السبت، 11 مايو 2013

التفكير الإيجابي


التفكير الإيجابي

ΑΝΤΩΝΙΟΥ ΑΛΕΒΙΖΟΠΟΥΛΟΥ
ΔΡ. ΘΕΟΛΟΓΙΑΣ – ΔΡ. ΦΙΛΟΣΟΦΙΑΣ

http://www.egolpion.net/pateres_thetikhs_skepsis.el.aspx

ترجمة د.جورج عوض إبراهيم

 

ظهرت حركة " قوة التفكير الإيجابي" في القرن الماضي. نادى Ralph Naldo Emerson (1083-1882م) كيف أن الحقيقة الفريدة هي " العنصر الإلهي" الذي يُوجد في الإنسان، وإستخدم التنويم بهدف إيقاظ قدرات الإنسان الداخلية ووَعَدَ بأسلوبه أن يقود إلى ملء الوجود. أفكار مماثلة كرز بها أيضًا الصيدلي الفرنسي Emile Coue (1856-1926م).

أيضًا كأب للتفكير الإيجابي يُحسب جوزيف مورفي Joseph Murphy (+ 1981). المبشرون الأساسيون هم نورمان نينسيت Norman Nincent, Peale, O E. Freitag وكُتبهم تتداول اليوم في ملايين النُسخ.

الروشتة أو الوصفة

العقيدة الأساسية للتيار الجديد هو أن فكر الإنسان يتطابق مع العمل الذي يمكن أن يغير حياة الإنسان لدرجة أنه يصل إلى أن يخترق ويسود على اللاوعي ، عندئذٍ تُفعَّل القدرات غير المحدودة حيث تتحول الحالة السلبية إلى إيجابية، كل الأمور المؤسفة والسلبية في العالم وفي الإنسان تُواجه بالأفكار الإيجابية.

كما دوَّن R. Dahlke (Bio 4/ 1987, P. 68) وفق التفكيرالإيجابي، لو لم يشعر المرء أنه بحالة جيدة، يمكن أن يلجأ إلى التعبير الكلاسيك " من يوم إلى يوم أكون دائمًا في حالة أحسن" الأفكار الإيجابية التي تصير موضوع للتأمل الفردي أو الجماعي تخترق إلى اللاوعي وتنال من هناك قوتها. لكي تتحقق مثل هذه الحالات تُستخدم وسائل مساعدة للبلوغ ، مثل الموسيقي في حالة التنويم المغناطيسي حيث تعمل جيدًا، ويختم Dahlek عرضه ذاكرًا أفكارًا للتيار الجديد.

الوصفة أو الروشتة تنتمي إلى E. Coue الذي ينصح بالآتي: "كل حياتك، كل صباح، عندما تستيقظ ، كل مساء، عندما تذهب إلى السرير، أغلق عينيك وعِد آليًا عشرون عقدة من سبحة بدون أن توجه فكرك لشيء محدد وكرر هذا الأمر محركاً الشفاه بقوة لتسمع هذه الأقوال التي : " كل يوم أكون من كل الوجوه أفضل" (E. Coue, NNasich. Sacye, Basel HB 1980).

أضاف جوزيف مورفي على هذه الوصفة شواهد كتابية. وقَبِلَ فقط بقوة واحدة لا نهائية تُوجد في كل إنسان وتجعل إمكانية إتمام أي رغبة هي " الله الذي يُوجد في داخلنا"

J. Murphy, Die Kosmische dimension ihrer kraft Positives Denkenim einkiang mit den universum des geistes, München 1982, P.11. 27.                                   

لا يوجد في العالم شيء أقوى من هذه القوة " يمكن أن تتمم كل رغباتكم. هي الطبيعة الروحية وتوجد في داخلكم، هي الروح العالمية (الكونية) وواحد معه. ( J. Murphy, Die Gesetze des Denkens und Glaudens, Minchen 1983, P. 13)         

" قوة العقل الباطن الخاص بكم :the Power of your subconscious mind "، هذا هو عنوان كتاب ميرفي Murphy. هكذا الإنسان يصنع في عقله الباطن السعادة أم التعاسة" الله العقل الباطن الذي أعطاكم الرغبة سوف يُظهِر لكم أيضًا الطريق إلى تحقيقها... ثق في ذاتك! وفي قدراتك النائمة في داخلك.

(Murphy, Die Gesetze P. 108).

يستطيع الإنسان أن يُفعِل " الإله ـ داخله" بالفكر. إنه " الحكمة غير المحدودة" " كل مرة يفكر يستخدم القوة اللا نهائية ـ للخير أو للشر" قياسًا بفكره. يستدعي Murphy معلمه RolphNNaldo Emerson:  بقوله " الإنسان هو هذا الذي يفكر في قلبه" ( Murphy, Die Kosmische dimension, P. 1001)

" كل مرة حين يفكر الإنسان ، يُشكِل قوته الخلاقة.. الإنسان يخلق سماءه أو جحيمه قياسًا بالفكر ، والإيمان والإحساس. لديكم الحرية أن تختاروا الصحة أم المرض، الغنى أو الفقر"، الإنسان لديه " الحق الإلهي" أن يختار ويقرر أن يكون بصحةٍ جيدةٍ وسعيد وناجح في الحياة ولكي يزدهر يمكن أن يجعل الخير يسود على عالمه " بواسطة التفكير والإيمان" كل شيء يمكن أن يجعله حقيقة واقعة في حياته.   Murphy, Die Kosmische dimension, P. 105, 112))

القوة التي توجد داخلنا تعرف كل الإجراءات الشفائية وعندما ينشطها أي أحد يستطيع أن يصنع معجزات. هكذا مورفي يذكر نموذج لإمراة شَفّت اليد كما بأمر: " بواسطة القوة التي في داخلي أُحَرِك بحريةٍ يدي" ! لو أحد المرضى قاد فكره بوعي إلى قنوات تسر الآلهة ويشكل فكر عقله الباطن إلى قنوات تسر الآلهة ويُشَكِل هكذا إيجابيًا عقله الباطن يتحرر تمامًا... ومعجزة الشفاء تتحقق"  Murphy, Die Kosmische dimension, P. 67))

هذه النظرية قادت أتباع " الفكر الإيجابي" إلى تفائل لا حدود له. معلمون كثيرون يعملون اليوم " أعمال ذهبية تدر دخلاً " بائعين دورات ومؤتمرات خاصة لرجال أعمال واعدين إياهم بالنجاح في أعمالهم والفوز في نفس الوقت بملكوت الله . عالِم " التفكير الإيجابي" الأمريكي Albert Ellis أسس ما يُسمى Rational – Emotive therapie على أساس: " نحن نكون على ما نفكر" ، الشر أو الأفكار السلبيىة عن ذواتنا وعن حياتنا العاطفية تدمر وعينا الذاتي القيّم ويُنشئون مشاكل، وشدد على تعليم الناس أن يستخدموا في حل مشاكلهم عقلهم وأن لا يعتمدوا على القيم الأخلاقية للمجتمع.

(G. NNirsin was wir Denken, Psychologie Heute, PP. 29-32).                                                  

إن مورفي Murphy ورُسل " التفكير الإيجابي" الذين يروجون لوصفتهم في الغرب يستخدمون مصطلحات مسيحية مثل "الإيمان" و" الصلاة". لكن هذه المصطلحات تعلن عن حالات تأملية وتتطابق مع التفكير ومع مواقف ذهنية.

هل لديهم منهج عِلمي؟

يزعمون رُسل " التفكير الإيجابي" بأن منهجهم هو عِلمي ومتخصصيهم هم " مهره ومناسبون لهذا العمل" (J. Murphy, Die Macht Ihres unterbewusstseins, Genf 1981).         يجب أن تقول أن نشاط أو فاعلية " التفكير الإيجابي" تستلزم الإيمان به وفي " إيجابيات النشاط. لكن كما يقول Bernhard Flossdorf في مجلة Psychologie Heute لا يمكن أن يفحص أحد الإيمان إختباريًا وتشخيصيًا (PHII, 1988, P. 65)

لو شرع أحد في تفسير هذه المسألة إختياريًا سيكون مضاد للمهنة الطبية، لأنه كما يشدد Tomies، قائلاً: مثل هذا الشيء يعني كأن يترك المرء المضي بلا مساعدات حارمًا إياهم من أي مساعدة طبية معترف بها ويقدم لهم كمسكن وحيد " التفكير الإيجابي" (Sven Tonies, PHII, 1988, PP. 22-28).                        

بحسب Tonies، مسألة إلى أي مدى الأفكار السلبية المستمرة تقود إلى حالات جسدية ونفسية غير طبيعية هي مفتوحة، وكذلك مسألة أن هذه الأفكار هي تعبير لإضراب في الصحة، لهو أمر غير مؤكد.

" بحسب ملاحظاتي، يقول تونيس Tonies، التفكير الإيجابي والسلبي هما مستقلين الواحد عن الآخر ولا يتأثر الواحد بالآخر مهما تحدثنا لأنفسنا بطريقة مفرحة، هذا لا يؤثر على قياس الأفكار التعيسة التي نفكر بها عن ذواتنا ولا يحدث العكس. المشاعر الإيجابية والسلبية هما مستقلان الواحد عن الآخر"!

يستدعى تونيس Tonies بحث الأمريكية  Barbie Cassleth الذي أُجريَّ على 359 مريض بالسرطان وأثبت هذا البحث أن حالتهم النفسية ليس لها أي تأثير على زمن الموت ولا على تكرار ظهور المرض (الإنتكاسية).

لا يرفض تونيس التأثير الإيجابي لحالة المريض النفسية كشيء يُضاف للعملية العلاجية، ربما تعمل هذه الحالة عملاً مساعدًا. لكن ما يُدعى " إجعل صحتك أحسن" هو فقط شيء لحظي كما يحدث مع الإيحاء . لقد عمل تونيس تجارب مع مجموعة مختلفة تمارس " الفكر الإيجابي" وآخرين في حالة التأمل والإيحاء الذاتي ، وكانت النتائج  هي نفسها التي إستنتجها من المجموعتين.

إن منهج " شفائيين" " التفكير الإيجابي" يستند على الإيحاء الذاتي. طور E. Coue منهج خاص للتنويم لكي يساعد " التفكير الإيجابي". أي نوع مبرمج من التفكير. لقد بنى مورفي فوق منهج Coue وإستثمره بكلمات شفائية. إستخدام الإيحاء الذاتي يستلزم إعتقادات أنثروبولوجية لمجموعات " التفكير الإيجابي"، بأنه في داخل الإنسان توجد قدرات " شفاء ذاتي" والتي يجب على المرء أن يفعلها بالإيحاء، بالتكرار المستمر للتعبيرات " الإيجابية" تحت حالات تنومية أو نصف تنومية. مثل هذه التعبيرات الإيحائية هي: " يوم مع يوم أصير أحسن"، " أنا كامل وكمال الإنسجام يمر في جسدي"..الخ.

تأثير الإيحاءات على المستوى النفسي الجسدي يصير مقبول، حيث كثير من الشذوذ الجسدي هو نتيجة التأثير النفسي. لأجل هذا، مرات كثيرة تُستخدم أدوية إفتراضية. لكن من الخطأ أن تقول إن كل الأمراض بسبب هذه العِلة وتُشفى بمثل هذه الأساليب. إن إغفال تناول الأدوية أو إحتقار الطبيب يمكن أن يجلب كوارث لا حصر لها. ضحية " التفكير الإيجابي" ينخدع من "الإيمان" المشعوذ بتصرفات خاطئة حيث يقود مرات كثيرة إلى إحباطات. هكذا عندما يتحدث مورفي أو أي رسول من رسل " التفكير الإيجابي" عن النتائج الإيجابية يقول نصف الحقيقة.

بعض المجموعات تستعرض كبراهين على النتائج الإيجابية لروشتة التفكير الإيجابي، إعترافات مرضى سابقين. لكن مثل هذه الشهادات ليست لها أي قيمة موضوعية.

كون أن أحد يمارس نقد لـ " الأسلوب" أو " المنهج" الذي ينتهجه رُسل " التفكير الإيجابي" أو يكون له موقف سلبي تجاهه، هذا يعني أن هذا الشخص ليس لديه "الشرط الأساسي" للنتائج الإيجابية، الثقة في قدرة " الروشتة" الموصوفة. وهذا يعني أيضًا أنه يمارس " التفكير الإيجابي" وأنه تحت سطوة الأفكار " السلبية"، الأمر الذي يقود بلا مفر إلى الحالات السلبية! لأجل هذا أي نقد أو شك يُعبر غير مسموح به. لذلك يشدد ثيوفان بوكا θεοφνη Μποκα على أنه غير مسموح بنقد منهج " التفكير الإيجابي"، ولا يجب أن يُشكك أحد في نتائجه أو يثق في " الظواهر" التي تخدع حتى لو رأى أحد من أحبائه يموت جراء مرض مخيف، يجب أن يثق في أنه في كامل صحته، وأنه بالفعل قد إستعاد  صحته حتى لو أنه خارجيًا يبدو غير ذلك . إن منهج ثيوفان النفسي الديناميكي - كما يؤكد هو نفسه - هو قادر على كل شيء.

كل الذين يستخدمون مصطلح " إيمان أو ثقة" بدلاً من مصطلح " التفكير" يصفون شواهد كتابية كثيرة تتحدث عن الإيمان والصلاة، وييشددوا على انه لا تستطيع أن تصلي لأجل شيء مرتين لأنه عندما تفعل هذا تُعلِن بهذه الطريقة أنك لا تؤمن بأنك نلته . وهذا هو التفكير السلبي(أو الإيمان السلبي) الذي يقود إلى الإخناق. لأجل هذا يوصون: لو أن أحد " قد صلى" و "طلب" أي شيء من " الله"، يجب بعد ذلك أن يعبر فقط على ثقته بأنه " نال" هذا الشيء و " يشكر"، ولا يكرر طلب هذا الشيء في " الصلاة"!

هكذا " التقنية" فيما يخص مسئولية المُعالج في حالة الإخفاق قد غُطت تمامًا. الإخفاق لا يُحسب على " المُعَالج" بل على الضحية ذاتها التي لم تُظِهر " ثقة أو إيمان". هذا الأسلوب يقود أُناس تُعساء كثيرين إلى اليأس. لماذا إذن يقود أُناس تُعساء كثيرين إلى اليأس. لماذا إذن لا نحسب سبب الإخفاق على المُعَالجِين ذاتهم، طالما أن تجريم ضحاياهم بمثابة أيضًا تفكير سلبي؟

وفق " الروشتة" ينبغي عليهم أن يفكروا " إيجابيًا"، بأن المرضى " يفكرون أيضًا بأكثر إيجابيًا"، " يُوجدوا جميعًا في إنسجام تام مع أجسادهم" و " كل يوم يصيرون أفضل"! . أيًا كان الأمر، حركة " التفكير الإيجابي" لا يمكن أن تُوصَف بأنها " منهج علمي". لأجل هذا عُلماء عِلم النفس والطب النفسي يرفضون هذا المنهج ويعتبرونه خطر على الصحة الجسدية وسلامة الناس الفكرية.

ليس لدى " رُسل التفكير الإيجابي" الشروط الهامة التي تجعلهم ينخرطون في مواضيع الصحة، ولا تتوفر لديهم الشروط القانونية التي تعزر ممارساتهم في مجال الصحة. لذلك بطرق متنوعة يبذلون جهودًا للإفلات من القانون ويمارسون عملهم في مجالات أخرى بها ثغرات قانونية يقول E. Freitag في كتابة   " أعرف قوتك الروحية" " لا تدع ذهنك يقنعك بأن ليس لديك تصريح أو أنك تحتاج إلى أن تدرس. إنه من السهل أن تطلب أحد وأن تبدأ معه شيء جديد تمامًا. الآخر لديه دبلومه، أنت لديك أموال أو فكرة. على سبيل المثال أحد معارفي لديه عيادة علاج طبيعي بدون أن يكون مُعَالِج عمليًا هذا ليس مشكلة تمامًا"! [ إقتباس منThomas Kirshcner, Positiv: NNenken. Kraftig zahien, PH II, 1988, P.35].

مسألة ثغرات القانون هي محسوسة جدًا هذه الأيام. لأجل هذا علماء نفس مشهورون وأطباء علم نفس وآخرون متخصصون ينبهوننا إلى الخطر ويطلبون سَن إجراءات قانونية لمواجهة التهديد الذي يأتي من مجموعات "التفكير الإيجابي".     

ينتهي تونيس Tonies في بحثه الذي ذكرناه (PH II/ 1988, PP. 22-28) إلى نتيجة بأن هؤلاء المدعون معالجون ينظمون مؤتمرات يعرضون فيها زيفًا حالات شفائية ليستغلوا لصالحهم إحتياج كثيرين من التعساء للمساعدة . ذكر هيرمان Hermann J. Elling في معهد « Rica – Institut Munster» قائلاً: " يوميًا أتقابل مع أُناس سقطوا في مصيدة مثل هذا العلاج النفسي. تعبيراتهم (عرضهم) هو تقريبًا واحد: بعد غسيل مُخ، يمتليء المرضى المعذبين (الزبائن) بالرجاء في أنهم من الآن فصاعدًا لن يكونوا إلا أفضل من قبل. لكن التفكير الإيجابي لا يحفظ هذا التحسن عكس ما يدعيه الذئاب الذين يرتدون ثياب الحملان عندئذٍ يصير من الواضح بعد أن حلّقوا في الأعالي على سُحب الأمنيات، يضربون رؤوسهم بغطاء الإنا الذي أرادوا به أن يغطي وعاء مشاكلهم. وعندما يصير كل هذا واضح بأن النتيجة ليست كما كانوا يأملون، يلقى المعالجون عليهم الذنب قائلين: لم تمارس ما قلناه بطريقة صحيحة. هذه الكارثة تدفع ذاك الذي يطلب مساعدة أعمق إلى مستنقع يحاول أن يخرج منه وهو يشد شعره. وبعد جلسات الشفاء هذه يسقط المريض سقوطًا مريعًا من أعلى سُحب الأمنيات لتصل حالته أسوء مما كانت عليه من قبل. هكذا ينبغي على المعالجين الحقيقيين أن يهتموا بهؤلاء الضحايا لكي يمتثلوا للشفاء حتما بعد سنين عديدة من العلاج" (H. I. Elling, ΠH2/ 1989, P. 65-66)

هذه الأمور كبرهان على أن " رُسل التفكير الإيجابي" الذين يزعمون أن منهجهم هو علمي، يرتكبون الخداع. هؤلاء المعالجون كما قالت مجلة Psychologie Heute (II/ 1999, P. 22) يستغلون وضع صحيح بأن الإنسان يمكن أن يُلهِم ذاته بالشجاعة ويستخدم أفكاره ضد الخوف والأحباط. والعلاج النفسي الحقيقي يعترف بدور " الحوار أو التأمل الداخلي". لكن أن يجعل أحد هذا الأمر مطلق ويفرض " التفكير الإيجابي" مثل " وصفة أو روشتة عامة" فهذا عمل إجرامي. يجب على الدولة أن تحمي مواطنيها من مثل هذه الإستغلالات حيث تضع حياتهم وإتزانهم النفسي في خطر.

 الرؤية المسيحية

يجب أن نشدد على أن " الوصفة أو الروشتة" الجديدة تستند على أفكار ضد تعليم المسيحية عن الله والعالم والإنسان. بحسب الإيمان المسيحي، الله هو ثالوث وشركة أشخاص ليس هو قوة غير مشخصنة تنتشر في كل مكان. على النقيض، وفق إعتقادات رُسل التيار الجديد، لا يوجد إله شخصي. الله عندهم هو " بداية أو أصل الحياة الكونية" أو مجرد " روح" منتشره في كل مكان. ويشددون على أن هذا هو الذي يذكره الكتاب المقدس، " الله، براخما، كلي الروح،.. الخ" ( J. Murphy, Die Kosmische Dimension, P. 102)

يقول مورفي Murphy: " الله يصير لكم هذا الذي تدركوه عن الله.. سواء تسمونه الثالوث القدوس أو الخالق، سواء الله ، أو براخما، أو العناية العظمى ، أو الحكمة غير المحدودة أو الحضور في كل مكان، أو صانع الكون أو الروح الإلهية، أو الكائن الأعلى، أو بداية أو أصل الحياة، أو الله الحي أو القدرة الخلاقة، لا يهم الأسماء" [1].

 " الله" الذي تكرز به حركة " التفكير الإيجابي" هو " إله آخر"، ليس هو إله الكتاب المقدس الذي قال: " أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ.لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي. لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا، وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلهَكَ إِلهٌ غَيُورٌ " (خر2:20ـ5). ليس هو ذاك ، الذي في شخص الإبن وكلمته وضح ، قائلاً : "  أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي" (يو6:14). لا يوجد أي شيء مشترك بين إله المسيحيين الشخصي وبين " الله داخلنا" . في       " التفكير الإيجابي" مكان الله يأخذه الإنسان ذاته ، إذ يقول مورفي Murphy، داخلنا توجد القوة الإلهية غير المحدودة. هذا يذكرنا بفكر ساكني السامرة عن سيمون الساحر: " هذا هو قوة الله العظيمة"! (أع10:8).

مؤمني " التفكير الإيجابي" يلتفون عشقًا حول ذواتهم ويعكسون المحبة الذاتية. يتحدث مورفي عن هذا الأمر " المحبة تجاه الذات" وتقول " تعني بالمفهوم الكتابي الصحيح (!)، أن نعرف الروح المُحي داخلنا، أن نكرمه ونمجده ونوقره ونكون مؤمنين له بدون حدود"[2].

هنا، قدرات الإنسان تصير مطلقة ويؤله الإنسان ذاته في هذا الإتجاه حيث يسيطر " التفكير الإيجابي" على المجموعات المسماه " العصر الجديد". آمال هذه الحركة عُبِّر عنها بواسطة جلوريا ستينليم Gloria Steinlem: " أتمنى في عام 2000م أن نربي أولادنا على الإيمان بقدرات الإنسان وليس بعد على الإيمان بالله"، على هذا الأمر تهدف كل العبادات النفسية التي تلتف حولها المجموعات التي تعرض روشتة " التفكير الإيجابي".

يشددون على أنه لكي يحقق أحد نتائج أفعاله، من الضروري أن يتبع التقنيات والأساليب التي يقدمونها في السناريوهات المختلفة[3].

يستخدم Murphy وكذلك جوزي سيلفا Jose Silva وآخرون شواهد من الكتاب المقدس ومصطلحات مسيحية. لكن هذا لا يبرر إعتقادات " التفكير الإيجابي" على أساس الإيمان المسيحي. حين يتحدث هؤلاء عن الإيمان يقصدون شيئًا ليس هو خارج الإنسان بل داخله ، فكره وحالته الذهنية. " الإيمان" يعني هنا التفكير الإيجابي، الإقتناع بقدرات ذواتنا غير المحدودة، بقدرات اللاوعي غير المحدود، التي تتطابق مع " الله" لا يوجد إختلاف بين الإيمان والتفكير هكذا يقول مورفي Murphy لذلك لا يحتاج الإنسان إلى الإيمان بقوة ما خارج ذاته. ببرمجة الإيمان أو الفكر يمكن أن يتغير كل شيء "هذا الذي تؤمنوا به يصير" (Die Gesetze, P.35).     " فكروا حسنًا، النتيجة تكون حسنة ، فكروا في السيء يتبعه سيء"[4].

هذا النوع من " الإيمان" هو نابع من موقف التفكير فقط والثقة في قوة اللاوعي. مثل هذا " الإيمان" يُسند بواسطة تقنيات المجموعات المختلفة التي تَعِد بصناعة الإنسان السوبر «υπερανθρωπος». 

 " الإيمان" له صلة بقدرات سرية توجد زيفًا في داخل الإنسان، القدرات التي يعد ساحر " التفكير الإيجابي" بأن تتفعل وبحسب رغبات الإنسان. هكذا هذا الإتجاه يرتبط بالمجموعات وطقوسها الساحرة .

حتى لو صار حديث عن يسوع المسيح أو إستخدام شواهد كتابية، لن يُحدد " الإيمان" محتوى المصطلح المسيحي. الإيمان المسيحي له صِلة بالله الذي هو شخص وليس قوة " كونية" غير مشخصنة لا يخص ذواتنا ولا يمثل قوة في حد ذاتها تعمل لأن الإنسان يؤمن بها. لو كانت هكذا، لن يكون هذا إيمان بالله بل بقوة تُوجه تجاه الله، بهدف إجباره على أن ينفذ ما يؤمن به الإنسان، إنه نوع من برمجة الله لكي ينسجم مع الإرادة البشرية!

يقولون إذا شُفيَّ الإنسان فلأنه صَدَقَ بأن الشفاء سوف يصير، القوة تُوجد في فكر الإنسان. عندئذٍ " الله" سيكون فقط وسيلة " مساعدة" لتعزيز الفكر أو كما قيل: " مخدر يُنَشِط قليلاً إيماننا، ولو أن الكل يعمل بناموس النجاح، عندئذٍ الله ليس له أي ضرورة ونعمته بلا معنى"!.

يقبل المسيحي الإيمان ليس كأنه نتيجة محاولاته بل كأنه عطية الله، مثل ثمرة الروح القدس. أيضًا يؤمن أن الفرح الحقيقي والسلام هما عطية الله، ليس من نتائج تقنيات تُقدَّم بمكافأة سامية للسيناريوهات المختلفة لحركات " التفكير الإيجابي".

غلاطية 22:5: " وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ ". كل مؤمن مسيحي لا يثق في ذاته، في     " قدرات" داخله، بل ينتظر معونة " من خارج". إيمانه يخص الله ، ليس الإيمان بالإيمان. هذا ما يؤكده الكتاب المقدس: " فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ :«لِيَكُنْ لَكُمْ إِيمَانٌ بِاللهِ" (مر22:11).

هذا الإيمان هو " مفتوح" للتقويم " من الخارج"، ليس " من الداخل" كما يكرز على سبيل المثال Jose Silva حيث يتحدث عن التقويم وبحث أتباعه أن يتأملوا كلمة " غير ساري المفعول، غير ساري المفعول" ! إيماننا ليس هو تأملي بل يتضمن حفظ وصايا الله بهذه الطريقة تنمو علاقة الطاعة بين الإنسان وموضوع الإيمان أي طاعة الإله الصالح. المسيحي يُحَث بأن يجاهد لأجل الإيمان الذي أُعطيَّ مرة واحدة للقديسين (يهوذا 3) ليس لأجل إيمان يتطابق مع رغبات شخصية. " إيمان" مجموعات " التفكير الإيجابي" هو نوع من الإيحاء الذاتي يؤمنوا بأن النتيجة لا تعتمد على إرادة إلهية ، بل على يقين " الإيمان"، على التوتر الذي  يُمارسه " التفكير الإيجابي".

بالنسبة للمسيحي، كل شيء يُوجَد في سيادة الله وذاك يقسم مواهبة وفق إراداته:

1كو28:12ـ30 : " فَوَضَعَ اللهُ أُنَاسًا فِي الْكَنِيسَةِ: أَوَّلاً رُسُلاً، ثَانِيًا أَنْبِيَاءَ، ثَالِثًا مُعَلِّمِينَ، ثُمَّ قُوَّاتٍ، وَبَعْدَ ذلِكَ مَوَاهِبَ شِفَاءٍ، أَعْوَانًا، تَدَابِيرَ، وَأَنْوَاعَ أَلْسِنَةٍ. أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ رُسُلٌ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ أَنْبِيَاءُ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ مُعَلِّمُونَ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ أَصْحَابُ قُوَّاتٍ؟ أَلَعَلَّ لِلْجَمِيعِ مَوَاهِبَ شِفَاءٍ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ يُتَرْجِمُونَ؟".

عب4:2 : " شَاهِدًا اللهُ مَعَهُمْ بِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ وَقُوَّاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ وَمَوَاهِبِ الرُّوحِ الْقُدُسِ، حَسَبَ إِرَادَتِهِ".

لكن التفكير الإيجابي أو " الإيمان" "كل شيء هو لكم أنتم الخالقون، يكفي أن تفكروا بطريقة خلاقة". هكذا سيادة الله سُلِمَت إلى قوة التفكير سواء إيجابي أو سلبي. " السيد" المطلق هو " التفكير" أو  " الإيمان" و " الله" يجب أن يعمل هذا الذي ننتظره منه، لأن كل ما نفكر فيه ونؤمن به يجب أن يتحقق بإجراءات آلية ذاتية، ليست الحاجة إلى علاقة محبة شخصية مع الله بكونه شخص.

يزعم مورفي Murphy بأن هذا الإيمان يمكن أن يُعزز بـ     " الصلاة". لكن أيضًا هنا يُستخدم المصطلح المسيحي بمحتوى آخر " صلوات" مورفي هي في الحقيقة " مناقشة مع ذواتنا" ، يقول مورفي: "مسيحيون، بوذيون، محمديون ويهود تُستجاب لصلواتهم بطريقة واحدة... فقط وفقط لأنهم روحيًا ونفسيًا لديهم قناعة بأن صلواتهم تُستجاب... أساسًا كون أن صلاة تُستجاب، ليس شيء آخر إلا أنها تمثل تحقيق لبعض رغبات القلب". وأيضًا يتحدث مورفي عن " الصلاة العِلمية" وبهذا المصطلح يقصد " العمل المنسجم للقدرات الروحية الواعية واللاوعية التي تُستخَّدم لتحقيق هدف معين بمعونة مناهج عملية آمنة"[5]. لو أحد صلي بطريقة صحيحة، عندئذٍ يُوضع ناموس كوني للعمل ويجلب نتائج، لا يمكن أن تصير شيء آخرًا ! هذا الفكر يسود أيضًا على مجموعات خمسينية أمريكية حيث يتبعون حركة تُدعَّي " الإعتراف الإيجابي".   

هكذا يقول شارليس كابس Charles Capps زعيم هذه الحركة: " ليست مجرد نظرية بل واقع حقيقي. هنا نتحدث عن ناموس روحي. يعمل كل مرة بشرط أن نفكر بطريقة صحيحة فالمرء يصنع النواميس الروحية مباشرة في وضع الحركة، مجرد أن يعبر بكلمات... عندئذٍ كل ما يقوله سيحدث". القس يونجي شوي Yonggi Choe من الحركة ذاتها يؤكد هذا الأمر: " بالقول الذي نعبر عنه نخلق بمفردنا الظروف والعادات"[6].

هنا يدعون أن الله ذاته يخضع للنواميس الروحية. لكن هذا يمثل أساس لكل مشتغل على مسرح السحر وعمومًا في الشعوذة. ليست نعمة الله التي تفعل تلك النعمة التي تستلزم تواضع من جانب الإنسان المدعو أن يطلب رحمة الله. الله يمكن بحسب هذا الفكر أن يكون مجربًا بواسطة " النواميس".

هذا الذي يبقى بالنسبة للإنسان هو أن يكتشف " النواميس" ويطبق وسائل مناسبة لكي يفعلها. هذه هي النصيحة التي نصحتها الحية القديمة لحواء!

هذا مثال واضح روته جلوريا كوبيلاند Gloria Capeland من أتباع " الإعتراف الإيجابي". تتحدث عن تحقيق رغبتها في الحصول على بيت : " لقد لاحظت مع الوقت أن لدي توكيل عن هذا البيت وتوكيل عن الأموال التي أحتاجها أمرك أن تأتي إلىَّ... في إسم يسوع. انتم أرواح خادمة، أذهبوا وإحضروها ليَّ هنا. وطالما نتحدث عن الملائكة... لو أنتم صرتم صوت الله على الأرض، بأن تضعوا أقواله في الأفواه، عندئذٍ إرسل ملائكتك ليعملوا، إنهم مساعدين متدربين ومهرة، يعرفون جيدًا إنجاز ما يُطلب منهم"[7].  

أنُاس " الإعتراف الإيجابي" يقتبسون كثيرًا من الكتاب المقدس، يحثون المؤمنيين بأن يصلوا ويطلبوا من الله ويؤكدوا لهم بأن ما يطلبونه سوف ينالونه، لو لديهم إيمان، سوف ينالون كل ما يطلبونه في الصلاة. وبالطبع لا يترددوا في الإقتباس من الكتاب المقدس (مت7:7، 22).

لكن صلاة المسيحي لا تتوجه إلى اللاوعي الخاص به، لا تتطابق مع " الفكر"، تخص إسم وشخص يسوع المسيح، لأنه هو " الطريق" (يو6:14. مت24:16. 20:18). المسيح ليس هو فقط من داخلنا، ليس هو ذواتنا، يجب أن ندعوه لكي يأتي (رؤ20:3). الصلاة المسيحية تنتظر الكل من الله الذي لا يتطابق مع " قوة الوعي" بل لديه أقنوم شخص الله هو حر في أن يسمع صلواتنا أو لا يستجيب لها. نحن عندئذٍ يجب أن نقول: " لتكن مشيئتك" (مت10:6). الرب يُحبنا، لأجل ذلك لا يُرضي رغباتنا السخيفة التي أحيانًا نطلبها والتي إن حققها لنا سوف تقودنا إلى الدمار. نحن المسيحيون نعرف ما نطلبه في الصلاة ينبغي أن يكون وفق إرادة الله وليس وفق رغباتنا الخاصة وقتذاك فقط يستجيب الله ويتجاوب مع طلباتنا (يو14:5ـ15): " بَعْدَ ذلِكَ وَجَدَهُ يَسُوعُ فِي الْهَيْكَلِ وَقَالَ لَهُ:«هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ، فَلاَ تُخْطِئْ أَيْضًا، لِئَلاَّ يَكُونَ لَكَ أَشَرُّ». فَمَضَى الإِنْسَانُ وَأَخْبَرَ الْيَهُودَ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الَّذِي أَبْرَأَهُ".

ينطلق المسيحي دائمًا من المحبة تجاه الله وليس من ذاته. لأجل هذا أيضًا يترجى الله أن يعلمه كيف ينبغي أن يصلي وما الذي ينبغي أن يطلبه في صلاته. إذن الصلاة تخضع لتصحيح الله. يقول لنا الكتاب المقدس إن المؤمن يصلي مسترشدًا بواسطة الروح القدس، وليس بواسطة إراداته الشخصية. (رو15:8): " إِذْ لَمْ تَأْخُذُوا رُوحَ الْعُبُودِيَّةِ أَيْضًا لِلْخَوْفِ، بَلْ أَخَذْتُمْ رُوحَ التَّبَنِّي الَّذِي بِهِ نَصْرُخُ:«يَا أَبَا الآبُ».

يجب على المسيحي أيضًا أن يهيء قلبه نقيًا، يمكن فقط أن يتوجه إلى الله بالصلاة وننتظر رحمة الله: " وَأَمَّا مَنْ يَفْعَلُ الْحَقَّ فَيُقْبِلُ إِلَى النُّورِ، لِكَيْ تَظْهَرَ أَعْمَالُهُ أَنَّهَا بِاللهِ مَعْمُولَةٌ. وَبَعْدَ هذَا جَاءَ يَسُوعُ وَتَلاَمِيذُهُ إِلَى أَرْضِ الْيَهُودِيَّةِ، وَمَكَثَ مَعَهُمْ هُنَاكَ، وَكَانَ يُعَمِّدُ. وَكَانَ يُوحَنَّا أَيْضًا يُعَمِّدُ فِي عَيْنِ نُونٍ بِقُرْبِ سَالِيمَ، لأَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ مِيَاهٌ كَثِيرَةٌ، وَكَانُوا يَأْتُونَ وَيَعْتَمِدُونَ . لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُوحَنَّا قَدْ أُلْقِيَ بَعْدُ فِي السِّجْنِ" (يو21:3ـ24). محبتنا للمسيح تمثل شرط محبتنا لله الآب، وشرط لإستجابة صلواتنا التي تصير في اسم المسيح:  يو26:16ـ27: " فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَطْلُبُونَ بِاسْمِي. وَلَسْتُ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي أَنَا أَسْأَلُ الآبَ مِنْ أَجْلِكُمْ، لأَنَّ الآبَ نَفْسَهُ يُحِبُّكُمْ، لأَنَّكُمْ قَدْ أَحْبَبْتُمُونِي، وَآمَنْتُمْ أَنِّي مِنْ عِنْدِ اللهِ خَرَجْتُ".

إن رُسل " الوصفة ـ الروشتة" الجديدة يكرزون بأن " التفكير الإيجابي" يقود إلى رُقي أعظم وأن " الجانب الآخر" هو غير كافي، لأن الرفاهية لها عِلتها في " التفكير الإيجابي"، وفقط فيها. لكن هذا ليس هو رجاء المسيحيين الكتاب المقدس يشددعلى حقيقة الألم وضعف الصليب الذي يُقيَّم إيجابيًا وليس سلبيًا.

الكتاب المقدس لا يكرز بالسمو الذاتي بل بالإيمان في صليب الرب. كرازة الصليب ليست بالنسبة للمسيحي جهلاً بل فخرًا ونبع الخلاص، الصليب هو " قوة الله" (1كو 18:1، 22-23): " فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ، أَنَّ الْيَهُودَ يَسْأَلُونَ آيَةً، وَالْيُونَانِيِّينَ يَطْلُبُونَ حِكْمَةً، وَلكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِالْمَسِيحِ مَصْلُوبًا: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً!" (غلا6: 14): " وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ". السلام بالنسبة للمسيحي يُوسس على صليب المسيح، وليس على " أفكار إيجابية" :

أفسس14:2ـ16 : " وَيُصَالِحَ الاثْنَيْنِ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ مَعَ اللهِ بِالصَّلِيبِ، قَاتِلاً الْعَدَاوَةَ بِهِ. فَجَاءَ وَبَشَّرَكُمْ بِسَلاَمٍ، أَنْتُمُ الْبَعِيدِينَ وَالْقَرِيبِينَ"، لا يوجد خلاص من أي مكان آخر.

(أع 12:4) : " وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ»، (يو6:14): " قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي".

يعرف المؤمن بأنه ستأتي أيام صعبة ووقت " عصيان": (2تس 1:2ـ2): " ثُمَّ نَسْأَلُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَاجْتِمَاعِنَا إِلَيْهِ، أَنْ لاَ تَتَزَعْزَعُوا سَرِيعًا عَنْ ذِهْنِكُمْ، وَلاَ تَرْتَاعُوا، لاَ بِرُوحٍ وَلاَ بِكَلِمَةٍ وَلاَ بِرِسَالَةٍ كَأَنَّهَا مِنَّا: أَيْ أَنَّ يَوْمَ الْمَسِيحِ قَدْ حَضَرَ". ويجب أن يسهر ويستعد لأن كل الأمور ستأتي فجأةً: (لو34:21ـ35): " فَاحْتَرِزُوا لأَنْفُسِكُمْ لِئَلاَّ تَثْقُلَ قُلُوبُكُمْ فِي خُمَارٍ وَسُكْرٍ وَهُمُومِ الْحَيَاةِ، فَيُصَادِفَكُمْ ذلِكَ الْيَوْمُ بَغْتَةً. لأَنَّهُ كَالْفَخِّ يَأْتِي عَلَى جَمِيعِ الْجَالِسِينَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ".

لا تكفي " الأفكار الإيجابية". لم يحررنا المسيح تمامًا من الحزن والضيق، بل على النقيض، قال لنا أنه في العالم سيكون لنا ضيق لكن لا يجب أن نفقد ثقتنا وشجاعتنا، لأن ذاك قد إنتصر على العالم: (مت9:24، 21): " حِينَئِذٍ يُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى ضِيق وَيَقْتُلُونَكُمْ، وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنْ جَمِيعِ الأُمَمِ لأَجْلِ اسْمِي. أَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ ضِيقٌ عَظِيمٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْعَالَمِ إِلَى الآنَ وَلَنْ يَكُونَ"، (يو13:16) : " وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ"، مَنْ ينكر هذا الجانب من الحقيقة فهو معلم كاذب لو سارت الأمور على ما يرام، فمن السهل أن يصير المرء أحد أتباع " التفكير الإيجابي". لكن في أوقات الأزمة يأتي الوجه الآخر للحقيقة على السطح ويقود إلى عدم الأمان والإرتباك. المسيحي لديه فكر آخر عن السعادة والخلاص يطابق خلاصه بالسلام مع الله والبشر. لا يناله بأنانية لكن في تواصل مع الله وأخية في الإنسانية. لأجل هذا يمكن أن يفرح مع أولئك الذين يفرحون ويبكي مع أولئك الذين يبكون: (رو15:12): " فَرَحًا مَعَ الْفَرِحِينَ وَبُكَاءً مَعَ الْبَاكِينَ"، (1كو26:12): " فَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَتَأَلَّمُ مَعَهُ. وَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَفْرَحُ مَعَهُ".

يمكن أن نشكر الله لأن ظروف حياته هي مفرحة، وأيضًا يشكر الله على الصليب الذي دُعيَّ أن يرفعه في حياته، والأثنان يعنيان الخلاص، وليس واحد فقط: (1تس18:5): " اشْكُرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، لأَنَّ هذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ مِنْ جِهَتِكُمْ"، (أفسس20:5): " شَاكِرِينَ كُلَّ حِينٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فِي اسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، ِللهِ وَالآبِ". يجب على ذلك الذي يريد أن يتبع يسوع أولاً أن ينكر ذاته، ولو أراد أن يخلص نفسه، يجب أن يموت لأنه ما الإستفادة لو ربح كل العالم وخسر نفسه؟

(مت24:16ـ26): " حِينَئِذٍ قَالَ يَسُوعُ لِتَلاَمِيذِهِ:«إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي، فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا. لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ أَوْ مَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟". إننا نرى في حركة " التفكير الإيجابي" العكس. وهذا يبدو من مفهومهم عن الخطية.

الخطية بالنسبة للمؤمن تتطابق مع حكم الإنسان الذاتي لأجل هذا يحث الرسول بطرس: " فَتَوَاضَعُوا تَحْتَ يَدِ اللهِ الْقَوِيَّةِ لِكَيْ يَرْفَعَكُمْ فِي حِينِهِ" (1بط 6:5). الرب ذاته وضع ذاته " وأطاع حتى الموت" ويستنتج الرسول كيف يجب أن يوجد أيضًا لدينا نفس التصرف " فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا: الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ" (فيلبي5:2ـ8).

على النقيض، أتباع " التفكير الإيجابي" يحرصون على أن يكون لديهم إحساس بقيمتهم وأن يحصلوا على " معرفة" قدراتهم. " الخطية" الوحيدة بالنسبة إليهم هي الجهل بالنواميس التي تقدم هذه " القدرات" :

" الخطية تعني... أن تتجاوز مفهوم الحياة وتفقد طريق الصحة والسعادة البشرية والسلام الداخلي" هكذا يقول مورفي[8]. الخطية ليست تمرد الإنسان من محبة الله بل جهل " النواميس" التي تعمل بطريقة ذاتية. هذا يقود إلى المرض والتعاسة.

أن يكون أحد مريض، فقير، متضايق فهذا خطية. الهدف النهائي " للنظام الأخلاقي" هو اللذة. كل التعليم يهدف إلى إكتساب اللذة حيث اللذة تتطابق مع السعادة: " الأموال ليست هي شيء حسن بل شيء حسن جدًا"، " الفقر هو مرض فكري"[9].

مَنْ هو الفقير؟ هو الذي ليس لديه موقف فكري صحيح. الذي يفكر إيجابيًا، يُرضي كل رغباته كون أحد يريد أن " يصلب" ذاته، حتى عندما يخص هذا الأمر خلاص الآخرين، فهذا خطية، لأنه يفقد   " هدفه" الذي هو اللذة وليس الألم: " ان تفقد هدفك أو ان تصل إليه، فهذا خطية لا شيء أكثر أو أقل لأجل هذا إن لم يهدف إلى الرفاهية والسعادة والصحة والسلام النفسي والمحبة والنجاح فهذا خطية"[10].    " التفكير السلبي" هو الذي يجعل المرء خاطيء ويغوص في التعاسة. أليس هذا إنجبل مضاد لمِا بشر به المسيح؟ لم يكرز المسيح بمثل هذا الإنجيل ، على النقيض أتى لكي يطلب الإنسان الخاطيء، ذاك الذي يقبل خطئه ويقوده إلى التوبة. ليس إلى الخلاص الذاتي بل إلى الخلاص في المسيح: (لو32:5): " لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ". (1تيمو15:1): " صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُول: أَنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا".

الكتاب المقدس لا يعلم بأن الفضلاء سوف يتنعمون في هذه الحياة، بل على النقيض " جميع الذين يريدون أن يحيو بالتقوى في المسيح يسوع يُضطهدون". لأجل هذا يحث الرسول بولس تيموثاؤس، قائلاً: " وَجَمِيعُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعِيشُوا بِالتَّقْوَى فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ يُضْطَهَدُونَ. وَلكِنَّ النَّاسَ الأَشْرَارَ الْمُزَوِّرِينَ سَيَتَقَدَّمُونَ إِلَى أَرْدَأَ، مُضِلِّينَ وَمُضَلِّينَ. وَأَمَّا أَنْتَ فَاثْبُتْ عَلَى مَا تَعَلَّمْتَ وَأَيْقَنْتَ، عَارِفًا مِمَّنْ تَعَلَّمْتَ" (2تيمو12:3ـ14).

لا يهدف المسيحي إلى الخلاص الذاتي. على النقيض، بالنسبة لحركة " التفكير الإيجابي" الخلاص الذاتي هو الخوف الأسمى الذي يتحقق جراء تأقلم الإنسان للنواميس، التي تعمل بطريقةٍ عمياء.

إن مؤمني " التفكير الإيجابي" لا يهدفون إلى الخلاص في المسيح. ضالتهم لا تُوجد في إنسجام مع طبيعة الإنسان الحقيقية، التي بحسب الإيمان المسيحي هي شركة أشخاص وليس شركة كائن يتمركز حول ذاته لأن لديه إحساس بالإكتفاء الذاتي. لا توجد في إنسجام مع الله كما أُعلِنَ في الكتاب المقدس ولا مع خطة الله لأجل الإنسان. إنها " خلاص" آتٍ من اللاوعي لأجل هذا مقال Iothar Gassmann

الذي نُشرَ في مجلة Factum يحمل عنوان " الخلاص من اللاوعي"[11].

لا يستطيع أن يطلب مورفي أن يتوب أو يطلب غفران من الله ، بل فقط من ذاته " إذا غفرنا لذواتنا سوف يُغفر لنا " ثم يقول " الإدانة الذاتية جحيم، والتبرير الذاتي هو سلام السماء"[12].

مورفي وأتباعه الذين يؤمنون بمعتقداته يظلون بلا غفران وبعيدين عن الخلاص، لأن لا أحد من البشر يستطيع أن يخلص ذاته. والله لا يخلص أولئك الذين لا يرغبون في خلاص الله، لا يخلص أولئك الذين يرفعون إراداتهم فوق إرادة الله. أولئك الذين عن وعي يحتقرون خطة محبة الله ويستبدلونها بخطة " الخلاص الذاتي" بواسطة " المعرفة". الذي يستطيعون أن يحققوه بمعرفة منفصلة عن الله هي معرفة ذواتهم العارية، وليست معرفة الحق التي تحرر: (يو32:8): " وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ" هذه الحقيقة لا توجد في لا وعي الإنسان بل هي يسوع المسيح الذي قال: " قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي" (يو 6:14).

 

 

       



[1] Murphy, Die Gesetze, P. 67.
[2] J. Murphy, Die Kosmische Dimension, P. 45.
[3] D. Hunt – T. A. Mcmahon, Die Velfuhrung des Christentums, Factum 6/ 1987, P. 9.
[4] J. Murphy, Das I Ging orakel Ihres unterbevvusstseins, Genf 1980, P. 39.
[5] Murphy, Das I ging Orakel, P. 15.
[6] D. Hunt – T. A. Mcmahon, P. 7.
[7] Gloria Copeland, God`s will is prosperity, Harison House 1987, PP. 48-49.
[8] Die Gesetze, P. 45.
[9] Murphy, Davv I ging Orakel, PP. 123-124.
[10] Murphy, Energie aus dem kosmos, Genf 1977, P. 87.
[11] Factum 6/ 1984, PP. 18-28.
[12] I. Gassmann, Factum 6/ 1984, P. 20

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق