الخميس، 27 سبتمبر 2012

الصليب


 


الصليب


    د.جورج عوض ابراهيم

الصليب - خشبة

ليس هو من الذهب أو الفضة

الصليب  مصنوع  من الخشب ، لكن يزن في قيمته ما هو أكثر من كل ماس وكل ذهب العالم.

 المادة الأولى التي صُنع منها الإنسان هو الطين . والمادة الأولى لإعادة خِلقة الإنسان هي الخشب . 

في الخِلقة الأولى  الطين شُكِلَ بواسطة يدي الخالق . في إعادة الخلق خشب الصليب رُويّ بدم البريء والذي بلا خطية يسوع المسيح ، وأعاد تشكيل الإنسان .

الصليب ......خشبة يا لها من قيمةٍ !!!

نقطة واحدة من الدم المقدس في بورصة القيم الروحية تستحق الكثير ، العالم كله لا يستحقها

لقد سأل مرةً الرب : " مَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟" مر 37:8

هل توجد  عُملات تشتري نفس الإنسان ؟

هل يوجد بديل للقلب الخاطيء الذي تعطل ؟

 نعم يوجد بديل واحد فقط : الدم!

شكل الصليب ليس هو ذات تصميم فني كبير.

رفعوا الصليب مثبتاً على الأرض ، والمسيح عليه ،إنه مشهد  مدهش.

لكن البشر لم يتأثروا من هذا المنظر ولا سجدوا له .

شكل الصليب بسيط . خشبتين مسمرتين . لكن هذا الشكل قد مَلَكَ على كل البشر.

إنه الشكل الذي يعبر عن محبة الله غير المحدودة . لقد نزل من السماء وحَضَنَ كل الأرض

 عَبّر المرنم عن محبة الله غير المحدودة على شكل الصليب ، قائلاً : " لأنه مثل ارتفاع السموات فوق الأرض قويت رحمته على خائفيه . كبُعد المشرق عن المغرب أبعد عنا معاصينا " مز11:103-12.

هذا الشكل حُدد كأنه رمز النصرة.

الصليب – الشمس

الشمس الطبيعية هي مخلوقة من مخلوقات الله . الصليب هو عرش الله . يلمع  بلا حدود بأكثر قوة.

الشمس الطبيعة لا تتدنس من قذارة الأرض ، هي أخفت شعاعها  تأثراً من منظر المصلوب. لم تتحمل ان ترى خالق العالم معلقاً  من جحود العالم . لمدة ثلاث ساعات حيث ظل المصلوب على الصليب مغمور في آلامه ، أحتجبت الشمس : " فكانت ظلمة على الارض كلها إلى الساعة التاسعة وأظلمت الشمس " لو 44:23-45

الشمس إحتجبت يوم الجمعة العظيمة أيضاً لسبب آخر .  لأنه حينما تشرق الشمس في الصباح ،  تختفي نجوم الليل  . وفي الحقيقة لم تنطفيء هذه النجوم ، بل بهاء الشمس غطى لمعانهم .

و نفس الأمر ، عندما رُفِعَ  الصليب أختفت الشمس الطبيعية . وفي الحقيقة لمعان الصليب غطى على لمعان الشمس : " تلألأ الصليب وظهر بهاءه بأكثر قوة من الشمس والقمر " ق.يوحنا ذهبي الفم.

لصوص الليل يكسرون لمبات الطريق ، لكن لا يستطيعون ان يطفئوا الشمس . هكذا العالم يستطيع ان يشتم المسيحيين ويستطيع قتلهم ،  لكن بهاء الصليب ألفين عام لم يتمكنوا من إطفائه . إنهم يرفعون رموز بل نجوم أخرى ويلقون عليها مصابيحهم ، المصابيح يُحتاج إليها في الليل أما في الشمس فلا حاجة للمصابيح . إنها لا تحتاج لأحد ينيرها بل هي تنير . لا تقترض نورا بل تهب النور. أنوار البشر المقترضة سوف تنطفيء . أما الصليب فسوف ينير في الدهور ، ينير خطواتنا " والظلمة لم تدركه " يو 35:12

الصليب – سلاح

 

الشعب المهووس أتى بسكاكين وعُصي للقبض على يسوع المسيح.

كانوا يمسكون عُصي من الخشب لكي يمسكوا ذاك الذي بالسلاح الخشبي سينتصر على الشيطان .

 ألم يستخدم الشيطان سلاح خشبي لكي يأسر الأنسان بقيود الخطية والموت؟

ثلاثة أشياء رموز هزيمتنا من جانب الشيطان : عذراء وخشبة وموت.

عذراء هي حواء التي لم تكن قد عرفت العلاقة الجسدية.

الخشبة ، الشجرة التي مَدَ إليها يده الإنسان الأول العاصي لكي يذوق ثمرة الخطية.

الموت هو بالضبط ثمرة الخطية .

هذه الثلاثة أشياء قد إستخدمها الله لكي ينتصر على الشيطان:

إستخدم العذراء مريم إبنة الطاعة

إستخدم خشبة الصليب

إستخدم موت جسده كمثل طُعم لكي يجرد الموت من سلاحه ( القديس ذهبي الفم Ε.Π.Ε. 36,74)

نحن أمام خشبتين ، شجرة الفردوس وخشبة الصليب :

الأولى كانت مزروعة في الفردوس ، لكن أخرجت الإنسان من الفردوس.

الثانية ، خشبة الصليب كانت في الأرض ، لكن أدخلت الإنسان إلى الفردوس.

أسفل شجرة الفردوس إنتصر الشيطان على آدم ، وفوق خشبة الصليب إنتصر آدم الجديد ( المسيح ) على الشيطان.

بسلاح الصليب حققنا نصراً عظيماً : " من الموت صِرنا غير أموات ، من السقوط صِرنا قيام ، من الهزيمة صِرنا منتصرين " ( القديس ذهبي الفم Ε. Π.Ε. 36,76 ) .

ونص القديس يوحنا ذهبى الفم الذي يشرح  فيه هذه الأمور-  بكل وضوح - فى عظته عن "الصليب"  ، هو : [إذا عرفت بأي طريقة انتصر المسيح، سوف يصير إعجابك أعظم. فبنفس الأسلحة التي غلب الشيطان بها الإنسان، انتصر المسيح عليه. واسمع كيف؟ عذراء وخشبة وموت هي رموز هزيمتنا. العذراء كانت حواء، لأنها لم تكن قد عرفت رجلها. الخشبة كانت الشجرة (التي أوصى الله آدم بألاّ يأكل منها) والموت كان عقاب آدم. لكن العذراء والخشبة والموت التى كانت رموزًا لهزيمتنا، صارت رموزًا للانتصار. لأن لدينا مريم العذراء بدلاً من حواء، ولدينا خشبة الصليب بدلاً من شجرة معرفة الخير والشر، ولدينا موت المسيح بدلا من موت آدم. هل رأيت، فالشيطان هُزم بنفس الأسلحة التي انتصر بها قديمًا؟!] انظر كتاب "الصليب" عظتان للقديس يوحنا ذهبى الفم، ترجمة د. جوزيف موريس فلتس، ود. جورج عوض إبراهيم، المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، ابريل 2004، العظة الثانية، ص 28و29.

أيضًا القديس كيرلس الأورشليمى يقول عن أبوينا الأولين: [ وإن كانا قد طُردا من الفردوس بسبب أكلهما من شجرته ، أفلا يكون أسهل على المؤمنين الآن أن يدخلوا الفردوس بسبب شجرة يسوع] عظات للموعوظين 2:13، ΒΕΠΕΣ 39, 153.

الصليب – ذبيحة


الصليب هو مذبح . الله في العهد القديم أعطى وصية لإبرام ان يقدم ابنه الوحيد ، إسحق.

 إنه أمر قاسي . لكن أطاع إبرآم . مضى لكي يقدم إسحق ذبيحة. لكن في النهاية لم ينفذ الأمر ( أنظر تك10:22-12) .  لقد أعطاه وصية ، ليس لكي تُنفذ بل لكي يصور  لنا ذبيحة أخرى. لم يترك الله إبرآم يقدم إبنه الوحيد ذبيحة.

الله لا يطلب من الإنسان ان ينفذ أموراً قاسية بل  من ذاته يطلبها.

عندما أمسك ملاك الله يد إبرآم حيث كان متأهباً ليذبح إبنه ، نظر إبرام بعينه فرأى كبش ممسكاً في الغابة بقرنيه ( أنظر تك13:22) . ربط الكبش من قرنيه في الغابة مشكّلاً هيئة الصليب.

صورة من الذبيحة العظيمة .

المسيح هو الكبش ، الخروف ، حمل الله ، الذبيحة التي بلا عيب .

الصليب هو المذبح الذي قُدم عليه بكونه الذبيحة المقدسة ، إبن العذراء مريم.

 يقدم ويُقّدم.  هو الذبيحة والكاهن ، ذبيحة بحسب بحسب الجسد ، كاهن بحسب الروح ( ق. ذهبي الفم ).

ذبيحة المسيح فريدة . في نفس الوقت المسيح هو الجاني والضحية والقائم على الخدمة وهو الخدمة ذاتها.

ذبيحة فريدة لأن الذي ذُبح هو بريء  بلا خطية . ذبيحة فريدة لأن الذي ذُبح سال منه دم محرر .

 ذبيحة فريدة لأن الذي ذُبح ذُبح لأجل خطايا آخرين ، او  بالحري لأجل خطايا الكل .

ذبيحة فريدة لسبب آخر : لأنها ذبيحة جامعة . تألم المسيح خارج سور أورشليم لكي يبين انه لم يقدم ذاته ذبيحة لأجل اليهود بل للجميع ( ق. ذهبي الفم ΕΠΕ36,12) .

المصلوب ينتظر

 بالرغم من أن ذاك قدم حياته . إلا أننا  نريد حياة لأجل الراحة والرفاهية

نقول للمسيح أننا نتبعه ، وفي نفس الوقت  نمقت صليبه ،  ونرفض حياة الصليب !

إنأي تضحية في الحياة لا نفعلها .

شيء ينتظره منا الرب المصلوب

ماذا تطلب مِنا  يا رب ؟ 

هل تطلب مِنا ورود وعطور وتيجان  في جُمعة آلامك؟

 لا .

إنه يريد شيء آخر

ينتظر دموعنا ، لأن كل يوم ننكره .

أنكره تلميذه وبكى بكاءً مراً .

أما نحن لم نبكِ أبداً

ينتظر منا ان نطلب منه الصفح لأننا كل يوم نُسمره بخطايانا

ينتظر ان نقول له مثلما قال اللص : " أذكرني ، يا رب " . اللص قالها لأنه آمن بملكوته

ينتظر توبتنا

ينتظر ان نتعهد له قائلين :

يا رب ، بقوتك ونعمتك سوف نتبع  - في حياتنا  - صليبك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق