئلة لا يملكون الإجابة عليها.

 

النزعة الجهادية

    وإن كانت تمثل الملمح الثالث، إلا إنها العنصر الأكثر إثارة للأصولية المتطرفة. إن استخدام العنف باسم النزعة المحافظة في خدمة كل ما هو مقدس هو ما يلخص الحركة الأصولية. فاستخدام السلاح وسفك الدماء، والقتل الجماعي، بتر الأعضاء كعقاب، طرد وعزل الأقليات، التمييزات القبلية، التطهير العرقي والإرهاب، كل هذا يندرج في بنود  الأجندة اليومية للأصوليين في كل العالم وفي كل عصر.

    ويشهد العالم الآن في كل أرجائه ارتدادًا، يصل إلى حد التطرف والإرهاب، إلى الأصولية الدينية بجميع طوائفها (الهندوسية والإسلامية واليهودية والمسيحية والبوذية). ويبشر الأصوليون كل مَنْ يلتزم بتعاليمهم، بالنجاة. ولا مجال في عالمهم لإثارة تساؤلات تنم عن حالة من الحيرة والقلق. أما مَنْ لا يتبع التعاليم، فيستحق العذاب.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق