الاثنين، 6 يناير 2014

التجسد والخلاص


 

التجسد والخلاص

د.جورج عوض إبراهيم

ا- تجسد الكلمة

      تجسد وتأنس الأقنوم الثاني للثالوث القدوس والإبن وكلمة الله كان إجراء هام لإعادة خلق وخلاص البشر وكل الخليقة . فالله الآب وهو يتمم وعوده المتعلقة بهذا الأمر وضع علي عاتق الإبن وكلمته أن يتمم خطة التدبير الإلهية والأزلية (يو16:3) : " لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ ". ولتحقيق هذا الهدف "عندما جاء ملء الزمان" إتخذ إبن الله في شخصه الإلهي الطبيعة البشرية وصار إنسانًا، إله وإنسان في آنٍ واحد  (فيلبي 6:2ـ7) : " الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلَّهِ. لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ ".

      عندما وُلدِ، المسيح، أخذ إسم (يسوع) الذي يعني "مخلص" (مت21:1). بالتالي، جاء المسيح إلي العالم، كمخلص بإرادته وقبوله الحُر حرية مطلقة وبحكمة مركزة وأيضًا خضوعًا لإرادة وقرار الثالوث الإلهي الأزلي."أراد" المسيح خلاص البشر وأتى إلي الأرض، لكي يقود البشر إلي طريق الخلاص. فالمسيح كان هو الذي أنجز وأمَّن خلاص البشر وصار "رئيس خلاصنا" (عب2:12).

1ـ الحاجة إلي التجسد لخلاص الإنسان

  (أ) ضعف الإنسان لأن ينقذ نفسه بمفرده

      تدخل الله الشخصي لإعادة إصلاح وخلاص الجنس البشري كان حتميًا وضروريًا، لأنه لا مخلوق ولا ملاك ولا إنسان ـ خاصةً الإنسان الساقط ـ كان في إستطاعته أن يأخذ علي عاتقه هذا العمل.     

 (ب) إعادة إصلاح مكانة الإنسان

       

      لو أن الله أعطي أمرًا أن يُعاد إصلاح الإنسان، فهذا الأمر بالطبع سوف يخلص الإنسان. لكن، مثل هذا الفعل سوف يُظهر بالتأكيد قوة الله، لكن خلاص الإنسان كان سيكون حالة خارجية ولن تختلف عن النعمة الإلهية التي أعطاها الله لآدم أثناء خلقه، ك "موهبة" أي بدون مشاركة إرادة الإنسان

      بالتالي لو أن إعادة إصلاح الإنسان كانت نتيجة إصدار "أمر" من الله، عندئذٍ خلاصه، كنتيجة لهذا التدخل الخارجي، حتى لو كان هذا التدخل إلهي، لن يكون معادل لقيمة الإنسان. علي النقيض، تجسد المسيح كان معادلاً لكرامة الإنسان، فمن جهةٍ لأن التجسد أو الخلاص صار حالة داخلية (كيانية أنطولوجية) تخص طبيعة الإنسان ذاتها، ومن جهة أخري، لأنه لكي يحصل (حالة الخلاص)، يجب أن يعمل أيضًا ويشارك الإنسان بنفسه في إتمام هذا الخلاص. 

2ـ طبيعة التجسد

  (أ) الملمح الإخلائي للتجسد

      لدى تجسد الكلمة ملمح إخلائي، كان عمل لا يُوصف للثالوث الإلهي. الله صار إنسانًا وضيعًا، الغني صار فقيرًا (2كو 9:8). السيد صار عبدًا. إخلاء المسيح هذا أخذ أبعاد غير متوقعة، عندما صعد المسيح "الإله الإنسان"  إلي الجلجثة، إرتفع علي الصليب ونزل إلي أعماق الجحيم. حركة القبول والإخلاء العظيمة، قد وصفها أولاً – كما ذكرنا -  بولس الرسول في رسالته إلي فيلبي: " الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ" (فيلبي 6:2ـ8).

  (ب) إتخاذ الطبيعة البشرية:

تجسد إبن الله هو سر لا يُدني منه، لذلك الخريستولوجية الأرثوذكسية كما صيغت في الكنيسة منذ البداية قبلت أن التجسد كان سر إتخاذ الطبيعة البشرية من الطبيعة الإلهية وإتحادهما في شخص إبن الله. الطبيعتين، اللاهوت والناسوت إتحدا في شخص المسيح "بلا إمتزاج ولا إنفصال ولا تغيير ولا تحول". يسوع المسيح كان شخص واحد إلهي وإنساني، إله كامل وإنسان كامل.

      إتحاد الطبيعتين في شخص المسيح كان إعادة إصلاح للطبيعة البشرية الأولي التي كانت مغروسة في النعمة الإلهية.

        بهذا المفهوم، كان المسيح، ليس فقط "آدم الثاني" "لكن تمامًا "آدم الجديد" و"إنسان جديد"  بكلام آخر، التجسد كان ظهور نموذج الإنسان  الحقيقي.

  (ج) التجسد بكونه تجلي

      السقوط سبب (جلب) اختفاء للإنسان أمام أعين الله، واحتجاب الله أمام أعين البشر. تجسد الابن أظهر هذا الاختفاء المزدوج. أعدم المسافة بين النور الإلهي والظُلمة البشرية. جذَّب الطبيعة البشرية من عمق النسيان ومن قبر الزوال إلي النور ( 1تيمو   16:3) : " وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ ".

( 1يو2:1) : " اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ. فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا ".

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق