الجمعة، 10 سبتمبر 2010

ملامح العبادة الكنسية
د. جورج عوض إبراهيم

مقدمة:

إن عبادة الكنيسة تكشف لنا عن الإعلان الثلاثى لسر الحياة: سر الله وسر الإنسان وسر الخليقة. والعبادة فى نفس الوقت هى إعلان لسر الإنسان ككائن اجتماعى يدخل فى شركة مع الله: " أين هى قلوبكم؟"، " هى عند الرب "، ومع أخيه الإنسان: " قبلوا بعضكم بعضًا". يدخل المؤمن فى العبادة الأرثوذكسية فى سر "الزمن" الجديد، والذى بدأ بتأنس ابن الله وانتصاره على الفساد والخطية والموت. إنه سر " السماء الجديدة والأرض الجديدة " (رؤ1:21)، حيث " لا موت ولا حزن ولا صراخ ولا ألم لأن الأمور الأولى قد مضت" (رؤ4:21). نخضع بكل كياننا، فى العبادة الكنسية، تحت سلطان المسيح ونمجد الله الثالوث كما تمجده قوات الملائكة غير المنظورة بلا انقطاع فى السماء (أنظر إش1:6).
تتحقق فى العبادة حركة مزدوجة:
+ حركة الإنسان نحو الله أى لتمجيد الله.
+ وحركة الله نحو الإنسان لتقديس الإنسان.
ولا مجال هنا للسؤال الجدلى: من يبدأ؟ لأن المحبة الإلهية هى فى حالة حركة دائمة نحو الإنسان (أنظر1يو10:4). إن العبادة هى حوار ليتورجي بين المخلوق والخالق ، إنها شركة إلهية إنسانية. إنها لقاء الله والإنسان " فى الحق" (1يو20:5)، فيها يقدم الإنسان ذبيحة هى " ثمر شفاه معترفة باسمه" (عب15:13). فالعبادة ليست دعوة إلى الله لكى يمنح الخلاص بل هى تقديم الشكر لله الذى أعطانا أن نحيا هذا الخلاص. إنها عبادة " المؤمنين" الذين هم أولاد الله، والله هو الذى يقبل الشكر من الكنيسة، إذ قدم كل ما هو ضرورى لأجل خلاص البشر وجعله موجودًا فى العبادة. الإنسان فى العبادة يتشوق أكثر للخلاص المقدم من الله ويجاهد لأجل تكميله. إنه يتشوق لأن يكون " فى المسيح " (فى23:1). يشعر المؤمن فى العبادة مثلما يشعر الرضيع نحو الحضن الأمومى، فهو يحن إلى مكانه الطبيعى، لذلك هو يسبح قائلاً: " فرحت بالقائلين لى إلى بيت الرب نذهب" (مز1:122).
العبادة المسيحية تختلف عن العبادات الأخرى، إذ أن العبادة الكنسية هى عبادة الإله الواحد الحقيقى " بالروح والحق" (يو24:4). إنها تختلف عن عبادة الأصنام والعبادة اليهودية، إذ أن الأولى لا يمكن أن تُوصف بأنها "روحية" ولا "حقيقية"، والثانية اليهودية هى "عبادة حرف وليست عبادة روح" (2كو6:3). العبادة المسيحية غير خاضعة " لأركان هذا العالم" (غل3:4). العبادة المسيحية تقود إلى تحرر الإنسان، إلى معرفة الله: " إلى أن ننتهى جميعًا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله إلى إنسان كامل. إلى قياس قامة ملء المسيح" (أف13:4).
العبادة الكنسية هى انعكاس للعبادة الروحية التى وصفها يوحنا الحبيب فى سفر الرؤيا (10:4، 6:5، 1:22،...). إن هدف العبادة ليس إنزال السماء إلى الأرض، بل هو تغيير الأرض وتجليها إلى سماء. هى تتبع نفس الطريق الذى انتهجه المخلص ابن الله الذى صار إنسانًا لكى يقدس الإنسان، ويقدس الكون داخليًا وديناميكًا ليتجلى وينضم إلى الملكوت الإلهى. إن العبادة الكنسية تجعل ملكوت الله حاضرًا فى العالم، وتحوّل الأرضى وتغيره إلى سماوى، والمادى إلى روحى، والإنسانى إلى إلهى وذلك بقوة الروح القدس المحيى.
تُوجد عدة ملامح للعبادة الكنسية:

أولاً: الملمح الثالوثى :
إن العبادة الكنسية تُفهم كلقاء المؤمنين مع الله الثالوث. ومن جهة أخرى فإن وجود الكنيسة نفسها مؤسس على الثالوث. وبالمثل فإن طريقة حياتها أيضًا مبينة على الثالوث. فقوتها ورجاؤها مؤسسان على الله الثالوث. والعلاقة السرائرية بين الكنيسة وأقانيم الثالوث هى مصدر صفات الكنيسة الأساسية وهى: مقدسة، وواحدة، وجامعة، ورسولية. فالكنيسة تحيا وتتحرك فى العالم بفعل قوة الثالوث القدوس ونعمته :
1
ـ التمركز حول الثالوث:
العبادة الكنسية هى ثالوثية تتمركز حول الثالوث فى هدفها وفى بنيتها، وهى تُقدم إلى الله الآب (رو15:8، غل6:4)، بواسطة ابنه الوحيد الجنس يسوع المسيح وفى الروح القدس (أف18:2). يحقق المؤمن، فى العبادة الكنسية، شركته مع الثالوث عن طريق شركته فى جسد المسيح ابن الله، الذى هو متحد بلا انفصال مع الآب والروح القدس. يقدم الله، فى العبادة، عطية النعمة إلى الإنسان، والإنسان بدوره يصلى إلى الله مجيبًا على العطية المقدسة. وكل عمل تعبدى له هذا الملمح الإلهى. فالعبادة تؤسس على إعلان محبة الثالوث القدوس لنا أثناء حركته نحو الإنسان والعالم. الله "ينزل" لكى يتقابل مع الإنسان، والإنسان "يصعد" لكى يتقابل مع الله. لذا فالعبادة الكنسية تضع الإنسان على جبل طابور الروحى لكى تدخله إلى المجد الإلهى. العبادة الكنسية تتركز فى الصعيدة التمجيدية للأقانيم الثلاثة، لذا فإن افتتاحية الإفخارستيا تبدأ دائمًا بتمجيد الثالوث: " مجدًا وإكرامًا، إكرامًا ومجدًا للثالوث الأقدس الآب والابن والروح القدس، سلامًا وبنيانًا لكنيسة الله الواحدة الوحيدة الجامعة الرسولية" (تقدمة الحمل ـ الخولاجى المقدس). لذا فإن صعيدة الإفخارستيا هى فى بنيتها ثالوثية وتتمركز حول الثالوث، وصلاة الكنيسة هى استدعاء دائم للثالوث القدوس.

التمركز حول المسيح:

إن الصعيدة الإفخارستية موجهة إلى الله ـ الآب، والآب غير منفصل عن الابن والروح القدس. والابن يعمل فى العبادة كـ" وسيط بين الله والناس" (1تى5:2). إن المسيح إذ هو " واحد مع الآب فى الجوهر" ومجده هو مجد الابن الوحيد من الآب (يو1:14)، فإنه يظهر " فى ذاته " الآب، " من رآنى فقد رأى الآب " (يو8:14ـ9). وهكذا "فى المسيح" يكون الآب "معنا" ويُنظر بمجد طبيعته الإلهية.
إن الكلمة المتجسد ربنا يسوع المسيح رأس الكنيسة هو المحور المركزى للعبادة، فهو رئيس الكهنة الحقيقي (عب14:4)، والخادم بالليتورجيا (عب2:8)، إذ أنه " المُقدِّم والمُقدَّم". لذا فالعبادة الكنسية تُفهم على أنها استمرار للعمل الخلاصى للمسيح فى صوره الثلاث " الكهنوتى، النبوى، الملوكى" (1بط9:2). وصلوات القداس الإلهى تعلن عن هذه الحقيقة بكل وضوح:
[ أنت الكائن فى كل زمان. أتيت إلينا على الأرض. أتيت إلى بطن العذراء. أيها الغير المحوى. إذ أنت الإله لم تضمر اختطافًا أن تكون مساويًا لله. لكن وضعت ذاتك وأخذت شكل العبد. وباركت طبيعتى فيك. وأكملت ناموسك عنى، وأريتنى القيام من سقطتى. أعطيت إطلاقًا لمن قُبض عليهم فى الجحيم. أزلت لعنة الناموس. أبطلت الخطية بالجسد.. ] (القداس الغريغورى).
المسيح كخادم الليتورجيا الإلهية يقدم ذاته كذبيحة غير دموية وبلا لوم "لله الآب"، لكى يرفع خطية العالم (يو29:1). [ أتيت إلى الذبح مثل حمل حتى إلى الصليب أظهرت عظم اهتمامك بى، قتلت خطيتى بقبرك أصعدت باكورتى إلى السماء، أظهرت لى إعلان مجيئك هذا الذى تأتى فيه لتدين الأحياء والأموات وتعطى كل واحد كأعماله] (القداس الغريغورى).
المؤمنون يشتركون فى سر التدبير الإلهى أثناء العبادة فى الإفخارستيا:
[ إذن يا سيدنا، فيما نحن نصنع ذكرى نزولك على الأرض وموتك المُحيى وقبرك ثلاث أيام وقيامتك من الأموات. وصعودك إلى السموات وجلوسك عن يمين أبيك. وظهورك الثانى الآتى من السموات. المخوف المملوء مجدًا. نقرّب لك قرابينك.. ] (القداس الغريغوريوى).
هنا نجد كل التدبير الإلهى للخلاص الذى " فى المسيح". وبواسطة المسيح يصير تاريخ الخلاص حاضرًا فى العبادة لكى يحياه المؤمن فى كل مراحله.
إن حضور المسيح فى العبادة الكنسية هو حضور محسوس [ هوذا كائن معنا على هذه المائدة اليوم عمانوئيل إلهنا حمل الله الذى يحمل خطية العالم كله] (صلوات القسمة ـ أعياد الملائكة والسمائيين). فالمسيح هو الذى ضمنا إلى جسده، وهو فصحنا الذى قد ذُبح لأجلنا، وفى كل إفخارستيا يصير حاضرًا معنا. فصح خلاصنا " الذى صُلب على يد بيلاطس البنطى " قدم نفسه ذبيحة لأجلنا (راجع 1كو7:5). هكذا تنطلق العبادة " من المسيح" وإليه تنتهى. وعلى الجانب الآخر، فإن هدف العبادة هو تقديس المؤمن لكى يصير هيكلاً لله.

التمركز حول الروح القدس :
إن كل شئ فى حياة الكنيسة لا يتمركز فقط حول المسيح بل وأيضًا حول الروح القدس. إن تعبير "فى المسيح" يعنى فى عبادة الكنيسة " فى الروح القدس".
[ وأرسل إلى أسفل من علوك المقدس ومن مسكنك المستعد ومن حضنك غير المحصور ومن عرش مملكة مجدك البارقليط روحك القدوس الأقنوم، غير المستحيل ولا متغير. الرب المحيى الناطق فى الناموس والأنبياء والرسل، الحال فى كل مكان، المالئ كل مكان ولا يحويه مكان، واهب القداسة بسلطة بمسرتك للذين أحبهم وليس كالخادم، البسيط فى طبيعته الكثير الأنواع فى فعله. ينبوع النعم الإلهية، المساوى لك. المنبثق منك، شريك عرش مملكة مجدك، وابنك الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا وملكنا كلنا يسوع المسيح. أرسله علينا نحن عبيدك وعلى هذه القرابين التى لك... ] (صلاة استدعاء الروح القدس فى القداس الكيرلسى).
إن كل صعيدة تقدم إلى الآب والابن لا تكون تقدمة حقًا بدون قوة الروح القدس، فالروح القدس يعمل فى العبادة كالسحابة المنيرة فى التجلى (مت15:17) التى خيمت على التلاميذ وكل الجبل.
يعيش المؤمن " بالروح القدس " فى سر العبادة، لأن الروح يعطى الحياة للكنيسة ويظلل على اجتماعها. إنه "روح التبنى " الذى يصرخ فينا " يا أبا الآب " (رو15:8) والذى يقود إلى " التبنى الروحى " .

2 ـ التقليد:
أحد ملامح العبادة الكنسية هو علاقة العبادة المباشرة بتقليد الكنيسة، أى حياتها المستمرة والمستمدة من المسيح يسوع، والتى لا تعبّر فقط عن استمرارية الخبرة الروحية لكن أيضًا عن تمسك الكنيسة بعناصر التقليد التى تحدد عناصر العبادة الكنسية مما يضمن مصداقية الحياة المسيحية.
ظلت العبادة الكنسية " قديمة " فى روحها و" جامعة "، إذ تعبر بصدق عن وحدة الإيمان المسيحى الأول، وبواسطتها يصير فى إمكان المؤمن الآن أن يحيا الإيمان المُسلّم مرة للقديسين. إن تقليد العبادة لا يُختزل فى طرق وأشكال وترتيبات ممارسة العبادة، لأن هذه الترتيبات حصل لها تجديد عبر الزمن مع الاحتفاظ بجوهر العبادة وروحها. وجوهر العبادة هو الإفخارستيا والصلوات الأساسية التى تختص بخلاص الإنسان وإعطائه الإمكانية لتحقيق هذا الخلاص. إن تقليد العبادة الكنسية يمثل جزءً لا ينفصل عن التقليد الكنسى، ووعى الكنيسة هو الذى يضمن استمرار هذه العبادة دون تغيير كما كانت فى القرون الأولى للمسيحية. الكنيسة تحتفظ بوثائق ليتورجية أصيلة غير نصوص العهد الجديد عن تأسيس السر، والكنيسة تعترف بهذه الوثائق القديمة وبصحتها. وهذه الوثائق الليتورجية هى:(1) كتاب الديداخى (أى تعاليم الرب للأمم بواسطة الرسل)؛(2) التقليد الرسولى لهيبوليتوس؛ (3) الدسقولية (تعاليم الرسل)، هذه الوثائق تتميز بملامح التقليد الرسولى. إن شهود هذا التقليد هم كثيرون، منهم على سبيل المثال ترتليان وأوريجينوس والقديس باسيليوس الكبير خاصة فى عمله المعروف عن "الروح القدس" (فقرة25ـ29).
إن العبادة الكنسية تعطى مصداقية للاختبار الحي المستمر لوحدة الكنيسة وإيمانها، فقد صارت العبادة الكنسية هى الرباط الوثيق الثابت الذى يربط كل الكنائس المحلية معًا.
تُحفظ الوحدة فى العمل الليتورجى بواسطة اعتراف الإيمان " رب واحد إيمان واحد معمودية واحدة " (أف5:4)، لذا نظل مجتهدين كما يقل بولس الرسول أن نحفظ " وحدانية الروح " (أف3:4)، أى بشركة حضور الروح القدس فى قلوب العابدين. إن إيمان الكنيسة كتدبير مقدس روحى " الفكر الذى فى المسيح يسوع " (فى5:2)، والسلوك الروحى كحياة فى المسيح " الذى يحيا فىَّ " (غل20:3) يتحققان فى العبادة الكنسية، لذلك فإن العبادة لها أهمية عُظمى فى صياغة إيمان الكنيسة وعقيدتها.
نتعرف فى العبادة على وسائل التعبير عن الإيمان الكنسى مثل الطلبات والتسابيح والصلوات، وهكذا تصير العبادة الكنسية مصدرًا هامًا لإيمان الكنيسة. أيضًا يتقاطع العنصر التاريخى ـ فى العبادة ـ مع العنصر اللاهوتى والعقيدى، فالتسابيح تربط التاريخ الكتابى بالعنصر اللاهوتى والعقيدى أثناء تمجيد الله والاحتفال بالأعياد أو فى تكريم القديسين. الكنيسة عندما وضعت النصوص الليتورجية تحركت على هذين المستويين، إذ وهى ترى العنصر التاريخى تربطه بالمعنى اللاهوتى. فمثلاً فى تسبحة الهوس الأول تصلى الكنيسة: [ فلنسبح الرب لأنه بالمجد قد تمجد . الفرس وراكب الفرس طرحهما فى البحر (العنصر التاريخى). معين وساتر علىّ وصار لى خلاصًا. هذا هو إلهى فأمجده. إله أبى فأرفعه (المعنى اللاهوتى)]. هكذا كانت نظرة آباء الكنيسة لحوادث الخلاص التاريخية التى تقود إلى المفهوم اللاهوتى، لذا فنصوص الآباء صارت هى نصوص العبادة، إذ تمثل ـ عند الكنيسة ـ مصدرًا للاهوت الليتورجى. فالليتورجيات التى صيغت بواسطة الآباء نُصلى بها أثناء العبادة فى الكنيسة (مثل ليتورجية القديس باسيليوس والقديس غريغوريوس والقديس كيرلس). التعاليم الآبائية هى البنية الأساسية للعبادة الأرثوذكسية من خلال نصوص الصلوات الليتورجية والعظات التى تقدمها الكنيسة للمؤمنين. العبادة الكنسية هى الأم التى تُشكل، داخل وحدة الجسد الكنسى، السلوك الأرثوذكسى وتغير حياة الإنسان ليصبح بالفعل "خليقة جديدة". هكذا فالعبادة الكنسية تصبح خدمة ليتورجية الإيمان الكنسى بدرجة تجعلنا نتحدث عن عبادة أرثوذكسية وأخرى غير أرثوذكسية.
من جهة أخرى، فما يُخلّص ليس هو العبادة بل الإيمان الذى وُجدت العبادة من أجله. إن وحدة الكنيسة تُؤسس على المحتوى الليتورجى: الإيمان والسلوك الروحى. إن مركز حياة الكنيسة هو الاعتراف بحدث الخلاص فى المسيح والدعوة المستمرة لهذا الخلاص: "تعال وأنظر" (أنظر يو39:1ـ46). العبادة الكنسية تخدم هذا الحدث وتقود إليه إذ تعترف بيقين الخلاص ونعمته.
العبادة الكنسية تؤكد على أساس حياة الكنيسة، الذى هو تطابق قانون الصلاة مع قانون الإيمان، لذا فإن اعتراف الإيمان (كما فى دساتير المعمودية) يصير داخل اجتماع الكنيسة للعبادة. فالإيمان قبل أن يصير عقيدة يُعترف به ويُعاش فى العبادة. لذا يقول القديس ايريناوس أسقف ليون: [ تعاليمنا هى وفق الإفخارستيا والإفخارستيا تؤمن تعاليمنا]
[1].


[1] أنظر ألكسندر شميمن، الإفخارستيا، أثينا 1987 (باللغة اليونانية).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق