1- اعتراض من جانب محاربي
المسيح
يقولون: إن لم يكن الابن مخلوقاً، لَمَا دُعيَ بكر كل خليقة؛ لأن ذلك يعني
أنه على صلة قرابة شديدة تجاه هذه المخلوقات، وأنه الأول بالنسبة لهذه المخلوقات
وقبلها كلها، لذلك سُمِّي بهذا اللقب.
2- الرد على الاعتراض
ليس من الصعب أن نرد على المسائل التي يطرحها الهراطقة.
بدايةً يجب أن نقول الآتي: إذا كان اسم "بِكر" يضع الابن ضمن المخلوقات، فهذا
يعني أن نستثنيه من تسميته بـ "وحيد الجنس"؛ لأنه إذا تعذَّرت تسمية
المرء "بِكراً" إن لم يكن له إخوةٌ كثيرون، هكذا أيضاً لا يمكن أن يكون
هناك شخصٌ وحيد الجنس إن لم يكن وحيداً ولم يحسب مع آخرين. كيف إذن يكون بكراً،
وفي نفس الوقت هو وحيد الجنس؟ لماذا يجب أن يسري عليه هذا أو ذاك؟ وإذا كان الكتاب
المقدس يدعوه وحيد الجنس وبكراً، فمن الضروري على الذين يهينون الكتب المقدسة، أن
يفسروا بدقةٍ كيف يكون بِكراً([1])،
وبأي طريقة يكون وحيدَ الجنس.
هو وحيد الجنس؛ لأنه هو الكلمة المولود من الآب قبل الدهور، وليس
لديه أخوة بحسب الطبيعة، ولا يُحسبُ مع آخر. فابن الله واحدٌ هو وفريد. وهو أيضاً
بكرٌ لإخوة كثيرين كما هو مكتوب (أنظر رو 8: 29). لكن متى صار أخاً لنا، إن لم يكن
ذلك قد حدث حين لَبَسَ جسدنا؟. إذن، هكذا صار بكراً عندما أتى بأبناءٍ كثيرين لله
بحسب النعمة.
3- ردٌ آخر
لقد دُعيَّ بكر كل خليقة ليس لأنه الأول بالنسبة لها من جهة الزمن، ولا
لأنه هو من نفس جوهر المخلوقات، لكن مثلما قلنا سابقاً، بسبب تنازُله نحو
المخلوقات وتشبُّهِه بنا. لكن من الأفضل أن نلاحظ أيضاً أنه دُعيَ وحيد الجنس
وبكراً بين أخوة كثيرين.
فعندما دُعيَ وحيد الجنس، دُعيَّ دون أن يكون هناك عِلةٌ بمقتضاها أصبح
وحيد الجنس، بل لأنه حُرٌ من كل قيد، وهو الإله وحيدُ الجنس الكائن في حضن الآب.
لكن عندما تدعوه الكتب المقدسة بِكراً، فإنها للتو تضيف: مَنْ هو البكر، وكذلك
السبب الذي لأجله دُعي بهذا الاسم. لأن الكتب تقول: "بِكْراً بَيْنَ إِخْوَةٍ
كَثِيرِينَ" (رو 8: 29)، "بِكْرٌ مِنَ الأَمْوَاتِ" (كو 1: 18).
لأنه كان ينبغي لابن الله، وهو الأول بحسب الطبيعة، عندما صار إنساناً، ألاَّ يفقد
مكانته، فعندما صار شبيهاً بنا وُضِع أيضاً قبل كل الخليقة. فليس لأنه صار
إنساناً، صار أدنى مِن كل ما يخص المكانة التي تتناسب مع الطبيعة الإلهية([2])،
بل أيضاً كإنسان، هو الأول ويسبق كل الخليقة، طالما هو خالقها وهو الرب. هكذا
الإنجيلي يقول: "ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب" (يو 1: 14).
4- ردٌ آخِر
إن كان - كما يقول بولس - به صار الكل (انظر كو 1: 16)، إلاَّ أنه هو آخرٌ
بالنسبة للكل. لأن كلمة "الكل" لا تترك مخلوقاً خارجاً عنها لم يَصِر
بواسطته. بالتالي، الابن ليس مخلوقاً، لكنه بالحري هو خالق الكل، كما هو مكتوب.
لأن الكتاب المقدس لم يقل إنه بكر الخلائق الأخرى، حتى لا يُظن أنه حقاً واحدٌ من
ضمن هذه المخلوقات، ولكن بقوله "كل الخليقة" يعني أنه آخرٌ مختلفٌ عن
الخليقة. ومَن يوجد خارج كل الخليقة، لا يمكن أن يكون من جوهر مخلوق، بل هو آخر
مختلف عنها. وحسناً فعل الكتاب المقدس؛ إذ أخذاً في الاعتبار لهذه الملاحظة، لم
يدعُ رأوبين أنه بكر كل أولاد يعقوب حتى لا يُعتبر أنه آخر مختلف عنهم، بل بدقةٍ
عظيمةٍ يقول إن هذا هو بكر يعقوب وأخوته.
5- ردٌ آخر
إذا كان البعض قد شرع في وضع الابن ضمن الخليقة، بسبب أنه دُعيَ بكر كل
خليقة، فإن ذلك يعني أن يكون الابن نفسه معدوداً ضمن الخليقة. ووفقاً لهذا الرأي
يكون الابن أيضاً بكراً لذاته، فطالما هو حقاً بكر كل خليقة، يكون أيضاً في الكل
(أنظر كو 3: 11)، وهو ما يعني أنه سيكون الأول والثاني لذاته، أمَّا لو اعتبرناه
خارج الكل بسبب أنه بكر كل خليقة، عندئذٍ سيكون الأول بالنسبة للكل. لكن لو كان من
ضمن الكل، لأصبح الثاني لذاته زمنياً، أي الأول بتلك الطريقة، والثاني بالنسبة
لذاته بهذه الطريقة.
6- ردٌ آخر
لو كان الابن واحداً من ضمن الخليقة، بسبب أنه دُعيَ بكر كل خليقة، وفي
ذات الوقت كان الكل قد صار بواسطته (أنظر يو 1: 2)، لكان عندئذٍ خالقاً لذاته وفق
رأيكم، وهذا الذي يخلق صار مخلوقاً، وقد صار هكذا بواسطة ذاته. فإن كان ضمن الكل،
وكان الكل قد صار بواسطته، لأضحى ما قلناه صحيحاً، لكن إذا كانت الخليقة قد خُلِقت
بواسطته، فكيف يمكن أن يكون هو واحداً منها هذا الذي أعطى الوجود لكل الموجودات؟
7- ردٌ آخر، تفهم بمقتضاه
كلمة ”بكر” وفق التفسير المملوء بالتقوى
من الصواب تماماً أن يُدعى الابن بكراً لأخوة كثيرين، لأنه صار شبيهاً بنا
في كل شيء ما عدا الخطية، ولأنه لَبَسَ جسدنا وصار أخاً لنا. وهو أيضاً بكرٌ من
الأموات؛ لأنه هو الأول الذي أقام جسده في عدم فساد، وهو الأول الذي أصعده إلى
السموات، لذلك يقول: "أنا هو الطريق" (يو 16: 6)، و"أنا هو
الباب" (يو 10: 9). وبواسطته تعلِّمت الطبيعة البشرية أن تسلك في طريق
القيامة الجديد، وبواسطته - كما مِن بابٍ - دخلت إلى السماء([3]).
8- ردٌ آخر: كيف يمكن فهم عبارة:
”بكر كل خليقة” بطريقة تقوية؟
بسبب محبة الآب لمخلوقاته دُعيَ الابن بِكرَ كل خليقة، والابن بمحبته تجاه
المخلوقات لم يتردد في أن يجعل ذاته بين المخلوقات، حتى أن المخلوقات التي جاءت
بعده تخلُص بسبب أنه دُعيَ بِكراً. هكذا ينبغي له أن يكون بكراً لكي تظل المخلوقات
تدعوه بكراً. إذن هو المولود الوحيد من جهة الطبيعة؛ لأنه أتى من الآب، فهو إلهٌ
من إله، ونورٌ من نور، لكن هو البكر لأجلنا، لدرجة أن كل الخليقة طُعِّمت فيه
كأنها في جذرٍ([4])
عديم الموت، لكي تنبت مرةً ثانيةً من هذا الذي هو موجودٌ دائماً. لأن الكل صار بواسطته
والكُل يخلُص بفضله([5]).
9- ردٌ آخر
لو كنا نضع الابن ضمن
الخليقة بسبب أنه دُعيَ بكر كل خليقة، لكان بحسب الطبيعة مخلوقاً، ولَكان الأول
زمنياً بالنسبة لهذه الخليقة، ولَكان على صلة قرابة معها بحسب الطبيعة. ولَشابه كل
المخلوقات الأخرى، وبالتالي يكون على صلة قرابة أيضاً بالحيوانات غير العاقلة،
والطيور الجارحة وتلك التي تسبح في الماء؛ لأن هذه المخلوقات، وإن كانت قليلة
الأهمية، إلاَّ أنها جزءٌ من كل الخليقة. لكن هذا الرأي غير معقول. إذن، بناءً على
ذلك، فإن كلمة "بِكر" تعبِّر بكل تقوى عن أنه الأول بين أخوة كثيرين،
هؤلاء الذين دُعُوا بحسب النعمة إلى التبني، لكنه هو فوق الخليقة؛ لأنه يوجد
قبلها، وهو الذي أحضرها إلى الوجود قبل أن يكون له بالتجسد جوهر مخلوق (ناسوت).
10- ردٌ آخر
مثلما دُعيَ بكراً بين أخوة كثيرين؛ لأن هؤلاء الذين خلصوا بواسطته،
دُعُوا إلى التبني من الله بحسب النعمة، هكذا أيضاً دُعيَ بكراً من الأموات؛ لأنه
قام إلى عدم الفساد قبل الجميع. وهكذا يُقال إنه صار بداية الطرق (انظر أمثال 8:
22)؛ لأن الجميع يستطيعون بواسطته أن يسرعوا إلى الخلاص. كما أنه لم يُدعَ وحيد الجنس لسبب آخر، إلاَّ لأنه هو فقط الوحيد الذي وُلِد
بالحقيقة.
11- دفاعٌ بطريقةٍ برهانية
إذا كان قد دُعيَ وحيد الجنس؛ لأنه كان هو فقط الذي وُلِدَ من الآب دون
وساطةٍ من أحد, ودون أن تسبقه إرادة إلهية؛ لأنه لم يكن هناك واحدٌ من المخلوقات
التي تتوسط لإرادة الله، فهو إذن ليس وحيد الجنس لأنه صار بدون وسيط، بل لأنه هو
فقط ثمرة الآب([6]).
12- ردٌ آخر
إن كان هو وحيد الجنس؛ لأنه هو فقط مَن صار مِن الآب – مثلما تقولون –
لَمَا كان الآب خالق الجميع قد خلق الكل، بل خلق الابن فقط، لكن بما أن الآب هو
خالق الكل "لأن الكل يأتي منه" (كو 1: 16)، فالابن إذن ليس وحيد الجنس بسبب
أنه هو الوحيد الذي خلقه الآب، بل لأنه هو الوحيد الذي وُلِدَ بحسب الطبيعة مِن
الآب.
13- ردٌ آخر
أمَّا إذا قالوا إنه هو وحيد الجنس؛ لأنه هو الوحيد الذي صار من الآب
الوحيد، فإننا نقول لهم: هل يمكن أن يُدعى النهار وحيد الجنس؛ لأن الشمس التي ينتُج
عنها هي وحيدةٌ أيضا؟ وبالمثل هل يمكن أن نصف أعمالاً بأنها وحيدة الجنس لمجرد
أنها تنتمي لشخصٍ واحدٍ وحيدٍ صار مخترعاً لعلمٍ ما، أو صانعاً لأيقونةٍ ما؟ فإذا
كان أحدٌ لا يدعو عمله الوحيد، بوحيد الجنس، فكيف يمكن أن يُعتبر الابن وحيد الجنس
بسبب أنه صار بواسطة الآب، وليس لأنه وُلِدَ من الآب؟
14- ردٌ آخر
لو أن الابن قد دُعيَ وحيد الجنس؛ لأن الآبَ خلقه هكذا وحيداً، فهناك
أيضاً عملٌ مماثلٌ وحيدٌ، هو السماء، فهل يمكن أن تُدعى السماء وحيدة الجنس على
هذا الأساس؟ فإذا كانت هناك مخلوقاتٌ كثيرةٌ صارت فريدةً، ولم تُدعَ وحيدة الجنس،
هكذا لم يُدعَ الابنُ وحيد الجنس لأنه صار (خُلِقَ) وحيداً، بل لأنه هو الوحيد
الذي وُلِدَ من الآب.
15- ردٌ آخر
إذا كان الابن قد دُعيَ وحيد الجنس لأنه كان هو الوحيد الذي تفوَّق على
الخليقة، فكيف يكون الحال بالآب الذي يتفوَّق على الكل، هل يُدعى أيضاً وحيد الجنس
على هذا الأساسٍ؟ فإذا كان الآب لا يُدعى وحيد الجنس بالرغم من تفوَّقه على الكل،
هكذا الابن أيضاً لا يُدعَ وحيد الجنس لتفوقه على المخلوقات، بل لأنه وُلِدَ من
الآب.
16- ردٌ آخر
لو كان الابنُ قد دُعيَ وحيد الجنس باعتباره المعبِّر الوحيد عن مشيئة
الآب، وقلنا إن القول المنطوق الخاص بنا هو أيضاً المُعَبِّر الوحيد عن القرارات
التي نتخذها بعقولنا، فهل يمكن - بناءً على ذلك - أن يُدعى هذا القول وحيد الجنس
ابناً للعقل؟ فإذا لم يكن قد حدث أن وصف أحدٌ النطق المعبِّر عن الأفكار المختفية
بوحيد الجنس، فكيف يمكن أن يقال إن الابن هو وحيد الجنس؛ لأنه هو الذي يعلن مشيئة
الآب، وليس لأنه وُلِدَ؟
17- ردٌ آخر
إن قيل إنه هو وحيد الجنس لأنه هو خالق الكل، أي خلق كل الكائنات التي
صارت بعده، وإنه لا يوجد خالقٌ شريكٌ معه ولا أحد معه قد فعل شيئاً، فإننا نقول:
بما أن الكل صار بحكمةٍ بواسطته، وثبَّت السموات، وكل قوته ترجع إلى روح الله، فما
الفائدة من أن ندعوه وحيد الجنس على أساس أنه هو الخالق الوحيد لكل ما صار من
بعده، إن لم نكن ندعوه هكذا ليس فقط لأنه هو الخالق الوحيد، بل لأنه هو الذي
وُلِدَ بحسب الطبيعة من الآب؟
18- ردٌ آخر
لو لم يكن مَن وُلِد هو وحيد الجنس، بل مَن صار كان هو في الحقيقة وحيد
الجنس، لَمَا كان ابن سارة
وحيد الجنس لأنه لم يَصِر منها، بل لأنه وُلِد.
19- ردٌ آخر
وإذا قيل إنه وحيد الجنس لأن الآب أحضره فقط إلى الوجود، لَمَا أمكن حتى
لمن وُلِد أن يصير بِكراً؛ لأن أخوته الآخرين لم يأتوا من الآب. لكن بما أنه هو
بالحقيقة بكرٌ، فهو حقاً أول الكل. وبذلك يتضح لنا أنه ليس وحيد الجنس لأنه فقط أخذ
كياناً، بل لأنه هو الثمرة الصالحة الوحيدة؛ لأنه وُلِدَ من الآب الصالح.
20- ردٌ آخر
إن كان بِكراً لله بسبب أنه وُلِدَ أولاً قبل كثيرين، وفي نفس الوقت أيضاً
بكر من العذراء، لَكان عليه أنه يكون الأول منها قبل كثيرين آخرين، لكن بما أنه
الوحيد الذي وُلِد من مريم، وليس قبل آخرين، لذا دُعيَ بِكراً لها. وعلى ذات
القياس، هو بِكرٌ لله، ليس لأنه الأول قبل كثيرين وُلِدوا منه، بل لأنه هو الوحيد
الذي وُلِدَ منه.
21- ردٌ آخر
لو كان بِكراً على أساس أنه وُلِدَ أولاً قبل آخرين، ولم يكن هناك اختلاف
جوهري بين من وُلِد أولاً، ومن تلاه ممن وُلدوا بعده([7])، لَما
أمكن حتى للابن أن يكون أعظم ممن صاروا بعده. لكن إذا كان مَنْ يخلِق مختلفاً في
كل شيء عن الكل، وكان الابن خالقاً, عندئذٍ يكون مختلفاً عن الكل. فكيف إذن يمكن
للذي أخذ اسم الابن
وعِلة هذه المخلوقات أن يكون بكراً لهم؟([8])
22- ردٌ آخر
إذا كان الأولون يقرون بأنهم علةٌ للتاليين، وكان الأول هو الله وابن
الله، عندئذٍ يكون الابن هو علة أولئك الذين يقال عنهم إنهم أبناء الله؛ لأنه أتى
من ذاك (الله). وعلى ذلك لا يقال عن علة الأبناء التاليين إنه بكرٌ بسبب أنه خُلِق
أولاً بالنسبة لأولئك، بل لأنه الأول الذي صار عِلةً لهم([9]).
23- ردٌ آخر
لو كان بكراً بسبب أنه صار أولاً، لا
بسبب أنه هو الوحيد، لَمَا كان الابن قد خَلَق أحداً بالفعل؛ لأن مَن صاروا بعده
جاءوا بالتتابع بعد مَن جاء أولاً. لكن، لأنه هو قد خلقهم، فهو لم يخلقهم كبِكرٍ
كان قد خُلِقَ هو أولاً، لكن لأن كل ما في السماء وما على الأرض قد خُلِقَ
بواسطته.
24- ردٌ آخر
لو كان قد أخذ أقنوماً (كياناً) وصار بكراً لأجل خلق المخلوقات، لكان
مديناً لهم لأنهم صاروا سبباً لخلقه.
25- ردٌ آخر
إذا كان وجود الخليقة يتوّقف على خلق غير المخلوق؛ باعتبار أن الخليقة لا
تحتمل أن تتصل بغير المخلوق بحسب الطبيعة، ولأجل ذلك خُلِقَ الابن، لَكان معنى ذلك
أن يكون هذا الابن مجرّد كائنٍ متوسطٍ، أو قوةٍ متوسطةٍ (بين الله الخالق
والمخلوقات)، وهو ما يعني أيضاً أن هذا الابن لا يمكن أن يكون غير مخلوق؛ لأن
الخليقة لا تحتمل أن تتصل بغير المخلوق كما قلنا. وبالرغم من ذلك، وباعتبار أن هذا
الابن كائنٌ متوسطٌ، فهو لا ينتمي إلى عالم المخلوقات أيضاً، وبالتالي لا تحتمل
الخليقة أن تتصل به. وطالما إنه ليس واحداً من كليهما([10])، بقي أن
نعترف بأنه نتاج الطبيعة غير المولودة.
26- اعتراض من اعتراضات
إفنوميوس
إذا كان الابن إلهاً حقيقياً، فلماذا حُسب مع المخلوقات؛ لأن الكتاب
المقدس يقول عنه إنه: "بكر كل خليقة" (كو 1: 15)؟ لأنه بالضرورة ينبغي
أن يكون هذا - بحسب الطبيعة - مماثلاً للمخلوقات التي هو بالنسبة لها، الأول.
27- الرد على هذا الاعتراض
هذا القول تجديفٌ واضحٌ، وهو ينطوي على غباءٍ شديد؛ لأنه لو كان قد دُعيَ
بكراً([11])،
لَكان بالضرورة قريباً تماماً لأولئك الذين صاروا بعده، فإن كان مَن صار بعده، ليس
هو فقط الإنسان، بل كثير أيضاً من الحيوانات المختلفة، فإن تجديفكم - يا محاربي
المسيح - يظهر بأجلي بيان؛ لأن كلامكم يعني أن يكون الابن شبيهاً بحسب الطبيعة
بالحيوانات غير العاقلة، وليس قريباً فقط لهؤلاء الذين قيل إنه بكرٌ لهم. لكنه
دُعيَ هكذا؛ لأن الكتاب المقدس يعلن لنا أننا دُعينا في الابن وبواسطة الابن لنفس
المكانة معه، ظاهرين أننا - بحسب النعمة - أبناء الله([12]) (أنظر
غلا 4: 4 - 6). وهذه هي بداية النعمة التي أُعطيت لنا متشبهين به بسبب محبته
لأولئك الذين صاروا بواسطته.
إذن هو الأول لأنه هو صورة الآب الحقيقية. وكما يقول الآب عنه إنه الأول،
يقول هو أيضاً عن نفسه إنه الأول؛ لأن الآب الأول يوجد فيه، وهو أيضاً يوجد في
الآب الأول([13])،
والكل صار بواسطته، وبه تُدعى الكائنات العاقلة إلى التبني.
28- ردٌ آخر
إذا كان القول بأن الابن هو أول الخليقة، فهذا يحتم عليه أن يكون على صِلة
قرابة مع أولئك الذين صاروا بعده، وأن يكون مماثلاً - بحسب الطبيعة - للاحقين عليه
زمنياً، فماذا تقولون عندما تسمعون الآب يقول عن ذاته: "أَنَا الأَوَّلُ
وَأَنَا الآخرُ، وَلاَ إلهَ غَيْري" (أش 44: 6)؟
فإذا كنتم تعترفون بأنه يسبق المخلوقات من جهة الزمن، يتحتم عليكم أن
تعترفوا بأن له جوهر مخلوق، وبذلك تحسبونه إذن ضمن المخلوقات.
لكني لا أعتقد أن المرء يمكنه أن يصل إلى حدٍ من الجنون، يتجرَّأ معه على
أن يفهم الأمر على هذا النحو.
فإذا كان يقال عن الآب إنه الأول، دون أن يعني ذلك أن يكون ذي قربى مع كل
الذين أتوا إلى الوجود بعده، هكذا الأمر أيضاً بالنسبة للابن، فإن قيل عنه إنه أول
الخليقة، فإن ذلك لا يعني بأية حال أن يكون واحداً مع المخلوقات. لكن بما أن الآب
هو بداية الكل حين قال: "أَنَا الأَوَّلُ"، هكذا قيل عن الابن إنه الأول
لكل الخليقة؛ لأن الكل صار بواسطته، وهو بداية المخلوقات (أنظر يو 1: 2)؛ لأنه هو
الخالق والباني.
([1]) يشرح القديس كيرلس كيف نفسر مصطلح
"بِكر" تفسيراً صحيحاً في حواره حول الثالوث، قائلاً: "علينا أن
نَعلَم متى دُعيّ الكلمة بكراً ومَنْ هم الذين أتى بينهم ودُعيّ وسطهم
بكراً. لأننا هكذا سَنُسرع في أن نرفع قلوبنا تجاه المعاني الصحيحة للكلمات التي
تليق بالأسرار. لأن معرفة الأزمنة وتمييز الأشخاص هي أمور توضّح لنا بسهولة معنى الكلمات المُستَقيمة وغير
المنحرفة التي تأتي إلينا مباشره من الكتب المقدسة". حوار حول الثالوث،
المرجع السابق، الحوار الرابع، ص 27 - 28، أيضاً أنظر المرجع السابق، الجزء الأول,
الحوار الأول ص 41 وهامش43.
([2]) مشكلة الهراطقة ـ كما قلنا ـ هي أنهم يريدون
إخضاع الطبيعة الإلهية للمقاييس البشرية، ويؤكد القديس كيرلس على سمو الطبيعة
الإلهية، في حواره حول الثالوث، قائلاً: "فالابن لا
يخضع لمقاييّسنا نحن العبيد كما أنه لا يوجد تحت نير، لكن له الطبيعة الإلهية
الفائقة العلو والتي تسمو على كل الخلائق". حوار حول الثالوث، المرجع السابق،
الجزء الثالث, الحوار الرابع ص 29 - 30.
([3]) لقد أكد القديس كيرلس على هذا المعنى في
حواره حول الثالوث، قائلاً: "إذن عندما نعتبره
كواحد منّا حين ندعوه بكراً فنحن لا نجبره كيّ يكون فيما هو خارج طبيعته، وعلى
الجانب الآخر عندما نقول إنه قد ارتقى بنا، فهذا لا يعني أنه قد تَخلّى عن طبيعته
الفائقة وبالتالي تكون الطبيعة المخلوقة قد سادت عليه. فإن فكرّنا بهذه الطريقة
ألاّ يكون هذا هذيان كامل؟ وبالتالي فعندما صار (الابن) مثلنا فهو لم يتخلّ عن ما
هو له لكننا نحن الذين ارتقينا إليه، بسبب نعمته وأيضاً عَبَرنا مقياس طبيعتنا
بسبب نعمته التي كرّمتنا، وارتقينا إلى ما هو أرفع وأعلى". حوار حول الثالوث،
المرجع السابق، الجزء الثالث, الحوار الرابع ص 32.
([4]) أثناء الحديث
عن نبوة إسحق ليعقوب الواردة في تك 27: 27 -
28 "رائحة ابني كرائحة حقل قد باركه الرب. فليعطك الله من ندى السماء ومن دسم
الأرض. وكثرة حنطة وخمر" يؤكد القديس كيرلس أن المسيح هو جذر ثان للبشرية، إذ
يقول: [هكذا فإن مفهوم النبوة يتناسب مع الشعب الجديد ومع المسيح نفسه الذي هو
البداية والأصل، فهو آدم الثاني حقاً وبمثابة جذر ثاني للبشرية لأن كل ما في
المسيح هو خليقة جديدة. لقد تجددنا ثانية بالمسيح من جهة القداسة والحياة والخلود.
أيضاً أعتقد أن حديث البركة يعني الرائحة الروحية الذكية التي في المسيح، كالرائحة
الجميلة والمفرحة التي تأتي من ورود الربيع في الحقول اليانعة والمزهرة. هكذا قدم
لنا المسيح ذاته في نشيد الإنشاد قائلاً: "أنا نرجس شارون سوسنة
الأودية" (نش 1:2). حقاً كان سوسنة ونرجس، هو الذي نبت من الأرض كإنسان، لكن
بدون أن يعرف خطية، إذ تفوح منه عبق الرائحة الذكية على كل المسكونة. إذاً المسيح يشبه حقلاً مباركاً من الله حيث هو
بالحق رائحة معرفة الله الآب الذكية لأن بولس الرسول قال: "شكراً لله الذي
يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويُظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان"
(2 كو 14:2)]. جيلافيرا، ترجمة د. جورج عوض إبراهيم, مراجعة د. نصحي عبد الشهيد,
الكتاب الشهري، ديسمبر 2005.
([5]) يؤكد القديس كيرلس هذا الشرح في حواره حول
الثالوث، قائلاً: "إن بولس الرسول
المملوء بالمسيح والروح القدس والمتميّز بين الرسل يقول "وَأَيْضاً مَتَى أَدْخَلَ
الْبِكْرَ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ: «وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلاَئِكَةِ اللهِ»" وأعتقد
أنه يستخدم تعبير "بكر" في الزمن المناسب الذي يشير إلى ظهوره في الجسد.
لأنه قد جاء إلى العالم مع أنه منذ القِدم هو كائن فيه مع أن العالم لم يكن يعرفه
وهكذا صار وسيطاً بين الله والناس وأصبح لقب "وحيد الجنس" امتيازاً
خاصاً له. فهو إله من إله، واحد من واحد، ومولود بطريقة لا توصف، وعندما أتى إلينا
فحينئذ فقط حُسِبَ بيننا كأخوة له وذلك عندما دعي بكراً. وإلاّ فأين الأخلاء إن لم
يكن مَنْ هو "وحيد الجنس" قد صار "بكراً"، وسكن بين البشر
كإنسان وهو يعلو عن كل الخليقة؟". حوار حول الثالوث, المرجع السابق, الجزء
الثالث، الحوار الرابع ص 37.
([12]) يشرح القديس كيرلس هذا الأمر بوضوح في حواره
حول الثالوث, إذ يقول: "فنحن لدينا وصية ألا ندعو لنا أباً على الأرض (مت 23:
9), بل أن نقدّم عبادتنا لله فقط بكونه أبانا, وذلك بسبب البكْر الذي قد جاء
بيننا, ليس لسبب آخر, سوي أن يجعل منا نحن أيضاً أبناء؛ لأن هذا هو هدف تجسَّده. وإلاّ
فكيف كان من الممكن أن يكون سرّ المسيح مملوءً بالحكمة إن كان هو - قَبلْ أي أحد
آخر - قد أساء إلى طبيعته (الإلهية) دون أن تعود الفائدة على حالتنا؟ لأنه قد نزل
وصار بكراً كي يُصنَّف مع الكثيرين, مع أنه يختلف جوهرياً عنهم - حسب طبيعته - بل
ويفوقهم, وليس فيه شيء - من أي جهة - مما يظُن هؤلاء الذين يشترك معهم, أنه يتصّف
به". حوار حول الثالوث، المرجع السابق, الجزء الثالث, الحوار الرابع, ص 33.
1- اعتراض من جانب محاربي
المسيح
يقولون: إن لم يكن الابن مخلوقاً، لَمَا دُعيَ بكر كل خليقة؛ لأن ذلك يعني
أنه على صلة قرابة شديدة تجاه هذه المخلوقات، وأنه الأول بالنسبة لهذه المخلوقات
وقبلها كلها، لذلك سُمِّي بهذا اللقب.
2- الرد على الاعتراض
ليس من الصعب أن نرد على المسائل التي يطرحها الهراطقة.
بدايةً يجب أن نقول الآتي: إذا كان اسم "بِكر" يضع الابن ضمن المخلوقات، فهذا
يعني أن نستثنيه من تسميته بـ "وحيد الجنس"؛ لأنه إذا تعذَّرت تسمية
المرء "بِكراً" إن لم يكن له إخوةٌ كثيرون، هكذا أيضاً لا يمكن أن يكون
هناك شخصٌ وحيد الجنس إن لم يكن وحيداً ولم يحسب مع آخرين. كيف إذن يكون بكراً،
وفي نفس الوقت هو وحيد الجنس؟ لماذا يجب أن يسري عليه هذا أو ذاك؟ وإذا كان الكتاب
المقدس يدعوه وحيد الجنس وبكراً، فمن الضروري على الذين يهينون الكتب المقدسة، أن
يفسروا بدقةٍ كيف يكون بِكراً([1])،
وبأي طريقة يكون وحيدَ الجنس.
هو وحيد الجنس؛ لأنه هو الكلمة المولود من الآب قبل الدهور، وليس
لديه أخوة بحسب الطبيعة، ولا يُحسبُ مع آخر. فابن الله واحدٌ هو وفريد. وهو أيضاً
بكرٌ لإخوة كثيرين كما هو مكتوب (أنظر رو 8: 29). لكن متى صار أخاً لنا، إن لم يكن
ذلك قد حدث حين لَبَسَ جسدنا؟. إذن، هكذا صار بكراً عندما أتى بأبناءٍ كثيرين لله
بحسب النعمة.
3- ردٌ آخر
لقد دُعيَّ بكر كل خليقة ليس لأنه الأول بالنسبة لها من جهة الزمن، ولا
لأنه هو من نفس جوهر المخلوقات، لكن مثلما قلنا سابقاً، بسبب تنازُله نحو
المخلوقات وتشبُّهِه بنا. لكن من الأفضل أن نلاحظ أيضاً أنه دُعيَ وحيد الجنس
وبكراً بين أخوة كثيرين.
فعندما دُعيَ وحيد الجنس، دُعيَّ دون أن يكون هناك عِلةٌ بمقتضاها أصبح
وحيد الجنس، بل لأنه حُرٌ من كل قيد، وهو الإله وحيدُ الجنس الكائن في حضن الآب.
لكن عندما تدعوه الكتب المقدسة بِكراً، فإنها للتو تضيف: مَنْ هو البكر، وكذلك
السبب الذي لأجله دُعي بهذا الاسم. لأن الكتب تقول: "بِكْراً بَيْنَ إِخْوَةٍ
كَثِيرِينَ" (رو 8: 29)، "بِكْرٌ مِنَ الأَمْوَاتِ" (كو 1: 18).
لأنه كان ينبغي لابن الله، وهو الأول بحسب الطبيعة، عندما صار إنساناً، ألاَّ يفقد
مكانته، فعندما صار شبيهاً بنا وُضِع أيضاً قبل كل الخليقة. فليس لأنه صار
إنساناً، صار أدنى مِن كل ما يخص المكانة التي تتناسب مع الطبيعة الإلهية([2])،
بل أيضاً كإنسان، هو الأول ويسبق كل الخليقة، طالما هو خالقها وهو الرب. هكذا
الإنجيلي يقول: "ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب" (يو 1: 14).
4- ردٌ آخِر
إن كان - كما يقول بولس - به صار الكل (انظر كو 1: 16)، إلاَّ أنه هو آخرٌ
بالنسبة للكل. لأن كلمة "الكل" لا تترك مخلوقاً خارجاً عنها لم يَصِر
بواسطته. بالتالي، الابن ليس مخلوقاً، لكنه بالحري هو خالق الكل، كما هو مكتوب.
لأن الكتاب المقدس لم يقل إنه بكر الخلائق الأخرى، حتى لا يُظن أنه حقاً واحدٌ من
ضمن هذه المخلوقات، ولكن بقوله "كل الخليقة" يعني أنه آخرٌ مختلفٌ عن
الخليقة. ومَن يوجد خارج كل الخليقة، لا يمكن أن يكون من جوهر مخلوق، بل هو آخر
مختلف عنها. وحسناً فعل الكتاب المقدس؛ إذ أخذاً في الاعتبار لهذه الملاحظة، لم
يدعُ رأوبين أنه بكر كل أولاد يعقوب حتى لا يُعتبر أنه آخر مختلف عنهم، بل بدقةٍ
عظيمةٍ يقول إن هذا هو بكر يعقوب وأخوته.
5- ردٌ آخر
إذا كان البعض قد شرع في وضع الابن ضمن الخليقة، بسبب أنه دُعيَ بكر كل
خليقة، فإن ذلك يعني أن يكون الابن نفسه معدوداً ضمن الخليقة. ووفقاً لهذا الرأي
يكون الابن أيضاً بكراً لذاته، فطالما هو حقاً بكر كل خليقة، يكون أيضاً في الكل
(أنظر كو 3: 11)، وهو ما يعني أنه سيكون الأول والثاني لذاته، أمَّا لو اعتبرناه
خارج الكل بسبب أنه بكر كل خليقة، عندئذٍ سيكون الأول بالنسبة للكل. لكن لو كان من
ضمن الكل، لأصبح الثاني لذاته زمنياً، أي الأول بتلك الطريقة، والثاني بالنسبة
لذاته بهذه الطريقة.
6- ردٌ آخر
لو كان الابن واحداً من ضمن الخليقة، بسبب أنه دُعيَ بكر كل خليقة، وفي
ذات الوقت كان الكل قد صار بواسطته (أنظر يو 1: 2)، لكان عندئذٍ خالقاً لذاته وفق
رأيكم، وهذا الذي يخلق صار مخلوقاً، وقد صار هكذا بواسطة ذاته. فإن كان ضمن الكل،
وكان الكل قد صار بواسطته، لأضحى ما قلناه صحيحاً، لكن إذا كانت الخليقة قد خُلِقت
بواسطته، فكيف يمكن أن يكون هو واحداً منها هذا الذي أعطى الوجود لكل الموجودات؟
7- ردٌ آخر، تفهم بمقتضاه
كلمة ”بكر” وفق التفسير المملوء بالتقوى
من الصواب تماماً أن يُدعى الابن بكراً لأخوة كثيرين، لأنه صار شبيهاً بنا
في كل شيء ما عدا الخطية، ولأنه لَبَسَ جسدنا وصار أخاً لنا. وهو أيضاً بكرٌ من
الأموات؛ لأنه هو الأول الذي أقام جسده في عدم فساد، وهو الأول الذي أصعده إلى
السموات، لذلك يقول: "أنا هو الطريق" (يو 16: 6)، و"أنا هو
الباب" (يو 10: 9). وبواسطته تعلِّمت الطبيعة البشرية أن تسلك في طريق
القيامة الجديد، وبواسطته - كما مِن بابٍ - دخلت إلى السماء([3]).
8- ردٌ آخر: كيف يمكن فهم عبارة:
”بكر كل خليقة” بطريقة تقوية؟
بسبب محبة الآب لمخلوقاته دُعيَ الابن بِكرَ كل خليقة، والابن بمحبته تجاه
المخلوقات لم يتردد في أن يجعل ذاته بين المخلوقات، حتى أن المخلوقات التي جاءت
بعده تخلُص بسبب أنه دُعيَ بِكراً. هكذا ينبغي له أن يكون بكراً لكي تظل المخلوقات
تدعوه بكراً. إذن هو المولود الوحيد من جهة الطبيعة؛ لأنه أتى من الآب، فهو إلهٌ
من إله، ونورٌ من نور، لكن هو البكر لأجلنا، لدرجة أن كل الخليقة طُعِّمت فيه
كأنها في جذرٍ([4])
عديم الموت، لكي تنبت مرةً ثانيةً من هذا الذي هو موجودٌ دائماً. لأن الكل صار بواسطته
والكُل يخلُص بفضله([5]).
9- ردٌ آخر
لو كنا نضع الابن ضمن
الخليقة بسبب أنه دُعيَ بكر كل خليقة، لكان بحسب الطبيعة مخلوقاً، ولَكان الأول
زمنياً بالنسبة لهذه الخليقة، ولَكان على صلة قرابة معها بحسب الطبيعة. ولَشابه كل
المخلوقات الأخرى، وبالتالي يكون على صلة قرابة أيضاً بالحيوانات غير العاقلة،
والطيور الجارحة وتلك التي تسبح في الماء؛ لأن هذه المخلوقات، وإن كانت قليلة
الأهمية، إلاَّ أنها جزءٌ من كل الخليقة. لكن هذا الرأي غير معقول. إذن، بناءً على
ذلك، فإن كلمة "بِكر" تعبِّر بكل تقوى عن أنه الأول بين أخوة كثيرين،
هؤلاء الذين دُعُوا بحسب النعمة إلى التبني، لكنه هو فوق الخليقة؛ لأنه يوجد
قبلها، وهو الذي أحضرها إلى الوجود قبل أن يكون له بالتجسد جوهر مخلوق (ناسوت).
10- ردٌ آخر
مثلما دُعيَ بكراً بين أخوة كثيرين؛ لأن هؤلاء الذين خلصوا بواسطته،
دُعُوا إلى التبني من الله بحسب النعمة، هكذا أيضاً دُعيَ بكراً من الأموات؛ لأنه
قام إلى عدم الفساد قبل الجميع. وهكذا يُقال إنه صار بداية الطرق (انظر أمثال 8:
22)؛ لأن الجميع يستطيعون بواسطته أن يسرعوا إلى الخلاص. كما أنه لم يُدعَ وحيد الجنس لسبب آخر، إلاَّ لأنه هو فقط الوحيد الذي وُلِد
بالحقيقة.
11- دفاعٌ بطريقةٍ برهانية
إذا كان قد دُعيَ وحيد الجنس؛ لأنه كان هو فقط الذي وُلِدَ من الآب دون
وساطةٍ من أحد, ودون أن تسبقه إرادة إلهية؛ لأنه لم يكن هناك واحدٌ من المخلوقات
التي تتوسط لإرادة الله، فهو إذن ليس وحيد الجنس لأنه صار بدون وسيط، بل لأنه هو
فقط ثمرة الآب([6]).
12- ردٌ آخر
إن كان هو وحيد الجنس؛ لأنه هو فقط مَن صار مِن الآب – مثلما تقولون –
لَمَا كان الآب خالق الجميع قد خلق الكل، بل خلق الابن فقط، لكن بما أن الآب هو
خالق الكل "لأن الكل يأتي منه" (كو 1: 16)، فالابن إذن ليس وحيد الجنس بسبب
أنه هو الوحيد الذي خلقه الآب، بل لأنه هو الوحيد الذي وُلِدَ بحسب الطبيعة مِن
الآب.
13- ردٌ آخر
أمَّا إذا قالوا إنه هو وحيد الجنس؛ لأنه هو الوحيد الذي صار من الآب
الوحيد، فإننا نقول لهم: هل يمكن أن يُدعى النهار وحيد الجنس؛ لأن الشمس التي ينتُج
عنها هي وحيدةٌ أيضا؟ وبالمثل هل يمكن أن نصف أعمالاً بأنها وحيدة الجنس لمجرد
أنها تنتمي لشخصٍ واحدٍ وحيدٍ صار مخترعاً لعلمٍ ما، أو صانعاً لأيقونةٍ ما؟ فإذا
كان أحدٌ لا يدعو عمله الوحيد، بوحيد الجنس، فكيف يمكن أن يُعتبر الابن وحيد الجنس
بسبب أنه صار بواسطة الآب، وليس لأنه وُلِدَ من الآب؟
14- ردٌ آخر
لو أن الابن قد دُعيَ وحيد الجنس؛ لأن الآبَ خلقه هكذا وحيداً، فهناك
أيضاً عملٌ مماثلٌ وحيدٌ، هو السماء، فهل يمكن أن تُدعى السماء وحيدة الجنس على
هذا الأساس؟ فإذا كانت هناك مخلوقاتٌ كثيرةٌ صارت فريدةً، ولم تُدعَ وحيدة الجنس،
هكذا لم يُدعَ الابنُ وحيد الجنس لأنه صار (خُلِقَ) وحيداً، بل لأنه هو الوحيد
الذي وُلِدَ من الآب.
15- ردٌ آخر
إذا كان الابن قد دُعيَ وحيد الجنس لأنه كان هو الوحيد الذي تفوَّق على
الخليقة، فكيف يكون الحال بالآب الذي يتفوَّق على الكل، هل يُدعى أيضاً وحيد الجنس
على هذا الأساسٍ؟ فإذا كان الآب لا يُدعى وحيد الجنس بالرغم من تفوَّقه على الكل،
هكذا الابن أيضاً لا يُدعَ وحيد الجنس لتفوقه على المخلوقات، بل لأنه وُلِدَ من
الآب.
16- ردٌ آخر
لو كان الابنُ قد دُعيَ وحيد الجنس باعتباره المعبِّر الوحيد عن مشيئة
الآب، وقلنا إن القول المنطوق الخاص بنا هو أيضاً المُعَبِّر الوحيد عن القرارات
التي نتخذها بعقولنا، فهل يمكن - بناءً على ذلك - أن يُدعى هذا القول وحيد الجنس
ابناً للعقل؟ فإذا لم يكن قد حدث أن وصف أحدٌ النطق المعبِّر عن الأفكار المختفية
بوحيد الجنس، فكيف يمكن أن يقال إن الابن هو وحيد الجنس؛ لأنه هو الذي يعلن مشيئة
الآب، وليس لأنه وُلِدَ؟
17- ردٌ آخر
إن قيل إنه هو وحيد الجنس لأنه هو خالق الكل، أي خلق كل الكائنات التي
صارت بعده، وإنه لا يوجد خالقٌ شريكٌ معه ولا أحد معه قد فعل شيئاً، فإننا نقول:
بما أن الكل صار بحكمةٍ بواسطته، وثبَّت السموات، وكل قوته ترجع إلى روح الله، فما
الفائدة من أن ندعوه وحيد الجنس على أساس أنه هو الخالق الوحيد لكل ما صار من
بعده، إن لم نكن ندعوه هكذا ليس فقط لأنه هو الخالق الوحيد، بل لأنه هو الذي
وُلِدَ بحسب الطبيعة من الآب؟
18- ردٌ آخر
لو لم يكن مَن وُلِد هو وحيد الجنس، بل مَن صار كان هو في الحقيقة وحيد
الجنس، لَمَا كان ابن سارة
وحيد الجنس لأنه لم يَصِر منها، بل لأنه وُلِد.
19- ردٌ آخر
وإذا قيل إنه وحيد الجنس لأن الآب أحضره فقط إلى الوجود، لَمَا أمكن حتى
لمن وُلِد أن يصير بِكراً؛ لأن أخوته الآخرين لم يأتوا من الآب. لكن بما أنه هو
بالحقيقة بكرٌ، فهو حقاً أول الكل. وبذلك يتضح لنا أنه ليس وحيد الجنس لأنه فقط أخذ
كياناً، بل لأنه هو الثمرة الصالحة الوحيدة؛ لأنه وُلِدَ من الآب الصالح.
20- ردٌ آخر
إن كان بِكراً لله بسبب أنه وُلِدَ أولاً قبل كثيرين، وفي نفس الوقت أيضاً
بكر من العذراء، لَكان عليه أنه يكون الأول منها قبل كثيرين آخرين، لكن بما أنه
الوحيد الذي وُلِد من مريم، وليس قبل آخرين، لذا دُعيَ بِكراً لها. وعلى ذات
القياس، هو بِكرٌ لله، ليس لأنه الأول قبل كثيرين وُلِدوا منه، بل لأنه هو الوحيد
الذي وُلِدَ منه.
21- ردٌ آخر
لو كان بِكراً على أساس أنه وُلِدَ أولاً قبل آخرين، ولم يكن هناك اختلاف
جوهري بين من وُلِد أولاً، ومن تلاه ممن وُلدوا بعده([7])، لَما
أمكن حتى للابن أن يكون أعظم ممن صاروا بعده. لكن إذا كان مَنْ يخلِق مختلفاً في
كل شيء عن الكل، وكان الابن خالقاً, عندئذٍ يكون مختلفاً عن الكل. فكيف إذن يمكن
للذي أخذ اسم الابن
وعِلة هذه المخلوقات أن يكون بكراً لهم؟([8])
22- ردٌ آخر
إذا كان الأولون يقرون بأنهم علةٌ للتاليين، وكان الأول هو الله وابن
الله، عندئذٍ يكون الابن هو علة أولئك الذين يقال عنهم إنهم أبناء الله؛ لأنه أتى
من ذاك (الله). وعلى ذلك لا يقال عن علة الأبناء التاليين إنه بكرٌ بسبب أنه خُلِق
أولاً بالنسبة لأولئك، بل لأنه الأول الذي صار عِلةً لهم([9]).
23- ردٌ آخر
لو كان بكراً بسبب أنه صار أولاً، لا
بسبب أنه هو الوحيد، لَمَا كان الابن قد خَلَق أحداً بالفعل؛ لأن مَن صاروا بعده
جاءوا بالتتابع بعد مَن جاء أولاً. لكن، لأنه هو قد خلقهم، فهو لم يخلقهم كبِكرٍ
كان قد خُلِقَ هو أولاً، لكن لأن كل ما في السماء وما على الأرض قد خُلِقَ
بواسطته.
24- ردٌ آخر
لو كان قد أخذ أقنوماً (كياناً) وصار بكراً لأجل خلق المخلوقات، لكان
مديناً لهم لأنهم صاروا سبباً لخلقه.
25- ردٌ آخر
إذا كان وجود الخليقة يتوّقف على خلق غير المخلوق؛ باعتبار أن الخليقة لا
تحتمل أن تتصل بغير المخلوق بحسب الطبيعة، ولأجل ذلك خُلِقَ الابن، لَكان معنى ذلك
أن يكون هذا الابن مجرّد كائنٍ متوسطٍ، أو قوةٍ متوسطةٍ (بين الله الخالق
والمخلوقات)، وهو ما يعني أيضاً أن هذا الابن لا يمكن أن يكون غير مخلوق؛ لأن
الخليقة لا تحتمل أن تتصل بغير المخلوق كما قلنا. وبالرغم من ذلك، وباعتبار أن هذا
الابن كائنٌ متوسطٌ، فهو لا ينتمي إلى عالم المخلوقات أيضاً، وبالتالي لا تحتمل
الخليقة أن تتصل به. وطالما إنه ليس واحداً من كليهما([10])، بقي أن
نعترف بأنه نتاج الطبيعة غير المولودة.
26- اعتراض من اعتراضات
إفنوميوس
إذا كان الابن إلهاً حقيقياً، فلماذا حُسب مع المخلوقات؛ لأن الكتاب
المقدس يقول عنه إنه: "بكر كل خليقة" (كو 1: 15)؟ لأنه بالضرورة ينبغي
أن يكون هذا - بحسب الطبيعة - مماثلاً للمخلوقات التي هو بالنسبة لها، الأول.
27- الرد على هذا الاعتراض
هذا القول تجديفٌ واضحٌ، وهو ينطوي على غباءٍ شديد؛ لأنه لو كان قد دُعيَ
بكراً([11])،
لَكان بالضرورة قريباً تماماً لأولئك الذين صاروا بعده، فإن كان مَن صار بعده، ليس
هو فقط الإنسان، بل كثير أيضاً من الحيوانات المختلفة، فإن تجديفكم - يا محاربي
المسيح - يظهر بأجلي بيان؛ لأن كلامكم يعني أن يكون الابن شبيهاً بحسب الطبيعة
بالحيوانات غير العاقلة، وليس قريباً فقط لهؤلاء الذين قيل إنه بكرٌ لهم. لكنه
دُعيَ هكذا؛ لأن الكتاب المقدس يعلن لنا أننا دُعينا في الابن وبواسطة الابن لنفس
المكانة معه، ظاهرين أننا - بحسب النعمة - أبناء الله([12]) (أنظر
غلا 4: 4 - 6). وهذه هي بداية النعمة التي أُعطيت لنا متشبهين به بسبب محبته
لأولئك الذين صاروا بواسطته.
إذن هو الأول لأنه هو صورة الآب الحقيقية. وكما يقول الآب عنه إنه الأول،
يقول هو أيضاً عن نفسه إنه الأول؛ لأن الآب الأول يوجد فيه، وهو أيضاً يوجد في
الآب الأول([13])،
والكل صار بواسطته، وبه تُدعى الكائنات العاقلة إلى التبني.
28- ردٌ آخر
إذا كان القول بأن الابن هو أول الخليقة، فهذا يحتم عليه أن يكون على صِلة
قرابة مع أولئك الذين صاروا بعده، وأن يكون مماثلاً - بحسب الطبيعة - للاحقين عليه
زمنياً، فماذا تقولون عندما تسمعون الآب يقول عن ذاته: "أَنَا الأَوَّلُ
وَأَنَا الآخرُ، وَلاَ إلهَ غَيْري" (أش 44: 6)؟
فإذا كنتم تعترفون بأنه يسبق المخلوقات من جهة الزمن، يتحتم عليكم أن
تعترفوا بأن له جوهر مخلوق، وبذلك تحسبونه إذن ضمن المخلوقات.
لكني لا أعتقد أن المرء يمكنه أن يصل إلى حدٍ من الجنون، يتجرَّأ معه على
أن يفهم الأمر على هذا النحو.
فإذا كان يقال عن الآب إنه الأول، دون أن يعني ذلك أن يكون ذي قربى مع كل
الذين أتوا إلى الوجود بعده، هكذا الأمر أيضاً بالنسبة للابن، فإن قيل عنه إنه أول
الخليقة، فإن ذلك لا يعني بأية حال أن يكون واحداً مع المخلوقات. لكن بما أن الآب
هو بداية الكل حين قال: "أَنَا الأَوَّلُ"، هكذا قيل عن الابن إنه الأول
لكل الخليقة؛ لأن الكل صار بواسطته، وهو بداية المخلوقات (أنظر يو 1: 2)؛ لأنه هو
الخالق والباني.
([1]) يشرح القديس كيرلس كيف نفسر مصطلح
"بِكر" تفسيراً صحيحاً في حواره حول الثالوث، قائلاً: "علينا أن
نَعلَم متى دُعيّ الكلمة بكراً ومَنْ هم الذين أتى بينهم ودُعيّ وسطهم
بكراً. لأننا هكذا سَنُسرع في أن نرفع قلوبنا تجاه المعاني الصحيحة للكلمات التي
تليق بالأسرار. لأن معرفة الأزمنة وتمييز الأشخاص هي أمور توضّح لنا بسهولة معنى الكلمات المُستَقيمة وغير
المنحرفة التي تأتي إلينا مباشره من الكتب المقدسة". حوار حول الثالوث،
المرجع السابق، الحوار الرابع، ص 27 - 28، أيضاً أنظر المرجع السابق، الجزء الأول,
الحوار الأول ص 41 وهامش43.
([2]) مشكلة الهراطقة ـ كما قلنا ـ هي أنهم يريدون
إخضاع الطبيعة الإلهية للمقاييس البشرية، ويؤكد القديس كيرلس على سمو الطبيعة
الإلهية، في حواره حول الثالوث، قائلاً: "فالابن لا
يخضع لمقاييّسنا نحن العبيد كما أنه لا يوجد تحت نير، لكن له الطبيعة الإلهية
الفائقة العلو والتي تسمو على كل الخلائق". حوار حول الثالوث، المرجع السابق،
الجزء الثالث, الحوار الرابع ص 29 - 30.
([3]) لقد أكد القديس كيرلس على هذا المعنى في
حواره حول الثالوث، قائلاً: "إذن عندما نعتبره
كواحد منّا حين ندعوه بكراً فنحن لا نجبره كيّ يكون فيما هو خارج طبيعته، وعلى
الجانب الآخر عندما نقول إنه قد ارتقى بنا، فهذا لا يعني أنه قد تَخلّى عن طبيعته
الفائقة وبالتالي تكون الطبيعة المخلوقة قد سادت عليه. فإن فكرّنا بهذه الطريقة
ألاّ يكون هذا هذيان كامل؟ وبالتالي فعندما صار (الابن) مثلنا فهو لم يتخلّ عن ما
هو له لكننا نحن الذين ارتقينا إليه، بسبب نعمته وأيضاً عَبَرنا مقياس طبيعتنا
بسبب نعمته التي كرّمتنا، وارتقينا إلى ما هو أرفع وأعلى". حوار حول الثالوث،
المرجع السابق، الجزء الثالث, الحوار الرابع ص 32.
([4]) أثناء الحديث
عن نبوة إسحق ليعقوب الواردة في تك 27: 27 -
28 "رائحة ابني كرائحة حقل قد باركه الرب. فليعطك الله من ندى السماء ومن دسم
الأرض. وكثرة حنطة وخمر" يؤكد القديس كيرلس أن المسيح هو جذر ثان للبشرية، إذ
يقول: [هكذا فإن مفهوم النبوة يتناسب مع الشعب الجديد ومع المسيح نفسه الذي هو
البداية والأصل، فهو آدم الثاني حقاً وبمثابة جذر ثاني للبشرية لأن كل ما في
المسيح هو خليقة جديدة. لقد تجددنا ثانية بالمسيح من جهة القداسة والحياة والخلود.
أيضاً أعتقد أن حديث البركة يعني الرائحة الروحية الذكية التي في المسيح، كالرائحة
الجميلة والمفرحة التي تأتي من ورود الربيع في الحقول اليانعة والمزهرة. هكذا قدم
لنا المسيح ذاته في نشيد الإنشاد قائلاً: "أنا نرجس شارون سوسنة
الأودية" (نش 1:2). حقاً كان سوسنة ونرجس، هو الذي نبت من الأرض كإنسان، لكن
بدون أن يعرف خطية، إذ تفوح منه عبق الرائحة الذكية على كل المسكونة. إذاً المسيح يشبه حقلاً مباركاً من الله حيث هو
بالحق رائحة معرفة الله الآب الذكية لأن بولس الرسول قال: "شكراً لله الذي
يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويُظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان"
(2 كو 14:2)]. جيلافيرا، ترجمة د. جورج عوض إبراهيم, مراجعة د. نصحي عبد الشهيد,
الكتاب الشهري، ديسمبر 2005.
([5]) يؤكد القديس كيرلس هذا الشرح في حواره حول
الثالوث، قائلاً: "إن بولس الرسول
المملوء بالمسيح والروح القدس والمتميّز بين الرسل يقول "وَأَيْضاً مَتَى أَدْخَلَ
الْبِكْرَ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ: «وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلاَئِكَةِ اللهِ»" وأعتقد
أنه يستخدم تعبير "بكر" في الزمن المناسب الذي يشير إلى ظهوره في الجسد.
لأنه قد جاء إلى العالم مع أنه منذ القِدم هو كائن فيه مع أن العالم لم يكن يعرفه
وهكذا صار وسيطاً بين الله والناس وأصبح لقب "وحيد الجنس" امتيازاً
خاصاً له. فهو إله من إله، واحد من واحد، ومولود بطريقة لا توصف، وعندما أتى إلينا
فحينئذ فقط حُسِبَ بيننا كأخوة له وذلك عندما دعي بكراً. وإلاّ فأين الأخلاء إن لم
يكن مَنْ هو "وحيد الجنس" قد صار "بكراً"، وسكن بين البشر
كإنسان وهو يعلو عن كل الخليقة؟". حوار حول الثالوث, المرجع السابق, الجزء
الثالث، الحوار الرابع ص 37.
([12]) يشرح القديس كيرلس هذا الأمر بوضوح في حواره
حول الثالوث, إذ يقول: "فنحن لدينا وصية ألا ندعو لنا أباً على الأرض (مت 23:
9), بل أن نقدّم عبادتنا لله فقط بكونه أبانا, وذلك بسبب البكْر الذي قد جاء
بيننا, ليس لسبب آخر, سوي أن يجعل منا نحن أيضاً أبناء؛ لأن هذا هو هدف تجسَّده. وإلاّ
فكيف كان من الممكن أن يكون سرّ المسيح مملوءً بالحكمة إن كان هو - قَبلْ أي أحد
آخر - قد أساء إلى طبيعته (الإلهية) دون أن تعود الفائدة على حالتنا؟ لأنه قد نزل
وصار بكراً كي يُصنَّف مع الكثيرين, مع أنه يختلف جوهرياً عنهم - حسب طبيعته - بل
ويفوقهم, وليس فيه شيء - من أي جهة - مما يظُن هؤلاء الذين يشترك معهم, أنه يتصّف
به". حوار حول الثالوث، المرجع السابق, الجزء الثالث, الحوار الرابع, ص 33.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق