الخميس، 14 يوليو 2011


أصحاب المرجعيات الدينية ( 2 )
د. جورج عوض ابراهيم
2- التحرر من السُكنى فى كهوف الماضي
طرحنا فى المقالة السابقة سؤالاً فى غاية من الاهمية : متى تصبح الديانة قاطرة للتقدم والرقي ؟
لقد استعرضنا العامل الاول الذي يجعل الدين وسيلة فعَّالة للتقدم والرقي : التغيير الداخلي والجذري للإنسان بحيث يتطهر هذا الانسان من الأطماع والشهوات والسلوكيات المنحرفة ، الأمر الذي يجعلنا نؤكد على ان التحدي الحقيقي لإثبات صحة مذهب أي أحد هو الواقع العملي والممارسة اليومية والتعامل مع الآخرين وليست المجادلات النظرية التي تغذي الفرقة والتباعد والكُره والمقت والخصام والعداوة .....الخ.
العامل الثاني : هو التحرر من السُكنى فى كهوف الماضي والإقامة في الأطر الفكرية القديمة. إن الخطاب الديني الأصولي بعد ثورة 25 يناير مملوء بكلمات ومصطلحات وأفكار تنتمى إلى الماضي السحيق : غزوات – جواري – أهل ذمة – أسيرات - ....الخ لدرجة ان أحد الشيوخ دعا المجتمع إلى الرق والجواري والجهاد لحل أزمة الفقر ، ويقترح أن نغزو مرتين او ثلاثة فى السنة لنحل أزمتنا من الفقر . الغريب كل الغرابة انه توَّحد مع الماضي ونسى انه توجد مواثيق دولية وحدود رسمية للبلاد وتخيل أن الدول ( الكافرة ) التى سوف يغزوها ما زالت تستخدم فى حروبها الجياد والسيوف والرماح وتناسى مدى تقدمهم في كل المجالات ومنها الاسلحة والعتاد والطيران والتخطيط وأننا نقترض ونشترى منهم الاسلحة وهم يدربوننا عليها. هكذا عجز هذا الخطاب الديني على التواصل مع العالم المحيط الذى يتبنى بنية فكرية حديثة مثل : المواطنة ، قبول الآخر ، الحرية والعدالة بمفهومهما المتقدم والحديث ، والمواثيق الدولية ، والتعاون المشترك في كل المجالات ، على سبيل المثال : مجال الطب ‘ فهذة البلاد متقدمة فى هذا المجال وهذا واضح من الأجهزة الطبية التي تكتظ بها مستشفياتنا والواردة من هذة البلاد التي يطالبنا هذا الشيخ بغزوها ناهيك عن الأدوية وطرق العلاج والابحاث المستمرة للقضاء على الأمراض ونحن نكتفي بالأنتظار والمشاهدة والعودة إلى كهوفنا القابعة في هوة الماضي السحيق .
المجتمع المتقدم لا يُبنى بالعودة إلى الماضي . طبعاً هناك فرق بين ثوابت الخطاب الديني التى يجب ان يحترمها كل إنسان والمتغيرات التي تحدث بفعل الزمن والتطور وتغير الظروف والأفكار والمفاهيم ، فالزمن ليس ساكن بل متحرك ويحمل معه المتغيرات والرؤى ومفاهيم مغايره . الأمر الهام هو ان لا نجعل كل ما في الماضي الديني ثوابت ونحاول ان نجمد الزمن ونوقف حركة التاريخ . هذا انتحار للمجتمع الذي يُلقي نفسه في هوة الماضي السحيق، مثل أهل الكهف الذين ناموا ازمنة عديدة ثم استيقظوا لكى يتعاملوا مع الناس بنفس العملات القديمة التي دُفنت معهم ونفس الأفكار القديمة البالية ثم يتسائلون متحيرين لماذا لا يفهمهم الناس؟
التسلح بالأطر الفكرية القديمة هى أحد الأسباب القوية لعودة المجتمع إلى الخلف وإنغماسه في مآزق لا يستطيع فيها ان يواجه المجتمع الدولي بكل تقدمه وحداثته ورُقيه ، مما يجعله ينحاز للأقصاء والقتل والتهديد والمقاطعات وغيره. الواقع يُثبت فشل المجتمع المقيم فى كهوف الماضي فى مسايرة التقدم العلمي والتكنولوجي وحركة التغير الثقافي والإجتماعي التي نشاهدها فى العالم المتقدم. إذن لكي تتقدم شعوبنا لا بُد من التدين المستنير الذي يدفع أفراد المجتمع الذين نالوا تغيراً جذرياً وتطهيراً داخلياً إلى المحبة وقبول الآخر وتفعيل قدرات أفراد المجتمع للبناء والبحث والعمل والابتكار والابداع . هذا هو التحدي الحقيقي لكل مذهب لكي يُثبت مدى أصالته وفاعليته وجدارته بعيداً عن الثرثرة الكلامية . ( يتبع )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق