السبت، 28 أغسطس 2010

اللاهوت والبيئة
د. جورج عوض إبراهيم

أزمة البيئة
لقد أصدر نادى روما (Club of Roma)
[1] عام 1972 أول تشخيص رسمى وعلمى عن أزمة البيئة وحذر العالم من مشكلتين أساسيتين هما :
1 ـ استنزاف مصادر الطاقة من الأرض .
2 ـ دمار وانهيار الأنظمة المدعمة للحياة .
بالنسبة لاستنزاف مصادر الطاقة مثل الفحم والبترول .. إلخ يرجع إلى الاستغلال الشديد وزيادة معدل الاستهلاك ، فالولايات المتحدة تقف على رأس مستهلكى الطاقة العالمى طبقًا لما أذاعه (بريتش بتروليوم) عن استهلاك عام 1993م
[2]. الولايات المتحدة وكندا فى مقدمة المستهلكين للطاقة ويمثلون مع أوربا نصف استهلاك العالم . ومن المدهش أنهم يمثلون "10% " من سكان هذا الكون ، أما العالم الثالث حيث يتخلف مستوى التقدم صناعيًا وزراعيًا ومعيشيًا .. فمجموعة إفريقيا تستهلك "30% " فقط من استهلاك الطاقة فى العالم، بينما قارة مثل أمريكا اللاتينية تستهلك "5% " من طاقة العالم سنة 1993 . ومن هنا نجد أن مستوى التقدم كلما كان فى ازدياد زاد الاستهلاك من الطاقة ، وكبار مستهلكى الطاقة (أهل الشمال الغربى) هم أنفسهم كبار ملوثى البيئة .
إن التقدم أصبح سلاحًا ذا حدين: حده الأول يزيد من رفاهية الإنسان ، وحده الثانى يحمل المخاطر الآن أو فى المستقبل . إننا نعيش فى عصر تسيطر عليه الحضارة التكنولوجية ، فالتكنولوجيا تمد الإنسان بالرفاهية وبالنمو الاقتصادى وتخلق ما يُسمى مجتمع الاستهلاك ، لذا يؤمن الإنسان بالتكنولوجيا إيمانًا أعمى .
والتكنولوجيا تحرر الإنسان من الاحتياجات البيولوجية، فنحن مديونون للتطور التقنى بكثير من الإنجازات، فقد حرر الإنسان من عبودية الظروف اللاإنسانية اليومية ، فقد تأنسنت ظروف العمل ، تحسنت ساعات المعيشة ، تطورت الأجهزة الطبية والعلاجية ، تعميم التربية ، لقد ازدادت الإمدادات الاجتماعية كمًا ونوعًا .. إلخ ، أما الجانب السلبى، فالتكنولوجيا تستعبد الإنسان وتخيفه من الأسلحة النووية ونتائجها السيئة عليه وعلى البيئة ، أيضًا التهديد البيئى من الاستهلاك الزائد للموارد الطبيعية للطاقة، وذلك على العكس من دول الجنوب خصوصًا فى إفريقيا مثلاً تعانى من نقص الفحم والنفط فى مناطق تضطرها ظروفها الاقتصادية للتعامل المباشر مع موارد الطاقة بأشكالها البدائية، فتجتث الأشجار والنباتات الجافة، وتحرم الأرض من غذائها الطبيعى ، كروث البهائم وبقايا النباتات . يتسابق الناس على استخدام كل ذلك، فيتراجع اللون الأخضر.
إن المراكز الحياتية الأربعة [ الهواء ـ الماء ـ النباتات ـ حياة هذا الكوكب "الثوابت التى تحكمه "
[3]] قد بدأت فى التناقص والتلوث وطالتهما يد الدمار.
بالنسبة للهواء ، فالصناعة تدمر وتستهلك كميات كثيرة من الأوكسجين وتنتج أطنانًا من العناصر الكيمائية السامة، فكل يوم يُضاف إلى الجو أكثر من 60 ألف طن من ثانى أكسيد الكربون CO2 . إنها سموم يتنفسها الإنسان مسببة أضرارًا بالغة للأجهزة التنفسية، وإذا اختلط ثانى أكسيد الكربون بمياه الأمطار تكوّنَ حمض H2Co3، الذى يُدمر النبات والأشجار ويُفسد الأحجار مثل الرخام، وأيضًا المعادن وغيرها. وقضية إفساد الهواء وضخ غازات ثانى أكسيد الكربون المتكاثرة التى تمنع مرور الحرارة من العودة إلى الغلاف الجوى ينتج عنها غلاف حول كوكب الأرض يحبس الحرارة فترتفع بالتالى درجاتها ، وتقدر هذه الزيادة ما بين 5و1 درجة إلى 4 درجات .
وهكذا تُضاف هذه المشكلة إلى مشكلة حدوث ثقب فى طبقة الأوزون فى منطقة دول الشمال الأوروبى ، الذى يعنى تسرب نسبة أكبر من الأشعة فوق البنفسجية والتى تطلقها الشمس نتيجة تآكل فى سمك طبقة الأوزون، مما يهدد الحياة داخل كوكب الأرض ، فقليل من الأشعة لازم للحياة وكثير منها قاتل للحياة. ويبدأ القتل بالكائنات الصغيرة فى الماء حيث تموت ويأكلها السمك، فلما يصل السمك إلى جوف الإنسان وتصل الأشعة مباشرة إلى الناس، يُصابون ـ وفقًا لدرجة الإشعاع ـ بسرطان الجلد وبانفصال فى شبكية العين
[4].
إن أخطار التغير المناخى هى أيضًا فى غاية الخطورة ، وتشمل مخاطر التغيير المناخى وزيادة حرارة المحيطات ، وحدوث فيضانات تختفى معها أجزاء من هولندا وبنجلاديش ، ودلتا النيل ، وقد بلغت جدية هذه الخطورة حدًا دعا إلى إعداد خطة لإخلاء "جزر المالديف " من سكانها . وإلى جانب ذلك ، تؤكد الدكتورة ليلى تكلا
[5] : " سوف يخسر العالم نصف إنتاجه وهو ما ينتجه حزام القمح الذى يمتد فى أمريكا وجنوب كندا فى إطار الحزام الجوى الصالح لزراعة القمح ، والمهدد بالانتقال أو التزحزح شمالاً ما بين 200 ـ 300 كيلو ليصل إلى أرض لا تصلح لزراعة القمح " . وسوف يؤدى التغير المناخى أيضًا إلى قتل الحيوانات الصغيرة فى المحيطات التى تعيش عليها الأسماك ، أى إهدار الثروة السمكية التى تعد مصدرًا غذائيًا للإنسان يزداد اعتماده عليه كل يوم .
وهذه القضية سبقت أن حُسمت فى مؤتمر ريو سنة 1992، الذى اتخذ قرارًا اتفقت بموجبه الدول على تخفيض كمية الغازات الحابسة للحرارة إلى ما كانت عليه سنة 1990 ، ويهدف المؤتمر الذى انعقد فى ديسمبر 1997 فى كيوتو باليابان والذى تشارك فيه 165 دولة، إلى التوصل لاتفاق بشأن زيادة نسبة التخفيض بحلول سنة 2010 ، ولكن الحكومة الأمريكية لها مصلحة مادية أكيدة فى عدم اتخاذ أية إجراءات تسعى للحد من انبعاث الغازات الضارة .
وتعارض المؤسسات الصناعية دائمًا أى إجراء يصحبه تكلفة مالية، وتأتى المعارضة اليوم من أضخم الصناعات المعدنية التى تستخدم الفحم، وهى الصناعات التى تمول الحملات الانتخابية لأعضاء الكونجرس، الذين أعلنوا عدم موافقتهم على أى قرار بتخفيض الغازات
[6].
الصراع هو بين حكومة الولايات المتحدة التى هى الملوث الرئيسى للجو ( خمسة ملايين و229 ألف طن من ثانى أكسيد الكربون عام 1995) ودول أوربا حيث كانت كمية ثانى أكسيد الكربون المنبعثة منها ثلاثة ملايين و419 ألف طن فى نفس السنة ، ومع ذلك فالولايات المتحدة ترى الاكتفاء بالحفاظ على نفس نسبة التخفيض فى سنة 1990 حتى عام 2010، بينما تؤكد أوروبا ضرورة الالتزام بتخفيض هذه النسبة 15% بحلول عام 2010، وتطالب الدول النامية أن تكون النسبة 35% .
بالنسبة للمياه قد صدر تقرير للبنك الدولى فى أغسطس 1995 حول أزمة المياه العالمية
[7] قد جاء فيه أن (80%) من أمراض مواطنى العالم الثالث تحدث بسبب المياه الملوثة، وأن 10 ملايين شخص يموتون سنويًا بنفس السبب ، وإن هناك مليار شخص فى الدول النامية يعانون من نقص مياه الشرب النقية !!
أيضًا يقول التقرير أن 80 دولة فى العالم تضم 40% من سكانه ، مهددة بنقص المياه، وأن القرن المقبل سوف يشهد تفاقم الأزمة، وتأثيرها على الزراعة والصناعة والصحة العامة، وسوف تتحول هذه الأزمة إلى صراعات وحروب .
يزداد استهلاك كل شئ مع الانفجار السكانى، وفى المقدمة " المياه " التى تصنع الحضارة، بدءً من زراعة تغطى الاحتياجات ، إلى صناعة تخلق التقدم ، وامتدادًا إلى رى الظمأ لمليارات البشر الذين يتزايدون كل عام .
أيضًا التلوث السمعى بسبب ضوضاء المدن الكبرى يجلب أضرارًا بالغة للأجهزة العصبية للإنسان ، بالإضافة إلى تدمير جمال الطبيعة وإعدام الأشجار بسبب المبانى والكتل الخرسانية المتلاصقة دون أن يكون هناك تناسق جمالى مع البيئة المحيطة ، إنها الفوضى والعشوائية التى يعانى منها الإنسان المعاصر .
خاتمة
إن مشكلة البيئة ليست مشكلة نظافة المكان المحيط بنا ، ولكن هى قضية نظافة فكر وذهن الإنسان فى علاقته مع العالم المحيط به، إنها قضية طريقة تفكير، ثم بعد ذلك يأتى موضوع سلوك هذا الإنسان " كنتيجة طبيعية " تجاه كل ما يحيط به .
إن كل الذى سبق أن عرضناه عن تلوث الهواء والماء ـ والتلوث السمعى والبصرى ، ما هى إلاّ أعراض وليست أسباب المشكلة ، إن الرسالة المسيحية تسعى نحو علاج الأسباب، وليس الأعراض والتشخيص المسيحى يهدف إلى علاج جذرى عميق للحالة المرضية للكون " الحامل للموت " ، والعلاج المسيحى يبدأ بالإنسان لأنه يؤمن بأن التلوث الذهنى (الفكرى) والروحى يسبق التلوث البيئى .
المشكلة ليست فى التقدم والتكنولوجيا إنما فى الإنسان نفسه فى طريقة تفكيره ومواقفه تجاه العالم المحيط به ، وتجاه حاضره ومستقبله، ومن هنا يأتى تشديد المسيحية على ذهن الإنسان، ففى مزمور 12:50 " قلبًا نقيًا اخلق فىَّ يا الله وروحًا مستقيمًا جدده فى أحشائى ". الكنيسة تعلمنا أن نصلى هذا المزمور فى كل الصلوات، لأن الحياة الصحيحة السليمة الحقيقية تتطلب نقاوة داخلية، وأن مشكلة البيئة قبل ان تكون سياسية أو اقتصادية أو أخلاقية، فهى مشكلة فكرية تخص الذهن الذى يمتلكه الإنسان الذى يحدد موقعه وعلاقته بالعالم ، وما هى حدود سيطرته على العالم الطبيعى .

نظريات وأفكار وراء أزمة البيئة

مما سبق نجد أن أزمة البيئة ظهرت أولاً فى الغرب الأوربى والشمال الأمريكى ، مما دعا العلماء من تخصصات مختلفة أن يبحثوا فى الأسباب التى أدت إلى هذه الأزمة ، وانتهت الأغلبية إلى أن : الاعتقاد بأن الإنسان هو مركز هذا العالم (¢nqrwpokentrik» qeèrhsh) والتى سادت فى الغرب والفصل الشديد بين الخالق والخليقة دفع الإنسان أن يضر الطبيعة . وكان من نتائج هذه الأفكار بلورة التعليم عن تفوق الإنسان داخل العالم . والأخلاق النفعية التى سادت فى القرون (17ـ19) بين العلماء فى مجال علم الفيزياء " فالطبيعة تستغل وتضر طالما تجلب بذلك مكسب للإنسان " . ورأى ديكارت كان صريحًا " يجب أن نصير أسياد ومُلاك للطبيعة "
[8].
فى الفترة ما بين القرن 17 إلى القرن 19 نظر إلى العالم على أنه ماكينة تعمل وفق قوانين . وهذه كانت نظرة نيوتن المؤسسة على الثنائية الديكارتية والتى كانت تنادى بوجود كيانين: الأجسام المادية والمنظورة والقوى المحركة (الغير منظورة) ، الحركة تتم فى المكان وهى تنفصل عن الزمن، لأن الحركة إجبارية وفق قوانين ميكانيكية بغض النظر عن الزمن.
الله هنا هو الميكانيكى الأعظم الذى صنع الماكينة (العالم) وتركها تعمل وفق قوانين خاصة، لقد انفصل عنها ولم يعد له دور فى العالم (إدارة ظهره للكون). العالم كان يُرمز له فى هذه الفترة بالساعة والله بالساعاتى الأعظم الذى صنع هذا العالم (الساعة) وتركه يعمل .
أُهدرت مكانة الله فى هذه الفترة فقد قال عنه " كانت" إنه مجرد حارس للنظام الأخلاقى فى الكون ، وماركس نادى بأن فكرة الله موجودة فقط حيث العامة والشعب ، ونيتشه مثل ماركس نادى بأن الله فقط حيث مجتمع القطيع، والكلام عن الله هو ميتافيزيقيًا مجتمع القطيع. وهكذا بالثنائية الديكارتية انفصل الله عن الإنسان ، النفس عن الجسد، العالم عن الإنسان وانحلت الروابط الكيانية التى كانت بين الله ـ الكون ـ الإنسان .
وبسبب سيطرة هذه النظرة الثنائية لم يعد هناك حوار ، واستمرت المعركة بين الدين والعلم ـ بين الكنيسة الكاثوليكية فى العصور الوسطى والعلماء أمثال جاليليو وداروين . أصبحت الطبيعة والإنسان عنصرين متضادين، أيضًا الله والطبيعة ، والله والإنسان ، أى الله والمخلوقات بينهما انفصال تام وهوة ساحقة ، ومن هنا كان ما يميز هذه الفترة :
1 ـ الفردية الشديدة ، فالعالم يتكون من أفراد منعزلين كيانيًا ، أى كيانات منعزلة، لا علاقة فيما بينها ، وغير مبالين تجاه البيئة المحيطة بها .
2 ـ سيطرة الجبرية ، فالعالم يخضع لقوانين ونواميس ولا مجال للحرية والاختيار، ولكن على العكس القدرية كانت هى الملمح الأساسى لهذه الفترة ، لا مجال للاحتمالات ، فالكون ماكينة مجبرة على حركة معينة وليس منظومة عضوية تتطور ديناميكيًا .
3 ـ الزمن أصبح تابع للمكان ، ولا يحمل تاريخ أى شئ من الماضى نحو المستقبل طالما الكون مجبر على حركة معينة وفق قوانين محددة وصارمة، إذن ، المستقبل هو تكرار هابط وممل للماضى ولا جديد ولا حداثة، وكرَّس هذا الفكر الانعزال وانعدام الحوار.
4 ـ المعرفة فى هذه الفترة أصبحت تعنى الامتلاك
[9] " فأعرف يعنى أمتلك " وليس أشارك، فالإنسان سيد ومالك للطبيعة، فالمعرفة مدخل لاحتلال الشىء المعروف وهذا ما يبرر ما قاله ديكارت " يجب أن نصير أسياد وملاك للطبيعة ". المعرفة هنا تعنى انفصال ، انقطاع العلاقة بين الذات والموضوع ، بين الإنسان والطبيعة .

ومن هذا العرض السريع لأفكار ونظريات كانت وراء أزمة البيئة ، يتضح أن موقف الإنسان تجاه الله والعالم هو محور الأزمة
[10]، فالفكر الصحيح تجاه علاقة الإنسان بالله وبالعالم هو أساس وجوهر علاج هذه الأزمة، والمسيحية لا تكتفى بالفكر الصحيح بل تسعى نحو تغير جذرى للإنسان حيث يحصل على فكر جديد وخليقة جديدة وطريقة تفكير جديدة تفرز سلوكيات جديدة ، وهذا ما سنتكلم عنه فى السطور التالية .

الله ـ الإنسان ـ الكون
الله السر
إن الله فى الإعلان الكتابى يعلن عن نفسه للبشر ، فحركة الإعلان أتت من أعلى إلى أسفل وليس العكس ، والله ليس موضوع قابل للفحص والإثبات، ولكن يعلن نفسه للإنسان ، ولو فهم الإنسان الله وتصوره بمعايير بشرية تحول الله إلى وثن وصنم ، فالله غير مصنوع من نتاج أفكارنا البشرية ، فالإنسان خُلق على صورة الله وليس العكس . الإله الحقيقى للكتاب المقدس والكنيسة هو الله (السر) أى الذى يعلن عن نفسه باستمرار للإنسان ولا يُستنزف إطلاقًا ، فكلما ظن الإنسان أنه عرفه، ينتابه شعور ويقين أنه مازال على الأبواب ولم يدخل بعد ، إنه " بحر سباحة لا يُعبر " كما رآه حزقيال ، وبهذا المعنى هو البعيد جدًا وفى نفس الوقت هو القريب الذى يملأ الكل ، وموجود فى كل مكان حولنا وداخلنا . وهو موجود ليس كغلاف جوى أو قوة غير مشخصة، ولكن بطريقة شخصية ، أى أن الله يعلن نفسه للإنسان كشخص، صانعًا علاقة محبة بينه وبين الإنسان . الله لا يُقارن بأى شئ وهو فوق كل شئ ، لذلك يستخدم الكتاب صور مقربة وتعابير بشرية عن الله وهى بالتأكيد غير كافية لكى تعبر عن تنزيه الله ، إذ هو " منزه عن أى وصف بشرى " لذلك فإن اللاهوت فى أغلبه يُعبر بطريقة سلبية عن الله كما فى القداس الغريغورى : " مستحق وعادل . مستحق وعادل . مستحق وعادل . مستحق بالحقيقية وعادل . أن نسبحك ونباركك ، ونخدمك ، ونسجد لك ونمجدك ، أيها الواحد وحده الحقيقى ، الله محب البشر ، الذى لا يُنطق به ، غير المرئى، غير المحوى، غير المبتدئ ، الأبدى، غير الزمنى ، الذى لا يُحد ، غير المفحوص، غير المستحيل ، خالق الكل ، مخلص الجميع ، ... "
[11].
هذا يعنى أننا لكى نقترب من الله السر يستلزم دائمًا تغييرًا للفكر (التوبة)، الذى هو تغيير داخلى مستمر فى الفكر لكى نتجاوز كل الصور البشرية، فالاقتراب من الله يتطلب نقاوة للفكر والذهن، وهذا هو سر أوشية الإنجيل التى يصليها جهارًا الكاهن أن يعطينا الله أذانًا للسمع وعيونًا لنرى ، لنستحق أن نسمع ونعمل بالإنجيل ، وفى أوشية أخرى للإنجيل "وافتح حواس نفوسنا، ولنستحق أن نكون ليس فقط سامعين بل عاملين أيضًا بأوامرك المقدسة .. ".
وفى بداية قانون الإيمان نقول " نؤمن بإله واحد "، ولا نقول " نؤمن بوجود إله واحد" فالفرق بينهما شاسعًا، كما يؤكد الأسقف الأرثوذكسى كاليستوس.
[12]
فالصيغة الأولى تؤكد على أنه توجد علاقة شخصية بيننا وبين الله، فعندما أقول أؤمن بك يعنى إننى أحبك وأصنع علاقة معك كشخص ، أما (يوجد فلان) هذا لا يعنى أن هناك علاقة مؤكدة بينى وبينه . فالإيمان بالله ليس هو نتاج تأكيدات منطقية أو هو مجموعة نتائج لمشكلة حسابية ، أن نؤمن بالله ليس هو نتيجة إثباتات نظرية عن وجود الله ، ولكن هو نتاج معرفة حقيقية ومحبة وعلاقة شخصية بينك وبينه، الإيمان دعوة شركة بيننا وبين الله ، فالله يصير موضوع حبنا، وليس موضوع تفكيرنا (أى موضوع إثباتات نظرية)، الله غير قابل للتملك ولكن يصنع شركة مع كل المخلوقات لأنه هو سر حياة كل الخليقة ، والموت لأى كائن هو انقطاع العلاقة بين الكائن والله .
إن كل مخلوق هو ظهور إلهى (ثيؤفانيا)، والمسيحى هو الذى يرى الله فى كل شئ ، لذلك فالمزمور يقول "السموات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه ". إذن الكون والبيئة المحيطة والطبيعة وكل شئ حامل للإعلان الإلهى ، فكلها مقدسة لأن سر وجودها يكمن فى هذه الشركة والعلاقة بينها وبين الله، وعلى الإنسان أن يرى الخليقة فى هذا الإطار، فالخليقة حاملة للإعلان الإلهى ، هى ظهور إلهى، والتعامل معها يكون من هذا المنطلق، فهى خليقة الله وفى علاقة دائمة معه، لأنه هو سر حياتنا، فالإساءة إليها إنكار لقدسيتها وتجاهل أنها تحمل ختم الله .
نستخلص من كل ما سبق أن إيماننا بالله، إنه شخص يعنى أنه يصنع علاقة معنا ومع كل الخليقة ، وانقطاع العلاقة يعنى الموت لأنه هو سر الحياة لهذا الكون ، والخليقة التى تحمل هذه العلاقة هى مقدسة بهذا المعنى، والتعامل معها دائمًا من هذا المنطلق .

الله الثالوث
إننا نؤمن بإله واحد، وفى نفس الوقت نؤمن بثلاثة أقانيم الآب والابن والروح القدس . الله ليس واحد فقط ولكن وحدة بين ثلاثة أقانيم . وعبارة " الله محبة " لا تُفهم إلاّ فى إطار الثالوث، لأن الواحد لا يستطيع أن يحب ما لم يكن هناك آخر ، وهذا هو تعريف الشخص ، فالشخص يصنع علاقة ، أما الواحد والفرد فهو منعزل ومركزه الأنا. فالمحبة لا تُوجِد فى الانعزال ولكن تستلزم الآخر. فالثالوث يعلن أن الله محبة، والثالوث كما قال فلاديمير لوسكى " هو صليب لطرق التفكير البشرى "
[13]، إذ يتطلب تغييرًا جذريًا، أى تغيير حقيقى للفكر "الذهن " والقلب ، لأن الإنسان فى سقوطه يفكر بطريقة فردية، أى بمركزية الأنا ولا يستطيع أن يستوعب ويدرك أن الله محبة، إلاّ إذا لم يكن فى حالة تغيير مستمرة ذهنيًا " تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم " . إن شارلز وليامز فى روايته " النزول للجحيم " يقول إن محبة نفوسنا هى الجحيم لأن محبة نفوسنا تضع النهاية لأى فرح وأى معنى . الجحيم ليس الآخرون، كما يدعى سارتر، ولكن الجحيم هو نفوسنا عندما تكون منفصلة عن الآخرين ومحصورة فى الأنا [14]. إذن، سلوكيات الإنسان الساقط (الفرد) دائمًا متمركزة حول الأنا ، هو لا يصنع علاقة، ولكن يريد أن يمتلك الآخر سواء كان إنسان مثله أو شئ . بهذا المعنى عندما يتعامل الفرد مع البيئة المحيطة ، يتعامل معها بأسلوب التملك ، يريد أن يمتلكها ويستغلها لنفسه بغض النظر عن الأضرار التى يسببها للبيئة وللآخرين، لأنه يعيش لنفسه . هذا الكلام يسرى على الأفراد وعلى الدول فى فرديتها وأنانيتها، والمطلوب أن يتحول الفرد إلى شخص لكى يتعامل مع الآخر صانعًا علاقة شركة حوارية وليست إحتلالية .

الله الخالق
لقد خلق الله العالم من عدم أى بدافع المحبة ، فلا يوجد شئ يجبر الله على خلق الإنسان والكون . والخلق لا يعنى أن الله حرك العالم بحركة أولية وترك الكون يعمل بقوانين معينة ، فالله ليس " ساعاتى" لهذا العالم ولكن الخلق ديناميكى ومتحرك ومازال الله يعمل "أبى يعمل" فالعالم يعتمد اعتمادًا كليًا على الله . لم يتوقف الله أن يكون خالق لهذا الكون ، هو موجود فى قلب كل شئ " فيه يقوم الكل " ، والقداس الكيرلسى يقول : [ يا خالق البرية ، ما يُرى وما لا يُرى ، المعتنى بكل الأشياء لأنها لك يا سيدنا محب الأنفس .. ] .
فالله خالق كل شئ ، ولم يكتفِ بذلك بل يعتنى بكل الأشياء لأنها خليقته. فالخلق ليس حدث قد تم فى الماضى ، ولكن هو له علاقة فى الحاضر، لو أن الله لم يستمر فى الخلق ولو للحظة واحدة لصار الكون عدمًا . الخليقة لا تستطيع أن تنفصل عن خالقها ولو للحيظة (أى جزء من الثانية) لأن فيه يقوم الكل ، لذا كل خليقة الله حسنة وجيدة ولا توجد ثنائية غنوسية أو مانوية والتى تنادى بوجود إلهين، واحد للخير وآخر للشر . لا توجد عداوة بين المادة والروح أو بين الجسد والروح ، أساس ما علَّمنا به الكتاب المقدس عن طبيعة الإنسان أن الإنسان لا يمكن أن يُدعى فقط نفس ، ولا فقط جسد ، ولكن الاثنين معًا كما يشرح القديس كيرلس الأسكندرى
[15].
عندما نتكلم عن " الجسد " بطريقة سلبية أى تحط من شأنه مثل تعبير " حياة جسدية "، نقصد الإنسان فى حالة سقوط وليس الجسد فى حد ذاته . وبكلمة روحى لا نقصد النفس ولكن الإنسان " جسدًا ونفسًا " فى حالة شركة مع الله . إن صراع الإنسان المؤمن ليس ضد الجسد فى حد ذاته، ولكن ضد سلوكيات جسدية لها جذورها فى الأنا ونتائجها المدمرة للإنسان والطبيعة .
الآباء كانوا ضد تعاليم الغنوسية عن الجسد الإنسانى ، الذى كان فى نظرهم نتيجة للسقوط ، متأثرين بالأفلاطونية التى كانت تعتبر أن الإنسان خلق روحًا، وعندما سقط حبس فى الجسد كعقاب له، وأيضًا المانوية التى كانت تعتبر أن الجسد أو المادة هو من خالق الشر، لكن الكنيسة تمسكت بتعاليم الكتاب لأن " الكلمة صار جسدًا" (يو1)، فاللوغوس لم يكن فكرة أو صياغة مجردة نظرية أو فلسفية ، ولكن اللوغوس هو الخالق، شخص الذى صار له وجود جسدى ومادى والذى شارك طبيعتنا ، وبهذا المعنى، لم يُعلِّم الكتاب بأن الإنسان مقسم إلى عنصر روحى وعنصر جسدى ، لكن الإنسان هو روح وجسد ، ولا يوجد بينهما انفصال ولكن وحدة ، ولا توجد أفضلية نوعية بين الروح والجسد ولا اختلاف جوهرى بينهما ، لذا المادة تقدست بالتجسد ، ونحن نتحد به بواسطة سر الإفخارستيا (الخبز والخمر يصيران جسد ودم الكلمة المتجسد). وفى المعمودية، الماء يصير وسيلة لنقاوة الجسد والنفس ، فالمادة ليست عدو لنا ، ولكن تقدست . إن بقايا أجساد القديسين تظل مصدر قداسة لنا ـ القيامة ستكون قيامة أجساد وتجلى لكل الخليقة المادية ، إن جسد الإنسان هو هيكل للروح القدس (1كو19:6) . وفى الخلق أتت الحياة من المادة ، الله أخذ ترابًا من الأرض ونفخ فيه نسمة حياة وخلق الإنسان ، وبولس الرسول يعلن أن كل خليقة الله صالحة (1تى4:4) . لقد أحب الله كل ما صنعته يداه، وبحسب الأسقف كاليستوس وير " يجب أن نتكلم عن الله لا كصانع (خالق) ولكن الله العاشق ، فهو حقًا يعشق ويحب الإنسان والكون حبًا لا حدود له "
[16].
الله هو مدبر الخليقة ، والعالم ـ بحسب الآباء ـ هو مكان الله ، لأنه المكان الذى يعلن الله فيه عمله (يوحنا الدمشقى)
[17].

الإنسان خُلق على صورة الله ومثاله
موقع الإنسان الفريد فى العالم قد ظهر فى الخلق ، إذ خلقه الله على صورته ومثاله (تك26:1)، لذا يؤكد التلمود أن " مجد الله هو الإنسان "
[18].
الإنسان هو مركز وتاج الخليقة، الإنسان هو خليقة محبة الله الواحد، والثالوث الذى هو "الله محبة " ، لقد خلق الله الإنسان بإجماع الأقانيم الثلاثة " نخلق الإنسان على صورتنا كشبهنا " أى نتيجة القرار الحر الجماعى للأقانيم الإلهية
[19].
والله كفنان عظيم لم يخلق الإنسان فقط ، بل حدد له " الموديل " الذى سوف يُخلق عليه ، فقد خلقه " بحسب الصورة " والتى تعبر عن " النموذج الأصلى " بحسب تعبير الآباء
[20] أى صورة الله ، ويجب أن ننتبه إلى أن رواية الخلق تخبرنا أن الإنسان خُلق بحسب صورة وليس هو صورة الله، لأن صورة الله هو الابن " اللوغوس " الأقنوم الثانى للثالوث القدوس " فهو صورة الله غير المنظور " (كو15:1). وخُلق الإنسان على صورة الله تعنى أن المسيح هو النموذج الأصلى للإنسان ، هو هدف وكمال الإنسان . لقد صار هو الإنسان الكامل لكى نصير نحن إنسانًا كاملاً فى المسيح .

ما هو هدف خلق الإنسان على صورة الله ؟
بحسب الأب مكسيموس المعترف يرى أن كل الخليقة بها ثنائيات متضادة :
[21]
1 ـ انقسمت الطبيعة الإنسانية إلى (ذكر ـ وأنثى) .
2 ـ انقسام الأرض إلى (فردوس ـ ومسكونة).
3 ـ انقسام الطبيعة المحسوسة إلى (أرض ـ وسماء).
4 ـ انقسام طبيعة الخليقة إلى (ذهنى ـ وحسى).
5 ـ الانفصال بين (الخالق ـ والمخلوق).
والإنسان خُلق بدعوة أن يجمع العالم ويُوحده بالخالق، ولكى يُنجز هذه المهمة ، لابد أن يجتاز الانقسام الأول الذى فيه (ذكر ـ وأنثى)، ثم بعد ذلك يوحد الفردوس بالأرض، أى يغير الأرض ويجعلها تتجلى لتصير فردوسًا، وأن يلغى المسافات بين الأرض والسماء، ولابد أن يتجاوز الحسى لكى يصل إلى العالم الملائكى، وأن يتحد بالله الخالق فى شركة وعلاقة حية معه، عندئذ يمارس الإنسان دوره الكهنوتى إذ يقدم العالم والخليقة كلها ذبيحة شكر لله ويحقق دوره الإفخارستى. والمسيح قد حقق كل هذه الوحدة، فقد جُمع كل شئ فى المسيح كما أخبرنا القديس بولس فى أفسس(10:1) "صائرًا رأس كل شئ وملك على كل شئ".

لقد تجاوز المسيح التميز بين الذكر والأنثى

لقد تجاوز المسيح هذا التميز روحيًا وليس جسديًا، فلم يعد ذكر أو أنثى بل الكل واحد فى المسيح (غل28:3) . والمؤمن مدعو لهذا التجاوز وذلك فى سر الزواج أو سر البتولية، وهذا التجاوز له بُعد أسخاتولوجى حسب كلام المسيح نفسه " فى السماء لا يتزوجون ولا يتزاوجون بل يكونوا كملائكة الله فى السماء " .

تجلى الأرض
المسيح بصلبه، وّحد الفردوس بالواقع الأرضى إذ قال للص اليمين " اليوم تكون معى فى الفردوس " ، والتجلى الذى حدث للمسيح على جبل طابور ما هو إلاّ الإخبار عن تجلى الأرض الكامل، ووصية الله للإنسان فى سفر التكوين " أعملها وأحرسها " هى محاولة الإنسان لأن يغير الأرض ويبدلها إلى فردوس . وهذه المحاولة تشمل كل الإنجازات التكنولوجية والحضارية التى يفعلها الإنسان داخل التاريخ لكى يغير ويبدل الأرض إلى فردوس .

وحدة الكون
بصعود المسيح توحدت الأرض بالسماء " إذا ما وقفنا فى هيكلك المقدس نحسب كالقيام فى المساء " (قطع الساعة الثالثة)، فلم يعد هناك مسافة مكانية بيننا وبين المسيح إذ نتمتع بالمسيح الحاضر معنا " إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمى هناك أكون فى الوسط " أيضًا التمتع بشركة القديسين وسحابة الشهود .
وربما كل إنجازات الإنسان فى علم الفضاء للانطلاق من الأرض للوصول إلى الفضاء الشاسع ـ أى السماء بالمعنى الحرفى ـ لها هذه الجذور اللاهوتية فى صعود المسيح .

الوحدة بين العالم الذهنى والعالم الحسى

بصعود المسيح أيضًا ، فتح الطريق إلى الشركة مع السمائيين " جعل الاثنين واحدًا هما السماء والأرض " أى مع العالم الروحى عالم الملائكة . وفى الكنيسة تتحقق هذه الشركة بين العالم المنظور والعالم غير المنظور، والإنسان عنده هذه الإمكانية إذ هو مخلوق من (المادة + الروح) فهو المخلوق الوحيد المتوسط بين " غير المنظور " و " المنظور " ، بين الروحى والمادى، إذ يجمع بين الحسى والروحى، فيستطيع أن يصنع شركة مع العالمين .


الشركة والاتحاد بين الإنسان والله
بعمل المسيح، قد تم استعادة الوحدة بين الله والعالم المخلوق، مثلما حدث فى التجسد عندما اتحد الخالق بالمخلوقات، فقد اتحدت الطبيعة الإلهية بالناسوتية بغير اختلاط وغير امتزاج أو تغيير وقدستها . لقد تقدس العنصر المخلوق باتحاده بالخالق، والإنسان هكذا أخذ دور الوسيط، فهو يقدم الخليقة المادية إلى الله أى يقودها للاتحاد بالله ، للاتحاد بمنبع كمال كل الخلائق الذى هو الله ، وبكلام آخر ، الإنسان مدعو أن يصير كاهنًا للعالم، إذ يقود ويقدم الخليقة المادية إلى خالقها. إن الهدف النهائى للإنسان هو الاتحاد بالله ، مسيرته من " بحسب الصورة " إلى "الصورة " ، أى الصعود المستمر بالإنسان نحو النموذج أو الموديل . إن حركة الإنسان من " بحسب الصورة " إلى " المثال " تعنى أن الهدف النهائى للإنسان هو الاتحاد بالله .
الخلق على صورة الله تعنى بالنسبة للإنسان كل الإمكانيات التى منحها الله للإنسان منذ الخلق، فهى ساكنة فيه، أما " بحسب المثال " فتعنى إدراك هذه الإمكانيات وتحقيقها عبر الزمن فى مسيرة تصاعدية نحو الاتحاد بالله .
إذن، الإنسان فى حالة حركة مستمرة، فيها يمارس كهنوتًا (بالمعنى الشمولى) يقدم الخليقة المادية معه كذبيحة شكرٍ لله . أيضًا يمارس سيادته كملك على العالم الطبيعى، ولكن تحكمه وصية الله " أعملها وأحفظها " ، فمطلوب منه كممثل لله على الأرض أن يستمر فى العمل الإبداعى تجاه العالم المحيط ، وأيضًا يحرس ويحفظ أى " العمل الاعتنائى " .
ومشكلة الإنسان المعاصر الملوث للبيئة أنه نفذ فعل الأمر " اعملها " وترك " احفظها " ، وأصبحت علاقته بالبيئة علاقة استغلالية ، امتلاكية، احتلالية مركزها الأنا ، وبدلاً من أن يكون مدبرًا للكون أصبح مدمرًا له .
مما سبق نجد أن الإنسان مخلوق على " صورة الله ومثاله " وله هدف يتحرك نحوه قد سبق الله وأعده لهذا الهدف، وهو الاتحاد به والشركة معه والمسيرة من " بحسب الصورة " إلى " الصورة "، قد صارت فى متناول الإنسان بالتجسد، أى بقرب " الصورة " من الإنسان "الكلمة (الصورة) صار جسدًا وحل بيننا " . والإنسان فى مسيرته يحمل صورة الله، أى ممثل عن الله على الأرض ، فهو كاهن ، أى كائن إفخارستى ، وهو ملك أى يسود على الخليقة . هو يقدم الخليقة كذبيحة شكر لله ويسود على الطبيعة سيدة المحبة ، فهو صورة للموديل والنموذج الأصلى الذى هو المسيح ، بهذا المعنى لا مجال لاستغلال البيئة .

الخليقة الجديدة والله
إن الخطية ، بحسب اللاهوت الشرقى ، هى فقدان البصيرة أو العمى الذهنى، وبناءً على ذلك، فالخلاص هو الاستنارة الذهنية "مستنيرة عيون أذهانكم " (أف18:1). والاختلاف بين الشرق والغرب يكمن فى التركيز الشديد على التقوى وتجديد الذهن (الفكر) الذى يميز اللاهوت الشرقى
[22] .
الأرثوذكسية تعنى الفكر النقى المستقيم، أما الكنيسة اللاتينية تركز على أن الخطية هى مجرد السلوك الشرير، والخلاص يتحقق بالتربية السليمة، وهكذا يسيطر على اللاهوت الشرقى " الذهنية " (intellectualism) ، بينما الغربى "الإرادية" (votuntarist)، لذا قديسى الكنيسة الشرقية "يتأملون" (contemplates) أما الغربية فيعملون (energoàn)
[23] .
إن " العقل " (الذهن) يوجه بالعبادة الكنسية تجاه الله عندما يتأمل فى الطبيعة، وذلك حتى لا يُستعبد للماديات. إن المفاهيم اللاهوتية الخاطئة التى كانت سائدة فى عصر النهضة هى التى حددت العلاقة الخاطئة بين الإنسان والعالم ، فتسلط ، وسيادة الإنسان على الكون صارت بمعزل عن عقيدة الله الخالق واعتنائه بالعالم. أيضًا فكرة المسيرة التقدمية للإنسان صارت بمعزل عن وصية الله للإنسان " احفظها " أى صيانة العالم ، أما النظرة الأرثوذكسية فهى لا ترى فى التقدم مزيدًا من الوفرة الإنتاجية التى لها آثار ضارة ، فالتقدم بالنسبة لها ليس من أجل مزيد من امتلاك العالم ولكن هدفه الكمال الإنسانى ، الحركة من " بحسب الصورة " إلى "بحسب المثال " ، فالتقدم ليس هو الهدف فى حد ذاته ولكن الاتحاد بالله، وهذا هو هدف العبادة الليتورجية الكنسية .
إن الاضطراب وانقطاع العلاقة بين الإنسان والطبيعة، يرجع إلى الاضطراب وانقطاع العلاقة بين الإنسان والله ، بين الخالق والمخلوق ، مما نتج عنه العمى الذهنى أو الإظلام العقلى والروحى داخل الإنسان ، أو بتعبير القديس أثناسيوس، حدث إظلام أو تشوه للصورة التى خُلق عليها الإنسان .
إن الإنسان أراد أن يسود ويتسلط على العالم بعيدًا عن الله الخالق ، وصدَّق كلام الحية "تصيران كالله "، واللاهوت يعتبر أن هذا هو بداية الدمار الذى تعانى منه البشرية الآن، فقد شكك فى السيادة الإلهية على الكون، ولم يعد هناك وقار تجاه العالم الذى هو خليقة الله . ثم جاء المسيح ليبدأ عصرًا جديدًا تمامًا ، فقد أسس علاقات صحيحة وأصيلة بين الإنسان والله والكون ، بالمصالحة التى تمت بينهم، داعيًا الإنسان لخدمة المصالحة ، كسفير عن المسيح، وأصبحت الكنيسة هى المكان الذى تتحقق فيه المصالحة وصار الإيمان الأرثوذكسى يشكل البنية الصحيحة للإنسان التى تحدد سلوكياته وتصرفاته، إلى أن جاء عصر النهضة (القرن16) فى الغرب وانتشرت الأفكار اللاهوتية الخاطئة عن الله والإنسان والكون والنتائج المترتبة على ذلك تجاه الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية . إن التفكير المتعمق ـ كما يقول الدكتور فؤاد ذكريا ـ فى مشكلات البيئة، يبين أن هذه المشكلات يصعب حلها من جذورها مادام الهدف من النشاط الاقتصادى هو التنافس على الربح ، لأن أى حلول لا يؤخذ بها، إلاّ فى إطار اقتصاد السوق
[24].
إن الحل الحقيقى يحتاج إلى تغيير أساسى فى قيم المجتمع، بحيث لا تعود مرتكزة على التنافس بل على التعاون والتعايش
[25]، هذا التغيير الجذرى بلغة اللاهوت هو " الخليقة الجديدة " ، " الاستنارة الذهنية " التى ينتج عنها طريقة تفكير جديدة vootpo ioc تُصحح فيها العلاقة بين الله والإنسان ، وبين الإنسان وأخيه الإنسان، وبين الإنسان والعالم الطبيعى .
إن الإنسان الجديد هو أمل البيئة وانتظارها المرتقب " لأن انتظار الخليقة يتوقع استعلان أبناء الله .. ستعتق من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله، فإننا نعلم أن كل الخليقة تئن وتتمخض معًا إلى الآن .. " (رو19:8ـ22) .
الكنيسة ترتكز على البناء الداخلى للإنسان ـ كما يقول قداسة البابا شنودة الثالث ـ "تكون تصرفاته الخارجية مجرد نتيجة طبيعية للإنسان الداخلى فى مبادئه وقيمه وموازينه.. 0لأنه بحسب موازين الإنسان للأمور وبحسب المبادئ التى يؤمن بها، هكذا تكون تصرفاته.."
[26] . وكل الكون ينتظر الإنسان الجديد فى مسيرته نحو التكمُل ، نحو تبديلها وتجليها إلى فردوس ، إلى خليقة جديدة .
إن الخليقة الجديدة ليست آتية بعد زوال هذا العالم وانتهائه إلى الفساد الطبيعى، ولكن تجديد أخلاقى وروحى لهذا العالم (الخلق الأول) ، فالمسيحية لا تنادى بعالمين كما يؤمن أتباع الثنائية (الغنوسية ، المانوية، الديكارتية، .. ) ولكن تنادى بعالم واحد له : تاريخ ، اى بداية ومغامرة أدت إلى السقوط ، ثم إعادة وإصلاح إلى الجوهر الأصلى له ، وهذا ما نعرفه نحن المسيحيون جيدًا فى قانون الإيمان " نؤمن بإله واحد .. خالق السماء والأرض "، وفى هذا القانون أيضًا نرى الإيمان بالخليقة الجديدة، التى تمت بتجسد اللوغوس وتتحقق فى الحاضر بواسطة الكنيسة . إن هذه المغامرة أثرت على حياة الإنسان وعلى البيئة المحيطة (أنظر رو18:8ـ23) .
" فإنى أحسب أن آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن فينا لأن انتظار الخليقة يتوقع استعلان أبناء الله . إذ أُخضعت الخليقة للبطل ليس طوعًا بل من أجل الذى أخضعها ، على الرجاء ، لأن الخليقة نفسها أيضًا ستُعتق من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله ، فإننا نعلم أن كل الخليقة تئن وتتمخض معًا إلى الآن .. " .
إن العهد القديم يقدم لنا وعود تجديد الخليقة والعالم، مؤكدًا على أن دخول الخطية إلى العالم تحت أشكال : القهر ، الانحلال الأخلاقى ، والحرب ، والفساد ، لن تعوق الهدف النهائى لخلق العالم والإنسانية .
إن رسالة الأنبياء تبشر الإنسان بأن إرادة الله عن مستقبل الإنسان ظلت وستظل دون أى تغيير .
إن الكتاب المقدس من سفر التكوين حتى سفر الرؤيا يعلن وعود الله وتحقيقها لأجل الإنسانية .
إن القديس أثناسيوس يوضح عمل النعمة ليشمل تجديد الخليقة كلها، وليست البشرية فقط [ لأن هذا ما وعد الله به على لسان حزقيال قائلاً : " وأعطيكم قلبًا جديدًا وأجعل روحًا جديدًا فى داخلكم، وأنزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم وأجعل روحى فى داخلكم " (حز26:36ـ27) فمتى كمُل هذا، إلاّ عندما جاء الرب وجدد كل شئ بنعمته ؟ كما يقول المرنم فى المزمور الثالث بعد المائة " ترسل روحك فتخلق وتجدد وجه الأرض " (مز30:103) ]
[27].
إن المجتمع الجديد تحقق بالمسيح ، وذلك بإعادة الخليقة إلى جوهرها الحقيقى ، وهكذا المسيح ظهر كجذر جديد لبشرية جديدة " لأنه كما فى آدم يموت الجميع هكذا فى المسيح سيحيا الجميع " (1كو21:15) . لقد صار المسيح بداية عالم جديد ، كرأس لجسد البشرية الجديدة ، كمملكة المسيح أو الله أو الروح ضد مملكة الظلمة (الشيطان)، حيث تاريخيًا كانت تمثلها الإمبراطورية الرومانية .
لقد وصف القديس بولس الرسول فى إصحاحى 7،8 من رسالة رومية سقوط العالم ، وأيضًا تحرره ومسيرته التصاعدية نحو الغاية الإلهية، فالفترة الأولى للبشرية كانت فترة استعباد وأسر للشر وذلك بعد السقوط ، إنها فترة الضعف الذى لم يمكن البشرية بأن تحقق الصلاح والبر.
الفترة الجديدة ، هى عند القديس بولس ، هى فترة تحرر البشرية بخلق إمكانيات جديدة داخلها ، إنها " الخليقة الجديدة "، الطبيعة عند الرسول بولس صارت مشخصة تئن وتتمخض منتظرة بشوق التحرر من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله .
إن العالم لم يُخلق لكى يُدمر نوويًا وإلاّ فتاريخ العالم ـ من المنظار المسيحى ـ سيكون بلا معنى ‎، فالمسيحية تؤكد على أن العالم له مستقبل هام أيضًا .
إن كل ما يقدمه الله إلى البشر والمدون فى الكتاب المقدس قصده هو تحقيق هدف الخلق الأول ، أن تصير البشرية حقًا عائلة الله . إن عقيدة الخلق وتجديد العالم يمثلان اليوم بداية وأساس لسلامة البيئة .
الكنيسة هى المكان الذى يتم فيه تبديل وتجلى العالم إلى فردوس على الأرض ، فالسماء والأرض الجديدة تبدأ من داخل الكنيسة وتنتشر انتشار الخميرة فى العجين .
إن الحياة الليتورجية تقدس الخليقة كلها ، ففى كل مرة يُقام سر كنسى نصلى من أجل المياه " تفضل يارب مياه النهر فى هذه السنة باركها " ، أيضًا من اجل ثمرات الأرض "تفضل يارب أهوية السماء وثمرات الأرض فى هذه السنة باركها " .
ويرد الشماس قائلاً " أطلبوا عن أهوية السماء وثمرات الأرض والشجر والكروم وكل شجرة مثمرة فى كل المسكونة لكى يباركها المسيح إلهنا ويكملها سالمة بغير آفة ويغفر لنا خطايانا " ، ويكمل الكاهن مصليًا من أجل الأرض بالتحديد " فرح وجه الأرض ليرو حرثها ولتكثر أثمارها أعدها للزرع والحصاد .. ".
وتأتى قمة الصلاة من أجل نتاج الأرض (الخبز والخمر) فى صلاة الإفخارستيا ليتغير إلى جسد المسيح ودمه ، فالكاهن يطلب فى اوشية التقدمة من الرب يسوع أن يُظهر وجهه على هذا الخبز وعلى هذه الكأس .
إن صلوات الكنيسة تحدد لنا العلاقة الصحيحة بين الإنسان والبيئة قبل أن تعى البشرية أزمة البيئة، البيئة فى نظر الكنيسة هى الفردوس الأرضى ، لذا هدف الكنيسة هو التجلى والتغير المستمر للعالم ليصير كنيسة ، فالكاهن عندما يصلى فى أوشية السلام قائلاً: " أذكر يارب سلام كنيستك الواحدة الوحيدة المقدسة الجامعة الرسولية " ، ويكمل قائلاً : " هذه الكائنة (الكنيسة) من أقاصى المسكونة إلى أقصاها .. " ، هنا المسكونة كلها هى فى حالة صيرورة دائمة لتكون كنيسة ، فردوس أرضى .
تعلمنا الكنيسة الصلاة من أجل موارد الأرض ، والمياه ، والهواء ، والزرع ، من أجل الكون كله، معلنة أن الكون لم يتوقف أن يكون خليقة الله الـ" الحسن " ومهمتنا هى صيانته والمحافظة عليه بعيدًا عن النزعة الاستهلاكية التى ظهرت فى المجتمعات الصناعية الحديثة فيما بعد ، فالمجتمعات المتقدمة تنظر إلى التوسع فى الاستهلاك، كما لو كان غاية فى ذاته وقيمة أساسية من قيم الحياة
[28].
الكنيسة لا تَعد الإنسان بتوفير مطالبه الاستهلاكية على طريقة أن قيمته إنما تُقاس بما يملك ، بل العكس إن الأصوام هى أبلغ تعبير على تدريب الإنسان على أن يقول بصراحة : " لا " للاستهلاك ، " لا " للرغبات المصطنعة ، " لا " لطوفان الإعلانات التى تشكل العقل بالطريقة التى يريدها المنتجون الذين ينشدون أكبر قدر من الربح ، " لا " للخمول الزائد ولأمراض الترف والحضارة ، " لا " لعبادة النمط الاستهلاكى للحياة .
الكنيسة تُؤصل وتزرع فينا الإعلان المستقيم عن الله وعلاقته بالإنسان والعالم الطبيعى ، فهى توجه الإنسان نحو سلوك واعٍ تجاه البيئة المحيطة ، وتشدد على أن الحياة الليتورجية والروحية للإنسان هى تمجيد وتسبيح الله الخالق بواسطة المخلوقات :
" فلنشكر المسيح إلهنا .. لأنه خلق السموات وجنودها ، وأسس الأرض على المياه ، هذين الكوكبين العظيمين الشمس والقمر جعلهما ينيران فى الفلك ، أخرج الرياح من كنوزه ، نفخ فى الأشجار حتى زهرت ، أمطر مطرًا على وجه الأرض حتى أنبتت واعطت ثمرتها .. فلنسبحه ونرفع اسمه ونشكره لأن رحمته كائنة إلى الأبد.. "
[29]. ويصير التسبيح واضحًا فى الهوس الثالث بأن الإنسان يمجد الله بواسطة المخلوقات قائلاً : " باركى الرب يا جميع أعمال الرب سبيحيه وزيديه علوًا إلى الأبد . باركى الرب يا جميع المياه سبحيه وزديه علوًا إلى الأبد .. باركا الرب أيها الشمس والقمر وزيداه علوًا إلى الأبد .. باركى الرب يا سائر نجوم السماء سبحيه وزيديه علوًا .. " [30] ويذكر الهوس الثالث طيور السماء ، الوحوش وكل البهائم، أى التسبيح يشمل كل الخليقة مع الإنسان وأرواح وأنفس الصديقين .
الكنيسة تقود المؤمن تربويًا بالأصوام والسلوكيات المنضبطة البعيدة عن النمط الاستهلاكى، وتربط دائمًا كل محاولات الإنسان للحفاظ على البيئة بالأساس اللاهوتى والفكر المستقيم، وتعتبر التغيير العميق والداخلى والجذرى للذهن الإنسانى ونقاوة القلب والعين البسيطة تقود الإنسان إلى رؤى سليمة تجاه العالم الصائر خليقة جديدة ، غير مكتفية بدعوة الأفراد فقط لصيانة العالم ، بل والحكومات والهيئات الحريصة على سلامة البيئة .
[1] أنظر المسيحية والقضايا المعاصرة ـ مقال بيئتنا البشرية ـ جون ستوت ـ دار الثقافة 1990، ص 176.
[2] أنظر كتاب " أرقام تصنع العالم " للأستاذ محمود المراغى ، أبريل 1998، ص 70.
[3] على سبيل المثال حدوث ثقب فى الهواء نتيجة التآكل المستمر فى طبقة الأوزون مما ينتج عنه أضرار بالغة للبيئة والإنسان (أنظر إيليا أيكونومو ـ البيئة اللاهوتية ـ أثينا1994، ص22).
[4] أرقام تصنع العالم المرجع السابق ص 74.
[5] د. ليلى تكلا " الثراء والغناء " الأهرام .
[6] أنظر (أرقام تصنع العالم) المرجع السابق .
[7] أرقام تصنع العالم ـ المرجع السابق ـ ص 165 .
[8] أنظر الأخلاق الشرقية والتقنية الغربية ـ ماريو بيغزوس ، أثينا 1993 ص 25.
[9] يبرر د. فؤاد زكريا فى كتابه " التفكير العلمى " ص 237 أن فى بداية عصر العلم سيطر شعار " السيطرة على الطبيعة " بدافع فهم العالم والتحكم فى الطبيعة عن طريق معرفة قوانينها ـ ويستمر الدكتور فؤاد قائلاً : " بل إن كبار الفلاسفة الذين دار تفكيرهم حول محور هذا الشعار مثل بيكن وديكارت فى أوائل القرن السابع عشر ، كانت تدفعهم نزعة إنسانية قوية هى الرغبة فى استعادة مملكة الإنسان على الأرض وتحريره من عبودية العمل الشاق .. كانت تلك هى نقطة البداية ، وهى الدافع الذى حفز الرواد الأوائل إلى المناداة بشعار " السيطرة على الطبيعة " عن طريق العلم ، واتخاذ المعرفة سبيلاً إلى اكتساب القوة والمقدرة " .
[10] يذكر جون ستوت كتاب " العدو السابع " د. رولاند هيجنز ، مدللاً على أن العدو السابع هو الإنسان وذلك بعد (الانفجار السكانى ـ أزمة الغذاء ـ ندرة الموارد ـ فساد البيئة ـ إساءة الاستعمال النووى والتكنولوجيا العلمية) مشيرًا إلى أن السبب الأساسى لأزمة البيئة كامنة فى جشع الإنسان ، ويضم صوته مع صوت البروفيسور كلاوس بوكمول فى كتابه "صيانة البيئة وطراز الحياة " بأن على المسيحيين أن يكونوا روادًا فى العناية بالجنس البشرى وعلينا أن " نوقظ من جديد لب أخلاق الإنجيل " . أنظر المسيحية والقضايا المعاصرة ، د. جون ستوت ، دار الثقافة 1990 ص 126.
[11] الخولاجى المقدس ـ إصدار مكتبة المحبة ص 152.
[12] أنظر كتاب " الطريق الأرثوذكسى " ـ أثينا 1984 ص 20،21 .
[13] المرجع السابق ص 34.
[14] المرجع السابق ص 34.
[15] أنظر شرح إنجيل يوحنا للقديس كيرلس بالعربية ص 129 ، نشر مركز دراسات الآباء .
[16] أنظر محاولة لاهوتية للاقتراب من أزمة البيئة ـ أندرياس ارجيروبولوس ـ أثينا 1997 ص 34.
[17] أنظر المرجع السابق ص 34.
[18] أنظر كاليستوس وير : الطريق الأرثوذكسى ص 59 .
[19] أنظر فلاديمير لوسكى : " اللاهوت السرى للكنيسة الشرقية " ، تسالونيكى 1964 ص 83.
[20] أنظر غريغوريوس بالاماس (PG 44, 136) .
[21] أنظر الأسقف إفسيميوس ، الإنسان ذكرًا وأنثى ، أثينا 1990 ، ص 56،59 .
[22] يذكر إيليا ايكونومو فى كتابه " البيئة اللاهوتية " أثينا 1994، ص 241، أن Lymn White يعترف بأن ما يميز الشرق عن الغرب هو درجة التقوى وتجديد الفكر . أنظر بأكثر تفصيل Lymn White, the Historical Roots of our Ecological crisis مجلة العلوم ، مجلد 155، مارس 1967 عدد 3667 ص 1206.
[23] أنظر إيليا إيكونومو ـ المرجع السابق ـ ص 241 .
[24] أنظر فؤاد زكريا ـ التفكير العلمى ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ مكتبة الأسرة 1996 ص222 .
[25] أنظر فؤاد زكريا ـ المرجع السابق ص 223.
[26] قداسة البابا شنودة الثالث ، البناء الداخلى للإنسان ، مجلة الكرازة ، السنة السادسة والعشرون، العددان 29،30 (24/7/1998) ص 12 ؛ أنظر أيضًا د. موريس تاوضروس " تعيين الله السابق فى تعاليم الرسول بولس " ، القاهرة 1993 ص 30 .
[27] الرسالة إلى سرابيون 9:1 (PG 26, 522c – 553A) ـ أنظر د. وهيب قزمان بولس ـ النعمة فى رسائل القديس أثناسيوس إلى الأسقف سرابيون : النعمة الإلهية فى الرسالة الأولى ـ مجلة " دراسات آبائية ولاهوتية " ـ السنة الأولى ـ العدد الثانى ـ يوليو 1998 ص 29،30 ؛ أيضًا انظر د. نصحى عبد الشهيد " التجلى ومجيء الملكوت " الكتاب الشهرى للشباب والخدام ، إصدار بيت التكريس لخدمة الكرازة ، أغسطس 97 ص 8 " .. تشترك الخليقة المادية مع أجسادنا فى نوال حرية مجد أولاد الله ويصبح الكون شفافًا للنعمة إذ ستعتق الخليقة من عبودية الفساد بفعل الروح القدس " .
[28] أنظر الدكتور فؤاد زكريا ـ المرجع السابق ـ ص 231 .
[29] الأبصلمودية المقدسة ، لبش الهوس الثانى ـ لجنة التحرير والنشر بمطرانية بنى سويف ـ الطبعة الثالثة 1991 ص 44،45 .
[30] أنظر الأبصلمودية المقدسة ص 48ـ50 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق