الأربعاء، 8 يونيو 2011

إستخدام الرمزية او المجازية  Αλληγορια
الاب جون بريك – ترجمة د. جورج عوض
أغلب دارسي الكتاب المقدس اليوم يعتبرون الرمزية أقل من المفيد. فى الواقع سوف يحكمون عليها بكونها خيالية ، وأنها طريقة خطيرة لتفسير النصوص الخاصة بالكتاب المقدس . إنهم يفهمون "الرمزية" على أساس كاتبى قاموس ويبستير : "التعبير بواسطة عناصر وأنشطة خيالية رمزية عن حقائق او عن الخبرة البشرية " . على سبيل المثال أشعار هوميروس ، يجب ان تُفسر رمزياً ، طالما نعتبر الشخوص والأحداث ، مثل الرموز أو إستعارات بسيطة تتعلق بأعمال مختلفة وخبرات نحن نعرفها ، مثل أوديستنا خلال عواصف الحياة اليومية أو قيم الشجاعة والبطولة .
الرمزية قد تطورت على يد آباء الكنيسة الأولين الذين أخذوا نهج الكُتّاب اليهود خاصةً فيلون اليهودى الهللينى الأسكندري . بكلمة واحدة ، الرمزية فى التفسير تشرع فى ان تستشف او تُمَيز فى أحداث وشخصيات وطقوس العهد القديم إشارات خفية لوقائع مماثلة فى العهد الجديد قد حققت هذة الصور السابقة . وبينما كان الآباء يشددون على مواضيع مختلفة متعلقة بالقيمة التاريخية ، إلا أنهم كانوا يميلون إلى ما هو أبعد من الأهمية التاريخية البحتة من أجل إكتشاف أعلى وأسمى ، أو يميلون إلى أن الله نفسه يعمل من خلال الروح القدس ، ويرغب فى ان ينقل هذا العمل [ ولو قلت لنفسك ان هذا هو التفسير التيبولوجى τυπολογια وليس الرمزي فمن الضروري ان ندرك ان التيبولوجية هى فى الواقع عنصر او وظيفة كبيرة للعملية الرمزية ] . اليوم ، معظم دارسي الكتاب المقدس يرفضون نهج الرمزية على أنه نهج تعسفي . وأشاروا إلى أمثلة من كتابات الآباء القديمة ، حيث مفهوم النص الكتابي هو مشوة بسبب الرمزية، عادةً على حساب إستخراج بعض الدروس التى ينبغى تطبيقها فى الحياة المسيحية الأخلاقية . على سبيل المثال ، الصليب والقيامة أُعتبرا من البعض ليس كوسيلة لتحقيق فدائنا من الخطية والموت ، ولكن بوصفهما صورة من الصراع أو النضال بين النفس البشرية أو القلب الانساني وبين النفوذ الشيطاني . بدون شك ، هذا النهج فى كثير من الأحيان أدى إلى رمزية بها تشوهات ومبالغات صريحة . ومع ذلك ، من الجدير ان نتذكر ان يسوع ذاته قد إستخدم فى بعض الاحيان الرمزية لكى يركز على شيىء هام ( على سبيل المثال " آية يونان " كصورة لدفنه وقيامته ، والأمثلة التي كان يسردها أثناء حديثة ) ، وتقريباً كل مفسر وواعظ للإنجيل يفعل نفس الأمر ، سواء قد إعترف أم لا بالرمزية . كل مرة نحاول ان ننقل نص كتابي ليصير رسالة لإنسان اليوم – لكى يسمع ان الله يتحدث إلية من خلال النص – نلجأ إلى الرمزية بدرجةٍ ما . ومثال من التقليد الآبائي ، تم إختيارة عشوائياً ، يوضح هذة النقطة ويظهر مدى فائدة الرمزية فى مساهمتنا للتبشير وتعليم الكتب المقدسة ، بطرس اللاهوتي من دمشق ( القرن الثانى عشر ) جمّع أعمال موجودة فى الكتابات الروحية المعروفة بإسم الفيلوكاليا " فى المرحلة الرابعة من التأملات " [ مجلد 3 ، 1984] وقال انه يقتبس كلمات يسوع من لو17:21 والتى تتحدث عن وجود الملكوت . النسخة المنقحة تترجم الآية على النحو التالى : " ها ملكوت الله فى وسطكم أو بينكم " تعبير فى الوسطin the midst أو " بينكم " among you في اليونانية εντος . إعتمادا على السياق ، أياً كان ، هذة الكلمة يمكن أن تعنى إما " بين " أو " داخل " . أغلب المفسرين اليوم لاحظوا أنه من بداية خدمة يسوع تحدث عن ملكوت الله بأنه " إقترب " وحاضر فى شخصة . حيث هو نطاق الملكوت . فالله كائن ويعمل من خلال شخص إبنه ، مع أو بين أتباع يسوع . لذلك تٌترجم εντος بأنها " بينكم " أو " فى وسطكم " .
هذا يمكن فى الواقع ان يكون المفهوم الحرفى لمعنى الكلمة فى النص : أراد القديس لوقا التأكيد ( بالرغم من ان كلمة εντος فى اليونانية بمعنى : داخل ) على ان ملكوت الله قد أشرق بالفعل ، وأولئك الذين يتبعونه يمكنهم ان يدركوا الملكوت المنتظر فى شخصة ، وبالتالى معنى كلمة εντος هى " فى وسطكم " . على أى حال التركيز الأساسي للقديس لوقا فى هذا النص هو على يسوع والملكوت .
على الجانب الآخر ، القديس بطرس الدمشقي شرع فى ان يستقي من هذا النص معنى روحي آخر ( ونستطيع ان نقول معنى أكثر وجودية ) لقرائة . هو ومعظم آباء الكنيسة ، الذين فسروا كلمة εντος بمعنى " داخلكم " ، ارادوا التأكيد على أن حضور الله وقوته يتحققا فى إطار الحياة الداخلية للمؤمن ، ليقود المؤمن إلى القداسة والخلاص . يسأل : " ماذا يمكن ان يكون الأبسط من اعطاء كوب من الماء البارد أو قطعة من الخبز أو الابتعاد عن الشهوات والافكار التافهة " ايضا ملكوت السموات هو الذى يُقدّم لكم من نعمة ذاك الذى قال : "ملكوت الله داخلكم " . لانه كما قال القديس بطرس الدمشقى " ملكوت الله ليس ببعيد وليس خارجنا ولكن فى داخلنا . ببساطة عليك ان تختار تخطى الشهوات وسوف تمتلكه فى داخلك لأنك تحيا وفق إرادة الله ......"
بطريقة نمطية لآباء الكنيسة ، عَبَرَ القديس بطرس من المفهوم " الاصلى " و" الحرفى " أو " التاريخى " للنص إلى مفهوم " روحى " أكثر إحساساً لنمو إيمان وقداسة شخص المؤمن . لكن هناك نوعان من المخاطر فى هذا المنهج : الأول : يوجد خطر حجب أو طمس الإطار الجماعى والكنسى الذى فية يُضع تعليم المسيح أثناء التشديد على أهمية النص لكل مسيحى . اثانى : والأهم ، إنتقال مركز الثقل من المفهوم الأصلى المُعطى لأقوال يسوع بواسطة الانجيلى ، ووضعه حصرياً على نمو المؤمن الاخلاقى والروحى . لكن مثل هذا التحول هو لا مناص منه عندما نحاول ان نستقى من النص رسالة لعصرنا . الكتاب ، للمرة الثانية ، ليس هو مجرد سِجِل تاريخى لحوادث حدثت فى الماضى . الكرازة به ( والاحتفال به ) ينشيء علاقة شخصية بيننا وبين كلمة الله ، وهذة الكلمة ليست إلا شخص يسوع المسيح . لكى نقرأ أو نكرز ونحتفل بكلمته ، إذن وهبنا الله وسائل بنعمة وقوة الروح التى يُحتفل بهما فى حضن الكنيسة ، تصير أقواله القديمة حياة وشهادة لليوم . كما هو الحال مع كل شيىء فى الارثوذكسية ، الاتزان – توازن عادل – أمر ضروري . وهذا بالحرى الصواب فى مجال تفسير الكتاب . نحن نبدأ بالشاهِد الموجود فى الانجيل ونبذل كل محاولة لنستشف او ندرك ، بدقة واخلاص ، المعنى الاصلى للشاهد . ومع ذلك نتجاوز المعنى الحرفى ، ونسمع ونتغذى بكلمة الله المُحىّ الذى يتحدث لنا اليوم من خلال نص الكتاب المقدس ، لتحقيق ليس فقط " بيننا " ولكن فى داخل أعماق وجودنا ، قوة حضور ملكوت السموات .
OCA – Reflections in Christ :February2004



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق