الثلاثاء، 26 مارس 2013


الابن الضال

والتوبة الحقيقية

إعداد د. جورج عوض ابراهيم

     

إن مصطلح التوبة باليونانية: met£noia ويتكون من: noÚj + met£ أى تغيير الذهن أو تغيير طريقة التفكير، وتحتوي التوبة على مفهوم الرجوع  epistrof»أى العودة إلى الله. والإنسان يميل دائما نحو الله، يشتاق إلى التحرر والفداء من الشر، لكن هذه العودة هى نتيجة الشعور بالذنب. وهذا ما يمثل مدينتي الحياة للقديس أغسطينوس: حياة مملوءة صراع أو جهاد نتيجة الرهبة التي يشعر بها الإنسان تجاه الله بسبب ذنبه. والثانية شوق الإنسان إلى الحرية وذلك بالقرب من الله. لقد احتل "الرجوع" مكانة هامة في تعليم أغسطينوس، وهو نتيجة لشعور الإنسان بأنه خاطئ، وهذا الشعور، كما يؤكد على ذلك القديس اسحق السرياني، هو أسمى من إمكانية أن يُقيم أحد بصلاته الأموات[1]. وقد أشار إلى هذه الحقيقة مبكرًا. العلاّمة أوريجينوس الذي أكد على أن التغيير الجذري للإنسان بالتوبة هو في مستوى المعجزات التي أتمها المسيح بكل المقاييس[2].

      إكتشاف الذات والرجوع إلى الله هو ما فعله الابن الضال في المثل الذي سرده يسوع المسيح، فعلينا أن نرى محتوى هذا المثل الذي يعتبر "إنجيل الأناجيل". فالمسيرة الروحية للإنسان تدخل ـ بحسب المثل ـ في مراحل ثلاث: مرحلة الخطية، مرحلة التوبة، ومرحلة الخلاص، وهذه المسيرة تمثل تفسير لمفهوم الذنب والرجوع:


المرحلة الأولى: الخطية (خوف ـ قلق ـ يأس)

      قبلما يصل الابن الضال إلى "الضلال" كان لديه كل شئ. ولكن شيئًا لم يكن ـ في النهاية ـ قادرًا على أن يمسك به بالقرب من أبيه. هكذا يومًا ما، طلب نصيبه من الميراث وترك بيته " سافر إلى كورة بعيدة". ذهب مثل طير مهاجر، راحلاً مثل كثيرون من الشباب ـ اليوم ـ ينشدون حياة أخرى. هكذا رحل الابن الضال باحثًا عن حياة أخرى وبلد بعيد، قانعًا بأن هذه الحياة لا يمكن أن توجد في موطنه وفي بيته.

      لكن ما الذي جعله يترك البيت الذي وُلد فيه، حيث هناك الراحة والهناء؟! لقد اعتقد هذا الابن أنه في حاجة للتحرر من أبيه، ليكتسب حرية مطلقة حتى ينال ما يريده. وفور حصوله على الحرية، أطلق لجناحيه العنان وأخذ ينتقل من مكان إلى مكان. وأخيرًا استقر في واحدة من الكورة البعيدة. وبدأ حياة ضالة مليئة باللذات والشهوات.

      الابن الضال الذي "سافر إلى كورة بعيدة " يشبه، كما ذكرنا، طير مهاجر، أو بالحرى يشبه الصياد الذي في الأسطورة الروسية S£ntko الذي ترك قريته في يوم من الأيام وجال في أماكن بعيدة لكي يصيد "طائر السعادة ".

      لكن ما هى السعادة التي ينشدها الكثيرون؟ في رأى الكثيرين، السعادة تعتمد على الخيرات المادية. بين هؤلاء: " الغني الغبي " عندما ازدادت موارده فكر في أن يهدم مخازنه ويبني أكبر منها، بدون أن يتوقع بأنه في نفس الليلة سيأتي إليه الموت. أيضًا الاسكندر الأكبر الذي احتل كل العالم (المعروف آنذاك)، وجلس على ضفاف نهر في الهند ينتحب ويبكي لأنه لا يوجد عالم آخر لكي يحتله. أو مثل دون جوان الذي أظهر نوع آخر من الاحتلال أو الامتلاك.

      لقد كان دون جوان يُشبه الاسكندر الأكبر من جهة ميله للامتلاك، لكن الأمور التي كان يريد أن يمتلكها هى مختلفة: الحصول على علاقات غرامية. لقد كان يرمي إلى أن يمتلك كل نساء العالم. لقد اهتم بالكم وليس بالنوعية فيما يخص العلاقات الغرامية. لذلك خوفه العظيم كان عندما يكبر في العمر، سيأتي يومًا لا يستطيع أن يمارس علاقاته المحبوبة. أى خوفه كان من عامل الزمن الذي سوف يسلب منه الهدف من وجوده أو علة وجوده التي هى إرضاء شهواته مع الجنس الآخر. لكن خوف دون جوان لم يكن فقط بسبب تقدم العمر الذي سوف يأتي إجباريًا بمرور الزمن ، إنما في أن الموت يمكن أن يأتي إليه في أى لحظة ويحرمه من حياة المتعة. وهذا هو بالضبط الخوف الذي يدفعه للاستمتاع الجسدي والالتصاق بالأمور الأرضية. وبحسب رأى الابن الأكبر ـ في المثل ـ فإن الابن الضال يشبه دون جوان إذ أكل معيشة أبوه "مع الزواني". في الحالتين، المرأة هى التي تُمثل وسيلة اللذة.

      الاختلاف في الحالتين، هو أن "دون جوان" كان يقوم بالإغراء وإفساد المرأة، أما في حالة الابن الضال فالمرأة كانت تبيع جسدها بالمال: " ابنك هذا الذي أكل معيشتك مع الزواني ".

      في الكورة البعيدة التي رحل إليها الابن الأصغر " بذر ماله بعيش مسرف "، وصرف كل ماله ولم يكن لديه شيئًا، " حدث جوع عظيم في تلك الكورة ". وبدأ يُحرم من كل شئ حتى الحد الأدنى الذي يمكن أن يحتاجه. لقد إمتلئت نفسه بالخوف من تهديد الجوع وبالطبع من الموت الذي يمكن أن يسببه الحرمان من الأكل. لقد كان الخوف من المجهول، من ما الذي ينتظره؟ أجبره أن يطلب سند أو معونة لكي يبقى على قيد الحياة. الخطر من أن يموت من الجوع جعله يلجأ إلى واحد من أهل الكورة الذي أرسله إلى حقول ليرعى الخنازير. لكن المكافأة كانت عديمة النفع، غير كافية تقريبًا، لم تكفيه لقطعة من الخبز. لذا تمنى أن يملئ بطنه من الخرنوب التي كانت الخنازير تأكله: " فلم يعطه أحد شيئًا " كما ذكر لوقا. لقد انتابه شعور بعدم الأمان وهو يرى كيف أنه لا يمكن أن يأمل في مساعدة، عدم الأمان جعله يشعر بقلق عظيم، قلق حقيقي.

      هكذا مع الخوف شعر الآن بالقلق الذي أنشأه في نفسه ـ ليس فقط تهديد الجوع، لكن قلق لأي شئ ممكن أن يحدث له، لأى تهديد غير منظور. على عكس الخوف ممن شئ معين، فموضوع القلق هو غير محدد. إنه العدم. حالة تجعله يشكك في كل شئ. صارت كل قيمة في الحياة صفر(عدم)، الحياة نفسها بمتعتها صارت عدم، تلك الحياة التي جعلها فقط هدف له. لقد رأى كم زائلة هذه المُتع التي وضع كل آماله فوقها واستولى عليه اليأس.

      قد ولد في داخله اليأس وتحقق من نهايته المأساوية. فكر وتأمل الخدم عند أبيه الذين كان لديهم خبز أكثر وقارنهم بنفسه التي كانت تحتضر من الموت جوعًا. بدأ ـ وهو في يأسه العظيم ـ يضرب رأسه بيديه لطيشه وعدم تبصره في تركه للخير الكثير وذهابه إلى هذا المكان البعيد بين الخنازير منتظرًا الموت. لكن ـ تساءل ـ لماذا ينتظره؟ ربما سيكون أفضل أن يحمله ساعة مبكرًا واضعًا نهاية لحياته؟ فأى معنى لمثل هذه الحياة التي وصلت لهذه المرحلة؟

      لماذا، إذًا، بدلاً من أن يضرب رأسه بيديه، أن لا يضربها بحجر لكي يكسرها؟ مثل هذا الرأس الذي كان "رأس عنيد" تحتاج ذلك.

      الحقيقة لم يكن رأسه "عنيد" كثيرًا، مثلما كان في بداية الرحيل، لقد فكر بطريقة أخرى مختلفة، لأنه شعر بخجل وندم على حياته السابقة. لكن الندم والخجل هذا لم يتقدم بعد إلى مرحلة التوبة.


المرحلة الثانية: التوبة: (شعور ـ اختيار أو قرار ـ اعتراف)

      شعر الابن الضال ـ وهو يتأمل حالته الوضيعة ـ بضرورة أن يقف وقفة صريحة مع نفسه، كأنه كشف داخله طير ساكن وفجأة فتح جناحيه لكي يطير عاليًا: هذا ما يقوله المثل "رجع إلى نفسه" أى وجد ذاته. احساس الذنب بأنه خاطئ كان الخطوة الأولى لتصحيح الأمر، لرجوعه إلى الحياة الجديدة.

      كم مختلف كثيرًا شعور الابن الضال عن الحالة النفسية التي شعر بها الفريسي في مثل "الفريسي والعشار". مثل ممثل استخدم القناع المستخدم في المسرح القديم، وحامل القناع يريد أن يُخفي شكله الحقيقي، هكذا الفريسي حمل قناعه الخاص. وصعد إلى الهيكل لكي يصلي كأنه يصعد إلى خشبة المسرح لكي يلعب دورًا ما. لقد وقف متكبرًا وأناني أمام الله يُدين العشار لأنه خاطئ، بينما الخاطئ الحقيقي كان هو نفسه.

      يصف الإنجيل منظر وقوف الفريسي للصلاة هكذا: " أما الفريسي فوقف يصلي في نفسه هكذا. اللهم أشكرك أني لست مثل الباقي الناس الخاطئين الظالمين الزناة ولا هذا العشار .. " (لو9:18ـ14). ومعنى عبارة "فوقف يصلي في نفسه" هى "وقف تجاه ذاته ليصلي" أو "وقف أمام ذاته وصلى". بالتالي لم يقف الفريسي ليس أمام الله لكن أمام ذاته التي قام بتأليهها بتعظيم الأنا، جعلها الله، لذا فقوله: " اللهم أشكرك" ليست موجهة إلى الله بل إلى ذاته التي أخذ يكرها ويمدحها لأنها بلا خطية، حتى أنه ميّزها عن الآخرين الذين هم خطاة في رأيه مثل العشار.

      إن موقف العشار المتواضع كان مضاد تمامًا للموقف المتكبر الذي أخذه الفريسي، فالعشار وقف من بعيد ولم يتجرأ لأن يرفع عينه نحو السماء. لقد قرع صدره وقال: " اللهم ارحمنى أنا الخاطئ ". إنها مثل عبارة الابن الضال "رجع إلى نفسه" والتي تختلف اختلافًا جذريًا عن عبارة الفريسي "وقف يصلي أمام ذاته". لقد ضرب رأسه بدون أن يقصد كسرها وذلك بسبب طيشه. لقد استولى عليه الاحباط واليأس ولكن ليس كل يأس يقود إلى الدمار. فاليأس عندما لا يكون تدميري فهو فعل خيّر. فأحيانًا يقود اليأس إلى الضياع والهلاك وأحيانًا إلى الخلاص والفداء.

      فالإنسان اليائس ليس له اختيار آخر بخلاف هذا: إما الانتظار في اليأس وينقاد إلى الدمار الكامل، أو الاحساس والشعور بوضاعته، الأمر الذي يقود لاتخاذ قرار التغيير واختيار حياة جديدة.

      هكذا في حالة الابن الضال، بعد الاحساس بالذنب لأجل خطاياه، كان أمامه إما أن ينتظر في حالته هذه حيث خطر الموت من الجوع يهدده، أو تفضيل حالة أخرى هى حالة العبيد الذين عند أبيه: " كم أجير عند أبي يفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعًا ". وأخيرًا أخذ قرار الرجوع إلى أبيه:   " أقوم وأذهب إلى أبي وأقول له أخطأت يا أبتاه في السماء وقدامك ولست مستحقًا أن أُدعى لك ابنًا بل اجعلني كأحد أُجراءك ".

      والأب من وقت رحيل ابنه يصعد يوميًا فوق كل تل متلهفًا لرؤياه، ربما يرجع، إنه يراه الآن بعد هذه السنين العديدة، أسرع بالقرب منه وهو مملوء بالرحمة والرأفة، أخذه في حضنه وأمطره بالقبلات.

      والابن وهو نادم على عصيانه، يركع أمام أبيه بتواضع قائلاً: " أبي أخطأت يا أبتاه في السماء وقدامك ولا أستحق أن أُدعى لك ابنًا " التكرار هنا أمام أبيه للاعتراف الذي حدث عندما "رجع إلى نفسه" وبنفس الكلمات هو إشارة أولى للاعتراف كسر مقدس.


المرحلة الثالثة: الخلاص: (الصلاة ـ الليتورجية الإلهية ـ الفداء)

      إن التوبة التي وصلت إلى قمتها بالاعتراف هى الرجوع إلى الله، وإصلاح العلاقة معه بشركة الصلاة. هكذا عندما نفكر: كيف أن الآب في مَثَل الابن الضال ليس هو فقط رمز للأب الروحي وأمامه يصير الاعتراف لكن هو أيضًا الله نفسه، عندئذٍ نستطيع أن نفهم كيف أن اعتراف الابن الضال هو في نفس الوقت صلاة نحو الله، حوار بين الأنا والأنت. إنها الصلاة الفردية والتي قبل أن يعبر عنها، كان هناك فحص للنفس ونقد للذات. وكما قلنا إن فحص النفس والشعور بالذنب ـ في حالة الابن الضال ـ قادته إلى التوبة، والرجوع إلى الله ومحاولة الاتصال به مرة ثانية بالصلاة.  

      بعد الصلاة الفردية للأنا نحو الأنت (الله) يتبعه الصلاة الجماعية، العبادة العامة باشتراك "نحن". هى الصلاة الافخارستية، العشاء الافخارستي الذي قدمه الأب إلى الأصدقاء والجيران للاحتفال برجوع ابنه المحبوب بالموسيقى والإبتهاج، ذابحًا "العجل المسمن" لكي يأكل الجميع ويفرحون. إنه عشاء العرس الذي أعدّه الأب إلى الابن الضال بعد عودته، لذلك أعطى أوامره للخدم بأن يلبسوه خاتم في اصبعه وحُلة جديدة.

      هذا العشاء هو رمز لليتورجيا الإلهية التي تحتل مكانة مركزية في العبادة الجماعية، حيث الافخارستيا تمثل مركز العبادة ونواتها. إن "العجل المسمن" في المثل يرمز إلى سر كنيستنا، ذبيحة الصليب الذبيحة الكفارية لابن الله، الجسد المقدس والدم الكريم ليسوع المسيح، الذي قدم الفداء إلى كل ضال، والمشاركة في العشاء  هو مشاركة في الشركة الإلهية "كدواء الخلود" التي ترمز إلى القيامة الروحية من موت الخطية. إنه حدث علينا أن نفرح به كلنا، كما قال الآب إلى الابن الأكبر: " كان ينبغي أن نفرح ونُسر لأن أخاك هذا كان ميتًا فعاش وكان ضالاً فوجد ". هنا الفرح والابتهاج قد شعر به بالأكثر الابن الضال برجوعه إلى المسكن الأبوي، والذي هو في نفس الوقت، الرجوع إلى الحياة. إنها السعادة التي كان ينشدها S£ntko في الأسطورة: بطائر السعادة الذي فتش عنه بعيدًا، وبعد بحث مُضني قرر أيضًا أن يرجع إلى أرض أبيه، شاعرًا أنه قد تحرر من ضلالاته غير المتناهية. هكذا بعد رجوع الابن الضال من "الكورة البعيدة" اكتملت المسيرة النفسية بهذه المرحلة الثالثة والتي كانت مثل الأولى والثانية تتميز بثلاث محطات: الصلاة والعبادة الإلهية والتكفير أو الفداء. هذا الفداء يتدفق من ذبيحة الصليب كاعلان لمحبة الله: " هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد .. ". المحبة هى قمة مسيرة الابن الضال الذي بدأ بالخوف من الموت جوعًا إلى عشاء المحبة " فالمحبة تطرد الخوف خارجًا".



مستويات التوبة:

1 ـ المستوى الأول: يركز التائب التوبة في ذاته، وهذه التوبة يصاحبها تعبيرات تبريرية: " ساعة شيطان "، " لا أعرف كيف فعلت ذلك "؟ بها يدافع المعترف ـ أمام الله والكاهن ـ عن نفسه بكافة الطرق. دافع التوبة ليس هو ارتكاب الخطية ولكن النتيجة المؤسفة المترتبة على ذلك مثل االسجن والاستنكار الظاهر من جانب الوسط المحيط أو الجحيم الأبدي.

2 ـ ثم يبدأ المستوى الثاني: الذي يخص علاقة الفاعل والضحية، حيث مصطلح "الضحية" لا يجب أن يُفهم فقط على أنه المُضار مباشرةً، لكن الوسط المتسع المحيط به: البشري أو الطبيعي. في هذا المستوى، نوعية التوبة تتعمق لأن الإنسان يبدأ في مسيرة المحبة غير المتناهية. وفي هذه الدرجة تعبيرات كثيرة منها:

      + أتوب لأني سببت ضررًا للآخر على المستوى المادي.

      + أتوب لأني، بغض النظر عن الثقل المادي على الآخر، قد جرحته نفسيًا.

      + أتوب لأن عملي هذا قد أصاب البيئة الطبيعية.

      + أتوب لأني صِرت بعملي المعين هذا دافع للعثرة لدائرة المؤمن.

      + أتوب لأني أثرت تأثيرًا سلبيًا على آلاف المؤمنين في علاقتهم بالكنيسة.

      + أتوب لأني جرحت رجاء الإنسان غير المؤمن في بحثه عن الكنيسة من أجل خلاصه.

3 ـ المستوى الثالث:
يُسمى حالة التوبة: فيها يدرك الإنسان العمق الأخروي لنوعية التوبة، ينطلق من معرفة هادئة بأنه خاطئ تقود إلى شعور بالضعف لكي ينتهي إلى التواضع. دائمًا يصل من يشعر بذلك إلى أنه أول الخطاة. هذه الحالة تمثل الشرط لخطوة أعمق حيث الاشتراك في التوبة بمعنى توبة القديس لحساب الأخ الضعيف. أيضًا في هذه الدرجة توجد أشكال كثيرة مثل:

      المشاركة في آلام الأخ المتألم. أيضًا القيام بإصلاح الأضرار التي تسببت نتيجة العمل الساقط للخاطئ. حمل مسئولية الآخر، والاشتراك في الدينونة الأُخروية للآخر، مثل حالة موسى: " والآن إن غفرت خطيتهم. وإلاّ فامحني من كتابك الذي كتبت " (خر32:32)، أو في حالة بولس الرسول: قبول الدينونة كفدية من أجل خلاص الإسرائيليين (رو3:9):     " فإني كنت أود أكون أنا نفسي محرومًا من المسيح لأجل اخوتي أنسبائي حسب الجسد " (رو3:9) أيضًا قمة ما فعله المسيح بأن يموت من أجل الآخرين بما فيهم الأعداء.


طُرق التوبة بحسب تعليم القديس ذهبي الفم:

      يقول القديس ذهبي الفم إن " طرق التوبة هى كثيرة " لكي يصير خلاصنا سهلاً، لأنه لو حدد الله طريق واحد فقط للتوبة، سنقول: " لا نستطيع أن نسلك فيه، لا نستطيع بالتالي أن نخلص ". لكن الله، طرح عنا هذه الحُجة، وأعطانا طرق كثيرة للتوبة، لكي يجعل الصعود إلى السماء سهل[3].

      الطريق الأول للتوبة هو الاعتراف بخطايانا:
 احكم انت على ذاتك والرب يخلصك من ثقل الخطية. يقول ذهبي الفم: " اترف بالخطية تُمحى الخطية "[4].

      الطريق الثاني للتوبة هو الحزن على خطايانا:
 " أخطأت؟ أحزن وأمحي الخطية " يقول ذهبي الفم[5].

      الطريق الثالث للتوبة هو الوداعة:
" إظهر وداعة وامحي الخطايا "[6].

      الطريق الرابع: الصدقة:
 " ملكة الفضائل التي تصعد مباشرةً البشر إلى علو السموات .. أعطي الفقير "[7].

      الطريق الخامس: الصلاة:
" فلنصل كل ساعة ولا تكون مصليًا بنفس خائفة، ولا تطلب محبة الله بلا مبالاة، وتكون متيقن فإنه سوف لا تمقت صبرك لكن سوف يغفر لك خطاياك "[8].

      الطريق السادس: الدموع:
 يعتبرها ذهبي الفم " عمل سهل جدًا .. تعب صغير يريد منك، وذاك (أى المسيح) يعطيك الأمور الأعظم. عمل يريده منك، لكي يعطيك كنز الخلاص. أسكب دموع ويعطيك المسيح غفران "[9].




[1] Ta eureqšnta askhtik£ LÒg. ld', EKd. NikhfÒrou ieromon£cou, Leiy…a 1770.
[2] BEP 9, 127, 22-34.
[3] EPE 30, 136
[4] EPE 30, 120.
[5]  المرجع السابق.
[6] EPE 30, 126. ذهبي الفم
[7] EPE 30, 138-142. ذهبي الفم
[8] EPE 30, 150.
[9] EPE 30, 156.

هناك تعليق واحد:

  1. أعتقد هناك فرق مابين الشعور بالذنب و الندم ، الذنب هي الحالة التي يشعر بها من أرتكب الخطية و ملازم لها لفعل الخطية ، اما الندم هي حالة مقارنة حالته الخاطئة بالحالة الرائعة التي كان يعيش فيها الانسان مع الله .

    ردحذف