الثلاثاء، 12 أغسطس 2014

 فيلم "الحرب العالمية الثالثة" والرسالة الفنية


 فيلم "الحرب العالمية الثالثة" والرسالة الفنية

                                                               د. جورج عوض
   بشهادة الناقدة الكبيرة ماجدة خير الله ، حقق فيلم " الحرب العالمية الثالثة " أعلى إيرادات افلام عيد الفطر 2014م، وشهدت دور السينما التي تعرضه ازدحاما منقطع النظير. الفيلم يلعب بطولته الثلاثي احمد فهمى، شيكو، هشام ماجد، وأخرجه أحمد الجندي، فكرة الفيلم مأخوذة من الفيلم الأمريكي “ليله فى المتحف” الذى لعب بطولته” بن ستيلر” وقدم منه جزئيين. فكرة الفيلم الاصلي هي إن متحف للشمع في أمريكا يضم تماثيل لبعض الشخصيات السياسية الفنية والادبية، بالإضافة لنماذج هياكل حيوانات منقرضة مثل الديناصور، يكتشف حارسه ”بن ستيلر”  بأن الحياه فجأة تدب في التماثيل عندما تدق الساعة الثانية عشر مساءا ، منتصف الليل، وتبدأ الشخصيات في الصراع والشجار، ويتورط الحارس في هذا الصراع، ولا ينقذه إلا دقات الساعة التي تعلن موعد افتتاح المتحف للجمهور!
 أما فيلم "الحرب العالمية الثالثة" الذي شارك في كتابته وبطولته كل من احمد فهمى وشيكو، وهشام ماجد مع كاتبي السيناريو مصطفى صقر، ومحمد عز، يطغي عليه روح الفكاهة المصرية، اما شخصيات المتحف فأغلبها شخصيات تاريخيه من ازمنه مختلفة: محمد على باشا، احمد عرابي، توت عنخ أمون، أم كلثوم، ابو الهول، رأفت الهجان، صلاح الدين الايوبى ”عمرو يوسف”، والمهاتما غاندي الزعيم الهندي  بالإضافة لشخصيه قادمه من حواديت ألف ليله وهى علاء الدين والمصباح السحري ”هشام ماجد”، والجن خادم المصباح، وبالإضافة لهؤلاء هناك شخصيات  مثل المطرب الامريكي ذائع الصيت ألفيس بريسلي ”نجم الخمسينيات”، والمغنى الاسمر مايكل جاكسون” التسعينيات” بالإضافة لمارلين مونرو!
              تشعر أن الفيلم ليس له أي هدف إلا الإضحاك، وهذا الهدف في حد ذاته مشروع، إنها الكوميديا.   لكن الكوميديا حين تأتي عارية من البناء الدرامي تتحول إلى عدد من الاسكتشات الضاحكة والإفيهات  التي تُقال على المصاطب والمقاهي والشوارع، لدرجة أنهم وضعوا يوتيوب موضوع منذ زمن على شبكة الإنترنت للكابتن أحمد شوبير لحظة انفعاله أثناء مذبحة بور سعيد ، كل هذا خارج سياق درامي محكم. الأمر الأخطر هو أن الشخصيات التاريخية المحترمة قد طالها القبح والسخرية كل ذلك لمجرد الضحك، على سبيل المثال: تقديم صورة مشوهة للزعيم العظيم غاندي لمجرد الاستخفاف والضحك وكذلك محمد علي وأحمد عرابي وأم كلثوم التي أرادوا استبدالها بأي مغني لأن لا أحد يريد الاستماع إليها بحسب وجهة نظرهم، ناهيك عن أجدادنا الفراعنة التي تم الإطاحة بهم بموجة من السخرية واستخدام التعويذات السحرية للانتصار على أشرار التاريخ في حرب وُصفت بأنها عالمية. صحيح أن الفيلم ليس به الكوكتيل المعروف في أفلام آل السُبكي مثل الرقص والعُري والبلطجة وسفك الدماء ، إلا أن به الإسفاف الغنائي والإدمان وتعاطي الحشيش والبانجو من جانب شخصيات عظيمة مثل غاندي الذي لا تفارق الشيشة فمه والمناظر السخيفة.
        إن فكرة الفيلم عظيمة وتفجر المواقف الكوميدية الكثيرة لكن لم يتم استغلالها- كما تقول الناقدة ماجدة خير الله- بشكل جيد بل على النقيض تم تدمير شخصيات تاريخية عظيمة أظن أنها ما عاد لها أن تؤثر على شبابنا الصاعد بعد هذا القبح الذي طالها. وهنا نتذكر شخصية اللمبي التي دمرت اللغة والنطق الصحيح للكلمات ومدى تأثيرها إلى الآن على النشء. مثل هذه الأفلام قامت بتدمير حاضرنا ثم جاء فيلم الحرب العالمية الثالثة ليدمر ماضينا وماضي الانسانية في أذهاننا لأن الصور المشوهة سوف تنطبع في الأذهان ليتم تخزينها في اللاوعي لتلقي بظلالها على توجهاتنا وشخصياتنا. الرسالة الفنية يجب ان يكون لها أهداف تتسق مع المناخ الفكري والاجتماعي والسياسي والاقتصادي للمرحلة التاريخية التي نمر بها، إلا أننا نرى أن الفن يحلق بعيدا خارج سياق المرحلة التي نمر بها.
 أين الدقة وسرعة إنجاز الأعمال؟ أين قيم الأمانة والمثابرة والقدرة على التحمل؟ أين الأمل والحلم والتغيير؟ لا نريد أن تتحول الدراما إلى سلسلة من المواعظ والتعاليم الأخلاقية لكن نريد على الأقل أن تحتوي الدراما على رسالة واضحة محملة بالقيم والأخلاق وقبول الآخر وتنقية خطابنا من التعصب والتمييز. هل وجدنا هذه الرسالة على سبيل المثال في مسلسلات رمضان هذا العام الذي شهد نتائج ثورتين تنشدا التغيير للأفضل. المشكلة أن هناك فروق في السرعات والتفكير والآمال والطموح بين مانريده وما نفعله على أرض الواقع.
 نعم على نقابة الممثلين السعي لتأمين حياة أعضائها بمعاش محترم وغطاء صحي يكفي لعلاج المرضى من أعضائها لكن لم نسمع أن النقابة عقدت مؤتمر تستعرض فيه متطلبات المرحلة دون فرض أي قيود على الإبداع والحرية. مهمة النقابة ليست اجتماعية فقط بل هي أيضا مهمة تنويرية وثقافية. لماذا لا يُناقش موضوع كتابة السيناريو ليكون للمتخصصين فقط ولعمل درامي قد سبق ونُشر على يد روائي بدلا من الاستسهال ليكون المخرج هو في نفس الوقت المؤلف والسيناريست، وأصبح أيضا ممثل أو أكثر يقومون بدور المؤلف والسيناريست في نفس الوقت. من هنا تأتي مشكلة النصوص والبناء الدرامي. لست متخصص ولا من هواة الذهاب إلى السينما لكن الظروف قادتني لمشاهدة هذا الفيلم الذي أضحك تقريبا أغلب المشاهدين إلا أنني كنت حزين لأننا لم نرحم حتى رموزنا التاريخية الرائعة وسكبنا عليها قبحنا وهبلنا وعبطنا لمجرد ان نضحك. لقد دونت ما شعرت به بعد مشاهدتي لهذا الفيلم، وأهلا بالضحكة والابتسامة المغلفة بثوب من الجمال والروعة  اللذان للرسالة الفنية المملؤة بالتقدير والاحترام وليس بالتكلف والاسفاف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق