عبود الزمر ومواجهة الشر- رؤية مسيحيةد جورج عوض ابراهيمهرولت الفضائيات لتنال سبق التحدث مع عبود الزمر الذى خرج من السجن بعد ثلاثون عاما فى قضية مقتل الرئيس السابق انور السادات، وحسناً فعلت ليعرف الناس كيف يفكر الرجل وهل يؤمن بنفس الافكار التى كان يؤمن بها السلفيون والجهاديون ام حدث تغير لهذة الافكار. ورغم المجهود الكبير الذى بذلة الرجل المنهك من عناء السجن لكى يثبت ان فكرة السلفى يتواءم مع الحياة المعاصرة والعلاقات والمواثيق الدولية ، الا اننا نرى فى حديثة فى برنامج العاشرة مساء الملامح الواضحة والمعروفة للفكر السلفى والتى نلخصها فى ثلاثة ملامح هى : 1- النزعة المحافظة : هذة النزعة تعارض النزعة التحررية أو الاجتماعية او التنورية والحداثة . هذة النزعة تتبنى الايمان الحرفى والتطبيق الاعمى لأوامر الميراث السلفى. 2- النزعة التدينية : هذة النزعة تُخضِع كل ما هو علمانى : الدولة والمجتمع والاقتصاد لكل ما هو دينى ، وتتصلب فى فهمها لكل مجالات الحياة والبحث عن وجهات نظر من أٌمهات الكتب التراثية. 3- النزعة الجهادية : هذة النزعة لا تتردد فى استخدام العنف وسفك الدماء والقتل الجماعى وبتر الاعضاء كعقاب وعزل الاقليات ..... كل هذا يندرج فى الاجندة اليومية للسلفيين.الموضوع الجوهرى الذى يفرض نفسة فى حديث عبود الزمر هو محاولتة الصادقة فى الاجابة على سؤال : ماذا ينبغى ان يفعلة الانسان لكى يواجه الشر فى العالم ؟ توجد ثلاثة اجابات – كما يسردها الدكتور ماريوس بيزغوس استاذ اللاهوت جامعة اثينا – 1- إجابة شائعة فى الحياة اليومية. 2- إجابة تدينية . 3- إجابة مسيحية كنسية . الاجابة الاولى الشائعة عند الانسان اليومى هى الارتضاء والاستسلام للأمر الواقع . فالشر وفق هذة الاجابة لا يمكن تقويمة او مواجهته ، إذ تتبنى هذة الاجابة على عبارات مثل : هكذا كان ، هكذا يكون وسيكون ، الانسان لن يغير شيئاً ...... والامر الوحيد الذى نفعلة هو أن نتكيف مع كل شىء بأن نُجّمِل ونستعذب المرض والموت ونتحمل الاستغلال بشتى المجالات سواء مالية واجتماعية وسياسية وتبرير الشرائع الدينية أو السياسية التى تحرمنا من انسانيتنا وحريتنا . هذا الموقف الذى تتبناه هذة الاجابة هو مضاد للمسيحية وغير مقبول. نفس الامر مع الاجابة الثانية التدينية والتى تتبنى تغييب الانسان ليصل لمرحلة عدم الاحساس تجاه المعاناه ، إنطلاقاَ من الرضى التام بمبدأ ان الطبيعة البشرية غير قابلة للشفاء والانظمة الاجتماعية والسياسية العلمانية هى فاسدة وغير قابلة للأصلاح . الانسان المتدين يطلب ملجأة من التاريخ ، يتحصن بتعاطية الافيون الدينى او الميتافيزيقى لكى ينسى ألمه ويظل فى حالة غيبوبة تامة لا ينفعل ولا يشعر بمعاناة اخيه فى الانسانية وجاهل تماما لمآسى التاريخ حتى يبقى هذا التاريخ الماضوى فردوس يلجأ اليه دائماً. أما الاجابة المسيحية الكنسية تختلف جذريا عن الاجابتين السابقتين . فالكنيسة بايمانها المستقيم ترفض الرضى بالامر الواقع وترفض التعاطى مع التدين كتغييب عن الواقع . فالانسان المسيحى ينبغى علية ان يقاوم الشر لأن العالم يمكن ان يتغير وينبغى ان يتغير ، أن يمر من حالة العدم الى حالة الوجود الحسن ، من حالة الفوضى الى الخليقة الجديدة . هذا يعنى ان الانسان المسيحى يتغير ويتجدد داخلياً وجوهرياً ثم يغير الانسانية المحيطه به ، يحول الظروف وينير الاذهان والضمائر ويشارك اخوته فى الانسانية فى آلامهم ومشاكلهم وقلائقهم مترفقاً بضحايا التاريخ مجاهداً معهم ليستردوا حقوقهم وحريتهم وسلامهم وحياتهم . لكن كيف يحقق الانسان المسيحى هذا الامر؟ تطرح علينا الكنيسة حلا : تُظهِر لنا الكنيسة حياة شخص تاريخى معين ، شخص المسيح . المسيح الذى هو الله وصار انساناً بكل حريته وارادته . لقد اتخذ جسدا وتألم اكثر من اى أحد منا فى كل حياته : وُلِدَ فى ظروف بائسة ، عاش حياة متواضعة جدا ، مات بأسوء طريقة ، أُسىء فهمه من اقرب الناس اليه ، عانى الامرين من السلطة الدينية اليهودية والسلطة السياسية الرومانية ، إلتف حولة كل المهمشين والمنبوذين فى مجتمعه : الزناة والعشارين ومات على الصليب مع لصوص ، لكن فى النهاية قام من بين الاموات وانتصر على الموت بالموت . ماذا يعنى كل هذا ؟؟؟ هذا يعنى ان الانسان ليس بعد بمفردة فى آلامه بل له رفيق : الانسان الاله المتألم . وبفضل المسيح ليس لدى الانسان واحد فقد بل رفقاء كثيرين هم الكنيسة التى هى جماعة المتألمين والشهداء والقديسيين والمعترفين والنساك . والسؤال الذى يفرض نفسه ايضا هو متى ينتصر الانسان المسيحى على الشر انتصاراً نهائياَ ؟؟؟؟ هذا الانتصار النهائى سيتم فى نهاية التاريخ بمجىء المسيح الثانى ، لذلك آخر عبارة فى سفر الرؤيا هى : " تعال ايها الرب يسوع " وهى صرخة رجاء وليست صرخة يأس . المسيح فى مجيئه الثانى سوف يأتى لكى يدين ويخلص خلاصا نهائيا ، لن يخلص ان لم يدين ، ويدين فقط لكى يخلص . سيدين ليس لمجرد ان ينتقم ولكن لكى يُنصف ضحايا التاريخ ، هكذا لن يفوز الجلاد بضحيته . الانسان المسيحى يعرف جيدا انه سيموت مثل كل اخوته فى الانسانية ، لكنه يعرف ايضا انه فى النهاية سيحيا البار والذى غالبا يكون ضحية من ضحايا التاريخ . المسيحى يدرك جيدا مسألة سيطرة الشر فى العالم وان الشر يبدو انه يكسب كل المعارك ، الا انه سوف يخسر المعركة الاخيرة ، فالنصرة للحياة على الموت . الايمان المسيحى هو تاريخى اى ايمان يجتاز الواقع ويتخطاة أٌ خرويا ، فهو يفسر الحاضر تحت نور المستقبل الآتى . هذا التخطى للتاريخ لا يعنى رفض الواقع أو إلغاءة بل تجلى الواقع وتغيرة وتجديدة . هذة هى رسالة المسيحية التى لا تلجأ للماضى لتتحصن به ولا لديها تشريعات لتفاصيل الحياة اليومية تطبقها بطريقة حرفية وعمياء لكن هى رسالة تجديدية للحياة والتاريخ ، رسالة ابداعية وخلاقة . غير ذلك تظل هذة الرسالة مجرد احد مقتنيات الآثار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق