وحدة الكنيسة د.جورج عوض
إبراهيم
وحدة الكنيسة – كما يقول خريستوس ياناراس
- ليست حدث له طابع أيديولوجي أو هي نتاج لإئتلاف منظومي . فالكنيسة لم تظهر في
التاريخ على أنها حركة أيديولوجية ولا كأنها منظمة أو رابطة بشرية ولا أيضاً كتشريع ديني
للحياة الإجتماعية . الكنيسة هي بطبيعتها شركة ووحدة البشر ، فهي نتاج الشركة ، هي
بحد ذاتها طريقة معينة لشركة المجتمع البشري . هذه الطريقة تهدف إلى تحقيق وحدة
البشر ليس بكونها مجرد عيش مشترك توافقي أو مجرد تكتل بشري نتيجة لظروف أيديولوجية
ومعيشية بل هو حدث وجودي . فالوحدة والشركة هي حقيقة وجودية للإنسان ، هي طريقة وجودية
للإنسان " بحسب الطبيعة " .
إن تحقيق الشركة الكنسية تختلف عن النظم
السياسية والإيديولوجية . هذه النظم كما تعبر عن ذاتها من خلال البرامج أو من خلال
نظريتها الأيديولوجية تهدف إلى تحسين أخلاقي ومعيشي للبشر على أساس الإرضاء التام
للإحتياجات الفردية لكل فرد ينضم إليها .
على النقيض ، تحقيق الشركة الكنسية تستلزم التخطي الذاتي الديناميكي للفردية . فوجود الإنسان حقيقةً هو شركة وعلاقة ، أي تحقيق وجود الإنسان كشخص
حُر ، أيقونة الثالوث القدوس في الطبيعة البشرية كما اُعلنت في الحدث التأسيسي للكنيسة . الحدث
التأسيسي للكنيسة هو تجسد الكلمة ، ليس هو تعليم ديني ولا نظرية ميتافيزقية
بل حدث له أبعاد تاريخية محددة ، إذ صار الله إنساناً ، شخص تاريخي معين ، يسوع
المسيح .
إن تجسد الكلمة قد أسس الكنيسة حيث
أُعلن الحق عن الله وعن الإنسان متجسداً في التاريخ . وأُعلن كذلك طريقة وجود الله
والبشر في شخص المسيح : الإله المتأنس . فالحدث التاريخي لتأنس الله أعلن الطريقة
الوجودية غير الزمنية للحياة الإلهية التي هي المحبة : " وَمَنْ لاَ يُحِبُّ
لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ " ( 1يو8:4 ) ، المحبة ليست
كخاصية أخلاقية سلوكية بل كتحقيق وجودي حُر . حقيقة الوجود والشركة تعلن الله
الثالوث والواحد في جوهره وطبيعته عن طريق الإخلاء ، إذ أخذ الكلمة الطبيعة
البشرية وأخلى – بكل حُرية – ذاته من أي عنصر للكمال ، أي طريقة أصيلة وجديدة للوجود بالنسبة للخبرة الإنسانية .
هكذا تجسد الكلمة هو حقيقة إخلاء المسيح ، إمكانية للتوافق والوحدة
عن طريق الشخص الذي يصنع بكل حرية شركة ووحدة والذي يتجرد من عناصر الكمال الفردي ،
وليس عن طريق الفرد الذي ينشد العزلة
والأنانية . إن الطبيعة البشرية تعلن النموذج الثالوثي لحقيقة الإنسان ، إذ أيقونة
الثالوث هي ذاتها تعبر عن أصالة وحقيقة طبيعتنا
. بالتالي الكنيسة كوحدة المجتمع البشري تُوجد مسبقاً لأن الطبيعة البشرية تُعبر
في الأصل عن هذه الوحدة . لذا نستطيع أن نرى بصيص من حقيقة الشركة الكنسية في
الأشكال المشوهة للمجتمع البشري . والتجسد جاء لكي يُعيد أصالة الطبيعة البشرية
لكي تُعبر بكل وضوح عن الوحدة الحقيقية بإستعادة طبيعة الإنسان الكنسية مرة أخرى في
المسيح يسوع .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق