الخميس، 13 يونيو 2013

صعود المسيح إلى السموات


صعود المسيح إلي السموات
ومفهوم حضوره من جديد
ج. باترونوس استاذ العهد الجديد جامعة اثينا – ترجمة د.جورج عوض
1ـ قيامة وصعود يسوع المسيح كحدثين مميزين
إيمان الكنيسة الأولي بالمفهوم الأساسى للقبر الفارغ وتأكيد التلاميذ والرسل في ظهورات المسيح القائم وأيضًا إيمانها من خلال معرفة تاريخية إختبارية ملموسة ومحددة "اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ" (1يو1:1). كل هذا جعلها تقبل الإيمان بصعود المسيح كفعل أخير لحضوره علي الأرض. جسد الرب القائم الذي كان في نفس الوقت "منظور" من الرسل "اُنْظُرُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ: إِنِّي أَنَا هُوَ! جُسُّونِي وَانْظُرُوا، فَإِنَّ الرُّوحَ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَعِظَامٌ كَمَا تَرَوْنَ لِي" (لو39:24)، كان يجب، في لحظة ما ، أن يترك أرضنا وعالم البشر الحسي ويرجع إلي السموات. فالفترة الطويلة لحضوره علي الأرض وأيضًا سرعة ظهوراته بعد القيامة أخذت نهاية. هذا الذي هو هام أهمية خاصة وجدير بالملاحظة ويسود علي الفكر وعلي إيمان الكل هو التطلع الأخروي المتفائل الجديد والحوادث الحاملة رجاء للحضور من جديد الذي يعلنه صعود يسوع إلي السموات.
إن كان القبر الفارغ وحدث القيامة مع الظهورات المتتابعة والمستمرة للمسيح القائم, صارت مدركة ومقبولة كحوادث تاريخية,هكذا أيضًا الصعود إلي السموات يجب أن يُعتبر حدث تاريخي في حد ذاته والصعود هو قسم لا ينقطع,القسم الأخير في مسيرة يسوع المسيح الأرضية والتاريخية. بدون هذا الحدث تظل معرفتنا بتاريخ يسوع ناقصة, طالما بهذا الحدث الرائع لدينا نوع من "إستعادة ـ رد" ἀποκατάστασης للمسيح كـ "إبن الله" في مجده السابق والذي سوف يكتمل بحضوره الثاني والممجد.
إنه حق, أن التأكيد علي المجئ الثاني للقائم, جعل كثيرين في الكنيسة الأولي أن لا تعطي الأهمية المطلوبة والثقل في حدث الصعود. في إنجيل متى لا يُذكر إطلاقًا هذا الحدث, بينما إنجيل مرقس يذكر الحدث كحدث لحظي وبكلمة واحدة (أنظر مر19:16). بينما يوحنا الإنجيلي سجله في إطار نصائح للمسيح بمفهوم عام وكأنه حدث سوف يحدث في المستقبل "قَالَ لَهَا يَسُوعُ:«لاَ تَلْمِسِينِي لأَنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى أَبِي. وَلكِنِ اذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ:إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلهِي وَإِلهِكُمْ»" (يو17:20). الإنجيلي الوحيد الذي ذكر هذا الحدث بتوسع وإهتمام خاص هو القديس لوقا. بالنسبة للإنجيلي لوقا حدث الصعود لديه أهمية تاريخية خاصة وضرورة لاهوتية. جسد المسيح القائم الذي قد قَبِل في شكله الأرضي مجد التجلي, الآن يؤخذ ويُصعَّد إلي السموات مظهرًا هكذا "بداية" المرحلة الجديدة للمجد النهائي التام والكامل. لقد وصف الإنجيلي لوقا هذا الحدث وصفًا رائعًا في الإنجيل وكذلك في أعمال الرسل, الأمر الذي يُظهرة هكذا كـ "لاهوتي الصعود" (لو50:24ـ53. أع2:1ـ11).
عندما نتحدث في التعليم اللاهوتي عن صعود المسيح باللغة الكتابية لا نفسر فقط المحتوي اللاهوتي لبند دستور الإيمان المتعلق بالصعود، بل نقصد أيضًا إدراك جديد لحضور المسيح الحي ثانيةً في الكنيسة وفي التاريخ. أيضًا كان يوجد ويوجد من منظار ديني فكر عام والذي يكررة الكتاب المقدس بأن الله يسكن في السموات. مصطلح "سماء" بالتالي, يعني رمزيًا الله ذاته. الأرض, بالمضاهاة, والتي توجد عند "قدمي" الله, هي مسكن البشر (أنظر أش1:66). الله في علاقته التاريخية بالعالم "ينزل" علي الأرض لكي يخلص البشر وبعد ذلك "يصعد" أيضًا إلي السموات راجعًا إلي المكان الأول لسكناه (أنظر تك5:11. 22:17).
وفق الفكر الكتابي عن العالم ويسوع المسيح بكونه "إبن الله" بعد "نزوله" "وزيارته" للأرض لكي يحقق عمله الخلاصي للعالم, كان يجب أن "يصعد" أيضًا ثانيةً إلي السموات راجعًا ليس فقط إلي "مكان" إنطلاقة بل أيضًا راجعًا إلي الآب الذي أرسلة (أنظر أع34:2. رو34:8. أفسس20:1. 1بط22:3). لأجل هذا, الصعود بالنسبة للكنيسة الأولي كان لديها بالأكثر مفهوم سمو المسيح إلي مجد الله وإستمرارية حضوره في جسد الكنيسة التاريخي, لإستمرارية وإكتمال عمله الخلاصي.
هذه الرؤية اللاهوتية لا تعني بالطبع أيضًا تهميش أو تجاهل تاريخية الصعود. لكن الحاجة إلي إدراك صعود المسيح "التاريخي" إدراكًا صحيحًا. لا يُدرَّك التاريخ بدون تفسير مستقيم وإدراك صحيح. خاصةً بالنسبة للحوادث الكتابية الحاجة إلي عرض قدسية التاريخ والتشديد علي الإمتدادات اللاهوتية. ربما, لأجل هذا, من اللحظة الأولي, للكنيسة الرسولية, بالضبط لأنها كانت تحيا في يقين حضور المسيح الجديد بعد القيامة, لم تعطي ثقل كبير وأهمية علي العرض والتشديد علي تاريخية الصعود. وهذا هو واضح جدًا حيث قاد كثيرين ليؤمنوا كيف أن الكنيسة الأولي لم تعمل أي تمييز جوهري بين الحدثين, حدث القيامة وحدث الصعود, وأنها إعتبرت الصعود في المجد مع القيامة المجيدة كمرحلة أخيرة وعمل نهائي لتاريخ يسوع المسيح علي الأرض.
2ـ الإطار التاريخي والأهمية اللاهوتية لصعود المسيح
الصعود كحدث تاريخي يجب أن يحدث بالقرب من أورشليم وفي الأغلب علي جبل الزيتون أو في نطاق بيثينية, أربعين يومًا بعد القيامة ، رأينا أن التلاميذ مضوا من أورشليم للجليل مباشرةً بعد ظهور الرب لتوما والظهور الثاني لجماعة التلاميذ الذي يعني في الغالب في اليوم الثامن. في الجليل إنتظروا حوالي شهر حيث لدينا أيضًا الظهورات الباقية للقائم لوجودة متنوعة والتي أشار إليها خاصةً بولس الرسول (أنظر 1كو2:15,...), بينما منذ قليل قبل الصعود وُجدوا التلاميذ أيضًا في أورشليم. هناك بحسب وصية المسيح كان ينبغي أن ينتظروا حلول الروح القدس.
في نصوص لوقا "لاهوتي الصعود" لدينا تشديد خاص علي تاريخ هذا الحدث وأيضًا بواقعية شديدة. لقد تجنب هذا المؤرخ أي ميل "لتفسير تمجيدي" للصعود لكي يشدد بالضبط علي تاريخية الحدث. المصطلحات التي يستخدمها هي واقعية: " وَفِيمَا هُوَ يُبَارِكُهُمُ، انْفَرَدَ عَنْهُمْ وَأُصْعِدَ إِلَى السَّمَاءِ. فَسَجَدُوا لَهُ وَرَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ" (لو51:24ـ52). أعطي تشديد علي ظواهر طبيعية خارجية والتي صاحبت حدث الصعود, مثل وجود "سحابة" و"هم ينظرون" (أع9:1), بهدف مصادرة أي "تفسير سري" يشكك في تاريخية هذا الحدث. وجود "سحابة" وفق اللغة الكتابية الرمزية تعلن هنا ألوهية المسيح، الذي له أهمية جوهرية لإيمان الكنيسة الأولي, وأيضًا بالحري أهمية لتشكيل التعليم اللاهوتي والخريستولوجي بعد القيامة.
إستخدم المصطلحات والصياغات الواقعية والتشديد علي الإنطباع المؤثر الذي أنشأه مشهد الرب في السموات, بينما الرسل كانوا "ناظرين إلي السماء"، لديه كهدف أن يفند الإنجيلي أي تفسير "أسطوري" للصعود في المستقبل. وهذا لديه أهمية عظمي لتاريخ العهد الجديد. أي تناول لاهوتي وتاريخي لحوادث حياة يسوع المسيح من المذود فصاعدًا لا يمكن أن يجهل ويتجاهل أيضًا هذا التطلع الذي وضعه الإنجيلي بحدث الصعود.
يسوع لم يُمجّد فقط بقيامته،لقد وَصَلَ إلي مرحلة سامية "لمجد" الله ومُجّد ب"إرتفاعه" و "صعوده" إلي السموات. العهد الجديد أصر علي مفهوم إعلان مجد الله بواسطة شخص يسوع المسيح، ففي شخص المسيح مجد الله هوحاضر حضور كامل. المسيح هو أيضًا إبن الله وبالتالي "بهاء مجده ورسم جوهرة" (عب3:1). مجد الله الذي أتي لكي يشع علي البشر (2كو18:3) أولاً ظهر وأشرق "في شخص يسوع المسيح" (2كو6:4). لقد أتى يسوع بعد القيامة والصعود إلي المجد الإلهي (لو26:24) وكرب المجد (1كو8:2) فتح الطريق أيضًا لمجد الإنسان. مجد المسيح يكتمل نهائيًا بمجد مؤمنية: "وَكُلُّ مَا هُوَ لِي فَهُوَ لَكَ، وَمَا هُوَ لَكَ فَهُوَ لِي، وَأَنَا مُمَجَّدٌ فِيهِمْ" (يو10:17).
هكذا بالنسبة للكنيسة, بالقيامة والصعود بدأ أن يشرق عصر جديد, زمن المستقبل والإعادة الأخروية إلي مجد الله, طالما بواسطة هذه الأحداث ليس لدينا فقط "صعود" للمسيح إلي القوة والمجد, لكن أيضًا "صعود" الإنسان إلي الملء الخلاصي والأخروي. بهذا المفهوم ندرك الآن, لأنه بصعود المسيح بدأ بالنسبة للمؤمنين أيضًا زمن إنتظار "المجئ الثاني " للرب. الذين يقبلون الإيمان بالقيامة والصعود هم محدقين تجاه المستقبل وتجاه حضور المسيح من جديد. أما الذين يرفضون هذه الحوادث, هم بالطبع يرفضون أيضًا رجاء حضوره من جديد. كثيرون يفضلون إعتبار أن المرحلة الأخيرة لمسيرة يسوع التاريخية يجب أن تتوقف عند صليب الجلجثة وعند دفنه في القبر "القبر المختوم" الذي كان خارج أسوار أورشليم ،لا شيئًا أكثر من هذا. هذا يعني للكثيرين رفض القيامة والصعود. لكن بالنسبة للإيمان المسيحي عبر كل الدهور, أحداث القيامة وصعود المسيح ليست أبدًا أحداث تأتي في المرتبة الثانية. الإشارات المباشرة وغير المباشرة للصعود من التقليد الإنجيلي والرسولي تركز علي أهمية هذا الحدث (أنظر أفسس20:1. 10:4. 1تس16:4. 1تيمو16:3. عب14:4. 1بط 22:3....الخ).
الصعود يحدد من الآن حركة الطريق السماوي وإتجاه الكنيسة نحو ملء إكتمال الإنسان في الأزمنة الأخيرة. الدهر الآتي بالفعل قد بدأ وإمتد ظهور مجد الله في الإنسان. الآن هو وقت للصعود والتوبة ورجوع الكل إلي الإيمان بالمسيح. لأجل هذا بالضبط, الزمن بين الصعود والمجيء الثاني هو زمن نشاط الكنيسة وممارسة التبشير وقدوم الأمم إلي المسيح الراعي. إنه وقت للكرازة وللخدمة الرعائية. بعد الصعود أرسلت الكنيسة برسُلها إلي العالم لكي تتمم تاريخها وحياتها ـ وتمارس بطريقة ديناميكية عملها الخلاصي في التاريخ, كإستمرارية لعمل المسيح. لو أن "زمن" المجيء الثاني وملء الكل تأخر في المجيء, هذا يعني أساسًا تأخر عمل التبشير والتوبة . إن "تأجيل" النهاية يدل على محبة الله للعالم. بالقيامة والصعود ، قد بدأ بالفعل عصر الإشتياق الشديد وأيضًا الإيمان الدينامكي والخلاَّق. جميعنا, الآن, مثل التلاميذ والرسل وقتذاك في لحظة الصعود كانوا محدقين تجاه الأعلي, يجب أن نكون أيضًا محدقين بالرجاء تجاه فوق إلي السماء, التي هي مكان موطننا القديم والهدف النهائى لنا (أنظر أع10:1), "لأَنْ لَيْسَ لَنَا هُنَا مَدِينَةٌ بَاقِيَةٌ، لكِنَّنَا نَطْلُبُ الْعَتِيدَةَ" (عب14:13).
التبشير ورعاية شعب الله في الحاضر لديه بشدة هذا البُعد المستقبلي والأخروي، المؤمنون يطلبون دائمًا الفوقيات في حاضر التاريخ, لأننا لدينا شعور بأن مسكننا النهائي ومدينتنا تُوجد في السموات (أنظر فيلبي 20:3) الشعور بعدم وجود مأوي وأننا نزلاء, بدون أن يكون هذا عنصر مانع لكل عمل إبداعي في الحاضر, يُسَلِحنا بالأشواق والرؤي للمستقبل ويحفظنا في يقظة دائمة وممارسة وجهاد دائم. أيضًا قُرب "نهاية" المجيء الثاني والدينونة الأخيرة والذي نحوه صعود المسيح يؤثر فينا, لا يُخيِف الكنيسة ولا المؤمنين . علي النقيض, المؤمنون منذ ذلك الحين يحيون برجاء المجيء. يتطلعون إلي السماء وهم في شوق وصارخين بحرارة "تعال أيها الرب يسوع" (رؤ20:22).
وعبارة "تعال أيها الرب يسوع" وبالعبري "ماران آثا" بعد حدث الصعود تحتاج إلي إدراك صحيح, لأن الصعود لا يعني إبتعاد وغياب يسوع المسيح من التاريخ وبالحري من الكنيسة. لغة كنيستنا التسبيحية والليتورجية هي ممكن أن تساعدنا تجاه التوجه التفسيري الصحيح . العبادة يجب أن تعتبر من المصادر الرئيسية للتعليم الأرثوذكسي. هناك اللغة الكتابية والعقيدية يتوافقا ويستطيعا أن يؤلفا صياغات مستقيمة أيضًا للمواضيع الصعبة الخاصة بالتدبير الإلهي.
الكنيسة في هذه اللغة التسبيحية والشعرية تجد التعبير الأفضل لتفسير وإدراك حوادث تاريخ العهد الجديد المقدس وتناول المفاهيم العميقة والجوهرية لحياتنا وتاريخنا. فيما يتعلق بالحدث التاريخي لصعود الرب والتي ذكرته النصوص المقدسة, التسبيح يدركه فى أبعاده الكنسية المستقيمة وتربطه بخبرة المؤمنين الروحية. وهذا, لأنه كما نسبح في الكنيسة في عيد الصعود بأن إقامة يسوع في الكنيسة وفي العالم يجب أن تُدرك خارج تحديدات المكان والزمان. إذ بحسب القديس باسليوس الكبير, التمييز بالنسبة للمكان داخل وخارج وللزمن في الماضي والحاضر والمستقبل هي حالة ساقطة وتعني إبطال وحدة الخليقة والأبدية. لكن, الصعود هو تخطي نتائج السقوط المقيته. العنصر الذي يعتبر سائد, بعد الصعود, هو أن حضور المسيح هو مستمر ودائم, بمفهوم تام وشامل, طالما كما أكد لنا هو ذاته حين قال: "وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِينَ" (مت20:28).
بالتالي, الصعود لا يعني, كما هو معتاد, إرتحال وذهاب وغياب. بل يعني علي النقيض "حضور" وبمفهوم ما تعنية هذه الكلمة. المسيح بعد القيامة والصعود هو "بالأكثر" حاضر في الكنيسة وفي العالم, بكل القوة والسلطان والمجد مما قبل أحداث الصلب والموت. يسوع كمعلم أثناء حياته الأرضية, عندما وُجدِ في اليهودية كان غائبًا بالطبع من الجليل. لكن الآن, كرب السماء والأرض هو "حاضر في كل مكان". يسوع المسيح بالقيامة أراهم نفسه حيًا (أع3:1) وبالصعود دشن (إفتتح) عصر جديد, عصر الكنيسة في التاريخ "يثبت الكلام بالآيات التابعة" (مر20:16). هكذا, المسيح الصاعد ليس هو غير تاريخي وحضورة الروحي "غير جسدي", وليس هو وجود "أسطوري" فوق التاريخ, بل هو حضور حيَّ وأبدي في جسد الكنيسة التاريخي.




3ـ إنتظار المجيء الثاني
الآن إشارة سريعة فيما يتعلق بمسألة المجيء لربنا, في الأيام الأخيرة. قد نشأ إنطباع واليوم قد دُعِم من مفسرين كثيرين للكتاب المقدس, بأن يسوع آمن بنهاية محددة للعالم. وبالتالي قد قدموا أبحاث خاصة لتشرح هذا الموضوع من منظور نفسي في نطاق الأدب الرؤيوي, لأنه يعتبر أن تحديد النهاية يتحرك من إحتياج داخلي يحتوي علي مرض نفسي.
دون شك قد قَبِلَ يسوع كيف أن الخليقة والعالم والمرحلة التاريخية الحاضرة سوف تكون لهم نهايتهم (لو2:11).
لكن أبدًا لم ينادي بأن هذه النهاية يمكن أن تصير موضوع معرفة الإنسان وقضية تحديدها. تجربة تحديد النهاية أجاب عليها المسيح بحسم علي سامعية ولتلاميذه, عندما سأله أحدهما: "وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ، وَلاَ الابْنُ، إِلاَّ الآبُ. اُنْظُرُوا! اِسْهَرُوا وَصَلُّوا، لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَتَى يَكُونُ الْوَقْتُ" (مر32:13ـ33), و "أَمَّا هُمُ الْمُجْتَمِعُونَ فَسَأَلُوهُ قَائِلِينَ:«يَارَبُّ، هَلْ فِي هذَا الْوَقْتِ تَرُدُّ الْمُلْكَ إِلَى إِسْرَائِيلَ؟» فَقَالَ لَهُمْ:«لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ الَّتِي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ" (أع6:1ـ7). يسوع لا تنتمي لأولئك الذين يكرزون بنهاية محددة επικείμενο بأي شكل ولأي هدف.
أيضًا لهو من الدلالة أن يسوع لم يُتهم أبدًا من خصومة عن أي نوع من الإنتصار الدهشوي الرؤيوي أو بمحاولة ما لتحديد نهاية وخلق مناخ رؤيوي أو إتجاهات قومية . لو أن يسوع قد شَرَعَ في تحديد زمن ما للنهاية, ولم يتحقق, لكان خصومة سوف يستخدموا هذا الأمر بأن يقدموه كنبي كذاب, كذلك كما نعرف كانوا سوف يثبتون ذلك بطريقة نظامية. وذلك العصر كان بالحري مميز بحشد من الرؤيويين الذين إهتموا بهذه المواضيع. كثيرون كانوا يرون رؤي ويتنبئون ليس فقط بأن النهاية قريبة بل بتحديد زمني لمجيء "النهاية". إنه من المعروف أنه كان يوجد أيضًا أدب رؤيوي كامل علي هذه المواضيع في هذه الأوقات المتأزمة.
لكن عندما يقول يسوع "قد كَمُل الزمان" (مر15:1), الإهتمام يلتف حول "كَمُلَ" للحاضر وليس لكمال المستقبل. اللحظة الحاسمة, وقت الدينونة يُوجد في الحاضر وليس في المستقبل, المستقبل القريب أو البعيد, لأن هذه اللحظة تتعلق مباشرةً بشخصة. بالنسبة ليسوع عبارة "ملكوت الله داخلكم" (لو21:17),تعنى ان الشياطين وُضعَت خارجًا (لو18:10) والناس يحيون في واقع جديد (لو20:11. مر24:1). يسوع يري أن الكل يتحقق في شخصة وحياته. لقد وجه التأكيد للِص, أثناء الصلب, قائلاً: "اليوم تكون معي في الفردوس" (لو43:23). هنا الأحداث المستقبلية تبدو أنها صارت حاضرة. كل هذا ينشيء أيضًا إنطباع بنهاية محددة.
يسوع المسيح هو "البداية والنهاية", "الألف والياء", "الأول والأخير" للتاريخ (رؤ8:1. 6:21. 13:23). قيامته هي بداية واقع جديد. الكنيسة تحيا من الآن هذا "الجديد", "النهاية" و "الأخروي". النهاية هي دائمًا "قريبة" و "علي الأبواب". هذا الذي له أهمية خاصة بالنسبة للكنيسة بعد الصعود هو رسالتها تجاه العالم. بالتالي, القيامة هي العمل الأول للجديد و"الدراما الأخروية" التي يُشار إليها بفعل الصعود إلي السموات. بتحقيق هذه الأحداث يبدأ إدراك المستقبل الأخروي إدراكًا صحيحًا كمسيرة ديناميكية جديدة تجاه الإكتمال و"إنتهاء" مرحلة خطة التدبير الإلهي.
بشخص وعمل يسوع المسيح وبالحري بالأحداث الأخيرة لمسيرته علي الأرض, "الأخرويات" تأخذ شكل "وظيفة" الحاضر. هذه "الوظيفة الأخروية" للحاضر هي بلا شك واقع جديد. قيامة المسيح تجعلنا قادرين أن نتوقع بيقين قيامة كل البشر. "نهاية" العالم هي بالتأكيد أن الكل يُوجَد "قريب" و "أقرب". ذاك الذي له أهمية أكثر في الحاضر ليس قُرب أو تحديد الحوادث المستقبلية, لكن مسيرة الكنيسة التبشرية تجاه الأمم ونشاط كل قواتها لإتحاد دائمًا الأمم وكل قبيلة في رعية المخلصين للمسيح: "فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِينَ" (مت19:28ـ20).
اللاهوت التعليمي الكتابي الأرثوذكسي يُدعَّي لتفضيل ودفع ديناميكية "الوظيفة الأخروية" أمام دينامكية "التحقيق الأخروي" للغرب المحافظ أو "للأخروية المستقبلية" لليبرالية البروتستانتية المتطرفة. هذا العنصر "الليتورجي ـ الوظيفي" لملكوت الله يعيد تشكيل العالم والتاريخ ويشكل الإنسان في الحاضر تحت نور وتطلع القيامة والأبدية. الكنيسة هي ضامن لكل هذا بل وأيضًا المكان الليتورجي لأي إكتمال مستقبلي وإكتمال الهدف الأخروي لإتحاد الإنسان بالله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق