الجمعة، 3 فبراير 2012

إجهاض مشروع إنسان مع سبق الاصرار والترصد


إجهاض مشروع إنسان مع سبق الاصرار والترصد: أنس  "الضاحك الذى أبكى ملايين المصريين"
                                             د.جورج عوض إبراهيم

يتحدث المتخصصون في التربية وعلم النفس عن حتمية وجود فجوة بين الأجيال ، وأحيانا يقولون عنها صراع الأجيال ، طبعاً صراع في الجدل والحوار واستخدام الأساليب والمناهج والطرق لمعالجة مشاكل الحياة . والأمر الحتمي والطبيعي هو ان كل ما هو حديث يأتي فيزعج ما أستقر عليه الكبار ، إلى ان يتم قبوله بالحوار وتبادل الآراء والتجربة العلمية والتطبيق وظهور النتائج وتقيمها . والشباب دائما يملك كل ما هو جديد وحديث  لأنه يستخدم أدوات حديثة وتكنولوجية متقدمة ومعلومات متوفرة عبر شبكة الأنترنت ، الأمر الذي لم يكن مُتاح للكبار. والمجتمع المتقدم هو الذي يفسح المجال للشباب ليأخذ دوره في ممارسة حقه في بنائه  بأسلوب عصري وحديث متفق مع مسيرة التقدم بالتعاون مع خبرة الكبار وحكمتهم، لكن يظل الشباب هم الأساس والقاعدة .

أما في بلادي يسعى الكبار لقتل الصغار لكي يظلوا هم قابعون في مراكزهم حتى آخر لحظة في حياتهم . وتحصن الكبار بمبررات كاذبة أختلقوها ونسوا أنها من نتاج خيالاتهم وصدقوها لكي يتذرعوا ببقائهم الدائم في مراكزهم . وحين نجح الشباب فيما فشل فيه الكبار وأزاحوا  رؤساء النظام الفاسد بثورة 25 يناير التي أذهلت العالم أجمع ، ما زال يصر هؤلاء الذين أخذوا فرصتهم وفرص الكثيرين في فترة دامت ثلاثون عاماً أنهم الأجدر على إدارة شئون المجتمع وتحقيق التقدم والعدالة والكرامة. والمبرر أيضا هو أن مَن قاموا بالثورة هم خونه ينفذون أجندة خارجية لتقسيم وإضعاف البلاد ، ونسوا أنهم فشلوا طوال ثلاثون عاماً في كل مجالات الحياة من تعليم وصحة وثقافة واستثمار الموارد البشرية والأقتصاد والأبحاث العلمية وغيرها . المشكلة الحقيقية هي التمسك بالسلطة حتى آخر نفس وغياب ثقافة التداول  وإفساح المجال للآخر، ولا يتردد هؤلاء في الدفاع عن بقائهم في استخدام كل الأساليب الخبيثة من التشويه والأهانات والقتل ليظلوا  دائماً هم أصحاب الموقف الصحيح .

لنأخذ مثال من هؤلاء الشباب والذي كان مشروع إنسان بمعنى الكلمة ، أنس محيى الدين الذي  لم يتخط الخامسة عشرة من العمر هو أحد مشجعي النادي الأهلي ، فَقَد حياته فى مجزرة بورسعيد على خلفية مباراة الأهلى والمصرى البورسعيدى ليصبح أصغر ضحايا تلك المجزرة.  ولكي نعرف أنس ونكوّن  فكرة عن شخصيته ، علينا ان نقرأ ماذا كتب في وصيته فى 24 يناير الماضي قبل أن يستشهد فى 1 فبراير وأرسلها من هاتفه المحمول لأصدقائه طلب فيها الآتي : " أن يتم لفه بعلم مصر، وأن يتم تشييع جنازته فى ميدان التحرير وأن يصلى عليه فى الميدان، وأن يتم التبرع بقرنية عينيه وباقى أطراف وأجزاء جسده لمصابي الثورة ". أنس من خلال وصيته هو شاب وطني يحب بلاده  فهو يفضل ان يتم لفه بعلم مصر وان يتم تشييع جنازته في ميدان التحرير ، الميدان الذي يرمز للثورة المجيدة التي أيقظت الناس من سُباتهم . أنس يحب بلادة بالرغم من إمكانيات الرعاية المتواضعة التي توفرها بلادة لمَنْ هم في عمره من جهة التعليم والصحة والرياضة وغيرها ، إلا انه يحبها ويعشقها من كل قلبه . أيضاً لدى أنس محبة شديدة تجاه أخوته الثوار المصابين والمفقوده أعينهم ، فأوصى بالتبرع لهم بقرنية عينيه وباقي أطراف جسده  . ماذا لو أفسح المسئولين الكبار المجال لمثل  هؤلاء الشباب لكي يأخذوا فرصتهم بعد توفير سُبل الرعاية لهم ؟ للأسف أصّر الفاسدون على قتل مستقبل هذا الوطن ، شبابنا الذي يحلم بغدٍ أفضل حاملين هؤلاء الحاقدون شعار: نحن أم قتل كل ما هو جميل فيكم . تركوا لنا بيوت  كثيرة زرعوا فيها الحزن إما على ابن أزهقوا حياته أو مصاب مفقوء العين او مُقعد . لكن هم واهمون إذا ظنوا أنهم سوف ينتصروا على حتمية التغيير الذي يقوده شبابنا . أنس وأمثاله مازالوا أحياء في شعب قرر أن يعيد تقييم حياته ليلحق بقيم  الحق في الحياة والعدل والكرامة والتقدم والرُقي . ستظل إبتسامة أنس تبث فينا روح الأمل في التغيير شاكرين الله على نعمة الحرية التي أنعم بها على مخلوقاته التي تسعى  جاهده على الحفاظ على هذه النعمة من أهواء النفس وشرورها من خلال تواصلها مع خالقها  بشتى الطرق .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق