21ـ عن المصطلحات والتعبيرات والمفاهيم في التعليم اللاهوتي
الاب رومانيدس - ترجمة د. جورج عوض
يشدد الآباء علي أن كل التعبيرات اللغوية والمفاهيم التي لدي الإنسان هي نتاج الفكر البشري. أي لا تنزل من السماء لا المفاهيم ولا التعابير الله لا يخلق هو ذاته في البشر لا المفاهيم ولا التعبيرات. ومن هذا الرأي يشدد الآباء علي أساس خبرة تألهم، أن كل لغة بشرية هي مصنوع بشري الإنسان هو ذاك، الذي يخلق اللغة يتواصل بها مع أخية في الإنسانية. اللغة الإلهية لا توجد. أي الله ليس لدية لغة خاصة به، والتي أعطاها للإنسان ولا الله يتواصل مع البشر بلغة ما خاصة، والتي يعطيها للذين يتواصلون ويصنعون شركة معه. اللغة هي نتيجة الإحتياجات البشرية. أي شُكِلت من البشر لتخدم علاقات وإحتياجات تواصل البشر.
بالتالي اللغة ليست هذا الذي يقوله دانتي Dante وبعض البروتستانت وكذلك أيضًا لاهوتي الفرنجة للعصور الوسطي ولا هذا الذي يقولونه المسلمون عن القرآن بأن اللغة والقرآن نزلا من السماء ويزعمون أنه في السماء يوجد القرآن غير المخلوق...الخ. لدينا علي هذا الموضوع المباحثة الهامة التي صارت بين القديس غريغوريوس النيصي والإفنوميين. الإفنوميين يؤمنون بأنه توجد لغة إلهية واحدة، والتي أعلنها الله للأنبياء. في هذه اللغة، قالوا، تنتمي أسماء الله التي ذكرها الأنبياء. بالتالي أسماء الله هي جوهر الله ـ بحسب الأفنوميون ـ وأن أسماء الله التي ذكرها الكتاب المقدس، هي تحمل مفاهيم تتماثل مع الحقيقة التي هي الله. مثل هذا الأمر بالطبع لم يحدث.
إذن وفق ما قلناه، لا نستطيع أن نميز بين اللغة الإلهية واللغات البشرية. لا توجد لغة إلهية ما بها تحدث الله للبشر. ولا توجد طريقة تجعلنا نميز ما هي الكلمات المناسبة للاهوت وما هي الكلمات غير المناسبة. لا يوجد تمييز واضح بين المصطلحات المسموح بها والأخري غير المسموح بها. المعيار الوحيد الذي يمكن أن يُستخدم في المصطلحات عن الله، هو معيار اللياقة (أي ما يليق). بمعني توجد أسماء التي ليس هي لائقة في الإستخدام عن الله، علي سبيل المثال: الله هو متشرد (حاشا)، بينما الأخري مناسبة ولائقة ويمكن إستخدامها عندما يتحدث أحد عن الله، علي سبيل المثال الله هو نور.
داخل هذا الإطار، كل المعرفة الآبائية التي هي إختبارية تمامًا، هي شيء، علي الأقل بالنسبة للأرثوذكس، ربما أيضًا لمسيحيين آخرين، هي مستخدمة كثيرًا، أيضًا وحديثة جدًا. لأن الآباء حين كتبوا ما كتبوه لم يكن لديهم شُبهات بأنه سوف يتطور تقليد غربي فيما بعد والذي تشكل بواسطة أُغسطينوس. لأن آباء الشرق لم يعرفوا أغسطينوس. لكن كل شيء عرفوه، لم يعطوا له أيضًا أهمية كبيرة علي الأقل في السنين الأولي. لم يكن قد قرأوا أغسطينوس ولا تخيلوا أنه سوف ينمو تقليد غربي كامل بين التتار Γότθων والفرنجة...الخ، والذي سوف يتخذ تعلم أغسطينوس قائد له، الذي إحتضن المعرفة الأفلاطونية، والأفلاطونية المحدثة والأرسطوية. حيث يعني أن معرفة أغسطينوس، أي منهج المعرفة التي طبقها كانت تمامًا مختلفة عن تلك التي لآباء الكنيسة، لأنها كانت معرفة أفلاطونية ـ أرسطوية تمامًا.
ذاك الذي يميز تعليم أغسطينوس من بقية تعليم الآباء، هو أن الأفلاطونية التي هي نماذج أفلاطون الأول ἀρχὲτυπα. أي كل ما في العالم هو نُسج من أصول أولي. طبعًا هذا هو شيء مرفوض عند الآباء، وليس مرفوض فقط بل يوجد أيضًا حِرمال من جسد الكنيسة أولئك الذين قبلوا نماذج أفلاطون هذه، لأن قبولهم هو شكل من أشكال عبادة الأوثان. اليوم لا أعرف إن كان يوجد أحد إنسان جاد يقبل هذا التعليم.
إذن وفق ما قلناه، يري المرء أنه بالنسبة للأرثوذكس لا يوجد تمييز بين العنصر العالمي (الدنيوي) والديني في نطاق المصطلحات. أي لا توجد كلمات دنيوية ودينية، بل فقط كلمات دنيوية تُستخدم في المفاهيم عن الله، يكفي أن تكون لائقة.
هكذا نري أن الله في العهد القديم، يهوة يُقدَّم كصخرة βράχος. هل الله هو صخرة؟ وفق فكر الفلسفة الأفلاطونية كان يجب أن يستخدم المرء فقط تعابير ذهنية أي مصطلحات بمحتوي ذهني وليس مادي مثل علي سبيل المثال عقل، قول، فكر، أقنوم، جوهر، ثالوث، وحدة ....الخ. لكن نري أن الكتاب المقدس يستخدم كلمات، مثل جبل، صخرة، حجر، ماء، سماء، شمس،...الخ. بمعنب، لو أخذنا العهد القديم، نري أنه يعطي أسماء كثيرة لله والتي ليست من شكل وطبيعة الإنسان، بل من الخليقة غير العاقلة. ألم يوصف فعل الله كسحابة ونيران ونور...الخ.
في التقليد العبري قبل الأنبياء وأيضًا عند الأنبياء كان من المعروف أن الله ليس لديه صورة في الخليقة المادية، أي أن الإنسان لا يمكن أن يصنع أيقونة لله. علي أي حال صورة الله في العهد القديم غير مسموح بها. لأجل هذا أيضًا، العبرانيون ليس لديهم صور في العهد القديم.
صورة الله الوحيدة والتي لا نظير لها هو كلمة الله الذي تأنس، أي المسيح. صورة أخري فيما عدا هو (المسيح) لا توجد لدي الله. الإنسان العادي ليس هو صورة الله. يسوع المسيح، الإله الإنسان هو صورة الله. فيما عدا المسيح (بحسب طبيعته البشرية) لا توجد صورة لله في العالم المخلوق.
إذن لأجل هذا السبب، لأن الله ليس لديه أي شبيه في العالم المخلوق ولأنه لا توجد في العالم المخلوق مفاهيم تُعطي لله وتتطابق معه، نحن أحرار لنأخذ علي أي حال أسماء ومفاهيم وننسبها لله، لكن بطريقة سلبيه ἀποφατικό. بمعني نعطي إسم لله من جانب ومن جانب آخر ننزعه منه. نقول، علي سبيل المثال أن الله هو نور. لكن نعمل في نفس الوقت النزاع قائلين إن الله هو أيضًا ضبابي (معتم). وهذا نقوله ليس لأن الله ليس هو نور، بل لأن الله يتخطي ويسمو فوق النور. الله ليس هو حرمان بل سمو وتخطي لكن هذه الأمور سوف تصير واضحة فيما بعد.
هنا لدينا إختلاف جوهري بين التعليم اللاهوتي السلبي لآباء الكنيسة والتعليم اللاهوتي السلبي للاهوتيين المدرسيين في العصور الوسطي في الغرب، الذي يوجد أيضًا في كتاباتهم. لو أخذنا مكتوب من عقيدة لاهوتي بابا روما، نري التناقض الآتي: يقولون إنه يوجد طريق بواسطته ننسب أسماء إلي الله، لكن أيضًا طريق آخر، الطريق الحِرماني والذي وفقه ننزع هذه الأسماء من الله، ليس حتى لا ننسبها له، بل لكي ننفي هذه الأسماء من كل أخطائها.
لكن مثل هذا لا يصير عند آباء الكنيسة، الذي منهجهم لإعطاء أسماء لله هو بسيط. أي يعطون أسماء وينزعون أسماء. أي يستخدمون التناقضات. هذا القانون يغير كل الفلسفة الأرسطوية. لأن الآباء يبطلون ناموس تناقضات أتباع أرسطو، عندما يتحدثون عن الله ويعطون لله التناقضات.
هذا يعني أن الآباء لم يقبلوا قوانين المنطق عندما كانوا ينشغلوا بالمواضيع اللاهوتية، أي الأمور الخاصة بالله. لماذا؟ لأن قوانين المنطق تسري فقط علي المخلوقات الله. بالنسبة لله لا تسري قوانين المنطق أو الفلسفة. أي نظام فلسفي لا يستطيع أن يُطبق علي الله، كذلك أيضًا أي نظام منطقي وكل الذين يظنون كيف بعلم الرياضيات يستطيعون أن يسيروا تجاه الله، بالنسبة للآباء لهو سذاجة لأنه بكل بساطة بين المخلوق وغير المخلوق لا يوجد أي تشابه. هذه التي تسري علي المخلوقات، لا تسري علي الله، غير المخلوق لأنه لا توجد قوانيين للمخلوقات تُطبق علي غير المخلوق.
إن كل ما يقولون الآباء عن الله لم يأتي من تأمل فلسفي أي الآباء لم يجلسوا علي مكاتبهم لكي يكتبون تعاليم لاهوتية هكذا بطريقة مدرسية (جدلية). لأن التحليق والتمعن الفكري στοχασμός ممنوع عند الآباء عندما يكتبون تعاليم لاهوتية. لأجل هذا، ينبغي أن يدرس المرء الكتاب المقدس بطريقة عاقلة وليس بالتأمل والتمعن والتحليق بالأفكار (بأن نحاول بالمنطق وبنزعه أن ندرك) بل بالصلاة. لكن أي صلاة؟ الصلاة الذهنية (القلبية). لأنه، عندما يأتي الروح القدس ويحل في الإنسان ويصلي في قلب الإنسان، عندئذٍ يستنير الإنسان ويصير قادر علي الفهم المستقيم لمفاهيم العهد القديم والجديد وينقاد من الإستنارة التي هي في الشركة.
وطالما يصل إلي الشركة، عندئذٍ يعرف من هذة الخبرة ذاتها ماذا تعني بالضبط التعابير والمفاهيم التي في الكتاب المقدس. بالتالي هنا نأتي إلي المفتاح التفسيري: التعابير والمفاهيم التي تُستخدم في الكتاب المقدس من المتألين الذين كتبوا الكتاب المقدس، كذلك أيضًا التعابير والمفاهيم التي يستخدمها الآباء في كتاباتهم هي موحي بها من الله بمفهوم أن كل هؤلاء لديهم خبرة الإستنارة أو التأله وعلي أساس هذه الخبرة كتبوا ما كتبوا. أي لأن لديهم هذه الخبرة، ما كتبوه هو موحي من الله: θεόπνευστο
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق