الاثنين، 11 يوليو 2011



أصحاب المرجعيات الدينية (1)
د. جورج عوض إبراهيم
يتباري عدد ليس بقليل من الأحزاب المؤسسة حديثًا علي التأكيد التكتيكي والمزايدة علي المرجعية الدينية لكي يقتربوا من الناس علي أساس الدين ويستخدموا نفس السلاح المستخدم في الأحزاب المنبثقة من الحركات الدينية. وبالطبع بينما كل هذه الأحزاب تدَّعي الليبرالية إلا أنها تؤكد علي مرجعيتها الدينية, بل إن المرشحين للرياسة يؤكدون علي مرجعيتهم الدينية, وآخر سلفي يؤكد علي أنه ليبرالي جدًا. وطالما أن الكلام لا يكلف شيئًا فكل واحد يتحدث بغض النظر عن معقولية كلامه,فالقانون السائد الآن هو: ألعب بأي ورقة أو بكل الأوراق. المهم أن تعتلي كرسي الرياسة, والبرنامج الحقيقي سوف يأتي فيما بعد, حتي أن رئيس قناة فضائية رشح نفسه للرياسة ولمِا لا مش يمكن تمشي معاه ويكون رئيسًا لمصر. الكل يحلم والكل يطمع في الرياسة دون أن تكون له فكرة صحيحة وصورة واضحة عن العالم المعاصر, بأنظمته وقيمَّة ومواثيقة الدولية وعلومه المتطورة ومصطلحاته الحالية. فأوروبا كانت منذ سنوات قليلة في نظر النظام العالمي الجديد أوروبا العجوز أي التي لا تستطيع أن تتكيف مع تطور الأحداث فكم وكم نحن أمام العالم الحديث, والذي يجعلنا نقلق أكثر أن التيار الديني يري النجاه في التمسك بتشريع النصوص, والرقُي والتقدم - فى رأيهم - يأتي من هذا المنطلق الديني. والسؤال الذي يفرض نفسه بعيدًا عن توصيف الدولة المدنية أو الدينية, أي بغض النظر عن التسميات, هل يمكن للدين أن يكون قاطرة التقدم والرُقي للمجتمع أم لا؟ والإجابة لو كانت نعم, فالسؤال: كيف؟ كيف للرسالة الدينية تدفع الإنسان لكي يصنع حضارة ويتقدم ويتحقق مجتمع حديث فيه تُصان كرامة الإنسان ويتحقق العدل والتقدم والحياة الكريمة؟ الإجابة علي السؤال يأتي من محتوي الرسالة الدينية فمن المعروف أن الرسالة الدينية تنظم علاقة الإنسان بالله وبأخية في الإنسانية وبالكون فالمثلث الذي أمام الرسالة الدينية هو: الله ـ الإنسان ـ الكون، حين تدعو الرسالة الدينية الإنسان ليتصالح مع الله أي تكون له علاقة مع الله وتواصل أو شركة طبعًا بحسب تسمية الدين الذي ينتمي إليه الإنسان, فنحن أمام الرسالة الروحية التي يتميز بها أي مذهب وهذا يتطلب أن يتطهر الإنسان داخليًا من كل الأمور الدنسة, قد تنادي رسالة دينية بأن هذا يحدث بالتوبة والإستغفار وممارسة أركان العبادة, وقد تنادي رسالة أخري بولادة ثانية - بواسطة المسيح - يتم فيها تغيير الإنسان جذريًا. أيًا كانت الوسيلة, وبغض النظر عن تمسك كل دين بحلوله والمناداة بأنها الوسيلة الوحيدة لصُنع علاقة حيَّة مع الله, إلا أن التحدي الحقيقي لإثبات صحة الرسالة هو المجال العملي التطبيقي وليس التنظير والمجادلات النظرية في إثبات صحة الرسالة كما يحدث عبر النت والفضائيات . نقصد هنا المعاملة الحسنة والأعمال الصالحة التي تُعلن ـ بدون ثرثرة كلامية ـ عن النور الموجود بداخل كل إنسان الممارسة العملية للدين لأبد أن يكون لها مردود عملي في الحياة اليومية. فعندما تكتظ شوارعنا بالزبالة والأوساخ وترتاح عيوننا بالنظر إليها دون فعل أي شيء, عندما نخالف كل ما يميله علينا ضميرنا وبصيرتنا وإيماننا الديني ونسعى للكسب ببناء عمارات شاهقة دون عمل حساب للشوارع ولا لراحة البشر ولا للصرف الصحي ولا مكان لجراج للسيارات, عندما لا نتعامل بلطف مع بعضنا البعض, عندما نعطل في مصالحنا الإدارية شغل الناس ونطلب رشاوي ولا نؤدي عملنا كما يجب, عندما لا نراعي حق الطريق والجار , عندما تحدث مثل هذه الأمور وأكثر من ذلك من غش وخداع ومنتجات بنوعية رديئة لا يحترمها الناس داخليًا وخارجيًا, ثم بعد كل هذا نتشدق بإيماننا ونفتخر به ونموت لأجله ، فنحن نخدع انفسنا ، إذ تحوَّل الايمان علي أيدينا لبنود نظرية نرددها. ونريد من الآخرين إحترام إيماننا ورموزنا وعقيدتنا ونحن أول منْ يهين إيماننا. هل الإيمان هو الذي دفعنا لكي نخنق أنفسنا ونتزاحم في مساحة صغيرة من الأرض ولدينا مُدن جديدة تحولت إلي منتجعات وأماكن لقضاء فترات ترفهية ثم الرجوع إلي الزحام مرة أخري. هل الإيمان هو الذي يدفعنا للجشع والكسب غير المشروع وإكتناز الأموال. هل الإيمان هو الذي دفعنا كى يكون حال الأغلبية من شعبنا في المناطق العشوائية لا يحصلون علي الحد الأدني من الحياة: مسكن ـ وماء ـ وطعام ـ ولبُاس. هل الإيمان هو الذي يدفعنا لكي نغش كل شيء: أدوية, أطعمة, ملابس, أجهزة,...الخ. هل الإيمان هو الذي دفعنا لأن نطبق النظام الرأسمالي والإقتصاد بهذه القسوة دون مراعاة حقوق شعوبنا الفقيرة. إذن الخطوة الأولي ليكون الدين أو الرسالة الدينية هي قاطرة التقدم والرُقي هي تحقيق الرسالة الروحية التي تغير الإنسان داخليًا بطريقة عملية يراها الجميع في الحياة اليومية وليصبح رموز هذه الرسالة قدوة عملية في حياتنا ليكونوا أول الناس الذين نري فيهم تجسيد لهذه الرسالة الروحية والتغير الداخلي. هنا المنافسة الحقيقية في الميدان العملي, أنت تنادي بصحة مذهبك, دعني أراك في حياتك وتصرفاتك, دع هذا هو الدليل وليس النقاش النظري والجدلي.
(يتبع)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق