السبت، 18 يونيو 2011

22ـ عن نوعين من الإعلان الإلهي
الاب رومانيدس – ترجمة د. جورج عوض
لدينا نوعين من الإعلان. لدينا إعلان الذي هو الصلاة الذهنية ولدينا أيضًا إعلان، الذي هو الرؤية الالهية والشركة. بالطبع الإعلان الثاني هو المفتاح الأساسي الذي به ندرك تمامًا إعلان الإستنارة. هكذا نري هنا أننا نتقابل مع ما كُتِبَ عن الإعلان وعن الوحي الذي هو تمامًا إختباري ولا شيء آخر.
لكن في خبرة الرؤية هذه، الله لا يعلن كلمات ولا يعلن أي مصطلحات جديدة. لماذا؟ لأنه، عندما يأتي الروح القدس ويصلي في قلب الإنسان، لا يصلي بكلمات جديدة يحضرها معه، بل يصلي بكلمات معروفة للإنسان مألوفه من الخبرة الإنسانية. علي سبيل المثال الطِلبة التي يصليها الإنسان، بعقله هي نفسها الطِلبة التي يستخدمها أيضًا الروح القدس وعندئذٍ نفس الطِلبة تصير طِلبة القلب ! يقول الشيخ "يا ربي يسوع المسيح إرحمني" بعقله عندما يأتي الروح القدس في قلبه، عندئذٍ التعبير ذاته سيصير طِلبة قلبه. سوف يصلي قلبه وعقله بهذا التعبير. هكذا، عندما يصلي الروح القدس في الإنسان، يصلي بنفس الكلمات التي كان يستخدمها هذا الإنسان. لأجل هذا أيضًا لدينا تقليد الطِلبة هذه، التي صارت إما بترنيم أو أقوال مرتجلة للصلاة. عندئذٍ هذا المزمور ذاته أو أقوال الصلاة تصير طِلبة قلب الإنسان.
إذن في خبرة الإستنارة ليس لدينا إعلان لأي كلمة أو مصطلح جديد. أي لا نستطيع أن نقول إن الروح القدس أتي إلي الآباء وأعلن مصطلحات: جوهر واحد وثلاثة أقانيم أو الواحد مع الآب في الجوهر (من نفس جوهر الآب ομοούσιο). هذا ليس إعلان بل هو مصطلحات لاهوتية والتي أُستخدمت لكي يواجه الآباء الهراطقة. ليس هو إعلان من الله، طالما الإستنارة ذاتها ليست إعلان من الله. ببساطة في حالة الإستنارة يصير إنشاء للتعبيرات المعرفة والمفاهيم في الإنسان الآتية من تقليد التقوي (من مما يعرف عن إيمانه)، تعابير ومفاهيم سواء للعهد القديم أو العهد الجديد. يُستخدم أسماء مألوفة من الخبرة العامة حتى يدركها الجميع.
لكن في خبرة الرؤية والشركة التعابير والمفاهيم أُبطلت، عندما يُعلَّن الله ذاته بحسب آباء الكنيسة عندما يُعَلِم الإنسان تعليمًا لاهوتيًا، فإنه يفعل هذا علي أساس الخبرة التي إكتنزت فيه، علي أساس شهادة الروح القدس التي لديه في داخله، كذلك علي أساس خبرة المتألهين الذين في تقليد الكنيسة. في هذا التعليم اللاهوتي، طالما هو ذاته يُوجد في حالة الإستنارة، يستخدم كمرشد للمؤلهين. بمعني التعابير والمفاهيم التي إستخدمها المؤلهين الأحياء والمنتقلين وسلموها للكنيسة.
الآن هنا لدينا مفتاح أساسي للتقليد الآبائي:
المعلم اللاهوتي كموجود في حالة الإستنارة ويعلم علي أساس خبرة المؤلهين (العهد القديم والجديد ونصوص آباء الكنيسة)، يصلي أيضًا علي أساس هذة الخبرة . هكذا يُشرَّح لماذا مزامير داود هي صلاة الكنيسة الهامة. المزامير هي أساس الليتورجية للكنيسة الأرثوذكسية. بعد ذلك، لدينا تسابيح روحية، أناشيد،...الخ. والتي تحدّث عنها بولس الرسول.
كل هذا معًا هو أساس الحياة الليتورجية للكنيسة التي تهييء الإنسان، حتى يأتي في حالة الإستنارة، طالما جاهد وتنقي من شهواته. وعندما دخل في حالة إستنارة، يستخدم الإنسان هذه الطلبات والتسابيح والصلوات التي يسمعها في الكنيسة. بمعني الروح القدس يصلي في الإنسان في حالة الإستنارة بطلبات وصلوات للتقليد الليتورجي. وعندما يُوجد المرء في حالة الإستنارة هذه، عندئذٍ يُعلِم تعليمًا لاهوتيًا. ليس ببساطة علي أساس خبرته بل علي أساس خبرته الشخصية التي يشهد لها الروح القدس ذاته.
إذن الآن علي أساس هذا اليقين يدرس كتابات المُلهَمين بالروح التي هي العهد القديم والجديد، ونصوص الآباء ومجامع الكنيسة، وسير وأقوال القديسين، ونصوص الكنيسة الليتورجية وعندئذٍ يمكنه أيضًا أن يفسر تفسيرًا صحيحًا. ولو لديه هو ذاته خبرة التأله، عندئذٍ يستطيع ليس فقط أن يفسر تفسيرًا صحيحًا بل يعلم تعليمًا لاهوتيًا صحيحًا حينذاك ويصير من معلمي الكنيسة.
بناء علي ذلك يوجد إختلاف أساسي بين ذاك الذي قد وصل إلي الشركة والرؤية وذاك الذي هو في حالة الإستنارة ، حتى لو لديه هذا الإنسان مذاق صغير من خبرة الرؤية. إذن اللاهوت يُعَلِم والذين هم في حالة الإستنارة هم معلمون. اللاهوتي بمعني الكلمة سيصير، عندما يصل إلي حالة الرؤية ويري المسيح في مجده، حينذاك يعلن له كل الحق، علي قدر ما يستطيع الإنسان أن يعرف في هذه الحياة. لأن المسيح هو الحق.
إذن إلي أن يصير فى حالة شركة، هو مجرد طالب لاهوت. شهادة اللاهوت هي الشركة والرؤية. بالطبع اليوم خريجي اللاهوت هم الذين يأخذون شهادة من كلية اللاهوت. هؤلاء يُدعَّون لاهوتيين لكن ليس لديهم أي علاقة مع الذين اختبروا الشركة وفق التقليد الآبائي. ومن جهة مَنْ هو اللاهوتي بالحق، لو أحد إستخدم معايير بولس الرسول وكذلك معايير آباء الكنيسة علي سبيل المثال القديس سمعان اللاهوتي الجديد، عندئذٍ سوف يري أن اليوم، التعليم اللاهوتى الأرثوكسي الحديث الذي هو متأثر باللاهوت الروسي، ليس هو التعليم الآبائي بل تشوية للتعليم اللاهوتى الآبائي، لأنه كُتب بواسطة الناس الذين ليس لديهم الأسس الروحية التي سبق أن تكلمنا عنها. إذن لو إستخدم المرء فقط معايير عملية صارمة، يستطيع أن يكتسب موضوعية ما في بحثة ونتائجه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق