السبت، 2 يوليو 2011

العظة الثالثة
الإنسان والسقوط
المطران إيروثيوس فلاخوس- ترجمة د جورج عوض


1ـ الكلمة بحسب الطبيعة هو إبن الله, بينما البشر بحسب النعمة هم أبناء الله.
2ـ خلق العالم
3ـ الإنسان بحسب صورة الله ومثاله .
4ـ الفردوس القديم (الأول)
5ـ سقوط الإنسان
6ـ نتائج السقوط
بعد التحليل اللاهوتي لمثل الإبن الضال, أي بعد كل ما قلناه عن الله, من الضروري أن نمضي أيضًا للتحليل الإنثروبولوجي لهذا المثل. سوف يُظهِر لنا قيمة الإنسان وما هي الحياة الحقيقية.
أب المثل لديه إبنان. هذا يستلزم الولادة وقرابتهما والأثنان ظلَّوا في البيت وتمتعا بخيرات أبيهما.
الله يُدعَّي آب في علاقته مع إبنه الوحيد, لكن أيضًا آب في علاقته مع الإنسان. لكن توجد أربعة إختلافات بين الأثنين. الآب وَلَدَ الإبن قبل كل الدهور, بينما خَلَقَ الإنسان في الزمن. والإنسان هو إبن الله لكن بحسب النعمة, بينما الأقنوم الثاني للثالوث القدوس هو الإبن بحسب الطبيعة.
نستطيع أن نستخدم مثال لكي يصير هذا الأمر أكثر إدراكًا. رسام رسم لوحة فنية والتي هي إبداعة الفكري, عمله الخاص, وبطريقة ما هذه اللوحة هي بمثابة إبنه, لأنها تعبر عن أفكاره ومواهبة. لكن في نفس الوقت يلد أيضًا إبن. هكذا, أبدع لوحة بينما وَلدَ إبن. نفس الأمر, بقياسات موازية, يحدث أيضًا مع الله الآب في علاقة مع الكلمة إبنه ومع البشر.
الله خلق كل العالم. في البداية خَلَقَ الملائكة, المدعون العالم الذهني, ثم خلق في خمس أيام كل العالم الحسي, الكون, والطيور, والأسماك والحيوانات والنباتات...الخ. وبعد ذلك في اليوم السادس خَلَقَ الإنسان الذي يمثل مخلوق ذهني وحسي, أي النفس والجسد. كما يقول آباء الكنيسة, خلق أولاً المملكة, والقصور ثم بعد ذلك خَلَقَ الملك, الإنسان. الإنسان منذ بداية خلقته دُعَّي أن يكون ملك الخليقة.
يُقال في الكتاب المقدس أن الإنسان خُلِقَ بحسب صورة الله ومثالة. بحسب الصورة تخص الذهن والحرية, أي بأن لديه عقل وحرية, بينما بحسب المثال بأنه خُلِقَ لكي يصير بحسب النعمة ما عليه الله . بحسب الآباء, بحسب الصورة تشير إلي طبيعة النفس الثالوثية. كما أن الله هو عقل: اللوغوس وروح هكذا الإنسان لديه عقل والذي هو مركز الشخصية, النطق الذي هو القول الشفاهي واللفظي والذي يُصاغ بالمنطق, والروح التي هي العشق الذهني للإنسان, والقوة التي لديه في داخلة لكي يصل إلي التأليه (تحقيق الشركة مع الله).
هذا يعني أنه نموذج خِلقته, ونستطيع أن تقول أصل خلق الإنسان هو الله وبالحري كلمة الله, الإقنوم الثاني للثالوث. الإنسان لم يصر بمفرده بل لديه نموذج أصلي (أوليَّ) πρωτότυπο.
كأن لدينا فيلم ومنه صورنا صور كثيرة, هكذا نستطيع أن نقول أيضًا عن الإنسان. الفيلم هذا هوالكلمة المسيح والإنسان هو بحسب صورة الكلمة, نُسخ من الكلمة. لأجل هذا يجب أن يتشابه مع أصله ونموذجه, يجب أن يحافظ علي النسخة نقية, لأن غير ذلك لن يتجاوب مع خلقة, وبالتالي يفقد تمامًا قيمته.
بحسب الصورة يُظهر كينونته, أي حقيقة طبيعته, بينما بحسب المثال يُظهِر أين يجب أن يسير ومَنْ هو هدفه. هذا يعني أن الإنسان دائمًا ـ يجب أن يضع في حسابه عظمة أصلة بأنه أمير وشريف الأصل, يأتي من عائلة عظيمة وسامية, كذلك أيضًا يجب أن يجاهد ليتجاوب مع رسالته العظيمة. هدف الإنسان لا يُستنزف في ذاته. بمعني, لا ينبغي أن يهدف فقط إلي الأكل, والشرب والملبس وتهذيب النفس بل يجب أن يكون لديه أهداف سامية. ولا بالطبع هدف الإنسان هو أن يدرس, وأن يعمل لكي يتزوج....الخ. هذه الأمور سوف يفعلها لكي يرضي عن ذاته ويُخدَّم في الحياة هنا, لكن في النهاية هدفه العميق هو أن يصير إله بحسب النعمة. القديس غريغوريوس اللاهوتي حدد هدف الإنسان بطريقة رائعة: الإنسان لديه حياة ويتدبر في معيشته, لكن يسير تجاه الحياة الأخري. هذه المسيرة من الحياة البيولوجية إلي الحياة الروحية يُقال عنها سر. وبالطبع, نهاية السر هو أن يصير بنعمة الله على مِثال الله.
يبدو في المثل الذي درسناه أن الإبنين كانا يعيشان في بيت أبيهما. هذا, بحسب تفسير الآباء القديسين يُظهِر أنه مباشرةً بعد خلق الانسان كان يحيا في بيت الله, أي في الفردوس, ولديه شركة حقيقية مع الله. هذا الفردوس كان حسيًا وذهنيًا, أي مكان خاص, لكن أيضًا علاقة شخصية مع الله. نري في العهد القديم وبالحري في سفر التكوين أن آدم مباشرةً بعد خلقة كان لدية نعمة من الله, لأجل هذا كان يعيش وكذلك حواء مثل الملائكة في السماء.
طلب الإبن الأصغر في المثل نصيبه من الميراث: " فَقَالَ أَصْغَرُهُمَا لأَبِيهِ: يَا أَبِي أَعْطِنِي الْقِسْمَ الَّذِي يُصِيبُنِي مِنَ الْمَالِ. فَقَسَمَ لَهُمَا مَعِيشَتَهُ. وَبَعْدَ أَيَّامٍ لَيْسَتْ بِكَثِيرَةٍ جَمَعَ الابْنُ الأَصْغَرُ كُلَّ شَيْءٍ وَسَافَرَ إِلَى كُورَةٍ بَعِيدَةٍ، وَهُنَاكَ بَذَّرَ مَالَهُ بِعَيْشٍ مُسْرِفٍ. فَلَمَّا أَنْفَقَ كُلَّ شَيْءٍ، حَدَثَ جُوعٌ شَدِيدٌ فِي تِلْكَ الْكُورَةِ، فَابْتَدَأَ يَحْتَاجُ. فَمَضَى وَالْتَصَقَ بِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْكُورَةِ، فَأَرْسَلَهُ إِلَى حُقُولِهِ لِيَرْعَى خَنَازِيرَ. وَكَانَ يَشْتَهِي أَنْ يَمْلأَ بَطْنَهُ مِنَ الْخُرْنُوبِ الَّذِي كَانَتِ الْخَنَازِيرُ تَأْكُلُهُ، فَلَمْ يُعْطِهِ أَحَدٌ " (لو12:15ـ16).
المثل في هذه المرحلة يُشبه تمامًا سقوط الإنسان وإبتعادة عن الله. سوف نري النقاط المحورية.
بحسب القديس غريغوريوس بالاماس, الإبن الأصغر طلب نصيبة من أبيه, الذي يعني أن الخطية هي الأحدث بينما الفضيلة هي الأصل الأول. الإنسان خُلِق من الله طاهر (نقي) بإمكانية أن يصل إلي التأله. لكن الخطية هي الدخيل الأحدث, نتيجة عصيان الإنسان لله والإبتعاد عنه. خطية الإنسان كانت أنه أراد أن يسلب أعمال الله وكان يهدف أن تستمر حياته بحسب إراداته وليس بحسب مشيئة الله. كما يبدو في العهد القديم أراد أن يطيع ذاته وعقله وليس مشيئة الله. بالنسبة له كان مركز كل شيء هو ذاته وشهواته وليس الله. هذا هو جوهر مأساة الخطية الجدية, بل وأيضًا كل خطية أخري.
ونحن نقرأ مَثَل الإبن الضال نلاحظ درجات السقوط, بل وأيضًا مأساة الإبن الأصغر نستطيع أن نسجلها كالآتي: إغتصاب أو سلب أموال, إغتراب, تبذير الثروة, حرمان, عبودية. . يجب في هذا الإطار نري مأساة الخطية علي الأبوين الأولين, وكذلك مأساة كل خطية يرتكبها الإنسان.
عندما يحاول المرء أن يستنزف كل معيشته في حدود حياته البيولوجية ويفسرها عقليًا, يألَفَ الإبتعاد عن الله. تغرَّب الإنسان في كورة بعيدة, وفقد الشركة والإتحاد بالله. منذ خلقته الإنسان لديه نفس وجسد, مرتبطين برباط لا ينفصل فيما بينهما. النفس هي حياة الجسد, بل حياة النفس هي الروح القدس هكذا, الإنسان بدون الروح القدس هو ميت روحيًا. إنه من الواضح جدًا أن أب المثل قال بعد رجوع إبنه: "إبني هذا كان ميتًا فعاش" (لو24:15). هذا يعني أن الإبتعاد عن الله يُنشيء الموت. حقًا, بدون الله الإنسان هو ميت روحيًا يستطيع أن يتحرك ويعمل ولديه مكانة عالية في المجتمع لكن بدون الله كل الأشياء هي ميته والحياة تافة .
القديس يوحنا الدمشقي, وهو يتحدث عن سقوط آدم وحواء, يقول إن الإنسان بالخطية فَقَدَ النعمة الإلهية إظلمَّت صورة الله فى الانسان , عُرَّي من النعمة الإلهية والنتيجه أنه شعر بُعريه أيضًا في جسده ، لقد كانت النتائج رهيبة. ولأنه فَقَدَ النعمة الإلهية أتي الموت, أولاً أتى الموت الروحي, أي إبتعاده عن الله, وبعد ذلك أتى الموت الجسدي, اي الأمراض وفي النهاية الإنفصال بين النفس والجسد.
حياة الإنسان بدون الله, الذي خلقه, هو الحرمان الحقيقي عندئذٍ, لا شيء لديه معني في حياته. لا يُسعده إطلاقًا أي شيء, طالما فَقَدَ نموذجه الأصلي, الله. فقد الانسان المحبة الحقيقية, وأيضًا حُرِم من الحرية الحقيقية. هذا ما يعنيه المثل حين قال أن الابن الاصغر أُستعبد لأُناس تلك القرية التي كانت بعيدة عن منزل أبيه, وهؤلاء يرمزون للشيطان. هذا هو الحرمان الحقيقي للإنسان وعبوديتة. لقد خُلِق لكي يكون أمير, لكى يحيا في القصور الملكية، وللاسف فضَّل أن يبقي عاريًا, رث الثياب, راعي خنازير, أي أُستنزف حياته فقط في قدراته البيولوجية وفي إرضاء أحاسيسه. قُلنا من قبل إن الإنسان بدون الروح القدس هو ميت روحيًا.
القديس مقاريوس المصري يستخدم صورتين لكي يجعل هذه الحقيقية مدركة. الصورة الأولي هي صورة اللحمة بدون ملح. في هذه الحالة تفسد سريعًا وينبعث منها رائح كريهة مرعبة. الصورة الثانية هي صورة العملة التي ليس لديها صورة الملك عليها. مثل هذه العملة هي مزيفة وليس لها مطلقًا أي قيمة. نفس الأمر يحدث أيضًا مع الإنسان الذي ليس لديه في داخله فعل الروح كلي القداسة. ليس هو إنسان طبيعي وليس لديه الحياة الحقيقية.
القديس غريغوريوس النيصي يقول, إن الله هو حياة البشر. لقد قال المسيح ذاته "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو6:14). مَنْ يحيا بعيدًا عن الله لن تكون لديه حياة حقيقية. لأجل هذا حياة الخطأه تُدعي إنها مجرد حياة, لكن في الواقع ليست الحياة الحقيقية هذا يعني أنها حياة مأسوية. يُوجد محبوسًا في سجن الحواس, الفناء والفساد. لا يستطيع أن يُحدق في سماء الحُرية الصافية. يُعذَّب من كل مشاكل الحياة المأسوية. لا يجد أي مهرب. إنه منفي في أرض جرداء ولا يوجد أمل للخلاص, إن لم يرجع بإراداته إلي الله.
الإنسان بعيدًا عن الله هو ضال, يفقد قيمته وجماله. ليس لديه أب, ليس لديه مسكن, ليس لديه محبة, ليس لديه أصدقاء. الكُل يستغله. لأجل هذا, وهو في مرارته ومأساته يطلب الله. رغبة المعمودية تُوجد بالضبط في هذه الرؤية المسبقة προοπτική. إكتساب الحياة التي هي الله ويكون لديه علاقات شخصية مع الله الذي هو نموذجه الأصلي. طلب المعمودية ليس لديه ملمح إجتماعي, لا يجب أن تكون المتطلبات الخارجية والبشرية هى الدافع لطلب المعمودية, لكن يجب أن تكون للمعمودية هذه الرؤية. يريد أحد أن يعتمد لكي يأتي من الموت إلي الحياة, من الهلاك إلي الوجود, من المأسوية إلي السلام, من الكورة البعيدة إلي المسكن الأبوي, من الحرمان إلي الوفرة, من اليُتم إلي الحياة فى كنف الأب.
الأسئلة والأجوبة
1ـ ما هو الإختلاف بين الكلمة بكونه إبن الله ، والإنسان بكونه إبن الله؟
الأقنوم الثاني للثالوث هو إبن بحسب الطبيعة (إبن طبيعي), والإنسان هو إبن بحسب النعمة (إبن بالتبني), علي الجانب الآخر الكلمة هو غير مخلوق (ليس لديه بداية), والإنسان هو مخلوق (لديه بداية).
2ـ ما الذي سبق خلق الإنسان؟
خلق العالم الذهني (الملائكة) والعالم الحسي (كل الخليقة).
3ـ كيف يُدرَّك الإنسان بأنه مخلوق بحسب صورة ومثال الله؟
بحسب الصورة تشير إلي طبيعته, بأن لديه عقل وحرية أو لديه عقل ونطق وروح. بحسب المثال تشير إلي تحقيق الشركة , عندما يتحد بالله.
4ـ مَن هو النموذج الأصلي للإنسان؟
الأقنوم الثاني للثالوث القدوس, كلمة الله, المسيح.
5ـ ما هو هدف الإنسان؟
أن يصل إلي الاتحاد, إلي الشركة مع الله.
6ـ ماذا كان الفردوس؟
كان حسن , أي مكان مبارك وذهني, بمثابة شركة الإنسان مع الله.
7ـ ما هو جوهر سقوط الإنسان؟
عصيان الله, الإبتعاد عنه, والإعتماد علي القدرات البشرية وليس الخضوع لله.
8ـ ما هي نتائج السقوط؟
إظلام الذهن, العُري من النعمة الإلهية, الفساد والفناء, الحرمان, العبودية.
9ـ ماذا يعني أن الإنسان هو ميت روحيًا؟
أنه يحيا بيولوجيًا, وأيضًا ليس لديه الروح القدس, نعمة الله.
10ـ لماذا نعتمد؟
لأننا نرغب في أن نأتي مرة ثانية إلي الفردوس, ونكتسب مرة ثانية الإتحاد بالله ونتخلص من الحرمان والأغتراب.

هناك 3 تعليقات: