الجمعة، 15 مارس 2013

وحدة الكنيسة


وحدة الكنيسة  د.جورج عوض إبراهيم

        وحدة الكنيسة – كما يقول خريستوس ياناراس - ليست حدث له طابع أيديولوجي أو هي نتاج لإئتلاف منظومي . فالكنيسة لم تظهر في التاريخ على أنها حركة أيديولوجية ولا كأنها منظمة أو رابطة بشرية ولا أيضاً كتشريع ديني للحياة الإجتماعية . الكنيسة هي بطبيعتها شركة ووحدة البشر ، فهي نتاج الشركة ، هي بحد ذاتها طريقة معينة لشركة المجتمع البشري . هذه الطريقة تهدف إلى تحقيق وحدة البشر ليس بكونها مجرد عيش مشترك توافقي أو مجرد تكتل بشري نتيجة لظروف أيديولوجية ومعيشية بل هو حدث وجودي . فالوحدة والشركة هي حقيقة وجودية للإنسان ، هي طريقة وجودية للإنسان " بحسب الطبيعة " .

      إن تحقيق الشركة الكنسية تختلف عن النظم السياسية والإيديولوجية . هذه النظم كما تعبر عن ذاتها من خلال البرامج أو من خلال نظريتها الأيديولوجية تهدف إلى تحسين أخلاقي ومعيشي للبشر على أساس الإرضاء التام للإحتياجات الفردية لكل فرد ينضم إليها .

     على النقيض ، تحقيق الشركة الكنسية  تستلزم التخطي الذاتي الديناميكي للفردية . فوجود الإنسان حقيقةً هو شركة وعلاقة ، أي تحقيق وجود الإنسان كشخص حُر ،  أيقونة الثالوث القدوس في الطبيعة البشرية كما اُعلنت في الحدث التأسيسي للكنيسة . الحدث التأسيسي للكنيسة هو تجسد الكلمة ، ليس هو تعليم ديني ولا نظرية ميتافيزقية بل حدث له أبعاد تاريخية محددة ، إذ صار الله إنساناً ، شخص تاريخي معين ، يسوع المسيح .

     إن تجسد الكلمة قد أسس الكنيسة حيث أُعلن الحق عن الله وعن الإنسان متجسداً في التاريخ . وأُعلن كذلك طريقة وجود الله والبشر في شخص المسيح : الإله المتأنس . فالحدث التاريخي لتأنس الله أعلن الطريقة الوجودية غير الزمنية للحياة الإلهية التي هي المحبة : " وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ " ( 1يو8:4 ) ، المحبة ليست كخاصية أخلاقية سلوكية بل كتحقيق وجودي حُر . حقيقة الوجود والشركة تعلن الله الثالوث والواحد في جوهره وطبيعته عن طريق الإخلاء ، إذ أخذ الكلمة الطبيعة البشرية وأخلى – بكل حُرية – ذاته من أي عنصر للكمال  ، أي طريقة  أصيلة وجديدة للوجود بالنسبة للخبرة الإنسانية .
هكذا تجسد الكلمة هو حقيقة إخلاء المسيح ، إمكانية للتوافق والوحدة عن طريق الشخص الذي يصنع بكل حرية شركة ووحدة والذي يتجرد من عناصر الكمال الفردي ، وليس عن طريق الفرد الذي  ينشد العزلة والأنانية . إن الطبيعة البشرية تعلن النموذج الثالوثي لحقيقة الإنسان ، إذ أيقونة الثالوث هي ذاتها تعبر عن أصالة وحقيقة  طبيعتنا . بالتالي الكنيسة كوحدة المجتمع البشري تُوجد مسبقاً لأن الطبيعة البشرية تُعبر في الأصل عن هذه الوحدة . لذا نستطيع أن نرى بصيص من حقيقة الشركة الكنسية في الأشكال المشوهة للمجتمع البشري . والتجسد جاء لكي يُعيد أصالة الطبيعة البشرية لكي تُعبر بكل وضوح عن الوحدة الحقيقية  بإستعادة طبيعة الإنسان الكنسية مرة أخرى في المسيح يسوع .

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق