التجلي وحضور المسيح من جديد د. جورج عوض إبراهيم1. تجلي الرب وتجلي العالم:
أن التجلي والقيامة والصعود - كما يقول استاذ العهد الجديد ج. باترونس - هي حوادث أساسية في مسيرة التاريخ المقدس للعهد القديم والجديد، وتساهم هذه الحوادث في تكميل معرفتنا بشخص يسوع المسيح. وبالرغم من أن هذه الحوادث تخص حياة يسوع الشخصية إلا أنها لها أهمية خلاصية وكنسية شاملة أي في علاقتهم بالإنسان والعالم. أن تجلي الرب ( متى 17: 1 - 9 ). هو أحد هذه الحوادث التي ذكرنها، وهو حدث تاريخي بشهادة الأناجيل. لكن هناك سؤال يفرض نفسه: لماذا حقق المسيح هذا الحدث أمام أعين التلاميذ وفي هذا الزمن المحدد؟ لقد تحدث المسيح قبل هذا الحدث بقليل عن المسيا، وأهمية مجيئه وشكل ملكوته. لكن هذه الأمور كانت بالنسبة للتلاميذ غير معروفة وتبدو لهم أنها متناقضة مع الوضع الراهن. فالتلاميذ كانوا ينتظرون المسيا كملك عالمي الذي سوف يأتي بقوة ومجد لكي يحررهم من سيطرة الرومان ويقُيم العصر الذهبي لمملكة داود. لكن الإنباء عن الآلام قد جعلهم يتأثرون وكانوا في حالة ضعف وحيرة ومأزق بالنسبة لفهم وتفسير كل ما هو متعلق بالمسيا. هكذا التجلي قد أتي في اللحظة المناسبة والحاسمة، أتي كإجابة علي مأساتها الدرامية وتعضيد لإيمانهم الذي تعرض للإختبار والزعزعة بسبب ما سمعوه عن آلام المسيح. القيامة هي المجد الفائق وتستلزم العبور من الألم إلي الموت.
أن موت المسيح ليس هو أمر قدري وضعف بل هو قرار وأختيار شخصي. التجلي قبل الألم يظهر قدرة المسيح هذه علي أجتياز الفساد والموت وتحقيق النصر والمجد. التجلي بدأ في كشف السر الذي أخفاه المسيح في حياته، إذ أظهر شخصه الحقيقي.
أن حدث التجلي هو حدث تاريخي يذكرونه الثلاثة أناجيل الأولي والرسل بطرس( أنظر2بط 1: 18 ).والتقليد الكنسي من القرن الرابع يخبرنا بأن التجلي حدث على جبل طابور (أنظر كيرلس الأورشليمي 12 : 16 ). هذا الجبل يوجد بالقرب من الناصرة، ويمكن أن يوُصف كجبل عالٍ. إنة من الممكن أن يصل المرء بسرعة إلي القمة لكي يختلي ويصلي كما ذكر لوقا الإنجيلي.
لقد صعد المسيح الي الجبل لكي يصلي وأخذ معه ثلاثة من تلاميذه المقربين إلية بطرس ويعقوب ويوحنا. هناك ظهرا إثنين من الأنبياء: موسي وإيليا. هنا لدينا عنصرين:أ- العنصر التعبدي واللتيورجي المتمثل في الصلاة.
ب- العنصر الإعلاني بظهور موسي وإيليا.
فكل تجلي يوُجد في مركز العبادة له بلا شك – أهمية إعلانية – إن موسي يمثل الناموس و إيليا الأنبياء وهما يشيران إلي المسيا المنتظر. وكونهما ظهرا ساعة التجلي فهذا يبرهن علي إن المسيح هو المسيا المنتظر. لقد تحدث يسوع مرات كثيرة عن هويته الماسيانية. والقديس بطرس عندما سُئل عن ماذا يقول الناس عن المسيح؟ نقل أنطباع العالم بأنة موسي أو إيليا. الإعتقاد بأن إيليا سيسبق مجيء المسيا تقليد طويل في العهد القديم واليهودية ويشدد النبي ملاخي (1: 15). علي أن إيليا سيظهر مرة ثانية في نهاية الزمن لكي يجهز المسيا. من هنا أتي الإعتقاد بأن ظهور إيليا مرة ثانية سيكون في المجيء الثاني. إن المسيح لم يرفض هذا التقليد بل شدد علي أنة بالرغم من إن إيليا آتي فان العالم لم يؤمن أخيراً بمجيء المسيا. والحضور الإعلاني هكذا لكل من موسي وإيليا برهنا علي أن المسيح هو المسيا . لذلك كثيرون إعتقدوا أن يوحنا المعمدان كإيليا لأنهم يعتبرونه أنة هو السابق للرب. بهذا المفهوم فإن التجلي قد لعب دوراً جوهرياً في فهم الهوية الماسيانية للمسيح قبل آلام وقيامته
لقد ظهر المسيح في التجلي علي أنة يحقق ( يتمم ) نبوات الكتب ( لو 24: 44 )والأنبياء عن المسيا: عبد يهوه أبن الإنسان. الخيمة تذكرنا بالظهورات التي كانت لموسي علي جبل سيناء ولإيليا علي جبل حوريب. الآن نفس الأمر يحدث علي جبل طابور بشهود قدامي وجدد هم يمثلون إسرائيل. المجد الذي رأوه التلاميذ أنشأ خوفاً فكل ثيوفانيا وظهور لمجد الله يخلق " خوف" لذلك أتي التحذير من الرب " لا تخافوا ".
الخيمة تستحوذ علي الأعجاب والحماس وبطرس يعبر عن فرحته بحماس، علي العموم مجد التجلي لن يكون مجد اليوم الأخير. فاللمعان يُحق فقط في الملابس ووجه المسيح. الصوت يؤكد بأن المسيح هو الأبن المحبوب " هذا هو أبني الحبيب " هذه الصورة تشير إلي سناء الجديدة والمسيح كموسي الجديد سوف يقدم نعمة ورحمة متجددة إلي شعب الله. فالسحابة هنا لم تعطي فقط المسيح والزائرون السماويان بل والتلاميذ أيضاً. السحابة ترمز - مثلما في العهد القديم - إلي حضور الله. السماء والأرض يتِّوحدان ويقدسان العام كله.
يطلب المسيح من تلاميذه أن يخبروا أحداً بالحدُ حتى يقوم ابن الإنسان من الأموات. هذه الوصية سببت سوء فهم من جانب التلاميذ. فالتلاميذ – مثل كل اليهود – آمنوا بقيامة جسدية للأموات لكن في النهاية الأزمنة. المسيح هنا يتحدث عن قيامته الخاصة وفي فترة زمنية سريعة، وهذه القيامة تستلزم الموت. هنا ممكن الصعوبة لأنة كيف يكون من الممكن للمسيا وبعد حدث التجلي وظهور مجدة أن ينقاد إلي الموت؟ كل هذا بّدا لهم أنة متناقض وغير مفهوم. ومن الجانب الآخر فإن التجلي صنع توزناً في إعلان يسوع عن موته. لكن القيامة وإنسكاب الروح القدس سوف يعطيان إمكانية للفهم الصحيح.
إن حدث التجلي، مثل الحوادث ألآخري لحياة يسوع فهو من ضمن الحوادث التاريخية، الإيجابية نحو الإنسان والعالم. وعندئذٍ يبدو بوضوح الأول من إشتراك التلاميذ في مجد المسيح والثاني من حتمية نقل التجلي إلي عالم البشر .
الثلاثة تلاميذ وهم مأخذون من عظمة وبهاء التجلي يعبرون عن الشوق والرغبة ويطلبون عمل ثلاث مظال للإقامة الدائمة في جبل طابور. لكن المسيح لا يوافق علي ذلك ويشدد بأنة يجب أن ينزلوا أسفل وينقلون المعجزة إلي حياة البشر. وفي السهل، علي عكس الأمور التي حدثت فوق الجبل، فإن حياة البشر لها وضع مختلف في وادي البكاء. فهناك أب قد حمل ولده المريض ويترجي باقي التلاميذ لكي يشفونه لكن لم يحالفهم التوفيق للأسف. بالرغم من محاولاتهم فالشفاء لم يأتي والشيطان لم يخرج. إن غياب الرب قد أبعد إمكانية المعجزة. لذلك فور نزول المسيح مع تلاميذه من الجبل تحققت المعجزة والشيطان طُرد والولد المريض شُفي. المعجزة تتطلب إيماناً والإيمان علاقة مع الرب المتجلي وهي ثمار تجلينا مع الرب. إنها معايشة الدهر الجديد والعصر الإسخاتولوجي الجديد الذي أعلنه ودشنه تجلي المسيح.
إن المناقشة التي حدثت بعد ذلك بين المسيح وتلاميذه شيقة، كان دافع هذه المناقشة هو عدم الإيمان الذي سيطر علي الجميع وإحتياج الإيمان لتحقيق المعجزة.إن جنس الشياطين لا يخرج بالإيمان الضعيف ( القليل)، لكن يحتاج الإيمان قوي بالصلاة والصوم. الإيمان الذي يطلبه المسيح من أبى الولد والتلاميذ يُوجد في علاقة مباشرة مع الحياة الروحية. إنه معايشة تُولد في النسل والشركة مع الله. هكذا عدم تقديرنا للحياة النسكية والليتورجية يجعل إيماننا وخدمتنا في مجال الكنيسة معطل وغير فعال. 2. موت وقيامة الرب.علينا أن نري الحوادث ألآخري لحياة يسوع التاريخية مثلما رأينا حادثة التجلي. فالصليب والموت مع القيامة والصعود هم حوادث هامة في المرحلة النهائية لتاريخ الرب لتحقيق الخلاص. هناك أعتراف من جانب البحث التاريخي والكتابي بحقيقة حوادثه موت وصلب وقيامة يسوع المسيح. لقد فُسر موت المسيح علي الصليب علي أنة بمثابة ذبيحة لأجل خطايانا والرسول بولس يعطي تشديداً خاصاً علي الكرازة بذبيحة يسوع الفدائية. والرسول ليس هو الأول الذي كرز بذلك لأن الكرازة الرسولية في الكنيسة الأولي كانت تحتوي علي هذا التعليم، خاصة في أعمال الرسل القديس بطرس والشماس إسطفانوس. فالكنيسة مبكراً تربط موت المسيح بعيد يهوه المتألم المذكور في سفر أشعياء. بالنسبة لليهود كانت هناك صعوبة كبيرة في فهم الموت المهين والمأسوي للمسيا. إذ إنتظروه كقوي وممجد، فأن يموت المسيا ملعوناً كان عثرة لهم.
عند المسيحية غير مفهوم الإيمان بيسوع بأنة المسيا والرب بدون ذكر ذبيحة علي الصليب. كرازة بولس مثل أي كرازة رسولية تنتهي دائماً بشعار: نكرز بالمسيح مصلوباً. هذه الذبيحة تعبر عن محبة الله الفائقة نحو العالم. لأجل هذا السبب فإن الكنيسة ربطت بعد ذلك كل الأسرار بذبيحة أبن الله. إن أسرار مثل العماد والإفخارستيا تتعلق بموت الرب. إن موت أي إنسان هي نهاية لحياته أما موت المسيح لم يأت كنهاية مأساوية لمصير وحياة الإنسان. إن موت يسوع هو إختيار شخصي وقرار ذبيحة لخلاص العالم. إن الموضوع المحوري والهام كان موت يسوع المسيح علي الصليب لدي الكنيسة الأولي والقيامة أتت كخاتمة لكل هذه الحوادث والقيامة في الفكر الكتابي هو مختلف تماماً عن الفكر الهيليني عن الخلود ولا يجب أن يصير إمتزاج وخلط كما يحدث مع الكثيرين. وفق الفلسفة الهيلينية بأن نفس الإنسان، بسب أنها غير فاسدة من طبيعتها، بعد التحرر من قيود الجسد بالموت، تدخل في حالة الخلود. لكن لدي الكتاب المقدس، كل الكيان الإنساني يموت أو يقوم. هكذا فكرة القيامة كانت أساسية جداً عند الإيمان اليهودي. ونتقابل معها في العهد القديم وفي الإعتقادات اليهودية بعد ذلك. كل اليهود يقبلون قيامة الأبرار والأشرار ليُدانوا في الأزمنة الأخيرة، لكن فقط مجموعة هرطوقية هم " الصديقون " ينادون بأنة ليس قيامة للأموات. وهذا الإستثناء يظهر القانون والقاعدة الأساسية لهذا الإيمان ( القيامة ).
بناء علي ذلك، لا يوجد أي صعوبة في قبول فكرة الإيمان بقيامة الأموات. الصعوبة توج في قبول قيامة شخص معين كان معاصراً لهم. إذ تأهب الرسل لكي يكرزوا ليس بفكرة قيامة عامة لكن بقيامة يسوع الناصري، إنسان معاصر معروف و هم أنفسهم قد رفضوه وحكموا علية بالموت لعصيانه وتجديفه. هذه العظة أعتبرها اليهود إثارة وفتنة. فالإيمان بقيامة شخص عاصي، مجدف وهرطوقي ونبي كاذب بحسب رأيهم، شخص إدانة الزعماء الدينين والرؤساء والشيوخ بالموت كان حجر عثرة.
نفس الأمر حدث مع الحكماء اليونانيين، فعندما ذهب بولس وتحدث في أثينا عن الإيمان بالقيامة. ظنوا، في البداية، أن الكلام عن " فكرة" جديدة مختلفة عن " الخلود" وقبلوا بأن يسمعوه. لكن عندما بدا أنة لا يتحدث عن " فكرة " القيامة لكن عن حدث معين لشخص تاريخي معاصر قد أقامة الله من بين الأموات، عندئذٍ ظهر رد فعلهم و وصفوة بأنة كحامل " لشياطين جديدة ".
إن اللاهوت الغربي الحديث قد وجّه النيران ناحية إيمان القيامة وشرع في خلق إنطباع بأن مسألة القيامة هي نتيجة حماس زائد للتلاميذ وأتباع المسيح في ذلك العصر، لكن لو لم يكن قد حدث شيء خطير مؤثر ( القيامة) بالنسبة ليسوع المصلوب والمدفون، لكان غير مفهوم بالمرة أن التلاميذ يضعون مثل هذه " الفكرة " النظرية ويربطونها بشخص معين تاريخي وبعد ذلك يدافعون عن هذه الفكرة أمام المحاكم والرؤساء ويخاطرون بحياتهم. إذ إن موت المسيح قادهم إلي الفزع والرُعب، لذا اختفوا وخافوا من الخوف من اليهود.
علي الجانب الآخر، إنسان قدير وذكي مثل الرسول بولس لو لم يكن مقتنع بقيامة يسوع هل كان ممكن أن يشدد بهذا الوضع علي أنة إن لم يقم المسيح فباطل إيماننا، وأنة إذ لم يوجد قيامة أموات كنتيجة لقيمة الرب، عندئذٍ المؤمنون سيكونون أشقي جميع الناس؟
هل من الممكن أن يتحول إلي الإيمان الجديد إنسان غيور فريسى ولاهوتي قدير ويبني تعليم وإيمان فوق أسطورة أو كذب؟ علي العكس كان اليقين والخبرة الشخصية قادت في النهاية التلاميذ ليصيروا " شهود " حقيقيين مدافعين عن قيامة المسيح ويختمون شهادتهم هذه بموتهم الشخصي.
لم يكن لدي الرسل والكنيسة الأولي أي شك عن حقيقة القيامة، إذ في النصوص المقدسة تأكيدات مستمرة لظهورات الرب القائم. ولا يمكن أن نقول أن القيامة هي نتاج الإيمان بفكرة ما، لكن العكس القيامة ولدت وخلقت الإيمان. وفي مجال التعليم اللاهوتية فإن القيامة لا تعني "ولادة " لكن تأكد لماسيانيه المسيح أي " المسيا " المنتظر. بالتأكيد القيامة هي من ضمن العناصر الجوهرية والديناميكية في التعليم عن المسيح في العهد الجديد والإيمان الذي ينتج منها.
القيامة هي حدث تاريخي غير مشكوك فيه، لكن كيف فُهم هذا الحدث؟ إن من يذكر مجموعة حوادث مثل الزلزال، ضوء مبهر، ظهور ملائكة، ........... أمور تذكرنا بصورة متماثلة للظهورات في الكتاب المقدس. لدينا أيضاً أوصاف لظهورات القائم في إنجيل يوحنا تجاه شهوده إذ كان يتحدث أليهم هو نفسه ( راجع أع 2:3210: 4. 13 : 31 )، وبولس الرسول الأخير (1كو15 : 8 ) الشعب لم يكن مشارك في هذه الظهورات لأنة لم يقبل شخص المسيح. الشعب كان مشاهد للآلام والموت،خصوم يسوع صاروا شهود فقط لحدث القبر الفارغ. وبسب أن شهادتهم هذه كانت طوعياً صارت أيضاً ذات قيمة. لكن الأهم كان خبرة الظهورات، وهذه الظهورات لم تحدث علي المستوى الشخصي لكن في علاقة مع الجماعة. العنصر الكنسي للظهورات هو شديد وحاسم. وظهوره للأثيني عشر له أهمية عُظمي. ولا تعني ظهور مرة واحدة فقط لكن ظهورات مستمرة ومتكررة أربعين يوماً( أع 1 : 3 ، 13 : 31 )، حتي حدث الصعود . المسيح ظهر للاثني عشر ويعقوب وكل الرُسل وبولس في الآخر. أيضاً لدينا ظهورات لشخصيات معينة مثل مريم ومريم المجدلية ونساء أخريات وتلميذي عمواس، لكن كانت الظهورات دائماً في علاقة بالأثني عشر وجماعتهم الكنسية.
نري في هذه الظهورات التشديد علي هذه العناصر الهامة:أ- مبادرة الظهورات تنتمي إلي الرب القائم، وهكذا لا نستطيع أن نقبل أنها نتاج إيمان نفسي أو خيال ديني ( هوس ديني ). إن الظهورات هي خبرات أتت من حوادث تاريخية مستقلة عن إرادتهم وأختيارهم.
ب- ظهر المسيح بشكل آخر ومرات كثيرة كان من الصعب علي التلاميذ أو النساء أن يتعرفوا علية طالما أعتبروه بُستاني أو كغريب وفي النهاية إعترفوا به. في هذا " الإعتراف " أعلن التلاميذ هوية المسيح الذي من الناصرة، والذين عاشوا معه وتابعو عن قرب آلامه وموته. بالتأكيد إن القائم لا يخضع الآن إلي طريق ومحدودية الحياة، للزمن وللمكان. يظهر ويختفي بحسب إرادته لكن ليس " خيال " إن جسد القائم هو جسد حّي وحقيقي. يأكل ويتغذي مع التلاميذ ويخضع للجس وللمس لكن هو جسد روحي (1كو 15 : 44 ) وجسد متجلي في الروح ( رو1: 4 ).
ج – إن حضور المسيح من جديد مجد قيامة ليس حضور إستاتيكي ومحدود من قوانين طبيعية للزمن وللمكان. الآن هو موجود في كل مكان كرب وفادي. إن قيامة المسيح ليست رجوع مرة ثانية ألي الحياة الأرضية من عالم الأموات، لكن هو دخول إلي الحياة الحقيقية التي لا تخضع ولا تُهد من الموت. القيامة هي بالطبيعة حدث لا يوُصف لكن حُققت داخل الزمن، لها ملمح تاريخي وصارت موضع خبرة وشهادة التلاميذ والرسل. لقد شُدد أيضاً علي أنة يوجد اختلاف عظيم بين قيامة المسيح والقيامات ألآخري، مثل ابنة يايروس، ابن أرملة نايين ولعاذر. مع هؤلاء عودة إلي العالم الطبيعي وتكرار بالتالي لحتمية الموت. أما في حالة يسوع والتي هي فريدة من نوعها، لدينا قيامة إسخاتولوجية في المرحلة الأخيرة. هناك لدينا حيث، لعاذر بالفعل أربعة أيام في القبر وقد أنتن، أما هنا في حالة المسيح لم يكن لدينا جثة.
يجب أن لا نسقط في بعض المبالغات أثناء تفسير وفهم القيامة:
أ - إن قيامة المسيح ليست أسطورة وعلينا أن لا نتكلم عن الأوصاف اللغوية للظهورات علي أنها لغة أسطورية يجب التخلي عنها، فظهور المسيح ظهور تاريخي حقيقي. أيضاً لا يجب أن نشابة حضور المسيح بعد القيامة بحضور بطل ما أو شهيد يعيش في ذاكرتنا بل عن حضور حقيقي حّي.
ب – إن ظهورات المسيح ليست لها ملمح ذاتي ، فالمسيح لم يرجع بعد القيامة للتلاميذ رجوع لعاذر إلي أصدقائه وخاصته . بل قيامة المسيح لها ملمح فريد كنسي و إسخاتولوجي أيضاً. لذلك لا يجب أن نتحدث عن تفاصيل أوصاف الظهورات مثل التي عن الأكل وما شبة ذلك لأننا سننقاد بهذه الطريقة إلي تعاليم جدلية سفسطائية. فخبرات التلاميذ ليست خبرات ذاتية لكن لها أهمية عامة للكنيسة شهد بها الرسل أنفسهم.
ج – الرب القائم هو حاضر اليوم، ولا داعي أن نردد بأن التلاميذ كانوا " محظوظون " لأنهم رأوا الرب القائم إذ إن أساس الإيمان المسيحي: طوبي لمن آمنوا ولم يروا ( يو 20 : 29 ). فالرب القائم هو اليوم حاضر، ليس بواسطة شهادة الرسل لكن بالحري بواسطة الكنيسة حيث يصير " معروفاً " من المؤمنين بكسر الخبز(لو 24: 35 ) وبطريقة جوهرية وحقيقية.
3 – الصعود ومفهوم حضور الرب من جديد :إن لإيمان بالقبر الفارغ ويقين ظهورات القائم في الواقع التاريخي يجعلان حتمياً قبول عمل المسيح الأخير : صعوده إلي السموات كمفتاح لحضوره علي الأرض. إن الجسد القائم والمنتظر للرب: " أنظروا يدي ورجلي... جسوني..." الذي يعود إلي الأرض من الأموات، كان يجب أن يهجر ثانيةً أرضنا وعالمنا المحسوس إن فتره الظهورات صار لها نهاية. الذي له أهمية خاصة ويغلب علي فكر التلاميذ في إيمانهم ولرجائهم هو حدث المجيء الثاني من جديد والذي يعلنه صعود المسيح عندما نتحدث عن الصعود لا نقصد بالضبط مجرد بند قانون الإيمان الخاص بإعترفتنا بالصعود، لكن نقصد فهم جديد لحضور المسيح إلي في الكنيسة وفي التاريخ.
الكتاب المقدس يكرز بأن الله يسكن في السموات، مصطلح " سماء " بالتالي يعني رمزياً الله نفسه. والأرض التي هي موضع قدمي الله هي مسكن البشر. الله ينزل إلي الأرض ليزور البشر ويصعد ثانيً إلي السموات عائد إلي مكانة الأول. وفق هذا الفكر الكتابي بأن المسيح كإبن الله بعد نزولة علي الأرض يجب علي المسيح كإبن الله بعد نزولة علي الأرض أن يصعد ثانيً إلي السموات عائداً الي الآب. لذلك فالقيامة عند الكنيسة الأولي لها بالأكثر مفهوم صعود المسيح إلي مجد الله إستمرارية حضوره في الكنيسة جسده لكي يكمل عملة ألخلاصي.
هذا بالضبط لا يعني تهميش لحدث الصعود التاريخي، لكن الحاجة الي فهم صحيح بهذا الحدث. إذ بسبب التأكيد علي حضور الجديد للمسيح القائم في الكنيسة فإن كثيرون لم يعطوا ثقل كبير علي حدث الصعود. ونشأ لدي البعض الاعتقاد بأن الكنيسة الأولي لم تميز بين القيامة والصعود. ربما لأن إنجيل متى لم يذكر حدث الصعود والإنجيلي مرقص ذكره بطريقة عابرة ( 19 : 19 ). أما يوحنا فإنه ذكره في أنجيله علي أنة سيحدث في المستقبل. لكن لوقا فقط يؤرخ بطريقة موسعة الصعود في إنجيله ( 24 : 50- 53 ). وفي أعمال الرسل ( 1 : 2- 11 ).هذا الأهتمام الخاص من جانب القديس لوقا يجعلنا إعتباره لاهوتي الصعود.كان يجب أن يحدث الصعود بالقرب من أورشليم وعلي الأغلب علي جبل الزيتون بعد أربعين يوماً من القيامة وذلك بعد ظهوره لتوما. يبدو أن التلاميذ ذهبوا إلي الجليل حيث ظلوا تقريباً شهر. بغد ذلك راجعوا ثانيةً الي المدينة المقدسة من أجل حدث الصعود. والظهورات التي حدثت لأشخاص معينين كانت في الفترة البينية في الجليل، ويذكرها بولس بالأخص في ( 1كو 15 : 5 – 8 ). يسرد لوقا الإنجيلي حدث الصعود متجنباً أي إتجاه " للتفسير الممجد " للصعود، كما قلنا لكي يشدد علي تاريخية الحدث. المصطلحات التي يستخدمها هي حقيقية جداً كثل " وفيما هو يباركهم أنفرد عنهم وأصُعد إلي السماء " (لو 24 : 51. أع 1: 9 ). أعطي أيضاً تشديد علي الظواهر الطبيعية التاريخية مثل السحابة الموجودة والتي شخصوا إليها بعيونهم ( أع 1: 9 ). كل هذا يتجاوب مع التفسير السري" للحدث ، فالسحابة تعطي تشديد برمزيتها علي إلوهية المسيح والذي له أهمية عُظمي الكنيسة بعد القيامة .
إن المسيح لم يمُجد فقط بقيامته، إذ بالصعود وصل إلي قمة المجد، وفتح الطريق لتمجيد الإنسان[1]. هكذا ، بالقيامة والصعود بدأ بزوغ الدهر العتيد والإصلاح الإسخاتولوجي. بالصعود بدأ زمن إنتظار المجيء الثاني للمسيح. لذالك من الواضح أن من يرفض الصعود لا يقبل حضور الرب من جديد، يتوقف عند القيامة بمفهوم إسخاتولوجي تماماً أو علي الأفضل يكتفي بموت المسيح علي الصليب وقبره ودفنه كمرحلة أخيرة لتاريخ المسيح. لكن الزمن بين الصعود والمجيء الثاني يجب علينا التشديد علية، إنه زمن الكرازة والتبشير ونشاط الكنيسة لتجمع الأمم في رعية المسيح. أنة زمن العظة والخدمة الرعوية . أرسلت الكنيسة مع الرسل إلي العالم بعد الصعود لكي تحقق هي نفسها تاريخها وحياتها وتمارس بطريقة ديناميكية للعمل ألخلاصي داخل التاريخ، كإستمرارية لعمل المسيح. إن الصعود يحدد من الآن الحركة نحو الطريق السماوي[2]. وإتجاه الكنيسة نحو الملء اكتمال الأزمنة الأخروية. فالدهر العتيد بالفعل قد بدأ وظهور مجد الله إمتداد إلي الإنسان الآن هو الزمن للتوبة ورجوع الكل. وإن تأخر " زمن " المجيء الثاني وإكتمال الكل هذا يعني تأخر عمل التبشير. نحن الآن موجودين ( بعد الصعود ) في عصر الإيمان الديناميكي والإنتظار الشديد. فعلينا كلنا مع التلاميذ والرسل أن نكون مشدودون بالرجاء نحو الآتي ( أع 1 : 10 ). التبشير ورعاية شعب الله له عنصر مستقبلي أخروي شديد. فالمؤمنون يطلبون بأستمرار " ما هو فوق " إذ أنة لنا يقين بأن مدينتنا الكاملة توجد في السموات ( فليبي 3 : 20 ). الإحساس بالغربة وبأننا نزلاء، بدون أن يخلق فينا التوقف عن الإبداع في الحاضر، يمّد الإنسان بالرويء والإشتياقات للمستقبل الأخروي ويحفظه في يقظة مستمرة ونسكية دائمة.
إن مجيء النهاية والدينونه ، بعد الصعود، لا يُخيف الكنيسة ولا المؤمنين. علي العكس فالمؤمنين عشون برجاء المجيء وينظرون بشوق مجيء الرب يسوع لكن مجيء الرب يسوع هذا ( رؤ22 : 20 ). بعد الصعود يحتاج أيضاً إلي فهم صحيح، إذ لا يعني أبتعاد وغياب المسيح من التاريخ بالأكثر عن الكنيسة. أن لغة الكنيسة التسبيحية والليتروجية. ممكن أن تساعدنا نحو الاتجاه الصحيح.فالكنيسة والتعاليم اللاهوتي في اللغة والتعبيرات التسبحيه. والشعرية هما الطريق الأفضل لفهم حوادث التاريخ المقدس. بالنسبة للحدث التاريخي للصعود والذي هو مذكور في النصوص المقدسة، فالتسبيح يضعه في أبعاد الكنيسة ويربطه بحياة المؤمنين فالمسيح في عيد الصعود لا تقدمة الكنيسة منفصلاً عنا بلف تشدد علي بقاءه في الكنيسة وفي العالم. فالعنصر الغالب علي تعاليمها – بعد الصعود – هو حضور المسيح المستمر، إذ هو معنا كل الأيام والي أنقضاء الدهر. فالصعود – بالتالي – لا يعني غياب أو رحيل ، بل العكس، حضور فالمسيح بعد القيامة والصعود هو حاضر في الكنيسة وفي العالم بكل قوته وسلطانة ومجدة. بالنسبة لمسألة المجيء الثاني فإن المسيح لم يحدد النهاية أمام تلاميذه، ولم يكرز مثلما يظن البعض بنهاية قريبة علي شكل استاتيكي ساكن، وإلا لكن أتهم من خصومة بأنة يكرز بتجديد نهاية العالم أيضاً لو أن المسيح شرع في تحديد زمني للنهاية والتي لم تتحقق بالطبع، فالخصوم كانوا سوف يستخدمون هذا الأمر ويقدموه للناس علي أنة نبي كاذب. ولا تنسي إن ذلك العصر ( عصر المسيح ) كان يتصف بالعصر الرؤيوي إذ كان يوجد عدد كبير من الرؤيون الذين كانوا يتنباؤن بقرب النهاية والتحديد الزمني الدقيق لها. وتوجد كتابات رؤيويه كثيرة في هذه الفترة ( فترة ما بين العهدين )
عندما تحدث المسيح عن أن الوقت قد كمل (مر 1 : 15 ) فإن أهمامة كان ينصب نحو " ملء" الحاضر وليس علي إنتظار الآتي. فاللحظة الحاسمة، ساعة الدينونه، تُوجد في الحاضر وليس في المستقبل لأن هذه اللحظة تتعلق بشخصه. فعند المسيح ملكوت الله داخلنا ( لو 17 : 21 ) الشياطين توُضع خارجاً أما المؤمنون فيعشون في الواقع الجديد. يري المسيح أن الكل يتحقق في شخصه وحياته. يقول للص أثناء الصلب اليوم تكون معي في الفردوس الحوادث المستقبلية أو العقيدة تصير حاضر وهذا يعطي أنطباع بقرب النهاية. يسوع المسيح هو البداية والنهاية. فقيامته هي بداية الواقع الجديد. الكنيسة تحيا من الآن هذا الجديد النهاية هي دائماً قريبة وعلي الأبواب. الذي له أهمية خاصة لدي الكنيسة بعد الصعود هو رسالتها نحو العالم: تعليم الأمم " أذهبوا وتلمذوا جميع الأمم ".
هكذا قيامة المسيح جعلتنا قادرين أن نتوقع بيقين من جهة قيامة كل البشر. أن نهاية العالم بالمفهوم الأخروى هي دائماً قريبة. لكن ذاك الذي له أهمية أكثر في الحاضر ليس هو علي أي حال قرُب الحوادث العتيدة بقدر المسيرة التبشيرية للكنيسة ونحو العالم والأمم والعمل بكل قوة لحصر الأمم وكل قبيلة ولسان في رعية المسيح: " أذهبوا وتلمذوا جميع الأمم "
[1] [1] " لو لم تكن المنازل كثيرة في بيت الله الآب لكان يقل أنة يسبقهم ليعد مساكن القديسين، ولكنة إذ كان يعلم أنها كثيرة ومُعّدة لإستقبال الذين يحبون الله لذلك يقول أنة لن يمضي لهذه الغابة بل ليهيئ لهم الطريق إلي المنازل العلوية ويضمن لهم عبوراً أميناً ويمهد لهم الطريق الذي كان مغلقاً منذ الأيام القديمة. لأن السموات كانت مغلقة تماماً أمام الإنسان المائت ولم يجتاز جسد قط إلي محفل الملائكة الأطهار القديسين إذن فمن أجلنا نحن ظهر كإنسان أمام الآب لكي يرجعنا- نحن الذين صرنا مطروحين من وجه الآب بسبب المعصية الأولي – يرجعنا من جديد لنصير معاينين لوجه الله الآب " ( تفسير يو 16 : 17 ) [2] يقول القديس أثناسيوس : " لقد أفتتح لنا الرب من جديد الطريق الصاعد إلي السموات " كما قال : " أرفعوا أيها الرؤساء أبوابكم وارتفعي أيتها الأبواب الدهرية " ( مز 4:7 ). فلم يكن اللوغس نفسه هو المحتاج لأن نفتح له الأبواب إذ كان هو رب الكل ولم يكن شيْ من المصنوعات مغلقاً أمام خالقة ولكننا نحن الذين كلنا نحتاج إلي ذلك، نحن الذين كنا يحملنا في جسده الخاص فكما أنة قدم حسده للموت نيابة عن الجميع هكذا أيضاً بواستطة قد اعُد من جديد الطريق الصاعد إلي السموات " 0 تجسد الكلمة 25 : 6 )
أن التجلي والقيامة والصعود - كما يقول استاذ العهد الجديد ج. باترونس - هي حوادث أساسية في مسيرة التاريخ المقدس للعهد القديم والجديد، وتساهم هذه الحوادث في تكميل معرفتنا بشخص يسوع المسيح. وبالرغم من أن هذه الحوادث تخص حياة يسوع الشخصية إلا أنها لها أهمية خلاصية وكنسية شاملة أي في علاقتهم بالإنسان والعالم. أن تجلي الرب ( متى 17: 1 - 9 ). هو أحد هذه الحوادث التي ذكرنها، وهو حدث تاريخي بشهادة الأناجيل. لكن هناك سؤال يفرض نفسه: لماذا حقق المسيح هذا الحدث أمام أعين التلاميذ وفي هذا الزمن المحدد؟ لقد تحدث المسيح قبل هذا الحدث بقليل عن المسيا، وأهمية مجيئه وشكل ملكوته. لكن هذه الأمور كانت بالنسبة للتلاميذ غير معروفة وتبدو لهم أنها متناقضة مع الوضع الراهن. فالتلاميذ كانوا ينتظرون المسيا كملك عالمي الذي سوف يأتي بقوة ومجد لكي يحررهم من سيطرة الرومان ويقُيم العصر الذهبي لمملكة داود. لكن الإنباء عن الآلام قد جعلهم يتأثرون وكانوا في حالة ضعف وحيرة ومأزق بالنسبة لفهم وتفسير كل ما هو متعلق بالمسيا. هكذا التجلي قد أتي في اللحظة المناسبة والحاسمة، أتي كإجابة علي مأساتها الدرامية وتعضيد لإيمانهم الذي تعرض للإختبار والزعزعة بسبب ما سمعوه عن آلام المسيح. القيامة هي المجد الفائق وتستلزم العبور من الألم إلي الموت.
أن موت المسيح ليس هو أمر قدري وضعف بل هو قرار وأختيار شخصي. التجلي قبل الألم يظهر قدرة المسيح هذه علي أجتياز الفساد والموت وتحقيق النصر والمجد. التجلي بدأ في كشف السر الذي أخفاه المسيح في حياته، إذ أظهر شخصه الحقيقي.
أن حدث التجلي هو حدث تاريخي يذكرونه الثلاثة أناجيل الأولي والرسل بطرس( أنظر2بط 1: 18 ).والتقليد الكنسي من القرن الرابع يخبرنا بأن التجلي حدث على جبل طابور (أنظر كيرلس الأورشليمي 12 : 16 ). هذا الجبل يوجد بالقرب من الناصرة، ويمكن أن يوُصف كجبل عالٍ. إنة من الممكن أن يصل المرء بسرعة إلي القمة لكي يختلي ويصلي كما ذكر لوقا الإنجيلي.
لقد صعد المسيح الي الجبل لكي يصلي وأخذ معه ثلاثة من تلاميذه المقربين إلية بطرس ويعقوب ويوحنا. هناك ظهرا إثنين من الأنبياء: موسي وإيليا. هنا لدينا عنصرين:أ- العنصر التعبدي واللتيورجي المتمثل في الصلاة.
ب- العنصر الإعلاني بظهور موسي وإيليا.
فكل تجلي يوُجد في مركز العبادة له بلا شك – أهمية إعلانية – إن موسي يمثل الناموس و إيليا الأنبياء وهما يشيران إلي المسيا المنتظر. وكونهما ظهرا ساعة التجلي فهذا يبرهن علي إن المسيح هو المسيا المنتظر. لقد تحدث يسوع مرات كثيرة عن هويته الماسيانية. والقديس بطرس عندما سُئل عن ماذا يقول الناس عن المسيح؟ نقل أنطباع العالم بأنة موسي أو إيليا. الإعتقاد بأن إيليا سيسبق مجيء المسيا تقليد طويل في العهد القديم واليهودية ويشدد النبي ملاخي (1: 15). علي أن إيليا سيظهر مرة ثانية في نهاية الزمن لكي يجهز المسيا. من هنا أتي الإعتقاد بأن ظهور إيليا مرة ثانية سيكون في المجيء الثاني. إن المسيح لم يرفض هذا التقليد بل شدد علي أنة بالرغم من إن إيليا آتي فان العالم لم يؤمن أخيراً بمجيء المسيا. والحضور الإعلاني هكذا لكل من موسي وإيليا برهنا علي أن المسيح هو المسيا . لذلك كثيرون إعتقدوا أن يوحنا المعمدان كإيليا لأنهم يعتبرونه أنة هو السابق للرب. بهذا المفهوم فإن التجلي قد لعب دوراً جوهرياً في فهم الهوية الماسيانية للمسيح قبل آلام وقيامته
لقد ظهر المسيح في التجلي علي أنة يحقق ( يتمم ) نبوات الكتب ( لو 24: 44 )والأنبياء عن المسيا: عبد يهوه أبن الإنسان. الخيمة تذكرنا بالظهورات التي كانت لموسي علي جبل سيناء ولإيليا علي جبل حوريب. الآن نفس الأمر يحدث علي جبل طابور بشهود قدامي وجدد هم يمثلون إسرائيل. المجد الذي رأوه التلاميذ أنشأ خوفاً فكل ثيوفانيا وظهور لمجد الله يخلق " خوف" لذلك أتي التحذير من الرب " لا تخافوا ".
الخيمة تستحوذ علي الأعجاب والحماس وبطرس يعبر عن فرحته بحماس، علي العموم مجد التجلي لن يكون مجد اليوم الأخير. فاللمعان يُحق فقط في الملابس ووجه المسيح. الصوت يؤكد بأن المسيح هو الأبن المحبوب " هذا هو أبني الحبيب " هذه الصورة تشير إلي سناء الجديدة والمسيح كموسي الجديد سوف يقدم نعمة ورحمة متجددة إلي شعب الله. فالسحابة هنا لم تعطي فقط المسيح والزائرون السماويان بل والتلاميذ أيضاً. السحابة ترمز - مثلما في العهد القديم - إلي حضور الله. السماء والأرض يتِّوحدان ويقدسان العام كله.
يطلب المسيح من تلاميذه أن يخبروا أحداً بالحدُ حتى يقوم ابن الإنسان من الأموات. هذه الوصية سببت سوء فهم من جانب التلاميذ. فالتلاميذ – مثل كل اليهود – آمنوا بقيامة جسدية للأموات لكن في النهاية الأزمنة. المسيح هنا يتحدث عن قيامته الخاصة وفي فترة زمنية سريعة، وهذه القيامة تستلزم الموت. هنا ممكن الصعوبة لأنة كيف يكون من الممكن للمسيا وبعد حدث التجلي وظهور مجدة أن ينقاد إلي الموت؟ كل هذا بّدا لهم أنة متناقض وغير مفهوم. ومن الجانب الآخر فإن التجلي صنع توزناً في إعلان يسوع عن موته. لكن القيامة وإنسكاب الروح القدس سوف يعطيان إمكانية للفهم الصحيح.
إن حدث التجلي، مثل الحوادث ألآخري لحياة يسوع فهو من ضمن الحوادث التاريخية، الإيجابية نحو الإنسان والعالم. وعندئذٍ يبدو بوضوح الأول من إشتراك التلاميذ في مجد المسيح والثاني من حتمية نقل التجلي إلي عالم البشر .
الثلاثة تلاميذ وهم مأخذون من عظمة وبهاء التجلي يعبرون عن الشوق والرغبة ويطلبون عمل ثلاث مظال للإقامة الدائمة في جبل طابور. لكن المسيح لا يوافق علي ذلك ويشدد بأنة يجب أن ينزلوا أسفل وينقلون المعجزة إلي حياة البشر. وفي السهل، علي عكس الأمور التي حدثت فوق الجبل، فإن حياة البشر لها وضع مختلف في وادي البكاء. فهناك أب قد حمل ولده المريض ويترجي باقي التلاميذ لكي يشفونه لكن لم يحالفهم التوفيق للأسف. بالرغم من محاولاتهم فالشفاء لم يأتي والشيطان لم يخرج. إن غياب الرب قد أبعد إمكانية المعجزة. لذلك فور نزول المسيح مع تلاميذه من الجبل تحققت المعجزة والشيطان طُرد والولد المريض شُفي. المعجزة تتطلب إيماناً والإيمان علاقة مع الرب المتجلي وهي ثمار تجلينا مع الرب. إنها معايشة الدهر الجديد والعصر الإسخاتولوجي الجديد الذي أعلنه ودشنه تجلي المسيح.
إن المناقشة التي حدثت بعد ذلك بين المسيح وتلاميذه شيقة، كان دافع هذه المناقشة هو عدم الإيمان الذي سيطر علي الجميع وإحتياج الإيمان لتحقيق المعجزة.إن جنس الشياطين لا يخرج بالإيمان الضعيف ( القليل)، لكن يحتاج الإيمان قوي بالصلاة والصوم. الإيمان الذي يطلبه المسيح من أبى الولد والتلاميذ يُوجد في علاقة مباشرة مع الحياة الروحية. إنه معايشة تُولد في النسل والشركة مع الله. هكذا عدم تقديرنا للحياة النسكية والليتورجية يجعل إيماننا وخدمتنا في مجال الكنيسة معطل وغير فعال. 2. موت وقيامة الرب.علينا أن نري الحوادث ألآخري لحياة يسوع التاريخية مثلما رأينا حادثة التجلي. فالصليب والموت مع القيامة والصعود هم حوادث هامة في المرحلة النهائية لتاريخ الرب لتحقيق الخلاص. هناك أعتراف من جانب البحث التاريخي والكتابي بحقيقة حوادثه موت وصلب وقيامة يسوع المسيح. لقد فُسر موت المسيح علي الصليب علي أنة بمثابة ذبيحة لأجل خطايانا والرسول بولس يعطي تشديداً خاصاً علي الكرازة بذبيحة يسوع الفدائية. والرسول ليس هو الأول الذي كرز بذلك لأن الكرازة الرسولية في الكنيسة الأولي كانت تحتوي علي هذا التعليم، خاصة في أعمال الرسل القديس بطرس والشماس إسطفانوس. فالكنيسة مبكراً تربط موت المسيح بعيد يهوه المتألم المذكور في سفر أشعياء. بالنسبة لليهود كانت هناك صعوبة كبيرة في فهم الموت المهين والمأسوي للمسيا. إذ إنتظروه كقوي وممجد، فأن يموت المسيا ملعوناً كان عثرة لهم.
عند المسيحية غير مفهوم الإيمان بيسوع بأنة المسيا والرب بدون ذكر ذبيحة علي الصليب. كرازة بولس مثل أي كرازة رسولية تنتهي دائماً بشعار: نكرز بالمسيح مصلوباً. هذه الذبيحة تعبر عن محبة الله الفائقة نحو العالم. لأجل هذا السبب فإن الكنيسة ربطت بعد ذلك كل الأسرار بذبيحة أبن الله. إن أسرار مثل العماد والإفخارستيا تتعلق بموت الرب. إن موت أي إنسان هي نهاية لحياته أما موت المسيح لم يأت كنهاية مأساوية لمصير وحياة الإنسان. إن موت يسوع هو إختيار شخصي وقرار ذبيحة لخلاص العالم. إن الموضوع المحوري والهام كان موت يسوع المسيح علي الصليب لدي الكنيسة الأولي والقيامة أتت كخاتمة لكل هذه الحوادث والقيامة في الفكر الكتابي هو مختلف تماماً عن الفكر الهيليني عن الخلود ولا يجب أن يصير إمتزاج وخلط كما يحدث مع الكثيرين. وفق الفلسفة الهيلينية بأن نفس الإنسان، بسب أنها غير فاسدة من طبيعتها، بعد التحرر من قيود الجسد بالموت، تدخل في حالة الخلود. لكن لدي الكتاب المقدس، كل الكيان الإنساني يموت أو يقوم. هكذا فكرة القيامة كانت أساسية جداً عند الإيمان اليهودي. ونتقابل معها في العهد القديم وفي الإعتقادات اليهودية بعد ذلك. كل اليهود يقبلون قيامة الأبرار والأشرار ليُدانوا في الأزمنة الأخيرة، لكن فقط مجموعة هرطوقية هم " الصديقون " ينادون بأنة ليس قيامة للأموات. وهذا الإستثناء يظهر القانون والقاعدة الأساسية لهذا الإيمان ( القيامة ).
بناء علي ذلك، لا يوجد أي صعوبة في قبول فكرة الإيمان بقيامة الأموات. الصعوبة توج في قبول قيامة شخص معين كان معاصراً لهم. إذ تأهب الرسل لكي يكرزوا ليس بفكرة قيامة عامة لكن بقيامة يسوع الناصري، إنسان معاصر معروف و هم أنفسهم قد رفضوه وحكموا علية بالموت لعصيانه وتجديفه. هذه العظة أعتبرها اليهود إثارة وفتنة. فالإيمان بقيامة شخص عاصي، مجدف وهرطوقي ونبي كاذب بحسب رأيهم، شخص إدانة الزعماء الدينين والرؤساء والشيوخ بالموت كان حجر عثرة.
نفس الأمر حدث مع الحكماء اليونانيين، فعندما ذهب بولس وتحدث في أثينا عن الإيمان بالقيامة. ظنوا، في البداية، أن الكلام عن " فكرة" جديدة مختلفة عن " الخلود" وقبلوا بأن يسمعوه. لكن عندما بدا أنة لا يتحدث عن " فكرة " القيامة لكن عن حدث معين لشخص تاريخي معاصر قد أقامة الله من بين الأموات، عندئذٍ ظهر رد فعلهم و وصفوة بأنة كحامل " لشياطين جديدة ".
إن اللاهوت الغربي الحديث قد وجّه النيران ناحية إيمان القيامة وشرع في خلق إنطباع بأن مسألة القيامة هي نتيجة حماس زائد للتلاميذ وأتباع المسيح في ذلك العصر، لكن لو لم يكن قد حدث شيء خطير مؤثر ( القيامة) بالنسبة ليسوع المصلوب والمدفون، لكان غير مفهوم بالمرة أن التلاميذ يضعون مثل هذه " الفكرة " النظرية ويربطونها بشخص معين تاريخي وبعد ذلك يدافعون عن هذه الفكرة أمام المحاكم والرؤساء ويخاطرون بحياتهم. إذ إن موت المسيح قادهم إلي الفزع والرُعب، لذا اختفوا وخافوا من الخوف من اليهود.
علي الجانب الآخر، إنسان قدير وذكي مثل الرسول بولس لو لم يكن مقتنع بقيامة يسوع هل كان ممكن أن يشدد بهذا الوضع علي أنة إن لم يقم المسيح فباطل إيماننا، وأنة إذ لم يوجد قيامة أموات كنتيجة لقيمة الرب، عندئذٍ المؤمنون سيكونون أشقي جميع الناس؟
هل من الممكن أن يتحول إلي الإيمان الجديد إنسان غيور فريسى ولاهوتي قدير ويبني تعليم وإيمان فوق أسطورة أو كذب؟ علي العكس كان اليقين والخبرة الشخصية قادت في النهاية التلاميذ ليصيروا " شهود " حقيقيين مدافعين عن قيامة المسيح ويختمون شهادتهم هذه بموتهم الشخصي.
لم يكن لدي الرسل والكنيسة الأولي أي شك عن حقيقة القيامة، إذ في النصوص المقدسة تأكيدات مستمرة لظهورات الرب القائم. ولا يمكن أن نقول أن القيامة هي نتاج الإيمان بفكرة ما، لكن العكس القيامة ولدت وخلقت الإيمان. وفي مجال التعليم اللاهوتية فإن القيامة لا تعني "ولادة " لكن تأكد لماسيانيه المسيح أي " المسيا " المنتظر. بالتأكيد القيامة هي من ضمن العناصر الجوهرية والديناميكية في التعليم عن المسيح في العهد الجديد والإيمان الذي ينتج منها.
القيامة هي حدث تاريخي غير مشكوك فيه، لكن كيف فُهم هذا الحدث؟ إن من يذكر مجموعة حوادث مثل الزلزال، ضوء مبهر، ظهور ملائكة، ........... أمور تذكرنا بصورة متماثلة للظهورات في الكتاب المقدس. لدينا أيضاً أوصاف لظهورات القائم في إنجيل يوحنا تجاه شهوده إذ كان يتحدث أليهم هو نفسه ( راجع أع 2:3210: 4. 13 : 31 )، وبولس الرسول الأخير (1كو15 : 8 ) الشعب لم يكن مشارك في هذه الظهورات لأنة لم يقبل شخص المسيح. الشعب كان مشاهد للآلام والموت،خصوم يسوع صاروا شهود فقط لحدث القبر الفارغ. وبسب أن شهادتهم هذه كانت طوعياً صارت أيضاً ذات قيمة. لكن الأهم كان خبرة الظهورات، وهذه الظهورات لم تحدث علي المستوى الشخصي لكن في علاقة مع الجماعة. العنصر الكنسي للظهورات هو شديد وحاسم. وظهوره للأثيني عشر له أهمية عُظمي. ولا تعني ظهور مرة واحدة فقط لكن ظهورات مستمرة ومتكررة أربعين يوماً( أع 1 : 3 ، 13 : 31 )، حتي حدث الصعود . المسيح ظهر للاثني عشر ويعقوب وكل الرُسل وبولس في الآخر. أيضاً لدينا ظهورات لشخصيات معينة مثل مريم ومريم المجدلية ونساء أخريات وتلميذي عمواس، لكن كانت الظهورات دائماً في علاقة بالأثني عشر وجماعتهم الكنسية.
نري في هذه الظهورات التشديد علي هذه العناصر الهامة:أ- مبادرة الظهورات تنتمي إلي الرب القائم، وهكذا لا نستطيع أن نقبل أنها نتاج إيمان نفسي أو خيال ديني ( هوس ديني ). إن الظهورات هي خبرات أتت من حوادث تاريخية مستقلة عن إرادتهم وأختيارهم.
ب- ظهر المسيح بشكل آخر ومرات كثيرة كان من الصعب علي التلاميذ أو النساء أن يتعرفوا علية طالما أعتبروه بُستاني أو كغريب وفي النهاية إعترفوا به. في هذا " الإعتراف " أعلن التلاميذ هوية المسيح الذي من الناصرة، والذين عاشوا معه وتابعو عن قرب آلامه وموته. بالتأكيد إن القائم لا يخضع الآن إلي طريق ومحدودية الحياة، للزمن وللمكان. يظهر ويختفي بحسب إرادته لكن ليس " خيال " إن جسد القائم هو جسد حّي وحقيقي. يأكل ويتغذي مع التلاميذ ويخضع للجس وللمس لكن هو جسد روحي (1كو 15 : 44 ) وجسد متجلي في الروح ( رو1: 4 ).
ج – إن حضور المسيح من جديد مجد قيامة ليس حضور إستاتيكي ومحدود من قوانين طبيعية للزمن وللمكان. الآن هو موجود في كل مكان كرب وفادي. إن قيامة المسيح ليست رجوع مرة ثانية ألي الحياة الأرضية من عالم الأموات، لكن هو دخول إلي الحياة الحقيقية التي لا تخضع ولا تُهد من الموت. القيامة هي بالطبيعة حدث لا يوُصف لكن حُققت داخل الزمن، لها ملمح تاريخي وصارت موضع خبرة وشهادة التلاميذ والرسل. لقد شُدد أيضاً علي أنة يوجد اختلاف عظيم بين قيامة المسيح والقيامات ألآخري، مثل ابنة يايروس، ابن أرملة نايين ولعاذر. مع هؤلاء عودة إلي العالم الطبيعي وتكرار بالتالي لحتمية الموت. أما في حالة يسوع والتي هي فريدة من نوعها، لدينا قيامة إسخاتولوجية في المرحلة الأخيرة. هناك لدينا حيث، لعاذر بالفعل أربعة أيام في القبر وقد أنتن، أما هنا في حالة المسيح لم يكن لدينا جثة.
يجب أن لا نسقط في بعض المبالغات أثناء تفسير وفهم القيامة:
أ - إن قيامة المسيح ليست أسطورة وعلينا أن لا نتكلم عن الأوصاف اللغوية للظهورات علي أنها لغة أسطورية يجب التخلي عنها، فظهور المسيح ظهور تاريخي حقيقي. أيضاً لا يجب أن نشابة حضور المسيح بعد القيامة بحضور بطل ما أو شهيد يعيش في ذاكرتنا بل عن حضور حقيقي حّي.
ب – إن ظهورات المسيح ليست لها ملمح ذاتي ، فالمسيح لم يرجع بعد القيامة للتلاميذ رجوع لعاذر إلي أصدقائه وخاصته . بل قيامة المسيح لها ملمح فريد كنسي و إسخاتولوجي أيضاً. لذلك لا يجب أن نتحدث عن تفاصيل أوصاف الظهورات مثل التي عن الأكل وما شبة ذلك لأننا سننقاد بهذه الطريقة إلي تعاليم جدلية سفسطائية. فخبرات التلاميذ ليست خبرات ذاتية لكن لها أهمية عامة للكنيسة شهد بها الرسل أنفسهم.
ج – الرب القائم هو حاضر اليوم، ولا داعي أن نردد بأن التلاميذ كانوا " محظوظون " لأنهم رأوا الرب القائم إذ إن أساس الإيمان المسيحي: طوبي لمن آمنوا ولم يروا ( يو 20 : 29 ). فالرب القائم هو اليوم حاضر، ليس بواسطة شهادة الرسل لكن بالحري بواسطة الكنيسة حيث يصير " معروفاً " من المؤمنين بكسر الخبز(لو 24: 35 ) وبطريقة جوهرية وحقيقية.
3 – الصعود ومفهوم حضور الرب من جديد :إن لإيمان بالقبر الفارغ ويقين ظهورات القائم في الواقع التاريخي يجعلان حتمياً قبول عمل المسيح الأخير : صعوده إلي السموات كمفتاح لحضوره علي الأرض. إن الجسد القائم والمنتظر للرب: " أنظروا يدي ورجلي... جسوني..." الذي يعود إلي الأرض من الأموات، كان يجب أن يهجر ثانيةً أرضنا وعالمنا المحسوس إن فتره الظهورات صار لها نهاية. الذي له أهمية خاصة ويغلب علي فكر التلاميذ في إيمانهم ولرجائهم هو حدث المجيء الثاني من جديد والذي يعلنه صعود المسيح عندما نتحدث عن الصعود لا نقصد بالضبط مجرد بند قانون الإيمان الخاص بإعترفتنا بالصعود، لكن نقصد فهم جديد لحضور المسيح إلي في الكنيسة وفي التاريخ.
الكتاب المقدس يكرز بأن الله يسكن في السموات، مصطلح " سماء " بالتالي يعني رمزياً الله نفسه. والأرض التي هي موضع قدمي الله هي مسكن البشر. الله ينزل إلي الأرض ليزور البشر ويصعد ثانيً إلي السموات عائد إلي مكانة الأول. وفق هذا الفكر الكتابي بأن المسيح كإبن الله بعد نزولة علي الأرض يجب علي المسيح كإبن الله بعد نزولة علي الأرض أن يصعد ثانيً إلي السموات عائداً الي الآب. لذلك فالقيامة عند الكنيسة الأولي لها بالأكثر مفهوم صعود المسيح إلي مجد الله إستمرارية حضوره في الكنيسة جسده لكي يكمل عملة ألخلاصي.
هذا بالضبط لا يعني تهميش لحدث الصعود التاريخي، لكن الحاجة الي فهم صحيح بهذا الحدث. إذ بسبب التأكيد علي حضور الجديد للمسيح القائم في الكنيسة فإن كثيرون لم يعطوا ثقل كبير علي حدث الصعود. ونشأ لدي البعض الاعتقاد بأن الكنيسة الأولي لم تميز بين القيامة والصعود. ربما لأن إنجيل متى لم يذكر حدث الصعود والإنجيلي مرقص ذكره بطريقة عابرة ( 19 : 19 ). أما يوحنا فإنه ذكره في أنجيله علي أنة سيحدث في المستقبل. لكن لوقا فقط يؤرخ بطريقة موسعة الصعود في إنجيله ( 24 : 50- 53 ). وفي أعمال الرسل ( 1 : 2- 11 ).هذا الأهتمام الخاص من جانب القديس لوقا يجعلنا إعتباره لاهوتي الصعود.كان يجب أن يحدث الصعود بالقرب من أورشليم وعلي الأغلب علي جبل الزيتون بعد أربعين يوماً من القيامة وذلك بعد ظهوره لتوما. يبدو أن التلاميذ ذهبوا إلي الجليل حيث ظلوا تقريباً شهر. بغد ذلك راجعوا ثانيةً الي المدينة المقدسة من أجل حدث الصعود. والظهورات التي حدثت لأشخاص معينين كانت في الفترة البينية في الجليل، ويذكرها بولس بالأخص في ( 1كو 15 : 5 – 8 ). يسرد لوقا الإنجيلي حدث الصعود متجنباً أي إتجاه " للتفسير الممجد " للصعود، كما قلنا لكي يشدد علي تاريخية الحدث. المصطلحات التي يستخدمها هي حقيقية جداً كثل " وفيما هو يباركهم أنفرد عنهم وأصُعد إلي السماء " (لو 24 : 51. أع 1: 9 ). أعطي أيضاً تشديد علي الظواهر الطبيعية التاريخية مثل السحابة الموجودة والتي شخصوا إليها بعيونهم ( أع 1: 9 ). كل هذا يتجاوب مع التفسير السري" للحدث ، فالسحابة تعطي تشديد برمزيتها علي إلوهية المسيح والذي له أهمية عُظمي الكنيسة بعد القيامة .
إن المسيح لم يمُجد فقط بقيامته، إذ بالصعود وصل إلي قمة المجد، وفتح الطريق لتمجيد الإنسان[1]. هكذا ، بالقيامة والصعود بدأ بزوغ الدهر العتيد والإصلاح الإسخاتولوجي. بالصعود بدأ زمن إنتظار المجيء الثاني للمسيح. لذالك من الواضح أن من يرفض الصعود لا يقبل حضور الرب من جديد، يتوقف عند القيامة بمفهوم إسخاتولوجي تماماً أو علي الأفضل يكتفي بموت المسيح علي الصليب وقبره ودفنه كمرحلة أخيرة لتاريخ المسيح. لكن الزمن بين الصعود والمجيء الثاني يجب علينا التشديد علية، إنه زمن الكرازة والتبشير ونشاط الكنيسة لتجمع الأمم في رعية المسيح. أنة زمن العظة والخدمة الرعوية . أرسلت الكنيسة مع الرسل إلي العالم بعد الصعود لكي تحقق هي نفسها تاريخها وحياتها وتمارس بطريقة ديناميكية للعمل ألخلاصي داخل التاريخ، كإستمرارية لعمل المسيح. إن الصعود يحدد من الآن الحركة نحو الطريق السماوي[2]. وإتجاه الكنيسة نحو الملء اكتمال الأزمنة الأخروية. فالدهر العتيد بالفعل قد بدأ وظهور مجد الله إمتداد إلي الإنسان الآن هو الزمن للتوبة ورجوع الكل. وإن تأخر " زمن " المجيء الثاني وإكتمال الكل هذا يعني تأخر عمل التبشير. نحن الآن موجودين ( بعد الصعود ) في عصر الإيمان الديناميكي والإنتظار الشديد. فعلينا كلنا مع التلاميذ والرسل أن نكون مشدودون بالرجاء نحو الآتي ( أع 1 : 10 ). التبشير ورعاية شعب الله له عنصر مستقبلي أخروي شديد. فالمؤمنون يطلبون بأستمرار " ما هو فوق " إذ أنة لنا يقين بأن مدينتنا الكاملة توجد في السموات ( فليبي 3 : 20 ). الإحساس بالغربة وبأننا نزلاء، بدون أن يخلق فينا التوقف عن الإبداع في الحاضر، يمّد الإنسان بالرويء والإشتياقات للمستقبل الأخروي ويحفظه في يقظة مستمرة ونسكية دائمة.
إن مجيء النهاية والدينونه ، بعد الصعود، لا يُخيف الكنيسة ولا المؤمنين. علي العكس فالمؤمنين عشون برجاء المجيء وينظرون بشوق مجيء الرب يسوع لكن مجيء الرب يسوع هذا ( رؤ22 : 20 ). بعد الصعود يحتاج أيضاً إلي فهم صحيح، إذ لا يعني أبتعاد وغياب المسيح من التاريخ بالأكثر عن الكنيسة. أن لغة الكنيسة التسبيحية والليتروجية. ممكن أن تساعدنا نحو الاتجاه الصحيح.فالكنيسة والتعاليم اللاهوتي في اللغة والتعبيرات التسبحيه. والشعرية هما الطريق الأفضل لفهم حوادث التاريخ المقدس. بالنسبة للحدث التاريخي للصعود والذي هو مذكور في النصوص المقدسة، فالتسبيح يضعه في أبعاد الكنيسة ويربطه بحياة المؤمنين فالمسيح في عيد الصعود لا تقدمة الكنيسة منفصلاً عنا بلف تشدد علي بقاءه في الكنيسة وفي العالم. فالعنصر الغالب علي تعاليمها – بعد الصعود – هو حضور المسيح المستمر، إذ هو معنا كل الأيام والي أنقضاء الدهر. فالصعود – بالتالي – لا يعني غياب أو رحيل ، بل العكس، حضور فالمسيح بعد القيامة والصعود هو حاضر في الكنيسة وفي العالم بكل قوته وسلطانة ومجدة. بالنسبة لمسألة المجيء الثاني فإن المسيح لم يحدد النهاية أمام تلاميذه، ولم يكرز مثلما يظن البعض بنهاية قريبة علي شكل استاتيكي ساكن، وإلا لكن أتهم من خصومة بأنة يكرز بتجديد نهاية العالم أيضاً لو أن المسيح شرع في تحديد زمني للنهاية والتي لم تتحقق بالطبع، فالخصوم كانوا سوف يستخدمون هذا الأمر ويقدموه للناس علي أنة نبي كاذب. ولا تنسي إن ذلك العصر ( عصر المسيح ) كان يتصف بالعصر الرؤيوي إذ كان يوجد عدد كبير من الرؤيون الذين كانوا يتنباؤن بقرب النهاية والتحديد الزمني الدقيق لها. وتوجد كتابات رؤيويه كثيرة في هذه الفترة ( فترة ما بين العهدين )
عندما تحدث المسيح عن أن الوقت قد كمل (مر 1 : 15 ) فإن أهمامة كان ينصب نحو " ملء" الحاضر وليس علي إنتظار الآتي. فاللحظة الحاسمة، ساعة الدينونه، تُوجد في الحاضر وليس في المستقبل لأن هذه اللحظة تتعلق بشخصه. فعند المسيح ملكوت الله داخلنا ( لو 17 : 21 ) الشياطين توُضع خارجاً أما المؤمنون فيعشون في الواقع الجديد. يري المسيح أن الكل يتحقق في شخصه وحياته. يقول للص أثناء الصلب اليوم تكون معي في الفردوس الحوادث المستقبلية أو العقيدة تصير حاضر وهذا يعطي أنطباع بقرب النهاية. يسوع المسيح هو البداية والنهاية. فقيامته هي بداية الواقع الجديد. الكنيسة تحيا من الآن هذا الجديد النهاية هي دائماً قريبة وعلي الأبواب. الذي له أهمية خاصة لدي الكنيسة بعد الصعود هو رسالتها نحو العالم: تعليم الأمم " أذهبوا وتلمذوا جميع الأمم ".
هكذا قيامة المسيح جعلتنا قادرين أن نتوقع بيقين من جهة قيامة كل البشر. أن نهاية العالم بالمفهوم الأخروى هي دائماً قريبة. لكن ذاك الذي له أهمية أكثر في الحاضر ليس هو علي أي حال قرُب الحوادث العتيدة بقدر المسيرة التبشيرية للكنيسة ونحو العالم والأمم والعمل بكل قوة لحصر الأمم وكل قبيلة ولسان في رعية المسيح: " أذهبوا وتلمذوا جميع الأمم "
[1] [1] " لو لم تكن المنازل كثيرة في بيت الله الآب لكان يقل أنة يسبقهم ليعد مساكن القديسين، ولكنة إذ كان يعلم أنها كثيرة ومُعّدة لإستقبال الذين يحبون الله لذلك يقول أنة لن يمضي لهذه الغابة بل ليهيئ لهم الطريق إلي المنازل العلوية ويضمن لهم عبوراً أميناً ويمهد لهم الطريق الذي كان مغلقاً منذ الأيام القديمة. لأن السموات كانت مغلقة تماماً أمام الإنسان المائت ولم يجتاز جسد قط إلي محفل الملائكة الأطهار القديسين إذن فمن أجلنا نحن ظهر كإنسان أمام الآب لكي يرجعنا- نحن الذين صرنا مطروحين من وجه الآب بسبب المعصية الأولي – يرجعنا من جديد لنصير معاينين لوجه الله الآب " ( تفسير يو 16 : 17 ) [2] يقول القديس أثناسيوس : " لقد أفتتح لنا الرب من جديد الطريق الصاعد إلي السموات " كما قال : " أرفعوا أيها الرؤساء أبوابكم وارتفعي أيتها الأبواب الدهرية " ( مز 4:7 ). فلم يكن اللوغس نفسه هو المحتاج لأن نفتح له الأبواب إذ كان هو رب الكل ولم يكن شيْ من المصنوعات مغلقاً أمام خالقة ولكننا نحن الذين كلنا نحتاج إلي ذلك، نحن الذين كنا يحملنا في جسده الخاص فكما أنة قدم حسده للموت نيابة عن الجميع هكذا أيضاً بواستطة قد اعُد من جديد الطريق الصاعد إلي السموات " 0 تجسد الكلمة 25 : 6 )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق