الأربعاء، 8 سبتمبر 2010

الحياة الليتورجية


الحياة الليتورجية د. جورج عوض ابراهيم ـ روحانية الحياة الليتورجية:
الروحانية حدث كياني يُمارس فى الكنيسة، فأعضاء الكنيسة المؤمنون لهم نصيب فى شركة الروح القدس، ويتغذون بثمار عمل المسيح الخلاصي على مائدة الأسرار الليتورجية. التقليد الليتورجي يعبر عن الشهادة الحية والمستمرة للكنيسة جسد المسيح. لدينا إمكانية، فى الكنيسة بأسرارها المقدسة وقداساتها، أن نكون أُناس يعيشون الحياة الليتورجية السرائرية، متحررين من الفردية ومن النجاسة الشيطانية وعدم التعقل والكراهية. هانحن الذين قد حصلنا على المعرفة الجديدة والسلوك الأخلاقي الجديد والرؤية الجديدة إلى الحياة والعالم، إذ نرى "التاريخ ليس فقط من الجانب المخادع الوقتي، بل من الجانب الحقيقي الأبدي والمستنير، الذي هو الدهر الآتي، ونعطي الفرّح لهذا العالم الحاضر لأننا نحيا هذه العلاقة بين العالمين الوقتي والأبدي"
[1].

أساسيات الروحانية الأرثوذكسية هي كنسية وليتورجية لأن خلاصها هو أيضًا كنسي وليتورجي، إذ أن الروحانية الأرثوذكسية قد نمت وتشكلت فى أسرار الكنيسة الليتورجية
[2]، لقد وُلدت الروحانية " من جرن الخبرة الليتورجية " [3].

المعني الاختبارى للروحانية لا يُعلن فى الكتب أو فى التأملات النظرية لكن فى خبرة الحياة الليتورجية. فالعقائد الأرثوذكسية والحياة الروحية التى تنبع منها يمارسها المؤمنون يوميًا فى الحياة الليتورجية بالمعايشة الواعية لأسرارها. لا يوجد تناقض أو انفصال بين عقيدة الكنيسة وحياتها الليتورجية، فالاثنان لهما نفس القوة ويعملان معًا باتفاق فى جسد الكنيسة. فالخبرة العقيدية التى هي خبرة حياة وقداسة تأتي وتسري فى حياة المؤمنين بالعبادة الليتورجية. إن العمل الليتورجي الكنسي يعطينا إمكانية الغوص فى عمق العقيدة وإمكانية تغيير حياتنا وفق هذه العقيدة. فالليتورجية هي مركز التقوى والروحانية الأرثوذكسية. إن محبة المؤمنين للعبادة الليتورجية تأخذ المكانة الأولى فى أشكال التعبير عن التقوى والروحانية، إذ فيها يُعاش من الآن سر حضور المسيح والتدبير الإلهي للخلاص. العبادة والحياة الليتورجية "هى دعوة لكي نشترك فى حضور الله بالتجسد، وأن نُوجد أمامه فى نوره ونعبده، والسبب فى هذا أن العبادة تحتوى على تاريخ الحدث ونفس الحدث، تاريخ الخلاص والخلاص نفسه، إعلان الكلمة والحضور الإفخارستي وتحقيقه "
[4]. لكن الحياة والعبادة الليتورجية ليست فقط " تحقق سر الحضور الإلهي فى الكنيسة وتعبر عنه وتعلن الحقائق العقيدية. بل هي أيضًا، قانون للسلوك الأخلاقي للمؤمنين، وهي تدفع إلى الاعتراف وإلى الصيام وإلى تسبيح الخالق، وتُدخلنا إلى العشاء المسياني. إن الحياة الليتورجية تعطي نظامًا لحياة المؤمنين فى كل صباح وكل مساء وفى كل يوم طوال الأسبوع، وفى كل موسم طوال السنة، وكذلك الأحداث الشخصية: الميلاد، الزواج، المرض، الموت، تدخل فى الأحداث العظيمة للإعلان الإلهي، وفى كل مناسبة من هذه تُمنح نعمة الخلاص الفريدة"[5].

كتاب صلوات الكنيسة أنقذ صورة الحياة الروحية الحقيقية، فغنى الطلبات والصلوات وتنوعها يشهد بأن التقوى الليتورجية لا تنفصل عن الحياة، وبأن الكنيسة تهتم بحياة المؤمنين اليومية الشخصية والاجتماعية. إنها تعطينا صورة للاستخدام الليتورجي والإفخارستي للحياة والعالم، لأجل تغيير وتقديس كل دوائر الحياة
[6]. هكذا استندت الروحانية منذ البداية وتأسست على الحياة الليتورجية أى على ممارسة الأسرار الليتورجية. إذن من الواضح أن هناك ارتباطًا شديدًا وعضويًا بين العبادة الليتورجية والروحانية، فإن قوة هذه الروحانية وجمالها وملئها وبقاءها، هو فى ارتباطها بالعبادة الليتورجية بكل أشكالها. فالروحانية الأرثوذكسية هي روحانية ليتورجية لأن الأرثوذكسية هي شركة عبادة، فالكنيسة قبل كل شئ هي كنيسة ليتورجية، تربى المؤمنين وتشكلهم بالعمل الليتورجي، وتمثل لهم الوطن الحقيقي الذي يمدهم بالخلاص والسلوك الأخلاقى والروحانية. فالروحانية تكتسب الأساس ومعيار الأصالة الكيانية من الليتورجية، وانفصالها عن الخبرة الليتورجية يسبب انحدارها إلى مجرد تعاليم أخلاقية، وتفقد ملمحها الجامعي الشامل.

هكذا فإن أي حركة تجديد للروحانية، تحتاج إلى البحث عن جذرها وأساسها الذي هو العمل الليتورجي الذى يُعتبر الصورة المسبقة لتجلي الكون
[7]. فالعمل الليتورجي هو الذى تستمر به الكنيسة وتتحدد رسالتها الفدائية فى العالم، هذا العالم الذي لا يمكن أن يظل مغلقًا على ذاته وإلاّ فستنتهي حياته وتتلاشي بالخطية.

ب ـ الأسرار والحياة الليتورجية:
نعمة الأسرار تمثل مركز العمل الليتورجي ورسالة الكنيسة الخلاصية، فالكنيسة والأسرار مرتبطان ارتباطًا عضويًا لا ينفصل. الكنيسة سر المسيح هي سر الحق والحياة، السر الجامع والشامل، إنها سر الأسرار. هي مصدر الفرح والخلاص وبالتالي هي بداية ونهاية الأسرار. وما أسرار الكنيسة إلاّ أفعال مختلفة نابعة من السر الواحد الأصلي والفريد، سر موت المسيح وقيامته، هذا السر الذي ينمو ويتسع بواسطة هذه الأسرار كلها.
الأسرار تعبّر عن ملء النعمة، إنها حياة الكنيسة وشهادة لرسالتها إذ أن العالم الجديد أي ملكوت المسيح قد دُشن وافتتح بواسطة الكنيسة. الأسرار ليست مجرد وسائل أو موصلات للنعمة، أو مجرد طقوس مقدسة تنقل بطريقة غير منظورة قوة الله المخلصة، إنها ليست مجرد أدوات أو وسائل لإعادة عرض موت والمسيح وقيامته، لكن هي النعمة نفسها والخلاص والحضور الفعّال في الكنيسة للمسيح المصلوب والمُقام. إنها طريقة حياة تحتفل بها الكنيسة بموت الرب وقيامته. والكنيسة بالأسرار تعلن أيضًا عن المجيء الثاني للمسيح وتنتظره باشتياق
[8].
لا يوجد خلاص بدون المسيح وأعماله السرائرية، فالإنسان لا يستطيع أن يخلّص نفسه. ولذا فالخلاص ممكن فقط داخل الكنيسة، التي فيها تُفحص حياة المؤمنين أمام حدث الصلب والقيامة. وفيها تمثل الأسرار تحقيقًا فريدًا للخلاص الذي تم بالتجسد والصلب والقيامة والصعود والجلوس عن يمين الآب: " فإذًا يا سيدنا فيما نحن نصنع ذِكر نزولك على الأرض وموتك المحيى وقبرك ثلاثة أيام وقيامتك من الأموات وصعودك إلى السموات وجلوسك عن يمين أبيك وظهورك الثاني الآتي من السموات المخوف المملوء مجدًا، نقرّب لك قرابينك من الذي لك على كل حال وفي كل حال"
[9]. هكذا الأسرار تعطي الإنسان الإمكانية لكي يشترك في موت المسيح الفدائي، ولكي تثمر فيه نعمة قيامته[10]. حيث تجرى إعادة خلقته ليصير خليقة جديدة، فداخل أحضان الكنيسة حيث الله حاضر بطريقة سرائرية، تتحد طبيعة الإنسان بالطبيعة الإلهية في الابن ويصير متشبهًا بالرب يسوع المسيح[11].
أيضًا بواسطة الأسرار يتحرر الإنسان من العبودية لقوة الشيطان، ويُطعم في جسد الكنيسة، جسد المسيح المقدس. إذن فالأسرار هي أعمال المسيح الخلاصية في الكنيسة، إذ بواسطتها تصير وساطته الأبدية حاضرة ويتحقق عمله التقديسي للإنسان والكون، إذ يأتي المسيح ثانية بتدبير الروح القدس إلى البشر، وتأخذ الأسرار وضع معجزات المسيح أثناء تجسده، ويذوق الإنسان حقيقة القيامة وتُعلن له الأمور السماوية
[12].

ج ـ الإفخارستيا والحياة الليتورجية:
إن سر الإفخارستيا هو قدس أقداس الكنيسة الأرثوذكسية، بدونه تصير العبادة الليتورجية مجرد طقس خالي من النعمة الإلهية، وتفقد حياة الكنيسة مركزها وغايتها، وتتحول العبادة الليتورجية إلى أحداث بسيطة، وتخطيط أيديولوجي وثقافي وكتعبير عن فلكولور معين. إن سر الإفخارستيا هو قلب الكنيسة وهو يحتوي على سر الله والإنسان والعالم
[13]. بواسطة الإفخارستيا نعيش حقيقة الشركة الإلهية، وقمة المحبة الثالوثية، أي إننا نعيش لقاء جماعة المؤمنين مع الرب القائم، إنها "ذكرى" القيامة وخبرتها المباشرة التي تجعل اجتماع المؤمنين " اجتماع غير المائتين"[14].
إنه السر الملوكي، مركز وغاية كل الأسرار، وكما قال الأب فلورفسكي: " إن كل الأسرار الكنسية لها علاقة بسر الإفخارستيا "
[15]. لا يوجد عنصر من العناصر الإيمانية ليس به إشارة إلى الإفخارستيا. فحياة الكنيسة تنبع من الإفخارستيا وتصب في الإفخارستيا. فالكنيسة تكون حية ونشيطة حقًا بإقامة ليتورجية الإفخارستيا الإلهية. فالإفخارستيا هي منبع وأصل الكيان الروحي، بواسطتها، تستمر الكنيسة ـ عبر الأزمنة ـ مكانًا لخلاص البشر. إنها الشهادة المسيحية العظيمة عن الشركة الجديدة في جسد الفادي التى تتحقق داخل الجماعة المفدية[16]. فإن كان عمل الشيطان هو الانقسام، والتفرقة والانعزال والجحيم والهاوية، فإن عمل المسيح هو المصالحة والوحدة والحياة وملكوت المحبة (الذي تحقق بواسطة الإفخارستيا (1كو17:10، 12:12، رو5:12)، الذي هو سر الإنجماع في المسيح الواحد. الإفخارستيا هي: ” الكنيسة في "ملء" المسيح. فالأسرار هي كمال الكنيسة. إن الكنيسة المجاهدة والكنيسة المنتصرة حاضرتان في الإفخارستيا في اتحاد لا ينفصل. وهذه الوحدة هي عطية الله الممتدة ليست فقط في مكان غير محدود ولكن أيضًا في زمن غير محدود يشمل كل الأجيال والعصور. بهذا المفهوم فإن الإفخارستيا هي سر الكنيسة، أو لكي نتحدث بأكثر دقة هي سر " المسيح بكامله "[17].
د ـ الإفخارستيا وحياة الشركة:
إن الإفخارستيا هي معايشة عمل الله السرائري، فهي تمثل تجميعًا لسر التدبير الإلهي وحضوره المستمر في الكنيسة
[18]، فهي ليست فقط سر ذبيحة الصليب بل كل تاريخ الخلاص. فأهمية السر هي لكل التدبير الإلهي: في ذبيحة الجلجثة وفي لقائنا مع الرب الحي القائم من الموت. الإفخارستيا هي سر الحياة الجديدة، وبرهان العهد الجديد الذي صار باتحاد الطبيعة البشرية بالطبيعة الإلهية في شخص المسيح، ودخول الطبيعة البشرية التي تطهرت بدمه في نطاق حياة الثالوث.إن عطية الإفخارستيا وثمرتها هي اتحاد الإنسان بالمسيح واشتراكه في ملكوته، لذا فالإفخارستيا هي امتلاء المؤمنين من الرأس (المسيح)، فهي اتحاد المخلوق بالخالق[19]. هي نعمة ارتفاع وصعود الإنسان والعالم إلى الله، هي تقديس وتجلي كل الخليقة والحياة، إذ بواسطتها يتجدد الكون المخلوق وتُعاد خلقته وتُعطي له نعمة الوجود الدائم بحضور الروح القدس الذي يوّحد الكل بالله. هكذا بواسطة سر الإفخارستيا يتغير العالم المخلوق ويتحول إلى مسكن للمجد الإلهي. الإفخارستيا هي ظهور ثالوثي لأن "تتميم الإفخارستيا يمثل ظهورًا للتدبير الثالوثي: الآب يُسرّ بذبيحة الابن ويقبلها، والابن يقدِّم الذبيحة ويُقدَّم كذبيح، والروح القدس يتمم ويكمل"[20]. إنه السر الذي يُغير الكون إلي شركة الحياة الثالوثية والمحبة، إلى تمجيد الآب والابن والروح القدس.
إن الإفخارستيا ليست فقط شركة المؤمنين مع الله لكن هي شركة ووحدة المؤمنين فيما بينهم، إنها علامة المُصالحة والسلام. المؤمنون يصيرون، باشتراكهم في أسرار المسيح الخالدة والأبدية، غير فاسدين وغير مائتين ومتحدين سريًا بالرب ويصيرون أحياء حاملين عطية الله والمسيح والروح
[21]. هذا التجلي والملء الإلهي يُعبّر عنه بوضوح في هذا السر بالسمو فوق التمييزات والانقسامات والمتناقضات، وفي ربط البشر بالمسيح الذي به يُبنى مجتمع القديسين. إن سر الإفخارستيا هو السر الذي يخلصنا من الفردية والعُزلة. إذ يبطل القوات الشيطانية وعملها التقسيمي، الذي يفصل البشر عن أنفسهم، إنه السر المهيب لحضور القداسة في المسيح التي تُعري الشيطان من سلطانه على العالم وانجماع الكل في الكنيسة: " حاولوا أن تكثفوا اجتماعاتكم لتقدموا شكركم وتمجيدكم لله لأن قوى الشيطان تضمحل وقدرته تنحل أمام اتفاق إيمانكم. لا شئ أفضل من السلام لأنه يجرد أعداءنا المنظورين وغير المنظورين من كل أسلحتهم"[22].
بالرغم من أن الإفخارستيا متجهة بثبات نحو الله، لكنها في نفس الوقت تعبّر عن الاخوة البشرية والشركة وتحقيق التواصل بين البشر. بالإفخارستيا نصير قلبًا واحدًا ونفسًا واحدةً، وأُناسًا يعرفون أن يحيوا بالمحبة، وكل شئ بينهم يكون مشتركًا (أع42:2ـ43، 32:4، رو16،15:12).
إن ليتورجية الإفخارستيا ليست هي تزاحم جمع من الناس، لكن هي شركة أشخاص محبين، فالكل يوجد داخل الكل، فشركة الحياة في المسيح تجمعنا وتوّحدنا، إنها شركة الحياة الإفخارستية بالمسيح، كما يقول لنا بول أفدوكيموف: " إنها تحدد الملمح الإفخارستي للحياة الروحية لأن هذه الحياة تتغذى وتنمو بنعمة الإفخارستيا، بالشركة المتصلة بالمسيح وجسده"
[23].الإفخارستيا هي إذن مائدة الحياة الفُضلى، هي تحقيق الشركة الإنسانية، أي الكنيسة في علاقة وشركة البشر بالمسيح. عندما يُرفض عنصر الشركة في الإفخارستيا، أو يتم تجاهله عندئذٍ نهين ونحتقر الأهمية الخلاصية لتجسد المسيح. الإفخارستيا كإمكانية تحقيق الاخوة الإنسانية والوحدة تمثل نموذجًا ومثالاً لأي شركة إنسانية، فهي تمثل إجابة حاسمة على علم الاجتماع الكاذب في عصرنا، ردًا شافيًا على القهر الاجتماعي وعلى المأزق الاجتماعي المأسوي والعبث الذي يشهده عصرنا.

الإفخارستيا سر الفرح:
إن الليتورجية الإفخارستية هي سر الفرح، هي مائدة السرور والابتهاج للمؤمنين (أع16:12)، لأن فيها نشترك في التمتع بغفران الخطايا والحياة الأبدية ـ بواسطة إبادة الموت ـ وفي حدث الخلاص ونحن سائرون نحو الملكوت. إن الكنيسة قد حفظت الملمح الأول لمناخ المسيحية أي الفرح. هذا الفرح يظل في الكنيسة كطابع أساسي للعبادة وبالحري لليتورجيا الإفخارستية: فرح الاتحاد بالرب الحي. في هذا الفرح تُعلن البهجة لأن قوات الخطية والموت قد هُزمت، والشياطين انهزمت، إذ أن سلطان الشيطان قد أُبطل بالفعل في السماء، والشر قد دُمر من جذوره، وقد بدأت من الآن الأبدية وحياة الإيمان الجديدة والعالم الجديد. هكذا فإن عمل المسيح المنتصر هو سبب فرح المؤمنين، وبسر الإفخارستيا نذوق هذا الفرح ونختبره. إنه فرح الله أو الفرح في الله.
القيامة هي الحقيقة التي تلد الفرح، إنها بداية الحياة الجديدة والدخول في ملكوت الله المبارك، نحن لا نشترك فقط في حزن الصليب والآلام لكن في فرح القيامة الذي أتي من موت المسيح في العالم، الموت الذي أمات الموت، فموت المسيح هو المجد والحياة والنصرة والقيامة. وفي سر الإفخارستيا نتمم هذه النصرة ونحققها، فهي سر المحبة المنتصرة. كلمة إفخارستيا تعني "الشكر"، إنها تسبيح بالأكثر وليست فقط صلاة. إنها صلاة الفرح المنتصر والعبور المستمر
[24].
المسيح الذي قام من الأموات هو الفرح والابتهاج الأبدي للكنيسة، إنه المسيح الذي انتصر على الموت، ونزل إلى الجحيم بقوة الصلاح والمحبة الإلهية. فرح الكنيسة هو فرح قيامة المسيح المصلوب، فرح في القيامة وبعد القيامة. إن خبرة الفرح والقيامة تشكل التقوى والحياة الأرثوذكسية. القيامة هي أساس الخليقة الجديدة التي نتذوقها ونحتفل بها في كل ليتورجية، إنها الحياة الأبدية والتي تدعوها الكنيسة (اليوم الثامن) للخليقة. إنها بداية الحياة خارج الزمن، إنها ملكوت الروح حيث الله سيكون "الكل في الكل". الإفخارستيا هي العيد الحقيقي لليوم الثامن، لـ"يوم الرب" الذي يُوجد خارج التحديدات الزمنية، خارج الأحزان والآلام وأنين الخليقة. الإفخارستيا تجعل الكنيسة واحدًا مع ملكوت الله الآتي، تحولها إلى جسد المسيح في العالم، إلى شعب اقتناء ومحفل الأبرار. الفرح لا يُفسر تفسيرًا نظريًا، لكن هو حدث نشترك فيه ونذوقه " تعال وانظر" . الإفخارستيا هي الباب الذي يؤدي إلى فرح الرب، إلى عيد قيامته. فالإفخارستيا هي سر الفرح نفسه، هي دخول الكنيسة إلى فرح العُرس
[25].
الكنيسة في الإفخارستيا وبالإفخارستيا تصير العبور المشترك والفردوس المشترك والمعيشة المشتركة، وليتورجيتها من الآن تصير مشاركة في الابتهاج الأبدي، في العشاء السماوي الأخروي، وفي الملكوت الإلهي، إنها التذوق السرائري للقيامة، إنها أيقونة القيامة
[26].[1] الأرشمندريت باسيليوس، الدخول إلى الكنيسة، أثينا 1996، ص11 (باللغة اليونانية).[2] مايندروف: الكنيسة الأرثوذكسية بين الأمس واليوم، ص 255، باللغة الألمانية.[3] الأرشمندريت باسيليوس، المرجع السايق، ص 7.[4] بول أفدوكيموف، سر الكلمة، ص60، الترجمة اليونانية.[5] مايندورف: المرجع السابق، ص 85.[6] أنظر سافا أغوريدس: الإنجيل والعالم المعاصر، ص 34، باللغة اليونانية.[7] نيقولا برديايف: حقيقة الأرثوذكسية، أثينا 1962، ص44، باللغة اليونانية.[8] الأب جورج فلوروفسكي: مواضيع في اللاهوت الأرثوذكسي، ص88، باللغة اليونانية.[9] القداس الغريغوري.[10] الأب جورج فلورفسكي ، المرجع السابق، ص 87.[11] فلاديمير لوسكى: اللاهوت السرائري للكنيسة الشرقية، ص 214 (الترجمة اليونانية).[12] جان دانيللو: التاريخ الماركسي والتاريخ السرائري، مجلة سينيور عدد 31، ص 149 (باللغة اليونانية).[13] الأب أ. رادفيتس: مفهوم الليتورجيا الإلهية، مجلة غريغوريوس بالاماس 1979، ص12.[14] بول افدوكيموف: الروح القدس في التقليد الأرثوذكسي، ص 18، (باللغة اليونانية).[15] الأب جورج فلورفسكي: المرجع السابق، ص169.[16] أنظر المرجع السابق ص169.[17] الأب جورج فلورفسكي: المرجع السابق، ص 169.[18] أ. غريغوريوس، ليتورجية الإفخارستيا، أثينا 1971، ص 71 (باللغة اليونانية).[19] راجع ايسيذوروس الفرمي، الرسالة228:1.[20] أ. غريغوريوس، المرجع السابق، ص85.[21] كيرلس الأورشليمي، SC126, 136.[22] القديس أغناطيوس الإنطاكي، الرسالة إلى أفسس 13.[23] بول افدوكيموف، الجهاد الروحي، ص 97 (الترجمة اليونانية).[24] نيقولا كاباسيلاس، تفسير الليتورجيا الإلهية، 16 PG 150, 404.[25] ألكسندر شميمن، من أجل حياة العالم، ص 37 (باللغة اليونانية).[26] الأب جورج فلورفسكي، مواضيع في اللاهوت الأرثوذكسي، ص90، (باللغة اليونانية).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق