تعاليم آبائية للقديس يوحنا ذهبي الفم
د.جورج عوض إبراهيم
" لِتَدْبِيرِ
مِلْءِ
الأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ كُلَّ شيء فِي الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا
عَلَى الأَرْضِ " (أف10:1).
لقد تحقق ملء الأزمنة في مجئ المسيح. لأن بعد أن صنع الله كل
شيئ:
بواسطة الملائكة،
والأنبياء،
والناموس،
وعلى الرغم من ذلك، لم يتحقق شيء، بل إن سعي
الإنسان كان نحو الشر، نحو هلاكه، فهلك بصورة أفظع مما حدث في الطوفان. لكن الله
لم يترك الانسان وقرر خطة تدبير بأن يكون خلاص الإنسان بالنعمة، حتى لا يبدو وكأنه قد خُلِق بلا هدف. هكذا عبارة: "ملء الأزمنة" تعني أنه
في الوقت الذي كان البشر فيه على وشك الهلاك، أُنقذوا من الهلاك.
يقول الرسول أيضاً: "ليجمع"،
وهي تعني – بحسب ق. ذهبي الفم -يوّحد، فكما هو مُعتاد لدينا أن تُقال كلمة تجميع،
عندما يلّخص المرء حديثًا مطولاً في كلمات وجيزة. هنا هو يعني أن المسيح جمع في
ذاته كل الأزمنة الطويلة السابقة، أي أوجزها. "لأنه متمم أمر وقاض
بالبر"[2] والمعني (أنه متمم كلمته
وأوجزها بالبر)، أي أنه شمل العهود السابقة، وأضاف إليها، وهذا هو معنى
"جمع".
وهناك معنى آخر، أنه
جعل للجميع: الملائكة والبشر رأسًا واحدًا، وهو المسيح المتجسد.
أعطى للملائكة بداية أخرى، فالبشر رأوا الله الكلمة،
بينما الملائكة رأوا الله الكلمة بالجسد كائنًا على الأرض"[3].
يعطي لنا ق. ذهبي الفم
مثالاً رائعاً ليشرح لنا هذه الحقيقة ، إذ يقول: كما لو أن شخصًا قد تحدث عن منزل تهدم جزء منه،
والجزء الآخر بقي قويًا ومتينًا، إلا أنه أعاد بناء المنزل من جديد، وجعله أكثر
متانة وقوة، بأن وضع له أساسًا قويًا، هكذا هنا أيضًا قد وضع الجميع تحت رأس واحد.
لأنه لا يحدث أي اتحاد ولا ترابط تام بين الجميع، إلا عندما يُوضع الكل تحت رأس
واحد، وهكذا يكون لدينا اتحاد حتمي، مصدره السماء.
[3] هذا
المعني قد شرحه القديس يوحنا ذهبي الفم في عظه كان قد ألقاها في الإحتفال بعيد
الميلاد، إذ يقول: "أري سرًا عجيبًا ومدهشًا، أسمع أصوات رعاة يصلوّن بتسبيح
سماوى. ملائكة يرتلون، رؤساء ملائكة يمجدون، الشاروبيم يسبحون، والساروفيم
يتهللون، الجميع يحتفلون برؤية الله على الأرض والإنسان في السماوات. وهذا الكائن
أصلاً في السماء، يرونه بسبب تنازله ـ كائنًا على الأرض، وهذا الذي هو أصلاً على
الأرض (أي الإنسان)، يرونه ـ بسبب محبة الله للبشر ـ موجودًا في السماء. "ميلاد
المسيح" للقديس يوحنا ذهبي الفم، إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية،
ترجمة د. سعيد حكيم يعقوب، يناير2001.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق