الخميس، 10 مارس 2011




المحبة العاملة

د।جورج عوض


إن المحبة التى نادى بها المسيح لا تُفهم إلا بارتباطها الشديد بالعمل أو بتفعيلها، فالمسيح لا يُعلم ولا يكرز بمحبة عاطفية ولكن بالمحبة العاملة،
لذلك يشدد على ذلك فى الموعظة على الجبل :
"ليس كل من يقول لى يارب يارب يدخل ملكوت السموات بل الذى يفعل إرادة أبى الذى فى السموات.كثيرون يقولون فى ذلك اليوم يارب يا رب ألي باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة. فحينئذ أصرخ لهم أنى لم أعرفكم قط فاذهبوا عنى يا فاعلى الإثم. فكل من يسمع أقوالى هذه ويعمل بها أشبه برجل عاقل بنى بيته على الصخر ..... وكل من يسمع أقوالى هذه ولا يعمل بها يشبه رجل جاهل بنى بيته على الرمل ..." (مت21:7ـ27).واضح من هذا النص أن المسيح يُعطى أولوية ليس لاعتراف الإيمان النظرى المستقيم لكن للعمل والفعل وإتيان الثمار . ذلك الذى له أهمية حاسمة هو ليس قبول حقائق إيمانية نظرية لكن بالمحبة العاملة. المسيح لا يطلب فقط تغيير داخلى لكن ترجمة هذا التغيير إلى عمل وفعل. وهذا يظهر جلياً فى مثل التينة غير المثمرة : "كانت لواحد شجرة تين مغروسة فى كرمه. فأتى يطلب فيها ثمراً ولم يجد. فقال للكرام هوذا ثلاث سنين آتى أطلب ثمراً فى هذه التينة ولم أجد. اقطعها. لماذا تبطل الأرض أيضاً. فأجاب وقال له يا سيد اتركها هذه السنة أيضاً حتى أنقب حولها وأضع ذبلاً. فإن صنعت ثمراً وإلا ففيما بعد تقطعها". (لو6:13ـ9).لقد كرز أيضاً يعقوب أخو الرب بالضرورة المطلقة للعمل: "ولكن كونوا عاملين بالكلمة لا سامعين فقط خادعين نفوسكم" (يع22:1).
الإيمان وحده لا يكفى "لأنه كما أن الجسد بدون روح ميت هكذا الإيمان أيضاً بدون أعمال ميت" (يع26:2).
الرسول يعقوب لا يشكك فى قيمة الإيمان، لكنه يرفض الفكر الذى يكتفى فقط بالإيمان، كذلك الفكر الذى ينادى بأنه يستطيع أحد أن ينتظر كل شئ من النعمة الإلهية.
لا يوجد مجال للشك فى أن المسيح أعطى أفضلية أو أولوية مباشرة للعمل، لكن أى عمل يطلب؟ المسيح يطلب العمل الذى تسمح به الوصية الجديدة التى هى المحبة، وهذه الوصية ليست موقف عاطفى عام وحسب، بل محبة عاملة محددة، لشخص محدد، وهذا يعنى المساندة والوقوف بجانبه فى احتياجاته ومشاكله التى يواجهها
"هنا والآن" (راجع رو9:12ـ21).
"لا تنظروا كل واحد إلى ما هو لنفسه بل كل واحد إلى ما هو لآخرين أيضاً
" (فيلبى4:2).
هذا ما فعله المسيح إذ صار إنسان لأجل الإنسان، وواضح جداً فى مثل السامرى الصالح (لو30:10ـ37) والإصحاح ال25 لإنجيل متى.
علينا أن نتشبه بالسامرى الصالح الذى فعل كل ما عنده لكى يداوى جراحات إنسان وينقذه، على العكس، أدان المثل السلوك القاسى للكهنة واللاويين الذين رأوا كم كان الإنسان جريح بين حى وميت ولكن عبروا عليه دون أن يفعلوا شيئاً. لقد أراد المسيح بهذا المثل أن يعلمنا بأن المحبة نحو أخينا فى الإنسانية تعنى الدفاع والوقوف بجانبه حتى يستطيع أن يواجه مشاكله التى تؤرقه.
أيضاً إصحاح متى25 خصوصاً المقطع الذى يتكلم عن "الدينونة العتيدة"
(مت31:25ـ46)
فى هذا المقطع نجد أن المعيار الذى سوف يدين به المسيح الإنسان هو موقفه إزاء مشاكل واحتياجات الأخ فى الإنسانية ، فالمحبة نحو الله والقريب تعنى صراعاً لا يهدأ حتى يتخلص الأخ فى الإنسانية من سياط الحرمان والضعف، من المرض، من الأمية، ومن كل أشكال القهر. المحبة تعنى عند المسيح صراع حتى تزال المعطلات فى طريق سعادة الإنسان.وهنا سؤال يفرض نفسه: هل هذه المحبة العملية التى يطلبها المسيح، يجب أن تمارس على مستوى الفرد أم المجتمع؟إن الوصية الجديدة للمحبة تتطلب ليس فقط إنسان جديد بل ومجتمع جديد، فأخلاق المحبة وثقافة "قبول الآخر" و "ثقافة التسامح" التى علمها المسيح لها نتائج اجتماعية شاملة تطلب من الإنسان أن يغير الروابط الاجتماعية ويؤسس عالم يسوده العدل، عالم أكثر إنسانية. ومن جهة أخرى، فإن المحبة لا يمكن أن تتصالح مع عادات وروابط وبرامج اجتماعية تعتبر الإنسان شئ أو أداة لكى ترضى أهدافها أو أيدلوجياتها أو محبة المجد الباطل، لقد قاوم المسيح بشدة الظلم "تباعدوا عنى يا جميع فاعلى الظلم" (لو27:13)، وطالب بعالم جديد خالى من أناس مقهورين. لذلك لم يُعطى المسيح لتلاميذه بنود تعليمية ولكن أن يكرزوا بملكوت الله وهذا له أهمية خاصة، أن يحرروا الناس من كل أشكال الضعف والمرض والقهر : "وفيما أنتم ذاهبون اكرزوا قائلين أنه قد اقترب ملكوت السموات اشفوا مرضى. طهروا برصاً. أقيموا موتى. اخرجوا شياطين. مجاناً أخذتم مجاناً أعطوا". (مت7:10ـ8).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق