الجمعة، 27 يناير 2012

المرأة والكهنوت....رؤية لاهوتية


المرأة والكهنوت....رؤية لاهوتية


                           د. جورج عوض إبراهيم

إن مسألة كهنوت المرأة  دخلت في التعليم الأرثوذوكسي بواسطة حوارات الحركة المسكونية. لقد أعاد لاهوتيون كثيرون النظر في مواقفهم ، أما بالنسبة للأرثوذوكس  قد تمثل هذه الفكرة عائق صعب تخطيه في مسيرة الحوار والوحدة .

بالنسبة للكنيسة الأنجليكانية ، قد إنعقد مؤتمراً في lamberth في أغسطس 1988م وتقرر فيه قبول النساء في الدرجة الأسقفية مع الأعتراف بأنه ستكون هناك صعوبات سوف تنشأ في أحضان الجماعة الأنجليكانية  . فالكنيسة الأنجليكانية في مصر ،على سبيل المثال ، لم تقبل مسألة رسامة المرأة للكهنوت. لكي ندرك الأساس اللاهوتي لقبول أو رفض هذه المسألة ، علينا ان نتعرف على وجهة نظر الكنيسة الأنجليكانية من خلال الحوار الذي تم بين روما وكانتربري ، نقصد البابا بولس الثاني من خلال الكاردينال جوهانس ويليبراندس Johannes willebrands رئيس سكرتارية الفاتيكان عن وحدة المسيحيين وبين Robert Cantuar  رئيس أساقفة كانتربري cantarbury .

لقد أنطلق رئيس أساقفة كانتربري من طبيعة جسد الكنيسة ، على أساس الكهنوت العام من خلال ما ورد في 1بط5:2-6: "كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً مَبْنِيِّينَ كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ، بَيْتاً رُوحِيّاً، كَهَنُوتاً مُقَدَّساً، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ. لِذَلِكَ يُتَضَمَّنُ أَيْضاً فِي الْكِتَابِ: «هَئَنَذَا أَضَعُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَرَ زَاوِيَةٍ مُخْتَاراً كَرِيماً، وَالَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لَنْ يُخْزَى».

وكذلك نص رؤ6:1 :" وَجَعَلَنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً لِلَّهِ أَبِيهِ"

هكذا الكاهن يقبل بالرسامة رسالة الكنيسة لكي يمثل المؤمنين الذين هم رجال ونساء ، بالتالي يمكن للكهنوت السرائري ان يُمارس أيضا بواسطة النساء. بالمثل ينادي أستاذ اللاهوت النظامي paul k.Jewett  : " الكاهن عندما يخدم لا يخدم بأسمه – in persona propria – بل بإسم الجماعة التي تنتمي إلى الله " وقد دعم رأيه بشهادة من توما الأكويني حين قال ان الكاهن يوجه صلوات الخدمات الليتورجية بإسم الكنيسة – in persona Ecclesiae -  هذا الطرح يقود إلى نظرية الكهنوت العام لكل المؤمنين الوارد في نصوص الكتاب مثل نص 1بط9:2 : "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ". وكذلك نص تيطس 5:3 : "لاَ بِأَعْمَالٍ فِي بِرٍّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ -خَلَّصَنَا بِغَسْلِ \لْمِيلاَدِ \لثَّانِي وَتَجْدِيدِ \لرُّوحِ \لْقُدُسِ". بالتالي المرأة يمكن ان تكون قائمة على الليتورجيا أمام المذبح[1]. وطالما كل مؤمن ينال قوة المسيح في حياته ويجب ان ينقلها إلى الآخرين ، بالتالي – بحسب رأي الأب جون ريشس John Riches – الرجال والنساء من المؤمنين بدون تمييز ينقلون قوة المسيح للآخرين إذ يمثلون المسيح للآخرين[2].

إذن صار مدركاً كيف ان الكهنوت  - بالنسبة إلى الكنيسة الأنجليكانية – هو ممكن لكل المؤمنين ، كذلك المعمد هو كاهن طالما بواسطة نوال الميلاد الثاني أخذ رسالة تجاه الجماعة الكنسية . من الواضح ان مفهوم الكهنوت يختلف تماما عن مفهومه في الكنيسة الأرثوذوكسية . في التعليم البروتستانتي مصطلح رسامة χειροτονια يقترب من مفهوم مصطلح : إختيار εκλογη أو مصطلح  : وضع اليد  للمباركة χειροθεσια لتتميم خدمات كنسية خاصة في سياق كهنوت المؤمنين العام ، بينما في الكنيسة الأرثوذوكسية مصطلح رسامة χειροτονια يتطابق مع الرسامة السرائرية الخاصة بالسلطان الكهنوتي . الكهنوت تراه الأرثوذوكسية على أساس ان مركزه المسيح وليس  جسد الكنيسة المكون من أعضائها الرجال والنساء . إن جذور الكهنوت نراه في كهنوت المسيح وليس في طبيعة الكنيسة . فالكهنوت يكون في الكنيسة لأجل الكنيسة لكن لا يعتمد عليها ، بل فقط على المسيح ذاته الذي هو رئيس الكهنة الأعظم ، هنا نرى ان الكنيسة الأنجليكانية شأنها مثل البروتستانت يخلطون بين الكهنوت العام للمؤمنين وبين الكهنوت الخاص الذي يقوم بالخدمة السرائرية  ، لذلك ليس صدفة ان لا نرى في الكنيسة البروتستانتية استخدام مصطلح مذبح وذبيحة اثناء تتميم ذكرى عشاء الرب ولا تُسمي القائم على الخدمة بلقب كاهن .  بالنسبة للكنيسة الأرثوذوكسية ، الكهنة ينتمون الى الكنيسة كأشخاص مؤمنين لكن مصدر الكهنوت السرائري لا يُوجد في الكنيسة بل في المسيح ذاته . نفس الأمر الرسل قد أُختيروا من بين التلاميذ لكن رتبتهم الرسولية ليس لها مصدرها من تلاميذ آخرين بل من المسيح ذاته . كذلك إبن الله أخذ جسد وطبيعة بشرية لكن لقب رئيس كهنه لم يأخذه من الطبيعة البشرية بل من الله أبيه : ( " كَذَلِكَ الْمَسِيحُ أَيْضاً لَمْ يُمَجِّدْ نَفْسَهُ لِيَصِيرَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ، بَلِ الَّذِي قَالَ لَهُ: «أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ». كَمَا يَقُولُ أَيْضاً فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: «أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادِقَ» ) عب 5:5-6 . إذن الكهنوت السرائري لم يُؤسس على الكهنوت العام بل على كهنوت المسيح .

السؤال الذي يفرض نفسه هنا ، هو : هل أُثير هذا الموضوع في الكنيسة الأولى ؟ وإذا كانت الإجابة : نعم ، ما هو موقف الكنيسة وقتذاك ؟

الإجابة على السؤال الأول ، نعم قد أُثير هذا الموضوع من جانب الغنوسيين والمونتانيين المنشقين وكذلك أتباع بعض الهراطقة مثل ماركيون وغيره . بالتالي ، ما هو موقف الكنيسة وقتذاك ؟ الإجابة : لم تقبل الكنيسة رسامة المرأة في الخدمة الكهنوتية لكن أكدت على مكانة المرأة العظيمة في الكنيسة ، ونرى هذه التعاليم في كتاب تعاليم الرسل  المكتوب في النصف الثاني من القرن الثاني في ترجمته السيريانية: Αποστολικαι Διαταγαι , ΙΙΙ,6,1-6 9,1-4 . أساس هذه النصوص هو تعليم بولس الرسول الذي يؤكد على مكانة المرأة في الكنيسة : ( أنظر 1كو14:6-19. 1:7-17 . 3:11-14. 34:14-35. غلا 26:3-29. أفس22:5-23.....الخ ).

وفق الكتاب المقدس رسالة المرأة لا تحتوي على الرسالة الكهنوتية السرائرية . فنحن أما غياب تام لنصوص كتابية تشير إلى دخول المرأة في سر الكهنوت ، وكذلك غياب النصوص الآبائية يؤكد موقف الكنيسة. المرأة قد تكون نبية ، قديسة لكن ليست كاهنة . لقد أسس الرب يسوع إرارخية حيث أختار ودعا الرسل الأثنى عشر بدون ان يتوجه إلى أُمه أو أي إمرأة لكن سمح لهن ان يتبعنه ( أنظر لو13:6) . أيضاً دعا بطرس قائلاً " أرع خرافي "  ( يو15:21-17) ، أثناء العشاء السري دعا فقط الأثنى عشر تلميذاً لكي يؤسس الإفخارستيا وطلب منهم " إفعلوا هذا لذكري " ( لو 19:22) بعد قيامته وقبل يوم الخمسين نفخ فيهم الروح القدس ، قائلاً : «ﭐقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ». وفي رسالته هذه لم يدعو المسيح أمه ولا أي إمرأة . والرسل أنفسهم بعد ذلك لم يرسموا أبدا إمرأة للكهنوت . لدينا شهادة واضحة من القديس إبيفانيوس أسقف سالاميس ضد الهراطقة الذين ينادون برسامة المرأة للكهنوت السرائري ، إذ يقول : "  من الأزمنة الأولى لا نجد إمرأة خدمت خدمة كهنوتية ، بالرغم من اننا نرى في العهد الجديد نساء نبيات أو من الأنبياء ( أنظر لو 36:2.أع9:21 ) ، ولا إمرأة واحدة  نجدها من الرسل ، ومن الكهنة . كانت نساء كثيرات يتبعن المسيح : مريم أُمه ، سالومي وأُخريات من الجليل ، لكن من بينهن لم يجعل واحدة منهن رسول ولا كاهن . كان يوجد في الكنيسة طقس الشماسات ، هذا مؤكد . لكن هذه الوظيفة تختلف عن وظيفة الكاهن . بالأضافة إلى الشماسات ، لدى الكنيسة الأرامل والعذارى لكن أبدا لا نجد نساء في رتبة الكهنوت . بعد هذه الأجيال الكثيرة التي حملت هذا التقليد لا نستطيع نحن أن نرسم نساء للكهنوت " [ Επιφανιου , Παναριον lxxix,3  ]. نكتفي بهذا القدر على وعد بأننا سوف نرجع إلى هذا الموضوع بأكثر تفصيلاً لتعميق الأساس اللاهوتي له  ولكي نرى ردود كنيستنا القبطية الرسمي  على الحوار الذي تم بين الكنائس بشأن هذا الموضوع ا.





[1] Paul k. Jewett , the ordination of women, Michigan1980,p79-80
[2] John Riches,” Anglican Orthodox joint Doctrinal Discussions – the case of ordination of women to the priesthood” ( Ad/DD1985),p26-27

هناك تعليقان (2):

  1. اوضحت ان الكنيسه القبطيه تربط الكهنوت بكهنوت السيد المسيح المأخوذ من الاب... وليس الكهنوت العام المتمتع به كل افراد الكنيسه رجال ونساء.....السؤال؟؟؟
    هل هناك فرق بين الكهنوتين ؟؟؟
    وفي المسيح ليس ذكر وانثي فكيف نقصر كهنوت المسيح علي الرجال...

    ردحذف
    الردود
    1. الكهنوت العام هو عطية كل المؤمنين لكي نقدم حياتنا ذبيحة مقبولة امام الله في الصلاة والعمل والصلاة من أجل الآخرين أما الكهنوت السرائري فالله يختار عن طريق الكنيسة وأعضائها مَنْ يقوم بالخدمةالسرائرية مثل الافخارستيا والمعمودية....الخ. وهذة الخدمة ليست متاحة لكل المؤمنين.
      أما مسأله اننا كلنا واحد في المسيح ذكر وأنثي فهذا صحيح لأن الكاهن عندما يقوم بالخدمة الليتورجية هو امتداد للمسيح في خدمته كرئيس الكهنة الأعظم. وعلى العموم سوف تُلغى عملية التمييز بين الذكر والأنثى تماما في الملكوت أما في الوقت الحاضر ننحن ننعم بها سرائريا عن طريق الأسرار فلا فرق بين الذكر والأنثى ونحن نصلي ونتواجد أمام المذبح المقدس ، أيضا في سر الزواج يكونان الاثنان جسد واحد ، شركة الخبز الواحد تجعلنا جسد وهكذايظل هناك بعض التمييز البيولوجي من حيث الجنس لكن نحن نتخطي هذا التمييز في شركة الكنيسة وحياتنا العملية نطبق دائما مبدأ المحبة كما احبنا المسيح. وأعترف ان للموضوع بقية حتى يغطي كل هذة التساؤلات

      حذف