الأربعاء، 23 فبراير 2011



موقف المسيح من الدولة الدينية ( الثيوقراطية )
د । جورج عوض ابراهيم
التيارات السياسية الدينية زمن المسيح:
لقد وُلد المسيح وعاش فى مناخ سياسى حاد ومتوتر بكل نتائجة السيئة على الشعب منذ احتلال الرومان لفلسطين سنة36 ق.م ، وكانت مشكلة الظلم والقهر تجاة المحتلين هى المشكلة الكبرى من بين بقية مشكلات الشعب . أحكم الرومان قبضتهم على فلسطين ابتداء من سنة 38ق.م . ومن هذا الوقت أصبحت فلسطين لها حكم ذاتى تحت قبضة الرومان . كان هيرودس الكبير هو رئيسهم وملكهم (37-4ق.م) ولأنه كان غير يهودى فقد كرهه الشعب كراهية شديدة . وتشهد جرائمة على حكمة القاسى فهو الذى أمر بقتل أطفال بيت لحم من عمر سنه إلى سنتين (مت16:2). وأعتلى بعد موتة الكرسى اليهودى ابنه أرخيلاوس وأيضا حكم بطريقة صارمة وكان قاسى حتى نُفى سنة 6 ب.م بأوامر من أغسطوس قيصر روما ، أثر شكاوى متعددة من اليهود والسامريين . ومن ذلك الوقت صارت الدولة اليهودية مجرد ايبارشية يهودية، تشرف عليها روما مباشرة، والادارة كانت لرئيس رومانى كرسية فى قيصرية. أما فى الأعياد اليهودية والمواسم كانت تجرى ترتيبات أمنية مشددة ويذهب الرئيس نفسة إلى أورشليم فى قصر خاص ليشرف على الأمن هو وحراسة.
كان بيلاطس البنطى (26-36ب.م) رئيس إيبارشية فلسطين والمسئول الأساسى لصلب المسيح . وكان هيرودس أنتيباس( ) ابن هيرودس الكبير رئيس ربع على الجليل والمنطقة المجارة وهو الذى أمر بقطع رأس يوحنا المعمدان وهو الذى تعاون مع رؤساء الكتبة والفريسيين للحكم على المسيح بالموت.
المشكلة الكبرى فى زمن المسيح كان الجهاد والصراع ضد قوات الرومان. وهذة المشكلة كانت سياسية ودينية . و" حركة الغيوريين" كانت بمثابة التنظيم الدينى السياسى المضاد للرومان. وإسم الحركة يرجع لكلمة " ζηλος " باللغة اليونانية وهى تعنى الغيرة للناموس ، وأتباع هذه الحركة كانوا يُسمون اسخاريوطيين وهذه التسمية تأتى من الكلمة اللاتينية " sica " والتي تعنى سيف صغير أو سكين وهذه التسمية من قٍبَل الرومان تعنى أن هؤلاء بلطجية ولصوص. لقد تكون هذا التنظيم الأصولى من الكتبة والفريسيين وكانوا مجموعة معارضة قوية فى فلسطين ،
لقد نادى الغيوريون بالحرب المقدسة والتى لها ثلاثة أهداف :
1- تطبيق الشريعة الإلهية ( الناموس )
2- الحكم بما أنزلة الله θεοκρατια وعلى ذلك ينبغى طرد الرومان وإستعادة السيطرة القومية والتحرر السياسى
3- تحقيق العدل اإجتماعى على أساس الشريعة الإلهية . وهكذا كانت حركة الغيوريين مثل اى حركة اصولية لها ملامح دينية وسياسية واجتماعية .
المسيح يرفض أن يكون محرراً سياسياً:
إن الغالبية العظمى من اليهود- زمن المسيح – قد إنتظروا الماسيا على أساس تفسيرهم السياسى لنبوات العهد القديم بخصوص الماسيا المنتظر بكونة سوف يحرر مملكة إسرائيل من المستعمرين الأجانب ويستعيد السيادة اليهودية على العالم أجمع . هكذا رأى اليهود – فى هذا الأطار السياسى – المسيح على انه الماسيا المحرر السياسى . لقد أكد المسيح نفسه بأنه هو الماسيا المنتظر حين قالت له السامرية : " أنا أعلم ان مسيّا الذى يقال له المسيح يأتى ......" أجاب المسيح ، قائلاً : " أنا الذى أكلمك هو " يو25:4-26 ، لكن الفكر الماسيانى الذى كان يعتقدة المسيح نفسه يختلف إختلافاً جذرياً عن الفكر اليهودى المعاصر له . لقد رفض المسيح أن يكون الماسيا بالمعنى السياسى المباشر خاصةً كان يدرك عن وعىّ شديد أنه ليس الماسيا القومي لليهود بل ماسيا العالم أجمع كفادى ، كما تنبأ عنه النبى أشعياء (أنظر أش9) . وهكذا كان المسيح ضد الماسيانية السياسية ، وهذا الأمر يظهر جلياً فى التجربة على الجبل (مت1:4-11، مر12:1، لو1:5-13)
"5ثُمَّ أَصْعَدَهُ إِبْلِيسُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْمَسْكُونَةِ فِي لَحْظَةٍ مِنَ الزَّمَانِ. 6وَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: «لَكَ أُعْطِي هَذَا السُّلْطَانَ كُلَّهُ وَمَجْدَهُنَّ لأَنَّهُ إِلَيَّ قَدْ دُفِعَ وَأَنَا أُعْطِيهِ لِمَنْ أُرِيدُ. 7فَإِنْ سَجَدْتَ أَمَامِي يَكُونُ لَكَ الْجَمِيعُ». 8فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: «ﭐإذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! إِنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ».(لو5:4-8). واضح ان المسيح لم يرفض فقط هذا العرض بل وصفة بأنه شيطاني . ففي قيصرية فيلبس عندما سأل التلاميذ " مَنْ يقول الناس إني أنا " (مر27:8) كانت إجابات التلاميذ : يوحنا المعمدان ، وآخرون إيليا وآخرون نبي من الأنبياء (أنظر مر 28:8) عند هذا المستوى يسألهم ثانيةً " وأنتم مَنْ تقولون إنى أنا " (مر28:8) يجيب بطرس : " أنت هو المسيح " ( مر29:8) فإبتدأ المسيح يعلم التلاميذ ان ابن الإنسان ينبغي ان يتألم كثيراً ويُرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة ويُقتل. وبعد ثلاثة أيام يقوم ( مر 31:8) . هذا الكلام الذى ينبىء عن آلام وصلب وموت وقيامة المسيح قد إستفز بطرس. فأخذة بطرس إلية وإبتدأ ينتهرة ( مر32:8) وقد رد المسيح علية ، قائلاً " إذهب عني يا شيطان لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس" ( مر 33:8)
السؤال الذى يفرض نفسة هنا :
ما هو سبب هذا التصادم الذى حدث بين المسيح وبطرس ؟
بلا شك أن التصادم يرجع إلى الأختلاف الجذري بين فكر بطرس عن الماسيا وبين فكر المسيح نفسة . لقد إعترف بطرس بأنه الماسيا لكنه فُوجىء وصُدم بما سمعة من المسيح أنه يجب أن يتألم ويُصلب ويقوم . وسر دهشة بطرس كانت بالتأكيد مرجعها أنه كان يفهم الماسيا مثلما فهموة اليهود وقتذاك . لقد أنتظرة كمرسل من الله لكى يحرر الشعب من سيطرة الرومان وسيمنحة حرية مطلقة وسلام وسعادة . لذلك أخذ بطرس المسيح بعيداً وأنتهرة محاولاً أن يثنية عن السير فى طريق الجلجثة ويقودة إلى الطريق المضاد الذى تبناة الغيوريون ، قائلاً : " حاشاك يارب . لا يكون لك هذا " ( مت 22:16)
لقد كان للمسيح فكر ماسيانى مختلف والذى تجاوز الأُطر القومية والسياسية ، لذا أعلن ذاتة ك"ابن الانسان" الذى سوف يُقبض علية من رؤساء إسرائيل والرومان، وسيتألم ويُصلب ، وسوف لا يقابل الشر بالشر، إنها إرادة الله أن يسبر فى طريق الجلجثة " يجب – ينبغي " ، وهو متأكد أن المنتصر الأخير لن يكون الشر والموت ولكن المحبة والقيامة سوف تهزم الموت ، القيامة التي فتحت للبشرية المعذبة باب الفداء كما تنبأ أشعياء ( أش1:42- 9 ) . وهكذا لم يكن عند المسيح أى تطلع سياسي قومي كأتباع حركة الغيوريين ، لذلك وصف رد بطرس على أنه شيطاني " أبعد عني يا شيطان " لقد رفض المسيح بوضوح شديد الماسيانية القومية فى اللحظات المأسوية الدرامية للحكم علية أمام اليهود والرومان ، عندما سألة قيافا : " أستحلفك بالله الحى أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله " (مت63:26) ، أجاب المسيح : " أنت قلت " ( مت64:26 ) ، أى أنت تقول هذا الأمر وليست هناك ضرورة أن أؤكد لك ذلك ، فمزق رئيس الكهنة ثيابة ، قائلاً : " قد جدف . ما حاجتنا إلى شهود ها قد سمعتم تجديفة " ( مت 65:26 ) ، هذا يدل على أن إجابة المسيح كانت " نعم " . وبحسب إنجيل لوقا 70:22 أجاب المسيح على قول اليهود له " أ فأنت ابن الله " قائلاً : " انتم تقولون أنى أنا هو " . وهذة الإجابة تعادل قولة فى إنجيل متى " أنت قلت " . وهذا واضحاً من رد فعل أعضاء مجمع السنهدريم فى ( لو 71: 22 ) ، وفى حديث المسيح مع يهوذا ( مت 25:26) أثناء العشاء الأخير " أنت قلت " تعنى " نعم " . مما سبق نجد أن المسيح قد قَبل من أعضاء المجمع اليهودى أن يكون الماسيا ، ولكن ينقلهم إلى نبؤة دانيال " منذ الآن يكون ابن الإنسان جالساً عن يمين قوة الله " ( لو69:22 ) . هذة النبؤة مذكورة فى ( دا 13:7-14، مز1:109) على الماسيا الفادى الإلهى للعالم أجمع وليس على الماسيا القومى ، وإجابة المسيح على سؤال بيلاطس " أ أنت ملك اليهود " أجاب " مملكتى ليست من هذا العالم ، لوكانت مملكتى من هذا العالم لكان خدامى يجاهدون لكى لا أسلم إلى اليهود . ولكن الآن ليست مملكتى من هنا " ( يو36:18) . إن مملكة المسيح لها طبيعة روحية ولم يأت لكي يؤسس مملكة عالمية ودنيوية ، لقد رفض تأسيس حكومة إلهية يهودية . هذا ما يفسر تحفظ المسيح على لقب الماسيا حتى أوصى التلاميذ فى مواقف معينة أن لا يقولوا لأحد عن هويتة : " حينئذٍ أوصى تلاميذة ان لا يقولوا لإحد أنه يسوع المسيح " ( مر30:8، لو21:9) .
المسيح والدولة
لقد رفض المسيح كما رأينا ـ أن يكون الماسيا السياسي, وهذا لا يعني أنه لم يأخذ موقف تجاه السلطة السياسية في عصره.
علي العكس ـ الأناجيل الإزائية ـ رغم أنها كتبت في وقت كان هناك بيئة سياسية عدوانية ضد المسيحية, الأمر الذي يقتضي أن لا يتكلموا عن سياسات الدولة ـ قد سجلوا كلمات ليست بقليلة قد قالها المسيح تُغطي موقفه تجاه الدولة. كلمات المسيح عن يوحنا المعمدان: "لكن ماذا خرجتم لتنظروا, إنسانًا لابسًا ثيابًا ناعمة. هوذا الذين يلبسون الثياب الناعمة هم في بيوت الملوك" (مت8:11).
هذا الكلام عن "الثياب الناعمة" و "بيوت الملوك" يخص رؤساء الرومان والمشتغلين معهم والهيرودسيين الذين يستغلون ويقهرون الشعب اليهودي. وهكذا استنكروا وأدان المسيح السلطة السياسية التي كانت في عصره. أيضًا عندما أخبره بعض الفريسيين أن هيرودس طالب بأن يقتله, أجاب: "أمضوا وقولوا لهذا الثعلب ها أنا أخرج شياطين وأشفي اليوم وغدًا وفي اليوم الثالث أكمل" (لو32:13). الكلام هنا عن هيرودس انتيباس إبن هيرودس العظيم، رئيس ربع الجليل (4ق. م ـ 39ق. م) الذي قطع رأس يوحنا المعمدان. عندما علم هيرودس عن المسيح ونشاطه وتعاليمه قال " يوحنا أنا قطعت رأسه. فمن هو هذا الذي أسمع عنه مثل هذا. وكان يطلب أن يراه" (لو9:9) لقد توقع أن القضية هي أن يوحنا المعمدان قد قام من الأموات : " هذا هو يوحنا الذي قطعت أنا رأسه. أنه قام من الأموات" (مر16:6).
لقد أرسل كلامه إلي هيرودس هذا "قولوا لهذا الثعلب"
لقد وصفه علي أنه "ثعلب" وهذا الوصف يعتبر من النوع النقدي الثقيل ويعبر عن مدي فكر المسيح تجاه السلطة السياسية.
أيضًا استنكر المسيح تصرف رؤساء اليهود والرومان عند القبض عليه, قائلا لرؤساء الكهنة والجنود الرومان في جثيماني: "إذ كنت معكم كل يوم في الهيكل لم تمدوا علي الأيادي ولكن هذه ساعتكم وسلطة الظلمة" (لو53:22).
هذا يعني أن المسيح وصف الرئاسة اليهودية وقيادات الجيش الروماني كسلطة مظلمة هذا الوصف يكشف التضاد الشديد تجاه الرياسات. المسيح يرفض روح التسلط والسيطرة من قبل الدولة ويفضل أن تكون أعمالهم منقادة بروح الخدمة أي خدمة الإنسان: "أنتم تعلمون أن الذين يُحسبون رؤساء الأمم يسودونهم وأن عظماءهم يتسلطون عليهم. فلا يكون هذا فيكم بل من أراد أن يصير فيكم عظيمًا يكون لكم خادمًا. ومن أراد أن يصير فيكم أولاً يكون للجميع عبدًا لأن إبن الإنسان أيضًا لميأت ليُخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (مر42:10ـ45).
وهكذا المسيح رفض التسلط والقهر من قبل الدولة تجاه المواطن مستندًا علي أن الدولة يجب أن تكون لخير المواطنين। أي بدلا من أن تنقاد الدولة بروح التسلط, تنقاد بروح الخدمة। هذا لا يعني أن المسيح رفض الدولة وكان يريد مجتمع بلا دولة, والدليل علي ذلك عندما أرسل الفريسون والهيرودسيون أناس لكي يسألوا المسيح سؤال المصيدة: "قالوا له يا معلم نعلم أنك صادق ولا تبالي بأحد لأنك لا تنظر إلي وجوه الناس بل بالحق تعلم طريق الله। أيجوز أن يعطي جزية لقيصر أم لا تعطي" (مر13:12ـ14)।
وأضح أنهم قد نصبوا الشباك له ـ فلو كانت إجابة المسيح سلبية وسيتهمونه عند رؤساء الرومان وهذا الشيء قد فعلوا فيما بعد... (لو2:23) أنه أوصي الشعب أن لا يعطون جزية لقيصر ولو العكس أعطي إجابة إيجابية, سوف يتهمونه علي أنه مساند ومتعاون مع الرومان .
لقد أدهشهم المسيح برده قائلاً لهم: "لماذا تجربونني. إيتوني بدينار لأنظره فأتوا به فقال لهم لمن هذه الصورة والكتابة. فقالوا لقيصر. فأجاب يسوع وقال لهم أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله. فتعجبوا منه" (مر15:12ـ17).
بهذه الإجابة لم يتجنب المسيح فقط سؤال المصيدة ولكن لها دلالة إذ عبّرت بوضوح عن موقفه تجاه الدولة. وبكلامه هذا "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله" لم يضع المسيح قيصر والله في كفه واحدة. هذه العبارة تعني: أعط لكل واحد ما ينتمي إليه فإلي قيصر تنتمي العملة (الدينار) المرسوم عليها صورته. أما أنتم فإلي الله تنتمون إذ أنتم صورة الله.
المسيح يعرف جيدًا كيف أن الدولة لها حقوق معينة علي المواطن مثل حق دفع الضرائب. لكن توجد حدود لا يمكن للدولة أن تتعداها. فهي ليست لها حق علي حياة الإنسان, ليس لها الحق أن تنتهك الحقوق المقدسة, لأن الإنسان نفسه وجسده وروحه ينتمون إلي الله.
وهكذا كلمات المسيح: "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله" تحتوي علي موقف إيجابي وموقف سلبي. الإيجابي:
نقدم لقيصر (الدولة) كل ما ينتمي إليه.
السلبي:
أن يرفض أن يقدم للدولة ما ينتمي لله, كل شيء مقدس. لا تقبلوا أن تصيروا عبيد للدولة, "ويسوع حينما قال أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله. لم يقصد بهذا أن قيصر له اختصاص منفصل أو مستقل عن الله, وإنما قصد أن لقيصر اختصاصاته في ضوء محبة الله .
نفس الموقف قد أخذه المسيح مع (الرئاسة الدينية) عندما تحدث مع تلاميذه ناقدًا الكتبة والفريسيين: "وأما أنتم فلا تدعوا سيدي لأن معلمكم واحد المسيح وأنتم جميعًا أخوة. ولا تدعوا لكم أبا علي الأرض لأن أاكم واجد المسيح. وأكبركم يكون خادمًا لكم. فمن يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع" (مت8:23ـ12).
كانت هناك عادة أن يطلب الكتبة والفريسيين أن يدعي من الشعب "ραββί" يا معلم وأب "αββα πατῆρ" وهذا يعرفه المسيح جيدًا (أنظر مثلاً متي 6:23ـ7) ولذلك يوصي تلاميذه وشعبه أن لا يدعوا أحد لا معلم ولا أب. المسيح هذا لا يصادر أن يصير أحد معلم أو أب لكن يرفض أن يفرض أحد نفسه علي الناس أن يكون معلم لهم ويجبرهم علي أن يتبعوه كمعلم حقيقي. المسيح علي العكس يطالب الإنسان أن يفتش عن الحقيقة "وتعرفون الحق والحق يحرركم" (يو32:8).
أنه يرفض علي أي حال, أن يُنصب أحد نفسه معلمًا مدعيًا أنه يملك الحقيقة خصوصًا الحقيقة التي تحمل معني أو مفهوم الوجود. هذه الحقيقة الأخيرة تتطابق مع الله نفسه: "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو6:14). أيضًا يرفض المسيح أن يقحم أحد نفسه كمسيا أو مخلص للبشر: "ولا تدع لك أبا علي الأرض" هذا الكلام يمثل إدانة أساسية لكل ماسيانية وكل محاولة لأن أن يضع أحد نفسه ممثل علي كل البشر.
المسيح من كل ما سبق، لم يرفض الدولة ولكن في نفس الوقت أزال اسطوريتها وأي محاولة لتأليها وذلك بأخذه موقف نقدي تجاهها. لقد اعترف بها كمؤسسة هامة للمجتمع البشري، ومن جهة أخري وضع حدود لحقوقها حتى لا تكون أداة قهر وانتهاك لحقوق الإنسان لكن عامل ضمان لاحترام الإنسان.
لقد كان المسيح ضد أشمال القهر والظلم وقد أكد ذلك بنفسه للكتبة والفرسيين: " أنا عالم أنكم ذرية إبراهيم لكنكم تطلبون أن تقتلوني لأن كلامي لا موضع له فيكم" (يو37:8).
يظن البعض أن هناك تضاد بين رأي المسيح عن الدولة كرؤساء وسلاطين ورأي بولس الرسول في رومية ص13، إذ أوصي بولس الرسول أن تخضع للرؤساء والسلاطين فهم من الله، لكن هذه الطاعة مرهونة بأن تكون الدولة "خادم الله للصلاح" (رو 4:13) وهذا يعني أن الدولة إن لم تخدم الصالح والبار وصارت أداة للشر والظلم علي المسيحي ـ كواجب مقدس ـ أن يرفض أن يطيع لها وهذا ما صاغه بطرس الرسول أمام المجمع اليهودي: " ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس" (أع39:5).
إذن لا يوجد تعارض بين موقف المسيح وموقف بولس الرسول تجاه الدولة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق