الخميس، 20 يونيو 2013

على هامش الجدل الحادث بسبب تعبير " دم يسوع يغرق كل شوارع مص "


       على هامش الجدل الحادث بسبب تعبير " دم يسوع يغرق كل شوارع مصر "


                                                                                                                  د.جورج عوض إبراهيم

 الإنسان كائن رمزي


يتميّز الإنسان وحده بقدرته على العمل فى الحياة مستخدمًا الرموز، بينما يتعذر ذلك بالنسبة للحيوان. فالإنسان وحده هو الذى يتواصل مع غيره من الناس عن طريق اللغة، وهو وحده الذى يصوغ القوانين ويراعى قواعد السلوك العامة، ويمارس طقوسًا معينة، فى حالة الولادة والزواج والموت، مملوءة بالرموز والدلالات والمعانى. فالرمز هو أحد السمات الأساسية للجنس البشرى. فالسلوك الإنسانى هو سلوك رمزى فى جوهره، كما أن السلوك الرمزى هو بالضرورة سلوك إنسانى[1].

       ليس غريبًا ـ فى هذا الإطار ـ أن يكون الوعظ الديني  مملوء بالرموز، ولا توجد صلاة تعبدية فى الكنيسة بدون استخدام رموز معينة.

لكن ما هو مفهوم الرمزية Symbolism ؟

 


المفهوم العام للرمزية Symbolism:


الرمز Symbol فى معناه العام هو أى شئ يحيل إلى شئ آخر، أو يقوم مقامه أو يدل عليه. فهو من ناحية ما يرتبط بالموضوع الذى نود الكشف عن فكرته، ومن ناحية أخرى هو مصطلح يُطلق على موضوع مرئى يمثل تشابهًا مع ما هو غير مرئى. وقد تؤدى كلمة علامة sign أو إشارة signal أو معنى meaning نفس دلالة الرموز. وتعتبر اللغة أو الكلام رموزًا لأنها وسيلة لتسهيل واختصار التعامل ونقل المعانى[2].

       الرمزية إذن هى شيئًا ما يقف بديلاً عن شئ آخر أو يحل محله أو يمثله بحيث تكون العلاقة بين الاثنين هى علامة الملموس بالمجرد، وذلك على اعتبار أن الرمز هو شئ له وجود محسوس ولكنه يرمز إلى فكرة أو معنى مجرد. فالميزان مثلاً يرمز إلى العدالة، والحمامة ترمز إلى السلام، والصليب يرمز إلى المسيحية. بينما الصليب المعقوف يشير إلى النازية. وقد تستخدم بعض الأفعال والحركات والإشارات كرموز.. وهذا ما نراه فى العبادة؛ فرفع الذراعين إلى أعلى فى الصلاة يشير إلى التماس المعونة من الله والتضرع إليه، ايضًا السجود وانحناء الرأس، كلها لها دلالات تعبّر عن التقوى والخشوع فى حضرة الله.

هكذا فإن الرمز هو كل ما يحل محل شئ آخر فى الدلالة عليه، لا بطريق المطابقة التامة وإنما بوجود علامة عرضية أو متعارف عليها من الجماعة البشرية التى تستخدم هذا الرمز، هكذا الرمز لا يتطابق تمامًا مع الحقيقة المُعلنة من خلاله، وفى نفس الوقت هناك تشابه بين الرمز والحقيقة، فالرمز ليس غريبًا تمامًا عن الحقيقة التى يُعلنها.

       تكمن الخطورة فى استخدام الرموز فى الجهل بما ترمز إليه ، مرات كثيرة نشرح الرمز لنصل إلى مفهوم وحقيقة بعيدة جدًا عن الرمز. وقد يكون هذا المفهوم مضاد لما أراد الرمز أن يعلنه. وهذا الخطأ يقودنا إلى عشوائية  تفسير العبارات اللغوية ، ففي حالة دم المسيح هو تعبير له دلالة عند المسيحيين ويُدرك بشكل صحيح في النطاق المسيحي بحيث خارج هذا النطاق قد يُفهم بشكل خاطيء تماما . هكذا دم المسيح لدى المسيحي يعني تطهير ، يعني حماية من أي خطر ،  يعني هروب الشياطين أي يعني مفاهيم كثيرة حسب سياق الحديث . هكذا اللغة الدينية لغة مشفرة ومتاح فقط للموجودين في نطاق الدين المعني بالحديث فهمها وإدراكها. أيضاً نجد هذا الأمر في الشعر ، على سبيل المثال أغنية عبد الحليم حافظ عن المسيح مليئة باللغة الرمزية والدلالات التي بدونها  لا نستطيع فِهم هذه الأغنية المشفرة :
" يا كلمتي لفي ولفي الدنيا طولها وعرضها

وفتحي عيون البشر للي حصل على أرضها

على أرضها طبع المسيح قدم

على أرضها نزف المسيح ألم

في القدس في طريق الالام

وفي الخليل رنت تراتيل الكنايس

وفي الخلا صبح الوجود إنجيل

تفضل تضيع فيك الحقوق لامتى لامتى

يا طريق الالام .... يا طريق الالام .........يا طريق الالام

وينطفي النور في الضمير وتنطفي نجوم السلام

يا طريق الالام

ولامتى يمشي فيك جريح

ولامتى فيك يفضل يصيح

مسيح وراه مسيح وراه مسيح

على أرضها

تاج الشوق فوق جبينه وفوق كتفه الصليب

دلوقت يا قدس ابنك زي المسيح غريب غريب

تاج الشوق فوق جبينه وفوق كتفه الصليب

خانوه خانوه نفس اليهود

ابنك يا قدس زي المسيح لازم يعود

على أرضها "

الأمر الجدير بالذكر هنا أننا بفضل القنوات الفضائية أصبح خطابنا الديني متاح للجميع بغض النظر عن الإنتماء الديني أو المذهبي ، وفي هذه الحالة يجب على الخطاب المذاع على الهواء وبالحري حين يتناول هذا الخطاب وقائع تخص قضايا  المجتمع  أن يراعي بقدر الإمكان المتلقي وثقافته وأنتمائه وخصوصاً شركاء الوطن منعاً للعثرة وسوء الفهم أو يتم التنبيه في بداية البث بأن ما يقال يحتاج لمعرفة خاصة يعرفها جيدا المعنيين بهذا الحديث ونأسف لغموض بعض المصطلحات الخاصة . المهم يجب أن تكون هناك حلول من شأنها تخفف التوتر الذي قد ينشأ من عبارات معينة لها دلالات في سياق معين ومحدد .

 

 

 



[1] أ.د. عادل كمال خضر، مفهوم الرمزية فى التحليل النفسى، مجلة علم النفس، الهيئة المصرية العامة للكتاب، العدد التاسع والخمسون، يوليو ـ أغسطس ـ سبتمبر 2001، ص 17.
[2] المرجع السابق، ص18.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق