هل المجتمع المتدين مجتمع متخلف؟
د.جورج عوض إبراهيم
نعم المجتمع المتدين هو مجتمع متخلف، إذا نادى الدين بالتواكل بدلاً من أن يشجع الإنسان لتفعيل القدرات التي أودعها الخالق فيه ويعمل على تطوير المجتمع ومواجهة مشاكله بنفسه. نعم المجتمع المتدين هو مجتمع متخلف إذا أعتمد على الأفكار الغيبية بدلاً من استخدام العقل والمنطق. نعم المجتمع المتدين هو مجتمع متخلف إذا لم ينحاز للإنسان واعلاء شأنه والاعتراف بحقوقه. نعم المجتمع المتدين هو مجتمع متخلف إذا لم ينحاز للإنجازات البشرية البناءة التي تستند على العلم وعلى قدرات الإنسان الذي هو تاج الخليقة.
الخطاب المسيحي يتبني قول المسيح «الإنسان ليس لأجل السبت بل السبت لأجل الإنسان». أي أن الإنسان يحتل المكانة المركزية في الخطاب المسيحي، إذ هو مخلوق «بحسب صورة الله ومثاله». إن دعوة الإنسان ليست مجرد أن يعيش في العالم، قانعاً بالأشياء التي حوله كما هي، لكن أيضاً لكي يستخدم العالم ويطوره ويشكله، ولا يكتفي بهذا، بل يري العالم كعطية من الله، لذا يقدم مرة أخرى هذه العطية الإلهية إلى العاطي كعطية شكر (إفخارستيا). هكذا لأننا مخلوقون بحسب «صورة الله ومثاله» فنحن نشترك في العمل مع الله (1كو9:3)، بالفن والشعر وبالتكنولوجيا والبحث العلمي ونجمل الخليقة المادية ونجعلها قادرة على أن تمجد الله. فالخليقة تمجد الله من خلالنا نحن البشر.
إن الكون – في الخطاب المسيحي – مخلوق بطريقة تجعله في حاجة إلى من يُضفي معنى على المخلوقات. فالعالم من نفسه لا يستطيع أن يكون كاملاً ولكنه في حالة تجعله يحتاج للكمال. إن تشجيع البيئة العلمية لتحقيق إنجازات علمية وتكنولوجية في كافة المجالات من اكتشاف أسرار الكون إلى اختراق الأمراض المستعصية التي تُعجل بقتل الملايين، هو في الأساس تشجيع لأن يمارس الإنسان الإمكانيات والقدرات التي أودعها الله فيه عند الخلق وذلك طالما أن هذه الإنجازات هي لخير البشرية. واستمرارية الإنسان بأبحاثه لإيجاد حلول لمشاكل مستعصية في كل المجالات يثبت بالبرهان القاطع أن الإنسان مخلوق «بحسب صورة الله ومثاله».
إذاً الرسالة المسيحية تشجع التربية التي تصقل العقل وتنمي القدرات على النقد والإبداع والابتكار، وعلى الفهم والتحليل. فالخطاب المسيحي لا يجد صراعاً بين الإيمان والعلم، بل يري أنه من الإيمان أن نشجع العلِم الذي يرفع الإنسان ويرقي بالمجتمع، هكذا الخطاب المسيحي ليس معنياً فقط بالحالة الروحية للإنسان ولكن بحياة الإنسان كلها وبعلاقتها المتعددة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق