الثلاثاء، 5 أكتوبر 2010






مافيا سرقة الاعضاء البشريةرؤية مسيحية
د. جورج عوض ابراهيم

أثار ما نشرته احدي الصحف حول موضوع سرقة أعضاء عدد من أطفال الشوارع في شبرا الخيمة من الأطفال ضجة كبيرة وإنتشرت التحذيرات من أن تكون الحالات المنشورة بداية للكشف عن مافيا متكاملة لسرقة أعضاء الأطفال وبيعها لمن يدفع أكثر. وحين نقول مافيا لا نقصد أن السماسرة الذين قادوا الأطفال ليبيعوا أعضائهم هم فقط المسئولون بل هم بالحري مجرد وسطاء لتجار آخرين بعد أن أصبحت هذه التجارة تحقق مكاسب خيالية. ينضم لهذه التجارة أطباء ومستشفيات خاصة لهذا الغرض وكذلك معامل تحاليل، أي أُناس متعلمون تعليمًا راقيًا، هكذا مفترض أن يكونوا. لكن للأسف صاروا خائنين وغير آدميين لأجل المال والجشع والمكسب، صاروا لصوص وقتلة في نفس الوقت.
نحن نرى أن معالجة هذه الكارثة لا نستطيع أن نختزلها في عدة إجراءات مثل الرقابة على المستشفيات وعلى المعامل المتخصصة في عمل تحليل للعمليات الكبيرة. فالأمر ليس بهذه البساطة؛ لكن نرى أننا في حاجة إلى أن ننظر للحياة في حد ذاتها نظرة عميقة لنتخذ موقفًا صحيحًا تجاه الكائن البشري بل وتجاه خليقة الله بشكل عام. عندئذٍ نستطيع أن نتصرف تجاه خلائق الله بطريقة تليق بمكانة هذه الخلائق وخاصةً الإنسان الذي هو، إن جاز التعبير، منتج إلهي.

أساسيات موقفنا من خلائق الله تتضمن بعض المبادئ التي يجب أن نؤمن بها. هذه المبادئ مستمدة من تعاليمنا
الإيمانية وهي:+ إن حياة الإنسان والكون هما عطية من الله وليسا من نتاج الإنسان. إن وجود الإنسان وكينونته ليست من ذاته بل من الله.+ الإنسان بكونه تاج الخليقة هو مسئول عن التوازنات البيئية التي تحفظ حياة الحيوانات والنباتات.+ الإنسان ليس هو خالق بل هو مشارك في خلق الحياة البشرية.+ الإنسان ليس هو مالك لحياته بل بالحري مدبر لحياته. هذا يعني أن حياة الإنسان ليست عشوائية بل الإنسان مسئول عن تدبير حياته.+ الإنسان مكوَّن من نفس وجسد ولا يمكن الأثنان أن ينفصلا. فحياة الإنسان هي حياة واحدة لها بُعدين، بُعد نفسي وبُعد جسدي، أي روحي ومادي. التركيز على بُعد واحد يؤذي الإنسان ويُعطي دافع للعلم للتطاول على الإنسان.
+ صحة الإنسان الروحية تقود للصحة الجسدية والصحة الروحية تفترض علاقة صحيحة وحية مع الخالق ومع
الأخوة في الإنسانية ومع البيئة المحيطة.الحياة البشرية لها قيمة، وتستمد قيمتها من خالقها. وهذه الحياة هي مقدسة منذ الحمل حتى الموت. وهذا يعني أن الإنسان هو مخلوق بحسب صورة الله، فهو لا يتشئ ولا يُستخدم كحيوان تجارب في أي حالة. الحياة البشرية ـ كذلك ـ ليست سلعة ولا يُتاجر بها، ولا تصير فقط لإرضاء المصالح الاقتصادية. والملمح المقدس للحياة البشرية يعني الكرامة البشرية والتي يقف أمامها العِلم بكل تقدير وإحترام. لذلك غير مسموح للأطباء إستغلال مهنتهم بطرق غير شرعية في غياب الرقابة والشروع في إجراء عمليات خطيرة تُسرق فيها أعضاء بشرية بغرض المتاجرة والكسب غير المشروع. عمليات يتحول فيها الإنسان إلى مخزن لقطع غيار بشرية. إذن كل تدخل طبي ينبغي أن يحدث بشرط أن لا يخترق حرية الفرد ولا كرامته. الغاية لا تبرر الوسيلة. والفرد لا يحل محله أحد وله قيمة فريدة، لذلك لا يُضحَّى به من أجل عِلاج آخر ولا من أجل التقدم العلمي أو لأي غرض آخر.
الإنسان ليس هو مسئول فقط عن حياته لكن أيضًا عن حياة الآخرين والأجيال القادمة.

الإنسان ـ بالنسبة لسر الحياة ـ لا يمكن أن يأخذ دور الله، تدخله في الخلق لا يصير بمعزل عن الله أو ضد الله بل مع الله ولأجل الله. نحن نحتاج إلى الإنضباط والوقار والتواضع أمام المنظومة البشرية الحية، وتدخلنا ينبغي أن يكون في أضيق الحدود.
الإنسان المؤمن لا يخاف الموت الجسدي ولا يتجنبه، إنما هو يخاف الموت الروحي. فالحياة البيولوجية في ذاتها ليست لها قيمة. فالإبقاء على الحياة ليس هو هدف في حد ذاته. فالإنسان ليس مثل الحيوان. هناك بُعد روحي ـ كما سبق أن أوضحنا من البداية ـ مَنْ يحيا حياة تليق به كمخلوق إلهي لا يخاف الموت الجسدي.
عندما لا يحفظ العُلماء والأطباء هذه المبادئ وغيرها لكي تكون بمثابة الأساس للعمل ومزاولة المهنة تتحول معرفتهم وعلومهم إلى نقمة ولعنة على البشرية والمجتمع. وحينئذٍ لا نتفاجئ بمثل هذه التصرفات التي أُثيرت وأزعجت المجتمع البشري من تجارة الأعضاء البشرية وسرقة أعضاء الأطفال وغيرها من التصرفات المشينة. نحن نحتاج إلى إعداد قانون لزرع الأعضاء البشرية تكون هذه المبادئ التي ذكرناها وغيرها من المبادئ التي تكرم الإنسان وتحترم حياته البشرية وحقوقه هي بمثابة أساس لهذا القانون.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق